سلطان جحا (الرجل والضند) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12641 - عددالزوار : 220696 )           »          إذا كانت الملائكة لا تقرب جيفة الكافر فكيف ستسأله في القبر ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 130 - عددالزوار : 15849 )           »          حرف القاف (نشيد للأطفال) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          نوادر الفقهاء في مدح سيد الشفعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          الجامع في أحكام صفة الصلاة 4 كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3959 - عددالزوار : 398688 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4428 - عددالزوار : 865052 )           »          أنماط من الرجال لا يصلحون أزواجاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          أيها الأب صدر موعظتك بكلمة حب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-08-2023, 10:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,384
الدولة : Egypt
افتراضي سلطان جحا (الرجل والضند)

سلطان جحا (الرجل والضند)
حسن عبدالموجود سيد عبدالجواد


قد يتعجب كثير من سكان المدينة والقرية عند قراءة هذا العنوان، لكنني أبادر بتعريف (الضند) تعريفًا يوضح فائدته لنا نحن الفلاحين ولعم سلطان بوصفه واحدًا منا.

الضند أيها السادة هو فرع شجرة ضخم بطول ثلاثة أمتار تقريبًا، يقوم الفلاحون بإعداده ليثبت في ترس الساقية من طرف، ويوضع الطرف الآخر فوق رقبة الحمار أو البقرة، ويُربط ربطًا محكمًا، ثم تدور الساقية لتروي قراريطنا العجاف، ثم يُحل الحمار أو البقرة لتعود بعد رحلة طويلة مع الساقية والضند إلى المنزل؛ حيث الطعام والشراب والراحة بعد العناء.

تعوَّدنا أن نراه بقامته الشامخة التي واجهت الشمس حتى النهاية وهو يمرق أمام منزلنا، لا أذكر أنني رأيته يرتدي جلبابًا يومًا ما (رحمهُ الله)، فقد أدمن العمل بالحقل حتى لا أكاد أراه إلا ذاهبًا إليه أو عائدًا منه بسرواله الطويل و(الصديري) المعهود عند جميع أهل القرية، وتلك الخِرقة التي يلفها حول وسطه لفًّا محكمًا يستمد منها لظهره ما أضاعته الأيام من صلابة وجَلد، ليتني كنت رسامًا حتى أستطيع أن أصف لكم هذا الهيكل الشامخ الذي يعلوه ذلك المنديل (المحلاوي) المشهور بخطوطه الصفراء والسوداء الذي استطاع صاحبه أن يجعل منه درعًا في وجه شمس قريتنا المكشوف.

لعلها مرات معدودة تلك التي رأيت فيها ذلك الرجل بدون الضند، حتى إنني هممتُ أن أجعله من جملة ملابسه السابق ذكرها هذا الفرع العملاق قد هُذب بعناية، حتى يصلح أن يكون (ضندًا) لعم سلطان يحمله جيئةً وذهابًا كل أسبوع، أو ينقص أو يزيد حسب حاجة أرضه إلى الماء، أو حسب جدول منظم أعده أصحاب الأراضي المشتركة في هذه الساقية الحنون التي فاضت على عمنا سلطان وجيرانه بالخير الوفير.

كم كنت أذهل وأنا الصغير عندما أري المشقة الكبيرة التي يستطيع هذا الرجل تحمُّلها وهو يحمل هذا الضند العملاق على كتفه اليمنى من منزله حتى موقع الساقية أراقب بشغفٍ ذلك الشيخ الذي يحارب بإرادته وضنده وملابسه الرثة كل ما يعترض طريقه، فلا الشيخوخة وإنحاء الظهر وطول المسافة والضند، وقسوة الشمس فوق الرأس وتحت القدمين الحافيتين بقادرين على إثنائه عن عزمه في طريقه الذي امتد عبر عشرين عامًا عاصرته فيها، وأضعاف ذلك قبل أن تطأ رجلاي أرض قريتنا الملتهبة كطفل من أطفالها ينال قسطه من العذاب اليومي المتواصل.

وما كان يصل بي إلى قمة الذهول هو أن عمنا رغم عناء الحِمل والمسافة، كان يضيف إلى أعبائه عبئًا يزن كل ما سبق ويزيد، فهو رغم الضند الذي أثقل كاهله وناء بكتفه اليمنى كدار آلت للسقوط، كان يجر بيده اليسرى في إصرار عجيب حماره المسكين الذي كان يعلم ما ينتظره من عناء هناك حول الساقية، فكان يتراجع بكل ما أُوتي من قوة في حين يجذبه عمنا سلطان من حبل قد التف حول رقبته بكل ما تبقى لديه من عزم، حتى يكاد الحمار يختنق لا تفيد معه توسلات العم، وتهديداته أحيانًا، فهو يصرخ تارة (امشِ الله يهديك) وتارات يصيح (امشِ يا بتاع الكلب لا أَمَوِّتك)، ثم يبرز في النهاية (كارته) الأخير حين يركل الحمار في بطنه بقدمه التي تشبه مطرقة استمدت صلابتها من عِشرة طويلة مع طرقات قرية لا تكاد تعرف الظلال.

ويتكوم الحمار على الأرض في ضعف وعِناد جاذبًا معه عمنا، يتأرجح الضند العملاق فوق كتفه العالية بشكل يثير الفزع، فلا هو تخلى عن حِمله وتفرغ لعناد الحمار، ولا هو ترك الحمار يستريح، فأطلق له القيد الذي التفت حوله قبضة يده والتف حولها في عناق عجيب.

ويستمر العناد فلا أطاع الحمار ومضى مع صاحبه حيث يريد، ولا ترك سلطان القيد، فأراح واستراح، كم كانت تتراءى لي ظلال سورة الفيل حينما كان أبي يحكي لي قصة هذا الملك الغاشم الذي أراد أن يُجبر فيله على اقتحام مكة لهدم كعبتنا، غير أن الفيل ناضل حتى جاءته النجدة من السماء.

لكنَّ فيلَنا هذه المرة أصغر حجمًا من قائده العملاق، وأقل حيلة وعنادًا ومكرًا، لا أذكر ما حدث يومها بالضبط، فقد أفقدتني المفاجأة الذاكرة لحين.

كل ما أذكره أنني حاولت مساعدة هذا المسكين المتكوم فوق الأرض، وهذا المسكين الذي تكوَّم فوقه لا أدري ما الذي دفعني لأمسك بالعصا التي كنت أمتطيها منذ قليل كحصان جر خلفي خطًّا طويلًا فوق أرض القرية، وخطًّا أطول من الغبار في سمائها، وبكل قوتي أنهلت على هذا الحمار العاصي ضربًا، فلم يجد المسكين مهربًا من قيد السلطان وعصاتي إلا بالتخلي عن عِناده ومكره، والانصياع أخيرًا لأمر سلطاننا الغالي، لا أستطيع أن أصف لكم مدى سعادتي حين قام الحمار ومشى في هدوء وسكينة مع صاحبه، لكنني حتى الآن لا أجد تبريرًا لما فعله عمنا بعدها.

لا أدري لماذا ركل حماره الطيِّع مرة أخرى في بطنه المنتفخة، لكنه لم يقع هذه المرة، بل اكتفى برفع ذيله إثر الضربة العنيفة، وإفراغ ما في بطنه دفعة واحدة في وجه طفل كان ما زال يمسك بحصانه ويقف خلف حمار السلطان وقفة المنتصر، ثم أتبعه الحمار بركلة خلفية أطارت الطفل وحصانه، وبعثرت ما تبقى من هيبة الفارس المنتصر عندما تكوم على بعد أمتار.

لعلكم ستندهشون معي إذا أخبرتكم أني رأيت عمنا بعدها من خلف عيني المملوءتين بالدموع، وهو يثب في خفِّه فوق حماره حاملًا ضنده فوق كتفه، وأن الحمار أخذ سلطاننا ومضى به نحو الساقية في سرعة غير معهودة، وبقيت فوق تراب قريتنا الذي امتزج بفضلات الحمار الخضراء، وصنعا لي ثوبًا كدت أنسى لونه الحقيقي، فبقيت أسأل ولا أجد الإجابة، وما زال السؤال حائرًا حتى الآن: لماذا لم يركب حماره من البداية؟! بعدها مات السلطان، قالوا أنه مات في حقله والفأس في يده، مات لكنَّ قناته ما زالت تجري بالحياة، مات فامتزج أنين الأهل ونواحهم بأنين الحمار ونواح الساقية.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 49.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.18 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (3.43%)]