|
الملتقى الطبي كل ما يتعلق بالطب المسند والتداوي بالأعشاب |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
الاكتئاب بين الحقيقة العلمية والثقافة الشعبية!
الاكتئاب بين الحقيقة العلمية والثقافة الشعبية! د. محمد عبدالمعطي محمد الاكتئاب والحزن وعدم السعادة: أمراضُ العصر التي تمنعنا من الاستمتاع بحياتنا، فكثيرون منا الذين يُعبِّرون أحيانًا بأن لديهم (اكتئابًا) لمجرد إحساسهم بالحزن لساعاتٍ أو لأيام! وهذه التسمية - ومثلها مثل كثير مِن معرفتنا عن الطب النفسيِّ - تسميةٌ مبالَغ فيها جدًّا. ومن المبالَغ فيه أيضًا - بل هو من التطرف - اعتبارُ شخص يمرُّ بمرض الاكتئاب فعلًا، وخضع للعلاج في مستشفى أو عيادة نفسية، اعتباره (مجنونًا)! ولكي نعرِف الحقائق الكاملة والعجيبة حول الاكتئاب نتوقَّف لحظات: فالاكتئاب هو من نوعِ الأمراض (النفسية) التي تصيب الوجدانَ والسلوك؛ أي: طريقةَ فهمِنا وتفسيرنا للواقع والتعامل معه، وليس الاكتئاب أبدًا من الأمراض (العقلية) التي تصيب الذهنَ وتؤدي إلى ما نسميه الجنون. الاكتئاب فقدانٌ للتوازن المطلوب في تلقي المؤثرات والضربات في الحياة، والتفاعل معها بحسب حجمها، بلا زيادة في الانفعال، أو نقص في التكيُّف. الاكتئاب علميًّا هو: "حالة حزن يفقدُ معها المريضُ اهتمامَه بنفسه وبالأشياء التي اعتاد على الاستمتاع بها، تدوم تلك الحالة أكثرَ مِن ثلاثة أشهر، وتؤثر سلبيًّا على حياته الاجتماعية والوظيفية والعائلية". وهو ما يسمَّى (الاكتئاب المُزمِن chronic depression)، ولا بد لتشخيصِه من توافر كلِّ الصفات التي ذُكرت في تعريفه، مع بعض أعراض الاكتئابِ الأخرى؛ التي منها كثرة النوم، أو الأرق، وقلة التركيز، والتكاسل في الحركة، وقلة الكلام، وقلة الأكل، أو الأكل بشراهة غير عادية، وفَقْد الاهتمام بالنفس والمظهر، والإحساس بالدونية، والإحساس بالذنب، وربما آلام مصاحبة؛ كالصداع المستمر لغير سببٍ عضوي...، إلخ تلك الأعراض. في الحقيقة، فإن الإحساس بالحزن أو المرارة العارضَ لا يُسمَّى اكتئابًا، بل يسميه الأطباء مزاجًا سيئًا (depressed mood)، وهذا يحتاج فقط لدعمٍ نفسيٍّ من الأشخاص المحيطة، وليس لعلاج نفسيٍّ. وكذلك حالة الحزن بعد فَقْد الأحبة بالموت وخلافه، فهذا في إطار 3 شهور يُسمَّى حالة حِداد (grief)، وكذلك اضطراب ما بعد الصدمات الذي يصيب البعضَ بعد التعرض لهزَّة عنيفة في حياته بحدثٍ مؤلِمٍ شديد الإيلام؛ فهو شيء آخر غير الاكتئاب post-traumatic disorder. وحقيقة أخرى أن الاكتئاب ليس ضدًّا للقلق، فكثيرًا ما يُصاحِب الاكتئابَ المُزمِن قلقٌ عام أو هلع، وكثيرًا ما يكون العلاج نفسه في الحالتين. حقيقة ثالثة أن الأمراض المزمنة - كالسكر، والضغط، والكُلَى، والقلب... - يصاحبها غالبًا بعد فترةٍ من المرض اكتئابٌ مُزمِن، وكذلك قلق عام (chronic disease depression). وكذلك فإن كبار السن يُصابون بالاكتئاب أكثر مِن غيرهم؛ نتيجة تغيُّرات السن والأمراض المصاحبة، ويجب على الأطباء مراعاةُ ذلك في الأدوية التي تُوصَف وتفاعلاتها مع الاكتئاب. ومِن الملاحظات العجيبة أن أكثر الذين يُصابون بالاكتئاب هم النساء، (بينما) أكثر الذين يفكرون في الانتحار من المصابين بالاكتئاب هم الرجال؛ ربما لأن النساء متمسكات بالحياة أكثر! وهنا يجب التنبيهُ أن الانتحار أو التفكير في الانتحار عند المصابين بالاكتئاب ليس لضعفِ إيمانهم أو كفرهم، فأولئك المرضى يتعرَّضون لضغوط تجعل مقوِّمات اتخاذ القرارات لديهم ضائعةً تمامًا، فهم لا يُميِّزون بين القرارات الصحيحة والخطأ؛ ولذلك من الخطورة جدًّا الاستهانة بأي فكرة للانتحار لدى مريض الاكتئاب. ومِن العجيب أن في الطب النفسيِّ لا يتمُّ الاهتمام بفكرة الانتحار كخطر حقيقي إلا حين يقرر المريض (وسيلة الانتحار)؛ بحيث يخبرك أنه سيقتل نفسه شنقًا أو بالرصاص أو كذا! الأعجب أن المريض يكون في أكثر حالاته عُرضةً لتنفيذ الانتحار في حالة استقرار الحالة وزوال أعراض الاكتئاب، وليس كما يتوقع الكثيرون - في حالة اشتداد المرض! - ولذلك أقدَمَ الروائيُّ الأمريكي الرائد (أرنست هيمنجواي) على الانتحار بالرصاص في فترة النقاهة وزوال أعراض الاكتئاب الذي كان يعانيه. الاكتئاب - كأي مرضٍ - له درجات (خفيفة، ومتوسطة، وشديدة)، وفي كل درجة يُحدِّد الطبيب نوع العلاج، ومدَّته، والاحتياطاتِ اللازمة له. يجب ألا يستخفَّ البعض بخطورةِ الاكتئاب المُزمِن بعد تشخيصه تشخيصًا صحيحًا، فهو متطور، ويمكن أن يوصل إلى أعراض (الشيزوفيرينيا)؛ مثل الهلوسة السمعية والبصرية (يسمع ويرى أشياء غير موجودة)، والضلالات (وهي أفكار خاطئة ثابتة لا يمكن أن تزيلها من عقل المريض)، وفي هذه الحالة فالاكتئاب أشد ما يكون، والتدخل السريع بالحجز في المستشفى والعلاجات القوية ضروريٌّ. الاكتئاب - في البحوث الحديثة - هو مرضٌ لا يتكون فقط في النفس والعقل، ولكنه يحدث تغيرات كيميائية في المخ بزيادة استهلاك هرمون (السيروتونين)، ونقص استهلاك (الدوبامين والأدرينالين)، وغيرها؛ ولذلك نشأت علاجاتٌ قوية تُحبِط استهلاك هذا الهرمون في المخ، وتقوِّي الهرومونات المضادَّة للاكتئاب؛ مثل serotonin reuptake inhibitors (SRI)، وباستخدامها لمدة كافية ومتابعتها يتحسَّن المريض. وذلك بالطبع مع جلسات العلاج النفسيِّ، والعلاج الجماعي group theraby، والعلاج السلوكي المعرفي، وهو نوعٌ متقدِّم وفعَّال من العلاج باستخدام آليات معرفية تجعل المريض أكثر تفهمًا للواقع، وأحسن في تفسيره والتعامل معه. كان حديثُنا هذا لتقويمِ ما نعلمه عن الاكتئاب، وربما تكون المعلومات جديدةً حتى على بعض الأطباء.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |