الوقف في تراث الآل والأصحاب - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11943 - عددالزوار : 191457 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 579 - عددالزوار : 92950 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 118 - عددالزوار : 56999 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 81 - عددالزوار : 26305 )           »          شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 35 - عددالزوار : 745 )           »          كلام جرايد د حسام عقل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 41 )           »          تأمل في قوله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره... } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          بيان معجزة القرآن بعظيم أثره وتنوع أدلته وهداياته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 08-11-2022, 03:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوقف في تراث الآل والأصحاب

الوقف في تراث الآل والأصحاب (15)
مقاصد شرعية وفــوائــد فقـــهيــة من أوقاف النبي صلى الله عليه وسلم



عيسى القدومي

هذه سلسلة مقالات نسلط فيها الضوء على أوقاف آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، وعرضِ أنواع الأوقاف ومجالاتها، وآثارها في الدين والمجتمع، مع ذكر جملة من المقاصد الشرعية والفوائد الفقهية في تلك الأوقاف، جمعنا فيها ما رُوي من الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب، والدالة على حرص الآل والصحب الكرام -رضي الله عنهم- على الامتثال التامّ لتوجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في بذل المال واحتباس الأصول، وقفًا تنتفع به الأمة الإسلامية، وتنال به عظيم الأجر والثواب.

بالعَوْدَةِ إلى ما أَوْرَدْنا من أنواع الوقف في العصر النبويّ وعصر الصحابة، ثمّ العصور المتأخرةِ إلى ما قبل عصر انتكاسةِ الثقافة الوقفيّة في العصر الحاضر، نجد الآتي:

الثابتَ من أوقافِ الصحابةِ -رضي الله عنهم

الثابتَ من أوقافِ الصحابةِ -رضي الله تعالى عنهم-، أنها كانت أكثر لُصوقًا بالحاجاتِ المباشرةِ والآنيّة والرّاهنةِ للمجتمع المسلم، أو الحاجاتِ الخاصّة بالواقفِ، التي تمثّلت تحديداً وحَصْرًا في مظهرين: الوقف على الذرّيّة، واستبقاءِ شيءٍ من منفعةِ الوقف لشخصِ الواقف، ولم يوجد هذا كثيراً، إنّما رُصِدَ في أوقاف أنس بن مالك، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم- جميعاً.

أمّا القسمُ الخيريُّ أو المشتركُ من هذه الأوقاف فهو على ما ذكرنا، في كفايةِ فقيرٍ طعامًا أو شراباً أو كسوةً، أو على ابن السبيلِ والضّيف، أو على الجهادِ في سبيلِ الله، ويمكن أن يُختَصَرَ ذلك في القول: بأنّ أوقافَ الصّحبِ والآل كانت على الرسالةِ الإسلاميّة في شِقَّيْهَا الدَّعَوِيِّ والأخلاقيّ.

حفظ الدّين

انتشرت الأوقافُ المتعلّقة بحفظ الدين، بدءًا من المساجد نفسها، وما يُوقَف عليها لصيانتها وتوفير الدّخل الضروريّ لنفقاتها التشغيليّة، من رواتب الإمام والخطيب والمؤذّن والخادم، والسُّرُجِ والسّجّاد والبُسُط والسّقاءات وأماكن الوضوء والطّيب والبخور، وغير ذلك، وتنبع أهميّة هذا القطاع من الأوقاف للدّين، من أهميّة المساجد نفسِها، بوصفها العلامة الفارقة لدار الإسلام، ومواضع الأذان، ومجتمع المسلمين في الجُمَع؛ حيث تظهر الشّوكة وتتجدّد الأخوّة وتُبَثُّ الهموم، ويُفتقَدُ الغائبُ، ويُلْحَظُ المحتاج، ويقصدُها الباحثون عن النّور والهدى من الزائرين والوفود والمستفتين والمسترشدين.

وأمّا القطاعات الأخرى المتصلة بالدّين، فكالمكتبات، والكتاتيب، والمدارس الشرعيّة التي تخرّج منها جُلُّ أئمّة الإسلام وعُقُولُه الكبيرةُ من كبار الفقهاء والعلماء والأطبّاء، الذين أذعنت لهم الدنيا بالذكاء والفطنةِ والعبقريّة.

وثمّة أوقافٌ أخرى على شعائر أخرى تعبُّديَّةٍ، مثل الوقف على إفطار الصائمين، أو لرَفْدِ الراغبين في الحجّ والعمرة والزيارة بالنّفقةِ، وللإنفاقِ على المجاوِرين في الحرمَيْن الشريفين والمسجد الأقصى، وعلى المنقطعين للتعبُّد والخَلْوَةِ والتحقُّقِ بالمقامات القلبيّة العليا من الصوفيّة والمتزهّدين.

ومن أهمّ ذلك وأَوْلاه: ما كان يُوقَفُ على المجاهدين في سبيل الله، والمرابطين على الثّغور، وعُدَدِ الجهادِ والحربِ من الخيل والسيوف والرماح والدّروع، ومعلومٌ أنّ مقصدَ الجهادِ الأعظم هو حتى {يَكُوْنَ الدِّيْنُ للهِ}.

حفظ النّفس

إنّ الأوقافَ على حاجاتِ ذوي الحاجات المختلفة، من الفقراء والمساكين وأبناء السبيل، في حدود الطعام والشراب والكسوةِ، تصبُّ في هذا المقصد مباشرةً، وكذلك أصحاب الحاجات الأكثر خصوصيّةً، كالمرضى والزَّمْنَى وأصحاب العاهات، فقد قامت لكلّ شريحةٍ منهم دُورٌ خاصَّةٌ ترعاهم، وأهمّها وأبرزها البيمارستانات التي كانت علامةً فارقةً في تاريخ الدّنيا بأسرها، لا سيما ما كان منها بالأندلس.

ومن أهمّ ما يُذكَر في هذا السياق، أنّ حفظ النّفس بالوقف لم يتوقّف على حفظها من الضرر اللّاحقِ بالبدن فقط، من الآفات والأمراضِ التي تصحبُها الأوجاعُ الماديّة، بل لبّت الأوقافُ الحاجاتِ المعنويّة للنّفس، بل ضروريّاتها غير المنفكّة عن آدميّىة الإنسان، من كفّ أسباب الخجل والحرج الاجتماعيّ، وللقارئ أن يتخيّل ما الذي يعنيه وجودُ وَقْفٍ لإعارةِ الحُليّ والثياب للعروسِ التي لم يستطع زوجُها أنْ يجهّزها بالمظهر التي تشتهي أن تظهر به بين قريناتها، بل وُجِدَ ما هو أعمق من ذلك في الصيانة والرعايةإ إذ يُنسَبُ وقفٌ إلى الأمير حُمَيْد بن عبد الحميد الطوسيّ (ت210هـ) (أحد قادة المأمون)، وقَفَه على أهل البيوتات وذوي الهيئات الاجتماعيّة الذين يعيشون على مستويات خاصّة من الرفاهيّة والسّعة، وجهةُ الوقْف، على أنّ من تعرّض منهم إلى جائحةٍ في مالِه، أو خسارةٍ كبيرةٍ في تجارتِه تُلْجِئُه إلى السؤال والاحتياج إلى غيره، يُكْفى من هذا الوقف، لعدم اعتيادِ مثلِه على السؤال والاقتراض، فالشأن المعتادُ أنّ مثلَه تأبى نفسُه عليه السؤال وإظهار الاحتياج، فيحرّج ذلك عليه.

حفظ العقل

حولَ مقصد حفظ العقل ملاحظتان:

- الأولى: أنّ العقلَ داخلٌ في النّفسِ، فكلُّ ما يحفظُها يحفظُهُ بالتّبع؛ إذ ليس للعقل كيانٌ مستقلٌّ، بل هو من صفات النّفس.

- الثانية: أنّ مُفسدات العقل على ضربَيْن: حسيّةٌ ومعنويّة.

فمن الحسّيّة: شُرب الخمر، وما يُلحقُ بها ممّا يُذهِبُ العقلَ من الموادّ التي يتعاطاها الإنسان، أو الأفعالِ التي يفعلُها باختيارِه وهي يدري أنّ عاقبتها زوالُ عقلِه، ولو مؤقّتًا.

ومن المعنويّة: وهي ما يَعْرِضُ للعقل من تصوُّراتٍ فاسدةٍ عن الوجود، وأوّل ذلك: الضّلال في الدّين، وفقدان الرُّشد وطُروءُ السَّفَه في شأن الدّنيا، والانحرافُ في النّظرة إلى شئون الاجتماع البشريّ، والسياسة، وما يتداخَل فيها من حقوقٍ وواجباتٍ وآدابٍ، من فارقَها جُملةً صُنِّفَ في جملةِ الشواذّ، ولم يُرَ على سواءٍ من أمره.

وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ علاجَ هذه الآفاتِ العقليّةِ يكونُ بما يقابلها من:

- أوّلاً: توفيرُ الطّعامِ والشّراب المباح، وحفظ الكرامةِ، ورفع مستوى المعيشةِ الحلال، والإعانةُ على هدوء البال، بحيث تتحسَّسُ النُّفوسُ النّعمةَ، وتغتبطُ بالعافيةِ، فلا تتطلّع إلى ما وراء ذلك ممّا يُغضِبُ اللهَ ويرفعُ نِعَمَه ويُحِلُّ سَخَطَه.

- ثانيًا: التعليم والترشيد، وإنارةُ البصائر، وطرحُ المباحثِ المعرفيّة أمام العقول، وإثراءُ ميادين العلم والثقافة، وتَعْلِيَةُ أقْدَارِ المُنتَمِين إليها اجتماعيًّا لتكون ميادينَ جاذبةً للنّاشئةِ وعُموم الخَلْق.

ولا ريب أنّ الوقْفَ حاضرٌ بكلّ قوَّةٍ في توفير هذه العلاجات والوِقايات؛ إذ إنّ ما يحفظُ العقلَ يرجعُ في المآلِ إلى ما يحفظُ النّفسَ وما يحفظُ الدّين، وعلى وجه الخصوص: ما يقوّي جبهة الإنسانِ المعرفيّة ويحصّنه أمام الملاهي والسفاسف والمغريات، بإشْغالِه بالعلمِ النّافع، فقد جاءَ في حديث ابن مسعودٍ مرفوعًا: «الاستحياءُ من اللهِ حقَّ الحياء، أنْ تحفظَ الرأسَ وما وَعَى، والبَطْنَ وما حَوَى، ولْتَذْكُرِ الموتَ والبِلَى».

حفظ النّسل

عبَّر الأصوليّون عن هذه الضّروريّة تارةً بـ(النّسل)، وتارةً بالنَّسَب، وتارةً بالبُضْعِ، وتارةً بالفَرْجِ، والكلامُ في المآلِ يرجعُ إلى منع الشريعةِ التزاحُم والاشتراكَ في الأبضاعِ؛ لِمَا يترتّبُ على ذلك من ضياعِ الأنسابِ واختلاطِها، ومن أشهر ما يُمثَّلُ به من التشريعاتِ الإسلاميّة لحفظِ النَّسَب: تحريم الزّنا، والزجر عن التلبُّس بدواعيه ومقدّماتِه من النّظر والخَلْوَةِ، وشرعُ العقوبةِ الزاجرةِ عنه والرّادعةِ عن اقترافِه، وهي الحدُّ: الجلد أو الرجم.

ومن أهمّ الوقايات الشرعيّة عن الوقوع في الزّنا: الزواجُ الشرعيُّ، المؤدّي إلى إعفاف الزوجَيْن، الذي يوفّر الدّاعي لاستمرار النّوع الإنسانيّ عن طريقِ جمع الذكر والأنثى في إطارٍ من الحقوق والواجبات المتبادَلة، ويرشّد الاتصال الغريزيّ بينهما لأجل استمتاعهما المباح.

ذكر ابن بطوطة في رحلته ما رآه بدمشق من أوقافٍ على تيسير الزواج والترغيب فيه، قال: «والأوقافُ بدمشق لا تحصر أنواعها ومصارفها لكثرتها... ومنها أوقافٌ على تجهيز البنات إلى أزواجهنّ، وهنّ اللّواتي لا قُدْرَةَ لأهلهنّ على تجهيزهنّ».

ودار الدُّقَّةِ بمرّاكش، كانت تستقبلُ النّساءَ اللّاتي تضطرُّهُنَّ مُغاضَبَةُ الزّوجِ وسوءُ معاملَتِه إلى الخروج من البيت، فيأوينَ إليها! لهُنَّ ما يكفيهنّ من حقّ المبيت والطعام والشراب حتى تزولَ عنهنّ سَوْرَةُ الغضب ووَحْشَةُ الإيذاءِ! ولو لم يكن كذلك، فـ «النّساءُ لَحْمٌ على وَضَمٍ، كلُّ أحدٍ يشتهيهنّ، وهُنَّ لا مَدْفَعَ عندهنّ» كما قال أبو بكر ابن العربي، ومعلومٌ أنّ المرأةَ في مثل هذه الحال من أيسرِ ما تكونُ حالاً على ضِعافِ النّفوسِ ليستضعفوها ويُراودوها ويهتكوا حُرمَتَهَا.

حفظ المال

إنّ الأوقافَ بَذْلٌ للمال، ونَقْلٌ له مُضاعفًا إلى دارٍ أخرى، هي الدّار الآخرة، فهو استثمارٌ ضمن الرؤية الإيمانيّة الكليّة التي ينظر بها المؤمنُ إلى الوجود، إلّا أنّه من جهةِ الموقوفِ عليهم، يوفّر لهم كلّ ما يحتاجونه من المال لتلبية حاجاتهم المعنويّة والنفسيّة، على اختلاف فئاتهم واختلاف الهيئة التي ينتفعون بها من الوقف، فأيًّا ما كان ريعُ الوقف الذي يُعطَى للموقوف عليه، طعامًا وشراباً، أو نَقْدًا، أو خدمةً كالتعليمِ، أو منفعةَ عينٍ كسُكْنى الدّار، فإنّ هذه جميعاً متقوّمةٌ شرعاً، أي: يمكنُ تقويمُها بالمال.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 08-11-2022, 03:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوقف في تراث الآل والأصحاب

الوقف في تراث الآل والأصحاب (16)
مقاصد شرعية وفــوائــد فقـــهيــة من أوقاف النبي صلى الله عليه وسلم



عيسى القدومي


هذه سلسلة مقالات نسلط فيها الضوء على أوقاف آل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام، وعرضِ أنواع الأوقاف ومجالاتها، وآثارها في الدين والمجتمع، مع ذكر جملة من المقاصد الشرعية والفوائد الفقهية في تلك الأوقاف، جمعنا فيها ما رُوي من الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب، والدالة على حرص الآل والصحب الكرام -رضي الله عنهم- على الامتثال التامّ لتوجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في بذل المال واحتباس الأصول، وقفًا تنتفع به الأمة الإسلامية، وتنال به عظيم الأجر والثواب.

يمكن للنّاظر أن يخلُصَ إلى أنّ الأوقافَ في عصر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابِه تُفضي بنا إلى اعتبارِ عدد من المعالِم أهمها ما يلي:

1- الوقْف سُنَّةٌ قائمةٌ عمل بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واتّبعه آل بيتِه وأصحابُه -رضوان الله عليهم-، ثمّ التّابعون والمسلمون من بعدهم؛ فهو نظام إسلاميٌّ شُرع بالكتاب والسُّنَّةِ وإجماع الصّحابة.

2- الصّدقة الجارية والوقف، كان يُطلَقُ عليه في عهد الصحابة مسمّى: (الصّدقة)، والصّدقة الجاريةُ إحدى الصّدقات بلا شكّ، لكنها جُعلت في عين تحبس ليستمرّ نفعها وأجرها، وسمّيت وقفاً، والوقف والتحبيس والتسبيل بمعنى واحد، وهو: المنع من التصرف.

3- الوقف لا يكون إلا فيما له أصل يدوم الانتفاع به، وتبقى عينه، فأمّا الذي يُستهلَكُ بالانتفاع به فهو صدقة، وليس وقفاً؛ فلا يصحّ وقف ما لا يدوم الانتفاع به كالطعام.

4- متى ثبت الوقف فإنّ العين لا يجوز أنْ تباع، ولا أنْ توهب، ولا أنْ تورَث.

5- يُستحبُّ أنْ يكون المال المعطى صدقةً أو وقفًا من أجود وأنفس مال المتصدّق وأحبّه إليه، وهذا فِعل الصحابة والسلف؛ إذا أحبّوا شيئاً جعلوه لله -سبحانه وتعالى.


الصّدقة تصل إلى الميّت وتجري عليه الحسنات

6- الصّدقة تصل إلى الميّت وتجري عليه الحسنات إلى ما بعد الممات، وفي هذا إجماع الأمة، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، والصدقة الجارية عمادُها الوقف.

7- التصدُّق للوالدين باب من أبواب برّهما حتى بعد موتهما، وهي من الأعمال التي يصل ثوابها للميت، وهذا عمل سعد بن عبادة - رضي الله عنه -، حيث بلغ به بر أمّه أنّه وقف لها وقفاً ينال به الأجر عند الله، ويجري لأُمِّه به الأجرُ بعد الممات، فالوقف من أعمال الأحياء المالية التي ينتفع بها الميت.

استشارة العلماء وأصحب الخبرة

8- يستحب لصاحب الوقف إذا أراد وَقفه: أن يستشير العلماء والصالحين وغيرهم من ذوي الخبرة والمعرفة، فعمر - رضي الله عنه - استشار النبي - صلى الله عليه وسلم - في أنفس مال ملكه كيف يتصدق به، وعثمان - رضي الله عنه - عندما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحقيق طلبه بشراء بئر رُوْمَةَ من خالص ماله، أرشده إلى أن يجعلها سقاية للمسلمين كافّة في كلّ عصر، يشرب منها الغني والفقير، والمقيم وابن السبيل.

9- العلم الذي يُعَدُّ صدقةً جاريةً ويجري للعبد فيه الأجر بعد مماته هو: العلم الذي يُنتفع به، أما العلم الذي لا نفع فيه، أو العلم الذي فيه مضرة، والعلوم المفسدة للدين والأخلاق؛ فلا تدخل في الحديث، وليست من الصدقة الجارية.

10- للواقف أنْ يشترط لنفسه جزءاً من ريع الموقوف؛ لأنّ عمر شرط لمن ولي وقفه أن يأكل منه بالمعروف، ولم يستثن إن كان هو الناظر أو غيره، فدلّ على صحّة الشّرط، ويُستنبَط كذلك منه صحّة الوقْف على النفس.

من مقاصد الوقف

11- من مقاصد الوقف: الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المستفيدين، كوقف النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وتعدُّد مصارفه (الموقوف عليهم)، وكذلك وقف عثمان - رضي الله عنه - لبئر رُوْمَة، ووقف علي - رضي الله عنه - لأرض ينبع، ووقف بني النجار حائطهم لإقامة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليها.

12- الوقف صدقة ليست بواجبة، وإنما يتطوّع بها المسلم ويبذلها لوجه الله سبحانه وتعالى، فالوقف سنة مستحبة؛ مسنونة مشروعة، لا سيما مع حاجة الناس إليها، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمر - رضي الله عنه - «إن شئت حبست أصلها» من باب الخيار، فالوقف سنة مستحبة.

توثيق الوقف

13- الصحابة -رضوان الله عليهم- وثّقوا جميع وقفياتهم بالكتابة أو بالإشها أو بكلَيْهِمَا؛ كما فعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وغيره من الصحابة، وكثير من الصحابة -رضوان الله عليهم- كتب كتابه وفق ما ورد في وقفية عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وحرص الصحابة -رضي الله عنهم- على رعاية أوقافهم، بأنْ توَلَّوْا نظارتَها في حياتهم، ومنهم: عمر وعلي -رضي الله عنهم-، فقد كانا ناظرين لوقفَيْهِما.

تدوين الوقفية

14- تدوين الوقفية كان له الأثر العظيم في حفظ الوقف، فقد يقع النزاع فيه بعد موت الواقف، وقد تنازع بعض أبناء الصحابة -رضي الله عنهم-؛ فلجؤوا إلى الأمراء وبأيديهم الصكوك الوقفية والشهود؛ فحُكم بما في الصكوك الشرعية.

15- الوقف في حال الصحّة والقوّة أفضل من التعليق بالموت أو الوصيّة حال المرض والاحتضار؛ كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - في بيان أعظم الصّدقةِ: «أنْ تصدَّق وأنت صحيحٌ شحيحٌ، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقومَ قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان».

16- جواز التصدق من الحيّ في غير مرض الموت بأكثر من ثلث ماله، لأنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل أبا طلحة عن قدر ما تصدق به وما بقي له من المال والممتلكات.

17- في أنواع الوقف وأقسامه: لم يكن المتقدمون يفرّقون في التسمية بين ما وُقف على الذرية، وما وُقف على غيرهم من جهات البرّ، بل الكل يسمى عندهم: وقفاً، أو حبساً، أو صدقة. فالوقف -سواء كان على الأهل، أو على سائر جهات البر- فيه معنى الخير، والإحسان، والصدقة.

18- الصحابة -رضي الله عنهم- عرفوا نوعَي الوقف: الخيري والذُّرّيَّ، وهذا واضح من خلال النصوص الوقفية التي كتبوها في وقفياتهم، وأشهدوا الناس عليها.

19- جواز وقف الخيل للمدافعة عن المسلمين، ويستنبط منه: جواز وقف الحيوان، وما ينتفع به المسلمون من أنواع المركوبات اليوم من السيارات والطائرات والسُّفُن والزّوارق، وسائر الآليّات من وسائل النقل الحديثة، ويجري على واقفها الأجر العظيم.

التصريح بالوقف وإشهاره وإعلانه

20- جوار التصريح بالوقف وإشهاره وإعلانه، والجهر بطلب أجر ذلك العمل من الله سبحانه وتعالى، وجواز تحدث الرجل بمناقبه عند الاحتياج إلى ذلك؛ لدفع مضرة، أو تحصيل منفعة، وإنما يكره ذلك عند المفاخرة، والمكاثرة، والعجب، كما فعل عثمان - رضي الله عنه - مع الخارجين عليه.

21- صحة وقف المشاع الذي ينتفع به، والأرض المشاع يصح وقفها، كما فعل بنو النجار، وأقرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك؛ وانعقد الوقف قبل البناء، فيؤخذ منه: أنّ من وقف أرضاً على أنْ يبنيها مسجداً، انعقد الوقف قبل البناء.

انتفاع الواقف بوقفه

22- جواز انتفاع الواقف بوقفه، مثل ما فعل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في وقفه بئراً في المدينة المنورة؛ حيث أوقفها على المسلمين وجعل دلوه كأحد دلاء المسلمين، ووقف أنس داراً له في المدينة فكان إذا حج مرّ بالمدينة فنزل داره، فمن وقف مسجداً يكون هو وأولاده من جملة المصلين، ولمن وقف معهداً أو مدرسة تحفيظ للقرآن الكريم أن يكون أولاده من جملة الدارسين من الطلبة.


نظارة المرأة على الوقف


23- جواز نظارة المرأة على الوقف إذا تحلّت بالكفاءة اللازمة للقيام بشؤون النظارة، وتقديمها على أقرانها من الرجال، فتخصيص حفصة -أم المؤمنين- دون إخوتها وأخواتها في النظارة على وقف عمر -رضي الله عنهما- دليل على رجاحة عقلها وحسن إدارتها.

24- استحباب التفصيل في حجج ووثائق الوقف لحفظ الوقف واستمراره، وإزالة اللبس في أعيانه وحدوده وشروطه ومصارفه، ومن يتولاه في النظارة.

25- للواقف أن يشترط في وقفه ما يريد، بشرط ألَّا ينافي حكم الوقف، ولا يضر بالموقوف، ولا بمصلحة الموقوف عليهم، ولا يخالف شرع الله، ولا تصح مخالفته، وهو الذي قال فيه الفقهاء: «شرط الواقف كنص الشارع»، أي: في الفهم والدلالة والتزام العمل به.

26- تولّى الخلفاء الراشدون النظر في بعض أموال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، والبعض الآخر آلت نظارته إلى آل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حتى استقل به آل العباس في خلافتهم ثم انقطع أخبارها بعد ذلك، ترى ذلك في بعض ما أحلْنَا عليه من المصادر عند الحديث عن وقف عليّ - رضي الله عنه .

27- من مجمل أحاديث الوقف نخلص إلى أنّ كلّ وقف صدقة جارية، وليس كل صدقة جارية وقْفاً، فالوقف ما حبس لأصله وسبلت منفعته، أما الصدقة الجارية قد تكون علماً منشوراً، أو ولداً صالحاً فتلك من أعمال الصدقة الجارية وليست أوقافاً.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 77.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 75.51 كيلو بايت... تم توفير 2.39 كيلو بايت...بمعدل (3.07%)]