ورطة وحيد (قصة) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4429 - عددالزوار : 865755 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3961 - عددالزوار : 399391 )           »          لماذا المهندسون أذكياء الناس؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى المَدِينَةَ طَابَةَ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          بينما نبي الله يوسف في أصفاد السجن وحده.. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          كوامن العظمة في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          معركة مؤتة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          تذكروا وقوفكم أمام الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          كِيلُوا طَعامَكُمْ يُبارَكْ لَكُمْ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي
التسجيل التعليمـــات التقويم

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 31-05-2021, 03:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,423
الدولة : Egypt
افتراضي ورطة وحيد (قصة)

ورطة وحيد (قصة)


محمد حسن جباري



مرَّت ثلاثُ سنوات منذ أن أضاف وحيدٌ رقمًا جديدًا في لوائح البطَّالين لدى وزارة الإحصاء، بعد أن أذعَنَ المصنعُ الذي كان يعمل فيه لدعوات الإفلاس المُلحَّة.

إلى حدٍّ كبير صار يُشبِهُ السيجارةَ التي أدمن احتضانَها وتقبيلَها؛ فهو طويلٌ هزيلٌ شاحب.

خارطةُ التَّغَضُّنات التي حفَرها العبوسُ الدائمُ على جبهتِه وبين حاجبَيه تزدادُ وضوحًا مع كل صباح؛ فأربعةُ أفواهٍ لَحُوحة - إضافةً إلى أمِّهم - تَشرئِبُّ بأعناقها مع مطلعِ كلِّ يوم، نحو حُويصلة جيبِه اليابسة.

لَسَعته صرخاتُ زوجِه المتوالية، وهي تدعوه بصوت يتمزَّع لَهفةً:
أَسرِع، أَسرِع!

ازدادت تَغضُّنات جبهتِه وما بين حاجبَيه تمايزًا، وازداد وجهُه شحوبًا، حين أخبرته أن الأوراق النقديَّة التي تلوِّحُ بها قد وجدَتها في (جاكيتة) سُفيان، وهي تُعِدُّ الملابسَ للغَسل!

تمخَّض رَحِم الموقف عن علامات استفهام أخرى، تناسلَت تساؤلاتُ وحيد، وأصبحت أكثر إلحاحًا، حين اقتحم المشهدَ صورٌ من غَبَش الأيام الفارطة؛ الحذاءُ الرياضي الفَخم، (جاكيتة) الجلد الخالصِ، (البنطلون الجينز)، ثم المبلغ المالي!
ما الذي تورَّط فيه هذه المرة؟

أخيرًا: كرةُ الثلج الماردةُ تَنطلِقُ من مَكمنِها، ساحقةً في طريقها كلَّ الحواجز المُتهافِتة التي كان سفيانُ يُهندسُها بزخارف مُبرِّراته.

الخلفيةُ الحالكة لسفيان - أو (شيطان) كما يحلو لوالده أن يدعوَه - ازدادت بعد هذه الحادثة اسودادًا، وخنقَت آخرَ نورٍ من أنوار حُسنِ الظنِّ التي كانت تُشرِقُ - أحيانًا - في نفس أبيه تجاهه، لَملمَ وحيدٌ حطامَه على قارب جسده المُتهالك، بعد أن رَكِبته موجةٌ مهولة من الغضب العارم، وخرَج يبحث عن سفيان، تتدفَّق من فِيه سيولٌ من الشتائم الصلبة، لا يرطِّبُها سوى رشاشِ البُزاق، تُشيِّعُه نظرات زوجِه وبناته الحيارى.

من أين يمكنُ أن يَحصُلَ سفيان على المال؟ (تساءلت الأم، وقد أسدلَت حاجبَيها على عينَيها بزاوية مائلة).
ألا يمكنُ أن يكون قد عَثَر عليه؟
(أضافت): لو كان الأمرُ كذلك، لما لجَأ إلى إخفاء خبرِه عنَّا؟ (قالت البنت الكبرى).
ربما سَرَقه! (قالت الصغرى).
لم تُعلِّق الوسطى بشيء.



بعد خروجه انشغل وحيدٌ قليلًا عن سفيان، حين أبصَرَ سيارةَ الشرطة رابضةً بالقرب من قصر (الحاج فريد)، تُحملِقُ فيه بنظراتِها النافذة من عينها الحمراء العلوية..

عرف أنهم جاؤوا للتحقيق في قضية السَّطو التي تعرَّض لها منزل الحاج فريد البارحة، المعادلةُ المنطقيَّة البسيطة التي أجراها استهلكَتِ الكثيرَ من طاقتِه، لدرجة أنه آثر العودةَ إلى البيت لاهثًا، يجرُّ حطامَه بخطوات مُتهالِكة.

انزوى في ركنٍ من البيت، رعشةُ يدَيه حالَت دون إشعالِ السيجارة بالمهارة المعتادة، واستحالَ إلى هالةٍ من الشحوب، والدُّخان، والذهول...

صريرُ الباب بدَّد شابورة الصمت، كان وحيدٌ أولَ الواصلين:
من أين لك هذا؟
وصفَع وجهَ سفيانَ (بكمشة) الأوراقِ النقديَّة!

تفلَّتَتِ الحِيلُ من سفيان الواحدةُ بعد الأخرى، بين حيلةٍ باليةٍ أخلَقَها كثرةُ الاستعمال، وأخرى سَمجةٍ لا يَرُوج مثلُها إلا على أغبى الصبيان، علاوةً على نظراتِ والدِه المتوقِّدة التي كانت حِيَلُه تتبخَّرُ تحتَ لهيبِها المُحرق..

والداهيةُ الدَّهياء أن لو اكتشفَ الوالد أن الوريقات التي نسِيَها سفيان في (الجاكيتة)، ليست إلا جزءًا يسيرًا من مبلغ مُحترم يُخبِّئه!

في الوقت ذاته كان وحيد مُشفِقًا مِن أن يتوافقَ الجواب مع توقُّعاته المخوفة، حتى إن الحقيقةَ - إن كانت كما يتوقع - بدَت له أبغضَ من الكذب نفسه.

لَعلَع صوتُه من جديد:
لقد تعرَّض منزلُ الحاج فريد للسَّطو البارحة، وقد حضرَتِ الشرطة منذ قليل للتحقيق في الحادث، فإن كان لك يدٌ في هذا الفعل، فتكلَّم بسرعة قبل فواتِ الأوان.
لا تتسرَّع يا وحيد، قد تكون توقعاتُك في غير محلها؛ (قالت حياة).

أنتِ آخرُ مَن يحقُّ له أن يتكلَّم؛ هذه هي الأعذار التي أوصلَتنا إلى ما نحن فيه: لا يزال صغيرًا، لا يزال صغيرًا! رأى أساتذتُه منه الوَيلات: "لا يزال صغيرًا!"، طالما أثار المشكلات مع أبناء الجيران: "لا يزال صغيرًا"، تعاطى المخدرات: "كلُّ الشباب يفعلون هذا، وسيُقلِعُ عنها إذا كبر!"، سرق: "معذور؛ يريدُ أن يظهر مثلَ أصحابه"!

(قالها وهو يُحاكي صوت زوجه وملامحها)، هذا ولم يتجاوز بعدُ السابعةَ عشرة!

صَمت قليلًا ليستردَّ أنفاسه، ازدرد لُعابَه، ثم أضاف:
رُويدَكِ حتى نعرفَ منه حقيقة الأمر، وأتمنَّى ألا تسمعي عن قريبٍ صَلصلة الأصفاد في يديه!

شحب وجهها، وكأنه فُقِئ عليه حبُّ الزعفران، وراحت تُحرِّك شفتيها بدعوات لإبعاد الشرور عن ولدها المسكين!

مسافة اللحظةِ التي تمطَّى فيها الصمتُ كانت طويلة، لدرجة أن وجوهَ الجميع كَسَتها ظلالٌ من الشحوب، وغسَلَها عرقٌ غزير.

الشَّفتان المُتصلِّبتان تتحرَّكان، إنهما تهمسان، ماذا ستقولان؟
هل سيَهطِلُ الجوابُ كالغيث النافع؟
أم سيَنزِلُ كالنار المُحرقة؟
اختزلت أجسادهم في أحداقِهم وآذانهم!
مِن بيت الحاج فريد ضغطة الزِّر التي فجَّرت القنبلة.



استعاض وحيد عن الغداء بوجبة من السجائر، أحرَقَها في أتون أعصابه، ثم تداعى وسط مقبرة من أعقابها يعلك همومه، ويفكر في حلٍّ للخروج من هذه الورطة.

تناثرت حوله بقية الأسرة - ما عدا سفيان - يرقبون ما تتمخض عنه شفتاه المتيبستان.

أما سفيان فقد انزوى عنهم يتحسَّس مواضع من جسده، بعد عقوبة الضرب المبرح التي نالها من أبيه بالأثر الرجعي.

هل ستكون هذه الحادثة سببًا في بتر صلة المصاهَرة التي مدَّها الحاج فريد سابقًا، حينما خطب نعيمة - البنت الكبرى لوحيد - لولده؟

هل سيقطع عنهم ما تعوَّد أن يصلهم به شهريًّا من مال؟
ثم السؤال الكبير: هل سيَصفح عن سفيان إكرامًا لهم؟ أم سيفعل معه مثل ما فعل قبل عام مضى مع أحد أمناء مَتاجرِه الضخمة، الذي يقضي عقوبة بالسجن النافذ لعشر سنوات؛ لقاء خيانته؟

كانت العيون الذابلة تَهمس من خلال نظراتها الشاردة بهذه التساؤلات، لكن لا أحد يستطيع أن يُجيب؛ فالحاج فريد كغدير الماء العذب، الذي يَشوب صفاء سطحه نتوءات من الصخور الصلبة التي تقبع في قعره.

