سقوط دولة المرابطين.. مشهد في مسلسل سقوط الأمم - تقرير - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 3 )           »          تعظيم خطاب الله عزوجل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          رسـائـل الإصـلاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 2 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-12-2021, 11:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي سقوط دولة المرابطين.. مشهد في مسلسل سقوط الأمم - تقرير

سقوط دولة المرابطين.. مشهد في مسلسل سقوط الأمم - تقرير
أحمد الشجاع


سقوط الدول والأمم يبدأ من الداخل.. من داخل النفوس والعقول والقلوب، ومن داخل البلاد..فالفكر والمنهج هو الأساس الأول والأهم الذي يحدد معالم الأسس الباقية، ويضع معايير وقواعد بناء الدولة والمجتمع.
وكلما كانت ومكونات المنهج أكثر تقارباً مع واقع الناس، وأدق تطبيقاً لحاجتهم كانت المجتمعات أكثر استقراراً وثباتاً وقوة وتماسكاً..وبقاء ذلك يحتاج إلى محافظة على هذا المنهج من أي خطر خارجي وخلل داخلي؛ لأن أي استهداف للمنهج هو استهداف للأسس والقواعد؛ والنتيجة الحتمية: السقوط والانهيار الذي سيشمل كل جوانب المجتمع الحسية والمعنوية.
وبعد أن تحدثنا في تقارير سابقة عن دولة المرابطين وكيف نشأت وأصبحت قوية سيتحدث هذا التقرير عن سقوط هذه الدولة..وسنجد أن عوامل البناء والقوة لم تعد موجود عندما سقطت، بل حل محلها ما يخالفها ويتناقض معها.
وسيركز التقرير على مظاهر السقوط وأسبابه، ونظرة الشريعة الإسلامية لأسباب انهيار الدول والمجتمعات.
معالم الانهيار
مضت فترة القوة في هذه دولة المرابطين عندما مات أكبر شخصية فيها يوسف بن تاشفين على رأس المائة الخامسة، وبالتحديد سنة 500 من الهجرة.
وبعد يوسف ورغم الجهود الكبيرة التي بذلها خليفته وابنه علي بن يوسف - بدأت دولة المرابطين تدخل طور الأفول..وكان ذلك بتأثير سبب قوي غريب؛ كان ذلك لأن علي بن يوسف هذا قد انصرف عن شؤون الحكم إلى حد كبير، ولم يتحرك إلا في مرات قليلة لم تكن كافية لسد الثغرات التي فتحت على الدولة في المغرب والأندلس، وراح هذا الأمير المرابطي يصوم النهار ويقوم الليل ويعكس بزهده وإهماله لشؤون دولته فهماً مغلوطاً للإسلام بل إنه وقع في خطأ كبير حين وقع تحت تأثير مجموعة كبار الفقهاء البارزين في دولته، وكان لا يزيد عن كونه لعبة صغيرة في أيديهم.
ونتيجة غفلة علي بن يوسف هذا، وانصراف الفقهاء إلى جمع الثروات، بدأت مظاهر التحلل تسود قطاعات كبيرة من الدولة.
كانت الخمر تباع علناً في الأسواق، وكان النبيذ يشرب دون حرج، وكانت الخنازير تمرح في الأسواق كالأغنام، واستولى أكابر المرابطين على إقطاعات كبيرة وذهبوا إلى الاستبداد فيها.
وقد أمات الفقهاء واجب "الحسبة"، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلم يقوموا بتغيير نواحي التحلل التي ظهرت في الدولة، وكان بإمكانهم لتمكنهم من الحكم أن يقوموا على تغييرها، لكنهم جاروا العامة في غرائزها وبحثوا عن أنفسهم، بل قاوموا المخلصين الذين حاولوا التغيير ورموهم بالتكفير والمروق.
ويصف المؤرخ المراكشي مظاهر اختلال المرابطين، وملخص ما ذكره:
ظهرت في بلاد المرابطين مناكر كثيرة؛ وذلك لاستيلاء أكابر المرابطين على البلاد ودعواهم الاستبداد، وانتهوا في ذلك إلى التصريح، فصار كل منهم يصرح بأنه خير من أمير المسلمين علي بن يوسف وأحق بالأمر منه.
واستولى النساء على الأحوال وأسندت إليهن الأمور، وصارت كل امرأة من أكابر لمتونة ومسوفة مشتملة على كل مفسد وشرير وقاطع سبيل وصاحب خمر وماخور، وأمير المسلمين في ذلك كله يتزيد تغافله ويقوى ضعفه، وقنع باسم إمرة المسلمين، وبما يرفع إليه من الخراج.
وعكف على العبادة والتبتل فكان يقوم الليل ويصوم النهار مشتهراً عنه ذلك، وأهمل أمور الرعية غاية الإهمال؛ فاختل لذلك عليه كثير من بلاد الأندلس وكادت تعود إلى حالها الأول لاسيما منذ قامت دعوة ابن تومرت بالسوس.
وكان آخر ما استولي عليه من البلاد التي يملكها المرابطون مدينة مراكش دار ملك أمير المسلمين وناصر الدين علي بن يوسف بن تاشفين، وكان هذا بعد وفاة أمير المسلمين المذكور حتف أنفه في شهور سنة 537، وكان قد عهد في حياته إلى ابنه تاشفين فعاقته الفتنة عن تمام أمره، ولم يتفق له ما أمله من استقلال ابنه تاشفين المذكور بشيء من الأمور.
وخرج تاشفين بعد وفاة أبيه قاصداً تلمسان فلم يتفق له من أهلها ما يريد فقصد مدينة وهران وهي على ثلاث مراحل من تلمسان فحاصره الموحدون بها فلما اشتد عليه الحصار خرج راكباً فرساً شهباء عليه سلاحه فاقتحم البحر حتى هلك ويقال إنهم أخرجوه من البحر وصلبوه ثم أحرقوه، فالله أعلم بصحة ذلك.
فكانت ولاية تاشفين هذا من يوم وفاة أبيه إلى أن قتل بمدينة وهران ثلاثة أعوام إلا شهرين وكان قتله سنة 540، وكان طول هذه الولاية لا يستقر به قرار ولا تستقيم له حال، تنبو به البلاد وتتنكر له الرعية.
وبعد دخول عبد المؤمن - رحمه الله - مراكش طلب قبر أمير المسلمين وبحث عنه عبد المؤمن أشد البحث فأخفاه الله وستره بعد وفاته كما ستره في أيام حياته وتلك عادة الله الحسنى مع الصالحين المصلحين.
وانقطعت الدعوة بالمغرب لبني العباس بموت أمير المسلمين وابنه فلم يذكروا على منبر من منابرها إلى الآن خلا أعوام يسيرة بأفريقية كان قد ملكها يحيى بن غانية الثائر من جزيرة ميرقة.
أسباب سقوط دولة المرابطين

1- ظهور روح الدعة والانغماس في الملذَّات والشهوات عند حُكَّام المرابطين وأمرائهم في أواخر عصر علي بن يوسف.
وكان للمجتمع الأَنْدَلُسي تأثير لا ينكر في قادة وأمراء وحكام دولة المرابطين الذين استجابوا لنزوات شهواتهم وانغمسوا في الحياة الدنيا، فتحقَّق قول الله تعالى: }وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا{ [الإسراء:16].
يقول سيِّد قطب رحمه الله: "والمترفون في كلِّ أمَّة هم طبقة الكبراء الناعمين الذين يجدون المال، ويجدون الخدم، ويجدون الراحة، فينعمون بالدعة والراحة، وبالسيادة حتى تترهل نفوسهم وتأسن، وترتع في الفسق والمجانة وتستهتر بالقيم والمقدسات والكرامات، وتلغ في الأرض والحرمات. وهم إذا لم يجدوا مَنْ يَضْرِبُ على أيديهم عاثوا في الأرض فساداً، ونشروا الفاحشة في الأمة وأشاعوها، وأرخصوا القيم العليا التي لا تعيش الشعوب إلا بها ولها، ومن ثَمَّ تتحلل الأمة وتسترخي، وتفقد حيويتها وعناصر قوتها وأسباب بقائها فتهلك وتطوى صفحتها. والآية تقرر سنة الله هذه، فإذا قدر الله لقرية أنها هالكة؛ لأنها أخذت بأسباب الهلاك، فكثر فيها المترفون، فلم تدافعهم ولم تضرب على أيديهم، سلط الله هؤلاء المترفين ففسقوا فيها، فعم فيها الفسق، فتحللت وترهلت، فحقت عليها سنة الله، وأصابها الدمار والهلاك. وهي المسؤولة عما يحل بها؛ لأنها لم تضرب على أيدي المترفين، ولم تصلح من نظامها الذي يسمح بوجود المترفين. فوجود المترفين ذاته هو السبب الذي من أجله سلطهم الله عليها ففسقوا، ولو أخذت عليهم الطريق فلم تسمح لهم بالظهور فيها ما استحقت الهلاك، وما سلط الله عليها من يفسق فيها ويفسد فيقودها إلى الهلاك.
إن إرادة الله قد جعلت للحياة البشرية نواميس لا تتخلف، وسنناً لا تتبدل. وحين توجد الأسباب تتبعها النتائج، فتنفذ إرادة الله وتحق كلمته. والله لا يأمر بالفسق؛ لأن الله لا يأمر بالفحشاء. لكن وجود المترفين في ذاته دليل على أن الأمة قد تخلخل بناؤها، وسارت في طريق الانحلال، وأن قدر الله سيصيبها جزاء وفاقاً".
2- ظهور السفور والاختلاط بين النساء والرجال، وبدأت دولة المرابطين في آخر عهد الأمير على بن يوسف تفقد طُهرَها وصفاءَها الذي اتصف به جيلهم الأول؛ مما جعل الرعية المسلمة تتذمر من هذا الانحراف والفساد، وتستجيب لدعوة مُحَمَّد بن تومرت الذي أظهر نفسه للناس بالزاهد والنَّاسك والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
3- انحراف نظام الحكم عن نظام الشورى إلى الوراثي الذي سبب نزاعاً عنيفاً على منصب ولاية العهد بين أولاد علي بن يوسف، كما تطلع مجموعة مِن الأمراء إلى منصب الأمير على ونازعوه في سلطانه؛ مما سبب تمزقاً داخلياً، ففقدت الدولة المرابطية وحدتها الأولى، وكثرت الجيوب الداخلية في كيان الدولة، وتفجرت ثورات عنيفة في قرطبة، وفي فاس وغيرهما، ساهمت في إضعاف الوحدة السياسية وإسقاط هيبة الدولة المرابطية.
4- الضيق الفكري الذي أصاب فقهاء المرابطين وحجرهم على أفكار النَّاس، ومحاولة إلزامهم بفروع مذهب الإمام مالك وحده، وعملوا على منع بقية المذاهب السنية تعصباً لمذهبهم، وكان لفقهاء المالكية نفوذ كبير؛ مما جعلهم يوسعون تعصبهم وتحجرهم الفكري.
ويرى بعض المؤرخين أن التعصب الأعمى عند فقهاء المرابطين في زمن الأمير علي ابن يوسف كان السبب الأول في سقوط دولة المرابطين.
لقد استغل بعض الفقهاء نفوذهم من أجل جمع المال وبناء الدور، وامتلاك الأرض، وعاشوا حياة البذخ والرفاهية المفرطة؛ وكان ذلك سبباً في إيجاد ردة فعل عنيفة عند أفراد المجتمع المرابطي، وانبرى الشعراء في تصوير حال الفقهاء في تلك الفترة، فقال أبو جعفر أحمد بن مُحَمَّد المعروف بابن البني:
أهل الرياء لبستـم ناموسكــم
كالذئب أدلج في الظلام العاتم
فملكتـــم الدنيـــا بمذهب مالك
وقسمتم الأموال بابن القاســم
وركبتم شهب الدواب بأشهب
وبأصبغ صبغت لكم في العالم
5- ومن أهم العوامل التي أسقطت دولة المرابطين: فقدها لكثير من قياداتها وعلمائها العظام أمثال سير بن أبي بكر، ومُحَمَّد بن مزدلي، ومُحَمَّد ابن فاطمة، ومُحَمَّد بن الحاج، وأبي إسحاق بن دانية، وأبي بكر بن واسينو.
فمن لم يستشهد من كبار رجال الدولة أدركه الموت الطبيعي، ولم يستطع ذلك الجيل أن يغرس المبادئ والقيم التي حملها في الجيل الذي بعده، فاختلفت قدرات الجيل الذي بعدهم واستعداداتهم، وهذا درس مهم لأبناء الحركات الإسلامية في أهمية توريث التجارب والخبرات المتنوعة والمتعددة للأجيال المتلاحقة.
6- ومن أهم العوامل التي أنهكت دولة المرابطين، أنها مرَّت بأزمة اقتصادية حادة، نتيجة لانحباس المطر عدة سنوات، وحلول الجفاف والقحط بالأَنْدَلُس والمغرب، وزاد من حدة الأزمة الاقتصادية أن أسراب الجراد هاجمت ما بقي مِن الأخضر على وجه البلاد؛ مما هيأ الظروف لانتشار مختلف الأوبئة بين كثير مِن السكان، ووقعت هذه الأزمة في الفترة الواقعة ما بين أعوام 524هـ -530م.
7- ومن أهم الأسباب الرئيسية: صدامها المسلح مع جيوش المُوَحِّدِين.
فقد كان ظهور دولة المُوَحِّدِين وانقضاضها بعنف على دولة المرابطين سبباً في ضعف النواحي الحضارية والثقافية والسياسية والعسكرية عند المغاربة عموماً، وفتحت مجالاً لملوك النصارى للقضاء على الإسلام في الأَنْدَلُس فيما بعد.
أحوال الأندلس بعد سقوط دولة المرابطين

أما عن أحوال جزيرة الأندلس فيقول المراكشي: فإنه لما كان آخر دولة أمير المسلمين أبي الحسن علي بن يوسف اختلت أحوالها اختلالاً مفرطاً أوجب ذلك تخاذل المرابطين وتواكلهم وميلهم إلى الدعة وإيثارهم الراحة وطاعتهم النساء فهانوا على أهل الجزيرة، وقلوا في أعينهم واجترأ عليهم العدو واستولى النصارى على كثير من الثغور المجاورة لبلادهم، وكان أيضاً من أسباب ما ذكرناه من اختلالها قيام ابن تومرت بسوس، واشتغال علي بن يوسف به عن مراعاة أحوال الجزيرة.
ولما رأى أعيان بلاد تلك الجزيرة ما ذكرناه من ضعف أحوال المرابطين أخرجوا من كان عندهم من الولاة، واستبد كل منهم بضبط بلده، وكادت الأندلس تعود إلى سيرتها الأولى بعد انقطاع دولة بني أمية.
فأما بلاد أفراغة فاستولى عليها ملك ارغن - لعنه الله - وملك مع ذلك سرقسطة، وكثيراً من أعمال تلك الجهات.
واتفق أمر أهل بلنسية ومرسية وجميع شرق الأندلس على تقديم رجل من أعيان الجند اسمه عبد الرحمن بن عياض، وكان عبد الرحمن هذا من صلحاء أمة محمد وخيارهم.
وقام بأمر تلك الجهات بعده رجل اسمه محمد بن سعد المعروف عندهم بابن مردنيش، وكان محمد هذا خادماً لابن عياض يحمل له السلاح ويتصرف بين يديه في حوائجه، فلما حضرته الوفاة اجتمع إليه الجند وأعيان البلاد فقالوا له: إلى من تسند أمورنا وبمن تشير علينا؟، وكان له ولد فأشاروا به عليه، فقال: إنه لا يصلح؛ لأني سمعت أنه يشرب الخمر، ويغفل عن الصلاة، فإن كان ولا بد فقدموا عليكم هذا - وأشار إلى محمد بن سعد - فإنه ظاهر النجدة كثير الغناء، ولعل الله أن ينفع به المسلمين..فاستمر ت ولاية ابن سعد على البلاد إلى أن مات في شهور سنة 568هـ.
وأما أهل المرية فأخرجوا من كان عندهم أيضاً من المرابطين، واختلفوا فيمن يقدمونه على أنفسهم، فندبوا إليها القائد أبا عبد الله بن ميمون، ولم يكن منهم إنما هو من أهل مدينة دانية، فأبى عليهم، وقال: إنما أنا رجل منكم ووظيفتي البحر وبه عرفت، فكل عدو جاءكم من جهة البحر فأنا لكم به، فقدموا على أنفسكم من شئتم غيري. فقدموا على أنفسهم رجلاً منهم اسمه عبد الله بن محمد يعرف بابن الرميمي، فلم يزل عليها إلى أن دخلها عليه النصارى من البر والبحر، فقتلوا أهلها وسبوا نساءهم وبنيهم وانتهبوا أموالهم.
وملك جيان وأعمالها إلى حصن شقورة وما والى تلك الثغور رجل اسمه عبد الله، لا أعرف اسم أبيه، هو معروف عندهم بابن همشك، وربما ملك عبد الله هذا قرطبة أياماً يسيرة.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-12-2021, 11:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سقوط دولة المرابطين.. مشهد في مسلسل سقوط الأمم - تقرير

ضعف العقيدة والانحراف
كان أول سبب ضعف العقيدة والانحراف عن المنهج، فعندما ضعفت العقيدة، وانحرف المسلمون عن المنهج؛ حل بالمسلمين ما حل بهم، ومن هذا السبب تفرعت الأسباب الأخرى، حسب قول الشيخ ناصر العمر.. ومن تلك الأسباب المتفرعة:
التحالف مع النصارى والخضوع لهم ومجاملتهم
فقد بلغ التحالف مع النصارى ذروة رهيبة أودت بالأندلس، مفهوم الولاء والبراء، مفهوم الحب والبغض مفهوم العقيدة الصحيحة، ضعف في نفوس المسلمين، وضعف في نفوس الولاة، وضعف في نفوس الملوك.
فأحد الولاة، واسمه أبو زيد هذا الرجل ثار عليه أهل بلنسية، فلما ثاروا عليه، وأرادوا خلعه قام وعقد لواءً وذهب إلى ملك النصارى (خاينوي) واتفق معه، وعقد معه معاهدة، وكان من هذه المعاهدة أن يقوم أبو زيد، ويعطي ملك النصارى جزءاً من بلاد المسلمين، ويتنازل عن جزء من بلاد المسلمين، وأن يقدم الجزية لملك النصارى.
وهذا ابن الأحمر عقد معاهدة مع ملك قشتالة، حيث اتفق معه على أن يحكم ابن الأحمر مملكة غرناطة باسم ملك قشتالة، وفي طاعته، وأن يؤدي له جزية سنوية.
ابن الأحمر ملك من ملوك المسلمين، يقدم الجزية لملك النصارى وأن يعاونه، ابن الأحمر يعاون ملك قشتالة ضد المسلمين، أو ضد أعدائه سواء كانوا من النصارى أو من المسلمين، وأن يقدم إليه عدداً من الجند متى وأين طلب ذلك؟، وأن يشهد اجتماع المجلس النيابي القشتالي كواحد من أتباع ملك قشتالة، وسلم ابن الأحمر لملك قشتالة جيان وأرجونة وباركونة وقلعة جابر رهينة.
هذه نماذج مخزية، وسبب رئيس لأسباب سقوط الأندلس؛ لأنهم لم ينتبهوا إلى قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ{ [المائدة: الآية 51]، ولم يفهموا ولم يستمعوا إلى قوله جل وعلا: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ{ [المائدة: الآية 57].
وكان من لوازم هذا التحالف الصراع بين المسلمين، وقد وصف شاعرهم هذه الحالة بقوله:-
ما بال شمل المسلمين مبدد ... فيها وشمــل الضـــد غيـــر مبدد
ماذا اعتذاركم غداً لنبيكــــم ... وطريق هذا العـذر غيــــر ممهد
إن قال لم فرطتمو في أمتي ... وتركتموهــــم للعــــدو المعتـدي
تالله لو أن العقوبة لم تخف ... لكفى الحياء من وجه ذاك السيد
الانغماس في الشهوات والركون إلى الدعة والترف
يقول مؤرخ نصراني: "العرب هووا عندما نسوا فضائلهم التي جاءوا بها، وأصبحوا على قلب متقلب يميل إلى الخفة والمرح والاسترسال في الشهوات".
فالأندلسيون في أواخر أيامهم ألقوا بأنفسهم في أحضان النعيم، وناموا في ظل ظليل من الغنى الواسع والحياة العابثة، والمجون وما يرضي الأهواء من ألوان الترف الفاجر، فذهبت أخلاقهم كما ماتت حميتهم وحمية آبائهم البواسل.
وذكر عدد من المؤرخين أن أسباب مقتل ابن هود أنه تنازع هو ونائبه ووزيره في المرية، محمد الرميمي، بسبب النزاع على جارية نصرانية، كل منهم يريدها لنفسه، والعدو يتربص بهم، فقام الوزير ودس من قتل ابن هود بسبب جارية نصرانية.
ويقول عبد الله عنان في نهاية الأندلس: لم يلبث أبو الحسن، وهو أحد ملوك بني الأحمر، بل من آخرهم، أحد زعماء غرناطة، بل ومن آخرهم أن ركن إلى الدعة وأطلق العنان لأهوائه وملاذه، وبذر حوله بذور السخط والغضب، بما سار به في شؤون الرعية والدولة، وما أثقل به كاهلهم من صنوف المغارم، وما أغرق فيه من دروب اللهو والعبث، وهكذا عادت عوامل الفساد والانحلال والتفرق الخالدة، تعمل عملها الهادم، وتحدث آثارها الخطرة.
ثم يقول: ذلك أن أبا الحسن ركن في أواخر أيامه إلى حياة الدعة، واسترسل في أهوائه وملاذه، واقترن للمرة الثانية بفتاة نصرانية رائعة الحسن، أخذت سبية في إحدى المعارك، واعتنقت الإسلام كما يقولون؛ ولهذا حل بالأندلس ما حل بها، وانشغل المسلمون في بناء القصور، وبناء الدور، وبناء المزارع والبساتين، وعدوهم يعبث، ويعمل عمله الرهيب حتى أتاهم على حين غرة".
دخل المسلمون الأندلس عندما كان نشيد طارق في العبور الله أكبر، ثم جاء عبد الرحمن الداخل، الذي قدم إليه الخمر ليشرب فقال: "إنني محتاج لما يزيد في عقلي لا لما ينقصه"؛ فعرف الناس من ذلك قدره. ولما أهديت إليه جارية حسناء، قال بعد أن نظر إليها: إن هذه الجارية من القلب والعين بمكان، فإن أنا انشغلت عنها بمهمتي ظلمتها، وإن لهوت بها عن مهمتي ظلمت مهمتي - (الجهاد) - لا حاجة لي بها الآن. فقالوا: إن الأمير ذو همة.
وأضاع المسلمون الأندلس عندما كان نشيدهم:
دوزن العود وهات القدح ... راقت الخمرة والورد صحا
أضاعوها عندما كان مغنيهم يغني:
قيادي تملكــــــه الجهـــــــاد؟ لا
قيادي قـــــــد تملكـــه الغــــرام
ووجـدي لا يطــــاق ولا يــــرام
ودمعي دونه صوب الغــــوادي
وشجوي فوق ما يشكو الحمام
إذا ما الوجــد لم يبـــرح فؤادي
على الدنيــا وساكنها الســــلام
وفعلا ذهبت الأندلس، وراحت وعليها السلام؛ لأن هذا وأمثاله كانت هذه حياتهم العابثة، أغاني، لهو، مجون، خلاعة.
لماذا تسقط الدول؟

تحدث الشيخ الدكتور سفر الحوالي عن منهج الإسلام في بيان أسباب سقوط الأمم واندثارها، فقال:
إن الأمم إذا تكبرت وطغت وانتشر فيها الفساد عاجلها الله بالعقوبة، قال تعالى: }أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ{ [الفجر:6-12]؛ فكانت النتيجة }فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ{ [الفجر:13-14].
فأوجه الفساد والطغيان كثيرة، ولكن هل في البشرية من يتدبر ويعقل؟، العقلاء هؤلاء يرفعون العقيرة بالنذر، وهم قليل جداً في التاريخ.
وبما أننا في عصر قد عُظِّمت فيه أوروبا وحضارتها الغربية المسيطرة على العالم، والتي تقوده إلى الدمار والهاوية، فلننظر ماذا قال علماء وباحثو الغرب ومفكروه العقلاء - وهم قلة - لما رأوا أمتهم تمضي إلى هذا الدمار والانهيار، تفكروا في حال أممهم وبحثوا عن أسباب الانهيار، وأسباب الفساد الذي أدى إلى من قبل في انهيار الإمبراطورية الرومانية، وانهيار الحضارات:
انتشار التبرج والزنا والخمور
هناك رجل غربي يعرفه كل مفكر غربي، وهو المعروف بـأرنولد توينبي ، ويعتبر توينبي أكبر مؤرخ في هذا العصر، فقد درس جميع الحضارات، وأحصى الحضارات القديمة التي يمكن أن تعرف، واستطاع أن يجد أن هناك أكثر من إحدى وعشرين حضارة من الحضارات، بعضها استمر ألف سنة، وبعضها خمسمائة سنة، في أنحاء مختلفة من الأرض..
فوجد أن كل هذه الحضارات في التاريخ المكتوب تنهار وتنقرض وتدمر بأسباب، منها:
أن تخرج المرأة وتترك وظيفة الأمومة، وينتشر التبرج والزنا. فمن تتبع سقوط هذه الحضارات وجد أن السبب هو هذه الظاهرة.
فقد انقرض اليونان؛ لأن المسارح أصبحت علناً، وانتشر فيهم الاختلاط والخمر والزنا والتبرج.. وكذلك الحضارة الرومانية، وقد كان من أسباب انهيار الحضارة الإسلامية في بغداد انتشار المعاصي والذنوب، كما شهد بذلك أعداء الإسلام. حتى أن الخليفة - الذي كان في بغداد لما دخلها هولاكو وحاصرها - كان قد كتب إلى أمير الموصل يقول: "بلغنا أن مغنياً مشهوراً عندكم أوجد نغمات جديدة في السلم الموسيقي، فنريد أن تبعثوا به إلينا"، وكان اسمه صفي الدين.. فسبق دخول هولاكو دخول ذلك المغني، فحصل الدمار.
وفي جميع البحوث التي أجريت في أكثر من دولة أوروبية، تبين لهم أن السبب في نقص عدد السكان وكثرة عدد الوفيات بالنسبة للمواليد هو: خروج المرأة لتعمل ولتشارك الرجل في العمل، فلما خرجت لم تتزوج، واكتفت بالعشيق فلم تنجب، فكانت النتيجة أن عدد المواليد أقل من عدد الوفيات، وبالتالي ستصبح هذه الأمة أقلية. فمن سنن الله أنه لم يجعل الدمار والانهيار فجأة بغير مقدمات وبغير أسباب تؤدي إلى نتائج.
وأما أوزوالد اشبنجلر - المؤرخ الألماني الذي أصدر كتاباً ضخماً في ثلاث مجلدات عن تدهور الحضارة الغربية وانحطاطها - يقول: "إن خروج المرأة من البيت هو المنعطف الخطير الذي إذا وصلت إليه أي حضارة من الحضارات بدأت بالسقوط، وبدأت بالانهيار".
وآخر يقول: "الحضارة الغربية اليوم سوف تنهار؛ لأنه ينتشر فيها شرب الخمر"، فذكر أحد الأسباب: شرب الخمر، والسبب الآخر: "إن أوروبا سوف تصبح أقلية بين الشعوب؛ ولهذا تنهار أوروبا".
الترف
من أسباب الانهيار التي ذكرها الله سبحانه وتعالى: انتشار الترف؛ ولهذا فإن أول من يرد دعوة الأنبياء هم المترفون، كما قال تعالى: }إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ{ [سبأ:34]، }وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً{ [الإسراء:16]، }وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا{ [الأنعام:123]، فأكابر المجرمين المترفين يردون الحق والدعوات وواعظ الخير؛ لأن ترفهم قد ران على قلوبهم، فالترفُ وحبُّ الدنيا يُقسِّي القلب.
يقول الحسن البصري رحمه الله: "يا أهل العراق لا تدفعوا عذاب الله بأيديكم وأرجلكم، ولكن ادفعوه بالتوبة إلى الله، فإن الله تبارك وتعالى يقول: }فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا{، تضرعوا إلى الله وتوبوا إليه يكشف ما بكم من سوء ويبدل حالكم".
وذهب أهل البصرة يستسقون فلم يمطروا، فعادوا وقالوا: "عجباً والله! استسقينا ولم نمطر"، فقال مالك بن دينار: سبحان الله! تستبطئون المطر، أما والله إني لأستبطئ الحجارة من السماء".
البطر والملل من نعم الله
من الأسباب الأخرى والعوامل التي تنخر في كيان الأمم والشعوب البطر والملل من الحياة الرغيدة الهنيئة، فقد ذكر الله تعالى لذلك مثالاً لأمة عجيبة ذكرها القرآن تفصيلاً، وهي سبأ: }لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ{ [سبأ:16]، جنة عن يمين وجنة عن شمال كلوا واشربوا من هذه النِعم، بلدة طيبة معطاءة، ورب غفور يغفر الخطايا، استغفروا وكلوا وتمتعوا.
لكنهم أعرضوا؛ وهذا الإعراض هو الذي دمر الأمم: }فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ{ [سبأ:16].
}وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ{ [سبأ:18]، حكمة من الله ورحمة منه أن أعاد لهم مرة ثانية شيئاً من الخير في الأرض، وجعل بينها وبين القرى التي بارك فيها - بلاد الشام - قرىً ظاهرة.
}فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّق إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ{ [سبأ:19]، يريدون المشقة والتعب ويريدون أن يتذوقوا متعة الرحلات؛ فلم يبق من أولئك القوم إلا أحاديث يتحدث بها في المجالس، ذكريات عابرة، هذا الذي بقي من أمة عظيمة كانت تطغى وتتجبر على خالق الأرض والسماء سبحانه وتعالى لما عصت الله عز وجل.
ترك الأمربالمعروف والنهي عن المنكر
هناك أكابر المجرمين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، إذا تآمروا وإذا تُرِكَ لهم الحبل على الغارب، وأطلق لهم العنان، ولم يضرب على أيديهم، وهذا من أعظم أسباب دمار الأمم والشعوب.
يقول الله سبحانه وتعالى عن قوم صالح: }وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ * قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ{ [النمل:48-49].
فكانت النتيجة: }فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ{ [النمل:51]، دمر التسعة ومن معهم، وما ذلك إلا لأن العاقل لم يأخذ على يد السفيه، ولم يضرب عليه.
المحاباة فيحدود الله
بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - سبباً عظيماً من أسباب هلاك الأمم ودمارها: [إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، وإذا سرق فيهم الشريف تركوه]، إذا عطَّلنا أحكام الله عز وجل مراعاةً لحال فلان (هذا قريب) (هذا بعيد) (هذا شريف)؛ فتدخل الشفاعة في حدود الله، وتقام على الضعفاء ولا تقام على الكبراء؛ فهذا مما يمهد لكي يكون المترفون أكثر قوة وتمكناً، حتى أن أحدهم لا يخاف من أي شيء؛ لأنه مطمئن أن أي شيء يقع فبيده أن يتخلص منه، فإن خُوِّف بعذاب أو بأمر أو بعقوبة، قال: العقوبة أستطيع أن أدفعها، وإن خوف بالفقر فهو يرى أنه أغنى من في المجتمع أومن أغنى الناس، وهكذا البطر حين يأتي إلى هذه القلوب.
فالأمة التي تقيم حدود الله على ضعفائها ولا تقيمها على أشرافها أمة معرضة للهلاك والدمار.
مجاهرة الله بالمعاصي
يقول تشرشل – رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية- : "لما كانت الطائرات الألمانية تضرب لندن كل يوم، وتنزل عليها الأمطار من القنابل، اضطر الناس إلى أن يضعوا المسارح والمراقص تحت الأرض، ويقول العاملون فيها: إن الإقبال على المراقص وعلى المسارح وعلى شرب الخمر تضاعف، ويتضاعف عند القصف الألماني على البلد".
وفي بلد عربي يقولون: إن المراقص والمسارح تحت الأرض، فإذا تقاتلت المليشيات، ينزلون فيسكرون ويرقصون، فإذا أُعلنت هدنة مؤقتة عادوا إلى بيوتهم.
والإنسان إذا ابتعد عن الله لا يمكن أن يعظه أي واعظ أو أي زاجر، ولهذا لما ذكر الله سبحانه وتعالى الأمم التي أهلكها، وما تركت من آبار معطلة وقصور مشيدة، قال بعد ذلك: }فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ{ [الحج:46]، فالقلوب إذا عميت ترى الآثار شاخصة، ولكنها لا تعتبر ولا تتعظ. يمر بقصر مهجور، وببئر معطلة، ويمر بآثار العذاب، وقد يكون قريباً منه، ولكنه في غفلة، ولو عرضت عليه أسباب اللهو لانتهزها فرصة، وترك العبرة والموعظة؛ ولهذا كان التهديد من الله: }أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ{ [الأعراف:97]، }أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ{ [الأعراف:98]، اللعب العام، فحياتهم كلها لعب، أو اللعب الخاص حين يجتمع في الملعب خمسون ألفاً أو مائة ألف ليس فيهم من يصلي، }أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ{ [الأعراف:99].
كثرة الفساد إنذار باقتراب الهلاك
ومن بين الأسباب ما ذكره الشيخ عبد الله المحمدي، وهو اقتراب موعد الهلاك بسبب كثرة الفساد في الأرض، فإذا كثر الفساد في الأرض وانتشر الخبث في الناس، فإنه ينذر بعاقبة وخيمة.
عندما سألت إحدى نساء النبي - صلى الله عليه وسلم-: [أوَنهلك يا رسول الله وفينا الصالحون؟، قال: نعم. إذا كثر الخبث]، فالخبث إذا كثر في أمة من الأمم فإنه نذير بأن تهلك هذه الأمة، كما ورد ذلك في القرآن إما بخسف أو بمسخ أو بريح أو بعاصفة أو بفيضان أو بزلزال أو ببركان أو بطاعون أو بمرض أو بغير ذلك من جند الله التي لا يحصيها إلا رب العالمين. يقول الله سبحانه وتعالى في هذا: }وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ{ [هود:102]، فالشرط أن تكون ظالمة، ويقول الله: }فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ{ [هود:116-117].
أما إذا أُمر بالفساد وانتشر، ولم يوجد أولو بقية من الصالحين والطائعين ينهون عن الفساد في الأرض، فإنها عند ذلك تقع الطامة، ويحلّ العذاب بالجميع.
ويقول الله - مبيناً كيف قصم الأمم التي ظلمت أنفسها - }وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ{ [الأنبياء:11-15]، فما زالت تلك دعواهم، أي ما زالوا يرددون }يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ{ [الأنبياء:14] حتى جعلناهم حصيداً خامدين؛ والسبب هو أنهم من قرية كانت ظالمة.
الخلاصة
لقد تحققت في دولة المرابطين أسباب السقوط والانهيار التي حذرت منها الشريعة الإسلامية.. فعندما كانت هذه الدولة قوية نجد أن السمة الغالبة عليها هي الصلاح والالتزام بالشرع قولاً وفعلاً.
وبدأت مظاهر الضعف مع انتشار الفساد الأخلاقي والاجتماعي والسياسي والانغماس في الملذات؛ فغفلت عقولهم وقلوبهم عن الأخطار التي تهددهم من كل جانب.
ونفس الأسباب التي أدت إلى سقوط هذه الدولة نجدها في المجتمع الإسلامي الأندلس بعد سقوط الدولة الأموية هناك؛ فكانت النتيجة مرحلة قاسية من الذل والهوان والقهر عاشها المسلمون في تلك البلاد، ولم تعد لهم كرامتهم وعزتهم إلا على بقوة إسلامية موحِدة وموحَدة، وملتزمة بشريعة ربها.. وذلك قبل أن تعود الأوضاع إلى حالها السيئ بسبب زوال عوامل القوة والتمكين.
واليوم لا يختلف حال الأمة البائس عن حالها التعيس في ذلك الزمان، من حيث الأسباب والنتائج.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
- (فقه التمكين عند دولة المرابطين)، د. علي محمد الصلابي.
- (المعجب في تلخيص أخبار المغرب)، المراكشي.
- (دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية)، د. عبد الحليم عويس.
- (أسباب انهيار الأمم)، الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي، والشيخ عبد الله المحمدي.
- (سقوط الأندلس.. دروس وعبر)، الشيخ ناصر بن سليمان العمر.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 98.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 96.43 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (2.37%)]