|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#151
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
__________________
|
#152
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
__________________
|
#153
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
__________________
|
#154
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد الثانى الحلقة (152) سُورَةُ الْحِجْرِ(13) صـ 311 إلى صـ 315 وظاهر صنيع البخاري : أن الصلاة إلى التنور عنده غير مكروهة ، وأن عرض النار على النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته يدل على عدم الكراهة . قال البخاري في صحيحه ( باب من صلى وقدامه تنور أو نار ، أو شيء مما يعبد فأراد به الله ) ، وقال الزهري : أخبرني أنس ، قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " عرضت علي النار وأنا أصلي " ، حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله بن عباس ، قال : " انخسفت الشمس فصلى [ ص: 311 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال : " رأيت النار فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع " . اهـ . وعرض النار عليه - صلى الله عليه وسلم - وهو في صلاته ، دليل على عدم الكراهة ; لأنه لم يقطع . وقد دل بعض الروايات الثابتة في الصحيح على أن النار عرضت عليه من جهة وجهه ، لا من جهة اليمين ولا الشمال ، ففي بعض الروايات الصحيحة : أنهم قالوا له بعد أن انصرف : يا رسول الله ، رأيناك تناولت شيئا في مقامك ، ثم رأيناك تكعكعت - أي : تأخرت - إلى خلف ؟ وفي جوابه : أن ذلك بسبب كونه " أري النار . . " إلخ . فهذا هو حاصل كلام العلماء في الأماكن التي ورد نهي عن الصلاة فيها ، التي لها مناسبة بآية الحجر التي نحن بصددها . والعلم عند الله تعالى . قوله تعالى : وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين . ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة : أنه آتى أصحاب الحجر - وهم ثمود - آياته فكانوا عنها معرضين . والإعراض : الصدود عن الشيء وعدم الالتفات إليه . كأنه مشتق من العرض - بالضم - وهو الجانب ; لأن المعرض لا يولي وجهه ، بل يثني عطفه ملتفتا صادا . ولم يبين - جل وعلا - هنا شيئا من تلك الآيات التي آتاهم ، ولا كيفية إعراضهم عنها ، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر . فبين أن من أعظم الآيات التي آتاهم : تلك الناقة التي أخرجها الله لهم . بل قال بعض العلماء : إن في الناقة المذكورة آيات جمة : كخروجها عشراء ، وبراء ، جوفاء من صخرة صماء ، وسرعة ولادتها عند خروجها ، وعظمها حتى لم تشبهها ناقة ، وكثرة لبنها حتى يكفيهم جميعا ، وكثرة شربها ; كما قال تعالى : لها شرب ولكم شرب يوم معلوم [ 26 \ 155 ] ، وقال : ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر [ 54 \ 28 ] . فإذا علمت ذلك ; فاعلم أن مما يبين قوله تعالى : وآتيناهم آياتنا [ 15 \ 81 ] ، قوله : فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم [ 26 \ 154 - 155 ] ، وقوله : قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء الآية [ 7 \ 73 ] . وقوله : وآتينا ثمود الناقة مبصرة [ 17 \ 59 ] . وقوله : إنا مرسلو الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر [ 54 \ 27 ] ، وقوله : ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب [ 11 \ 64 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . [ ص: 312 ] وبين إعراض قوم صالح عن تلك الآيات في مواضع كثيرة ; كقوله : فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا ياصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين [ 7 \ 77 ] ، وقوله : فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام . . . الآية [ 11 \ 65 ] . وقوله : كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها . . . . [ 91 \ 11 - 14 ] ، وقوله : فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر [ 54 \ 29 ] . وقوله : وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها [ 17 \ 59 ] ، وقوله : قالوا إنما أنت من المسحرين ما أنت إلا بشر مثلنا الآية [ 26 \ 185 - 186 ] . إلى غير ذلك من الآيات . قوله تعالى : وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين . ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن أصحاب الحجر - وهم ثمود قوم صالح - كانوا آمنين في أوطانهم ، وكانوا ينحتون الجبال بيوتا . وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر ، كقوله تعالى : أتتركون في ما هاهنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين [ 26 \ 147 - 149 ] ، وقوله تعالى : واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله الآية [ 7 \ 74 ] ، وقوله : وثمود الذين جابوا الصخر بالواد [ 89 \ 9 ] ، أي : قطعوا الصخر بنحته بيوتا . قوله تعالى : وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق . ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه ما خلق السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ; أي : ليدل بذلك على أنه المستحق لأن يعبد وحده ، وأنه يكلف الخلق ويجازيهم على أعمالهم . فدلت الآية على أنه لم يخلق عبثا ولا لعبا ولا باطلا . وقد أوضح ذلك في آيات كثيرة ، كقوله : وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار [ 38 \ 27 ] ، وقوله ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار [ 3 \ 191 ] ، وقوله : وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق الآية [ 44 \ 38 - 39 ] ، وقوله : أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ، [ ص: 313 ] [ 23 \ 115 - 116 ] ، وقوله : ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى [ 53 \ 31 ] ، وقوله : أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى [ 75 \ 36 - 37 ] إلى غير ذلك من الآيات . قوله تعالى : وإن الساعة لآتية . ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الساعة آتية ، وأكد ذلك بحرف التوكيد الذي هو " إن " ، وبلام الابتداء التي تزحلقها إن المكسورة عن المبتدأ إلى الخبر . وذلك يدل على أمرين : أحدهما : إتيان الساعة لا محالة . والثاني : أن إتيانها أنكره الكفار ; لأن تعدد التوكيد يدل على إنكار الخبر ، كما تقرر في فن المعاني . وأوضح هذين الأمرين في آيات أخر . فبين أن الساعة آتية لا محالة في مواضع كثيرة ; كقوله : إن الساعة آتية أكاد أخفيها [ 20 \ 15 ] ، وقوله : وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور [ 22 \ 7 ] ، وقوله : إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها . . . . الآية [ 22 \ 1 - 2 ] ، وقوله : وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة الآية [ 45 \ 32 ] ، وقوله : ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون [ 30 \ 12 ] ، وقوله : ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة [ 30 \ 55 ] ، وقوله : قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة [ 7 \ 178 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا . وبين - جل وعلا - إنكار الكفار لها في مواضع أخر ; كقوله : وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم [ 34 \ 3 ] ، وقوله : زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا [ 64 \ 7 ] ، وقوله : إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين [ 44 \ 34 - 35 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا . قوله تعالى : فاصفح الصفح الجميل . أمر الله - جل وعلا - نبيه - عليه الصلاة والسلام - في هذه الآية الكريمة أن يصفح عمن أساء الصفح الجميل ; أي : بالحلم والإغضاء . وقال علي وابن عباس : الصفح الجميل : الرضا بغير عتاب . وأمره صلى الله عليه وسلم يشمل حكمة الأمة ; لأنه قدوتهم والمشرع لهم . وبين تعالى ذلك المعنى في مواضع أخر ; كقوله : فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون [ 43 \ 89 ] ، [ ص: 314 ] وقوله : وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما [ 25 \ 63 ] ، وقوله : وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين [ 28 \ 55 ] ، وقوله : فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره . . . . الآية [ 2 \ 109 ] . إلى غير ذلك من الآيات . وقال بعض العلماء : هذا الأمر بالصفح منسوخ بآيات السيف . وقيل : هو غير منسوخ . والمراد به حسن المخالفة ، وهي : المعاملة بحسن الخلق . قال الجوهري في صحاحه : والخلق : السجية ، يقال : خالص المؤمن ، وخالق الفاجر . قوله تعالى : فاصفح الصفح الجميل . أمر الله - جل وعلا - نبيه - عليه الصلاة والسلام - في هذه الآية الكريمة أن يصفح عمن أساء الصفح الجميل ; أي : بالحلم والإغضاء . وقال علي وابن عباس : الصفح الجميل : الرضا بغير عتاب . وأمره صلى الله عليه وسلم يشمل حكمة الأمة ; لأنه قدوتهم والمشرع لهم . وبين تعالى ذلك المعنى في مواضع أخر ; كقوله : فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون [ 43 \ 89 ] ، [ ص: 314 ] وقوله : وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما [ 25 \ 63 ] ، وقوله : وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين [ 28 \ 55 ] ، وقوله : فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره . . . . الآية [ 2 \ 109 ] . إلى غير ذلك من الآيات . وقال بعض العلماء : هذا الأمر بالصفح منسوخ بآيات السيف . وقيل : هو غير منسوخ . والمراد به حسن المخالفة ، وهي : المعاملة بحسن الخلق . قال الجوهري في صحاحه : والخلق : السجية ، يقال : خالص المؤمن ، وخالق الفاجر . قوله تعالى : إن ربك هو الخلاق العليم . ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه الخلاق العليم . والخلاق والعليم : كلاهما صيغة مبالغة . والآية تشير إلى أنه لا يمكن أن يتصف الخلاق بكونه خلاقا إلا وهو عليم بكل شيء ، لا يخفى عليه شيء ، إذ الجاهل بالشيء لا يمكنه أن يخلقه . وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة ، كقوله تعالى : قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم [ 36 \ 79 ] ، وقوله : ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير [ 67 \ 14 ] ، وقوله : ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم [ 2 \ 29 ] ، وقوله : الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما [ 65 \ 12 ] ، وقوله تعالى مجيبا للكفار لما أنكروا البعث وقالوا : أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد [ 50 \ 3 ] ، مبينا أن العالم بما تمزق في الأرض من أجسادهم قادر على إحيائهم : قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ [ 50 \ 4 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . قوله تعالى : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه أتى نبيه - صلى الله عليه وسلم - سبعا من المثاني والقرآن العظيم ، ولم يبين هنا المراد بذلك . وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك : أن الآية الكريمة إن كان لها بيان في كتاب الله غير واف بالمقصود ، أننا نتمم ذلك البيان من السنة ، فنبين الكتاب بالسنة من حيث إنها بيان للقرآن المبين باسم الفاعل . فإذا علمت ذلك ; فاعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين في الحديث الصحيح : أن المراد بالسبع المثاني والقرآن العظيم في هذه الآية الكريمة : هو فاتحة الكتاب . ففاتحة الكتاب مبينة للمراد بالسبع المثاني والقرآن العظيم ، وإنما بينت ذلك [ ص: 315 ] بإيضاح النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك في الحديث الصحيح . قال البخاري في صحيحه في تفسير هذه الآية الكريمة : حدثني محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى ، قال : مر بي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أصلي ، فدعاني فلم آته حتى صليت ، ثم أتيت فقال : " ما منعك أن تأتيني ؟ " فقلت : كنت أصلي . فقال : " ألم يقل الله : ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول [ 8 \ 24 ] ، ثم قال : ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد ، فذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - ليخرج ، فذكرته ، فقال : الحمد لله رب العالمين [ 1 \ 2 ] ، هي السبع المثاني ، والقرآن العظيم الذي أوتيته " . حدثنا آدم ، حدثنا ابن أبي ذئب ، حدثنا سعيد المقبري ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أم القرآن هي السبع المثاني ، والقرآن العظيم " . فهذا نص صحيح من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المراد بالسبع المثاني والقرآن العظيم : فاتحة الكتاب ، وبه تعلم أن قول من قال : إنها السبع الطوال ، غير صحيح ، إذ لا كلام لأحد معه - صلى الله عليه وسلم - ومما يدل على عدم صحة ذلك القول : أن آية الحجر هذه مكية ، وأن السبع الطوال ما أنزلت إلا بالمدينة . والعلم عند الله تعالى . وقيل لها : " مثاني " ; لأنها تثنى قراءتها في الصلاة . وقيل لها : " سبع " ; لأنها سبع آيات . وقيل لها : " القرآن العظيم " ; لأنها هي أعظم سورة ; كما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح المذكور آنفا . وإنما عطف القرآن العظيم على السبع المثاني ، مع أن المراد بهما واحد وهو الفاتحة ; لما علم في اللغة العربية : من أن الشيء الواحد إذا ذكر بصفتين مختلفتين جاز عطف إحداهما على الأخرى ، تنزيلا لتغاير الصفات منزلة تغاير الذوات . ومنه قوله تعالى : سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى [ 87 \ 4 ] ، وقول الشاعر : إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم .
__________________
|
#155
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد الثانى الحلقة (153) سُورَةُ الْحِجْرِ(14) صـ 316 إلى صـ 320 قوله تعالى : لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم . لما بين تعالى أنه آتى النبي - صلى الله عليه وسلم - السبع المثاني والقرآن العظيم ، وذلك أكبر نصيب ، وأعظم حظ عند الله تعالى ، [ ص: 316 ] نهاه أن يمد عينيه إلى متاع الحياة الدنيا الذي متع به الكفار ; لأن من أعطاه ربه - جل وعلا - النصيب الأكبر والحظ الأوفر ، لا ينبغي له أن ينظر إلى النصيب الأحقر الأخس ، ولا سيما إذا كان صاحبه إنما أعطيه لأجل الفتنة والاختبار . وأوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع ; كقوله في ( طه ) : فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقىوأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى [ 20 \ 130 - 132 ] ، والمراد بالأزواج هنا : الأصناف من الذين متعهم الله بالدنيا . قوله تعالى : ولا تحزن عليهم . الصحيح في معنى هذه الآية الكريمة : أن الله نهى نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن الحزن على الكفار إذا امتنعوا من قبول الإسلام . ويدل لذلك كثرة ورود هذا المعنى في القرآن العظيم . كقوله : ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون [ 16 \ 127 ] ، وقوله : فلا تذهب نفسك عليهم حسرات [ 35 \ 8 ] ، وقوله : لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ، وقوله : فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا [ 18 \ 6 ] ، وقوله : وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين [ 5 \ 68 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . والمعنى : قد بلغت ولست مسئولا عن شقاوتهم إذا امتنعوا من الإيمان ، فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ، فلا تحزن عليهم إذا كانوا أشقياء . قوله تعالى : واخفض جناحك للمؤمنين . أمر الله - جل وعلا - نبيه في هذه الآية الكريمة بخفض جناحه للمؤمنين . وخفض الجناح كناية عن لين الجانب والتواضع ، ومنه قول الشاعر : وأنت الشهير بخفض الجناح فلا تك في رفعه أجدلا وبين هذا المعنى في مواضع أخر ; كقوله في " الشعراء " : واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين [ 26 \ 215 ] ، وكقوله : فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر [ 3 \ 159 ] إلى غير ذلك من الآيات . [ ص: 317 ] ويفهم من دليل خطاب الآية الكريمة - أعني مفهوم مخالفتها - أن غير المؤمنين لا يخفض لهم الجناح ، بل يعاملون بالشدة والغلظة . وقد بين تعالى هذا المفهوم في مواضع أخر . كقوله تعالى : ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم [ 9 \ 73 و 66 \ 9 ] ، وقوله : أشداء على الكفار رحماء بينهم [ 48 \ 29 ] ، وقوله : أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين [ 5 \ 54 ] ، كما قدمناه في " المائدة " . قوله تعالى : كما أنزلنا على المقتسمين . في المراد بالمقتسمين أقوال للعلماء معروفة ، وكل واحد منها يشهد له قرآن ، إلا أن في الآية الكريمة قرينة تضعف بعض تلك الأقوال : الأول : أن المراد بالمقتسمين : الذين يحلفون على تكذيب الرسل ومخالفتهم ، وعلى هذا القول ; فالاقتسام افتعال من القسم بمعنى اليمين ، وهو بمعنى التقاسم . ومن الآيات التي ترشد لهذا الوجه قوله تعالى عن قوم صالح : قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله الآية [ 27 \ 49 ] ، أي : نقتلهم ليلا ، وقوله : وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت [ 16 \ 38 ] ، وقوله : أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال [ 14 \ 44 ] ، وقوله : أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة [ 7 \ 49 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . فكأنهم كانوا لا يكذبون بشيء إلا أقسموا عليه ; فسموا مقتسمين . القول الثاني : أن المراد بالمقتسمين : اليهود والنصارى . وإنما وصفوا بأنهم مقتسمون ; لأنهم اقتسموا كتبهم فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها . ويدل لهذا القول قوله تعالى : أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض الآية [ 2 \ 85 ] ، وقوله : ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض الآية [ 4 \ 150 ] . القول الثالث : أن المراد بالمقتسمين : جماعة من كفار مكة اقتسموا القرآن بأقوالهم الكاذبة ; فقال بعضهم : هو شعر . وقال بعضهم : هو سحر . وقال بعضهم : كهانة . وقال بعضهم : أساطير الأولين ، وقال بعضهم : اختلقه محمد ، - صلى الله عليه وسلم - . وهذا القول تدل له الآيات الدالة على أنهم قالوا في القرآن تلك الأقوال المفتراة [ ص: 318 ] الكاذبة ، كقوله تعالى : وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون [ 69 \ 41 - 42 ] ، وقوله : فقال إن هذا إلا سحر يؤثر [ 74 \ 24 ] ، وقوله : إن هذا إلا اختلاق [ 38 \ 7 ] ، وقوله : وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين [ 16 \ 24 ] ، وقوله : وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا [ 25 \ 5 ] إلى غير ذلك من الآيات . والقرينة في الآية الكريمة تؤيد هذا القول الثالث ، ولا تنافي الثاني بخلاف الأول ; لأن قوله : الذين جعلوا القرآن عضين [ 15 \ 91 ] أظهر في القول الثالث ; لجعلهم له أعضاء متفرقة بحسب اختلاف أقوالهم الكاذبة ، كقولهم : شعر ، سحر ، كهانة ، إلخ . وعلى أنهم أهل الكتاب : فالمراد بالقرآن كتبهم التي جزؤوها ، فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها ، أو القرآن ; لأنهم آمنوا بما وافق هواههم منه وكفروا بغيره . وقوله عضين [ 15 \ 91 ] جمع عضة ، وهي العضو من الشيء ، أي : جعلوه أعضاء متفرقة . واللام المحذوفة أصلها واو . قال بعض العلماء : اللام المحذوفة أصلها هاء ، وعليه فأصل العضة عضهة . والعضه : السحر ; فعلى هذا القول فالمعنى : جعلوا القرآن سحرا ; كقوله : إن هذا إلا سحر يؤثر [ 74 \ 24 ] ، وقوله : قالوا سحران تظاهرا [ 28 \ 48 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . والعرب تسمي الساحر عاضها ، والساحرة عاضهة . والسحر عضها . ويقال : إن ذلك لغة قريش . ومنه قول الشاعر : أعوذ بربي من النافثا ت في عقد العاضه المعضه . تنبيه . فإن قيل : بم تتعلق الكاف في قوله : كما أنزلنا على المقتسمين ؟ [ 15 \ 90 ] . فالجواب : ما ذكره الزمخشري في كشافه ، قال : فإن قلت بم تعلق قوله : كما أنزلنا ؟ قلت : فيه وجهان : أحدهما أن يتعلق بقوله : ولقد آتيناك [ 15 \ 87 ] ، أي : أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على أهل الكتاب ، وهم المقتسمون الذين جعلوا القرآن عضين ، حيث قالوا بعنادهم وعدوانهم : بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل ، وبعضه باطل مخالف لهما ، فاقتسموه إلى حق وباطل وعضوه . وقيل : كانوا يستهزئون به فيقول [ ص: 319 ] بعضهم : " سورة البقرة " لي ، ويقول الآخر : " سورة آل عمران " لي ، إلى أن قال : الوجه الثاني : أن يتعلق بقوله : وقل إني أنا النذير المبين [ 15 \ 89 ] ، أي : وأنذر قريشا مثل ما أنزلناه من العذاب على المقتسمين ( يعني اليهود ) ، وهو ما جرى على قريظة والنضير . جعل المتوقع بمنزلة الواقع وهو من الإعجاز ; لأنه إخبار بما سيكون وقد كان ، انتهى محل الغرض من كلام صاحب الكشاف . ونقل كلامه بتمامه أبو حيان في " البحر المحيط " ثم قال أبو حيان : أما الوجه الأول وهو تعلق : كما [ 15 \ 90 ] ب : أتيناك [ 15 \ 87 ] ، فذكره أبو البقاء على تقدير ، وهو أن يكون في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف تقديره : آتيناك سبعا من المثاني إيتاء كما أنزلنا ، أو إنزالا كما أنزلنا ; لأن " آتيناك " بمعنى : أنزلنا عليك . قوله تعالى : فاصدع بما تؤمر . أي : فاجهر به وأظهره من قولهم : صدع بالحجة ; إذا تكلم بها جهارا ، كقولك : صرح بها . وهذه الآية الكريمة أمر الله فيها نبيه - صلى الله عليه وسلم - بتبليغ ما أمر به علنا في غير خفاء ولا مواربة . وأوضح هذا المعنى في مواضع كثيرة ، كقوله : ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك [ 5 \ 67 ] . وقد شهد له تعالى بأنه امتثل ذلك الأمر فبلغ على أكمل وجه في مواضع أخر ; كقوله : اليوم أكملت لكم دينكم [ 5 \ 3 ] ، وقوله : فتول عنهم فما أنت بملوم [ 51 \ 54 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . تنبيه . قوله : فاصدع [ 15 \ 94 ] ، قال بعض العلماء : أصله من الصدع بمعنى الإظهار ، ومنه قولهم : انصدع الصبح : انشق عنه الليل . والصديع : الفجر لانصداعه ، ومنه قول عمرو بن معديكرب : ترى السرحان مفترشا يديه كأن بياض لبته صديع أي : فجر ، والمعنى على هذا القول : أظهر ما تؤمر به ، وبلغه علنا على رءوس الأشهاد ، وتقول العرب : صدعت الشيء : أظهرته . ومنه قول أبي ذؤيب : [ ص: 320 ] وكأنهن ربابة وكأنه يسر يفيض على القداح ويصدع قاله صاحب اللسان . وقال بعض العلماء : أصله من الصدع بمعنى التفريق والشق في الشيء الصلب : كالزجاج والحائط . ومنه بمعنى التفريق : قوله تعالى : من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون [ 30 \ 43 ] ، أي : يتفرقون ، فريق في الجنة وفريق في السعير ; بدليل قوله تعالى : ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون [ 30 \ 14 ] ومنه قول غيلان ذي الرمة : عشية قلبي في المقيم صديعه وراح جناب الظاعنين صديع يعني : أن قلبه افترق إلى جزءين : جزء في المقيم ، وجزء في الظاعنين . وعلى هذا القول : فاصدع بما تؤمر [ 15 \ 94 ] ، أي : فرق بين الحق والباطل بما أمرك الله بتبليغه . وقوله : بما تؤمر يحتمل أن تكون ( ما ) موصولة . ويحتمل أن تكون مصدرية ، بناء على جواز سبك المصدر من أن والفعل المبني للمفعول ، ومنع ذلك جماعة من علماء العربية . قال أبو حيان في ( البحر ) : والصحيح أن ذلك لا يجوز .
__________________
|
#156
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد الثانى الحلقة (154) سُورَةُ الْحِجْرِ(15) صـ 321 إلى صـ 325 قوله تعالى : وأعرض عن المشركين . في هذه الآية الكريمة قولان معروفان للعلماء : أحدهما : أن معنى : وأعرض عن المشركين ، أي : لا تبال بتكذيبهم واستهزائهم ، ولا يصعب عليك ذلك . فالله حافظك منهم . والآية على هذا التأويل معناها : ( فاصدع بما تؤمر ) أي : بلغ رسالة ربك ، ( وأعرض عن المشركين ) ، أي : لا تبال بهم ولا تخشهم . وهذا المعنى كقوله تعالى : ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس [ 5 \ 67 ] . الوجه الثاني وهو الظاهر في معنى الآية : أنه كان في أول الأمر مأمورا بالإعراض عن المشركين ، ثم نسخ ذلك بآيات السيف . ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى : اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين [ 6 \ 106 ] ، وقوله : فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون [ 32 \ 30 ] ، وقوله : فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا [ 53 \ 29 ] ، وقوله : ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم [ 33 \ 48 ] [ ص: 321 ] إلى غير ذلك من الآيات . قوله تعالى : إنا كفيناك المستهزئين . بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه كفى نبيه - صلى الله عليه وسلم - المستهزئين الذين كانوا يستهزئون به وهم قوم من قريش . وذكر في مواضع أخر أنه كفاه غيرهم . كقوله في أهل الكتاب : فسيكفيكهم الله الآية [ 2 \ 137 ] ، وقوله : أليس الله بكاف عبده . . . . الآية [ 39 \ 36 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . والمستهزئون المذكورون هم : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والحارث بن قيس السهمي ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن المطلب . والآفات التي كانت سبب هلاكهم مشهورة في التاريخ . قوله تعالى : ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون . ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه يعلم أن نبيه - صلى الله عليه وسلم - يضيق صدره بما يقول الكفار فيه من : الطعن ، والتكذيب ، والطعن في القرآن . وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر ; كقوله : قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون [ 6 \ 33 ] ، وقوله : فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك [ 11 \ 12 ] ، وقوله : فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا [ 18 \ 6 ] ، وقوله : لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين [ 26 \ 3 ] إلى غير ذلك من الآيات . وقد قدمنا شيئا من ذلك من " الأنعام " . قوله تعالى : فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين . أمر - جل وعلا - نبيه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآية بأمرين : أحدهما قوله : فسبح بحمد ربك [ 15 \ 98 ] ، والثاني قوله : وكن من الساجدين [ 15 \ 98 ] . وقد كرر تعالى في كتابه الأمر بالشيئين المذكورين في هذه الآية الكريمة ، كقوله في الأول : فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا [ 110 \ 3 ] ، وقوله : فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها [ 20 \ 130 ] ، وقوله : فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار [ 40 \ 55 ] ، والآيات بمثل ذلك كثيرة . وأصل التسبيح في اللغة : الإبعاد عن السوء . ومعناه في عرف الشرع : تنزيه الله [ ص: 322 ] - جل وعلا - عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله . ومعنى : " سبح " : نزه ربك - جل وعلا - عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله . وقوله بحمد ربك ، أي في حال كونك متلبسا بحمد ربك ، أي : بالثناء عليه بجميع ما هو أهله من صفات الكمال والجلال ; لأن لفظة : بحمد ربك أضيفت إلى معرفة فتعم جميع المحامد من كل وصف كمال وجلال ثابت لله - جل وعلا - . فتستغرق الآية الكريمة الثناء بكل كمال ; لأن الكمال يكون بأمرين : أحدهما : التخلي عن الرذائل ، والتنزه عما لا يليق ، وهذا معنى التسبيح . والثاني التحلي بالفضائل والاتصاف بصفات الكمال ، وهذا معنى الحمد ، فتم الثناء بكل كمال . ولأجل هذا المعنى ثبت في الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( ( كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ) ) ، وكقوله في الثاني وهو السجود : كلا لا تطعه واسجد واقترب [ 96 \ 19 ] ، وقوله : ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا [ 76 \ 26 ] ، وقوله : واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون [ 41 \ 37 ] ، ويكثر في القرآن العظيم إطلاق التسبيح على الصلاة . وقالت جماعة من العلماء : المراد بقوله : فسبح بحمد ربك [ 15 \ 98 ] ، أي : صل له ، وعليه فقوله : وكن من الساجدين ، من عطف الخاص على العام ، والصلاة تتضمن غاية التنزيه ومنتهى التقديس . وعلى كل حال فالمراد بقوله : وكن من الساجدين ، أي : من المصلين ، سواء قلنا إن المراد بالتسبيح الصلاة ، أو أعم منها من تنزيه الله عما لا يليق به ; ولأجل كون المراد بالسجود الصلاة لم يكن هذا الموضع محل سجدة عند جمهور العلماء ، خلافا لمن زعم أنه موضع سجود . قال القرطبي في تفسيره : قال ابن العربي : ظن بعض الناس أن المراد بالأمر هنا السجود نفسه ، فرأى هذا الموضع محل سجود في القرآن ، وقد شاهدت الإمام بمحراب زكريا من البيت المقدس - طهره الله - يسجد في هذا الموضع ، وسجدت معه فيه ، ولم يره جماهير العلماء . قلت : قد ذكر أبو بكر النقاش : أن هاهنا سجدة عند أبي حذيفة ويمان بن رئاب ، ورأى أنها واجبة . انتهى كلام القرطبي . وقد تقدم معنى السجود في سورة ( ( الرعد ) ) ، وعلى أن المراد بالتسبيح الصلاة ; فالمسوغ لهذا الإطناب الذي هو عطف الخاص على العام هو أهمية السجود ; لأن أقرب [ ص: 323 ] ما يكون العبد من ربه في حال كونه في السجود . قال مسلم في صحيحه : وحدثنا هارون بن معروف ، وعمرو بن سواد ، قالا : حدثنا عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن عمارة بن غزية ، عن سمي مولى أبي بكر ، أنه سمع أبا صالح ذكوان يحدث عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ; فأكثروا الدعاء " . تنبيه اعلم أن ترتيبه - جل وعلا - الأمر بالتسبيح والسجود على ضيق صدره - صلى الله عليه وسلم - بسبب ما يقولون له من السوء ، دليل على أن الصلاة والتسبيح سبب لزوال ذلك المكروه ; ولذا كان - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة . وقال تعالى : واستعينوا بالصبر والصلاة الآية [ 2 \ 45 ] . ويؤيد هذا ما رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، من حديث نعيم بن همار - رضي الله عنه - : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " قال الله تعالى : يا ابن آدم ، لا تعجز عن أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره " ، فينبغي للمسلم إذا أصابه مكروه ; أن يفزع إلى الله تعالى بأنواع الطاعات من صلاة وغيرها . قوله تعالى : واعبد ربك . أمر الله - جل وعلا - نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن يعبد ربه ، أي : يتقرب له على وجه الذل والخضوع والمحبة ، بما أمر أن يتقرب له به من جميع الطاعات على الوجه المشروع . وجل القرآن في تحقيق هذا الأمر الذي هو حظ الإثبات من لا إله إلا الله ، مع حظ النفي منها . وقد بين القرآن أن هذا لا ينفع إلا مع تحقيق الجزء الثاني من كلمة التوحيد ، الذي هو حظ النفي منها ، وهو خلع جميع المعبودات سوى الله تعالى في جميع أنواع العبادات ; قال تعالى : فاعبده وتوكل عليه [ 11 \ 123 ] ، وقال فاعبده واصطبر لعبادته [ 19 \ 65 ] ، وقال : واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا [ 4 \ 36 ] ، وقال فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى [ 2 \ 256 ] ، وقال : وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [ 12 \ 106 ] ، والآيات في مثل ذلك كثيرة جدا . قوله تعالى : حتى يأتيك اليقين . قالت جماعة من أهل العلم ، منهم سالم بن عبد الله بن عمر ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيرهم : [ ص: 324 ] اليقين : الموت ، ويدل لذلك قوله تعالى : قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين [ 74 \ 43 - 47 ] ، وهو : الموت . ويؤيد هذا ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث الزهري ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أم العلاء ( امرأة من الأنصار ) : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخل على عثمان بن مظعون وقد مات ، قالت أم العلاء : رحمة الله عليك أبا السائب ! فشهادتي عليك لقد أكرمك الله . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " وما يدريك أن الله قد أكرمه " ؟ فقالت : بأبي وأمي يا رسول الله ، فمن يكرمه الله ؟ فقال : " أما هو فقد جاءه اليقين ، وإني لأرجو له الخير . . " الحديث . وهذا الحديث الصحيح يدل على أن اليقين الموت . وقول من قال : إن المراد باليقين انكشاف الحقيقة ، وتيقن الواقع لا ينافي ما ذكرنا ; لأن الإنسان إذا جاءه الموت ظهرت له الحقيقة يقينا . ولقد أجاد التهامي في قوله : والعيش نوم والمنية يقظة والمرء بينهما خيال ساري وقال صاحب الدر المنثور : أخرج سعيد بن منصور ، وابن المنذر ، والحاكم في التاريخ ، وابن مردويه ، والديلمي ، عن أبي مسلم الخولاني ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما أوحي إلي أن أجمع المال وأكون من التاجرين ، ولكن أوحي إلي أن : ( فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) [ 15 \ 98 - 99 ] . وأخرج ابن مردويه ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ما أوحي إلي أن أجمع المال وأكون من التاجرين ، ولكن أوحي إلي أن : " فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " . وأخرج ابن مردويه والديلمي ، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما أوحي إلي أن أكون تاجرا ولا أجمع المال متكاثرا ، ولكن أوحي إلي أن : " فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " . تنبيهان الأول : هذه الآية الكريمة تدل على أن الإنسان ما دام حيا وله عقل ثابت يميز به ، فالعبادة واجبة عليه بحسب طاقته . فإن لم يستطع الصلاة قائما فليصل قاعدا ، فإن لم [ ص: 325 ] يستطع فعلى جنب ، وهكذا قال تعالى عن نبيه عيسى - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - : وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا [ 19 \ 31 ] ، وقال البخاري في صحيحه " باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب " ، وقال عطاء : إن لم يقدر أن يتحول إلى القبلة ، صلى حيث كان وجهه ، حدثنا عبدان عن عبد الله ، عن إبراهيم بن طهمان ، قال : حدثني الحسين المكتب ، عن بريدة ، عن عمران بن حصين - رضي الله عنهما - ، قال : كانت بي بواسير ، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة ، فقال : " صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب " . اه . ونحو هذا معلوم ; قال تعالى : فاتقوا الله ما استطعتم [ 64 \ 16 ] ، وقال تعالى : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ 2 \ 286 ] ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : " إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم . . . " الحديث . التنبيه الثاني : اعلم أن ما يفسر به هذه الآية الكريمة بعض الزنادقة الكفرة المدعين للتصوف ، من أن معنى اليقين المعرفة بالله - جل وعلا - ، وأن الآية تدل على أن العبد إذا وصل من المعرفة بالله إلى تلك الدرجة المعبر عنها باليقين ، أنه تسقط عنه العبادات والتكاليف ; لأن ذلك اليقين هو غاية الأمر بالعبادة . إن تفسير الآية بهذا كفر بالله وزندقة ، وخروج عن ملة الإسلام بإجماع المسلمين . وهذا النوع لا يسمى في الاصطلاح تأويلا ، بل يسمى لعبا كما قدمنا في " آل عمران " . ومعلوم أن الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم هم وأصحابه - هم أعلم الناس بالله ، وأعرفهم بحقوقه وصفاته وما يستحق من التعظيم ، وكانوا مع ذلك أكثر الناس عبادة لله - جل وعلا - ، وأشدهم خوفا منه وطمعا في رحمته . وقد قال - جل وعلا - : إنما يخشى الله من عباده العلماء [ 35 \ 28 ] . والعلم عند الله تعالى .
__________________
|
#157
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد الثانى الحلقة (155) سُورَةُ النَّحْلِ(1) صـ 326 إلى صـ 330 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ النَّحْلِ قوله تعالى : أتى أمر الله . أي : قرب وقت إتيان القيامة . وعبر بصيغة الماضي ; تنزيلا لتحقق الوقوع منزلة الوقوع . واقتراب القيامة المشار إليه هنا بينه - جل وعلا - في مواضع أخر ، كقوله : اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون [ 21 \ 1 ] ، وقوله - جل وعلا - : اقتربت الساعة وانشق القمر [ 54 \ 1 ] ، وقوله : وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا [ 33 \ 63 ] ، وقوله : وما يدريك لعل الساعة قريب [ 42 \ 17 ] ، وقوله - جل وعلا - : أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة [ 53 \ 75 - 58 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . والتعبير عن المستقبل بصيغة الماضي ; لتحقق وقوعه كثير في القرآن ، كقوله : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات الآية [ 39 \ 68 ] ، وقوله : ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار . . . الآية [ 7 \ 44 ] ، وقوله : وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون وسيق الذين كفروا . . الآية [ 39 \ 69 - 71 ] . فكل هذه الأفعال الماضية بمعنى الاستقبال ، نزل تحقق وقوعها منزلة الوقوع . قوله تعالى : فلا تستعجلوه ، نهى الله - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة عن استعجال ما وعد به من الهول والعذاب يوم القيامة ، والاستعجال هو طلبهم أن يعجل لهم ما يوعدون به من العذاب يوم القيامة . والآيات الموضحة لهذا المعنى كثيرة ، كقوله - جل وعلا - : ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون " [ 29 \ 53 ] ، وقوله : يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين [ 29 \ 54 ] ، وقوله : يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها [ 42 \ 18 ] ، وقوله : ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه الآية [ 11 \ 8 ] ، وقوله : وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب [ 38 \ 16 ] ، [ ص: 327 ] وقوله : قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون [ 10 \ 50 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . والضمير في قوله : فلا تستعجلوه [ 16 \ 1 ] في تفسيره وجهان : أحدهما : أنه العذاب الموعد به يوم القيامة ، المفهوم من قوله : أتى أمر الله [ 16 \ 1 ] . والثاني : أنه يعود إلى الله ; أي : لا تطلبوا من الله أن يعجل لكم العذاب . قال : معناه ابن كثير . وقال القرطبي في تفسيره : قال ابن عباس : لما نزلت : اقتربت الساعة وانشق القمر [ 54 \ 1 ] ، قال الكفار : إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت ! فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون ، فأمسكوا فانتظروا فلم يروا شيئا ، فقالوا : ما نرى شيئا ! فنزلت : اقترب للناس حسابهم الآية [ 21 \ 1 ] ، فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة ; فامتدت الأيام ، فقالوا : ما نرى شيئا ، فنزلت : أتى أمر الله [ 16 \ 1 ] ، فوثب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون وخافوا ، فنزلت : فلا تستعجلوه فاطمأنوا . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " بعثت أنا والساعة كهاتين " ، وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها " . اه محل الغرض من كلام القرطبي ، وهو يدل على أن المراد بقوله : فلا تستعجلوه ، أي : لا تظنوه واقعا الآن عن عجل ، بل هو متأخر إلى وقته المحدد له عند الله تعالى . وقول الضحاك ومن وافقه : إن معنى : أتى أمر الله ، أي : فرائضه وحدوده ، قول مردود ولا وجه له ، وقد رده الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره قائلا : إنه لم يبلغنا أن أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعجل فرائض قبل أن تفرض عليهم ، فيقال لهم من أجل ذلك : قد جاءتكم فرائض الله فلا تستعجلوها . أما مستعجلو العذاب من المشركين فقد كانوا كثيرا . اه . والظاهر المتبادر من الآية الكريمة : أنها تهديد للكفار باقتراب العذاب يوم القيامة مع نهيهم عن استعجاله . قال ابن جرير في تفسيره : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : هو تهديد من الله لأهل الكفر به وبرسوله ، وإعلام منه لهم قرب العذاب منهم والهلاك ، وذلك [ ص: 328 ] أنه عقب ذلك بقوله : سبحانه وتعالى عما يشركون [ 16 \ 1 ] ، فدل بذلك على تقريعه المشركين به ووعيده لهم . اه . قوله تعالى : ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده . أظهر الأقوال في معنى الروح في هذه الآية الكريمة : أن المراد بها الوحي ; لأن الوحي به حياة الأرواح ، كما أن الغذاء به حياة الأجسام . ويدل لهذا قوله تعالى : وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان [ 42 \ 52 ] ، وقوله : رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار [ 40 \ 15 ، 16 ] . ومما يدل على أن المراد بالروح الوحي ; إتيانه بعد قوله : ينزل الملائكة بالروح [ 16 \ 2 ] بقوله : أن أنذروا [ 16 \ 2 ] ; لأن الإنذار إنما يكون بالوحي ، بدليل قوله : قل إنما أنذركم بالوحي الآية [ 21 \ 45 ] ، وكذلك إتيانه بعد قوله : يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده [ 40 \ 15 ] ، بقوله : لينذر يوم التلاق الآية [ 40 \ 15 ] ; لأن الإنذار إنما يكون بالوحي أيضا . وقرأ هذا الحرف ابن كثير وأبو عمرو : " ينزل " - بضم الياء وإسكان النون وتخفيف الزاي - . والباقون بالضم والتشديد . ولفظة : " من " [ 16 \ 2 ] في الآية تبعيضية ، أو لبيان الجنس . وقوله : على من يشاء من عباده [ 26 \ 2 ] ، أي : ينزل الوحي على من اختاره وعلمه أهلا لذلك . كما بينه تعالى بقوله : الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس [ 22 \ 75 ] ، وقوله : الله أعلم حيث يجعل رسالته [ 6 \ 124 ] ، وقوله : يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده [ 40 \ 15 ] ، وقوله : بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده [ 2 \ 90 ] . وهذه الآيات وأمثالها رد على الكفار في قولهم : لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [ 43 \ 31 ] . قوله تعالى : أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون . الأظهر في " أن " من قوله : أن أنذروا أنها هي المفسرة ; لأن إنزال الملائكة بالروح ، أي : بالوحي فيه معنى القول دون حروفه . فيكون المعنى : أن الوحي الذي أنزلت به الملائكة مفسر بإنذار الناس " [ ص: 329 ] بلا إله إلا الله " وأمرهم بتقواه . وقد أوضح - جل وعلا - هذا المعنى في آيات كثيرة ; كقوله : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون [ 21 \ 25 ] ، وقوله : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت [ 26 \ 36 ] ، وقوله : واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون [ 43 \ 45 ] ، وقوله : قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون [ 21 \ 108 ] إلى غير ذلك من الآيات . وقد قدمنا معنى الإنذار ، ومعنى التقوى . قوله تعالى : خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون . بين - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه هو خالق السماوات والأرض ، وأن من يخلق هذه المخلوقات العظيمة يتنزه ويتعاظم أن يعبد معه ما لا يخلق شيئا ، ولا يملك لنفسه شيئا . فالآية تدل على أن من يبرز الخلائق من العدم إلى الوجود ، لا يصح أن يعبد معه من لا يقدر على شيء ; ولهذا أتبع قوله : خلق السماوات والأرض بالحق [ 16 \ 3 ] بقوله : تعالى عما يشركون [ 16 \ 3 ] . وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة ; كقوله ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم الآية [ 2 \ 21 ] ; فدل على أن المعبود هو الخالق دون غيره ، وقوله : أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون [ 16 \ 17 ] ، وقوله : أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار [ 13 \ 16 ] ، وقوله : تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا [ 25 \ 1 - 3 ] ، وقوله - جل وعلا - : هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين [ 31 \ 11 ] ، وقوله : قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات الآية [ 35 \ 40 ] ، وقوله : قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين [ 46 \ 4 ] ، وقوله - جل وعلا - : أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ، [ ص: 330 ] [ 7 \ 191 ] ، وقوله تعالى : ياأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له [ 22 \ 73 ] ، وقوله : أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض . . . الآية [ 52 \ 35 - 36 ] ، وقوله : والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء الآية [ 16 \ 20 - 21 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . فهذه الآيات تبين أن الذي يستحق أن يعبد هو من يخلق الخلق ، ويبرزهم من العدم إلى الوجود . أما غيره فهو مخلوق مربوب ، محتاج إلى من يخلقه ، ويدبر شئونه .
__________________
|
#158
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
__________________
|
#159
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد الثانى الحلقة (157) سُورَةُ النَّحْلِ(3) صـ 336 إلى صـ 340 قوله تعالى : وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ، اعلم أولا : " أن قصد السبيل " [ 16 \ 9 ] : هو الطريق المستقيم القاصد ، الذي لا اعوجاج فيه ، وهذا المعنى معروف في كلام العرب ، ومنه قول زهير بن أبي سلمى المزني : [ ص: 336 ] صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله وعري أفراس الصبا ورواحله وأقصرت عما تعلمين وسددت علي سوى قصد السبيل معادله وقول امرئ القيس : ومن الطريقة جائر وهدى قصد السبيل ومنه ذو دخل فإذا علمت ذلك ، فاعلم أن في معنى الآية الكريمة وجهين معروفين للعلماء ، وكل منهما له مصداق في كتاب الله ، إلا أن أحدهما أظهر عندي من الآخر . الأول منهما : أن معنى ( وعلى الله قصد السبيل : أن طريق الحق التي هي قصد السبيل على الله ، أي : موصلة إليه ، ليست حائدة ، ولا جائرة عن الوصول إليه وإلى مرضاته ، ( ومنها جائر ) أي : ومن الطريق جائر لا يصل إلى الله ، بل هو زائغ وحائد عن الوصول إليه ، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) ، وقوله : ( وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ) . ويؤيد هذا التفسير قوله بعده : ومنها جائر وهذا الوجه أظهر عندي ، واستظهره ابن كثير وغيره ، وهو قول مجاهد . الوجه الثاني : أن معنى الآية الكريمة : ( وعلى الله قصد السبيل ) ، أي : عليه جل وعلا أن يبين لكم طريق الحق على ألسنة رسله . ويدل لهذا الوجه قوله تعالى : ( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، وقوله : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ، وقوله : ( فإنما على رسولنا البلاغ المبين ) ، إلى غير ذلك من الآيات . وعلى هذا القول ، فمعنى قوله : ( ومنها جائر ) ، غير واضح لأن المعنى : ومن الطريق جائر عن الحق ، وهو الذي نهاكم الله عن سلوكه . والجائر : المائل عن طريق الحق ، والوجهان المذكوران في هذه الآية جاريان في قوله : ( إن علينا للهدى . . . ) الآية . قوله تعالى ( ولو شاء لهداكم أجمعين ) بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه لو شاء هداية جميع خلقه لهداهم أجمعين ، وأوضح هذا المعنى في آيات أخر ، كقوله : [ ص: 337 ] ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين [ 6 \ 35 ] ، وقوله : ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها . . . [ 32 \ 13 ] ، وقوله : ولو شاء الله ما أشركوا [ 6 \ 107 ] ، وقوله : ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا . . . الآية [ 10 \ 99 ] ، وقوله : ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة . . . الآية [ 11 \ 118 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . وقد قدمنا هذا في " سورة يونس " .قوله تعالى : هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ، تقدم الكلام على ما يوضح معنى هذه الآية الكريمة في " سورة الحجر " . وقوله - جل وعلا - : ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون . بين - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن : إنباته بالماء ما يأكله الناس من الحبوب والثمار ، وما تأكله المواشي من المرعى من أعظم نعمه على بني آدم ، ومن أوضح آياته الدالة على أنه هو المستحق لأن يعبد وحده ، وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة ، كقوله : أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون [ 32 \ 27 ] ، وقوله : الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهى [ 20 \ 53 ، 54 ] ، وقوله : والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم [ 79 \ 30 - 33 ] ، وقوله : ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد الآية [ 50 \ 9 - 11 ] ، وقوله : أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون [ 27 \ 60 ] ، وقوله : وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا [ 78 \ 14 - 16 ] ، والآيات بمثل هذا كثيرة جدا . تنبيهان . الأول : اعلم أن النظر في هذه الآيات واجب ، لما تقرر في الأصول : " أن صيغة الأمر تقتضي الوجوب إلا لدليل يصرفها عن الوجوب " . والله - جل وعلا - أمر الإنسان أن ينظر [ ص: 338 ] إلى طعامه الذي به حياته ، ويفكر في الماء الذي هو سبب إنبات حبه من أنزله ؟ ثم بعد إنزال الماء وري الأرض من يقدر على شق الأرض عن النبات وإخراجه منها ؟ ثم من يقدر على إخراج الحب من ذلك النبات ؟ ثم من يقدر على تنميته حتى يصير صالحا للأكل ! ؟ : انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه . . . الآية [ 6 \ 9 ] ، وذلك في قوله تعالى : فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم [ 80 \ 24 - 32 ] . وكذلك يجب على الإنسان النظر في الشيء الذي خلق منه ; لقوله تعالى : فلينظر الإنسان مم خلق [ 86 \ 5 ] ، وظاهر القرآن : أن النظر في ذلك واجب ، ولا دليل يصرف عن ذلك . التنبيه الثاني : اعلم أنه - جل وعلا - أشار في هذه الآيات من أول سورة " النحل " إلى براهين البعث الثلاثة ، التي قدمنا أن القرآن العظيم يكثر فيه الاستدلال بها على البعث . الأول : خلق السماوات والأرض المذكور في قوله : خلق السماوات والأرض بالحق . . . . الآية [ 64 \ 3 ] ، والاستدلال بذلك على البعث كثير في القرآن ، كقوله : أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها [ 79 \ 27 - 28 ] ، إلى قوله : متاعا لكم ولأنعامكم [ 79 \ 33 ] ، وقوله : أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى [ 46 \ 33 ] ، وقوله : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس . . . الآية [ 40 \ 57 ] ، وقوله : أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم [ 36 \ 81 ] ، إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم . البرهان الثاني : خلق الإنسان أولا المذكور في قوله : خلق الإنسان من نطفة [ 16 \ 4 ] ; لأن من اخترع قادر على الإعادة ثانيا . وهذا يكثر الاستدلال به أيضا على البعث ، كقوله : قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم [ 36 \ 79 ] ، وقوله : وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون . . . . الآية [ 30 \ 27 ] ، وقوله : ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب [ 22 \ 5 ] ، وقوله : أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد [ 50 \ 15 ] ، إلى غير ذلك من [ ص: 339 ] الآيات كما تقدم . البرهان الثالث : إحياء الأرض بعد موتها المذكور هنا في قوله : ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب . . . [ 16 \ 11 ] ، فإنه يكثر في القرآن الاستدلال به على البعث أيضا ، كقوله : فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى [ 41 \ 39 ] ، وقوله : وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج [ 50 \ 11 ] ، أي : كذلك الأحياء خروجكم من قبوركم أحياء بعد الموت ، وقوله : ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون [ 30 \ 19 ] ، أي : من قبوركم أحياء بعد الموت ، وقوله : حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون [ 7 \ 57 ] ، وقوله : وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير [ 22 \ 5 ، 6 ] ، إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم . فهذه البراهين الثلاثة يكثر جدا الاستدلال بها على البعث في كتاب الله ، كما رأيت وكما تقدم . وهناك برهان رابع يكثر الاستدلال به على البعث أيضا ولا ذكر له في هذه الآيات ، وهو إحياء الله بعض الموتى في دار الدنيا ، كما تقدمت الإشارة إليه في : " سورة البقرة " ; لأن من أحيا نفسا واحدة بعد موتها قادر على إحياء جميع النفوس : ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة [ 31 \ 28 ] . وقد ذكر - جل وعلا - هذا البرهان في : " سورة البقرة " في خمسة مواضع : الأول قوله : ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون [ 2 \ 56 ] . الثاني قوله : فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون [ 2 \ 73 ] . الثالث قوله - جل وعلا - : فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم [ 2 \ 243 ] . الرابع قوله : فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير [ 2 \ 259 ] . [ ص: 340 ] الخامس قوله تعالى : قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم [ 2 \ 260 ] . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : ومنه شجر فيه تسيمون [ 16 \ 10 ] ، أي : ترعون مواشيكم السائمة في ذلك الشجر الذي هو المرعى . والعرب تطلق اسم الشجر على كل ما تنبته الأرض من المرعى ; ومنه قول النمر بن تولب العكلي : إنا أتيناك وقد طال السفر نقود خيلا ضمرا فيها صعر نطعمها اللحم إذا عز الشجر والعرب تقول : سامت المواشي ; إذا رعت في المرعى الذي ينبته الله بالمطر . وأسامها صاحبها : أي رعاها فيه ، ومنه قول الشاعر : مثل ابن بزعة أو كآخر مثله أولى لك ابن مسيمة الأجمال يعني يا ابن راعية الجمال التي تسيمها في المرعى . وقوله : ينبت لكم به الزرع [ 16 \ 11 ] ، قرأه شعبة عن عاصم : " ننبت " بالنون ، والباقون بالياء التحتية .
__________________
|
#160
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد الثانى الحلقة (158) سُورَةُ النَّحْلِ(4) صـ 341 إلى صـ 345 قوله تعالى : وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ، ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنه سخر لخلقه خمسة أشياء عظام ، فيها من عظيم نعمته ما لا يعلمه إلا هو ، وفيها الدلالات الواضحات لأهل العقول : على أنه الواحد المستحق لأن يعبد وحده . والخمسة المذكورة هي : الليل ، والنهار ، والشمس ، والقمر ، والنجوم . وكرر في القرآن ذكر إنعامه بتسخير هذه الأشياء ، وأنها من أعظم أدلة وحدانيته واستحقاقه للعبادة وحده ; كقوله تعالى إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين [ 7 \ 54 ] ، وإغشاؤه الليل النهار : هو تسخيرهما ، وقوله : وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار الآية [ 14 \ 33 ] ، وقوله : وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم . [ 36 \ 37 - 39 ] ، [ ص: 341 ] وقوله : ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين الآية [ 67 \ 5 ] ، وقوله : وبالنجم هم يهتدون [ 16 \ 16 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . وفي هذه الآية الكريمة ثلاث قراءات سبعيات في الأسماء الأربعة الأخيرة ، التي هي : " الشمس " ، و " القمر " ، و " النجوم " ، و " مسخرات " [ 16 \ 12 ] ; فقرأ بنصبها كلها نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وعاصم في رواية شعبة . وقرأ برفع الأسماء الأربعة ابن عامر ، على أن : والشمس مبتدأ وما بعده معطوف عليه و : مسخرات خبر المبتدأ . وقرأ حفص عن عاصم بنصب : ، والشمس والقمر عطفا على الليل والنهار ، ورفع : ، والنجوم مسخرات على أنه مبتدأ وخبر . وأظهر أوجه الإعراب في قوله : مسخرات على قراءة النصب أنها حال مؤكدة لعاملها . والتسخير في اللغة : التذليل . قوله تعالى : وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون . قوله : وما [ 16 \ 13 ] ، في محل نصب عطفا على قوله : وسخر لكم الليل والنهار ، أي : وسخر لكم ما ذرأ لكم في الأرض ، أي : ما خلق لكم فيها في حال كونه مختلفا ألوانه . ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : امتنانه على خلقه بما سخر لهم مما خلق لهم في الأرض ; منبها على أن خلقه لما خلق لهم في الأرض مع ما فيه من النعم العظام ، فيه الدلالة الواضحة لمن يذكر ويتعظ على وحدانيته واستحقاقه لأن يعبد وحده . وكرر هذا المعنى في مواضع كثيرة ، كقوله : هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا الآية [ 2 \ 29 ] ، وقوله : وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه الآية [ 45 \ 13 ] ، وقوله : والأرض وضعها للأنام فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام والحب ذو العصف والريحان فبأي آلاء ربكما تكذبان [ 55 \ 10 - 13 ] ، وقوله : هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور [ 67 \ 15 ] . وأشار في هذه الآية الكريمة إلى أن اختلاف ألوان ما خلق في الأرض من الناس والدواب وغيرهما ، من أعظم الأدلة على أنه خالق كل شيء ، وأنه الرب وحده ، المستحق [ ص: 342 ] أن يعبد وحده . وأوضح هذا في آيات أخر ; كقوله في " سورة فاطر " : ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك [ 35 \ 27 ] ، وقوله : ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم [ 30 \ 22 ] ، ولا شك أن اختلاف الألوان والمناظر والمقادير والهيئات وغير ذلك ; فيه الدلالة القاطعة على أن الله - جل وعلا - واحد ، لا شبيه له ولا نظير ولا شريك ، وأنه المعبود وحده . وفيه الدلالة القاطعة على أن كل تأثير فهو بقدرة وإرادة الفاعل المختار ، وأن الطبيعة لا تؤثر في شيء إلا بمشيئته - جل وعلا - . كما أوضح ذلك في قوله : وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون [ 13 \ 4 ] ، فالأرض التي تنبت فيها الثمار واحدة ; لأن قطعها متجاورة ، والماء الذي تسقى به ماء واحد ، والثمار تخرج متفاضلة ، مختلفة في الألوان والأشكال والطعوم ، والمقادير والمنافع . فهذا أعظم برهان قاطع على وجود فاعل مختار ، يفعل ما يشاء كيف يشاء ، سبحانه - جل وعلا - عن الشركاء والأنداد . ومن أوضح الأدلة على أن الطبيعة لا تؤثر في شيء إلا بمشيئته - جل وعلا - : أن النار مع شدة طبيعة الإحراق فيها ; ألقي فيها الحطب وإبراهيم - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - ، ولا شك أن الحطب أصلب وأقسى وأقوى من جلد إبراهيم ولحمه ، فأحرقت الحطب بحرها ، وكانت على إبراهيم بردا وسلاما ; لما قال لها خالقها : قلنا يانار كوني بردا وسلاما على إبراهيم [ 21 \ 69 ] ، فسبحان من لا يقع شيء كائنا ما كان إلا بمشيئته - جل وعلا - ، فعال لما يريد . وقوله في هذه الآية الكريمة : يذكرون [ 16 \ 13 ] ، أصله : يتذكرون ، فأدغمت التاء في الذال . والادكار : الاعتبار والاتعاظ . قوله تعالى : وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ، [ ص: 343 ] ذكر - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة : أنه سخر البحر ، أي : ذلله لعباده حتى تمكنوا من ركوبه ، والانتفاع بما فيه من الصيد والحلية ، وبلوغ الأقطار التي تحول دونها البحار ، للحصول على أرباح التجارات ونحو ذلك . فتسخير البحر للركوب من أعظم آيات الله كما بينه في مواضع أخر ; كقوله : وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون [ 36 \ 41 ، 42 ] ، وقوله : الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون [ 45 \ 12 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . وذكر في هذه الآية أربع نعم من نعمه على خلقه بتسخير البحر لهم : الأولى : قوله : لتأكلوا منه لحما طريا [ 16 \ 14 ] ، وكرر الامتنان بهذه النعمة في القرآن ; كقوله : أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة الآية [ 5 \ 96 ] ، وقوله : ومن كل تأكلون لحما طريا الآية [ 35 \ 12 ] . الثانية : قوله : وتستخرجوا منه حلية تلبسونها [ 16 \ 14 ] ، وكرر الامتنان بهذه النعمة أيضا في القرآن ; كقوله : يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان [ 55 \ 22 ، 23 ] ، واللؤلؤ والمرجان : هما الحلية التي يستخرجونها من البحر للبسها ، وقوله : ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها [ 35 \ 12 ] . الثالثة : قوله تعالى : وترى الفلك مواخر فيه [ 16 \ 14 ] ، وكرر في القرآن الامتنان بشق أمواج البحر على السفن ، كقوله : وخلقنا لهم من مثله ما يركبون وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون الآية [ 36 \ 42 ] ، وقوله : وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره [ 14 \ 32 ] . الرابعة : الابتغاء من فضله بأرباح التجارات بواسطة الحمل على السفن المذكور في قوله هنا : ولتبتغوا من فضله [ 16 \ 14 ] ، أي : كأرباح التجارات . وكرر في القرآن الامتنان بهذه النعمة أيضا . كقوله في " سورة البقرة " : والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس [ 2 \ 164 ] ، وقوله في " فاطر " : وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون [ 35 \ 12 ] ، وقوله في " الجاثية " : الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون [ 45 \ 12 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . [ ص: 344 ] مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة : المسألة الأولى : لا مفهوم مخالفة لقوله : لحما طريا [ 16 \ 14 ] ، فلا يقال : يفهم من التقييد بكونه طريا أن اليابس كالقديد مما في البحر لا يجوز أكله ; بل يجوز أكل القديد مما في البحر بإجماع العلماء . وقد تقرر في الأصول : أن من موانع اعتبار مفهوم المخالفة كون النص مسوقا للامتنان ; فإنه إنما قيد بالطري ; لأنه أحسن من غيره فالامتنان به أتم . وقد أشار إلى هذا صاحب مراقي السعود ، بقوله عاطفا على موانع اعتبار مفهوم المخالفة : أو امتنان أو وفاق الواقع والجهل والتأكيد عند السامع . ومحل الشاهد قوله : " أو امتنان " ، وقد قدمنا هذا في " سورة المائدة " . المسألة الثانية : اعلم أن علماء المالكية قد أخذوا من هذه الآية الكريمة : أن لحوم ما في البحر كلها جنس واحد ; فلا يجوز التفاضل بينها في البيع ، ولا بيع طريها بيابسها ; لأنها جنس واحد . قالوا : لأن الله عبر عن جميعها بلفظ واحد ، وهو قوله في هذه الآية الكريمة : وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا [ 16 \ 14 ] ، وهو شامل لما في البحر كله . ومن هنا جعل علماء المالكية لللحوم أربعة أجناس لا خامس لها : الأول : لحم ما في البحر كله جنس واحد ، لما ذكرنا . الثاني : لحوم ذوات الأربع من الأنعام والوحوش كلها عندهم جنس واحد . قالوا : لأن الله فرق بين أسمائها في حياتها ، فقال : من الضأن اثنين ومن المعز اثنين [ 6 \ 143 ] ، ثم قال : ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين [ 6 \ 144 ] ، أما بعد ذبحها فقد عبر عنها باسم واحد ، فقال : أحلت لكم بهيمة الأنعام [ 5 \ 1 ] ، فجمعها بلحم واحد . وقال كثير من العلماء : يدخل في بهيمة الأنعام الوحش كالظباء . الثالث : لحوم الطير بجميع أنواعها جنس واحد ; لقوله تعالى : ولحم طير مما يشتهون [ 56 \ 21 ] ، [ ص: 345 ] فجمع لحومها باسم واحد . الرابع : الجراد هو جنس واحد عندهم ، وقد قدمنا في " سورة البقرة " الإشارة إلى الاختلاف في ربويته عندهم ، ومشهور مذهب مالك عدم ربويته ، بناء على أن غلبة العيش بالمطعوم من أجزاء العلة في الربا ; لأن علة الربا في الربويات عند مالك : هي الاقتيات والادخار . قيل : وغلبة العيش . وقد قدمنا : أن الاختلاف في اشتراط غلبة العيش تظهر فائدته في أربعة أشياء : وهي الجراد ، والبيض ، والتين ، والزيت ، وقد قدمنا تفصيل ذلك في " سورة البقرة " . فإذا علمت ذلك ; فاعلم أن كل جنس من هذه الأجناس المذكورة يجوز بيعه بالجنس الآخر متفاضلا يدا بيد . ويجوز بيع طريه بيابسه يدا بيد أيضا في مذهب مالك - رحمه الله تعالى - . ومذهب الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - : أن اللحوم تابعة لأصولها ، فكل لحم جنس مستقل كأصله : فلحم الإبل عنده جنس مستقل ، وكذلك لحم الغنم ولحم البقر ، وهكذا ; لأن اللحوم تابعة لأصولها وهي مختلفة كالأدقة والأدهان . أما مذهب الشافعي ، وأحمد ، في هذه المسألة فكلاهما عنه فيها روايتان . أما الروايتان عن الشافعي ، فإحداهما : أن اللحوم كلها جنس واحد ; لاشتراكها في الاسم الخاص الذي هو اللحم . الثانية : أنها أجناس كأصولها : كقول أبي حنيفة . وقال صاحب المهذب : إن هذا قول المزني وهو الصحيح . وأما الروايتان في مذهب الإمام أحمد ; فإحداهما : أن اللحوم كلها جنس واحد . وهو ظاهر كلام الخرقي ، فإنه قال : وسائر اللحمان جنس واحد . قال صاحب المغني : وذكره أبو الخطاب وابن عقيل رواية عن أحمد . ثم قال : وأنكر القاضي أبو يعلى كون هذا رواية عن أحمد ، وقال : الأنعام والوحوش ، والطير ، ودواب الماء أجناس ، يجوز التفاضل فيها رواية واحدة ، وإنما في اللحم روايتان . إحداهما : أنه أربعة أجناس كما ذكرنا . الثانية : أنه أجناس باختلاف أصوله . انتهى من المغني بتصرف يسير ، بحذف ما لا حاجة له ، فهذه مذاهب الأربعة في هذه المسألة .
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |