باب: (إثم مانع الزكاة) - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الأمُّ الرحيمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-11-2021, 06:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي باب: (إثم مانع الزكاة)

باب: (إثم مانع الزكاة)
الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح



عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله؛ إما إلى الجنة وإما إلى النار»، قيل: يا رسول الله فالإبل؟ قال: «ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلًا واحدًا، تطؤه بأخفافها وتَعَضُّه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار»، قيل: يا رسول الله فالبقر والغنم؟ قال: «ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، لا يفقد منها شيئًا، ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه أولاها ردَّ عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار»، قيل: يا رسول الله فالخيل؟ قال: «الخيل ثلاثة: هي لرجل وزر، وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر، فأما التي هي له وزر، فرجل ربطها رياءً وفخرًا ونواءً على أهل الإسلام، فهي له وزر، وأما التي هي له ستر، فرجل ربطها في سبيل الله، ثم لم ينسَ حقَّ الله في ظهورها ولا رقابها، فهي له ستر، وأما التي هي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج وروضة، فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء، إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات، وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات، ولا تقطع طولها فاستنت شرفًا أو شرفين إلا كتب الله له عددَ آثارها وأرواثها حسنات، ولا مر بها صاحبها على نهر فشرِبت منه، ولا يريد أن يسقيها، إلا كتب الله له عددَ ما شربت حسنات»، قيل: يا رسول الله، فالحمر؟ قال: «ما أنزل علي في الحمر شيء إلا هذه الآية الفاذَّة الجامعة: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]»؛ رواه مسلم.

ومن قوله: «الخيل ثلاثة..» إلى آخر الحديث عند البخاري من حديث أبي هريرة أيضًا، وفي رواية له: «من احتبس فرسًا في سبيل الله، إيمانًا بالله، وتصديقًا بوعده، فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة».


شرح ألفاظ الحديث:
((ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها)): وأعظم حق هو أداء زكاتهما، وقوله: (حقها) ظاهره هاء التأنيث ضمير يعود على الفضة؛ لأنه أقرب مذكور، وفي هذه الحالة يكون ذكر الذهب لا فائدة منه وهذا غير مراد بلا شك، والأفضل أن يقال: الذهب والفضة، يقال لهما: (عين) لغةً، والعين مؤنثة والضمير يعود عليها.


((صفحت له صفائح من نار)): الصفيحة كل شيء عريض من حجارة أو لوح ونحوهما، وجمعها صفائح؛ [انظر لسان العرب 7 / 355].

((كلما بردت أُعيدت له))؛ أي: إن هذه الصفائح لا تترك حتى تبرد وتزول حرارتها، ولكنها كلما بردت أُعيدت وأُحميت في نار جهنم.


((ومن حقِّها حلبها يوم وردها)): (حلبها): بفتح اللام على المشهور وحُكي إسكانُها، ويوم وردها؛ أي: حين ترد الماء لتشرب، وهي ترده في كل ثلاثة أو أربعة أيام، وربما في ثمانية، فمن حقها أن تحلب في ذلك اليوم، واختلف في هذا الحق، وسيأتي شيء من بيانه في الحديث القادم، فقيل: يُسقى المارة من ألبانها لاجتماعهم على المياه، وهذا على سبيل الاستحباب، وقيل: تحلب للرفق بها؛ لأن في حلبها قبل أن ترد الماء يلحقها مشقتان: مشقة العطش ومشقة الحلب؛ [انظر عون المعبود شرح سنن أبي داود للعظيم آبادي 5 / 53].


((بطح لها)): أي ألقي هو على وجهه لهذه الإبل، وقيل: البطح هو البسط أيًّا كان على الوجه أو غيره، ومنه سُميت بطحاء مكة لانبساطها.


((بقاع قرقر)): أي بمكان مستو واسع، والقاع أصله المكان المنخفض الذي يستقر فيه الماء، والقاع جمعه قيعة وقيعان، والقرقر المستوي الواسع من الأرض أيضًا، وهو بفتح القافين.


((أوفر ما كانت)): وفي الرواية الأخرى عند مسلم: (أعظم ما كانت)، وفي هذا بيان لكثرتها وقوتها، وكمالها وثقل وطئها، وفي هذا بيان لشدة العقوبة.