لاحت حمرة الشمس كالتيجان على رؤوس الجدران، مُنذرة بليل حالك وطويل.

بعد وجبة العشاء الفقيرة، وبعد الصلاة، تهدم وحيد على فراشه.

صورة الحاج فريد لا تُفارق خياله، ببسمته المشرقة أحيانًا، وبتقطيبةِ حاجبيه أخرى، لكَمْ تُخيفه هذه الأخيرة!

على غير عادتها.. بالغَت حياة كثيرًا هذه المرة في توبيخ سفيان ولوم نفسها، كأنها تريد أن تُعلن توبتها عن أخطاء الماضي، أو استرضاء وحيد الذي أدار ظهره لها بعد أن تكوَّمت بجواره، أو على الأقل انتزاع كلمة - ولو كانت شتيمة - من شفتَيه المطبقتين لترطيب هذا الجو الجاف.
المبلغ كبير!

قاطعته حياة:
قد يكون كبيرًا بالنِّسبة لنا، لكنه لا يُساوي شيئًا بالنسبة للحاج فريد.
أنسيتِ انتِهاك حرمة البيت؟! أنتِ لا تُبصرين أكثر من أرنبة أنفك!

أضاف:
الحاج فريد بلَّغ الشرطة، ولا شكَّ أنهم يُجْرون تحرياتهم.. المسألة مسألة وقت وحسْب.
ماذا لو ذهبتَ إليه بالمال، وطلبت منه الصفح؟! لا أظنُّه سيردُّك خائبًا.
ما أسهل الكلام! أتريدين مني أن أقف بين يديه كالعبد الآبق، لأقول له: اصفح عن ولدي؛ لأنه انتهك حرمة بيتك، وسرق مالك؟!

لقد كان المبلغ مغريًا حقًّا، يَكفي لتسديد أجرة الكراء، ولعلَّ صاحب البيت سينفِّذ وعيده بطردهم إلى الشارع - هذه المرة - إن تلكؤوا في تسديد الأجرة، ويَكفي لتسديد فاتورة الكهرباء، ويغطِّي مصاريف نعيمة التي ستتخرج هذا العام من كلية الطب، على أمل أن تفتح عيادة، تُسهم من خلال مدخولها في رفع المعاناة عن أسرتها، ويكفي المصاريف المدرسية للبنتين الأُخريَين، علاوةً على الديون التي ناء بها، وعجز عن تسديدِها، خصوصًا بعد التسريح من العمل.

لكن سرعان ما كان وحيد ينشُّ هذه الخواطر، فتفر بعيدًا عن ذهنه.

ماذا لو توسَّل بشخص ما من أحباب الحاج فريد؛ لإرسال المال، وطلَب منه عدم ذكر اسمه، وأن يترجَّى - بالنيابة عنه - الحاج فريدًا؛ ليتفضَّل بسحب القضية من قسم الشرطة؟! وهكذا يكون قد أعاد المال لصاحبه، وأنقَذَ ولده، وأراح نفسه من أتعاب هذه الورطة..

لم يكن هذا الهاجس من الجد بحيث يستحِقُّ أن يتوقَّف عنده، بلْهَ التفوُّه به.

شرد وحيد ببصره في السقف، كأنه يعد الشقوق التي شوَّهت وجهَه الأغبر، سَهُم لونه فجأة، أرسل تنهيدة ساخنة، تبعتها نوبات من السعال الجاف تكاد تقتلِعُ حنجرته، استدعى الأمر استنفاد ما بقي في بخاخ الربو لتجاوز هذه النوبة.

عقرب الساعة يَحثو الدقائق حثوًا، كأنه يستحثه بدقاته الصارمة أن يعتصر سوق أفكاره الكاسد..

فجأة، انتفض من فراشه، ارتدى ثيابه، حمل صرة المال.. سألته حياة حين رأته يهمُّ بالخروج.. صفق الباب في وجهها دون ردٍّ.

عمُق الزقاق أمامه إلى ما لا نهاية! على ذبالة أضوائه الشاحبة، ارتعشت في جدرانه ظلال غُصينات يابسات كأصابع الموتى، وقد غاصت أسافل الأشياء في ضحضاح من العتمة الحالكة.

قهقه القصر العظيم أمامه بأنواره الساطِعة، روحه المعذبة تتآكل شيئًا فشيئًا كلَّما اقترب.. كادت يده تعصي أمره وهو يمدها لقرع الجرس.. ركض قلبه في صدره وهو يُصغي إلى قرع خطوات قادمة.. قرقعة المزلاج تصكُّ سمعه كدويِّ المدافع، صريرها يثقب أذنيه كضحكات ساحرات سالم الشامتة.

