معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4677 - عددالزوار : 1449544 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4229 - عددالزوار : 951984 )           »          رَفَوْنِي وقالُوا لا تُرَعْ يا ابْنَ صامِتٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 329 - عددالزوار : 116301 )           »          حقوق الطفل في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 72 )           »          الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 76 )           »          توثيق الحجج الوقفية وحماية أصولها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 71 )           »          السنن الإلهية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 21 - عددالزوار : 12357 )           »          خواطر الكلمة الطيبة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 39 - عددالزوار : 12577 )           »          قصص من التاريخ الإسلامي للأطفال كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 160 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 27-04-2024, 07:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,363
الدولة : Egypt
افتراضي رد: معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد

معارج البيان القرآني (11)
( مقامات البيان)
عبد الله الهتاري


إنه البيان المحكم البديع، يضع مقاييس البيان وفق مقامات الكلام بدقة محكمة في منتهى الإحكام ..!

تستوقفنا آيتان ورد السؤال عنهما فكان هذا البيان ..

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [سورة البقرة 264]

(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا) (سورة النساء 38)

نلاحظ في سورة البقرة (ولا يؤمن بالله واليوم الآخر)، في حين ورد في النساء، (ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) بإضافة (لا) و حرف الجر الباء ..

فما سر التغاير في النظم مع أن الآيتين تتحدثان عن الرياء في الإنفاق ؟!

وهنا تبرز الدقة والإحكام في مقاييس الكلام؛ ممايثير ذلك دهشة المتلقين لهذا البيان، ويستوقف أرباب البلاغة وأساطين الفصاحة! وذلك من مظاهر تميزه وإعجازه،

إذ لايتفطن البيان البشري في كل مقاماته إلى الدقة والإحكام في اختيارات أسلوبه، وانتقاء عباراته، وسبك ألفاظه، على هذا النحو العجيب الفريد الذي انماز به نظم القرآن!

ورب البيان لو استوت في النظم الآيتان؛ لاهتز عرش البلاغة، واختل الميزان!

ذلك أن الآية الأولى هي في الكافر، الذي لا يبتغي بنفقته وجه الله وإنما الرياء والسمعة ..فلم يحتج السياق إلى مزيد توكيد بتكرار اللام والباء؛ لأن الكافر يجاهر بعدم إيمانه بالله واليوم الآخر.

وأما الثانية فهي في المنافقين الذين يظهرون خلاف مايبطنون من الكفر؛ لذلك أكد عدم إيمانهم بتكرار (لا) النافية والباء الجارة المؤكدة.

أي بيان محكم بمقاييس الدقة البيانية العجيبة كهذا، إلا أن يكون المتكلم هنا هو رب البيان منزل هذا القرآن فحسب؟!
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 01-05-2024, 01:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,363
الدولة : Egypt
افتراضي رد: معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد

معارج البيان القرآني (12)
عبد الله الهتاري


إن البيان القرآني المعجز المحكم العميق في بيانه ومعانيه وقراءاته، يستوقفنا لتدبره، وتأمل آياته.

يقول تعالى : { وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذۡ وُقِفُوا۟ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُوا۟ یَـٰلَیۡتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ} [سورة الأنعام :27]

ففي هذا السياق نلحظ التحول إلى النصب في الفعلين (ولا نكذبَ … ونكونَ) … ولو مضى السياق على نسق واحد من الحركة الإعرابية لكان (ولا نكذِّبُ … ونكونُ) بالرفع؛ لكونهما معطوفين على الفعل المرفوع (نُردُّ). وهي قراءة نافع وأبي عمرو وابن كثير ، والنصب قراءة حمزة وحفص عن عاصم.

ويبرز التحول عن الرفع إلى النصب في قراءة حمزة وحفص، ولكي ندرك سر هذا التحول على هذا الوجه من القراءة، ينبغي أن نعرف أولاً المعنى بمقتضى قراءة الرفع التي جرت على نسق المطابقة في السياق، ثم نفسر التحول عن المطابقة وما يضفيه من دلالة في ذلك.

فقراءة الرفع تخرج على وجهين: الأول: أنها على عطف الفعلين على (نُرَدُّ) فيكون المعنى حينئذ أن الكفار تمنوا هذه الأمور الثلاثة: الرد، وعدم التكذيب بآيات ربهم، وكونهم من المؤمنين.

والوجه الثاني: “أن يكون الفعلان مستأنفين، على معنى أنهم تمنوا الرَّدَّ وحده، ثم قالوا: ولا نُكذِّبُ ونكونُ من المؤمنين، رُدِدْنا أم لم نرد.

وقد علل سيبويه الوجهين في الرفع في هذه الآية بقوله: “فالرفع على وجهين: فأحدهما أن يشْركَ الآخِرُ الأوًّل، والآخر على قولك: دَعْني، ولا أَعُودُ، أي: فإنِّي ممن لا يعود، فإنّما يسألُ الترك وقد أوجب نفسه أن لا عودة له البتَّة، ترك أو لم يترك، ولم يرد أن يسأل أن يجتمع لـه الترك وأن لا يعودَ”، ويكون معنى الآية على الوجه الثاني أنهم “أخبروا أنهم لا يكذبون بآيات ربهم، وأنهم يكونون من المؤمنين على كل حال، رُدُّوا أو لم يُردُّوا”.

وعلى قراءة النصب التي نحن معنيون بمعرفة سر التحول فيها، يكون المعنى: أنهم تمنوا الرَّدَّ مع عدم التكذيب، وكونهم مؤمنين، لذلك عقب المولى- عزوجل – على قولهم هذا بقوله: { بَلۡ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا۟ یُخۡفُونَ مِن قَبۡلُۖ وَلَوۡ رُدُّوا۟ لَعَادُوا۟ لِمَا نُهُوا۟ عَنۡهُ وَإِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ } فيكون الفعلان منصوبين بإضمار “أن” بعد الواو التي بمعنى “مع” كقولك: ليت لي مالاً وأتصدَّقَ منه.

ومعنى القراءة على نصب الفعلين أنهم تمنوا الرَّدَّ على أن يكونوا في حالة الرَّدِّ غير مكذبين ومن المؤمنين كذلك.

وألمح من هذا السياق، بتعدد أوجه الإعراب المختلفة له، أن الكفار كانت لهم عند مشاهدة العذاب عدة أمنيات، وليست أمنية واحدة، وقد أخبر القرآن عنها كلها.

فكأنهم عندما شاهدوا العذاب ابتداء فزعوا فتمنوا الرَّدَّ إلى الدنيا، وهم في لحظة الفزع والذهول قد آمنوا بما شاهدوا ولم يعودوا من المكذبين بآيات ربهم، سواء رُدُّوا أم لم يُرَدوا، فلا علاقة للردِّ حينئذ بإيمانهم. وهذا ما توحي به قراءة الرفع في أحد وجهيها (وهو الاستئناف)، في قولـه تعالى: { یَـٰلَیۡتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبُ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ }

ثم تمنوا الرَّدَّ مصطحبين في معيتهم هذه القناعة التي رسخت لديهم من المشاهدة والعيان ليعملوا بها في الدنيا، وهو ما أشار إليه القرآن في موضع آخر بقوله تعالى : { وَلَوۡ تَرَىٰۤ إِذِ ٱلۡمُجۡرِمُونَ نَاكِسُوا۟ رُءُوسِهِمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ رَبَّنَاۤ أَبۡصَرۡنَا وَسَمِعۡنَا فَٱرۡجِعۡنَا نَعۡمَلۡ صَـٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ }

وهو ما توحي به قراءة النصب (على المعية) بقوله تعالى: {یَـٰلَیۡتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ }

ثم عندما يئسوا من الرجوع إلى الدنيا، وأن ذلك يستحيل، لهجوا بالحسرة والندامة متمنين ثلاثة أمور: الرد إلى الدنيا، وأنهم ما كانوا كذّبوا بآيات ربهم، وأنهم كانوا مؤمنين، وهو ما توحي به قراءة الرفع على الوجه الآخر (وهو العطف)، فكل وجه من وجوه الإعراب دل على معنى جديد لا يؤديه سواه، وهذه الأوجه بمجموعها تتكامل في وصف مشهد الحسرة والعذاب.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 26-05-2024, 06:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,363
الدولة : Egypt
افتراضي رد: معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد

معارج البيان القرآني (13)
عبد الله الهتاري


( وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } [الأنفال: 60].
جاء لفظ الإعداد الذي يقتضي في مفهومه التخطيط واستشراف المستقبل بالنظر البعيد والفهم العميق لمجريات الواقع والأحداث، ثم قدم المعد لهم على ماهية الإعداد إذ قال : (لهم )؛ للعناية والاهتمام وبث مفهوم اليقظة الدائمة في نفوس الأمة نحو عدوها، وغرس الوعي الإيماني بذلك، من خلال التوجيه الإلهي بالأمر بالإعداد لمواجهة مخططات الأعداء.