((لا يفقد منها فصيلًا واحدًا)): الفصيل: هو ولد الناقة حين يفصل عن أمه، والحوار إذا فُطم سُمي فصيلًا، ((كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها)): أي كلما مر عليه أولى هذه الماشية رد عليه أخراها، وقيل: إن في العبارة قلبًا وتغييرًا، والصواب أن يقال: (كلما مر عليه أخراها رد عليه أولاها)؛ لأن الأول هو الذي يرجع ويرد، وأيَّد هذا القاضي عياض؛ [انظر شرح مسلم للنووي 7 / 68]، وقيل: إن العبارة صحيحة لا قلب فيها، وهي هكذا في جميع الأصول وأيَّد هذا القرطبي؛ [في المفهم 3 / 27].


((ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء)): والعقصاء هي: الملتوية القرن، ويقال: رجل أعقص؛ أي فيه التواء وصعوبة أخلاق؛ [انظر المفهم 3 / 26]، والجلحاء: هي التي لا قرون لها.

والعضباء: هي التي انكسر قرنها الداخل، وفي هذا بيان أنها ذات قرون لا عيب فيها؛ لتكون أنكى وأقوى في الطعن والنطح.


وقيل: إن العضباء يكون قطعها في الأذن، ولذا ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - تسمى (العضباء)، وقيل: الأعضب في القرن والأذن.


((وتطؤه بأظلافها)): الظلف يكون للبقر والغنم والظباء، وكل دابة مشقوقة القوائم، والخف للبعير، والحافر للفرس والبغل والحمار، والقدم للآدمي.


((الخيل ثلاثة: هي لرجل وزر، وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر)): فيه بيان أصناف الناس في اتخاذهم الخيل والوزر هو الإثم.


((رياءً وفخرًا)): فخرًا؛ أي تعاظمًا، ورياءً: هو إظهار للطاعة وإبطان خلاف ذلك.


((ونواءً على أهل الإسلام، فهي له وزر)): نواءً بكسر النون، والمناوأة هي المعاداة، والمقصود أنه اتخذها عداءً على أهل الإسلام.


((ربطها في سبيل الله)): أي أعدها للجهاد في سبيله.


((في مرج وروضة)): المرج موضع الكلأ والمرج أكثر ما يطلق على الموضع المطمئن، و الروضة أكثر ما تطلق على الموضع المرتفع.


((ولا تقطع طولها فاستنت شرفًا أو شرفين)): طولها بكسر الطاء وفتح الواو، ويقال: طيلها كما في رواية البخاري، والطول والطيل هو الحبل الذي تربط فيه وتمد لها لترعى.


((فاستنت)): أي جرت ورعت، والشرف: المكان المرتفع.


((ما أنزل علي في الحمر شيء إلا هذه الآية الفاذة الجامعة)): الحمر: جمع حمار، والفاذة: القليلة المثيل والنظير، الجامعة: أي العامة الشاملة لكل خير ومعروف.


((وتصديقًا بوعده)): أي تصديقًا بالذي وعد به من الثواب على ذلك.


((شبعه)): بكسر أوله والمقصود ما يشبع به.


((ريه)): بكسر الراء وتشديد الياء والمقصود ما يرتوي به إذا شرب.



من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: في حديث الباب دلالة على عظم إثم مانع الزكاة.


الفائدة الثانية: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في الباب فيه بيان عقوبة مانع الزكاة الأخروية.

وهي كما يلي:

أولًا: مانع زكاة الذهب والفضة.
أ - تصفح له صفائح من نار، فيحمى عليها في نار أعظم من نار الدنيا بتسع وستين جزءًا وهي نار جهنم.


ب - يكوى بهذه النار مانع الزكاة في جنبه وجبينه وظهره وكما في سورة التوبة: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة: 34، 35]، واختلف في سبب تخصيص هذه المواضع بالكي، فقيل لتقطيبه وجهه في وجه السائل، وازوراره عنه بجنبه وانصرافه عنه بظهره؛ [انظر المفهم للقرطبي 3 / 25].


وقيل: لاستيعاب جميع جهات الجسم، فيكوى في جميع نواحي الجسم، فالجبهة من الأمام والظهر من الخلف، والجنبان من الجوانب عن يمينه وشماله.


ج - أن هذه الصفائح التي أُحميت لا تترك حتى تبرد وتزول حرارتها، بل كلما بردت أُعيدت فأُحميت.


د – أن مدة العذاب مدة طويلة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد.


ثانيًا: مانع زكاة الإبل أو البقر أو الغنم:
أ – أنه يلقى إما على وجهه أو على صفة أخرى في موضع مستوٍ واسع.


ب – أن هذه الإبل تأتي يوم القيامة بكثرتها وقوتها وكمالها وثقلها، فتطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها، لا يفقد منها شيئًا حتى ولد الناقة الصغير الوليد الذي فُصل عن أمه، وأما البقر والغنم فإنها تأتي عليه بقرونها القوية في نكايتها ونطحها، فهي ذات قرن ليس بملتو ولا مكسور.


ج – أن هذا العذاب يتكرر على مانع الزكاة من هذه الماشية، فهي تفعل به كذلك ثم تعود عليه مرة أخرى مرة بعد مرة.


د – أن مدة هذا العذاب مدة طويلة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد.


الفائدة الثالثة: في الحديث دلالة على أن مانع الزكاة بخلًا لا يكفر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم: ((فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار))، ووجه الدلالة: أنه لو كان كافرًا لم يكن له سبيل إلى الجنة أبدًا.


والقول الثاني: أن مانع الزكاة بخلًا يكفر وهو رواية عن الإمام أحمد؛ (انظر المغني 4 / 8).


واستدلوا: بمفهوم: ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [التوبة: 11].


ووجه الدلالة: أن مفهوم الآية أنهم إذا لم يؤتوا الزكاة، فليسوا بإخوان لنا في الدين.


والأظهر والله أعلم القول الأول لقوة دليله، ولأنه دليل منطوق، والمنطوق مقدم على المفهوم كما في قواعد الأصول، والمفهوم هو دليل القول الثاني، وأما من منع الزكاة جاحدًا لوجوبها فهو كافر بإجماع العلماء، كما تقدم في أول كتاب الزكاة.


الفائدة الرابعة: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وأما التي هي له ستر، فرجل ربطها في سبيل الله، ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها، فهي له ستر وأما التي هي له أجر).


استدل به من يقول أن في الخيل زكاة كما في الغنم والبقر والإبل زكاة، وهذا القول هو قول أبي حنيفة رحمه الله؛ حيث استدل بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها))، فقال: حق الله هو الزكاة.


والقول الثاني: أنه ليس في الخيل زكاة، وهو قول جمهور العلماء وهو القول الراجح والله أعلم،
ويدل على ذلك: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المتقدم: ((ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة))، ولعدم الدليل الدال على وجوب الزكاة في الخيل، وأما ما استدل به أصحاب القول الأول، فليس فيه دلالة، فيحتمل أن يكون المراد بالحق هو إخراجها للجهاد في سبيل الله عند التعين للخروج، أو يكون المراد الإحسان الواجب إليها من القيام بعلفها وسائر مؤنها، أو الصدقة بما اكتسبه منها عند الضرورة، أو غير ذلك من التأويلات المحتملة.



الفائدة الخامسة: في الحديث دلالة على اختلاف الناس في اتخاذهم للخيل، فقد يكون اتخاذها مطلوبًا ومرغوبًا فيه كمن يتخذها أجرًا، ومن يتخذها سترًا، فكلاهما ربطها في سبيل، ومن اتخذها أجرًا أعظم ثوابًا، وهو المقصود في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة))؛ متفق عليه.


وسيأتينا في بابه بإذن الله تعالى؛ لأنه اتخذها طاعة، وقد يكون اتخاذها ممنوعًا وذلك إذا كان اتخذها معصية، كأن يتخذها ليرائي بها الناس، فيظهر إرادة الخير والطاعة فيها، ويبطن خلاف ذلك، أو كأن يتخذها ليفاخر فيها ويتعاظم على غيره بها، أو كأن يتخذها ليعادي بها أهل الإسلام.


الفائدة السادسة: في الحديث دلالة على أن الإنسان قد يؤجر على التفاصيل التي تقع في فعل الطاعة ما دام أنه قصد أصلها، وأصلح نيته فيها، وهذا فيمن ربط خيله في سبيل الله، وكذلك في الحديث الآخر من احتبس فرسه في سبيل الله بنية صادقة، إيمانًا بالله وتصديقًا بوعده، فإن ما يحصل من تفاصيل أخرى تكون في ميزان حسناته، وهذا من فضل الله الواسع، فإنه يُكتَبُ له عددُ ما أكلت هذه الخيل من الروضة أو المرج، وعدد ما شربت من نهر مرت به حسنات، وإن لم يقصد ذلك، وكذلك عدد أرواثها وأبوالها وآثارها وشِبَعها ورِيها، كل ذلك في ميزانه يوم القيامة، وهذا من فضل الله الواسع، وفيه بيان ربط الخيل وحبسها في سبيل الله، وبهذا يتضح قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)).


الفائدة السابعة: في حديث الباب دلالة على أن من اقتنى الحمير لطاعة يعملها بها، فقد رأى ثواب ذلك، ومن اقتناها لعمل معصية رأى عقاب ذلك، ووجه ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما سئل عن الحمر لم يفصل فيها كما فصل في الإبل والبقر والغنم والخيل، وإنما استدل بعموم قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7، 8]، وفي هذا دليلٌ على الاستدلال بالعموم حتى يأتي دليل على التخصيص، وفيه بيان الفرق بين الحكم الخاص المنصوص والعام الظاهر، وأن العام الظاهر دون الخاص المنصوص في الدلالة؛ [انظر الفتح (6 / 81) حديث (2860)].


الفائدة الثامنة: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وقول النبي - صلى الله عليه وسلم –: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها))، استدل بعمومه من قال بوجوب زكاة الحلي المستعمل على المرأة، واختلف في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: وجوب الزكاة في الحلي المستعمل إذا بلغ نصابًا.


وهذا ما أفتى به ابن مسعود رضي الله عنه، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ورواية عن أحمد رحمهم الله جميعًا (انظر المغني 4 / 220)، واختاره الثوري والأوزاعي وابن حزم (في المحلى 6 / 92)، ومن المتأخرين الصنعاني (في سبل السلام 2 / 263)، والشيخ ابن باز وشيخنا ابن عثيمين رحمهم الله (في مجموع فتاواه 18 / 157)، واستدلوا بأدلة عامة وأدلة خاصة.


أدلتهم العامة:
1- عموم قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة: 34]، وعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الباب (ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار، فأُحمي عليها في نار جهنم)؛ الحديث.

ووجه الدلالة: أن عموم الآية والحديث يوجب الزكاة في جميع أنواع الذهب والفضة إذا بلغت نصابًا، ومن ذلك زكاة الحلي، ومن قال بخروج الحلي المباح من هذا العموم، فليأت بالدليل، وأن المراد بالكنز في الآية هو مالم تؤد زكاته، وهذا مروي عن ابن عمر وجابر - رضي الله عنهما- وغيرهما.


ونوقش هذا الاستدلال بما يلي:
أولًا: الآية لا تدل على وجوب زكاة الحلي المستعمل لأربعة وجوه:
1 – أن هذه الآية لها منطوق ومفهوم، فمنطوقها يدل على تحريم اكتناز الذهب والفضة إذا لم تؤد زكاتهما، ومفهومها يدل على أن الأشياء التي لا تعد كنزًا ليست مقصودة في هذه الآية، فلا يجب إنفاق شيء منها، وما أعد للبس والاستعمال كالحلي والخاتم والأنف وغيرها، لا تعد كنزًا لا لغة ولا شرعًا؛ لأنها خرجت بالاستعمال عن كونها كنزًا.


2- أن المراد بالمكنوز من الذهب والفضة في الآية الدراهم والدنانير للأثر والنظر.


فأما الأثر، فإن هذا التفسير هو المنقول عن ابن مسعود - رضي الله عنه؛ [انظر تفسير ابن كثير (4 / 83) والدر المنثور (7 / 333)].


وأما النظر، فلأن النقود هي التي تكنز وتنفق، وأما الحلي المستعمل فليس معدًّا للإنفاق، بل هو معد للزينة، والله عز وجل يقول: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [التوبة: 34].


3 – أن إدخال الحلي المستعمل من الذهب في عموم الآية؛ لأنه كنز لم تؤد زكاته؛ استدلالًا بقول ابن عمر وجابر- رضي الله عنهما- لا يصلح أن يكون حجة؛ لأنهما ممن يذهب إلى القول بعدم وجوبهما كما سيأتي، وهما أعلم الناس بدلالة قولهما، وهذا يدل على أنهما لا يقصدان دخول الحلي المستعمل في الكنز المراد بالآية، وإلا لكان في رأيهما تناقض، والأَولى أن يقال قولهما في تفسير الكنز في الآية عام، وفتياهما بعدم وجوب زكاة الحلي خاص، والخاص مقدم على العام.


4 – لو قلنا بالاستدلال بعموم الآية على وجوب زكاة الحلي، فإن هذا العموم مخصوص بعمل جمع من الصحابة، وفتاواهم بعدم وجوب زكاة الحلي المستعمل، وهم أقرب الناس للتنزيل والأعلم بالتأويل، ولو كان الاستدلال صريحًا، أو فيه ما يدل على وجوب زكاة الحلي المستعمل، لَما خالفوه بأعمالهم وأقوالهم؛ مما يدل على أن الآية لا تكون دليلًا على وجوب زكاة الحلي المستعمل.




يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23-11-2021, 06:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي رد: باب: (إثم مانع الزكاة)

ثانيًا: استدلالهم بعموم حديث الباب غير متجه أيضًا لما يلي:

1 – أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها، " الحق المطلوب تأديته في الحديث حق مجمل، والمجمل لا يجوز العمل به قبل بيانه كما هو مقرر في القواعد الأصولية، وحينما نبحث عن بيان لما يجب إخراجه من زكاة الحلي المستعمل، لا نجد في السنة ما يبين ذلك، والوارد في السنة مقدار ما يتعلق بالأثمان من الذهب (وهي الدنانير)، والفضة (وهي الورق)، والرقة والدراهم، وأما الحلي فهو خارج عن هذا البيان بدليل التفريق في الاتخاذ، فالحلي اتُّخِذ للزينة والتحلي، لا للثمنية كما في أصل الذهب والفضة، فالحلي خرجت بهذا الأصل، وهذا التفريق جاءت به الشريعة من وجه آخر؛ حيث أبيح للرجال والنساء امتلاك الذهب والفضة بنية الثمنية، أما امتلاكهما بنية الزينة، فيباح للنساء دون الرجال؛ لأنها خرجت من أصل الثمنية إلى أصل الألبسة والتحلي.


2 – أن هذا الحديث جاء فيه ذكر وجوب الحق في الإبل والبقر والغنم، والموجبون لزكاة الحلي لا يقولون بعموم الزكاة في الإبل والبقر والغنم، فهم يفرِّقون بين السائمة بأنها تجب فيها الزكاة وبين المعلوفة بأنها لا تجب فيها الزكاة، فهم لا يقولون بوجوب الزكاة مطلقًا في الإبل والبقر والغنم، مع أن عموم الحديث يفيده؛ حيث لم يرد التفريق فيه، وكذلك يقال في الذهب والفضة، فلا يقال بعموم الزكاة فيهما مطلقًا استدلالًا بحديث الباب، فعمومه لا يصلح للاستدلال بوجوب الزكاة في كل ذهب وفضة بما في ذلك الحلي كما أن عموم الحديث لا يصلح للاستدلال بوجوب الزكاة في كل إبل وبقر وغنم.


3 – أنه ورد في الحديث بيان لحق من حقوق الإبل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ومن حقها حلبها يوم وِردها)، وفي حديث جابر - رضي الله عنه - وسيأتي قال في حق الإبل والبقر والغنم، ((إطراق فحلها وإعارة دَلْوها، ومنحتها وحلبها على الماء، وحمل عليها في سبيل الله))، وهذا يدل على أن مفهوم الحق المراد في الحديث أعم من الزكاة المفروضة بدلالة ما ورد في الحديث من الأشياء التي لا علاقة لها بالزكاة، وكذا يقال في الذهب والفضة، فالحق المراد فيهما أعم من الزكاة، وليس فقط الزكاة، والتفريق بين الحقين يحتاج إلى دليل.


4 – لو قلنا بالاستدلال بعموم الحديث على وجوب زكاة الحلي، فإن هذا العموم دخله التخصيص الذي دخل عموم الآية كما تقدم.


أدلتهم الخاصة:
1 – حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى في يدي فتخات من ورق، فقال: ((ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن لأتزين بهن يا رسول الله، قال أفتؤدين زكاتهن؟ فقلت: لا، فقال: هنَّ حسبك من النار))؛ رواه أبو داود والحاكم وصححه.


2 – حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب، فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: "أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ فألقتهما"؛ رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال ابن حجر في البلوغ: إسناده قوي.


3 – حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أنها كانت تلبس أوضاحًا من ذهب، فقالت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال: "إذا أدَّيت زكاته فليس بكنزٍ"؛ رواه أبو داود والدارقطني والحاكم.


(مسكتان): مثنى واحده مسكة: وهي السوار من الذهب والخلاخيل، (فتخات) جمع فتخة، وهي الخواتم، (أوضاح)، جمع وضح: نوع من حلي الفضة).


وجه الدلالة أن هذه الأحاديث نص في وجوب زكاة الحلي إذا كان معدًّا للاستعمال والاستدلال بها ظاهر الدلالة، فوجب المصير لهذا الحكم.


ونوقش هذه الأحاديث بمناقشتين:
الأولى: نوقشت في سندها: حيث تكلم في إسنادها بعض العلماء وهم جبال في الحديث، وقالوا: هي أحاديث لا تقوم بها حجة، وممن ضعفها، وذكر أنه لا يصح في هذا الباب شيء، الشافعي (في المجموع 5 / 490)، والترمذي (في جامعه 3 / 30)، وابن العربي (في أحكام القرآن)، وابن حزم (في المحلى 6 / 97)، وابن رجب (في أحكام الخواتم ص 196)، وابن الجوزي (في تنقيح التحقيق 2 / 1425)، وأبو حفص عمر الموصلي (في جنه المرتاب ص 313)، و غيرهم - رحمهم الله جميعًا، وانظر علل هذه الأحاديث وانتقاد إسنادها بالرجوع لكتب أهل العلم السابق ذكرها، وابن حزم مع أنه يرجح وجوب زكاة الحلي إلا أنه يضعف هذه الأحاديث؛ لأنه يستدل بالأدلة العامة التي سبقت.


ومن أهل العلم من حسن هذه الأحاديث بشواهدها.


الثانية: نوقشت هذه الأحاديث في متنها على القول بصحة سندها بما يلي:-
1- أن ما ذكر في الأحاديث السابقة من المسكتين وهما السواران والفتخان والأوضاح، لا يبلغ النصاب كما نص على هذا الصنعاني (في سبل السلام 2 / 263)، وتقدم أن نصاب الذهب (85) غرامًا.


2- أن هذه الأحاديث مجملة فلم يأت فيها مقدار الزكاة الواجب إخراجه.


3 – ليس في الأحاديث اشتراط النصاب، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستفسر عن بلوغ النصاب.


4 – ليس في الأحاديث اشتراط مضي الحول، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ألزم بالزكاة ولم يستفسر عن مضي الحول.


5- في حديث أم سلمة - رضي الله عنها - إشكال في قوله "أوضاحًا من ذهب" من حيث اللغة، فالأوضاح إنما هي نوع من أنواع حلي الفضة، كما سُميت بذلك لبياضها كما ذكر ابن الأثير في النهاية.


والقول الثاني: عدم وجوب الزكاة في الحلي المستعمل، وهذا قول جمهور علماء المسلمين من الصحابة والتابعين، فهو ثابت عن سبعة من الصحابة جابر بن عبدالله، عبدالله بن عمر، وأنس، وعبدالله بن مسعود، وعائشة، وأختها أسماء، وأسماء بنت عميس - رضوان الله عليهم؛[انظر المجموع (5 / 492)، والمغني (4 / 421)]، وليس لهذا الجمع من الصحابة مخالف إلا ما رُوي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - في قول آخر له قال عنه الحافظ؛ (في الدراية 1 / 259): إسناده ضعيف جدًّا.


قال الحسن البصري - رحمه الله -: "لا نعلم أحدًا من الخلفاء قال في الحلي زكاة"، وقال يحيى بن سعيد: سألت عمرة عن زكاة الحلي، فقالت: "ما رأيت أحدًا يزكِّيه"، والأثران رواهما ابن أبي شيبة (في المصنف 3 / 155)، وهو قول جمهور العلماء من الأئمة، فهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، وهو قول ابن خزيمة (في صحيحه 4 /34)، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (في الفتاوى 25 / 16)، وابن القيم (في إعلام الموقعين 2 / 100 – 110)، واختار هذا القول من المتأخرين الشيخ محمد بن عبدالوهاب (في مؤلفاته في الفقه 1 / 239)، والشوكاني (في السيل الجرار 2 / 21)، والشيخ محمد بن إبراهيم (في فتاويه 4 / 95)، والشيخ عبدالله بن حميد والشيخ السعدي والبسام وصالح الفوزان وابن جبرين".


واستدلوا:
1- حديث زينب امرأة ابن مسعود - رضي الله عنهما - قالت: كنت في المسجد فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "تصدقنَ ولو مِن حُليكنَّ"؛ رواه البخاري.


ووجه الدلالة: قال ابن العربي (في عارضة الأحوذي 3 / 130): هذا الحديث الذي ذكر أبو عيسى، والذي ذكره البخاري يوجب بظاهره أنه لا زكاة في الحلي؛ لقوله للنساء: "تصدقنَ ولو من حُليكنَّ"، ولو كانت الصدقة واجبة لَما ضرب المثل به في صدقة التطوع.


2 – حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس في الحلي زكاة"؛ رواه البيهقي والديلمي.


ونوقش هذا الاستدلال بأنه معلول؛ لأن في سنده (عافية بن أيوب)، قال عنه البيهقي: (مجهول)، لكنَّ أبا زرعة سئل عنه، فقال: (ليس به بأس)، وقال عنه ابن الجوزي في التحقيق: (ما عرَفنا أحدًا طعَن فيه)، وذكر الشنقيطي (في أضواء البيان 2 / 446) أن من قال ثقة يقدم على قول من قال: إنه مجهول؛ لأنه اطَّلع عليه، ومَن حفِظ حُجة على من لم يحفظ، فالأخذ بتوثيق بما فيه مقدم على غيره، وذكر الشيخ الألباني للحديث علة أخرى وهي ضعف (إبراهيم بن أيوب) الراوي عن (عافية)، ناقلًا تضعيفه من كتاب (لسان الميزان) المطبوع، وذكر أنه لم يسبقه أحد إلى الطعن في هذا الحديث من قبل (إبراهيم بن أيوب)، وبيَّن الدكتور إبراهيم الصبيحي (في فقه زكاة الحلي ص 42) أن هذا ناشئ من تصحيف وقع في نسخة المطبوع، بعد الرجوع إلى مخطوطتين للسان الميزان، وبيَّن أن من يسمى بـ (إبراهيم بن أيوب) في كتب الرجال عددهم خمسة، وأن المقصود في حديث جابر- رضي الله عنه - هو (إبراهيم بن أيوب الحوراني الدمشقي) من العبَّاد، ولم يُضعفه إلا أحمد بن محمد بن عثمان المقدسي دون تفسير لهذا الجرح، فاعتبره البعض حسنًا صالحًا للاعتبار.


3 – ما رواه مالك في الموطأ أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها، لهن حلي، فلا تخرج من حليهن الزكاة، واعتبر ابن حزم (في المحلى 6 / 79) أن هذه الرواية مروية من أصح طريق.


ووجه الدلالة: أن هذا عمل عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وحكم حليها لا يخفى على النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره، وتقدم أن هذا رأي جمع من الصحابة، ومنهم عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - فإن أخته حفصة كانت زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وحكم حليها لا يخفى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يخفى عليها حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه.


4 – أن الزكاة فُرضت في الأموال المعدة للنماء دون ما أُعد للقنية والانتفاع، فلا تجب في الدُّور التي تسكن، ولا في عبيد الخدمة، ولا في الثياب التي تلبس، ولا في أثاث البيت ونحوه مما أُعد للانتفاع به والاستعمال، وتقدم أن الأصل فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة"، والحلي المستعمل إنما يدخل تحت هذا الأصل؛ لأنه لا ينمو بل ينقص، وما خرج عن الأموال النامية، فلا زكاة فيه، وهذا الأصل لا يخرج منه إلا بدليل ناقل.


5 – أنه لم يرد في الحلي دليل صحيح يوجب زكاته، والأصل براءة الذمة حتى يأتي دليل ناقل عن هذا الأصل.


والعمومات لا تكفي للاستدلال على أنه تقدم الجواب عنها.


6 – أن الزكاة شعيرة من شعائر الإسلام، وإيجابها في الحلي أمرٌ تعم به البلوى، فلا يوجد بيت من بيوت المسلمين إلا وفيه ذلك، فكيف لم يأت فيه بيان عامٌّ تتناقله الأمة، حتى لا يعلم به أقرب الصحابة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل نقل عنهم خلاف ذلك، ولم ينقل عن الخلفاء الراشدين من بعده أيضًا مع أنه أمرٌ تعم به البلوى؛ (وانظر كلام الشوكاني (في السيل الجرار 2 / 21).


وهذا القول هو الأظهر والله أعلم، ولا يخفى أن الاحتياط في هذه المسألة أفضل وأن المرأة تُخرج زكاة حُليها إذا بلغ النصاب، واختار الشيخ محمد الأمين الشنقيطي القول الثاني وقال: (وإخراج زكاة الحلي أحوط)؛ (انظر أضواء البيان 2 / 126).


وقد أُلِّفت في هذه المسألة كتبًا من أجودها وأمتعها كتاب الدكتور إبراهيم الصبيحي (فقه زكاة الحلي)، وكتاب للدكتور عبدالله الطيار (زكاة الحلي في الفقه الإسلامي)، وكتاب للشيخ فريح البهلال (امتنان العلي بعدم زكاة الحلي)، وكلهم رجحوا عدم وجوب الزكاة في الحلي المستعمل.


تحت هذه المسألة ثلاث فوائد:-
الفائدة الأولى: أفتى بعض الأئمة أن زكاة الحلي عاريته، بأن تعيره، ولا سيما عند الحاجة ومن هؤلاء الإمام أحمد، ونُقل ابن قدامة عن الإمام أحمد أنه قال: "خمسة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون ليس في الحلي زكاة، ويقولون زكاته عاريته"؛ [انظر المغني لابن قدامة (4 / 221)، وانظر الطرق الحكيمة لابن القيم من 218 – 220) وراجع الكتب التي سبق ذكرها)].


الفائدة الثانية: هناك أشياء تجب فيها الزكاة ولا تدخل تحت المسألة السابقة:-
أ- الحلي المحرم كأن يكون مغصوبًا أو رجل يلبس خاتمًا أو سوارًا من ذهب، فإن هذا الحلي محرم، ولذا تجب فيه الزكاة وإن كان معدًّا للاستعمال، وهذا باتفاق العلماء؛ [انظر أضواء البيان للشنقيطي 2 / 126].


ب - الحلي المعد للنفقة فيه زكاة بإجماع العلماء كأن يكون عند المرأة قطعة من الذهب، قد تكون ثمينة، أو تُهدى لها أو تشتريها، ثم لا تعجبها، وليس عندها نية أن تستعملها هي أو يستعملها غيرها بأن تُعيرها إياه، وإنما تخزنها عندها تحفظ به مالَها، فقد تحتاج إلى المال فتبيعه، فهذا فيه زكاة بإجماع العلماء؛ لأنه يعتبر كنزًا تجب فيه الزكاة، وكذلك الذهب إذا كان معدًّا للتجارة، ففيه الزكاة بالإجماع كما تقدم، فإذا كان معدًّا للتجارة (معروضًا للبيع)، تكون زكاته بقيمته، فيقوم ويخرج منه ربع عشر قيمته، كما تقدم بيانه في عروض التجارة، وإن كان معدًّا للنفقة والاحتفاظ به ليس للاستعمال ولا للتجارة، تكون زكاته ببلوغ النصاب، فإذا بلغ وزنه عشرين مثقالًا (85 غرامًا)، أخرجها من الذهب ربع العشر؛ [انظر كتاب المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان (3 / 108)].


الفائدة الثالثة: لا تجب الزكاة في الذهب والفضة عمومًا، حتى يبلغ النصاب، فلو كان الذهب أو الفضة مخلوطين بغيرهما كنحاس أو جواهر ولآلئ، فإنها لا تحتسب في تكميل النصاب، سواء كانا مغشوشين أو خُلطا عمدًا، فلا بد أن يكونا خالصين من الشوائب في بلوغ النصاب، وعليه فإن الذهب الموجود في أيدي الناس اليوم يختلف باختلاف عياره، فالذهب الخالص هو ما كان عياره (24)، وما كان دون ذلك في عياره فهو مخلوط، وكلما قلَّ العيار، فهو يعني كثرة المواد المضافة، وهذه المواد المضافة لا يصح اعتبارها من جملة نصاب الذهب، ولا بد من مراعاة ذلك عند الفتوى، فإذًا سيختلف النصاب باختلاف عياره تبعًا للعمليات الحسابية التالية:
1- ما كان عياره (24): 85 ×24 ÷ 24 = 85 غرامًا وهذا هو نصاب الذهب الخالص الذي عليه تجري المسائل.


2- ما كان عياره (21): 85 ×24 ÷ 21 = 97,14 غرامًا فهذا هو النصاب المعتبر في الذهب إذا كان عياره (21).


3- ما كان عياره (18): 85 ×24 ÷ 18 = 113,33 غرامًا.



4- ما كان عياره (16): 85 ×24 ÷ 16 = 127,5 غرامًا.


وهكذا في حساب كل ذهب إذا اختلف عياره على الطريقة السابقة؛ [انظر فقه زكاة الحلي للصبيحي ص 24 – 25].


قال النووي (في المجموع 5 / 467): إذا كان له ذهب أو فضة مغشوشة فلا زكاة فيها حتى يبلغ خالصها نصابًا".




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 98.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 96.51 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (2.38%)]