|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() رمضان والأخسرون أعمالًا د. عبد الرقيب الراشدي الخطبة الأولى الحمدُ لله، نحمده تعالى ونستعين به، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهدِه الله فهو المهتدي، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه، ولا مناوئ له في علو شأنه، العظيمُ الذي تصاغر لعظمته العظماء من أهل الأرَضين والسماء، فكل عزيز تحت عزه ذليل، وكل غني تحت غِناه فقير. يا رب بك أستجير ومن يجير سواك؟ ![]() فأجِرْ ضعيفًا يحتمي بحماكَ ![]() إني ضعيف أستجير على قويٍّ ![]() ضعفي ومعصيتي ببعض قواكَ ![]() فأجِب دعائي واستجب لي رَجوتي ![]() ما خاب يومًا من دعا ورجاكَ ![]() وأشهد أن نبيَّنا وعظيمنا، ومُخرجنا من الظلمات إلى النور بإذن ربه، محمدٌ رسول الله، أشهد بأنه أدَّى الرسالة، وبلغ الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمَّة، تركنا على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يتمسك بها إلا كل منيب سالك، فصلوات ربي وتسليماته عليه، وعلى آله وأصحابه وأزواجه، ومَن دعا بدعوته، وسار على طريقته، واستنَّ بسُنته إلى يوم الدين؛ أيها المؤمنون: اعلموا أن أصدقَ الحديث كتاب الله، وخير الهَدْيِ هَدْيُ محمد بن عبدالله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، عياذًا بالله من ذلك. أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ وصيةِ الله للأولين والآخرين، ووصيته للناس أجمعين إلى يوم الدين؛ فقد قال عز من قائل، ولم يزل قائلًا عليمًا وآمرًا حكيمًا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد: فقد روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، والواحدي في (أسباب النزول)؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((لما نزل قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [الحجرات: 2]، وكان ثابت بن قيس بن شمَّاس رفيعَ الصوت، فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد حبِط عملي، وأنا من أهل النار، وجلس في بيته حزينًا، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بعض القوم إليه، فقالوا له: فقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لك؟ قال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي، وأجهر له بالقول، حبِط عملي، أنا من أهل النار، فأتَوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك، فقال: لا، بل هو من أهل الجنة)). وفي مسند الإمام أحمد قال أنس: "فكنَّا نراه يمشي بين أظهُرنا، ونحن نعلم أنه من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة، كان فينا بعضُ الانكشاف، فجاء ثابت بن قيس بن شماس، وقد تحنَّط ولبِس كفنه، فقال: بئسما تعودون أقرانكم، فقاتلهم حتى قُتل". أيها المؤمنون: هذا الموقف من ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه يبيِّن لنا تفاعل الصحابة رضي الله عنهم مع آيات الله تعالى المُنزلة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كما يبيِّن لنا خوفهم الشديد من الأسباب الجالبة لحبوط أعمالهم، وعلى رغم أن الآية القرآنية لا تعني ثابت بن قيس، فصوته الجَهْوَرِيُّ المرتفع خلقه الله على هذه الصفة، ولم يكن ممن يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك خاف على نفسه أن يكون ممن عَنَتْهم هذه الآية الكريمة بهذا الوصف؛ فيُحبط الله عمله. وهذا الخوف من حُبُوط الأعمال أولى أن يعتني به كل مسلم ممن جاء بعد جيل الصحابة رضي الله عنهم؛ لأننا في زمان كثُرت فيه الأسباب التي قد تُحبط أعمالنا ونحن لا نشعر. أيها المؤمنون: ونحن نودِّع شهر شعبان، هذا الشهر الذي تُرفع فيه أعمال العباد إلى الله تعالى، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد فيه في عمل الأعمال الصالحة، ومن ذلك كثرة الصيام فيه؛ روى أبو داود والنسائي وابن خزيمة، بسندٍ حسَّنه الألباني، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: ((قلت: يا رسول الله، لم أرَك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم في شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفُل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأُحب أن يُرفع عملي وأنا صائم)). وفي الصحيحين وغيرهما، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته أكثر منه صيامًا في شعبان)). وبعد شهر شعبان سندخل شهرَ رمضان، وهو موسم عظيم من مواسم الأعمال الصالحات، وكل الأعمال الصالحة التي نعملها قد يُبطلها الله تعالى، ولا يقبلها من العبد، ولو تعددت مواسم فعلِ الطاعات التي قد يدخلها الإنسان؛ والسبب في ذلك أن العبد قد يقع في بعض الأمور التي قد تتسبب في بطلان أعماله لها؛ لهذا على المسلم أن يُحسن استقبال شهر رمضان، بالتعرف على مُحبطات الأعمال التي قد تُفسد عليه أعماله؛ فيكون من الأخسرين أعمالًا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا. فما هي الأعمال التي من تلبَّس بها، أو ببعضها، أحبط الله عمله؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذه الخطبة، بإذن الله تعالى. أيها المؤمنون: أمر الله تعالى عباده المؤمنين بطاعته، وأن يعملوا أعمالًا صالحة تقربهم إلى الله تعالى، وحذرهم من الأسباب المؤدية بهم إلى حُبُوط أعمالهم؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33]، وقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم، ونبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم، جملةً من الأسباب المُحبطة لأعمال العباد. ومن ذلك الكفر بالله تعالى، فالكافر مهما عمِل من أعمال، فإن الله تعالى لا يقبل منه عمله؛ لأنه قد فَقَدَ الإيمان بالله تعالى الذي هو أساس قبول الأعمال؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 5]، وقد وصف الله تعالى أهل الكفر بأنهم الأخسرون أعمالًا، وأن أعمالهم لا وزنَ لها عنده سبحانه وتعالى يوم القيامة، وأن مصيرهم في الآخرة نار جهنم؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾ [الكهف: 103 - 106]. وبعض أهل الكفر قد تكون لهم أعمالٌ صالحة كثيرة، فبعض الأحبار والرُّهبان قد يعتزلون الناس والحياة، يحرمون على أنفسهم الطيباتِ التي أحلَّها الله تعالى، فيلبسون الخشن من الثياب، ويأكلون الرديء من الطعام، ولا يتزوجون النساء، وهدفهم بذلك التقرب إلى الله تعالى حسب زعمهم، لكن كل تلك الأعمال التي ابتدعوها ما كتبها الله عليهم، وما طالبهم بها، فمهما تعبدوا بها لله تعالى، فلن يقبلها الله منهم؛ لأنهم بكفرهم قد أحبطوا أعمالهم، وفسقوا عن طاعة ربهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 27]. وأعمال الكفار مردودة عليهم، وليس لهم منها إلا النَّصَبُ والتعب، وفي الآخرة يُصليهم الله نارًا حامية؛ جاء في مستدرك الحاكم بسند مرسل: "أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرَّ بدير راهب فناداه: يا راهبُ، يا راهب، قال: فأشرف عليه، فجعل عمر ينظر إليه ويبكي، قال: فقيل له: يا أمير المؤمنين، ما يُبكيك من هذا؟ قال: ذكرتُ قول الله عز وجل في كتابه: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ﴾ [الغاشية: 2 - 4]، فذلك الذي أبكاني". أيها المؤمنون: وفي عصرنا الحاضر، قد نرى بعض الكفار يعملون أعمالًا إنسانية كثيرة، فيطعمون الجِياع، ويُغيثون المنكوبين، ويواسون المُشردين، ويداوون الجرحى، وغير ذلك من الأعمال الإنسانية الصالحة، لكن أعمالهم هذه لا قيمة لها عند الله تعالى، ولا يُثيبهم الله عليها في الآخرة؛ لأنهم ما عرفوا الله تعالى، وما آمنوا به، وأرادوا أن ينالوا بذلك الذِّكر بين الناس فحصلوا عليه؛ فهذا حاتم الطائي كان من أجود العرب وأكرمهم في الجاهلية، لكنه ما آمن بالله وما عرفه، فعمله مردود عليه، وأراد أن يُذكر بين الناس بذلك فنال ما أراده؛ ففي مسند أحمد بسندٍ حسَّنه الشيخ شعيب الأرنؤوط، عن عدي بن حاتم قال: ((قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبي كان يصِل الرَّحِم ويفعل ويفعل، فهل له في ذلك؛ يعني: من أجر؟ قال: إن أباك طلب شيئًا فأصابه)). وهذا عبدالله بن جُدعان، كان من رؤساء قريش في الجاهلية، وكان له أعمال صالحة كثيرة، ومن أفعاله الحسنة أنه: يصِل أقاربه، ويُحسن إليهم، ويُطعم المسكين، وغيرها من الفضائل التي حثَّ الإسلام على فِعلها، لكن أعماله هذه لن تنفعه بين يدَي الله في الآخرة، وذلك بسبب كفره بالله، وأنه لم يقل يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين؛ روى الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ((قلت: يا رسول الله، ابنُ جدعان كان في الجاهلية يصِل الرحم، ويُطعم المسكين، فهل ذاك نافعه؟ قال: لا ينفعه، إنه لم يقل يومًا: ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين)). أيها المؤمنون: وقد ذكر الله تعالى مصير أعمال الكفار في الآخرة، وشبَّهها بالسراب الذي يراه المسافر في الصحراء، فإذا وصل إليه لم يجِدْه، ولم ينتفع منه بشيء؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39]، وشبَّهها في آية أخرى بالرماد الذي اشتدَّت به الريح في يوم عاصف؛ قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ﴾ [إبراهيم: 18]. أيها المؤمنون: قد يقول قائل: لماذا تحدثنا عن الكفر وكلنا - ولله الحمد - أهلُ إسلام وإيمان؟ وهنا نقول: قد يقع المؤمن في بعض الأعمال التي قد تؤدي به إلى الكفر وهو لا يشعر، ومن الأعمال التي مَن فعلها وقع في الكفر وكان صاحبها من الأخسرين أعمالًا، تركُ الصلاة جحودًا لها وعدم الإيمان بفرضيتها؛ وذلك أن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، ومن تركها جاحدًا لها، فقد كفر بالله تعالى عند جميع أهل العلم، ومصيره في الآخرة نار جهنم إن مات وهو مصرٌّ على تركها؛ قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴾ [المدثر: 38 - 43]، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم تاركَ الصلاة بالكفر والشرك؛ فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بين الرجل وبين الكفر والشرك تركُ الصلاة))، وفي مسند أحمد بإسناد صحيح عن بريدة بن حصيب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر))، وفي هذا الحديث النبوي وعيدٌ عظيم يدل على كفر تارك الصلاة، ولو لم يجحد وجوبها. أيها المؤمنون: أعمال العبد كلها لا تُقبل ما لم يكن العبد قد حافظ على الصلاة وأدَّاها في حياته؛ روى الترمذي في سننه بسند صحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاتُه، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر)). بعض الناس منَّ الله عليهم بإدراك شهر رمضان، فيصوم نهاره، ويقوم ليله، وهذه نعمة عظيمة، وبعض الناس ممن أدرك رمضان قد يترك بعض الصلوات في نهار رمضان وهو صائم، وقد يظن أن صيامه يُعفيه من أداء الصلاة، فينام عنها أو يتكاسل عن أدائها، وهذا أمر مُحزن، يجعل صاحبه محرومًا من الاستفادة من شهر رمضان وما فيه من فضائلَ وبركاتٍ، وما علِم هذا العبد أنه لو ترك صلاة واحدة عامدًا متعمدًا، فإن الله تعالى سيُحبط جميع أعماله، ولن ينفعه في رمضان الصيامُ ولا القيام؛ لأنه قد ترك صلاة من الصلوات المكتوبة عليه، وقد جاء الوعيد الشديد فيمن ترك صلاة العصر متعمدًا حتى خرج وقتها؛ فقد روى البخاري عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن ترك صلاة العصر، فقد حبِط عمله))، وروى الإمام أحمد في مسنده، وهو في صحيح الترغيب والترهيب، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ترك صلاة العصر متعمدًا حتى تفوته، فقد أُحبط عمله)). أيها المؤمنون: ومن الأعمال التي من فعلها وقع في الكفر وكان صاحبها من الأخسرين أعمالًا، من أتى السَّحَرة والعرَّافين، وصدَّقهم فيما يخبرون به من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [النمل: 65]، ونحن في عصر راجت فيه بضائع الكهنة والمشعوذين، وقد فُتحت لهم قنوات وفضائيات كثيرة، وتجد الناس يتزاحمون عليهم، ويسألونهم عن مستقبلهم وأحوالهم في أيامهم القادمة، وماذا تنتظرهم من أقدار حسنة وسيئة، والتعلق بمثل هذه الأمور قد تذهب بدين العبد وإيمانه، وقد تؤدي بالعبد إلى الكفر، فمن أتاهم لمجرد سؤالهم ولم يصدقهم فيما يقولونه، هذا الفعل يُحبط عمله لأربعين يومًا؛ روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أتى عرَّافًا فسأله عن شيء فصدَّقه، لم تُقبل له صلاة أربعين يومًا))، أما إذا أتاهم وصدَّقهم فيما يقولونه من ادِّعائهم علمَ الغيب، فقد وقع في الكفر؛ روى أحمد في مسنده بسند حسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)). أيها المؤمنون: ومن الأعمال التي مَن فعلها وقع في الكفر وكان صاحبها من الأخسرين أعمالًا، مَنِ استهزأ بالله أو بآياته، أو استهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم أو بأصحابه الكرام رضي الله عنهم أجمعين، فلما همَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى غزوة تبوك، أخذ بعض المنافقين يستهزئون برسول الله وصحابته، فحكم الله تعالى عليهم بالكفر؛ قال الإمام الطبري في تفسيره، وابن إسحاق في سيرته، عن زيد بن أسلم، ومحمد بن كعب: قالا: ((قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك: ما رأيت مثل قرَّائنا هؤلاء، أرغبَ بطونًا، ولا أكذبَ ألسُنًا، ولا أجبنَ عند اللقاء - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه - فقال عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب عوف ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث بحديث الرَّكب نقطع به عنا الطريق، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ﴿ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ [التوبة: 65، 66])). فالله تعالى وآياته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنته وأصحابه ليسوا مجالًا للسخرية والاستهزاء، ولا موضعًا للنكتة ولا المزاح، فمن تعرَّض لشيء من ذلك بالسخرية والاستهزاء، فقد يقول كلمة قد تكون سببًا في هلاكه ودخوله نارَ جهنم؛ روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد لَيتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يُلقي لها بالًا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يُلقي لها بالًا، يَهْوي بها في جهنم))، وفي رواية عند أحمد والترمذي: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا، يهوي بها سبعين خريفًا)). أيها المؤمنون: ومما يلحق بذلك كراهية شيء من الدين؛ قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 9]، وهذا باب خطير ينبغي للمسلم أن يحذر منه، وبخاصة حينما لا يوافق الشرع هواه ورغباتِه، أو يقع في نفسه نفرة منه؛ فيُخشى عليه حبوط عمله، ولهذا كان من الذكر الذي ينبغي أن يحرص عليه المسلم ويداوم عليه: ((رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا))؛ يقول ذلك ثلاث مرات في الصباح وفي المساء. فاحذروا - عباد الله - من الأعمال المؤدية بصاحبها أن يحبط الله أعماله وهو لا يشعر. قلت ما قد سمعتم، فاستغفروا الله، فيا فوز المستغفرين. الخطبة الثانية الحمد لله الذي كان بعباده خبيرًا بصيرًا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجًا وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا، وهو الذي جعل الليل والنهار خِلفة لمن أراد أن يتذكر أو أراد شكورًا، والصلاة والسلام على البشير النذير محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه وإخوانه؛ أما بعد أيها المؤمنون:فمن الأعمال التي مَن فعلها أحبط الله أعماله وكان صاحبها من الأخسرين أعمالًا، الرياءُ؛ وهو أن يطلب العبد بعمله الصالح ثناءَ الناس ومدحهم، فمِن الناس مَن يراؤون بأعمالهم الصالحة، فإذا رأى أحدهم الناسَ ينظر إليه، أحسن في صلاته، وإذا صام يومًا من رمضان، لا يهدأ له بال حتى يُخبر من يقابله بأنه صائم، ويرتاح عندما يعلم الناس بصيامه وقيامه واجتهاده في رمضان وغيره، ولخطورة الرياء؛ فقد حذر منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال للصحابة يومًا: ((ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدَّجَّال؟ قالوا: بلى، فقال: الشرك الخفيُّ؛ أن يقوم الرجل يصلي فيُزين صلاته لما يرى من نظر رجلٍ))؛ [حسنه الألباني]، وعن أبي أمامة الباهلي، قال: ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر، ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له، فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له، ثم قال: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابتُغِيَ به وجهه))؛ [حسنه الألباني]. أيها المؤمنون: وأهل الرياء لا يقبل الله منهم أعمالهم؛ لأن الله تعالى يريد من العبد أن يعمل العمل، ويكون مقصده ابتغاء وجه الله ورضوانه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5]، وفي الحديث القدسي الذي رواه مسلم: ((قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمِل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركتُه وشركَه))، وقد خاف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته الرياءَ، وسمَّاه شركًا أصغر؛ جاء في صحيح الترغيب للألباني، قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أخوفَ ما أخاف عليكم الشرك الأصغر؛ الرياء، يقول الله عز وجل إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً؟))