سال جسده وهو يرى الحاج فريدًا ينتصب أمامه بقامته الفارعة، يزرُّ فيه عينين زرقاوين، زادهما الاستغراب حدةً ونفوذًا.

(بصوت لاهث):
السلام عليكم.. الحاج فريد، مساء الخير.
وعليكم السلام.. مرحبًا وحيد.. قسمات وجهِه تكفَّلت بباقي الكلام.



تجاوبت وجوههم هذه الصبيحةُ مع أشعة الشمس نوعًا ما، زغرد فيها شيء من الدماء، بعد أن أرخى الهمُّ قبضته عنهم شيئًا يسيرًا إثر ذهاب وحيد البارحة إلى الحاج فريد..

لماذا لم تقبَل المال حينما عرضه عليك الحاج فريد؟ (قالت حياة بنبرة تَشي بنوع تأنيب).

ما الذي دهاك يا امرأة؟ أتريدين إذلالي، ألم تقنَعي بالعفو الذي شملنا به، ووعدِه بالسعي في تخليص ابنك من طائلة العقاب؟! المهم أنني أبرأت ذمتي من المال الحرام، وصنْتُ عِرْضي أمام جاري، وصِهْري.
صحيح.. ألم يُلمِّح بشيء إلى خِطبة ولدِه مِن نعيمة؟

خشخشة الأواني صمتَت في المطبخ، أصاخت نَعيمة إلى الكلام، وقد تجمَّدت عيناها اللتان كسَتْهما حمرة من بكاء دابر، الليلة الماضية.

الزواج من نجل الحاج فريد أمنية طالَما راودَتْها؛ فهو الشاب الخلوق، الناجح، الذي انتزع احترام الجميع بعد أن برهَنَ على جدارته - من خلال الإسهام في إدارة أعمال والدِه الكثيرة - بحمل أثقل المسؤوليات التي ينوء بمثلها أقرانُه من الشباب، يدعم ذلك كله مسحةٌ من وسامة ظاهرة.

لم ألحظ شيئًا، ولم يُهمَّني تلك الليلةَ إلا الخلاصُ من ورطة شقيِّك.
أخوف ما أخافه أن تكون زوجُه وراء ما قد يكون من ذلك.

بنبرة جدٍّ غاضبة.. قاطعها وحيد:
كلمة أخرى وستَسمعين مني ما لا يُعجبك، لا همَّ لك إلا في اتهام الناس، ما الذي تَنقمينه على تلك المرأة الطيبة؟!

طرقات عنيفة على الباب تَحول دون تصاعد حدة الخلاف..

تجمَّدت أجسادهم، هامت أحداقهم في حماليقها، لم يَجرؤ أحد منهم على التفوه بتوقعاته عن الطارق.

تحامل وحيد على هيكله المتصدِّعِ أربعَ خطوات ونصفًا، وفتح الباب..

سلَّمهم وحيد فلذة كبده بيدِه، ثم عاد يغالب دموعه التي خنقها بين أجفانه، يشي بها صوته المتهدِّج، وهو يقول:
إنا لله وإنا إليه راجعون.



تخرَّجت نعيمة، حُدِّد موعد الفرح، تعهَّد الحاج فريد بالإسهام بقسط وافر من مصاريف العرس، بعد أن تكفَّل بمصاريف الدراسة لنعيمة، وسدَّد أقساط الكراء، وديون وحيد.

علَّقت حياةُ يومَها:
كنتَ على حق يا وحيد حينما أعدتَ المال إلى أصحابه، ورفضتَ عرض الحاج فريد في قَبولِه هبةً.
الله رحيم يا حياة، لن يُغلَق بابٌ حتى يَفتح ألفًا... (قال وحيد).

سفيان لن يكون حاضرًا يوم الفرح؛ فوساطة الحاج فريد لم تُفلح سوى في خصم سنتين من سبعٍ نافذة، كان سفيان سيقضيها في سجن الأحداث، بسبب القضية الأخيرة، مع قضايا أُخر.

أبدى الحاج فريدٌ لوحيد أسفه البالغ على ذلك.

ردَّ وحيد:
هي أقساط تراكَمَت علينا من دَين تقاعَسنا في تسديدِه، فها نحن نُسدِّدها اليوم بالجملة.

الكلمة نفسها التي ردت بها حياةُ على زوج الحاج فريد يوم العرس، وهي تواسيها عن تذكُّر ولدِها وهو وراء القضبان، حينما رأتها تشدُّ على دموعها بأجفانها.

أضافت حياة:
كان يُفترض أن يَحدث ذلك من زمن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.90 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.50%)]