ووجه الأمة أن تستنفر كل استطاعتها في سبيل ذلك (ما استطعتم) بذكر (ما) دون (الذي) الموصولية الدالة على العموم لكل شيء من الاستطاعة، أو المحتملة للمصدرية بتقدير (استطاعتكم) للدلالة على استفراغ طاقة الحدث، فيكون النظم القرآني قد حث على استفراغ كل طاقات الحدث، وكل وسائل تنفيذه.

ثم ذكر (من) البيانية في هذا المقام وليست التبعيضية ( من قوة) ليبين ماهية الإعداد وأنواعه، وبدأ بذكر القوة ونكرها لتفيد عموم القوة، من قوة نفسية، وفكرية، وعلمية، ومادية، واقتصادية، وإعلامية، وعسكرية، وأن يبلغوا في ذلك غاية الاستطاعة لاستفراغ الحدث ووسائل تحقيقه، ومن وسائل القوة العسكرية الرمي، كما ورد في الحديث (ألا إن القوة الرمي) ولاشك أن القوة الجوية من الرمي الصاروخي والطيران يعد أقوى أنواع الإعداد في القوة العسكرية، وهو المتقدم في الحروب قبل القوة البرية ( ومن رباط الخيل) ولذلك ورد هذا الترتيب الحكيم في هذا البيان من التوجيه الإلهي المعجز.

ثم علل القصد من إعداد هذه القوة؛ و هو إرهاب العدو؛ حتى لا يطمع فيكم؛ لأن مجرد الإعداد للقوة، هو أمر يسبب رهباً للعدو. ولهذا تقام العروض العسكرية ليرى الخصم مدى قوة الدولة، وحين تبين لخصمك القوة التي تملكها لا يجتريء عليك، ويتحقق بهذا ما نسميه بلغة العصر ” التوازن السلمي “.
وصار الخوف من رد الفعل أحد الأسباب القوية المانعة للحرب. وكل دولة تخشى مما تخفيه أو تظهره الدولة الأخرى.
وهكذا يصبح الإعداد للحرب سببا لنفي قيام الحرب.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 22-06-2024, 01:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,363
الدولة : Egypt
افتراضي رد: معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد

معارج البيان القرآني (14)
المفارقة بين إرادتين
عبد الله الهتاري


قال تعالى: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً) [النساء: 27].
أبرز هذا العدول عن الجملة الاسمية (والله يريد…) إلى الجملة الفعلية (ويريد الذين…) المفارقة بين إرادتين، وأشار إلى كمال المباينة بين مضموني الجملتين.

فإرادة الله إرادة خيِّرة فيها كمال النفع والصلاح لخلقه، وإرادة متبعي الشهوات إرادة شريرة خبيثة، لا خير فيها ولا صلاح. فناسب التباين في المعنى تباين المبنى… وبرز ذلك من خلال التغاير بين الجملتين.

وفي تقديم لفظ الجلالة على الفعل في قوله: (والله يريد) تكثيف للدلالة على المسند إليه وهو الله -عزوجل- وفي ذلك إشارة إلى كمال هذه الإرادة ونفاذها ما دامت صادرة منه تعالى، في حين عبّر بالجملة الفعلية عن إرادة متبعي الشهوات فقال (ويريد الذين…) للإشارة إلى تجدد هذه الإرادة منهم بإلحاح وحرص، ومع ذلك فإرادة الله غلاّبة، والله يفعل ما يريد.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 10-07-2024, 11:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,363
الدولة : Egypt
افتراضي رد: معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد

معارج البيان القرآني (15)
دلالة علامة التأنيث في (مُرْضِعَة)
عبد الله الهتاري

(يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ )

القاعدة في الوصف الخاص بالمؤنث أنه لا تلحقه علامة التأنيث، فلا يقال: امرأة حائضة، ولا امرأة مطلقة وهكذا، يقول السيوطي(1):”والغالب ألا تلحق الوصف الخاص بالمؤنث كحائض و طالق وطامث ومرضع، لعدم الحاجة إليها بأمن اللبس.

ويعلل أحد الباحثين ذلك بقوله(2):” ولعل هذا راجع إلى مرحلة قديمة من عمر اللغة لم تكن فيها علامات التأنيث قد استخدمت بعد، فقد كان المؤنث لغويا يعامل به المذكر “.

والذي أراه أن العكس هو الصحيح، فالأصل المفترض في التفكير اللغوي الأولي القديم أن يجنح العقل اللغوي البدائي إلى التمييز بين المذكر والمؤنث بالعلامة، ثم تأتي مرحلة متطورة من الدرس اللغوي، تحذف هذه العلامة من بعض الاستعمالات، لوجود أمن اللبس وإعمال الفكر في أن هذه الصفات مما اختصت به الأنثى عن الذكر فتحذف العلامة، بدليل ما نجده من استعمال الفصحى كلمات ( طالق – حامل – طامث – مرضع…..)، وما نسمعه في العامية من قولهم : طالقة، حاملة، فالاستعمال العامي يشير إلى مرحلة أولية قديمة في التفكير اللغوي لا إلى مرحلة متطورة في التفكير.

وما حصل من خروج عن الفصيح الأغلب لهذه القاعدة، وذلك من إدخال علامة التأنيث على الوصف الخاص بالمؤنث، يمكننا تفسيره دلاليا لا أن نقف في تفسيره عند حدود الأصل التاريخي، فليست علة الاطراد هي السبب في ذلك كما ذهب إليه الباحث السابق بقوله(3):”ولعل الرغبة في أن تطرد القاعدة هي التي جعلت الاستعمال اللغوي يميل إلى إدخال علامة التأنيث على كثير من الألفاظ المؤنثة تأنيثا سماعيا، أي المؤنثة بدون علامة التأنيث”.

فقد وهم هذا الباحث إذ جعل الاطراد هو العلة المسببة لدخول علامة التأنيث على الوصف الخاص بالمؤنث، فإذا كان هذا التعليل مقبولا في تفسير استعمال الناس ذلك، فكيف يمكن قبوله في تفسير ما ورد في محكم التنزيل، وذلك في قوله تعالى:” يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ” .(الحج: 2)

والذي يظهر لي – والله أعلم- أن الخروج عن القاعدة في هذا السياق القرآني جاء لملمح دلالي في الذكر الحكيم، وهو ما ألمح إليه الزمخشري -رحمه الله- وذلك أن المولى- عز وجل- أراد أن يصور حال المرضع وهي تلقم ثديها وليدها وقد ذهلت عنه وشغلت ودهشت؛ لهول الموقف في الحساب يوم القيامة، لا أنه يذكر وصفا لمرضع، أي: من كان حالها الإرضاع فحسب، وإنما يصور المرضع وهي تباشر الإرضاع بثديها في تلك اللحظة.

فهذا الخروج في التركيب ولد خروجا في المعنى الدلالي، قصد منه إبراز الوصف وتوضيح الصورة بوضوح وجلاء، ترهيبا وتخويفا لهول الموقف في الجزاء.
===================================
(1) الهمع 3/291
(2) ظاهرة التأنيث في العربية واللغات السامية.د. إسماعيل عمايرة ص 34.
(3) المصدر السابق .ص 41


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 07-10-2024, 11:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 143,363
الدولة : Egypt
افتراضي رد: معارج البيان القرآني ـــــــــــــ متجدد

معارج البيان القرآني (16)
( مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ ) و (مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ )
عبد الله الهتاري

( إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) ) [سورة ص].

( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) ) [سورة الأعراف]

هما سياقان مختلفان في النظم والبيان من متشابه القرآن؛ استوقفت آياته أساطين التفسير، وتبارى فرسان الفصاحة وأرباب البلاغة فيه معترك التأويل.

ذلك أن سورة ورد فيها ( مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ) وفي الأعراف جاء ( مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ )

وهما سياقان في قصة امتناع إبليس عن السجود، وتكبره والجحود.

ولكن لم كان الاختلاف في النظم بمجيء ( لا) مع الفعل (منع) في الأعراف ؟!

لقد تعددت الآراء في ذلك واختلف أهل التأويل، فذهب بعضهم إلى القول : بزيادة (لا) في (الأعراف) قياسا على النظير في .

والقول بالزيادة إراحة للعقل من النظر والتحقيق في أسرار القرآن ومحكم البيان؛ ينطلق من قياس النظير على النظير، دون النظر في اختلاف السياق لمتشابه النظم ومقاماته.

وقد رفض القول به شيخ المفسرين ابن جرير، والرازي من المتقدمين، وفرسان البيان من المعاصرين.

وبعد النظر والتأمل لما بين سطور التأويل؛ نجد أن (لا) على أصلها في دلالة النفي وليست زائدة بحال.

وأن الفعل ( منع) يرد لمعنيين في لسان العرب، كما ألمح إلى ذلك الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن [1]

(منع) من المنع ضد العطاء، وهو الحرمان وعدم التنفيذ.

وبهذا المعنى ورد الفعل (منع) في سورة في قوله تعالى : (قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ) ما منعك، أي: ما الذي حال بينك وبين السجود؟

ونلاحظ أن سياق الحديث في سورة بدأت آياته في ذكر قصة خلق آدم، مخاطبا الملائكة بذلك، و مبينا مكونات خلقه، وتسويته إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72))

وقد كشف المولى- عز وجل- بعلمه الرباني، سبب امتناع إبليس عن السجود؛ ( إِلَّاۤ إِبۡلِیسَ ٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ ) ومع ذلك وجه له السؤال. مخاطبا إياه قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ) وذلك ليقرره على نفسه بنفسه، ويدينه من فمه، وبما أن الله – عز وجل- قد خلق آدم وسواه، وباشر خلقه بنفسه، ونفخ فيه من روحه، وهذه مكانة اختصاص في الخلق، وتأكيد للخلق والتقدير (إِنِّی خَـٰلِقُۢ )؛ فالاستكبار هنا اعتراض على خلق الخالق لا على المخلوق؛ فبكته بمزيد التقريع إذ قال: ( لِمَا خَلَقۡتُ بِیَدَیَّۖ ) ، فكان الفضح للَّعين؛ لما أخفى في سريرة نفسه من الكبر والعلو، فصرح بذلك جهارا واعترافا (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ).

فما كان منه التسليم والإذعان، وكرر مقولته بعض تلاميذه من أبالسة الإنس، إذ قال:

إبليسُ خيرٌ من أبيكم آدمَ فتنبهوا يا معشرَ الفجارِ

إبليسُ من نارٍ وآدمُ طينةٌ والطينُ لا يسْمُو سُمُوَّ النَّارِ



وما علم تلميذ اللعين، وهو أعمى البصر والبصيرة من وجهين، أنه:

إبليسُ من نارٍ وآدمُ طينةٌ والنارُ لا تسْمُو سُمُوَّ الطينِ

النارُ تحرقُ ذاتَها ومحيطَها والطينُ للإنباتِ والتكوينِ!



فكان سياق آيات سورة تقتضي المناسبة في الإحكام، بمجيء الفعل (منع) بمعنى المنع وعدم الامتثال.

وأما سياق سورة الأعراف فقد جاء فيها الفعل ( منع) بمعنى المنعة والقوة والحماية، ومنه قولهم: رجل منيع، أي: قوي، وحصن منيع، أي: قوي.

فأمعن النظر في معجز البيان ( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ ) فقد توجه السؤال الشديد المدوي بالتهديد والوعيد، من الجبار -جل جلاله- إلى إبليس اللعين دون مناداته بأداة النداء على وجه السرعة في التهديد في الأداء، قائلا له بمضمون الخطاب: ما قوَّاك على عدم السجود، ومخالفة أمري؛ فناسب تمام المناسبة ذكر علة السؤال ( إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ ) فورد الفعل (منع) هنا بمعنى المنعة والقوة، أي: ما قواك ألا تسجد؛ إذ أمرتك، وإلى أي منعة وحماية لجأت إليها من بطشي وعقابي لمخالفتك أمري؟

وإنما ناسب سياق آية الأعراف أن يرد فيها هذا التعبير؛ لأن الآية السابقة لها توجه فيها الخطاب إلى البشر على سبيل الامتنان (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)

ولم يذكر فيها مادة الخلق والتكوين لآدم -عليه السلام – كما ذكر في سورة لأن ذلك ليس موضع الاهتمام، بقدر ما كان التركيز منصبا على تخويف البشر من مصير مخالفة أمر الله، وأنه لا منعة ولا حماية أو قوة، لأحد أمام بطش الله وعقابه، حالة مخالفة أمره، كحال إبليس اللعين.

فبقيت (لا) أصيلة في معناها، محكمة في المقام، لا زيادة فيها ولا إقحام.

[1] مفردات القرآن. الراغب الأصفهاني. 77
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 89.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 85.31 كيلو بايت... تم توفير 3.97 كيلو بايت...بمعدل (4.45%)]