، وأصحاب الرياء يُحبط الله أعمالهم، ويجعلهم أول من تُسعَّر بهم النار، ولو كانت أعمالهم من الأعمال العظيمة الحسنة؛ روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجلٌ استُشهد، فأُتِيَ به، فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استُشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يُقال: جريء، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه، حتى أُلقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأُتِيَ به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليُقال: عالم، وقرأت القرآن ليُقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه، حتى أُلقي في النار. ورجل وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأُتِيَ به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيلٍ تحب أن ينفق فيها إلا أنفقتُ فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليُقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه، ثم أُلقِيَ في النار)). أيها المؤمنون: يتبين لنا مما سبق أن العمل الذي لا يُبتغى به وجه الله عز وجل لا ينفع صاحبه في يوم القيامة، وليس له عند الله من نصيب؛ ولهذا فإن الصالحين من هذه الأمة قد خافوا على أعمالهم من الرياء؛ قال سفيان الثوري: "كم أجتهد في تخليص الرياء من قلبي، كلما عالجته من جانب، ظهر من جانب". أيها المؤمنون: حافظوا على أعمالكم الصالحة، واحذروا من الأسباب الجالبة لحبوط أعمالكم، فتذهب حسناتكم سُدًى، وكأنكم لم تعملوا شيئًا؛ وتذكروا قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33]، واحذروا أن تكونوا ممن قال الله فيهم: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ﴾ [الغاشية: 2 - 5]، فإنها كانت تعمل وتنصب وتتعب، ولكن النهاية كانت إلى النار الحامية، نسأل الله تعالى أن يحفظ علينا أعمالنا، وأن يجنِّبنا مُضِلَّات الفتن، وأن يبلغنا رمضان ونحن في أحسن حال. هذا، وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبيِّنا وإمامنا وقدوتنا، محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلم؛ فقد أمرنا الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتوفَّنا مع الأبرار، اللهم إنا نسألك من موجبات رحمتك، ومن عزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، اللهم إنا نسألك إيمانًا كاملًا، ويقينًا صادقًا، ورزقًا واسعًا وحلالًا طيبًا، وعملًا صالحًا متقبلًا، اللهم يا واصل المنقطعين أوصلنا إليك، اللهم يا واصل المنقطعين أوصلنا إليك، اللهم هَبْ لنا عملًا صالحًا نتقرب به إليك، اللهم نوِّر قلوبنا بنور الإيمان، وأعنَّا على نفوسنا وعلى الشيطان، وآيِسه منا كما آيستَه من رحمتك يا رحمن. اللهم خفِّف عنا الأوزار، وارزقنا عيشة الأبرار، واصرف عنا شر الأشرار، وأعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا من النار، برحمتك يا كريم يا غفار. اللهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين في غزة وفلسطين، اللهم كن معهم ناصرًا ومعينًا، ومؤيدًا وحافظًا يا رب العالمين، اللهم وحِّد صفهم، واجمع كلمتهم، وسدِّد رميهم، وأشبِع جائعهم، واشفِ جريحهم ومرضاهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم عليك بأعدائهم وأعداء المسلمين من اليهود والأمريكان؛ فإنهم لا يُعجزونك، اللهم أحْصِهم عددًا، واقتلهم بِددًا، لا تغادر منهم أحدًا، أرِنا فيهم يومًا أسودَ كيوم عاد وثمود والأحزاب، ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار. وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]؛ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |