الشاعر النابغة الجعدي - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836929 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379447 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191303 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2671 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 664 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 951 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1105 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 857 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر

ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-11-2022, 12:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي الشاعر النابغة الجعدي

الشاعر النابغة الجعدي



د. إبراهيم عوض




وصف يونس النَّابغة الجَعْدي بأنه "أفصح العرب"، وأنه "أوصف الناس لفرس"[1].


وعن أبي عمرو بن العلاء: "سئل الفرزدق عن الجَعْدي، فقال: صاحب خُلقان: يكون عنده مُطرف بألف، وخمار بواف[2]، قال الأصمعي: وصدق الفرزدق، بينا النَّابغة في كلام أسهل من الزلازل وأشد من الصخر إذ لان فذهب، ثم أنشدنا له:
سمَا لك همٌّ ولم تطرَبِ
وبِتَّ ببثٍّ ولم تنصَبِ

وقالَتْ سُلَيْمى: أرى رأسَه
كناصيةِ الفرَسِ الأشهَبِ

وذلك مِن وقَعاتِ المَنونِ
ففيئي إليك ولا تعجَبي

أتَيْنَ على إخوتي سبعة
وعُدْن على ربعِيَ الأقرَبِ


وبعده أبيات، ثم يقول بعدها:
فأدخَلك اللهُ بَرْدَ الجِنا ♦♦♦ نِ جَذْلانَ في مدخلٍ طيِّبِ


قال الأصمعي: وطريق الشعر إذا أدخلته في باب الخير لان، ألا ترى أن حسان بن ثابت كان علا في الجاهلية والإسلام، فلما دخل شعره في باب الخير من مراثي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة وجعفر رضوان الله عليهم وغيرهم لان شعرُه، وطريق الشعر هي طريق الفحول، مثل امرئ القيس وزهير والنَّابغة، من صفات الديار والرَّحل والهجاء والمديح والتشبيب بالنساء وصفة الخمر والخيل والافتخار، فإذا أدخلته في باب الخير لان"[3].


وقال الأصمعي أيضًا في نفس هذا المعنى الأخير: "الشِّعر نكد بابه الشر، فإذا دخل في الخير ضعف، هذا حسان بن ثابت فحل من فحول الجاهلية، فلما جاء الإسلام سقط شعره، وقال مرة أخرى: شعر حسان في الجاهلية من أجود الشعر، فقطع متنه في الإسلام لحال النبي صلى الله عليه وسلم"[4].


وكان الأصمعي يحكم على النَّابغة بقلة التكلف، ويمدحه لهذا السبب[5].


وعن الأصمعي أيضًا: أنه قد أُفحِم ثلاثين سنة بعد قوله الشعر، ثم نبغ فقال الشعر مرة أخرى، وأن شعره الأول قبل الإفحام جيد، أما الآخر فكأنه مسروق وليس بجيد[6].
ووضعه أبو زيد القرشي على رأس أصحاب المشويات[7].


كما أورد ابن قتيبة له شيئين سبق إليهما وأخذهما عنه غيره؛ إذ قال في وصف الفرس:
كأن مقطَّ شراسيفِه
إلى طرف النَّقبِ فالمنقَبِ

لُطِمْنَ بتُرْسٍ شديدِ الصِّقا
ل مِن خشَبِ الجَوْز لم يُثْقَبِ


فأخذه ابن مقبل فقال:
كأن ما بين جنبيه ومنقبه
مِن جوزه ومناط القُنب ملطومُ

بتُرْس أعجمَ لم تنخر مناقبه
مما تخير في آطامها الرومُ


وقال النَّابغة:
أرأيت إن بكرت بليل هامتي
وخرجت منها باليًا أوصالي

هل تخمِشَنْ إبلي عليَّ وجوهها
أو تضربن نحورَها بمآلي


فأخذه شاعر وقال:
أرأيت إن بكرت بليل هامتي ♦♦♦ وخرجت منها باليًا أثوابي[8]
وأضاف أبو الفرج عن الأخفش أن النَّابغة هو أول من سبق إلى الكناية عن اسم من يعني بغيره، فإنه قال:
أكنى بغير اسمها وقد علم الـ ♦♦♦ ـله خفيات كل مكتتم


وأن الشعراء اتبعوه فيه، ومنهم أبو نواس حيث يقول:
أسأل القادمين من حكمان
كيف خلَّفتمُ أبا عثمان؟

ما لهم لا يبارك الله فيهم؟
كيف لم يغنِ عنهمُ كتماني؟[9]




وجعله ابن سلام على رأس الطبقة الثالثة من فحول الجاهلية، ووصفه بأنه كان "شاعرًا مفلقًا"، ثم عاد فقال: إنه كان "مختلف الشر مغلَّبًا"، ثم ساق رأي الفرزدق السابق ذكره، ولكن بصيغة مختلفة بعض الشيء قائلًا: "كان الأصمعي يمدحه بهذا، وينسبه إلى قلة التكلف"، كما ذكر أن ليلى الأخيلية وأوس بن مغراء القُريعي وعقال بن خالد العُقيلي قد غُلبوا عليه: الأولان بالشعر، رغم أن أوسًا أقل شاعرية منه، والثالث بكلام عادي؛ إذ كان مفحمًا لا يقول الشعر[10].


وجاء في "الأغاني" أيضًا عن عمر بن شبة أنه كان "شاعرًا متقدمًا، وكان مغلبًا، ما هاجى قط إلا غُلب: هاجى أوس بن مغراء وليلى الأخيلية وكعب بن جثعيل فغلبوه جميعًا"[11].


وقد أورد المرزباني بعض المآخذ التي عِيبت على شعر النَّابغة، فإلى جانب الملاحظة السابقة التي أبداها الرشيد حول قوله عن أخيه: إنه "إذا لم يرح للمجد أصبح غاديا" وأنه كان المفروض أن يقول بدلًا من ذلك: "إذا راح للمعروف أصبح غاديا"، مما وافقه عليه الأصمعي قائلًا: "أنت والله يا أمير المؤمنين في هذا أعلمُ منه بالشعر" - هناك ما أنكره آخرون على الشاعر من قوله:
وشمول قهوة باكرتُها ♦♦♦ في التباشير من الصُّبح الأُوَل


إذ إنه أراد "مع التباشير الأُوَل من الصبح، فقدَّم وأخَّر"، وكذلك قوله يصف انصراف امرأة عنه:
وما رابها مِن ريبةٍ غير أنها ♦♦♦ رأت لِمَّتي شابت وشاب لِدَاتيا


فقد قالوا مستنكرين: "فأي ريبة أعظم من أن قد رأته شابَ؟!"[12].


وفي "المصون في الأدب"، في أثناء الكلام عن أمدح بيت قالته العرب، سيق رأي يقول: إنه بيت النَّابغة في رثاء أخيه:
فتًى تم فيه ما يسُرُّ صديقَه ♦♦♦ على أن فيه ما يسوءُ الأعاديَا[13]
ولكن دون أن تساق حيثيات هذا الحكم.


وقد صنفه جرجي زيدان ضمن طائفة الشعراء الذين اشتهروا بوصف الخيل دون سواها، كما يقول، وهم النَّابغة نفسه وأبو داود الإيادي وطفيل الغنوي[14].


وقال أحمد السكندري ومصطفى عناني: إن النَّابغة لم يكن يُشق له غبار في وصف الخيل، وإنه كان مطبوعًا في الجاهلية والإسلام، وقارنا بينه وبين زهير ومدرسته من المحككين فقالا: إنه لم يكن ينتحي طريقتهم في المبالغة "في تهذيب الألفاظ وتنقيح المعاني، بل كان يُلقي القول على عواهنه، وكما تَهديه إليه بديهته، فتارة يأتي جيدًا متينًا، وتارة يجيء ضعيفًا رديئًا، وأحيانًا يسلك بين ذلك سبيلًا"، ثم قالا: "ومع ذلك كله كان مغلَّبًا، ما هاجى أحدًا إلا غلبه"[15].


وقد أشار أيضًا إلى تقدمه في وصف الخيل السيد أحمد الهاشمي، الذي ذكر قول الأصمعي: إن هناك "ثلاثة يصفون الخيل لا يلحقهم أحد: طفيل الغنوي وأبو داود الإيادي والنَّابغة الجَعْدي"، كما وصفه بأنه كان "شاعرًا مطبوعًا في الجاهلية والإسلام"[16].


ويصف د. شوقي ضيف أكثر من قصيدة له بأنها "رائعة"[17]، كما مر بنا وصفه لميميته المختلف حول نسبتها بأنها "موعظة بليغة"[18]، كذلك ذكر الأستاذ الدكتور ما قيل عن غلبة عدد من الشعراء للنابغة رغم أنهم لم يكونوا على مستواه في موهبة الشعر، وإن كان قد جوز أن يكون سبب ذلك "تعمق الإسلام في نفسه...؛ إذ كان يتحرج من المضي في الهجاء المقذع"[19]، وعلى طول الفصل الذي خصصه له نراه يعمل على إبراز أثر الإسلام في شعره.


والنَّابغة، عند د. عمر فروخ، هو "شاعر مخضرم مطبوع، يجري شعره على السليقة، ولا يتكلَّف صنعة، إلا أن شعره شديد التفاوت: منه الجيد البارع، ومنه الرديء الساقط... وكان مِن أوصف الناس للفرس... وفي شعره شيء من الإقذاع... وتكثر في شعره الألفاظ الإسلامية"[20].


وفي "أدب صدر الإسلام" للدكتور محمد خضر نقرأ أنه كان "يقول الشعر عفو الخاطر، ولا يُعنى بتهذيبه وتزيينه، فكان منه الجيد والرديء؛ ولذا كان من الشعراء المغلَّبين... وكان سمحًا يعترف بالهزيمة، ولا يضمر في نفسه شرًّا ولا حقدًا"[21].


ويشير حنا الفاخوري إلى شهرة النَّابغة بوصف الخيل، ويقول: إنه كان "شاعرًا مطبوعًا، يرسل كلامه إرسالًا من غير تأنٍّ ولا تنقيح؛ ولهذا حوى شعره الجيد والردي، ويمتاز كلامه عمومًا بالموسيقا العذبةِ والسلاسة والانسجام"[22].


ويوجز د. خليل إبراهيم أبو ذياب، في نهاية دراسته المفصلة لحياة النَّابغة وشعره، رأيه في هذا الشعر قائلًا: إننا "إذا رجعنا إلى ما بين أيدينا من شعر الجَعْدي فإننا نستطيع أن نتلمس آثار الجمال، ونتحسس مظاهر الإبداع والجزالة والرصانة والفحولة تشيع في قصائده بكل وضوح، حتى إنها تشكل السمةَ الغالبة عليها"[23].

يتبع






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28-11-2022, 12:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشاعر النابغة الجعدي

الشاعر النابغة الجعدي




د. إبراهيم عوض










هذه آراء بعض النقاد والعلماء في شعر النَّابغة في القديم والحديث، ويمكن تلخيصها فيما يلي:



أن النَّابغة أشعر، أو على الأقل مِن أشعر، مَن وصفوا الخيل.








أن شعره متفاوت، وقد عزا الأصمعي ذلك إلى أن شعره الذي قد يكون سلسًا أو صلبًا حسب الموضوع المطروق ما إن يدخل في باب الخير حتى يضعف ويلين، ثم خرج الأصمعي من ذلك إلى القول بأن هذا الحكم ينطبق على شعر المخضرمين في الإسلام.








أنه كان شاعرًا متقدمًا ومفلقًا، ومع ذلك كان مغلَّبًا، وقد رأينا كيف جوز د. شوقي ضيف أن يكون مرد ذلك إلى أن الإسلام كان يمنعه من المضي في الهجاء المقذع.



أنه كان شاعرًا مطبوعًا في الجاهلية والإسلام.








أنه لم يكن يهتم بتهذيب الألفاظ وتنقيح المعاني؛ فهو ليس من شعراء الصنعة، ويرجع بعضهم إلى ذلك ما قيل عن غَلَبِه أمام من دخل معهم في مهاجيات.








أن شعره يمتاز بالموسيقا العَذْبة والسلاسة والانسجام.



أنه سبَق إلى بعض المعاني والصور التي قلده فيها مَن جاؤوا بعده.



أنه قد أُخذت عليه في شعره أشياءُ.








وسوف نتناول الآن هذه الآراء بالدرس والتحليل، وبالنسبة لوصفه للخيل فقد سبق أن بينت رأيي فيه؛ مما يغنيني عن إعادة القول فيه هنا.



وأما أن شعره وشعر غيره قد لان في الإسلام، فهذه مسألة لا بد من التلبُّث في معالجتها؛ لأهميتها الشديدة.







لقد قيل في موقف الإسلام من الشعر كلامٌ كثيرٌ في القديم والحديث، وانتهى رأي العلماء ومؤرِّخي الأدب والنقاد بوجه عامٍّ إلى أن الإسلام لا يقف من الشعر موقفَ عداء، بل ينظر إلى مضمونه وغايته، وعلى حسبهما يكون الحكم له أو عليه، إنه يحرِّم مثلا أشعار الفجور والفحش والحضِّ على حرب الله ورسوله؛ ولكنه لا يحرِّم التعبير عن المشاعر الإنسانيَّة السويَّة... وهكذا، وهذه مسألة قد فُرغ منها تقريبا[24]. بيد أن الأمر فيما يتصل بمقولة ضعف الشعر في الإسلام مختلف؛ إذ لا يزال عدد من الدارسين يرددونها، وإن أضافوا أسبابًا أخرى إلى ما قاله الأصمعي من أن: "الشعر إذا دخل في الخير لان، لأنه فن نَكِدٌ لا يزدهر إلا على الشر"، ومن هؤلاء د. نجيب البهبيتي، الذي يدَّعي "أن ضعف الشعر في الإسلام نظرية صحيحة"[25]،.... ود. محمد عبدالعزيز الكفراوي، الذي يقول: "لعل روح الدين الجديد الذي ينهى عن التعظم بالآباء، ويحرم الخمر، وينفر من التعرض لأحساب الناس بالهجاء وأعراضهم بالتشبيب... كان سببًا في ضعف الشعر العربي بضعف الدوافع إليه"، وإنَّ حرصَ المسلمين الأوائل على العمل قد صرفهم عن قول الشعر، وإن القرآن قد شغلهم بأسلوبه ومضمونه عن التفكير في سواه، ومنعهم من محاولة محاكاته[26].








ويقرِّر د. عبدالقادر القط في هذا الصدد أننا "لو قارنَّا بين شعر هذه المرحلة - أي مرحلة صدر الإسلام - والشعر الجاهلي لأدركنا دون عناء أن هنالك بونًا شاسعًا بين الشعرين من حيث الأصالةُ والمستوى، وأن الشعر في صدر الإسلام قد فُقِدَ في معظمه، وبخاصة الشعر السياسي، ما في الشعر الجاهلي من خيال حي واقتدار لغوي والتصاق بالطبيعة والمزاوجة بينها وبين مشاعر الإنسان، وأنه في كثير من وجوهه قد أصبح أقرب إلى النظم منه إلى الإبداع"، وإن سارع إلى الاستدراك بأن هذه الظاهرة كانت أوضح ما تكون في شعر المناقضات بين الإسلام والكفر، أما "الذين كانوا أقل انغماسًا في تلك الحرب الكلامية فإنهم... مضوا يقولون الشعر كما كانوا يقولونه في الجاهلية على شيء من الاختلاف اليسير كان لا بد من أن يكون وهم يعيشون في ذلك المجتمع الجديد". ثم يستدرك الأستاذ الدكتور مرة ثانية بأن ذلك الضعف كان قد بدأ في الحقيقة قبيل الإسلام لا بعده، إذ كان عصر الفحول قد انقضى تقريبا ولم يبق إلا شعراء مقلون لا يبلغون شأوهم[27].








ومن الذين قالوا أيضًا بضعف شعر المخضرمين د. عمر فروخ، الذي يرى "أن إنعام النظر في أسلوب شعر المخضرمين يدلنا على أن الجانب الأقل منه كان قد بقي على نسجه المتين كشعر الحطيئة وبعض شعر حسان، أما الجانب الأكبر منه فقد أصبح أضعف نسجًا وأقل براعةً وأكثر تخلخلًا لضيق المجال الوجداني الذي كان للجاهليين من قبل، لما نهى الإسلام عن المفاخرات والمنافرات وَوَزَعَ عن الغزل والهجاء وثَبَّطَ عن المبالغة والمغالاة، فَقَدَ الشعراءُ الميادينَ الرحيبة التي كانوا يُجرون فيها ألسنتهم في الجاهلية، ثم ذهبت القيود الجديدة بالطرق المعبدة التي كان الشعراء يسلكونها في الجاهلية، وخصوصًا حينما جعل المخضرمون يتكلفون شق طرق جديدة ينهجون عليها في نظم الأغراض المستحدثة"[28].








ويعزو د. عباس الجراري ظاهرة ضعف الشعر الإسلامي المدعاة إلى "أن الأديب لا يستطيع أن ينتج في حال التوتر والانفعال، وإن فعل يكون إنتاجه غير ذي قيمة، وإن تأثر فتأثيره وقتي ليس غير، والسبب أنه لا يستطيع الإنتاج الجيد إلا بعد أن تهدأ ثورته وتختمر تجربته ويكتمل شعوره ويتعقل وجدانه"، وهو يرى أن شعراء الإسلام "لم يتح لهم، وخاصة في السنوات الأولى، وتعد سنوات انتقالية، أن يتأثروا تأثرًا نفسيًّا وعقليًّا يكون من العمق بحيث يغير وضعية الشعر شكلًا ومضمونًا، وبحيث يجعل الشعراء يعبرون في جودة وإبداع عن تفاعلهم مع الدين وانفعالهم به"[29].








والدكتور عبدالحليم حفني هو أيضًا من الذين تعرضوا لهذه القضية. وقد جاءت دراسته لها مفصَّلة، وكان رأيه أن الشعر قد ضعف فعلًا في الإسلام، وساق عدة أسباب لذلك. ثم انتهى إلى أن هذه الأسباب تعود جميعًا إلى أن طبيعة الشعر تختلف عن طبيعة الإيمان، إذ الإيمانُ يقوم على الاستقرار، أما الشعراء فهم كل وقتٍ في حال، ولا بد لهم حين يشعرون من أن يكونوا دائمًا محلِّقين مطوِّفين متقلِّبين بين أجواء الخيال وأفانين التصوير[30].








وترى سلمى خضراء الجيوسي أن الشعر في صدر الإسلام أضعف منه في الجاهلية وفي العصر الأموي معًا، وهي ترد ذلك إلى التغييرات التي جاء بها الإسلام في المبادئ والأفكار والتي لم يستطع العرب، وبخاصة الشعراء منهم، أن يستجيبوا لها عاطفيًّا كما ينبغي، وإلى أنه كان من الصعب على الشعر أن يغيِّر من تقاليده بالسرعة المطلوبة، وهي تؤكد أن شعر حسان الإسلامي، عدا القصائد الهجائية، يفتقر إلى تلك الحرارة اللاهبة التي كانت في شعره قبل ذلك[31].








وهناك غير هؤلاء قالوا بمثل قولهم أو بشيء منه قريب، ومنهم د. يوسف خليف[32]، ود. محمد إبراهيم جمعة[33]، ود. محمد طاهر درويش[34]، ود. محمد عبدالمنعم خفاجي[35]، وكذلك المستشرق غوستاف فون غرونباوم[36].








هذه هي مقولة الأصمعي، وهذه أصداؤها. والطريف أنه قد رُوي للأصمعيِّ نفسه رأي آخر في شعر حسان بن ثابت يناقض مقولته تلك، قال: "حسان أحد فحول الشعراء" فاعترض عليه أبو حاتم بأنَّ له أشعارًا لينة، فرد عليه الأصمعي قائلا: "تُنسب له أشياء لا تصح عنه"[37]. كما أن آراء الأصمعي في النابغة، حسبما وصلت إلينا، هي أيضًا مضطربة كما هو واضح مما نقلناه عنه فيما مر.








على أية حال، هذه المقولة تحتاج إلى أن نتناولها بالنقاش نظرًا لخطورة القضية التي أثارتها، ونبدأ بالناحية النظرية: "لقد ظن الأصمعي أن الشعر نكد، لا يزدهر إلا إذا تناول موضوعات الشر ومعانيه، وهذا كلام ملقى على عواهنه ليس عليه من دليل، والعبرة في الحقيقة بموهبة الشاعر واستعداده النفسي واحتشاده وحسن اختياره للوقت وللظروف التي يقبل فيها على القصيدة، وكم من شعر ديني قد بلغ الروعة في الجمال والتأثير والامتياز! وكم من شعر قيل في الهجاء المقذع، أو الإثارة الجنسية المفحشة، وفشل فشلًا ملحوظًا! ثم لقد عَدَّ الأصمعي مراثيَ حسَّان في الرسول عليه السلام وصحابته من ذلك اللون من الشعر الذي لم ينجح فيه الشاعر لدخوله كما قال في باب الخير، ولا ندري على أي أساس عَدَّ العالم اللغوي هذا الرثاء بالذات من باب الخير؟ هل هناك رثاء يدخل في باب الخير وآخر يدخل في باب الشر؟ أليس الرثاء عمومًا هو التعبير عن حزن الفقد ولوعته، والصدمة التي يثيرها الموت في نفوس الأحياء، وذلك الألم الكوني الذي يحسونه حين تُذكرهم هذه الصدمة بأنهم أيضًا عما قريب ميتون مدفونون في ذلك القعر المظلم، ومتروكون للدود ينهشهم ليستحيلوا بعد ذلك إلى تراب؟ فلِمَ إن كان هذا الرثاء في الرسول وصحابته قيل: إنه قد دخل في باب الخير فضعف ولان؟ هل يكون الرثاء خيرًا أو شرًّا بحسب شخصية المرثيِّ؟ وهل نفهم من هذا أنه لو كان في قاطع طريق مثلًا أو في حاكم مستبد باطش لأتى قويًّا ممتازًا؟ الحقيقة أن الضعف في مقولة الأصمعي واضح أشد الوضوح، قد كنتُ أفهم أن يقال مثلًا: لعل حسَّان، في بعض مرثياته في الرسول والصحابة، لم ينتظر الوقت والحالة النفسية الملائمين للنظم فتسرَّع ونظمَ شعرًا ضعيفًا تحت وطأة الإحساس بأن ذلك أمر واجب لا معدى له عن التقدم للقيام به، وكأنه لا ينظم قصيدة رثاء بل يؤدي واجب عزاء، أما أن يقال: إن رثاءه هذا قد دخل في باب من أبواب الخير فضعف ولان فهذا ما لا أفهمه، وإننا لنتساءل: وما رأي الأصمعي في حائية حسان في حمزة ونونيته في عثمان وهما من أقوى الشعر الرثائي؟ ثم ما رأيه في مناقضاته لشعراء مكة المشركين، وذَبِّهِ عن الإسلام ورسوله عليه السلام، وهي شعر قوي لا يقل - إن لم يزد - في قوته وجودته عن شعره الجاهلي؟ ترى هل يقول: إن الدفاع عن الدين من أبواب الشر، ولذلك جاء هذا الشعر قويًّا؟








على كل حال، لا نريد أن ننسى أنفسنا في المناقشة النظرية، إذ المهم أن ننظر في دواوين الشعراء المخضرمين، ونقارن بين شعرهم في الجاهلية وشعرهم في الإسلام لنرى مدى صدق الملاحظات التي أبداها الأصمعي، فذلك هو الفيصل في الأمر.








لقد رجعت إلى عدد من دواوين هؤلاء الشعراء مثل: حسَّان وكعب بن زهير وعمرو بن الأهتم والزبرقان بن بدر وعمرو بن معديكرب الزبيدي والعباس بن مرداس السلمي والخنساء ومعن بن أوس والحطيئة، فضلًا عن ديوان النابغة الجعدي بطبيعة الحال، وهذه هي بعض الملاحظات التي خرجتُ بها فيما يختص بالنقطة التي نحن بصددها:



أن هؤلاء الشعراء لم يتخلوا بعد الإسلام عن الموضوعات التي كانوا ينظمون فيها في الجاهلية، بل ظلَّوا يفخرون بأنفسهم وأقوامهم ويهجون خصومهم ويتغزلون كما كانوا يتغزلون من قبل، ويرثون أحباءهم ويرضون ويسخطون... إلخ، مثلما كانوا يفعلون قبل إسلامهم.








لنأخذ مثلًا لامية كعب، التي سُميت بالبردة، والتي أنشدها بين يدي الرسول، ترى ماذا قال فيها؟ لقد افتتحها بالتغزل في سعاد وأطال الوقوف عند محاسنها، وبخاصة طعم ريقها الذي أخذ يتفنن في وصف حلاوته، وتشبيهه بخمر معتقة ممزوجة بماء بارد تُنُوِّقَ في اختيار الجدول الذي أُحضر منه، والوقت الذي استُقي فيه، ثم خرج من ذلك إلى تصوير ناقته مثلما كان يفعل شعراء الجاهلية، وهو ما عده الأصمعي في مقولته تلك بابًا من أبواب الشر كما يعرفه الفحول الجاهليون، كذلك ففي القصيدة هجاء أليم للأنصار أثار من لذعه المهاجرين وأحنقهم عليه، ولم يرضوا إلا بعد أن عاد فنظم قصيدة في مدحهم، وهي بالمناسبة قصيدة في منتهى القوة[38]، بل هي أقوى شعره كله وأحسنه، وليس في شعره الجاهلي ما يدانيها.








ولكعب أيضًا قصيدة لامية جميلة بدأها بوصف المشيب، وتبرم زوجته به لهذا السبب، ورده عليها بأن حاليهما واحدة، فهي أيضًا قد شابت مثله، فلمَ التبرم إذن؟ ثم يمضي فيتذكر أيام شبابه ولهوه مع أصدقائه وشربهم الخمر، ويصف فعلها في نفوسهم، وينطلق على ناقته في الصحراء في بهيم الليل، مصوِّرًا عزيف الجن وهيمنتهم التي لا تُعقل، والذئب الذي صاحبه في هذه الرحلة: لونًا وعواءً وجسمًا ومشيًا ومشاعرَ، وكذلك الغراب، وحتى البعر الذي سلحته ناقته نراه يتلبث عنده ويصفه، وهو يصف أيضًا خوفه وتردُّده عندما أحس بالإرهاق: أينام فيعدو عليه وعلى ناقته الذئب أم يسلم أمره للرحمن؟ وينتهي بأن يضع رأسه ويستريح، لينهض آخر الليل فيركب ناقته وينطلق مرة أخرى في سبيله، وفي آخر القصيدة يتمدح بفنه الشعري ويذكر معه الحطيئة في هذا الصدد... فما رأي الأصمعي في هذه القصيدة وهي من شعر كعب الإسلامي؟ أتراه يقول إنها قصيدة ضعيفة لهذا السبب؟ لا أظن ذلك بحال، فالقصيدة من أروع ما خلَّف لنا كعب[39]، وليس في شعره الجاهلي أيضًا ما يساويها.








وهناك رائيَّته في مدح علي بن أبي طالب، تلك القصيدة التي افتتحها، كما افتتح اعتذاريته للرسول عليه السلام، بالغزل (ولكن في رملة لا سعاد)، والشكوى من آلام حبه لها، ووصف رحلتها هي وقومها... إلخ، وهي أيضًا من الشعر الجميل، وقد قالها بطبيعة الحال بعد الإسلام[40].








وللزبرقان قصيدة إسلامية يفاخر فيها بقومه قالها في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، حين أتاه مع قبيلته يعلنون إسلامهم في عام الوفود، وأخرى مثلها في الفخر بقبيلته[41]، وقد قالها أيضًا في عهده صلى الله عليه وسلم[42]، وغير ذلك.








ولعمرو بن الأهتم أيضًا مقطوعة صغيرة يهجو فيها أحد أعضاء وفد قبيلته على الرسول عليه السلام، ويُعيِّرُه بأنه رومي الأصل[43]، وله مثلها في الفخر بنفسه وبقومه أمام عمر بن الخطاب[44]، وكلتا المقطوعتين قوية عنيفة.








ثم هذا هو العباس بن مرداس السلمي يفاخر بنصره هو وقومه للرسول يوم حنين قائلًا[45]:




حملنا له في عامل الرمح رايةً

يذودُ بها في حومةِ الموت ناصره




ونحن خضبناها دمًا فهْو لونها

غداة حنين يوم صفوان شاحره












وانظر إلى تمدُّحه أمام عروسه بما فعل في ذلك اليوم[46]:





ألا هل أتى عرسي مكري ومقدمي

بوادي حنين والأسنَّة تُشرع




وقولي إذا ما النفس جاشت لها: "قِرِي"

وهام تدهدي بالسيوف وأذرع




كأن السهام المرسلات كواكب

إذا أدبرت عن عجِّها وهْي تلمع



نصرنا رسول الله في الحرب سبعة

وقد فرَّ من قد فرَّ عنه فأقشع












وعندما أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم أباعرَ، وكان قد أعطى كلًّا من الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن مائة بعير، نظم أبياتًا غاضبة جعلت الرسول يزيده في العطاء حتى رضي[47].








ولقد ظلت الخنساء ترثي أخاها صخرًا في الإسلام كما كانت تفعل في الجاهلية، وهذه المَراثي من مستوى مراثيها نفسه له قبل إسلامها ألمًا وحرقةً وقوة سبك وتعدادًا لمآثر الأخ الفقيد، ويمكن الرجوع إلى ديوانها والمقارنة بين الشعرين، وهذا مثال[48]:





ضاقت بي الأرض وانقضّت مخارمها

حتى تخاشعت الأعلام والبيد




وقائلين: "تعزي عن تذكره

فالصبر. ليس لأمر الله مردود"




يا صخر، قد كنت بدرًا يستضاء به

فقد ثوى يوم مت البدر والجود




فاليوم أمسيت لا يرجوك ذو أمل

لما هلكت وحوض الموت مردود




ورب ثغر مهول خضت غمرته

بالمقربات عليها الفتية الصيد




نصبت للقوم فيه فضل أعينهم

مثل الشهاب وهَى منهم عباديد








يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28-11-2022, 12:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشاعر النابغة الجعدي

الشاعر النابغة الجعدي




د. إبراهيم عوض










ولعمرو بن معد يكرب مثلًا قصيدة قصيرة يهاجم فيها سعد بن أبي وقاص لأنه وَزَّعَ يوم فتح القادسية الأموال على أفراد الجيش على قدر ما قرأوا من القرآن مما أثار عمرًا وآخرين ودفعهم إلى رفض قسمتهم إلا أن يفضلهم على الناس، وهو يبدأ الأبيات بحديث الطيف ويذكر الشباب ومرابع الديار البعيدة، ثم يقول[49]:





ألا أبلغ أمير القوم سعدًا

فقد كذبت أليته وجارا




وحرق نابه ظلمًا وجهلًا

عليَّ، فقد أتى ذمًّا وعارا




هبلت، لقد نسيت جلاد عمرو

وأنت كخامع تلج الوجارا




أطاعن دونك الأعداء شزرًا

وأغشى البيض والأسل الحرارا




بباب القادسية مستميتًا

كليث أريكة يأبى الفرارا




أكر عليهمُ مُهري وأحمي

إذا كرهوا، الحقائق والذمارا




جزاك الله في جنبي عقوقًا

وبعد الموت زقوما ونارا












ولعمرو أبيات أخرى في الموضوع نفسه تحمل الروح ذاتها: روح السخط والافتخار ببلائه في ذلك الفتح[50].








وإن الإنسان ليتساءل: ماذا يقول الأصمعيُّ في هذه الأشعار وقد قيلت في الإسلام؟ أهيَ من الشِّعر اللَّيِّن الضعيف؟ وكذلك ماذا يقول في بابها؟ أهو بابُ خيرٍ أم باب شرٍّ؟ قد ينتقد قومٌ عَمرًا لأنه بذلك يَنْشُز على قائده ويناطحه، والموقف خطير عسير لا يحتمِل عصيانًا قد يثير الفتنة، ولكن ماذا يفعل الجنديُّ عندما يرى نفسَه قد أحسن البلاءَ، وبَذَلَ أقصى طاقتِه، ثم يُعطى أقلَّ من غيره؛ لا لشيء إلَّا لأنه لا يَحفَظ من القرآن مثلَما يحفظون؟ إن حِفظ القرآن هو إنجاز طيِّبٌ ولا مُشاحَّة فيه، وخاصَّةً في ذلك العصر الأوَّل، إلَّا أن المكافأة عليه ليس مكانُها الحَرْبَ؛ حتى لا يوغِرَ ذلك الصدورَ، ويثبِّط العزائم.








ومن الشُّعراء المُخضرمين الذين رجعتُ إلى شعرِهم: مَعْنُ بن أَوْسِ المُزني، وقد وجدْتُ له مثلًا قصيدة يفتتحها بالتغزُّل في حبيبته، واصفًا لونَها وعينيها وجِيدَها وفمَها وريقَها وأسنانها وأنفها وشَعْرها وكفَّيْها وساقها وكَعبها الممتلئ باللحم، وصوتها الغنج المنغوم:





سَبَتْنِي بِعَيْنَيْ جُؤْذُرٍ بِخَمِيلَةٍ

وَجِيدٍ كَجِيدِ الرِّئْمِ زَيَّنَهُ النَّظْمُ




ووحْفٍ يُثَنَّى في العقاصِ كأنهُ

عليها إذا دَنَّتْ غدايرَهُ كرمُ




وأقنى كحدِّ السيفِ يشرفُ قبلها

وأشنب رفَّافِ الثَّنايا لهُ ظلمُ




لها كَفَلٌ رابٍ وساقٌ عميمةٌ

وكعبٌ علاهُ اللحمُ ليسَ لهُ حجمُ




تصيَّدُ ألبابَ الرجالِ بأنسها

ويقتلهم منها التدللُ والنَّعْمُ




لُبَاخِيَّةٌ عجزاءُ جمٌّ عظامها
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28-11-2022, 12:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشاعر النابغة الجعدي

نمت في نعيمٍ وانمهلَّ بها الجسمُ




توالدها بيضٌ حرائرُ كالدُّمى

نواعمُ لا بيضٌ قصارٌ ولا خُثْمُ











ثم يخرج الشاعرُ من ذلك إلى مدح قومها بالكرمِ والبطولة في شعرٍ كُلُّه مثل هذا الطراز قوة وجمالًا، والقصيدة إسلامية[51].








ولن أحاول أن أحاجَّ من يقول: إن هذا الغزل قد يكون داخلًا في باب الشر؛ لأن المحاجة في هذا قد تطول[52]. ولكني أسأل: هل مدحُ قوم بالكرم والشجاعة صدقًا هو أيضًا يدخل في هذا الباب؟ أم تراه يدخل فيه أيضًا الأبيات من الحادي والعشرين إلى الرابع والخمسين من القصيدة ذاتها، وهي في الحديث عن رجل من ذَوي رَحم مَعْنٍ يبغضه أشدَّ البغض رغم أن الشاعر يبذُل له صافِيَ مودتِه، ويُخلِص له النُّصح، ويعمل دائما لمصلحته؟ ويُصوِّرُ مَعْنٌ حَيرتَه وحَرجَ موقفه حينئذٍ؛ إذ هو لا يستطيع أن يعادي ذا رحمه وفي الوقت نفسه إذا عفا عنه وصفح لم يزدد إلَّا شرًّا وأشرًا، كما يصف نفاد حِيَلِه كلِّها في كسبه، ثم يقول: إنه لم يزل في لينه له وتعطُّفِه عليه تعطُّفَ الأم على ولدها، وتواضعِه معه، وصبره على سخافاته وكرهه وإيذائه حتى قَدَرَ في نهاية الأمر، وبعد جهد جاهد، أن يستلَّ من نفسه أضغانها، ويحوِّلَه من عدوٍّ كاشحٍ إلى قريبٍ مسالم.








والأبيات، على طولها، من أعذَبِ الشِّعر وأشجاه وأنبله وأقواه فَنًّا، ولا أظن أحدًا يقدر على المجادلة في أنها داخلة في الخير من أوسع أبوابه.








ولمَعْنٍ أيضًا عدة أبيات في التهكُّم بابن الزبير ووصفه بالبخلِ، والتيس المهزول الذي قدَّمه لِقِرى ضيوفه وكانوا يبلغون ثلاثة وسبعين، وهي من أمتع الشعر وأوخزه[53].








أما الحطيئة فلست أحسَب أن أحدًا يجادل في أن شعره الإسلاميَّ من أجود ما يمكن وأروعه، ولو لم يكن له إلَّا الشِّعر الذي تهكم فيه بالزبرقان بن بدر وقومه، ومدح أبناء عمِّهم بما فيه من تصوير حيٍّ، وسخرية ذكية نافذة رغم خُلُوِّهَا من الفُحش والإقذاع، وعذوبة عبارة، وموسيقا جميلة - لَكَفَاه.








ونقتصر من شعر مُتَمِّم بن نويرة وأبي ذؤيب الهذلي بمرثيتيهما: الأوَّل في أخيه الذي قتله خالد بن الوليد، والثَّاني في أولاده الخمسة الذين ماتوا في عام واحد، وهما من الشعراء المخضرمين، والقصيدتان إسلاميتان، وليس من السهل العثورُ على نظيرٍ لهما من شعر الرثاء الجاهلي.








ونأتي إلى حسَّان بن ثابت، الذي كانت ملاحظةُ الأصمعيِّ على شعره هو والنابغة الجعدي أساسَ مقولته التي كانت مثارًا لهذه الأقاويل والآراء الكثيرة عن ضَعف الشعر في الإسلام، لقد حكم الأصمعيُّ على شعر حسان في الإسلام بأنه تَنَكَّبَ شعر الفحول، ودخل في باب الخير من مراثي الرسول عليه السلام وصحابته البررة الأطهار، ولذلك ضعُفَ وأصابه اللين والتهافت، وهو حكمٌ، كما كرَّرْنا، مجحفٌ لا ينهض على أساس نظريٍّ أو تطبيقيٍّ، وقد سُقنا شواهدَ من شعر بعض المُخضرمين، وها نحن أولاء نَسُوق شواهدَ من ديوان حسَّان أيضًا تُثبت أن ما قاله الأصمعيُّ غيرُ صحيح: فلا حسَّان ترك الأغراض الشعرية التي كان فحول الجاهلية ينظمون فيها، ولا شعره ضَعُف بسبب الإسلام، أما إن وجدنا له شعرًا ضعيفًا فذلك وضع طبيعي، إذ لا يوجد شاعرٌ كلُّ شعرِه بارع متين، علاوة على أن بعض العلماء قد عزوا الشعر الضعيف في ديوان حسان إلى أنه مصنوعٌ ومنسوبٌ إليه زورًا، ولعل الأصمعيَّ نفسه هو أول من قال ذلك، وقد سبق أن أوردت كلماته في هذا الصدد.








على أية حال، يمكن الرجوعُ في شعر حسان مثلا إلى هَمْزِيَّتِه التي أولها:



عَفَتْ ذاتُ الأصابعِ فَالجواءُ ♦♦♦ إلى عذراءَ منزلُها خلاءُ







وهي في الردِّ على هجاء أحد الشعراء المشركين للنبي عليه السلام، وقد وقف فيها حسان على الأطلال، وذكر الطَّيف، ووصف فتنةً شَعْثَاء متمثلةً في ريقِها الذي هو أحلى من الخمر الممزوجةِ من عسل وماء، ومن طعم التفاح الغضِّ الذي قُطف لتوِّه، ثم يدخل في الثناء على الخمر ويتباهَى بتعاطيها، قائلًا: إنهم حين يشربونها تجعلهم ملوكًا وأسودًا مفترسة، ثم يهدد قريشًا بغارة إمَّا أن يخلوا سبيلها فيؤدوا نسكَ العمرة، وإمَّا أن يعترضوها فيذلهم الله على أيديهم، وهو يتحدث عن إيمانه بالرسول وبالوحي الذي ينزل عليه ويفاخر بقومه الأنصار لمسارعتهم إلى الإيمان ونصرة الإسلام ونبيه، ويردُّ على شتيمة ذلك الشاعر للرسول مجلجلًا بأنه هو وأباه وعِرْضَه فداءٌ له عليه السلام من أي إساءة تحاول قريش توجيهها إليه... إلخ[54].








والقصيدة كما ترى فيها خمرٌ ووصفٌ لبعض مفاتنِ المرأة، وفيها هجاءٌ، وفيها شيء من الفخر، وفيها مدح للنبي عليه السلام، وفيها منافحة عنه وعن دينه، وتهديد بغارة كاسحة، أي إنها تجمع بين الأغراض القديمة والجديدة، وكلُّها من أوَّلها لآخرها قوية صلبة، فلا الخير الكثير الذي فيها نال منها، ولا الإسلام منع حسَّان مثلًا من أن يتغزَّلَ في تلك التي سمَّاها شعثاءَ على النحو الذي شبَّبَ بها.








كذلك لم يمنعْه الإسلام من أن يهجوَ واحدًا من المسلمين المهاجرين من رهط أبي بكر الصديق، وهو هجاءٌ شديدُ العنف، قال[55]:





لوْ كُنْتَ من هاشم أوْ من بني أَسَدٍ

أو عَبْدِ شَمْسٍ أو اصْحَابِ اللِّوَا الصِّيدِ




أَوْ من بَني نَوْفَلٍ أَو رَهْطِ مُطَّلِبٍ

لله دَرُّك لم تَهْمُمْ بتهديدي




أوْ في الذُّؤابةِ من قَوْمٍ ذَوي حَسَبٍ

لمْ تصبحِ اليومَ نِكْسًا ثانيَ الجيدِ




أوْ من بني زُهرةِ الأخيار قد علموا

أوْ من بني جمح البيضِ المناجيدِ




أوْ في السرارة مِن تَيْمٍ، رَضِيتَ بهمْ

أوْ من بني خلفِ الخضرِ الجلاعيدِ




يا آلَ تيمٍ ألا ينهى سفيهكمُ

قبْلَ القِذَافِ بقوْلٍ كالجَلامِيدِ




لولا الرسولُ، فإني لستُ عاصيَهُ

حتى يغيبني في الرمسِ ملحودي




وَصَاحِبُ الغَارِ، إني سوْفَ أحفظُهُ

وطلحةُ بنُ عبيدِ اللهِ ذو الجودِ




لقدْ رميتُ بها شنعاءَ فاضحةً

يظلُّ منها صحيحُ القومِ كالمودي




لكنْ سأصرفها جهدي، وأعدلها

عنكمْ بقولٍ رصينٍ، غيرِ تهديدِ




إلى الزبعرى، فإنَّ اللؤمَ حالفُهُ

أوِ الأخابثِ منْ أولادِ عبودِ












وقد استطاع الشاعر، كما هو بيِّنٌ ظاهر، أن يقيم توازنًا بارعًا بين رغبته في شفاء غيظه من مهجوِّه وبين انصياعِه لمبادئ دينه وحبه للرسول وللصحابة الكبار الذين تربطهم بذلك المهجوِّ روابط القرابة، وانتهى إلى أن حوَّل هجاءه وصواعقه إلى ابن الزبعرى المشرك الذي كان يهاجي المسلمين ودينَهم ونبيَّهم عليه الصلاة والسلام.








والآن، ما قول الأصمعي في هذه القصيدة؟ أهي من شعر الخير أم من شعر الشر؟ سيقال: إنها هجاءٌ لمسلم، وبالتالي فقد دخلت في باب من أبواب الشر؛ ولكن ألا يمكن أن يكون حسان قد قالها دفاعًا عن نفسه، وما على دافع العدوان عن نفسه من سبيل؟ وحتى لو قلنا: إنها هجاءٌ لا يرضاه الإسلام، أفليس معنى هذا أن الإسلام لم يمنع حسان من قول مثل هذا الهجاء؟ أيًّا ما كانت الزاوية التي ننظر منها إلى المسألة فإن مقولة الأصمعي تتكشف عن عوار فادح، وعلى أية حال، فالقصيدة قوية الأس جد محكمة.
يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 28-11-2022, 12:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشاعر النابغة الجعدي

الشاعر النابغة الجعدي




د. إبراهيم عوض












ولنقرأ أيضًا هذه الأبيات، ولا أظن لحسان شعرًا في الجاهلية يدانيها عنفًا وإيلامًا وصراحة في السبِّ، وهي في هجاء هند زوجة أبي سفيان أيام أن كانت لا تزال على الشرك[56]:







أَشِرَتْ لَكَاع، وكان عادتها

لؤمٌ إذا أشرت مع الكُفر




لعن الإلهُ، وزوجها معها

هندَ الهنودِ طويلة البظر




أخرجْتِ مرقصةً إلى أحد

في القومِ معنقة على بكر




وعصاك إستك تتقين به

دق العجاية عاري الفهر




قرحت عجيزتها ومشربها

من نصها نصا على القهر




ظلت تداويها زميلتها

بالماء تنضحه وبالسدر




ونسيت فاحشة أتيت بها

يا هند، ويحك، سبة الدهر




فرجعت صاغرة بلا ترة

مما ظفرت به ولا وتر




زعم الولائد أنها ولدت

ولدًا صغيرا كان من عهر












ولنستمع كذلك إلى عينيته التي يمدح فيها المسلمين من المهاجرين ويصفهم بالإيمان والعفة والحلم، حتى إذا حاول أحد أن يعتدي عليهم إذا بهم بطشةٌ جبارون، ويقول: إنهم قوم الرسول، فلا عجب أن يكونوا بهذا الكرم والنبل، فالقصيدة كما ترى إسلامية الطابع، سهلة اللفظ والعبارة والتركيب، كما أنها بسيطة البناء؛ إذ هي مبنية على موضوع واحد يدخل إليه الشاعر مباشرة منذ أول بيت ولا يفارقه إلى أن يبلغ البيت الأخير، ومع هذا كله، فهي قصيدة قوية رائعة، فما رأي الأصمعي ومن يشايعه على قوله[57]؟








أو فلنسمع إلى أبياته اللامية في التنصُّل من كلام الإفك، وهي أبيات جميلة مؤثرة، وكلها إسلامية، ومنها[58]:







حصانٌ رزانٌ ما تُزَنُّ بريبة

وتُصبح غَرْثَى من لحومِ الغوافل
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 28-11-2022, 12:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشاعر النابغة الجعدي




مهذبةٌ قد طيَّب اللهُ خيمَها

وطهَّرَها من كلِّ سوءٍ وباطل




فإن كنتُ قد قلتُ الذي زعموا

فلا رَفعتْ سوطِي إليَّ أنامِلي




وإن الذي قد قيل ليس بلائطٍ

بها الدهر، بل قول امرئ بي ماحل




فكيف وودِّي ما حييت ونصرتي

لآل نبي الله زين المحافل




رأيتك، وليغفر لك الله، حرة

من المحصنات غير ذات غوائل











وله كذلك عدةُ قصائد إسلامية على رويِّ الميم، وكلها قوي وجميل، ومنها القصائد التي تبدأ بالأبيات التالية:



أولئك قومي، فإن تسألي ♦♦♦ كرام إذا الضيف يومًا ألم[59]



♦♦ ♦♦








منع النوم بالعشاء الهموم ♦♦♦ وخيالٌ إذا تغور النجوم[60]



♦♦ ♦♦







هل المجد إلَّا السؤدد العود والندى ♦♦♦ وجاه الملوك واحتمال العظائم[61]



♦♦ ♦♦







ابك، بكت عيناك ثم تبادرت ♦♦♦ بدم يَعُلُّ عُرُوبَها سجام[62]



♦♦ ♦♦







أعين، ألا ابكي سيد الناس واسفحي ♦♦♦ بدمع فإن تنزفيه فاسكبي الدما[63]



♦♦ ♦♦








وبالمناسبة، فليس كل شعر حسان الجاهلي قويًّا جيدًا كما يوهم كلام من فضَّلوه على شعره في الإسلام، بل فيه الجيدُ والرديءُ، مثلما في إسلاميِّه الليِّنُ والمتينُ.








هذا رأي الأصمعي، وهذه مناقشتنا له، وإذا كان هنالك من يتابع الأصمعي على كلامه، فثمة من يخالفه القول، ويرى أن الأشعار التي قيلت بعد الإسلام تساوي إن لم تَفُقْ شعر الجاهلية، ومن هؤلاء ابن خلدون[64]، وعبدالرحمن البرقوقي[65]، ود. شوقي ضيف[66]، ود. سامي مكي العاني، الذي يرجع دعوى الأصمعي هذه إلى "ولعه بالغريب، وهو مقياس شخصي قد لا يوافقه عليه الكثيرُ من النقاد"[67]، وكذلك د. صلاح الدين الهادي، ورأيه "أن حسانَ شاعرٌ مطبوع في شعره الإسلامي، كما كان مطبوعًا في شعره الجاهلي، غاية الأمر أنه تأثر بالأسلوب القرآني الناصع البيان المطرد السياق الواضح الطريقة السهل الممتنع، كما تأثر ببشاشة الإسلام، فلان جانبه ورقت حاشيته وسلست ملكته الفنية، فانتهج في شعره الإسلامي الأسلوب الذي يُسمِّيه الأصمعيُّ وغير الأصمعي لينًا وضعفًا، وما هو في النظرة المنصفة كذلك، وإنما يعجب الأصمعي وغيره الألفاظ وضخامة الأسلوب والمبالغة في المعاني، ويرون هذا دون غيره مقياسَ الجودة في الشعر"[68].








فإذا أتينا إلى رأي الأصمعي في شعر النابغة، فإننا نراه يقول مرة: إن شعره الذي قاله قبل الإفحام، وهو القسم الجاهلي منه، شعرٌ جيدٌ، أما شعره في الإسلام بعد أن انقشع عنه إفحامُه فكأنه مسروق وليس بجيد، ومن هذا قوله: إن اللين الذي يوجد في شعر النابغة إنما سببه دخوله في باب الخير، ومرة يقول: إنه كان شاعرًا مطبوعًا قليل التكلف، ولذلك كان يفضل شعره.








ولو تجولنا في ديوان النابغة فلسوف نجد أن حكم الأصمعي الأول على شعر الشاعر هو حكم ظالم، وقد سبق أن سُقت نماذج من أشعاره المختلفة في الفصل الثاني من هذا الكتاب، ومعظمها إسلامي، وهي خير رد على كلام الأصمعي، أما رأيه الثاني فهو أقرب إلى الصواب، لكن قول الفرزدق الذي اتكأ عليه الأصمعي في هذا الحُكم من أن النابغة كصاحب الخلقان: قد يكون عنده ثوب بآلاف وآخر بواف، فهو حكم لا يصدق على شعر النابغة وحدَه بل على كل الشعر تقريبًا؛ إذ من ذا الشاعر الذي يخلو إنتاجه من الحشف والخشار؟ وقد سلف مني القول بأن ميمية النابغة في تحميد الله وتمجيده أقرب إلى النظم منها إلى الشعر.








على أنه إذا كان الفرزدق يقصد أن الجيد والرديء في شعر النابغة متعادلان كمًّا، فلست أوافقه؛ إذ معظم شعره جيد، أما الرديء فقليل، ومن هنا فإني أميل إلى رأي ابن سلام الذي عدَّ فيه النابغة من المفلقين[69]، وحُكْمِ أبي الفرج الأصفهاني عليه بأنه شاعر متقدم.








أما ما قيل عن أحد أبياته من أنه أمدحُ بيت قالته العرب فهو كلام لا نقف عنده، إذ هو واحد من تلك الأحكام المطلقة الكثيرة التي تقابلنا في كتب الأدب العربي القديمة عاريةً عن الحيثيات.








ولا شك أنَّ ما وصف به حنا الفاخوري شعر النابغة من الموسيقا والسلاسة والانسجام متوافر في ذلك الشعر، ولكن ليس بدرجة كبيرة. وإن فيما سبق أن سقته وحللته من شعر الشاعر دليلًا على ذلك.








هذا، ونوافق د. عمر فروخ في أن في شعر النابغة شيئًا من الإقذاع، وقد بَيَّنَّا ذلك فيما مضى، وكذلك نوافق د. شوقي ضيف في أن الأثر الإسلامي في شعره بارز، فهو يذكر التقوى، ويحمد الله على أنه لم يمت قبل أن يدخل في الإسلام، ويستغيث بالرسول وصاحبيه عندما ضربه أبو موسى الأشعري بالسوط، ويعلن أن الجهاد في سبيل الله واجب ديني لا يمكنه أن يتنصل منه، ويمدح ابن الزبير بالعدل والتقوى وبالسير على منهج الخلفاء الراشدين... إلخ، وذلك علاوة على ميميته التي هي في معظمها نظم لعدد من آيات القرآن الكريم.








على أن التأثيرَ الإسلاميَّ في شعر النابغة تقابله في الناحية الأخرى آثار جاهلية، وليست هذه الآثار الأخيرة مقصورة على شعره الذي قاله قبل إسلامه، بل إن في شعره الإسلامي أشياء من ذلك: أنه يفتخر بقومه افتخارًا جارفًا فيه استهانة شديدة بالقبائل الأخرى واحتقار كبير لها، وهو يذكر الخمر التي كان يشربها في الجاهلية ويتغنَّى بها ويبدي نشوة في الحديث عن منادمته للمنذر بن محرق، كما أن في بعض شعره الهجائي عريًا فاحشًا، وذلك واضح في أبياته التي يهجو بها ليلى الأخيلية مما سبق أن تعرضنا له، والتي دفعتها إلى أن ترد عليه بالمثل ذاكرة أمه وأنها هي أيضًا يقال لها: "هَلَا"، أي أنه إذا كان يعيرها بداء ففي أمه مثله[70].








وهذه الآثار الجاهلية موجودة في أكثر من قصيدة قالها في الإسلام، وقد وقف أبو زيد القرشي صاحب "الجمهرة" عند أول قصيدة قالها النابغة في الإسلام ومطلعها:



خليليَّ، عوجا ساعةً وتهجَّرا ♦♦♦ ولُومَا على ما أحدثَ الدهرُ أو ذَرَا








وهي القصيدة التي دوى بها صوته في حضرة النبي عليه الصلاة والسلام عندما وفد عليه مع قومه سنة تسع للهجرة؛ ليعلنوا إسلامهم وخضوعهم لحكومة النبي في المدينة ويصبحوا بذلك جزءًا من المسلمين، وعَدَّها من "المَشُوبَات". وقد فسَّر هو هذه اللفظة بأنها القصائد "اللاتي شَابَهُنَّ الكفرُ والإسلام"، وهي عنده سبعٌ: واحدة لكل شاعر[71].








والذي يهمنا هنا هو قصيدة النابغة، والذي ينظر فيها لا يجد أي كفر على الإطلاق، أما ذكر الإسلام والرسول فهو موجود، وسائرها في الحكمة ووصف الفرس وفخر الشاعر بقبيلته وهجائه لخصومها، لقد ذكر النابغة مثلا في قصيدة أخرى له ما كان يفعله في الجاهلية من ذبح العتر عند الأوثان "وقد تناولت ذلك من قبل"، أما في هذه القصيدة فليس شيء من ذلك، ومن هنا فلست أفهم لماذا جعلها صاحب "الجمهرة" من "المشوبات".








ولعلَّ هذا هو السبب في أن محقق الكتاب قد حاول أن يقدم من عنده هو تعريفًا آخر لمصطلح "المشوبات"، إذ قال: "المشوبات هي التي شابها، أو شاب أصحابها، الكفر والإسلام"[72]. وهو كما ترى تعريف يحاول به المحقق أن يتلافى قصور التعريف الأول، ولكن هل يمكن قبوله؟ لا إخال؛ ذلك أن صاحب المصطلح ما دام قد شرحه بنفسه فهذا هو الشرح الذي نعتمده ونناقشه، وقد بيَّنَّا رأينا فيه، وعلى أية حال، فالشعراء الذين كانوا كفارًا ثم أسلموا كثيرون، وهم كلُّ المخضرمين إلى جانب الذين جاؤوا بعد ذلك وكانوا نصارى أو يهودًا ثم دخلوا في الإسلام، ولعدد من هؤلاء قصائد تحت تصنيفات أخرى، مثل حسان وعبدالله بن رواحة (من أصحاب المذهبات)[73]، وأبي ذؤيب الهذلي ومتمم بن نويرة (من أصحاب المراثي)[74]. فعلى أي أساس كان هذا التصنيف إذن؟








هذا، وقد وصف المفضل القصائد التسع والأربعين التي جمعها أبو زيد القرشي في "الجمهرة" بأنها "من عيون أشعار العرب في الجاهلية والإسلام ونفيس شعر كل رجل منهم"[75]، وهو حكم يشمل قصيدة النابغة، بوصفها واحدة من قصائد الكتاب، وهذا الكلام هو خير رد على دعوى الأصمعي أن شعر النابغة في الإسلام يشبه أن يكون مسروقًا وليس بجيد؛ إذ القصيدة فعلًا من أقوى الشعر وأمتنه وأجمله في ذلك العصر، ولا أظنني سأكون مغاليًا إذا قلت: إنه قَلَّ أن يوجد لها نظير في موضوعها في الشعر الجاهلي[76].








وقد سبق أن أوردنا عددًا غير قليل من أبياتها في الفصل الماضي، وهأنذا أسوق عددًا آخر منها، وإذا كانت الأبيات السابقة من أواخر القصيدة فإن الأبيات التالية ستكون من بدايتها:







خليليَّ عُوجا ساعَةً، وَتَهَجَّرا

ولُومَا على ما أَحْدثَ الدهرُ، أَوْ ذَرَا




ولا تَجْزَعا إنَّ الحياةَ دَميمةٌ

فَخِفَّا لِرَوْعاتِ الحوادثِ، أو قرا




وإنْ جاءَ أَمْرٌ لا تُطيقَانِ دَفْعَهُ

فَلاَ تَجْزَعَا ممَّا قَضَى اللَّهُ، وَاصْبِرا




أَلمْ تَرَيَا أَنَّ المَلامَةَ نَفْعُها

قَليلٌ، إذا ما الشيْءُ وَلَّى وَأَدْبَرا


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 28-11-2022, 12:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشاعر النابغة الجعدي




تَهيجُ البُكَاءَ والنَّدَامَةَ ثُمَّ لا

تُغيِّرُ شَيئًا، غَيْرَ ما كان قُدِّرا




أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ، إذ جاءَ بِالهُدى

وَيَتْلُو كِتابًا كالمجرَّةِ نيِّرا




خَليليَّ قد لاقَيْتُ ما لمْ تُلاقِيِا

وَسيَّرتُ في الأحياءِ ما لم تُسيِّرا




تذكرْتُ، والذكرى تَهيجُ لذي الهَوَى

ومن حاجةِ المَحْزونِ أن يتذكَّرا




نَدامايَ عِنْدَ المُنْذِرِ بْن مُحرِّقٍ

أرى اليَوْمَ مِنْهُم ظاهرَ الأرضِ مُقْفِرا




كُهُولًا وشُبَّانًا، كأَنَّ وجوهَهُم

دَنَانيرُ ممَّا شِيفَ في أرضِ قَيْصَرَا




وما زِلْتُ أَسْعى بَيْنَ بابٍ ودارَةٍ

بِنَجْرَانَ، حتى خِفْتُ أن أَتَنَصَّرا




لدى مَلِكٍ مِنْ آل جَفْنَةَ، خَالُه

وَجَدَّاهُ منْ آل امرِئ القيسِ أزهرَا




يُدِيرُ عَلَيْنَا كأسَهُ وشِواءَهُ

مَناصِفُهُ والحَضْرَميَّ المُحَبَّرا [77]




رحيقًا عِراقيًّا، وَرَيطًا شآميًا

ومُعتصَرًا من مِسكِ دارِينَ أذْفَرا







...إلخ
يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 28-11-2022, 12:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الشاعر النابغة الجعدي

الشاعر النابغة الجعدي




د. إبراهيم عوض












فأي روعة! وأي إبداع! وأي ظلم ظلمه الأصمعيُّ النابغةَ وشعرَه في الإسلام! أرأيت إلى هذه الأفكار البسيطة في الحياة والعميقة أبعد العمق في آن؟ إن الجزع لا يفيد ولا يرد شيئًا فات، ثم لا يجني الإنسان شيئًا إلَّا البكاء والندم، فلم الجزع إذن؟! والشاعر حين يقول ذلك لا يصطنع نبرة الوعظ، فهو يرى أن الحياة بغيضة، وهذا كلام لا يقوله الوعَّاظ، كما بين أنها لا تبالي بأحد سواء صبر لروعاتها أو استخفته، وهذا أيضًا كلام لا يقوله الوعاظ. ثم هذه الذكريات الأسيانة التي يسترجعها الشاعر ليتسلى بها من أحزانه: ذكريات الشباب الهنيء الذي لم يكن يبالي شيئًا.. ذكريات الأوقات السعيدة الماجدة التي قضاها مع المنذر بن محرق منادمًا ومؤاكلًا ومشاربًا، وهذه التفصيلات التي تبرز تلك الذكريات واضحة جلية وتشي بالنشوة القديمة من ذكر لنسب المنذر، والكأس، والشواء، والملابس الفخمة التي أتحفهم بها وأخذ الشاعر يسرد أسماءها، والمسك الأذفر الذي لا يفوته أيضًا أن يؤكد أنه وارد دارين.









وقبل ذلك كلِّه، هذه المقدمةُ التي تبدو وسط مقدمات الشعر الجاهلي كأنها غريبةٌ، والتي لا يقف فيها الشاعرُ على الأطلال، ولا يبكي فيها حبَّه الضائع، ولا يتغنَّى فيها بالخمر وما تهيجُه من طربٍ وانتشاء، بل يتَّجِه فيها بالنصح الحكيم إلى خليلَيْهِ متأملًا في صُروفِ الدهر وطبيعة الحياة.








حقًّا إن هذه القصيدة هي، كما قال المفضلُ، من عيونِ الشعر العربي جاهليِّه وإسلاميِّه، إن الرسول عليه السلام، وهو أفصح العرب، لم يملك أن قال للنابغة عندما سمع منه هذه القصيدة، وناقشه في بعض ما جاء فيها: "لا يفضض الله فاك"، وذلك عندما أخذت الشاعرَ نشوةُ الفخرِ وطارت به إلى السماءِ عند النجوم والشموس والكواكب والأقمار فلم يرَ لقومه في الدنيا من نظيرٍ في المكارمِ والرجولةِ والجودِ والبطولةِ والسلطانِ، فاستجمع المذخورَ من طاقته حينئذ عزمًا منه أن يرتقي مرقاة أخرى، قائلًا:



بَلَغْنَا السَّماءَ مَجْدنا وَجُدودُنا ♦♦♦ وإنَّا لَنَبْغِي فَوْقَ ذَلِكَ مَظهَرا








يقصد أنهم يريدون أن يفوزوا بالحسنيين: مجد الدنيا، وعزة الآخرة، أي الجنة.



على أن ليست هذه هي القصيدة الوحيدة البديعة في شعر النابغة، رغم ما ضاع من شعره، وهو فيما يبدو ليس بالقليل، بل الحقُّ أن معظمَ شعرِه جميل بديع.








ونأتي إلى المآخذ التي ذكرها المرزباني في "موشحه" والأصفهاني في "أغانيه".








أول هذه المآخذ ما نُسب إلى الأصمعي من أن البيت التالي:



فأَدْخَلَكَ اللهُ بردَ الجِنا ♦♦♦ نِ جذلانَ في مدخلٍ طيِّب








من التَّهافُت واللِّين حتى لو أن أبا الشمقمقِ هو الذي قاله لكان رديئًا ضعيفًا، وكان الأصمعي قد وصف أبياتًا من القصيدة نفسها بالجودة والمتانة[78].








والحقيقة أنه ينبغي بادئ ذي بدء التنبيه إلى أننا لا نعرف موقع هذا البيت من القصيدة التي أعجبت الأصمعي؛ لأن الرواية تقول: إنه بعد أن أنشد الأبيات التي استشهد بها على جودة شعر الشاعر، أنشد أبياتًا أخرى بعدها، ولكنها لم تسمها لنا، ومن ثم فإننا لا نعرف كيف وصل الشاعر لهذا البيت؛ ذلك أن الأبيات التي أوردها الأصمعي تتحدث عن حوار دارَ بين الشاعر وسليمى، التي تعجَّبَتْ من ابيضاضِ شعره وشيبه، فلا تناسبَ بين هذا وذاك، حتى جامع شعر النابغة لم يعرف موقعَ هذا البيت من القصيدة، فوضعه مع أبيات أخرى في آخرِها، كلُّ بيتٍ على حده[79]، ومع ذلك فلو نظرنا إلى هذا البيت بمفرده فلن نجد فيه ما يعاب، لا في معناه ولا في صياغته، ولو ذكر الأصمعيُّ شيئًا محددًا فيه لكان بإمكاننا أن نناقشَه، لكنه اكتفى بهذا الحكمِ الانطباعيِّ غير المعلَّلِ.








ومن هذه المآخذِ ما أُنكرَ عليه من التقديم والتأخير في قولِه:



وشمولٍ قهوةٍ باكرتُها ♦♦♦ في التباشيرِ من الصُّبْحِ الأَوَّل








إذ إنه أراد أن يقول: "في التباشير الأول من الصبح"[80]. وهي ملاحظة أسلوبية سليمة، ولكن ليس في التركيب الموجود في البيت كل هذا العيب الذي يُوحي به الإنكار، فالكلام مفهوم، وللشعر ضروراته بسبب وزنه وقافيته، وهناك شواهد أخرى على قلب التركيب بل على قلب المعنى ذاته أشد من هذا في شعر الشعراء الآخرين، ومع ذلك فإننا نقول إنه لو جاء بتركيب الكلام على أصله لكان أفضل.








وأخذوا عليه أيضًا قوله:



وَمَا رَابهَا من رِيبَةٍ غَيْرَ أنَّهَا ♦♦♦ رَأتْ لِمَّتي شَابَتْ وشابَتْ لِدَاتيَا



إذ قالوا: "أي ريبة أعظم من أن رأته قد شاب؟"[81].








وهو نقد في غير محلِّه؛ إذ إنهم نظروا إلى البيت من وجهة نظر المرأة، ناسِين أن الشاعر إنما يعبِّر عن موقفِه هو ومشاعرِه هو، ومن الصعب عليه أن يعترف أنه، رغم شيبه، قد أضحى لا يصلحُ للحب، ثم مَن قال: إن كلَّ من شاب شعره قد شابت نفسه؟ إننا قد نجد بين الكهول ومن تجاوزوا الكهولة من لا يزالون بعافية وخير وقدرة على إرضاء المرأة جسديًّا ونفسيًّا.








وقد تعرَّض إسحاق الموصلي لمثل هذا الموقف فقال:







ورأت شيبًا عَلاني وَأَنَّتْ

وابنُ ستين بشيبٍ جَدير




إن تَرَيْ شيبًا عَلاني، فإني

مع ذاك الشيب حلو مَزِير




قد يَغُلُّ السيفُ وهو جرازٌ

ويصولُ الليثُ وهو عَقِير







وهو يؤكد ما قلناه.



♦♦ ♦♦








كذلك طعن بعضهم في قوله:







وأَزْجُرُ الكاشحَ العدوَّ إذا اغ

تابك زجرًا منِّي على أضم




زجر أبي عروة السباع، إذا

أشفق أن يلتبسن بالغَنَم







♦♦ ♦♦








وقالوا إن أبا عروة هذا كان - فيما رُوي عنه - إذا زجر السباعَ فَتَقَ مرارتَها من شدة الصيحة، فإذا صحَّ هذا فالمفروض أن تنفتق مرائر الغنمِ معها، وقد رد المدافعون عن البيت بأن الغنم كانت قد أنست بصوته فلم يعد يُفزعها[82].








وهذا نقد عجيب، إذ ما دخل الشاعر بهذه المتاهة؟



إن النابغة لم يقل إن صيحة أبي عروة كانت تفتق مرارة السباع، وإنما كل ما أراد قوله هو أنه يصيح بالأعداء كما كان أبو عروة ذاك يصرخ في الوحش المغيرة على غنمه فتفر متبددة فزع، ومن الواضح أن أبا عروة هذا قد اشتهر بذلك حتى ضربه النابغة مثلًا، هذا كلُّ ما هنالك، وليس من المعقول أن تَنفتقَ مرارة الذئاب والضباع من مجرد صيحة بالغًا ما بلغ عنفوانها، أما كيف كانت الوحوش تخاف ولا تخاف الغنم، فذلك راجعٌ إلى أن الذئاب لكونها معتدية كانت تتوجس من أي صياح يأتيها من جانب الراعي، أما الغنم فهذا الصوت نفسه كان يدخل على قلوبها الاطمئنان.








أما المأخذ الذي أخذه هارون الرشيد على بيت النابغة في رثاء أخيه فقد سبق أن تعرضنا له ورددنا عليه من قبل[83].








ويبقى ما قيل من أن النابغة كان مغلَّبًا؛ إذ لم يشتبك مع غيره في هجاءٍ إلَّا غُلِب، رغم تفوقه على خصمه في الشاعرية، ونحب أن ننبِّه إلى أن المقصود بالغلب هنا هو أن الخصم كان يجيب بمثل ما يجيب الواحد منَّا بـ"ولو..." إذا هدده إنسان، فمثلًا عندما قال النابغة مخاطبًا عقال بن خويلد العقيلي، وكان قد أجار قومًا أساؤوا إلى أهل الشاعر:



تُجيرُ علينا وائلًا في دمائِنا ♦♦♦ كأنَّكَ ممَّا نالَ أشياعها عَمِ








يقصد أنهم قادرون على أن ينزلوا بقومه ما أنزلوه بأشياع أولئك الذين أجارهم، أم تراه لا يعلم بما أنزلوه بهم؟ ردَّ عليه عقال قائلًا: "لا، بل على عمد يا أبا ليلى!"[84]. وليس هذا انتصارًا، ولكنه مجرد عناد لا أكثر، فهو ليس ردًّا على شعر، ولا الرد عليه يكون بالشعر، ولكن بأن ينفذ النابغة وقومه تهديدهم.








ومثل ذلك رد ليلى الأخيلية عليه عندما أبدى احتقاره لها بسبب وقوفها ضده هو وأهله مع خصومهم، قائلًا لها: إنها امرأة، وينبغي ألا تزج بنفسها بين الرجال، وإن هناك من المشاغل الأنثوية ما كان يجب أن يشغلها عن هذا، وكان من بين ما قاله:







ألا حَيِّيَا ليلى، وقولا لها: هَلا

فقدْ رَكِبَتْ أمرًا أغرَّ محجَّلا




♦♦ ♦♦



دَعي عَنْكِ تَهْجَاءَ الرِّجالِ، وأَقْبِلِي

عَلَى أَذْلغِيٍّ يَمْلأُ اسْتَكِ فَيْشَلا




وكيفَ أُهَاجِي شاعرًا رمحُه استُهُ

خضيبَ البنانِ لا يزالُ مكحَّلا؟











وهي أبيات، كما ترى، في منتهى العنف والفحش والاحتقار، بيد أن الأخيلية لم يخجلها شيء من هذا، وردت عليه بأن هذا الذي يرميها به موجود مثله في أمه، فهي أنثى مثلها... إلخ:



تعيرني داءً بأمِّك مثلُه ♦♦♦ وأي نجيبٍ لا يقال لها: هلا؟[85]







والشاعر لم ينكرْ ما قالته، ولا أمه تدخلت بين الرجال كما تدخلت ليلى الأخيلية، التي بردِّها هذا قد اعترفت بما رماها به النابغة وسلمت له وإن كابرت، وعلى أية حال، فإن الشاعر قد صرح قبل أن ترد عليه بأنه لا يمكنه أن يهاجي امرأة مثلها. فسكوته بعد ردها عليه ليس إذن أمرًا مفاجئًا ناشئًا عن أنها أفحمته.








وهناك رواية عن أن النابغة وأحد معارفه من الشعراء، وهو أوس بن مغراء، الذي يقولون إنه لا يسامق شاعرنا في موهبته، كانا يتهاجيان ويبحثان عن بيت من يَقُلْه قبل الآخر يصبحْ هو الفائز، ثم حدث أن توصل أوس إلى نظم بيت هجائي قبل النابغة، تقول الرواية: إن النابغة قد اعترف بسبب لخصمه بالسبق، فعدَّ هو الغالب والنابغة مغلوبًا. وهذا بطبيعة الحال ليس من الأهمية بمكان، فليست الهزيمة في الشعر بألا يسارع الشاعر بنظم البيت المراد، ثم من قال: إن البيت الذي توصل إلى نظمه أوس هو البيت المقصود؟ إن ذلك يصحُّ أن يقال لو كان الاثنان يبحثان عن بيت معين؟ بيد أن الأمر كما ترى ليس كذلك.








ومن غرائب الأمور أنه في الوقت الذي يقال فيه إن النابغة الجعدي ما دخل في هجاء مع أحد إلَّا غُلب نراهم يذكرون أن سبب المهاجاة بينه وبين ليلى الأخيلية أن أحد الشعراء قد ابتدأه بهجاء، فأجابه النابغة بقصيدة لامية سمِّيت "الفاضحة"، لأنه ذكر فيها مساوئ قشير وعقيل وكل ما كانوا يُسبون به، وفخر بقومه جميعًا ومآثرهم[86].







ألا ترى أننا ينبغي ألا نعطي مثلَ هذه الأحكامِ حجمًا أكبرَ من حجمها؟ ومع ذلك فإن عددًا من الدارسين العرب المحدثين إذا ذكروا النابغة ساقوا الكلام عن تغلُّب الشعراء عليه كأنه حقيقة مسلمة![87].









[1] طبقات الشعراء، 1.




[2] الوافي: درهم وثلث.




[3] الموشح/ 89 - 90، وأمالي المرتضى/ 1/ 269. وانظر أيضًا - في حكم الفرزدق والعلماء على شعره -: "الشعر والشعراء"/ 1/ 81، 291، والأغاني/ 4/ 137.




[4] ابن قتيبة/ الشعر والشعراء/ 1/ 305. ولأبي منصور الثعالبي كلام مثل هذا عن حسان في كتابه "خاص الخاص"/ ط مصر/ 1326هـ - 1908م/ 80.




[5] العمدة/ 1/ 107.




[6] الموشح/ 91.




[7] جمهرة أشعار العرب/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية/ 1401هـ - 1981م/ 2/ 769.




[8] الشعر والشعراء/ 1/ 291.




[9] الأغاني/ 4/ 136 - 137.




[10] طبقات فحول الشعراء/ 1/ 123، 124 - 125.




[11] السابق/ 4/ 130.




[12] الموشح/ 93.




[13] العسكري/ المصون في الأدب/ تحقيق عبدالسلام هارون/ الخانجي بالقاهرة، والرفاعي بالرياض/ ط2/ 1402هـ - 1982م/ 23.




[14] تاريخ آداب اللغة العربية/ 1/ 154 - 155.




[15] الوسيط في الأدب العربي وتاريخه/ 164 - 165.




[16] جواهر الأدب/ 2/ 144 - 145.




[17] العصر الإسلامي/ 101، 102.




[18] السابق/ 103.




[19] السابق/ 102.




[20] تاريخ الأدب العربي/ 1/ 342 - 343.




[21] د. محمد خضر/ أدب صدر الإسلام/ 250/ هامش 1.




[22] حنا الفاخوري/ تاريخ الأدب العربي/ 242.




[23] د. خليل إبراهيم أبو ذياب/ النابغة الجعدي - حياته وشعره/ 542.




[24] من الذين لا يزالون يقولون بعداوة الإسلام للشعر أو على الأقل بعدم ارتياحه له د. محمد عبدالعزيز الكفراوي (الشعر العربي بين الجمود والتطور، دار نهضة مصر، القاهرة، ط2، 43)، وسلمى خضراء الجيوسي، التي تكاد آراؤها تتفق مع آراء د. الكفراوي وبخاصة في تحليلها للآيات الأخيرة من سورة "الشعراء" التي تتحدث عن الشعر والشعراء. انظر دراستها "Early Islamniec Poetray" في كتاب: Arabciv Litrerature to the End of the Umayyad Period, Cambridge Univercsity Press, 1983, pp. 390 – 391. واللافت للنظر أنه على حين تقول هذه الباحثة العربية ذلك الكلام نجد نيكلسون، المستشرق البريطاني، ينفي قبلها بعشرات كثيرة من السنين العداوة المدَّعاة المنسوبة للرسول عليه السلام ضد الشعر بوصفه فنًّا أدبيًّا. انظر كتابه "A literary History of the Arabs, Cambridge Univ. Press 1979, p. 235." وبالمناسبة، فقد رد العلماء العرب القدامى على هذا الزعم منذ قرون بعيدة، ومن هؤلاء ابن رشيق في "العمدة" (1، 27 – 32)، وأبو هلال العسكري في "الصناعتين" (الآستانة، 1320هـ، 132).




[25] انظر كتابه "تاريخ الشعر العربي حتى آخر القرن الثالث الهجري"، دار الثقافة، الدار البيضاء، 1982م، 113 – 114.




[26] د. محمد عبدالعزيز الكفراوي، الشعر العربي بين الجمود والتطور، 44 – 45. وقد قفز الأستاذ الدكتور لهذا السبب فوق عصر صدر الإسلام فلم يحاول أن يدرس أي شيء من شعره.




[27] د. عبدالقادر القط، في الشعر الإسلامي والأموي، مكتبة الشباب، القاهرة، 1982م، 12 – 13.




[28] د. عمر فروخ، تاريخ الأدب العربي، 1، 257. وقد ادعى د. سامي مكي العاني أن فروخ ينفي مقولة ضعف الشعر الإسلامي، انظر كتابه "الإسلام والشعر"، 21.




[29] د. عباس الجراري، من أدب الدعوة الإسلامية، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط2، 1402هـ - 1981م، 31 – 32.




[30] انظر كتابه "الشعراء المخضرمون"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1983م، فصل (الدين والشعر) (ص27 - 33).




[31] Arabic Literature to the End of the Umayyad period, pp. 391 - 392.




[32] حياة الشعر في الكوفة، دار الكتاب العربي، القاهرة، 1968م، 656م.




[33] حسان بن ثابت، دار المعارف، 1965م، 17.




[34] حسان بن ثابت، 77.




[35] الحياة الأدبية في عصر صدر الإسلام، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 163.




[36] انظر "دراسات في الأدب العربي"، ترجمة: د. كمال اليازجي، بيروت، 1959م، 141 - 142.




[37] انظر ابن عبدالبر، الاستيعاب، المطبعة الشرقية، القاهرة، 1/ 338.






[38] انظر تلك الأبيات في شرح ديوان كعب بن زهير لأبي سعيد السكري، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1385هـ - 1965م، 25.




[39] السابق، 41 وما بعدها.




[40] السابق، 251 وما بعدها.




[41] شعر الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم، دراسة وتحقيق: د. سعود محمود عبدالجبار، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1404هـ - 1984م، 46 وما بعدها.




[42] السابق، 42 وما بعدها.




[43] السابق، 81 – 82.




[44] السابق، 65 – 66، 100.




[45] انظر د. عبدالله عبدالرحيم عسيلان، العباس بن مرداس السلمي الصحابي الشاعر، دار المريخ، الرياض، ط1، 1398هـ - 1978م، 75.




[46] السابق، 132.




[47] السابق، 39 – 40.




[48] ديوان الخنساء، دار الأندلس، بيروت، ط9، 1983م، 45. ويمكن العثور على مراث أخرى لها إسلامية ص42، 105، 108، 131.




[49] شعر عمرو بن معديكرب الزبيدي، جمع وتحقيق مطاع الطرابيشي، مجمع اللغة العربية بدمشق، 1394هـ - 1974م، 99 – 100.




[50] السابق، 102، 126.




[51] ديوان معن بن أوس المزني، صنعة د. نوري حمود القيسي وحاتم صالح الضامن، دار الجاحظ، بغداد، ط1، 1977م، 37 – 38. وانظر في إسلامية القصيدة مقدمة الديوان، ص6، وكذلك البيت التاسع عشر والبيت الثاني والثلاثين، وكذلك السابع والأربعين من القصيدة.




[52] وحتى لو تم الاتفاق على ذلك فإنها تكون شاهدًا آخر على أن كثيرًا من الشعر بعد الإسلام يشبه شعر الجاهلية، ومن ثم تكون حجة الأصمعي داحضة.




[53] الديوان، 105 – 106.




[54] شرح ديوان حسان بن ثابت الأنصاري، وضع عبدالرحمن البرقوقي، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، 1347هـ - 1929م، ص1.




[55] الديوان، 133.




[56] الديوان، 248 وما بعدها.




[57] من الذين رددوا إلى حد كبير رأي الأصمعي في شعر حسان: عمر رضا كحالة، إذ قال: إن "شعره الجاهلي أقوى من شعره الإسلامي لتغير البيئة عليه، وارتجاله، وكثرة ما قال، وتقيُّده بحدود الدين وترك معاييره القديمة وكثرة ما حُمل عليه". ومع ذلك فقد استدرك بأن له بعض قصائد إسلامية جيدة. انظر كتابه "الأدب العربي في الجاهلية والإسلام"، المطبعة التعاونية، دمشق، 1392هـ - 1972م، 86.




[58] الديوان، 324 – 325.




[59] الديوان، 372 وما بعدها.




[60] الديوان، 376 وما بعدها.




[61] الديوان، 383 وما بعدها.




[62] الديوان، 385 وما بعدها.




[63] الديوان، 398.




[64] انظر "مقدمة ابن خلدون"، دار الشعب، القاهرة، 554.




[65] انظر مقدمته لديوان حسان بن ثابت، أ مكررة.




[66] العصر الإسلامي، 43، 46، 81، 92.




[67] د. سامي مكي العاني، الإسلام والشعر، 25 – 26.




[68] د. صلاح الدين الهادي، الأدب في عصر النبوة والراشدين، مكتبة دار العلوم، القاهرة، 1398هـ - 1978م، 266.




[69] ولست معه في رأيه الآخر الذي يصف فيه شعر النابغة بأنه كان مختلفًا، يشير إلى ما قاله الفرزدق.




[70] انظر "شعر النابغة الجعدي"، 123 – 127، وهامش 5 من صفحة 126، والأغاني، 4، 132 – 133.




[71] الجمهرة، 1، 220. والشعراء الستة الآخرون هم: كعب، والقطامي، والحطيئة، والشماخ، وعمرو بن أحمر، وتميم بن أبي بن مُقبل.




[72] الجمهرة، مقدمة المحقق، 1، 37. وقد قال د. عز الدين إسماعيل بشيء مثل هذا هو أيضًا. انظر كتابه "المصادر اللغوية والأدبية في التراث العربي"، دار النهضة العربية، بيروت، 1976م، 83، هامش2.




[73] السابق، 1، 219.




[74] السابق، 1، 219 – 220.




[75] السابق، 1، 220.




[76] سبق أن قلت رأيي في الشعر الذي يدور على وصف الخيول والنوق، فهذا الجزء من القصيدة لا يجد عندي تجاوبا نفسيا.




[77] أخذت هنا بالرواية الثانية لهذه القصيدة في "شعر النابغة الجعدي"، وهي تختلف قليلًا عن الرواية التي أخذت بها من قبل. وكانت "مناصِفه" هناك "مُناصفة".




[78] الموشح، 89 – 90.




[79] انظر "شعر النابغة الجعدي"، هـ (فقرة 3)، 33.




[80] الموشح، 93.




[81] المرجع السابق، والصفحة نفسها.




[82] انظر "الكامل" للمبرد، تحقيق: زكي مبارك وأحمد شاكر، ط البابي الحلبي، 511.




[83] في دراسة د. خليل إبراهيم أبو ذياب "النابغة الجعدي - حياته وشعره"، التي وقعت في يدي بعد الانتهاء من هذا البحث، نجده يورد عددًا من هذه الانتقادات موافقًا عليها (ص 546 وما بعدها).




[84] الموشح، 91 – 92.




[85] الأغاني، 4، 132 – 133.




[86] انظر "الأغاني"، 4، 131 – 132، وشعر النابغة الجعدي، 99 – 100 (بالهامش).




[87] انظر مثلا: "العصر الإسلامي" للدكتور شوقي ضيف، 102، ومقدمة محقق شعر النابغة، و"تاريخ الأدب العربي" للدكتور عمر فروخ، 1، 343.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 205.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 200.58 كيلو بايت... تم توفير 5.11 كيلو بايت...بمعدل (2.48%)]