|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#21
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – البركة سِرُّ من أسرار الله – عز وجل-
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقومُ الساعةُ حتى يتقاربَ الزمانُ، فتكونُ السنةُ كالشهرِ، والشهرُ كالجمعةِ، وتكونُ الجمعةُ كاليومِ، ويكونُ اليومُ كالساعةِ، وتكونُ الساعةُ كالضَّرَمَةِ بالنارِ»، الضرمة كأنها حرقة سعفة، هذا الحديث النبويٍ الشريف تتجلى فيه ظاهرة جليلة تلفت الأنظار وتُعير الاهتمام وتأخذ بمجامع القلوب وتستثير النفوس وتحرك عقول أولوا الألباب. هذا الحديث يخبرنا بأن الزمان قد تغير، وأن الأيام اختلفت عما سبق، سواء كان عاما أم شهرًا أم يوما أم ساعة أم دقيقة، فالعام السابق غير هذا العام، والعام قبل عشر سنوات غير هذه السنة، والحقيقة أن هناك سرا من أسرار الله -عز وجل- في ذلك، وقبل أن نبين عنوان الموضوع، دعونا نأتي بنماذج وأمثلة. النبي - صلى الله عليه وسلم - وتغيير وجه الأرض النبي - صلى الله عليه وسلم - خلال عقدين من الزمان استطاع تغيير وجه الأرض، وكتب تاريخًا جديدًا وعهدًا جديدًا منذ بعثته - صلى الله عليه وسلم -، معالم جديدة وأثار حميدة لاتزال أخبارها وصداها ليس فقط إلى هذا الزمان بل إلى أن تقوم الساعة، فهي فقط ثلاثة وعشرون سنة قضاها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدما بُعث بالأربعين حتى صار عمره - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة وستين سنة. أقام - صلى الله عليه وسلم - دولة وربى رجالا أقام - صلى الله عليه وسلم - دولة وربى رجالا، واستمرت هذه الدولة من عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة إلى سنة 1919 مع سقوط الخلافة العثمانية لم تر الدنيا مثل دولة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا (خلافة) حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثين سنة قضاها كبار الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي -رضوان الله عليهم- استمروا بالخلافة ثلاثين سنة فقط ماذا أقاموا فيها؟ ما الإنجازات؟ ما الأعمال؟ ما المهام التي قاموا بها؟ إنها أعمال عجيبة وعظيمة تُدرس في الجامعات ويدرسها الساسة ويدرسها الاقتصاديون ويدرسها الاجتماعيون في تلك الثلاثين سنة. خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه فأبو بكر الصديق حكم فقط سنتين وثلاثة أشهر، ماذا قدم فيهم وماذا عمل؟ جمع القرآن بعدما أشار عليه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما استحر القتل في حروب المرتدين وبدأ يموت الكثير من الصحابة الحفاظ، فأشار عليه بجمع القرآن فسمع نصيحة عمر -رضي الله عنهما- ثم جمع القرآن -الجمع الأول- وحارب المرتدين في الجزيرة وفي اليمن، وجيش الجيوش وفتح الأمصار ونظم عهد الدولة بتعيين الأمراء والولاة في الدول، عين لمكة ولاة وللمدينة ولاة ولليمن ولاة، فتح البلدان، تبرع بماله كله في غزوة مؤته، -رضي الله عنه وأرضاه. خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- حكم عشر سنوات وستة أشهر، ومات وعمره 61 سنة، فماذا عمل؟ وماذا قدم؟ جمع القرآن الجمع الثاني، ووسع الحرمين الشريفين مكة والمدينة، وأبعد المقام عن الكعبة حتى يوسع للمسلمين، وأقام السجون، واعتمد التاريخ الهجري، واتسعت في عهده الدولة وكسر شوكة الروم والفرس في خلال عشر سنوات. نماذج مضيئة وهذا عثمان بن عفان - رضي الله عنه وأرضاه- كذلك، وهذا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه وأرضاه- كذلك، نماذج مضيئة كلها، غير باقي كبار الصحابة مثلا زيد بن ثابت أسلم وعمره عشر سنوات، علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن حتى وصل عمره اثنتي عشرة سنة، تعلم لغة اليهود خلال خمسة عشر يوما، وأصبح مترجما للنبي - صلى الله عليه وسلم - للوفود وعمره أربع عشرة سنة، وعينه النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد كتاب الوحي وعمره ست عشرة سنة، وأصبح فقيها عالما متخصصا في الفرائض وعمره تسع عشرة سنة، كلفه عثمان بن عفان بجمع القرآن حتى قال: «لو كلفني بحمل الجبال لكان أهون» وجمع القرآن من العظام والجلود ومن كبار الصحابة -رضوان الله عليهم- حتى كان هذا المصحف الذي بين أيدينا وعمره إحدى وعشرون سنة، فقط تسع أو عشر سنوات، إخواني، ما السبب؟ هذا سر الله في كونه وهو البركة. فليسأل كل منا نفسه إخواني، كل واحد منا يسأل نفسه أيًا كان عمره: أربعين، خمسين، ستين أين البركة التي أحلها الله -عزوجل- في عمري في زوجتي في أولادي، في مالي في علمي في وقتي في دعوتي، البركة هي سر الله -عزوجل-، فهو كل مانسب إلى الله فهو بركة، بيت الله، رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كلام الله، الأقصى المبارك، العبد المؤمن لما يلتزم يسمى عبدٌلله -سبحانه وتعالى- فهو مبارك كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «لزوال السموات والأرض أهون عند الله من إراقة دم عبد مسلم» فإنه مبارك يحبه الله ويرضاه. أهمية البركة فالبركة إذا حلت في الصحة حفظها الله وبارك فيها، والبركة إذا حلت في الوقت توسع هذا الوقت وزاد، والبركة إذا حلت في المال نمَّاه الله وكثَّره، والبركة إذا حلت في العيال رزقه الله -عزوجل- برهم، والبركة إذا حلت في العلم نفع الله به صاحب العلم ونفع به السامع، والبركة إذا حلت في العمل مد الله أثره وعظَّم أجره ونفع به، والبركة إذا حلت في البلاد حفظها الله عزوجل من الشرور والأعداء، والبركة إذا حلت بالأسرة نفع الله بها وكانت قرة عين لأهل البيت وللمجتمع، والبركة إذا حلت بالزوجة قامت بالحقوق وبالواجبات وربت الأولاد وأقامت الرجال ومن ثم تقام دولة هذه المرأة، وهكذا كل شيء. البركة سِرُّ الله -عزوجل يقول الله -عزوجل-: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} ويقول الله -عزوجل- {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}، ويقول الله -عزوجل-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فظاهرة البركة هي سر الله -عزوجل- يهبها لمن شاء من عباده، لا تُكتسب ولا تُشترى، ولكن الله -سبحانه وتعالى- يهبها في الإنسان، في علمه، في وقته، في ماله، في جهده ومن ثم فالإنسان ينبغي أن يحرص كل الحرص أن يكون مستقيما لله -عزوجل- يجتهد في طاعة الله -عزوجل- ويتبع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - كي يُحل الله -عزوجل- بركته في هذا الإنسان، فتكون أعمالك كلها لله -عزوجل- طعامك، شرابك، عملك، تفكيرك يكون ذلك كله لله -عزوجل- ومن ثم تكون عبدا لله وتكون عبدًا مباركًا كما قال الله -عزوجل في حق عيسى عليه السلام-: {وجعلني مباركًا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا}. اعداد: الشيخ: فهد المضاحكة
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 12-07-2024 الساعة 01:17 PM. |
#22
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – من أعظم البركات التي حصلت في الأمة الإمام الحافظ الحكمي توفي سنة 1958 وعمره ثلاث وثلاثون سنة وقد ألف عشرات الكتب وكتبه تدرس في الجامعات الشرعية الإمام محمد بن إدريس الشافعي بدأ الفتيا وعمره خمس عشرة سنة والبخاري كان عمره ست عشرة سنة وكان يحفظ مائة ألف حديث وتصدر الإمام مالك للفتيا وعمره سبع عشرة سنة من أعظم البركات التي حصلت في الأمة ما حصل في القرون الثلاثة المفضلة التي نجني ثمارها الآن في هذا الزمان بعد ألف وأربعمائة سنة ذكرنا معكم إخواني في المقال السابق مفهوم البركة، وأنها سر من أسرار الله -عز وجل- يهبه لمن يشاء، وذكرنا نصوصا من القرآن والسنة في ذلك، وذكرنا بأن البركة هي الخير والنماء والعطاء والزيادة والفضل الذي يُحله الله -عز وجل- في هذا الشخص أو في هذا الكيان أو في هذه الأمة، واليوم نستكمل هذا الموضوع بذكر بعض النماذج التي نرى بأن الله -عز وجل- قد أحل عليها البركة. من أعظم البركات التي حصلت سابقًا هي البركات التي حصلت في القرون الثلاثة المفضلة قرن الصحابة ثم التابعين وتابعي التابعين، هذه القرون الثلاثة حل فيها من البركة الشيء العظيم الذي نجني ثماره الآن في هذا الزمان بعد ألف وربعمائة سنة، فهم كلهم خير بركة، فالصحابة الكرام آمنوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم - برسالته وصدقوه حيث كذبه الناس وعزروه ونصروه، وواسوه بأموالهم وأنفسهم وتركوا أموالهم وأوطانهم من أجل رسالة الإسلام، وأخذوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن والشريعة وتعلموا أحكام الدين، وبلغوا من وراءهم في الجزيرة وفي بلاد الشام، حتى بلاد السند ووصلوا إلى شرق الصين، بلغوا دين الله -عز وجل-، وحفظوا الشريعة من التبديل، والتحريف، وحاربوا المبتدعة، وبينوا دين الله -عز وجل- ووضحوه للناس، حتى أعز الله -عز وجل- هذه الأمة وهذا الدين. أعظم البركة قال الله -عز وجل- فيهم: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}، وهذه أعظم البركة أن الله -عز وجل- يرضى عنك، وقال الله -عز وجل في آية أخرى-: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، كما يقال: «ليس الشأن أن تُحب ولكن الشأن أن تُحَب»، ليس الشأن أن ترضى عن الناس، ولكن الشأن أن يرضى عنك الناس، والشأن العظيم والبركة العظيمة حينما يرضى الله -عز وجل- عنك، حينما يحبك الله، قال الله -عز وجل- {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}، هذه أعظم البركة، يعيش الإنسان في الدنيا لهذا السبب وهو محبة الله -عز وجل- ورضوانه. حب الله -تعالى- للصحابة والله -عز وجل- قد أحب الصحابة، ورضي عنهم، ورضي لهم دينه وما قاموا فيه من أعمال، قال الله -عز وجل-: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «لاتسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحدٍ ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه»، لو أنفق أحدكم كل حياته وكل ماله وكل جهده على أن يصل إلى مُدّ أو جزء أو ذرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- فإنه لا يستطيع، قال - صلى الله عليه وسلم-: «من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»، وقال عبدالله بن عمر: «لا تسبوا أصحاب النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- فلمقام أحدهم ساعةً خيرٌ من عمل أحدكم عمره» ساعة واحدة يقضيها هذا الصحابي في جلسة مع النبي - صلى الله عليه وسلم- أو يتعلم فيها أحكام الدين، هذه الساعة التي هي جلسة الصحابي خير من عمل إنسان ستين أو سبعين سنة يقضيها في طاعة الله -عز وجل. أمعاوية - رضي الله عنه - أفضل أم عمر بن عبدالعزيز؟ جاء رجل إلى عبدالله بن المبارك فقال له: «أمعاوية أفضل أم عمر بن عبدالعزيز؟» -عمر بن عبدالعزيز كما يسمى الخليفة الخامس له جهود كبيرة جدا في الأمة الإسلامية- فقال عبدالله بن المبارك: «لترابٌ في منخري معاوية خيرٌ وأفضل من عمر بن عبدالعزيز» التراب الذي دخل أنف معاوية - رضي الله عنه - في إحدى غزواته مع النبي - صلى الله عليه وسلم- أفضل من عمر بن عبد العزيز، هذا هو مقام الصحابة، والبركة التي أحلها الله -عز وجل- فيهم. حفظ الدين من التبديل والتحريف جيء بزنديق إلى هارون الرشيد لقتله، فقال لهارون: كيف تقتلني وقد وضعت في الأمة ألف حديث؟ أحل فيها الحرام وأحرم فيها الحلال؟ فقال له هارون: أين أنت ياعدو الله من أبي إسحاق الفزاري وعبدالله بن المبارك؟ ينخلانها ويخرجانها حرفا حرفا»، أنت من أنت؟ تدعي أنك وضعت ألف حديث أو حتى مائة ألف حديث، فإن الله -عز وجل- سخر في هذه الأمة في القرون من ينخل هذه الأحاديث ويميز الصحيح فيها من الضعيف، وبذلك حفظ الله -عز وجل- هذا الدين من التبديل والتحريف، من الذي حفظه؟ حفظه الله -عز وجل- بأن سخر له علماء أجلاء من كبار الصحابة والتابعين وتابعي التابعين حتى ألفوا الكتب في الحديث الصحيح والضعيف، واستخرجوا تلك الأحاديث التي وضعها الكذابين، في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم-، يشرعون شيئا ما شرعه الله -عز وجل-، إذًا إخواني، القرون المفضلة هي من أفضل القرون؛ فإن الله -عز وجل- قد أحل بها البركة، في علمهم وعملهم وجهادهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم-، والتابعين من بعدهم وتابعي التابعين. نماذج مشرقة وإذا نظرنا إلى بعض النماذج المشرقة في تاريخنا الإسلامي نجد العجب العجاب، فهذا محمد بن إدريس الشافعي متى بدأ الفتيا؟ قال بدأ الفتوى وهو عمره خمس عشرة سنة، طيب متى تعلم؟ متى حفظ؟ متى درس العلم؟!، والبخاري -رحمه الله- محمد بن إسماعيل البخاري جاء أحد التلاميذ أو السائلين إلى شيخ البخاري يسأله عن بعض المسائل فقال له: «لو جئت قبل لرأيت شابا ليس في وجهه شعر يحفظ مائة ألف حديث» البخاري كان عمره ست عشرة سنة، وكان يحفظ مائة ألف حديث، وتصدر الإمام مالك للفتيا وعمره سبع عشرة سنة، «لايُفتى ومالك في المدينة». الإمام علي بن عبد الكافي والإمام علي بن عبد الكافي توفي وعمره ست وعشرون سنة! ماذا قال عنه الذهبي؟ قال: «كتب الكثير وخرَّج وعلَّق وكان من الأذكياء» كل ذلك وقد توفي وهو ابن ست وعشرين سنة!، يقول الإمام الذهبي: «ولو عاش لما تقدمه أحد في الفقه وفي الحديث»، طيب متى تعلم؟ ومتى حفظ؟ ومتى اجتهد؟ والإمام أحمد بن حسن الحنفي تولى القضاء وهو ابن عمر سبع عشرة سنة، والإمام الحافظ المنذري مات وعمره ثلاثون سنة يقول عنه الذهبي: «الحافظ الذكي كتب الكثير ولو عاش لساد»، عمره ثلاثون سنة وقد ألف المؤلفات، وكتب الكتب، ويقول الذهبي «ولو عاش لساد زمانه»، الإمام الشوكاني أفتى وعمره عشرون سنة! الإمام النووي والإمام يحيى بن شرف الدين النووي (صاحب شرح صحيح مسلم وصاحب المجموع المهذب وصاحب شرح رياض الصالحين وصاحب كتاب الإرشاد وصاحب كتاب حملة القرآن) مات وعمره خمس وأربعون سنة، والآن كتبه تناقش في رسائل الماجستير والدكتوراه!، هل هناك مسجد في العالم شمالا وجنوبا شرقا وغربا في كل أنحاء الكرة الأرضية لم يشرح كتاب رياض الصالحين؟! لا يوجد إمام مسجد إلا وبجانبه كتاب رياض الصالحين، ماهذه البركة التي أحلها الله -عز وجل- في هذا الإمام وغيره كثير. والإمام الحافظ الحكمي توفي سنة 1958 وعمره ثلاث وثلاثون سنة، وقد ألف عشرات الكتب وكتبه تدرس في الجامعات الشرعية، لا شك إخواني أنك إذا أردت أن تدركك هذه البركة فلابد عليك بالاجتهاد، والجد والتعب كما قال الله -عز وجل-: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}. اعداد: الشيخ: فهد المضاحكة
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 12-07-2024 الساعة 01:18 PM. |
#23
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – البركة في الأوقات
استكمالا لما تكلمنا فيه حول البركة في حياة المسلم، وكيف يستطيع الإنسان أن يصل إلى هذا الأمر العظيم وهو البركة في الوقت والعمر أو الجهد؟ نستكمل معكم ونذكر اليوم أحد الأسباب الجالبة أو التي من خلالها يستطيع الإنسان أن يُحصِّل البركة. أول قضية يستطيع الإنسان أن يصل الى هذا المفهوم وهو مفهوم البركة وهو اهتمامه بالوقت؛ فالسابقون لم يحصلوا على ماحصلوا عليه، ولم يستطيعوا أن ينجزوا أو يقدموا أو يعملوا إلا بعدما عرفوا قيمة الوقت، وكيف يستثمرون هذا الوقت، ويوظفونه فيما ينفعهم في أمر دينهم، وأمر دنياهم؟ فكما ورد عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: « قال إني أبغض الرجل لاهو في أمر دينه ولا هو في أمر دنياه» يعني (عاطل باطل)، هذا الإنسان الذي لا يعرف قيمة الوقت، لا يقدم شيئا في دينه ولا في دنياه، تجد بعض الناس يجلسون على المقاهي وبعضهم يقضون الساعات على كراسي المسرح، وبعضهم في المباريات، وبعضهم في الديوانيات، وبعضهم في الاستراحات، فقط كما يقال: «عندي وقت كثير جدا أريد قتله»! المسلم ليس عنده هذا المعنى أبدًا، المسلم عنده هدف في الحياة خُلِق لأجله، وإذا أراد أن يخرج فإنه يخرج وقد حقق هذا الهدف، وهو أن ينجح في هذا الاختبار الذي وُجد فيه في هذه الدنيا، وإلا فهو سوف يرسب وإذا رسب ما في إعادة مع الأسف! {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} فقط هو اختبار واحد إما النجاح وإما الرسوب. أقسم الله -عز وجل - بالوقت ومن أهمية الوقت فإن الله -عز وجل- أقسم به -سبحانه-؛ لجلالة قدره، فقد ذكر الله -عز وجل- في آيات عدة قَسَمَه بالوقت، قال الله -تعالى-: {والفجر وليال عشر} وقال -تعالى-: {والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى} وقال -تعالى- في قَسَم آخر بالوقت {والضحى والليل إذا سجى} وقال -تعالى- {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} يعني من لم يوظف هذا الوقت في طاعة الله فسوف يخسر، قال {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} اي استثمروا أوقاتهم في الإيمان والعمل الصالح. مسائل مهمة في الاهتمام بالوقت ولكي نستثمر الوقت ينبغي مراعاة أمور عدة: أولاً: ترتيب الأولويات الأمر الأول أنك لابد أن تقوم بترتيب الوقت حتى يساعدك في الإنتاجية والإنجاز، فلابد وأن ترتب وقتك حتى تستطيع أن تنجز وتبدع وتحقق الهدف. ثانيًا: التركيز على كل مهمة الأمر الثاني أنك إذا اهتممت بترتيب هذا الوقت، فإنك تستطيع أن تُجمع فكرك في التركيز على كل مهمة تريد أن تفعلها، فعندك وقت محدد لإنجاز هذا العمل، فتركز جهدك وفكرك ووقتك في إنجاز هذا العمل (دورة شرعية، زيارة، رحلة، أداء عمرة..) تبدأ في العمل وأنت تعلم من متى؟ إلى متى؟ فيكون تركيزك كله منصبا على إنجاز تلك المهمة. ثالثًا: إنجاز الأهداف الأمر الثالث اهتمامك بالوقت يجعلك تستطيع أن تنجز الأهداف إنجازا أسرع وبجهد أقل، أيضا من وسائل الإهتمام بالوقت أنك إذا اهتممت بالوقت فسوف تشعر بالرضا، بأنك اليوم أنجزت أهدافا أو أعمالا؛ فتشعر بالسعادة والرضا للتوفيق لإنجاز مثل تلك الأعمال، والذي يكتب المهام اليومية هو الذي يُنجز، والذي لا يكتب لا يُنجز، وتتنازعه الأعمال بلا أدنى ترتيب للأولويات ولا رؤية للأهداف، بل يضيع وقته هكذا، عبثا دون هدف؛ ولذلك الله -عز وجل في سورة لقمان- ذكر من الحِكَم {واقصد في مشيك واغضض من صوتك} يعني وأنت تمشي لابد وأن يكون لك مقصد وهدف، لا تمش عبثا. رابعًا: ترتيب الأوقات يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:» عدم ترتيب الإنسان لوقته مضيعةٌ لوقته؛ ولهذا أدعو الجميع أن يجعلوا أوقاتهم مرتبة» ومعنى مرتبة يعني يقول الشيخ «أن تقول مثلا اليوم عملي كذا وفي الصباح عملي كذا وفي المساء عملي كذا، حتى لا تضيع الأوقات عليك وأنا جربت هذا» هكذا يقول الشيخ «أنا جربت هذا، جربت على أن كل ما طرأ علي شيء فعلته، أو أني أرتب وقتي، فوجدت أن الأخير أحسن وأنفع ويستفيد الإنسان من وقته» فإذا سجلت ودونت فإنك سوف تستفيد من وقتك، يقول أيضا ولو نظرت فيما سبق من التاريخ تجد أن السلف مثل الإمام الشافعي والإمام البخاري وغيرهم -رحمات الله عليهم- أنجزوا في أوقات قصيرة جدا، يقول: «ولو نظرت فيما سبق من التاريخ كيف أنتج العلماء -رحمهم الله- ما أنتجوا من المؤلفات ومن فطاحل العلماء الذين تخرجوا على أيديهم، في أوقات قد تكون أقل من الوقت الذي عشته أنت في هذا الزمن؛ وذلك بسبب ما ملأ الله -عز وجل- به قلوبهم من ذكره، حتى صارت أعمارهم لا تضيع منهم لحظةً واحدة». نماذج من اهتمام السلف بالوقت فلذلك كان السلف حريصين على الوقت، ففي بعض الروايات عن الإمام ابن الجوزي يقال: « زار الإمام ابن الجوزي بعض التلاميذ، فأشغلوه فأعطاهم الأقلام والبرايات» والسبب يقول حتى يجهزوا له الأقلام حتى لا يضيع وقته بعدما يرحلون، هكذا كانوا حريصين على الوقت، وكان بعض السلف إذا جاء له التلاميذ قال: «أشغلتموني» فيقولون هل أشغلناك؟ فيقول نعم أشغلتموني عن العلم، ثم إذا خرجوا، قال لهم: تفرقوا ولا تجتمعوا فربما أحدكم يذكر الله فإذا اجتمعتم أصبح بينكم الحديث، وهذا كله في الحقيقة يبين قيمة الوقت عند السلف، وكيف أنهم كانوا يحافظون عليه، وكيف أثمروا تلك الجهود والآثار العظيمة؟. من أسباب ضياع الوقت لضياع الأوقات وعدم الاستفادة منها أسباب كثيرة أهمها ما يلي: 1- عدمُ إدْرَاكِ قيمة الوقْتِ الإنسانُ إذا عرَف قدرَ الشيءِ وقيمتَه بالغَ في الحِفَاظِ عليه والحرصِ عليه، أمَّا إذا كان جاهلاً بقدْرِه وقيمتِه فإنَّه يُضَيِّعُه ولا يهتمُّ به، وكما قيل: «من عرف مقدارَ ما يطلبُ هان عليه مقدارُ ما يبذلُ».2- عدمُ تحديدِ الهدف الإنسان إذا عرف هدَفه وغايتَه من الحياة فإنه يحافظُ على كلِّ لحظةٍ من عمره، ويستثمرُ كلَّ وقتِه لتحقيقِ هدفه، فاسألْ نفسَك هذا السؤال: ماذا أريد من الحياة؟ ما هدفي من الدنيا؟ ما أغلي أمانيّ وأعظم رغباتي؟ هل تعيشُ لتحقيق أهدافك وطموحاتك أم أنك تسعى إلى طموحٍ ليس لك؟ 3- ضعفُ التخطيطِ والتنظيمِ إنَّ الفوضى والحياةَ المرتبكة التي تفتقد إلى الانضباط تستحقُّ منك وقفةً، فربما هي السبب الأكثر تضييعًا لوقتِك، تبدأ يومَك لا تدري ما الذي يجب عليك إنجازُه هذا اليوم، وربما يمرُّ يومُك وما فعلت شيئًا مفيدًا وأنت لا تدري؛ لأنَّ حياتَك غير مرتبةٍ ولا منظمةٍ. 4- اتباعُ هوى النفس إنَّ اتِّباعَ الهوى يفوِّتُ علي صاحبِه إدراكَ الحقِّ واتباعَه، فيقضِي عمرَه متبعًا لهواه، ولا يُفيقُ إلا إذا بلغَتِ الروحُ الحُلقومَ، غير أنَّ الرَّجاءَ حينذاك ينقطعُ ولا ينفعُ، فيردَى المسكين في الهاوية، أعاذنا الله من ذلك، {فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} (طه: 16). 4- التَّسويفُ وطولُ الأملِ إنَّ طولَ الأملِ يضيِّعُ ساعاتِ عمر الإنسان النفيسة في اللَّهْثِ وراء الأحلامِ الزائفة، حتى يأتي الأجل الذي يقطع هذه الآمال، وتذهبُ نفسُ الإنسان حسراتٍ على ما فرَّط في عمره، وأضاعَ من وقتِه. 5- رُفْقَةُ السُّوءِ إنَّك إذا جالستَ جلساءَ السوءِ أضاعُوا وقتَك فيما لا فائدةَ فيه ولا طائلَ من ورائِه، بل أنت بذلك تقتلُ وقتَك، وتهدِرُ عُمُرَك في الشهواتِ المهلكاتِ، والملذَّاتِ المحرَّماتِ، فلا تعرف معهم طريقَ مسجدٍ، ولا برٍّ وصلةٍ، ولا علمٍ وفقهٍ، ولا خيرٍ وصلاحٍ، ولا نجاةٍ وفلاحٍ، بل تغرَقُ معهم في طريقَ الشَّر والفسادِ، والصَّد عن ذكر الله، ويضيعُ عمرك فما لا يفيد. 8- مواقعُ التواصل وشبكاتُ الإنترنت ينبغي للإنسان ألا يكون فريسةً سهلة لمواقع التواصل الاجتماعي تلتهِمُ وقتَه، وتشغَلُه عن مهامِه الأساسية، فعليه ألا يعطِها إلا دقائق من يومِه، ولهدفٍ مُحَددٍ، ومع الأسف فإنَّ أغلب هذه المواقعِ تلوِّث العقولَ، وتضرُّ بالدينِ. 9- ضعفُ العزيمةِ كثيرون هم الذين يريدون اغتنامَ كلِّ لحظةٍ من عمرهم في عملٍ يجلِبُ لهم الربح في دنياهم أو آخرتهم، يضَعون الخُططَ، ويُرتِّبون أوراقَهم، لكن سرعان ما تتلاشى أحلامُهم، وتتبعثرُ آمالُهم، وما ذلك إلا لضعفِ عزيمتِهم وإرادتِهم؛ فإنَّ ضعفَ العزيمة يُهدِر وقتَك؛ لأنَّ قوِيَّ العزيمةِ لا يسمح بضياعِ لحظةٍ من عمره مهما كانت الظروفُ والأحوالُ. اعداد: الشيخ: فهد المضاحكة
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 17-07-2024 الساعة 11:53 AM. |
#24
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – كيفية استجلاب البركة
لازلنا إخواني في الحديث الذي بدأناه قبل ثلاثة أسابيع تقريبا، وهو مايتعلق بالبركة في حياة المسلم، وذكرنا أهمية البركة وفضلها وماجاء فيها من كلام الله -عز وجل- ومن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم -، وذكرنا بأن البركة هي من الله -سبحانه وتعالى- وذكرنا بعض القواعد التي من خلالها يستطيع الإنسان أن ينظم وقته، وأن يوظف هذا الوقت فيما ينفعه في أمر الدين والدنيا، وذكرنا بعض أثار السلف في حرصهم على الوقت، وكيف كانوا يستثمرونه ولا يضيعون مثل هذه الأوقات، وذكرنا بأن الوقت لأهمية ولعظمه فإن الله -عز وجل- أقسم به في القرآن كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أهميته في السنة، واليوم نتكلم معكم إخواني في كيفية استجلاب البركة. الاهتمام بكتاب الله -عز وجل إن الأمور التي تستجلب بها هذه البركة هي الاهتمام بكتاب الله -عز وجل-، يقول الله -تعالى-: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}، ويقول الشنقيطي -رحمه الله- من اهتم بالقرآن تلاوة وتدبرا وتطبيقا، تدركه البركة والخير والنفع في أمر الدين والدنيا والآخرة، وهذا مشاهد وأثبتت الدراسات أن من يهتم بالقرآن الكريم ويحفظ القرآن الكريم فإن الله -عز وجل- يبارك له في وقته وفي عمره وفي عمله. بعض الناس يخاف عندما يُحفظ أولاده القرآن بأن يضيع وقتهم في الحفظ والمراجعة، لكن هناك دراسة جميلة جدا أثبتت علميا بأن أكثر الطلاب تفوقا في الفصول الدراسية على جميع المراحل، بل الأوائل على الفصول الدراسية هم حفظة القرآن وطلاب الحلقات، وهذا يبين أن البركة حلت في كتاب الله -عز وجل-؛ ولذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنه، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولامٌ حرف وميمٌ حرف». شفاعة القرآن والقرآن الكريم كما تعلمون يأتي شفيعا يوم القيامة لأصحابه، بل هناك سورةٌ من القرآن تحاج عن صاحبها في القبر تسمى المانعة والمنجية من عذاب القبر وهي سورة الملك، والقرآن يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة يحاج لك عند الله -عز وجل-، يقول منعته النوم، كان يصلي ويقرأ القرآن في الليل. والقرآن الكريم -كما جاء في بعض الأثار- أخذه بركة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سورة البقرة-: «اقرأوا البقرة؛ فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة»، والبيت الذي يُقرأ فيه سورة البقرة تفر منه الشياطين، ولاشك أن هذا كله من بركة القرآن الكريم التي أحلها الله -عز وجل- في كتابه وبه تستجلب البركة. تقوى الله -عز وجل كما أن البركة تستجلب بتقوى الله -عز وجل- قال -تعالى-:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}. يقول الإمام الرازي: «لو أنهم أطاعوا الله -عز وجل- واتبعوا دينه لفتح الله -عز وجل- عليهم أبواب الخيرات من بركات السماء بالمطر، وبركات الأرض بالنبات والثمار وكثرة المواشي والأنعام وحصول الأمن والسلامة، فلو أن أهل القرى اتبعوا القرآن الكريم واتبعوا تعاليم الله -عز وجل- وتعاليم رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه تحل عليهم البركة في الأموال والخيرات وفي الأوقات، وحلت في البلاد يغشاها الأمن والسلام والرخاء، وجاء في الحديث: «لحدٌ يقام في الأرض خيرٌ من أن يُمطر الناس أربعين»، يعني لو أن الناس اتبعوا القرآن الكريم واتبعوا شرع الله -عز وجل-، وطبقوا ولو حدا واحدا مثل حد الجلد أو حد السرقة، فإنه خيرٌ لهم من أن يمطروا أربعين، وهذا لاشك من بركات القرآن الكريم واتباع تعاليم الله -عز وجل- وشرعه. الدعاء كما تستجلب البركة بالدعاء، فتدعو الله -عز وجل-، وهذا من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم -؛ حيث كان يدعو بالبركة لأصحابه وزوجاته - صلى الله عليه وسلم -، كما كان يدعو بالثمار، ويدعو لمن أطعمه الطعام، وهذا حتى تدركه البركة، يقول أنس - رضي الله عنه -: «جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق، ويحملون التراب على مناكبهم، ويقولون نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد مابقينا أبدا، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم - يرد عليهم: اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فبارك في الأنصار والمهاجرة»، فدعا لهم - صلى الله عليه وسلم - بالبركة والنبي -صلى الله عليه وسلم - إذا دعا بالبركة لإنسان أدركته البركة له ولذريته إلى يوم القيامة، قال أنس - رضي الله عنه - قالت أمي: يارسول الله، هذا ابني خادمٌ لك، ادع الله له، فقال -صلى الله عليه وسلم -: «اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته» يقول أنس - رضي الله عنه - فوالله، إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون بالمائة، يعني أنه رأى من ولده وولد ولده مائة وهو حي، وهذا من بركة دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم -، قال القرطبي:»كان النبي -صلى الله عليه وسلم - إذا دعا في الشيء أجابه الله -عز وجل- فيه. من نعيم الدنيا معرفة الرب وانشراح الصدر المؤمن الحق في هذه الحياة الدنيا يتمتع بأنواع النعيم الظاهرة والباطنة، ومن أهم ما يتمتع به المؤمن معرفة الرب -جل وعلا-، وانشراح صدره بالإيمان به -سبحانه-، معرفةُ الله معرفةَ إقرار، وتصديق وإيمان، وانقطاع إليه، وأنس به، وطمأنينة بذكره، قال بعض العارفين: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل له: وما هو؟ قال: معرفة الله -عز وجل-، وقيل لبعضهم: ألا تستوحش وحدك؟! فقال: كيف أستوحش، وهو -سبحانه- يقول: «أنا جليس من ذكرني». وأما انشراح الصدر، يقول الله -تعالى-: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (125)}، ويقول -جل وعلا-: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22)} (الزمر:22)، وانشراح الصدر هو اتساعه وانفساحه؛ بسبب استنارته بنور الإيمان، وحياته بضوء اليقين، فتطمئن بذلك النفس، وتحب الخير، ويطاوعه البدن على فعله، متلذذًا به، غير مستثقل، ولا متكاسل، ولا متوان. أما من أضله الله، فهو ضيق الصدر، يحس بالحرج والعنت، قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات، فلا يصل إليه خير، ولا ينشرح لفعل بر. فهل يستوي من كان منشرح الصدر، قرير العين، يعرف بدايته ونهايته، مرتاح النفس، هادئ البال، إن أعطي شكر، وإن مُنِع صبر، مع من كان قاسي القلب، ضيق الصدر، لا يعرف إلا دنياه، ولا يبصر إلا نعيم بدنه، إن أُعطِي بطَرَ وكفَرَ، وإن مُنِع سخِط وضجِر؟ {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (الملك:22). وبهذا الانشراح يحيا المؤمن حياة طيبة، يشكر ربه فيها عند السراء والنعماء، ويصبر عند البأساء والضراء، ويعمل الخير يرجو ثواب الله، كما قال -تعالى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97)} (النحل:97). اعداد: الشيخ: فهد المضاحكة
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-07-2024 الساعة 11:47 PM. |
#25
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – الأيام العشر والاستغلال الأمثل إخواني الكرام، ها نحن أولاء في أعظم الأيام وأحبها عند الله -سبحانه وتعالى-، وأعظم الأيام أجرا للعمل الصالح، هي أيام معدودات، قد نجد بعض الناس يرغب الناس في فضل هذه الأيام ثم تجده هو يقصر، وهذه حقيقة، فالله -عزوجل- يقول: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} ابدأ بنفسك ثم بعد ذلك أهلك، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} فالبداية دائما بالنفس. وتلك الأيام التي نتكلم عنها عادة مانكون نحن من يوجه فيها الكلام للآخرين؛ فنقول: «ستقبل عليكم أيام العشر من ذي الحجة وهذه الأيام التي أقسم الله -عزوجل- بها في كتابه، وهذه الأيام التي أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن العمل الصالح فيها أحب إلى الله وهي تعد من أعظم الأيام عند الله -عزوجل-، وقد أقسم -سبحانه- بالعشر كلها، ثم أقسم باليوم التاسع، ثم أقسم باليوم العاشر، ثم جاء التشريع بتحريم صيام اليوم العاشر، وحث على الأعمال الصالحة فيها»، وجاء حديث «ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ. قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ -]-: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ»، يقول الراوي سعيد بن جبير: وكان إذا دخل العشر اجتهد اجتهاد مالا يقدر عليه، هذا راوي الحديث، ونحن اليوم نكلم أبناءنا وأهلنا وأحبابنا، سواء كنا دعاة أم طلبة علم أم مشايخ أم علماء، نوجه كلامنا للآخرين، ولكن نقول هل نحن أولاء سنكون مثل سعيد بن جبير عندما نقل الحديث؛ فكان هو المثال العملي للتطبيق لهذا الحديث النبوي لإيمانه بأن هذه الأيام تعد الأعظم عند الله -سبحانه وتعالى. فإذا لم يكن عندنا من اليوم تخطيط لهذه الأيام ماذا سأفعل بها؟ وكيف سأعيش هذه الأيام؟ كيف سأحصل ما أستطيع تحصيله من الأجور في هذه الأيام؟ لأن هذه الأيام قد تدركها وما تستطيع العمل فيها فبعضنا -عافانا الله- يدركها ولا يستطيع العمل فيها، إما لانشغالة أو لعدم قدرته لمرض أو غيره؟ وقد لا يدركها، فيكون فاته العمر وانقطع أجله؛ فانظر ماذا أعددت لها؟ واعلم أن منظومة التخطيط لحسن استغلال مثل تلك المنح الربانية، مهمة جدا لنفسك ولأهلك، إذا استطعت ان توجه الناس وجههم إلى كل خير، ولكن عليك -في المقام الأول- ألا تنسى خاصة نفسك، فلتستعد، ولتجلس مع أسرتك لتقرروا ماذا سنفعل في العشر القادمة؟ إذا كنا من أهل الحج فلله الحمد والمنة، ولنجتهد في أداء المناسك بإحسان، وإن لم نكن من الحجاج ماذا سنفعل؟ عندنا أضحية قادمة، عندنا أيام بها اثنين وخميس، عندنا يوم عرفة صيام، عندنا أعمال صالحة تستوجب ان نخطط لها، لنشعر أنفسنا ومن حولنا بأهمية تلك الأيام، تلك العشر المهمة حتى قال فيها الامام البيهقي: «إنها لاتقل أهمية عن العشر الأواخر في رمضان» بل قال الإمام البيهقي: إن فضل تلك العشر كفضل شهر رمضان العظيم المبارك. نحن نعيش حقيقةً أياما عظيمة وجليلة فلندركها بالتخطيط الجيد لندرك هذا الخير الذي قد لا ندركه في سنوات قادمة، والسعيد من وفقه الله للعمل في هذه الايام المباركة. اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 24-07-2024 الساعة 12:03 AM. |
#26
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – أهمية تدبر آيات القرآن
من المهم جدا أن نتدبر آيات القرآن حتى تكون عندنا حكمة في الأطروحة مع الناس، ونحن -أهل الإسلام عموما وأهل العلم خصوصا- مأمورون بأن ننزل إلى الساحة؛ حتى ندعو الآخرين، وهذه رحمة من الله -سبحانه و-تعالى. والقرآن الكريم هو أعظم رحمة لنا؛ فقد أعطانا المادة العملية التي نستطيع أن نتكلم بها مع الناس في أي موضوع، ومما شغل الناس وكان حديث الساعة هو موضوع الحر والكلام عن الحر، وتجد الناس في هذه الأجواء بين مستهزئ وساخر، وبين متسخط وناقم. قضية إيمانية وأحوال الناس -ولا شك في هذه الأمور- تعود إلى الإيمان؛ لأن الذي قدر هذا هو الرحمن -سبحانه وتعالى- فالموضوع جد خطير، ورحمة من أهل الرحمة على العباد أن يعلموهم ما ينفعهم في أمر دينهم ودنياهم حتى لايخرجوا من الإسلام بكلمة لعلها تفسد على الإنسان حياته الأخروية كلها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الرجلَ لَيتكلَّمُ بالكلمةِ لا يرى بها بأسًا يهوي بها سبعين خريفًا»، فممكن كلمة في هذا الموضوع الخطير وهو موضوع الحر تخرج الإنسان من دائرة الإيمان إلى دائرة الكفر عياذًا بالله. خطورة السخط على قدر الله قد تذهب بنا كلمة في هذا الموضوع الى دائرة السخط على قدر الله عياذا بالله، وكأنه يقول بلسان حاله -عياذا بالله- وكأن الله -تعالى- ما أحسن عندما قدر هذا، وفي هذا اعتراض على قدر الله -عز وجل- والله -عز وجل- يقول: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، والله -سبحانه وتعالى- لايقدر شيء إلا لحكمة ولعلم ولطف. آية عظيمة والأن دعوني انتقل معكم إلى آية عظيمة من سورة النور وهي آية رقم 44 يقول الله -عز وجل-:{يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ}، وقد أجاد الإمام العلامة السعدي -رحمة الله عليه- عندما جمع كلام المفسرين في تلك الآية؛ فيقول -رحمة الله عليه- في قوله -تعالى-: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} أي الحر والبرد، والبرد والحر، يقلب الله -عز وجل- من حر إلى برد، ومن برد إلى حر، ثم قال: ومن ليلٍ إلى نهار، ومن نهارٍ إلى ليل، ثم قال: ويداول الأيام بين عباده {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} أي يقلبها، أنت كنت صغيرا فكبرت، كنت فقيرا فأصبحت غنيا والعكس، كنت سقيما فأصبحت صحيحا والعكس، كنت قويا صرت ضعيفا والعكس، كنت في أمان وصرت في خوف والعكس، «يقلب الله الليل والنهار» فالآية ليست تتكلم فقط عن الليل والنهار، وإنما كل ماتراه من اختلاف الأحوال هو في سياق هذه الآية، هذا التقليب ليس يقتصر فقط على قضية كونها قضية كونية وإنما يريد الله -عز وجل- أن تنتقل بها الى أمر غيبي؛ بحيث تدلك هذه الآية على وجود الله -عز وجل-، وعلى قدرته وقوته، وغِناه -سبحانه-، وعلى مُلكه -عز وجل. إذا هذه المعاني كلها وصلت إليك في حل الغنى والفقر والبرد والحر والصحة والمرض والأمن والخوف، اعرف بأنك الآن وصلت لأعظم قضية وهي: قضية التوحيد ستصل إلى حقيقة معنى لا إله إلا الله، وعند ذلك ستهون عليك الأمور، خوف بعد أمن هذا بتقدير الله -عز وجل- ونأخذ بأسباب الأمن، مرض بعد صحة هذا بتقدير الله -عز وجل- عندي رضا في قلبي وآخد بأسباب الصحة، أنت في فقر بعد غنى ترضى بقدر الله -عز وجل- وتسعى في أسباب الغنى، أنت في كل أحوال حياتك فكما أن الله -عز وجل- عنده وحده القدرة بأن يقلب الليل والنهار، فإنه -سبحانه- قادر على تقليب حياتك من فقر إلى غنى، ومن مرض إلى صحة، ومن خوف إلى أمن، وهكذا يا إخواني في سائر الأمور؛ فالله -سبحانه- قادرٌ على كل شيء؛ فالموضوع ليس نهارا وليلا ولا حرا وبردا فقط. القدرة الإلهية مكة وادٍ غير ذي زرعٍ عند البيت المحرم؛ فمن حيث مفاهيم المناخ لا يوجد فيها شيء أصلا يجعلها مأوى للناس، بل أعطوني تفسيرا، كيف ونحن في عز الصيف في هذا العام وفي موسم الحج تأتي الغيوم لا ندري من أين؟ كيف اجتمعت وكيف أتت؟ جمعها وأتى بها الله -عز وجل- وأمطرت يوم عرفة وفي أيام منى نزل المطر، وسيول صارت كيف لهذا أن يحدث في عز الصيف فجأة؟! شيء عظيم إنها القدرة الإلهية {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}. المشاهد القلبية الله -عز وجل- أراد منا شيئا مهما، أنه كما أن لديك نظرا بصريا يجعلك تدرك الأمور، أن تنقل تلك المشاهدة البصرية إلى مشاهدة قلبية فيكون للقلب بصر مثل بصر العين فترى الأمور بعين بصيرتك، وتحكم هذا معتقد صحيح، وهذا معتقد باطل، وتزن الأمور بميزان الشرع، وتميز مايرضي الله عما لا يرضيه، وننتقل بالأمر من قضية حسية كونية إلى قضية إيمانية قلبية، من بصر إلى بصيرة، ومن عين إلى عقل وقلب. حاجة الناس إلى التوجيه فاليوم الناس تحتاج منك تغريدة أو مقالة أو كلمة في ديوانية، تنقلهم من هذه الدنيا ومن هذا الموضوع الحسي إلى الموضوع المعنوي، من الموضوع الواقعي إلى الموضوع الغيبي، من قضية مناخية إلى قضية عقائدية، ففي هذا الحر الشديد الله -عز وجل- قادر على أن يجمع غيوما وينزل أمطارا، وأن يُخفض درجات الحرارة بأكملها علما بأن الله -عز وجل- لا يقضي أمرا إلا له فيه حكمة بالغة ولطف لا نعلمه، وانظر لموضوع الحر مع أولادك وأسرتك بعين البصيرة، واشرح لهم بعين الحر والإيمان، وعين الحر والعقيدة، قدرة الله -عز وجل- في الخلق وتكلم عن هذه الآية الصغيرة التي هي في الحقيقة جزء من آية ولكن فيها الخير العظيم. حاجة القلب إلى تدبُّر القرآن القلب فيه وحشة لا تُزال إلاَّ بالأنس بكتاب الله -تعالى-، والتَّأمُّل في آياته، وفيه قلق وخوف لا يؤمِّنه إلاَّ السُّكون إلى ما بشَّر الله -تعالى- به عباده، وفيه فاقة لا يغنيها إلاَّ التَّزوُّد من حِكَمِ القرآن ومواعظه وعبره، وفيه حيرة واضطراب لا ينجيه منها إلاَّ الاعتصام بكتاب الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (يونس: 57-58)، والأصل أنَّ قلوب المؤمنين وجلودَهم تخشع وتخضع وترقُّ وتسكن وتطمئنُّ عند ذكر الله -تعالى-: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (الزمر: 23)، فمَنْ أراد أن يخشع قلبه، وينشرح صدره، فلا غنى له عن التَّفكُّر والتَّمعُّن في الآيات الكريمات، ولا يكن همُّه - إذا افتتح السُّورة - أن يقول في نفسه: متى أختمها. قال الآجرِّي -رحمه الله-: «فالمؤمن العاقل إذا تلا القرآن استعرض القرآن، فكان كالمرآة يرى بها ما حَسُن من فعله وما قَبُحَ فيه، فما حذَّره مولاه حَذَره، وما خوَّفه به من عقابه خافه، وما رغَّب فيه مولاه رَغِبَ فيه ورجاه، فمن كانت هذه صفته، أو ما قارب هذه الصِّفة فقد تلاه حقَّ تلاوته، ورعاه حقَّ رعايته، وكان له القرآن شاهدًا وشفيعًا وأنيسًا وحِرْزًا، ومن كان هذا وَصْفَه نفع نفسه ونفع أهله، وعاد على والديه وعلى ولده كلُّ خيرٍ في الدُّنيا والآخرة»، فقراءة القرآن بالتَّفكُّر هي أصل صلاح القلب واستقامته، ولا شيء أنفع للعبد في معاشه وأقرب إلى نجاته في معاده من تدبُّر القرآن العظيم. اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 07-08-2024 الساعة 10:29 AM. |
#27
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – دبَّ إليكُم داءُ الأمَمِ قبلَكم
استنفر العالم قبل مدة من أجل مرض كورونا، وجاءت منظمة الصحة العالمية لتضع بروتوكولا عالميا للعلاج وللوقاية من هذا المرض، والسؤال إذا مات الإنسان من مرض وهو على الإيمان والإحسان إلى أين يذهب؟ بإذن الله إلى جنة الله -سبحانه وتعالى-، ولكن هناك مرض عضال لم تتكلم عنه منظمة الصحة العالمية، ولا الأمم المتحدة تداعت له، ولا نرى حديثًا عنه في الإعلام ولا تجمعت له الدنيا مع أنه داء عضال، وقد ينتهي هذا الداء بموت قلب الإنسان ومشكلة هذا الداء أنه يذهب بدين الإنسان، وإذا ذهب دين الإنسان فإنه يخسر الدنيا والآخرة وهذا هو الخسران المبين، نسأل الله العفو والعافية. إخواني، دعونا نذهب معًا الى هذا الحديث الذي قد رواه الترمذي في سننه وصححه الشيخ الألباني وهو حديثٌ حسن -وهي رتبة من رتب الأحاديث الصحيحة- والحديث يرويه الزبير بن العوام - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دبَّ إليكُم داءُ الأمَمِ قبلَكم الحسَدُ، والبغضاءُ هيَ الحالِقَةُ، لا أقولُ تحلِقُ الشَّعَرَ ولكن تحلِقُ الدِّينَ، والَّذي نفسي بيدِهِ لا تدخُلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمِنوا، ولا تؤمِنوا حتَّى تحابُّوا، أفلا أنبِّئُكُم بما يثبِّتُ ذاكُم لكم؟ أفشوا السَّلامَ بينكُم». تخيل معي: دب، أي موجود بالفعل، ها هو ذا قد وصل، معناها لابد من أخذ الحيطة والحذر، ولم يقل - صلى الله عليه وسلم - (سَيَدُّب) وإنما (دَبَّ) أي هو موجود بالفعل، نسأل الله السلامة. داءٌ خطره عظيم وكما يقولون المرض كان حالات ثم أصبح ظاهرة، وعندما يكون في طور الحالات فهي نسب ضيئلة لا تُذكر، إنما عندما يصل المرض لطور الظاهرة فيكون عندئذ ذا نسب كبيرة وعالية قد تكون 20% و30% وقد تكون أكبر من ذلك، معناها شيء عظيم (دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم) ماهو يارسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟ قال: «الحسد والبغضاء»، فعلينا ألا نستهين بهذا الداء الخطير؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد جاءه وحي من السماء من عند ربه -جل وعلا- من فوق سبع سماوات: يا محمد هناك داء الأمم قبلكم قد جاءكم، ومعناها أنه ينتشر ويزيد، ما هو؟ قال: «الحسد والبغضاء». حقيقة الحسد الحسد: هو أن تتمنى زوال النعمة التي جاءت لأخيك من عند الله -سبحانه وتعالى-، وبعض الناس ينظرون إلى الحسد من منظور ضيق: وهو أن الحسد محصور في أنَّ الفقراء يحسدون الأغنياء. هذا ليس بصحيح، وإنما ترى في الحقيقة بعض الأغنياء يحسدون الفقراء، كيف؟ وعلى ماذا؟ الغني عنده قصور وعنده سيارات وعنده أموال وعنده مزارع وعنده شاليهات إلخ، كيف له أن يحسد الفقير؟! قد يحسده على صحته، قد يحسده على جماله، وغيره من أمور الدنيا التي قد ينعم الله بها على الفقير. مصدر الحسد واحد الحسد ليس له علاقة بأني أنا أحسن منك شهادة ولا غنى ولا منصبا ولا نسبا ولا حسبا، ممكن هذا الذي نراه بمنزلةٍ عالية يتوجه بالحسد لمن هو أقل منه، والعكس بالعكس، لماذا؟ وما السر إذًا؟ السر أن مصدر الحسد واحد، ومن الذي يشعل الحسد في قلوب الناس؟ إنما هو الشيطان فما يفرق معه من يحسد من؟ غني يحسد فقيرا، أم فقير يحسد غنيا ليست مشكلة، صحيح لمريض أو مريض لصحيح ليست مشكلة، جميل (لدميم) أو (دميم) لجميل لا مشكلة، تخيلوا إخواني الكرام: مريض ويحسدونه؟! وهذا الذي جعلني أقول هذه الكلمة. كيف مريض ومحسود، يقولون: ألا تعجب فأولاده حوله، وهو مريض منذ عشر سنوات، وأولاده كلهم حوله طوال اليوم على مدار 24 ساعة! أعوذ بالله، رجل مريض على الفراش ومحسود!، رجل لايقدر أن يقوم بنفسه، ولولا الله -عزوجل- ثم التربية التي تربى عليها أولاده -بارك الله فيهم- لعانى الكثير، وهم بجواره يؤدون واجبا عظيما تجاه أبيهم، والناس تحسد المريض على أولاده الذين يخدمونه! تخيل أخي في الله! وأنت الحمد لله تمشي على رجليك، تذهب وتجلس وتشرب وتأكل وتسافر وتقضي مصالحك وتسوي رياضة، وهو يلازم فراشة من المرض، ثم وهو في هذه الحال تجده محسودا! من هنا فإن الحسد ليس له منظور معين لنقول هذا حسد، وانما الحسد يأتي لأي انسان بأي صفة وبأي طريقة، متى يأتيك؟ إنه يأتيك عندما يضعف إيمانك، ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم. نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن البغضاء وكذلك (البغضاء) عندما يصير في قلبك كره وبغضاء لإنسان إما يكون مصدره الحسد، وإما أن يكون هناك شيء شخصي، ليس حسد وإنما كره؛ لذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن (البغضاء)، فلا يكره المؤمن المؤمن، بل حتى النبي - صلى الله عليه وسلم - في العلاقات الزوجية قال «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ، أَوْ قالَ: غَيْرَهُ» انظر لتلك المعادلة الشرعية التي لا يقولها أي أحد، لا يقولها إلا وحي، ولا تأتي إلا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم . البغضاء هي الحالقة و(البغضاء) هي الحالقة، «تحلق الدين»، «لأنها تأتي بالبغي» (أي الحسد والبغضاء والظلم) وقال: «ثم الهرج» من كثرة مايحسده قتله، ومن كثرة مايبغضه أذاه وتسلَّط عليه، والمؤمن كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه»، تخيل أنه ما يجُرَك على أن تجَرِّئ لسانك على فلان وأن تُجَرِّئ يدك على فلان إلا الحسد والبغضاء. حالقة الدين النبي - صلى الله عليه وسلم - أشار إليه وقال: «لا أقول حالقة الشعر (أي: الحسد والبغضاء) وإنما حالقة الدين»، تخيل انت تصوم رمضان وتزكي وتصلي وتذهب للعمره والحج، وتقرأ القرآن من المصحف، وتصلي السنن وتحافظ على الصلوات، وتبر والديك وتبر أرحامك، ولكن عندك حسد وبغضاء يحلق دينك تماما، الله أكبر يوم القيامة يقول لقد صليت وصمت وزكيت وفعلت كذا وكذا فيقال لك: حسدك هذا أذهب عليك سنوات من الأعمال الصالحة والبغضاء التي كانت في قلبك تجاه فلان أذهبت أعمالا صالحة أخرى، فأين أعمالك؟ مرض خطير وفتاك إخواني ترون هذا مرض خطير وفتاك، قد يقف المرء أمام ربه -جل وعلا- ليس عنده حسنات ولا أجر، ثم لم يقف النبي - صلى الله عليه وسلم - عند هذا الحد وإنما قال: «والَّذي نفسي بيدِه لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا، أولا أدلُّكم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحاببتُم؟ أفشوا السَّلامَ بينَكم» إفشاء السلام مع ابتسامة مع المصافحة تخفف الغل والحسد الذي بقلبك، ومعها ثانية ومعها ثالثه حتى يزول بإذن الله. التحصين بالإيمان فكما هو التطعيم ضد وباء كورونا جرعات جرعة أولى وجرعة ثانية وجرعة ثالثة بعدها الأمور تهدأ وتستقر، نقول هنا: إن لهذا الداء الخطير وهو الحسد والبغضاء يكون تطعيمك بالإيمان ومن الإيمان أن تسلم على من لقيته، وإن سلمت فإن ذلك يخفف الحسد والحقد في قلبك، وستصل -بإذن الله- للشفاء من هذا المرض وتميت الشيطان وتطفئ ناره لتصل إلى سلم المؤمنين الموصل -بإذن الله- إلى رضوان الله -عزوجل. اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 13-08-2024 الساعة 06:41 PM. |
#28
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – الفرقة تنزع البركة والاختلاف يزيل الخير جاء الإسلام بالدعوة إلى الألفة والمحبة وحذر من كل أسباب القطيعة والفرقة ولا شك أن الفرقة تنزع البركة والاختلاف يزيل الخير حسن الخلق من أجل العبادات وأعظمها وجماعها كما قال أحد السلف هو بذل الندى وكف الأذى والصبر على أذى الناس المراء هو الجدال والأصل فيه الذم إلا ما كان من إحقاق حق وإبطال باطل لكن في غالب حياة الناس أنه يفرق بينهم ويفسد ذات بينهم جاء الإسلام بالدعوة الى الألفة والمحبة وحذر من كل أسباب القطيعة والفرقة، ولا شك أن الفرقة تنزع البركة والاختلاف يزيل الخير، فقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات مرة خرج على أصحابه لأنه أراد أن يخبرهم بموعد ليلة القدر، فتلاحى اثنان؛ فرفعت هذه الليلة؛ فحرم المسلمون بسبب هذا التنازع والاختلاف من بيان هذه الليلة، وقد جاءت أحاديث كثيرة ترغب في الألفة والمحبة بين الناس، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والَّذي نفسي بيدِه لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا، أولا أدلُّكم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحاببتُم؟ أفشوا السَّلامَ بينَكم» وحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا يحلُّ لمسلمٍ أنْ يهجُرَ أخاهُ فوق ثلاثٍ، يلتقيانِ فيصُدُّ هذا ويصُدُّ هذا وخيرُهما الذي يبدأُ بالسلامِ». وفي هذا الحديث الذي سنذكره يقول - صلى الله عليه وسلم - كما هو في سنن أبي داود من حديث أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - يقول - صلى الله عليه وسلم -: «أنا زعيمٌ ببيتِ في رَبَضِ الجنةِ لمَن تَرَكَ المِراءَ وإن كان مُحِقًّا، وببيتِ في وسطِ الجنةِ لمَن تركَ الكذبَ وإن كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنةِ لمَن حَسُنَ خُلُقُه»، وزعيم أي ضامن ببيت الذي يحوز عليه المرء وهو القصر بربض الجنة أي أدناها. الجدال هو المراء والأصل فيه الذم والمراء هو الجدال والأصل فيه الذم إلا ما كان من إحقاق حق وإبطال باطل، لكن في غالب حياة الناس أنه يفرق بينهم فهو مدعاةٌ للفرقه إلا إذا صلُحت النوايا وكان عن علمٍ ونيةٍ طيبة، البيوت تفرقت والسبب جدالات ونقاشات ليس لها فائدة، والإخوة تفرقوا وتنازعوا؛ والسبب نقاشات ليس من ورائها طائلة، الموظفون يختلفون ويتقاطعون ويتدابرون والسبب نقاش عقيم ليس له فائدة، في هذا الحديث النبي يحدث بأنه زعيم بيت بربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، أي حتى وإن كنت على حق أنت تعتقد نفسك أنك تناقش وأنت محق فلا تزد النقاش إن كان المقابل لايريد الفائدة؛ فهذا الاستمرار يوقعك في الإثم؛ فبعض الناس -إخواني الكرام- في أثناء النقاش لا يفكر في كلامك، وإنما يأتيه الشيطان ليجعله يفكر في الرد. الشافعي -رحمه الله- يقول: «ما ناظرت رجلا الا ودعوت الله أن يُجري الحق على لسانه» فهو يريد الحق والفائدة نيته طيبة ولكن بعض الناس -إخواني الكرام- ما يريده هو المغالبة، فتراه لايريد الوصول إلى الحق؛ فالجدال إن كان بلا فائدة وكان لمجرد الجدال فهو مذموم قال -تعالى-: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}. كثرة الجدال مذموم وقد ذم السلف الشخص الذي ديدنه الجدال، قال - صلى الله عليه وسلم - «ما ضَلَّ قومٌ بعدَ هُدًى كانوا عليهِ إلَّا أوتوا الجدَلَ، ثمَّ تلا رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هذهِ الآيةَ {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}، فكثرة الجدال مذموم بل لابد للإنسان أن يتقي الله -عزوجل-، وإذا أراد أن يجادل أخا له في الله فليجادله بأدب واحترام، وإذا شعر أن الجدال وصل إلى طريق لا فائدة منه يقطع الجدال ويحتسب الأجر بأن ينال الأجر من الله -سبحانه وتعالى- على ترك الجدال، أما الاستمرار بالجدال لتنتصر فهذا باطل، وهذا ليس به خُلُقٌ حسن. من أعظم الأخلاق التي حثنا عليها النبي - صلى الله عليه وسلم هذا من أعظم الأخلاق التي حثنا عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنا زعيم بيتٍ بربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا» حتى مع إخوانك في البيت، فأحيانا تجد أبناءك يتجادلون جدالا عقيما في موضوع لايقربهم إلى الله -عزوجل-، وقد لايفقهون شيئا فيستمر الجدال وتقسو القلوب خصوصًا إن كان في أمور السياسة وأمور واقع الناس، فزعيم بيتٍ أي ضامنٍ لقصر في أدنى الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، احتسب الأجر دائما في أي حوارات بينك وبين أي أحد مع زوجتك أو صديقك او زميل دراسة أو عمل أو حتى لو مع كافر فالله -عزوجل- يقول: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا}. الأمر بترك الكذب ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: «وأنا زعيم بيتٍ بوسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا»، إخواني الكرام، ترى الكذب الأن ينتشر باسم المزاح، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمازح أصحابه ولكن لا يقول الا حقًا، وأذكر في هذا المقام الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في الحرم وأنا حاضر كان يقوم بإلقاء درس فقال في وسط الدرس سؤالا وقال من أجاب هذا السؤال له جائزة عندي، فقام أحدهم وسأله الشيخ وأجاب هذا الرجل ثم جلس وأكمل الشيخ إلقاء الدرس، وفي الأسئلة اُرسلت ورقة للشيخ سائل يسأل فقرأها الشيخ ثم قال هذا سائل يسأل: ياشيخ أنت وعدتني بجائزة ولا أظنك تكذب مازحًا والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الكذب بالمزاح، فرد عليه الشيخ قال: نعم وأنا لا أكذب مازحًا ووعدتك بالجائزة وسأعطيك الجائزة الأن من الذي أجاب فقال أحدهم نعم، فقال خذ وقال له جائزتك أن ندعو لك الآن، اطلب ما الذي تريد أن ندعو لك الآن والناس يؤمنون؟ فقال ياشيخ أنا ما تزوجت، ادع لي بزوجة صالحة، وهذا أمامي فرفع الشيخ يده ودعا له بالزوجة الصالحة والناس تؤمن. التساهل في الكذب فالكذب في المزاح لا داعي له، فمن يتساهل في الكذب في المزاح يقع منه الكذب في الجد، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:» لايزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، ولايزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا» فالأصل في المسلم أنه يتحرى الصدق، لايصدق فقط بل يتحرى الصدق، والكذب يتجنبه، فهذا هو الأصل حتى وإن كان الكذب المزاح نحرص أن ننتقي كلماتنا في المزاح إلا أن تكون صدقا. الأمر بحسن الخلق ثم يكمل - صلى الله عليه وسلم - ويقول:» وأنا زعيم بيت بأعلى الجنة لمن حسن خلقه»، الأخلاق أيها الأحبة درجة عالية جدا لاينالها أي أحد، فهناك دول دخلت الإسلام بأخلاق التجار، إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم، فحسن الخلق -عباد الله- من أجل العبادات وأعظمها ، تعبد الله بأن تحسن خلقك مع الناس «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين»، وأشياء كثيرة منها السماحة في البيع والشراء، والابتسامة في وجه أخيك صدقة، وجماع حسن الخلق -أيها الأحبة كما قال أحد السلف- هو «بذل الندى، وكف الأذى، والصبر على أذى الناس». اعداد: الشيخ: أحمد قبلان العازمي
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 13-08-2024 الساعة 06:42 PM. |
#29
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – حقيقة المنهج السلفي
عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا استفتح صلاته بالليل يقول: «اللَّهمَّ ربَّ جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ فاطرَ السَّمواتِ والأرضِ عالِمَ الغيبِ والشَّهادةِ، أنتَ تحكُمُ بينَ عبادِكَ فيما كانوا فيهِ يختلِفونَ، اهدِني لما اختُلِفَ فيهِ منَ الحقِّ بإذنِكَ؛ إنَّكَ تهدي من تشاءُ إلى صِراطٍ مستقيمٍ» فدائما الإنسان يسأل الله الهداية، ولا سيما في هذا العصر الذي اختلط فيه الحق والباطل، ونالت فيه السلفية التي هي أصل الإسلام بنقائه وصفائه كثير من التشويه. لذلك كان لابد من الوقوف على معنى السلفية وحقيقة المنهج السلفي الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فالسلفية هي الإسلام النقي، هي مصدر التلقي والعمل، قال الله -تعالى-: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ}، والله -عزوجل- يقول: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}. اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم السلفية إذًا تعني اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «افترقتِ اليهودُ على إحدَى وسبعينَ فرقةً، وافترقتِ النصارَى على اثنتَينِ وسبعينَ فرقةً، وستفترقُ هذه الأمةُ على ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً كلُّها في النارِ إلا واحدةً، قيل: من هي يا رسولَ اللهِ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: مَن كان على مِثلِ ما أنا عليه وأصحابِي»، إذًا الدعوة السلفية هي ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة الكرام، ومن تبعهم بإحسان. منهج يُجَمِّع لا يُفرِّق إن منهج الدعوة السلفية هو منهج يُجَمِّع لا يُفرِّق، وإن كان سيُفرّق فهو يُفرّق بين الحق والباطل، كما هو حال الإسلام لما بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالت عنه قريش: إنه فرَّق بين الابن وأبيه، والابن وأمه، والزوج وزوجه، هكذا الاسلام يُفرّق بين الحق والباطل، الدعوة السلفية كذلك تُفرّق بين الحق والباطل، هذا هو المنهج السلفي نقي يُنقّي الإسلام من الدخائل عليه والشوائب التي دخلته وشوهته. البدع تشوه نقاء الإسلام البدع هي التي تشوه الإسلام ونقاءه، وهي التي تحرف المسلمين وتُفرّقهم، أما المنهج السلفي هو الذي يُجمّعهم وهو الذي يُؤلف بين قلوبهم، وفي واقعنا المعاصر كان المسلمون إلى عهد قريب بل يُقال: إلى أنه امتد هذا المُنكَر قرونا، وهو أن المذاهب في بيت الله الحرام كل مذهب كان يصلي منفردًا، يقولون كان الأحناف يصلون عند الميزاب، تقام لهم الصلاة لحالهم، وأول شيء يبدأ الشافعية ومكانهم خلف المقام يصلون، فإذا انتهوا صلى الأحناف، ثم إذا انتهوا يصلي بعدهم المالكية في مكان الركن اليماني، ثم بعد المالكية الحنابلة يصلون بين الركن اليماني والحجر الأسود، هكذا كان المسلمون عقودا يصلون! يجتمعون فقط في صلاة المغرب ليسوا مع بعض على إمامٍ واحد، لا، ولكن متفرقون لاينتظر أحدهم الآخر لينتهي من الصلاة، وإنما يصلون المغرب في وقتٍ واحد فيحصل التشويش والغبش والسهو وهكذا، بل وصل الأمر أن بعضهم كان لا يُزوّج منتسبي المذاهب الأخرى بسبب الخلاف والفرقة، حتى يسَّر الله -عزوجل- بالإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- الذي غير هذا الأمر، وأصبحوا يجتمعون على إمامٍ واحد، ثم رجعوا مرة أخرى لهذا التفرق بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، ثم بفضل الله -عزوجل- ثم بفضل الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أعاد هذا التجمع وجعل الناس يصلون على إمام واحد. السلفية تجمع الناس على الحق الدعوة السلفية تجمع المسلمين ولكن على الحق وليس على الباطل، هكذا أيها الأحبَّه يجب أن ننتبه، الدعوة السلفية ليست نابتة خارجة عن منظومة علماء الإسلام بل الأئمة الأربعة من علماء الدعوة السلفية لذلك أهل البدع لا يذكرون بدعهم على أن الأئمة الأربعة من علمائهم، بل يجعلونهم علماء فقه وهكذا لكن لا يتبعونهم في العقيدة. كيف فهم الصحابة الإسلام؟ أصحاب المنهج السلفي فهموه كما فهمه الصحابة -رضوان الله عليهم-؛ لذلك الدعوة السلفية تركز على أمور من أهمها التوحيد الذي هو لُب الإسلام الذي قاتل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - الكفار، «شهادة ألا إله الا الله»، فالشرك لا يحاربه ولا يحذر منه إلا الدعوة السلفية في العالم الإسلامي كله، هم الذين يحذرون الناس من الشرك. إثبات صفات الله -عزوجل كذلك ينبهون الناس ويدعونهم إلى قراءة القرآن وإثبات صفات الله -عزوجل- كما جاءت، الصحابة كانوا يقرؤون القرآن، ويقول لهم الله -عزوجل-: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ}، يقرؤون قول الله -عزوجل-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، ويقرؤون قول الله -عزوجل-: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}، ويقرؤون قول الله -عزوجل-: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، ويقرؤون قول الله -عزوجل-: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ}، ويقرؤون آيات الصفات، وهكذا يفهمون معانيها بما يفهمه العرب ويمرونها كما جاءت بلا تكييف ولا تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل. المخرج مما نراه من الاختلافات والفتن والنبي - صلى الله عليه وسلم - كما يقول ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: « خط لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطا مستقيمًا، وخط على جنبي هذا الخط خطوطا معوجة، ثم تلا قول الله -عزوجل-:{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، لذا فاتباع الصراط المستقيم، واتباع ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة -رضوان الله عليهم- هذا هو المخرج مما نراه الآن من اختلافات وفتن. وقفات مع اسم الله العزيز العزيز لغة: يدور حول ثلاثة معانٍ: القوة والشدة والغلبة، منه قول الله -تعالى-: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} (ص/23) يعني غلبني فيه، وقوله: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} (يس/14) أي فقوينا وشددنا بثالث، (وعز الشيء) إذا قل أو ندر فهو شيء عزيز أي أصبح نادرًا، لذلك هذه صفة اختص الله بها نفسه فلا يشاركه فيها أحد؛ لذلك قال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون/8) استأثر بالعزة نفسه هو -سبحانه وتعالى- فله الغلبة وله القوة وله البأس -سبحانه وتعالى-، وإذا علم العبد أن الله هو العزيز الذي لا يُغلب ولا يقهر، يتولد في نفسه ثقة كبيرة بالله -سبحانه وتعالى-؛ فهو عبد العزيز الذي لا يغلب ولا يقهر، ومن معاني اسم الله العزيز واتصافه بالعزة أنه لا يخذل أحدًا ارتمى بجنابه والعكس صحيح، إذا ارتميت أنت على أبواب خلقه ذُللت ولابد لأنه لا يصح أن تتعزز بغيره؛ ولذلك قالوا أبى الله إلا أن يذل من عصاه، فإذا خالفت أمره وحِدْتَ عن طريقه ذللت وما كانت لك العزة، وإذا أردنا أن نبحث عن أسباب ذل المسلمين اليوم فعلينا البحث حول هذا المعنى، فلقد فقد المسلمون أهم ما ينبغي أن يتقووا به، ألا وهو: الثقة بالله -سبحانه وتعالى- والتعزز به. اعداد: الشيخ: أحمد قبلان العازمي
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 20-08-2024 الساعة 04:03 PM. |
#30
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – إنَّهما يُعذَّبانِ بغَيرِ كَبيرٍ
عن أبي بكرة نفيع بن الحارث قال: «بَينَما النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَمشي بَيني وبَينَ رَجُلٍ آخَرَ؛ إذْ أتى على قَبرَيْنِ، فقال: إنَّ صاحِبَيْ هذَيْنِ القَبرَيْنِ يُعذَّبانِ؛ فَأْتِياني بجَريدةٍ، قال أبو بَكرةَ: فاستَبَقتُ أنا وصاحِبي فأتَيتُه بجَريدةٍ فشَقَّها نِصفَيْنِ، فوَضَعَ في هذا القَبرِ واحِدةً، وفي ذا القَبرِ واحِدةً، قال: لَعَلَّه يُخَفَّفُ عنهما ما دامَتا رَطْبتَيْنِ، إنَّهما يُعذَّبانِ بغَيرِ كَبيرٍ، الغِيبةِ والبَولِ»، وأبو بكرة الثقفي - رضي الله عنه - هو: «نُفَيع بن الحارث، وقيل نُفَيع بن مسروح» وسُمي أبو بكرة؛ لأنه نزل من الحصن يوم حاصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثقيف على بكرة، فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكرة، واشتهر باسمه أبو بكرة الثقفي. يقول: « كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آخذٌ بيدي» وهنا نجد الرواية تعطينا وصفًا دقيقا لحال النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الصحابي - رضي الله عنه -، وهذا له معان عديدة، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصا عندما يمشي معه أحد أن يمسك يده، لماذا؟ إمساك اليد له معنى، إما هو إبداء للمودة والمحبة، أو دليل على القرب، الشيء الثالث عندما تريد أن ينتبه من معك لبعض الكلمات بأن تضغط على يده في محل تلك الكلمات كي ينتبه لها. هذا حديث عظيم فيه وعيد وتهديد، وعذاب شديد لمن تعدى حدود الله في الطهارة والصلاة، أو تعدى على عباد الله بالنميمة والأذى، وقد اشتمل هذا الحديث على إشارات مفيدة وفوائد عديدة. الفائدة الأولى: إِثْبَات عَذَاب الْقَبْر وقد دل الحديث على أن عذاب القبر ليس خاصا بالكفار، بل قد يعذب به المسلم كما في هذا الحديث، فهذان الرجلان مسلمان، كما يدل عليه سياق الحديث. الفائدة الثانية: التَّحْذِير مِنْ مُلَابَسَة الْبَوْل الْبَدَن وَالثَّوْب وفي الحديث التَّحْذِير مِنْ مُلَابَسَة الْبَوْل أو النجاسة بالْبَدَن وَالثَّوْب، ووُجُوب إِزَالَة النَّجَاسَة ولو لم يرد الإنسان الصلاة؛ ولهذا قال العلماء: يستحب لمن أراد البول أن يطلب الموضع اللين الطاهر الذي يأمن فيه من تطاير البول على ثوبه وأسفلِ بدنه، وقد جاء الحديث بثلاثة ألفاظ: الأولى «لا يستتر من بوله» والثانية: «لا يستنزه من بوله» والثالثة: «لا يستبرئ». أما رواية «لا يستتر من بوله» فقال بعض العلماء: إنه يكشف عورته عند بوله، ولا يجعل لنفسه سترًا دون نظر الناس، وقال آخرون: لا، بل المعنى إنه لا يستتر ويتوقى من رشاش البول، وهذا يتفق مع الرواية الثانية «لا يستنزه» أي لا يتوقى من البول. وأما رواية «لا يستبرئ» فتدل على زيادة التوقي، وفيها معنى آخر وهو أنه يبول ثم يقوم مباشرة قبل التأكد من انقطاع البول، وهذه العجلة تفضي إلى بقاء شيء من البول وخروجه بعد ذلك مما يؤدي إلى ملابسة النجاسة ونقض الوضوء بسبب تفريطه وتهاونه. إذًا، على الإنسان أن يتوقى من النجاسات، ويبادر إلى إزالتها، ومع هذا نقول: يجب ألا يصل الأمر بالإنسان إلى الوسوسة، بل عليه أن يفعل الواجب ولا يلتفت إلى الاحتمالات. كيف لا تهتم؟ فكيف لا يهتم المرء بهذا الأمر وهو مقبل على الصلاة، وكيف لا يهتم وقد جعل الله -عزوجل- الطهارة واجبة على المسلم في جسده وثوبه وفي مكانه، وكيف يهمل هذا الأمر وهو سيقف أمام الله -سبحانه وتعالى-، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبس الطاهر ويطهر بدنه ويهيئ مكانه للصلاة أمام الله -عزوجل-؛ لذا كان هذا الإهمال يسبب للعبد عقوبة، قال - صلى الله عليه وسلم - «الطهور شطر الإيمان»، تخيل ذلك الإيمان الذي هو بضعٌ وسبعون شعبة شطرها أجر وحسنات ومنزلة كان في قضايا الطهارة، لكن أيضا لا توسوس فيها. الفائدة الثالثة: التحذير من النميمة وآفات اللسان قال - صلى الله عليه وسلم - في الآخر الذي يعذب في قبره: «وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة»، والنميمة: نقل الكلام بين الناس على وجه الإفساد، وهي كبيرة من كبائر الذنوب، تفرق بين المسلمين وتوقع البغضاء بين المتحابين. النمام أفاك أثيم، ينقل الحديث إليك؛ لكي يفسد قلبك على إخوانك، فالله يجمع بين عباده ويؤلف بين قلوبهم، والنمام يفرّق ويفسد؛ ولهذا أخبر الله أن النمامين فيهم المهانة والكذب والفجور {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} (القلم:10-12) وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخل الجنة نمام» قال بعض العلماء: إنه لا يوفق لحسن الخاتمة والعياذ بالله. أشد النميمة وأشد النميمة ما يكون بين الأقارب والأرحام، فقد يبتلى الرجل بابن نمام يفسد قلبه على إخوانه، وقل مثل ذلك في الزوجة والأب والأم، فيفسد الأب ابنه على زوجته فيقول: زوجتك تفعل كذا وكذا، وتفسد الأم ابنتها على زوجها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله من خبب امرأة على زوجها». ألا يخشى النمام عذاب القبر؟ ألا يخشى النمام أن يعذبه الله في قبره، كما جاء في هذا الحديث؟ بل نقول -يا عباد الله-، ألا نتقي الله في ألسنتنا؟ فإن هذا الحديث ليس خاصًّا بالنميمة، بل يشمل آفات اللسان من الغيبة والفحش والبذاءة وغيرها، ودليل ذلك ما جاء في رواية لابن حبان وصححها الألباني: قال - صلى الله عليه وسلم -: «كان أحدهما لا يستنزه من البول، وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه ويمشي بينهم بالنميمة» وعند أحمد والطبراني بسند حسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى على قبر يعذب صاحبه فقال:» إن هذا كان يأكل لحوم الناس» يعني الغيبة. الفائدة الرابعة: التحذير من صغائر الذنوب التحذير من صغائر الذنوب، وأنها قد تكون سببًا للعقوبة، ولا سيما مع الاستمرار، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِير، ثُمَّ قَالَ: بَلَى، إنه لكبير». قال بعض العلماء: لَيْسَ بِكَبِيرٍ فِي اِعْتِقَادهمَا أَوْ فِي اِعْتِقَاد الناس، وَهُوَ عِنْد اللَّه كَبِير، كَقَوْلِهِ -تَعَالَى- {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (النور:15)، ويدل على هذا رواية ابن حبان، قال: كنا نمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمررنا على قبرين، فقام فقمنا معه، فجعل لونه يتغير حتى رَعِد كُمُّ قميصه، فقلنا: ما لك يا رسول الله؟ فقال: أما تستمعون ما أسمع؟ فقلنا وما ذاك يا نبي الله؟ قال هذان رجلان يعذبان في قبورهما عذابًا شديدًا في ذنب هين، قلنا: فيم ذاك؟ قال: كان أحدهما لا يستنزه من البول، وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه ويمشي بينهم بالنميمة. وقِيلَ: لَيْسَ بِكَبِيرٍ تركه عليهما؛ أي: أنه لَا يَشُقّ عَلَيْهِمَا الِاحْتِرَاز مِنه، وَقِيلَ لَيْسَ بِكَبِيرٍ بِمُجَرَّدِهِ وَإِنَّمَا صَارَ كَبِيرًا بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ، ويدل على هذا أنه عبر في الحديث بالفعل المضارع بَعْد حَرْف كَانَ، مما يفيد أن الاستمرار على الذنب وإن كان صغيرًا يعرض المرء للعذاب العظيم.اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |