مفاتيح الرزق - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الفهم الخطأ للدعوة يحولها من دعوة علمية تربوية ربانية إلى دعوة انفعالية صدامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          معالجة الآثار السلبية لمشاهد الحروب والقتل لدى الأطفال التربية النفسية للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-05-2022, 09:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي مفاتيح الرزق

مفاتيح الرزق (1)
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمَده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله.

نحمَدك ربَّنا على ما أنعمتَ به علينا من نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضلَ رُسلك، وأنزلت علينا خيرَ كتبك، وشرعتَ لنا أفضلَ شرائع دينك، فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيتَ، ولك الحمد بعد الرضا، أما بعد:
فيا أيها الإخوة المؤمنون، يشتكي الكثير من الناس من ضيق الرزق بسبب الأزمة التي تسبَّب فيها (وباء كورونا)، فاحتاج الأمر إلى التفقه في مفاتيح الرزق، فما هذه المفاتيح؟


وقبل الحديث عن هذه المفاتيح لا بد من ذكر مسلَّمات إيمانية عقدية فيما يتعلق بقضية الرزق:
1- تقدير الرزق قبل خلق السماوات والأرض: وجَب العلم أن الله هو الذي قدَّر المقادير، وقسم الأرزاق، وحدَّد الآجال قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ﴾ (الحديد: 22)؛ أي قبل خلق الأرض فهي مكتوبة ومقدرة، وقال تعالى: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ (الذاريات: 22).

2- تقدير رزقك في بطن أمِّك: حينما يكون الإنسان في بطن أمِّه، قالصلى الله عليه وسلم: "إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكونُ في ذلكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكونُ في ذلكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فيه الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ، أَوْ سَعِيدٌ..."[1].

ومحل الشاهد أنه يؤمر المَلك بكَتْب رزقك وأنت جنينٌ في بطن أمِّك فلا تَقلق.

3- الله هو الباسط القابض: ومن معَانيه أنه يبسُط الرزق لمن يشاء ويوسِّع عليه، ويضيِّق على من يشاء، وهذه قسمة الله لا يُسأل عما يفعل سبحانه، فالفقر ودرجاته قسمة الله، والغنى ودرجاته قسمة الله، فلا حول لي ولا حول لك، وإنما الحول لله.

وهذا كله داخل في الابتلاء؛ قال تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ (المائدة: 48)، وقال: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ (الملك: 2)، فالفقير ابتلاه الله بالفقر لينظر أيصبر أم لا، هل يرضى أم لا؟ وابتلى الغَنيَّ بالمال لينظر هل يشكر أم لا؟ هل يؤدي حقَّ الله في ماله أم لا؟ هل يُراعي حق الفقراء والمساكين أم لا؟ إذًا هناك ابتلاء.

4- لن تموت نفس حتى تستكمل رزقَها: فأبرِد على نفسك، واطلب المال من حلِّه؛ قالصلى الله عليه وسلم: "أيُّها النَّاسُ اتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ، فإنَّ نفسًا لن تموتَ حتَّى تستوفيَ رزقَها وإن أبطأَ عنْها فاتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ، خذوا ما حلَّ ودعوا ما حَرُمَ"[2].

إذًا الرزق محسوم، وقد يسأل سَائل: ما الجدوى من هذه المفاتيح؟ نعم الرزق محتوم ولكن لن تصل إليه إلا بأسبابه ومفاتيحه، فما بعض مفاتيح الرزق؟:
المفتاح الأول: التوبة والاستغفار: لماذا التوبة والاستغفار؟ لأن العبد قد يُحرم الرِّزق بالذنب يُصيبه، ماذا قال نوح عليه السلام لقومه؟ قال لهم: "اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا "، فما فوائد هذا الاستغفار؟ ﴿ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ (نوح: 11-12)، فالمطرُ رزق، ويأتي بالأرزاق، والمال رزق، والبنين رزق، فعلينا أن نكثر من الاستغفار معاشر الإخوة الأفاضل.

قصة: ذكر الإمام القرطبي عن ابن صَبيح قال: "شَكا رجل إلى الحسن البصري الجدوبةَ فقال له: استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر، فقال له: استغفر الله، وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولدًا، فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بُستانه، فقال له: استغفر الله، فقال له الربيع بن صَبيح أتاك رجال يشكون أنواعًا، فأمرتهم كلهم بالاستغفار، فقال: ما قلت من عندي شيئًا، إن الله عز وجل يقول في سورة نوح: ﴿ قُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ (نوح: 10-12).

ولذلك قالصلى الله عليه وسلم: "مَن لزمَ الاستغفارَ، جعلَ اللَّهُ لَهُ من كلِّ ضيقٍ مخرجًا، ومن كلِّ همٍّ فرجًا، ورزقَهُ مِن حيثُ لا يحتسِبُ"[3].

فرزقُك يأتيك من حيث لا تحتسب شريطة الاستغفار، فأسأل نفسي، واسأل نفسك: كم مرة نستغفر الله في اليوم؟ وهذا رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال: "يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مائة مرة" [4].

وعن ابن عمر أنه كان قاعدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم اغفر لي وتبْ عليَّ، إنك أنت التواب الرحيم، حتى عدَّ العادُّ بيده مائة مرة"[5].


هذا وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

المفتاح الثاني: تقوى الله: والتقوى أن يُطاع الله فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر، وقال طَلق بن حَبيب: التقوى أن تطيع الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معاصي الله على نور من الله تخشى عقاب الله؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ (الأعراف: 96)، وقال: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ (البقرة: 197)، ومن اتقى الله رأى العجب، والسؤال: لماذا تزيد التقوى في الرزق؟ لأن المتقي يتجنَّب الإسراف والتبذير، فيربَح ما يبذِّره غيره في الحرام بسبب تقواه التي منعته أن يكون أخًا للشيطان، ولا يُسرف حتى في الحلال؛ لأن الله لا يحب المسرفين، فلا يشتري ما لا يحتاجه، ويوفر مالًا للنفقة على أهله أو للصدقة وفعل الخير، وهذا طريق لحفظ المال، يخبرنا النبيصلى الله عليه وسلم عن رجل فقال: "بَيْنا رَجُلٌ بفَلاةٍ مِنَ الأرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا في سَحابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، فَتَنَحَّى ذلكَ السَّحابُ، فأفْرَغَ ماءَهُ في حَرَّةٍ، فإذا شَرْجَةٌ مِن تِلكَ الشِّراجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذلكَ الماءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الماءَ، فإذا رَجُلٌ قائِمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بمِسْحاتِهِ، فقالَ له: يا عَبْدَ اللهِ ما اسْمُكَ؟ قالَ: فُلانٌ، لِلاِسْمِ الذي سَمِعَ في السَّحابَةِ، فقالَ له: يا عَبْدَ اللهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فقالَ: إنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا في السَّحابِ الذي هذا ماؤُهُ يقولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، لاِسْمِكَ، فَما تَصْنَعُ فيها؟ قالَ: أمَّا إذْ قُلْتَ هذا، فإنِّي أنْظُرُ إلى ما يَخْرُجُ مِنْها، فأتَصَدَّقُ بثُلُثِهِ، وآكُلُ أنا وعِيالِي ثُلُثًا، وأَرُدُّ فيها ثُلُثَهُ"[6]، بهذه التقوى استحق الرزق.

فاللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلَّم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن اقتفى، ثم أما بعد:
فرأينا في الخطبة الأولى مفتاحين من مفاتيح الرزق، الأول التوبة والاستغفار، والثاني تقوى الله، ومن مفاتيح الرزق:
المفتاح الثالث: التوكل على الله: هل نحن متوكلون حقيقة؟ انظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد دخل ذات يوم على عائشة رضي الله عنها فقال: "يا عَائِشَةُ، هلْ عِنْدَكُمْ شَيءٌ؟ قالَتْ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما عِنْدَنَا شيءٌ، قالَ: فإنِّي صَائِمٌ"[7]، ليس لأن الفطور لم يُعَد، ولكن الفطور غير موجود أصلًا، فافترض لو نحن في مكان النبيصلى الله عليه وسلم كيف نتصرف؟ لكي تعرفوا التوكل الحقيقي، قال تعالى: "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا" (الطلاق: 3).
فالتوكل الحقيقي لا بد له من أسباب، ولذلك قال الله لمريم عليها السلام: "وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ، تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا"(مريم: 25)، يعلِّمنا الله الأسباب، ويعلِّمنا الرسولصلى الله عليه وسلم بقوله: "لو أنَّكم كنتُم توَكلونَ علَى اللهِ حقَّ توَكلِه، لرُزِقتُم كما يرزقُ الطَّيرُ تغدو خماصًا وتروحُ بطانًا"[8]، وقال: "بورِكَ لأمَّتي في بُكورِها"[9].

قصة: يُروى أن شقيق البلخي عزم على السفر في تجارة، فودَّع شيخه إبراهيم بن أدهم ثم سافر، وفيما كان في طريقه في الصحراء رأى طائرًا أعمى وجناحه مكسور، فوقف "شقيق" يتأمل الطائر ويتساءل: كيف يجد هذا الطائر رزقه في هذا المكان المنقطع؟ لم يمضِ وقت طويل حتى جاء طائر آخر، فأطعم الطائرَ كسير الجناح وسقاه، تعجَّب "شقيق" من هذا المشهد وأثَّر فيه، فقال في نفسه: إذا كان الله تعالى يرزق هذا الطائر الكسير الجناح ولم يُهمله، فلماذا أذهبُ إلى التجارة ولماذا العناء والسفر وأنا في هذا السن؟! سأرجع بيتي وسيرزُقني الله وأنا في البيت، عاد "شقيق" إلى بيته، ولما زاره شيخه إبراهيم قال له الشيخ: لماذا عدتَ يا شقيق، ألم تذهب للتجارة؟ فقص عليه القصة، عندها قال له إبراهيم بن أدهم: سبحان الله يا شقيق، لماذا رضيتَ لنفسك أن تكون الطائرَ الأعمى العاجز الذي ينتظر عونَ غيره، لماذا لا تكون أنت الطائرَ الآخر الذي يسعى ويكدَح، ويعود بثمار ذلك العمل على مَن حوله؟! واليد العليا خير من اليد السفلى.

فاللهم ارزُقنا من فضلك، واجعلنا من المتوكلين عليك حق التوكل.
(تتمة الدعاء).
[1] رواه مسلم، برقم: 4718.

[2] صحيح ابن ماجة، برقم: 1756.

[3] ضعيف أبي داود، برقم: 1518.

[4] رواه مسلم، برقم: 2702.

[5] رواه أحمد وصححه شعيب الأرنؤوط ، برقم: 5564.

[6] رواه مسلم، برقم: 2984.

[7] رواه مسلم، برقم: 1154.

[8] صحيح الترمذي، برقم: 2344.

[9] السلسلة الصحيحة، برقم: 2841.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14-06-2022, 05:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفاتيح الرزق

مفاتيح الرزق (2)
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت


الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفسِنا ومن سيئات أعمالنا، من يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضْلِلِ الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله.

نحمدُك ربَّنا على ما أنعمتَ به علينا من نِعَمِكَ العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلتَ إلينا أفضلَ رُسلِكَ، وأنزلتَ علينا خيرَ كتبِكَ، وشرعتَ لنا أفضلَ شرائعِ دينِكَ. فاللهُمَّ لكَ الحمدُ حتى ترضى، ولك الحمدُ إذا رضيتَ، ولك الحمدُ بعد الرضا، أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون، قد سبق الحديث في الخطبة الماضية عن مفاتيح الرزق، وتحدَّثنا عن مِفْتاح التوبة والاستغفار، ومِفْتاح تقوى الله جل وعلا، ومِفْتاح التوكُّل على الله، ولا يزال الحديثُ عن مفاتيح جديدة للرزق في خطبتنا اليوم.

تتمة مِفْتاح التوكُّل على الله: بعدما سبق الحديث عن قصة شقيق البلخي، هناك نماذج أخرى للمتوكِّلين من السَّلَف الصالح، ومنهم: عامر بن قيس قال: ثلاث آيات من كتاب الله استغنيتُ بهِنَّ على ما أنا فيه:
قرأت قول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17] فعلمتُ وأيقنتُ أن الله إذا أراد بي ضرًّا لم يقدر أحدٌ على وجه الأرض أن يدفعه عني، وإن أراد أن يعطيني شيئًا لم يقدر أحدٌ أن يأخذه مني.

ما علاقة هذا بالرزق؟ اعلم أن النفع والضر بيد الله فلا تتذلَّل لمخلوق، وتبيع دينك بعَرَضٍ من الدنيا قليل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا تحسد أحدًا على ما أعطاه الله، إنكم يا أهل الحسد أتعبتم أنفسَكم ولا يكون إلا ما قدَّره الله، قال تعالى: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النساء: 54].

وقال: وقرأت قوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]، فاشتغلت بذكره جل وعلا عمَّا سواه .

لم يشتغل بالمسلسلات والجلوس في المقاهي يتبع الغادين والرائحين، رجل عمَّر وقتَه بذكر الله.

وقرأت قوله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6] فعلمت وأيقنت وازددتُ ثقةً بأن رزقي لن يأخذه أحدٌ غيري .

إذا كنت واثقًا بالله متوكلًا عليه، فلا تخشَ أيَّ شيءٍ، ولا تخشَ أيَّ شخصٍ مهما كان مركزه أو حجمه، الثقة بالله تفويض الأمر لله، وهي خلاصة التوكـُّـــل على الله. إذن عنده مشكلة النفع والضر ومشكلة الفراغ، ومشكلة الرزق وَجَدَ لها حلولًا بثلاث آيات من كتاب الله.
يا صاحبَ الهمِّ إنَّ الهمَّ مُنْفَرِجٌ
أَبْشِرْ بخيرٍ فإنَّ الفارجَ اللهُ
اليأسُ يَقْطَعُ أحيانًا بصاحِبِهِ
لا تَيْأسَنَّ فإنَّ الكافيَ اللهُ
اللهُ يُحْدِثُ بعدَ العُسْرِ مَيْسَرَةً
لا تَجْزَعَنَّ فإنَّ القاسمَ اللهُ
إذا بُلِيتَ فثقْ باللهِ، وارْضَ بهِ
إنَّ الذي يَكْشِفُ البَلْوَى هو اللهُ
واللهِ مَا لَكَ غيرُ اللهِ مِن أحَدٍ
فحَسْبُك اللهُ في كلٍّ لكَ اللهُ


﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]) كلمة قالها إبراهيم عليه السلام لمَّا أُلْقِي في النار، فكانت النار بردًا وسلامًا عليه، وقالها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حمراء الأسد بعد غزوة أُحُد لمَّا: ﴿ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173].

قال أحد السلف: عجبتُ لمن ابتُلي بخوف كيف يغفل عن قول تعالى: ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ والله يقول بعدها: ﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 174] فها هو الحل لمن كَثُر عنده الخوف. ثم قال: وعجبت لمن ابتُلي بمكر الناس كيف يغفل عن قول تعالى: ﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [غافر: 44]؟ والله يقول بعدها: ﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ﴾ [غافر: 45].

يعلِّمنا رسول اللهصلى الله عليه وسلم إذا خرجنا من المنزل أن نقول: ((بسمِ اللهِ توكَّلتُ على اللهِ لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ، يُقالُ له: كُفِيتَ ووُقِيتَ وتنحَّى عنه الشَّيطانُ))[1]، فيكفيك الله ما أهمَّك من الرزق.

أيها الإخوة المؤمنون، من اعتمد على ماله قَلَّ، ومن اعتمد على عقله ضَلَّ، ومن اعتمد على جاهه ذَلَّ، ومن اعتمد على الله فلا ضَلَّ ولا ذَلَّ ولا قَلَّ.

اعلموا عباد الله أن المفهوم الحقيقي للتوكُّل هو الحركة والأخذ بالأسباب، سيدنا عمر رضي الله عنه رأى إبِلًا قد فشا فيها الجَرَبُ، فسأل صاحبَها عن إهماله لعلاجها، فقال: عندنا عجوز تدعو لها بالشفاء، فقال له: هلا جعلت مع الدعاء شيئًا من القَطِران؟ وكذلك نحن ندعو الله أن يرزقنا، ولكن لابد من ابتغاء الرزق والسعي فيه.

فاللهمَّ إنا نسألك علمًا نافعًا ورزقًا طيبًا، وعملًا متقبلًا، وآخرُ دعوانا الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ وكفى، وصلى اللهُ وسلَّم على عبده المصطفى، وآله وصَحْبِه ومن اقتفى، أما بعد:
من مفاتيح الرزق:
المفتاح الرابع: التفرُّغ لعبادة الله: ورُبَّ سائل يسأل: قبل قليلٍ طلبتَ منا أن ننطلق في الأخذ بأسباب الرِّزق، والآن تطلب منا التفرُّغ لعبادة الله، فكيف نُوفِّق بين الأمرين؟ قال تعالى في الحديث القدسي: ((يقولُ الله: ابْنَ آدَمَ! تَفَرَّغْ لعبادَتي؛ أمْلأْ صَدْرَك غِنًى، وأسُدَّ فَقْرَكَ، وإلا تَفْعَلْ؛ ملأْتُ صدرَك شُغْلًا، ولَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ))[2]، وفي رواية: ((إنَّ ربَّكُم عزَّ وجلَّ يقولُ: يا بنَ آدمَ تفرَّغْ لعبادتي أملأْ قلبَكَ غنًى، وأملأْ يدَك رزقًا، لا تتباعَدْ منِّي فأملأَ قلبَكَ فقرًا، وأملأ يدك شُغلًا))[3]، وليس معنى الحديث تركُ طلب الرزق، وإنما المُراد أنك في حال العبادة أفرغ قلبك لله، وتجرَّد من الدنيا، وأقْبِل على ربِّك يفتح لك أبوابَ الرِّزق. كما قال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه: 132]. قال ابن كثير: يعني إذا أقمت الصلاةَ أتاك الرِّزقُ من حيث لا تحتسب، وهو كقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2، 3].


ولكن إذا قضيت الصلاة وأفرغت قلبَك لله فيها كما أمِرتَ فانطلق للسعي في رزقك، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة: 9، 10]، فالسعي لذكر الله عبادة، وترك البيع تفرُّغ للعبادة، وتركُ كل ما يشغل عنها، والانتشار في الأرض دِلالة على طلب الرزق.

فلا تجعل الدنيا أكبرَ همِّك، قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن كانت همَّه الآخرةُ، جَمَع اللهُ له شَمْلَه، وجعل غِناهُ في قلبِه، وأَتَتْه الدنيا راغمةً، ومَن كانت همَّه الدنيا، فَرَّق اللهُ عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين عَيْنَيْهِ، ولم يَأْتِهِ من الدنيا إلا ما كتب اللهُ له))[4].


فاللهُمَّ لا تجعل الدنيا أكبرَ همِّنا، ولا مبلغَ علمِنا، ولا غايةَ رغبتِنا، ولا إلى النار مصيرنا، ولا تُسلِّط علينا بذنوبنا مَنْ لا يخافُك ولا يرحمُنا. (تتمة الدعاء).

[1] رواه البخاري، برقم:362.
[2] صحيح الترغيب والترهيب، برقم:3166.
[3] السلسلة الصحيحة، برقم:1395.
[4] صحيح الجامع، برقم:6516.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-08-2022, 09:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفاتيح الرزق

مفاتيح الرزق (3)
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت




الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله، نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهدِه اللهُ فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله، نحمدُكَ ربَّنا على ما أنعمتَ به علينا من نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضلَ رُسُلِكَ، وأنزلتَ علينا خيرَ كُتُبِكَ، وشَرَعْتَ لنا أفضلَ شرائع دينك، فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرِّضا؛ أما بعد أيها الإخوة المؤمنون:
سبق الحديث في الخُطبتينِ المَاضيتينِ عن مفاتيح الرزقِ، وتحدَّثنا عن: مِفتاحِ التوبةِ والاستغفارِ، ومِفْتاحِ تقوى الله جل وعلا، ومِفتاحِ التوكُّل على الله، ومِفتاحِ التفرُّغ لعبادة الله، ولا يزال الحديثُ عن مفاتيح جديدة للرزق في خُطْبتنا اليوم.

المِفتاح الخامس صِلَّة الرَّحِم: قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أحَبَّ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ))[1]، وفي رواية: ((فَلْيتَّقِ اللَّهَ، وَلْيصِلْ ذا رَحِمِهِ))[2]، فمن أحبَّ أن يوسِّع اللهُ له في رزقهِ، ويزيدَ له في العُمر، فهذان شرطانِ لا بُدَّ لتحقُّقهما مِن جواب الشرط، فأين الجواب؟ الجوابُ هو أن تتقي الله أولًا، ثم تَصِل رحِمَك ثانيًا.


ما معنى الأرحام؟
الأرحَام: هم أقاربك، وللعُلماء في تحدِيدهم ثلاثة مذاهب:
قيل: الأرحامُ هم المَحارِم المُشار إليهم في قولِه تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 23].

وقيل: هم الأقاربُ الذين يَرِثُونَ منك وتَرِثُ مِنهم، وعليه فالذي لا يرث منك ليس من الأرحام الذين تجبُ صِلتُهم.

وقيل بالعُموم؛ أي: إن الأرحامَ هم الأقاربُ عمومًا؛ سواء كانوا من المَحارمِ أو لم يكونوا، وسواء يَرِثُون منك أو لا يَرِثُونَ، وهذا هو الصَّحيح، والله أعلم.

وعليه فأيُّ قريبٍ لك من جهة الأب أو من جهة الأم، تجِبُ صِلتُه؛ عمك، خالك أبناء عمِّك، أبناء خالِك، عمَّتك، خالتك، أخيك، أختك، وهكذا، فهؤلاء جَميعًا تجبُ صِلتُهم إذا أردتَ أن تحصلَ على الرِّزق الواسِع والوافِر.

قال صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن ذنبٍ أجدرُ أن يُعجِّلَ اللهُ تعالى لِصاحبِه العُقوبةَ في الدنيا مع ما يَدِّخِرُه له في الآخرةِ، مِن قَطيعةِ الرَّحِمِ، والخيانةِ، والكذبِ، وإنَّ أَعجلَ الطاعةِ ثوابًا لصِلَةُ الرَّحِمِ، حتى إنَّ أهلَ البيتِ ليكونوا فجَرةً، فتنمُو أموالُهم، ويكثُرُ عددُهم، إذا تواصَلوا))[3] ، فمن أسباب تَنمية الأموال- حتى لو كان أصحابها فَجرة- صِلةُ الرَّحِم.


وقالصلى الله عليه وسلم: ((تعلَّموا مِن أنسابِكم ما تصِلونَ بهِ أرحامَكم؛ فإنَّ صلةَ الرَّحمِ محبَّةٌ في الأهلِ، مَثْراةٌ في المالِ، مَنْسأةٌ في الأثَرِ))[4]، وللأسف قد تجِد الأب يذهب لزيارة أقاربِه، ولا يُرافق أبناءَه! أو تمتنع الزوجة من استقبال أقارِب زوجها، أو يمتنع الزوج عن استقبال أقاربِ زوجته، متى سيعرف الأبناءُ أقاربَهم إذا كنَّا على هذه الحَال؟! والنتيجة أنه يتم التواصل بين الكِبارِ فقط، فإذا ماتوا انقطَعَ حبلُ الصِّلة بين الصِّغار؛ لأنهم أصلًا لا يتعارفون، وإن تعارفوا فالصِّلةُ بينهم ضعيفةٌ، والمسؤول عن هذا الوضع هم الآباء.


والقصدُ من الحديث أن صلةَ الرحمِ ((مَثْراةٌ في المال))؛ أي: سبب في كثرة المال والرِّزق، ((محبَّةٌ في الأهل))؛ أي: سببٌ للودِّ والتحابِّ بين الأقارب، ((مَنْسأةٌ في الأَثَرِ))؛ أي: تزيد العُمر، والزيادة في العمرِ قِيل فيها:
إنَّ المراد البركة فيهِ؛ فالإنسان لا يزيد على أجلِه ولكن يُبارك له فيه، فقد تعيش ستين سنة، ولكن الأعمال التي قدَّمتها تُقَدَّر كما لو أنَّك عِشْتَ زمنًا طويلًا، وهذا تفسير للزيادة في العُمر بالكَيفِ وليس بالكمِّ.

وقيل: الحديث على ظاهرِه والزيادة حقيقية؛ ولكن هذا الرأي يعترضه قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: 34]، وأجابوا أن ما كُتِب في اللوح المحفوظ يجوز عليه المَحْوُ والتثبيت؛ لقوله تعالى: ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 39]، فإذَنْ مُمكن أن يُزاد منه إذا توفر سَببُ ذلك، فهي زيادة معلَّقة، والله أعلم، فمُمكن أنه قدِّر له من رزقه مئة، لكن إذا كان واصلًا لِرَحِمِه يصل رزقُه إلى مئتين، وهكذا.

المِفتاح السادس الصدقة: لا تكن شحيحًا بخيلًا أيها الأخ الكريم، واعتبروا بأصحاب الجنَّة، فهؤلاء من اليَمن كان أبوهم صالِحًا يقسِّم ماله أثلاثًا: ثُلثًا يردُّه في الأرض، وثلثًا يدَّخره لِعياله، وثلثًا يتصدَّق به على الفقراء والمَساكين، فمات هذا الرجل الصَّالح، جاء أبناؤه البُخلاء، فابتلاهم الله بكثرة إنتاج بستانهم ذلك العام على غير العادة، واستمروا في غيِّهم وعِنادهم، وذهبوا لجَني الثمار في الصَّباح الباكر قبل استفاقةِ الفقراء، وبيَّتوا نِيةً سيئةً، فعوقبوا بنقيض قصدهم، وصوَّر الله لنا قصتهم بقوله: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ * قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ * كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [القلم: 17 - 33]، فأُصِيبوا بالعذاب بِسبب منع الصَّدقة، فذهب الرِّزق، فهل مِن مُعتبر، فهؤلاء أُصِيبوا بهذا النوع من العَذاب، وقد يكون العذاب هو البَرد، أو الحريق، أو الغرق أو الرِّيح... إلى غير ذلك من أنواع الجَوائح التي تذهبُ بالمال.

فاللهم اجعلنا من الواصلين لأرحامِهم، ومِن أهل الصَّدَقة، وآخِرُ دعوانا الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

الخطبة الثانية
الحمدُ لله وكفى، وصلى الله وسلَّم على عبده المصطفى، وآله وصَحْبه ومن اقتفى، أما بعد:
من مفاتيح الرزق كما ذكرنا، صلة الرحم، والصدقة، وإخراج زكاة المال، ولنا تتمَّة لهذا المِفتاح الأخير، أيها الإخوة الأفاضل.

علينا أن نحصِّن أموالنا بالصدقة والزكاة، وذلك بإخراج حقِّ الله وحقِّ الفقراء والمساكين والضعفاء، وإيَّاك وتلبيس إبليس عليك بما يسوِّله لك من خشية الفقر، واستمع لنداء ربِّك، قال تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 268]، فالمُصيبة في الامتناعِ عن الإنفاق، قال صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا))[5] ، فدعوةُ المَلك الأول دعوةٌ بالرِّزق والبركة، لكن لمن حَصل منه الإنفاق، والإمساكُ طريقٌ لهلاك المال وإتلافِه، ولا شكَّ أن دعوة المَلكين مُستجابةٌ.


وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39]، فاختر أيها الأخ الكريم بين طَريقين: طريق الرحمن الذي فيه التعويض عن الإنفاق، وإيعاد بالخير، وطريق الشيطان الذي فيه إيعاد بالفقر.


أختم بقصة لأهل منزلٍ كانت لهم شجرةُ ليمونٍ بفِناء المنزل، وكانت لهم جَدَّة لا تمنَع أحدًا مِن قَطْف ليمونة اشتهاها، أو يُريدها لأحد أبنائه، فكانت تُثمر ثمرًا لا نظير له في الكثرة، وأهلُ القرية يعلمون هذا فيأتون لأخذِ اللَّيمون، فتُوفِّيَت الجَدَّة وكانت زوجةُ ابنها تمنع كُلَّ مَنْ يأتي إلى اللَّيمونة، فيَبِسَتِ اللَّيمونةُ، وهذا هو التَّلَف، وما أشبه هذه القصَّة بقصة أصحاب الجنة.


ومن القصص التي نعتبر بها أنَّ جرادًا استولى في بعض البلاد على الحقولِ إلا حقلًا واحدًا، وهذا أمر عجيبٌ يدل على قدرة الله، كيف يأكل الجَراد من النواحي الأربع ويترك هذا الحقل؟! لا شكَّ أنه مأمور بأمْرِ ربِّه، بحثوا عن صاحب الحقلِ فقالوا له: ما القصة؟ قال لهم: كنت أداوي حقلي، قالوا: لماذا لم ترشدنا إلى هذا الدواء؟ فقال لهم: كنت أداويه بالزكاة، فحصَّن بستانه بالصدقة، أما من طغى عليهم التفكير المادي فلا يُفكِّرون إلا في الأدوية المادية.


ولذلك في الغرب الذي طغى فيه هذا النوع من التفكير، وغاب التفكير الرُّوحِي تجد منهم من يُتْلِف السِّلَع؛ لأجل الحفاظ على ثمنها في السُّوق، في أمريكا فلَّاح يريد إتلاف حديقتِه من البرتقال؛ لأجل الحِفاظ على سِعر السُّوق، سمع الفقراء بِمُراده فدخلوا تحتَ الأسلاكِ الشائكة للحصول على البرتقال قبل إتلافِه، في العام التالي سمَّم الفلاحُ البُرتقال حتى لا يستفيد منه الفقراء! أي أخلاقٍ هذه؟! فما أسعدَنا بهذا الدِّين! وما أشقى غيرَنا بالابتعاد عن هذا الدِّين وتعاليمه! وفي أستراليا قبل أعوام قتلوا ملايين من الحيوانات؛ للحِفاظ على سِعْر السوق.


فأكثروا إخواني من الصَّدَقة تَنْمُ أموالُكم، وتجنَّبوا التشبُّه بمن همُّهم الحَياةُ الدنيا، ولا خَلاق لهم في الآخرة.


فاللهم لا تجعل الدنيا أكبرَ همِّنا، ولا مبلغَ علمِنا، ولا غايةَ رغبتنا، ولا إلى النار مَصيرنا، ولا تسلِّط علينا بذنوبنا مَن لا يَخافَكَ ولا يرحمنا.
(تتمة الدعاء).

[1] رواه البخاري، برقم: 5986.

[2] ضعَّفه شعيب الأرنؤوط في تخريج شرح السنة، برقم: 3443.

[3] الجامع الصغير للسيوطي، برقم: 8010، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع، برقم: 5704.

[4] رواه الترمذي وصححه، برقم: 1979.

[5] رواه البخاري، برقم: 1442.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 19-11-2022, 09:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفاتيح الرزق

مفاتيح الرزق (4)
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت



الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نحمدك ربنا على ما أنعمت به علينا من نِعَمِك العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضل رسلك، وأنزلت علينا خير كتبك، وشرعت لنا أفضل شرائع دينك، فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا؛ أما بعد أيها الإخوة المؤمنون:
فقد سبق الحديث في الخطب الماضية عن ستة مفاتيح للرزق؛ فتحدثنا عن مفتاح التوبة والاستغفار، ومفتاح تقوى الله جل وعلا، ومفتاح التوكل على الله، ومفتاح التفرغ لعبادة الله، ومفتاح صلة الرحم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أحب أن يُبسَط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فلْيَصِلْ رَحِمَه))[1]، ومفتاح الصدقات والنفقات؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39]، وقول أحد الملكين كل صباح: ((اللهم أعْطِ منفقًا خلفًا، وقول الآخر: اللهم أعْطِ ممسكًا تلفًا))[2]، ونختم خطبتنا اليوم حول بعض مفاتيح الرزق الأخرى، وإن كان ما يزال الكثير منها، فما على الإنسان سوى السعي للحصول على رزقه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6].

المفتاح السابع: تطبيق شرع الله في الأرض: فلو طبَّقنا شرع الله في الأرض، لفتح علينا من بركاته؛ وتأملوا خطاب الله لأهل الكتاب في قوله: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 66]، فالشرط في فتح البركات رهينٌ بمدى تطبيقهم لِما في كتبهم التي أُنزلت إليهم لما كانت صحيحة قبل التحريف، أما بعد نزول القرآن ونسخه لما سبق، فالشرط في اتباعهم؛ هم والمسلمون لما أنزل الله فيه، والنتيجة إنزال السماء بركتها، وإخراج الأرض بركتها؛ فيعم الرخاء؛ وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، فما أصاب الأمة من ضيق في مواردها سببه البعد عن شرع الله، وأُعطي مثالًا بالربا، فانتشاره إعلان للحرب على الله؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278، 279]، فالمرابون أرادوا الرزق والربح، ولكن من غير طريقه الحلال، الآخذ والمعطي سواء، فجاء التغليظ في تحريمه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((درهمُ ربًا يأكله الرجل وهو يعلم، أشد من ستة وثلاثين زنيةً))[3]، فكيف بالدراهم؟ وقالصلى الله عليه وسلم: ((الربا ثلاثة وسبعون بابًا، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه))[4]، فمن هذا الذي يرضى أن ينكح أمه؟


لكن ما علاقة تعاطي الربا بالرزق؟ تأملوا معي قوله تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 276]، والمَحْقُ هو ذهاب البركة، فعاملهم الله بنقيض قصدهم، أرادوا أن يربحوا ولكن عاقبتهم إلى زوال، فبالربا يقع الإفلاس للكثيرين أفرادًا ودولًا، وهو سبب الأزمات الاقتصادية العالمية، وهو سبب الآفات والأمراض المذهبة للمال؛ لأنه ببساطة إعلان للحرب مع الله، فهل ترانا ننتصر؟ وبالمقابل الصدقات والقرض الحسن يبارك الله فيه، فمن أراد أن يبارك الله في رزقه، فليبتعد عن الحرام، وليطبِّق شرع الله سبحانه.


المفتاح الثامن: الهجرة في سبيل الله: فإذا ضاق عليك الرزق في مكان، فتحوَّل إلى مكان آخر، تحرك في الأرض؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ﴾ [النساء: 100]، ومعنى "مراغمًا": يتزحزح عما هو فيه من الضيق، و"سعة"؛ أي: في الرزق، فالهجرة تنفيس عن الروح، وزيادة في الرزق، وهناك عشرات القصص التي نعرفها ممن ضاقت عليهم السبل في مكان، فلما تحولوا وانتقلوا إلى غيره، فتح الله عليهم، فهاجر من أجل رزقك ولا تبقَ حبيس مكانك.


المفتاح التاسع: إعانة الضعفاء والفقراء والمحتاجين وطلبة العلم: عن مصعب بن سعد، قال: ((رأى سعد رضي الله عنه أن له فضلًا على من دونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم))[5]؛ أي: ببركتهم ودعائهم؛ لصفاء ضمائرهم، وقلة تعلقهم بزخرف الدنيا، فيغلب عليهم الإخلاص في العبادة، ويُستجاب دعاؤهم؛ عن ثابت، عن أنس: ((أن أخوين كانا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كان أحدهما يحضر حديث النبي صلى الله عليه وسلم ومجلسه، وكان الآخر يقبل على صنعته، فقال: يا رسول الله، أخي لا يعينني بشيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلعلك تُرزق به))[6]، فيا أيها الأخ الفاضل، إذا كانت لك أخت تعيلها لموت أبيك، أو طُلقت، وأنت تنفق عليها، أو لك أخ صغير، أو يبحث عن عمل وأنت تنفق عليه، فلا تتضجر ولا تتبرم، واجتنب الشكوى؛ فلعلك تُرزق بذلك؛ قالصلى الله عليه وسلم: ((خير بيت في المسلمين بيتٌ فيه يتيم يُحسَن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُساء إليه))[7] ، وأنا أعرف بيتًا من بيوت المسلمين كان عندهم يتيم، فأفاض الله عليهم من رزقه، فكانوا مضرب المثل بالغِنى والكرم في بلدهم، فلما خرج تراجعوا وتبدل الحال، فأنا أفرح لما أرى شبابًا في هذه المدينة وغيرها يتحدون في قافلة، يجمعون الطعام والملابس وغيرها، فيقصدون المناطق النائية والضعيفة، فيعينونهم بما يستطيعون، فهؤلاء يحيون واجب التضامن والتعاون، وهؤلاء أجدر أن يعينهم الله سبحانه، فاللهم افتح علينا من بركات رزقك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى وآله وصحبه، ومن اقتفى؛ أما بعد:
فالمفتاح العاشر: الزواج: قال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة حقٌّ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف))[8]، المجاهد، ثم المكاتب وهو العبد الذي يتفق مع سيده على أن يقدِّم له مالًا فإذا أتمه يصبح حرًّا، والذي يهمنا في موضوعنا هو الناكح يريد العفاف، والمعونة متعلقة بشرط الزواج بنية إعفاف نفسه؛ حتى لا يقع في الحرام، ولا سيما في زمان الفتنة بالنساء في كل مكان، نسأل الله السلامة والعافية؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 32]، فالتمس الغِنى في الزواج، ولا تمنع ابنتك أو أختك من رجل صالح بدعوى أنه فقير؛ فالزواج مفتاح الرزق والغنى.


المفتاح الحادي عشر: الدعاء: من أسماء الله الحسنى الرزَّاق، فادعوا الله به؛ قل: يا رب ارزقني، وأقدم لكم نموذجًا واحدًا لصحابي من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم: ((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يُقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت صلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلامًا إذا قلته، أذهب الله همَّك، وقضى عنك دينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من البخل والجبن، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: فقلت ذلك، فأذهب الله عز وجل همي، وقضى عني ديني))[9]، فاللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من البخل والجبن، ونعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال.

(تتمة الدعاء).

[1] رواه البخاري، برقم: 5986.

[2] رواه البخاري، برقم: 1442.

[3] رواه أحمد في مسنده، برقم: 21957. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم:1033.

[4] رواه الحاكم في المستدرك، برقم:2259. وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.

[5] رواه البخاري، برقم: 2896.

[6] رواه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله، برقم: 301، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم: 2769.

[7] رواه البخاري في الأدب المفرد، برقم: 137، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم: 1637.

[8] رواه الترمذي، برقم: 1655، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

[9] رواه أبو داود، برقم:1555. وضعفه شعيب الأرنؤوط.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 107.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 104.28 كيلو بايت... تم توفير 3.28 كيلو بايت...بمعدل (3.05%)]