استشراف المستقبل من المنظور الشرعي - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12712 - عددالزوار : 222818 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4432 - عددالزوار : 868355 )           »          صلة الأرحام.. فضلها وأثرها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          رسالة إلى رواد المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          مرض السكري والعلاج بمنتجات النحل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          محبطات الأعمال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          200 يوم من الحرب.. كشف حساب لحماس وإسرائيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          عيد شم النسيم .. أصله، شعائره، حكم الاحتفال به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          الغناء وأهل الطرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          الثمرات اليانعات من روائع الفقرات .. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 1733 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-04-2024, 09:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,535
الدولة : Egypt
افتراضي استشراف المستقبل من المنظور الشرعي

استشراف المستقبل من المنظور الشرعي(1)




كثير من الناس لا يستطيعون تخيل المستقبل ولا يملكون أدوات ذلك، وهم في ذلك درجات في استشراف المستقبل:
الأول: لا يوليه أي اهتمام بل يعرض عنه، بليد لا يملك الحس في تحسس مستقبله وأمته.
الثاني: عالة على الآخرين وإمعة وتبع في استشراف المستقبل يقول ما قال الناس ويعتقد ما اعتقدوا.
الثالث: بصير خبير يملك فراسة حادة وخيالا واسعا في معرفة مآلات الأمور ومتتبع لما يصدر عن ذلك من آراء ودراسات.
بيد أن الغرب لم يتنبه لعلم المستقبل إلا متأخرا وبعد أن تزاحمت عليه مسوغات هذا العلم ومعطياته وبعد أن انكشفت سوأته وسوء تصرفه في أهم الأحداث وكثير من المواقف ومع أهم الإبداعات، ومن ذلك ما عاناه الرحالة (كولمبوس) في القرن الــ15 من صعوبة إقناع من حوله بأهمية رحلته البحرية لاكتشاف العالم من حوله، فبعد أن قدم الخطة المكتوبة لملك إسبانيا عرضها الملك على لجنة خاصة لدراستها لتخلص هذه اللجنة بعد أربع سنوات من دراسة الفكرة إلى أن ما يدعيه (كولومبوس) هو هراء، وأنه إذا ذهب فلن يستطيع العودة!
ومثل ذلك ما قدمه (مورس) مكتشف التلغراف؛ حيث قدم تصوراته في جلسة خاصة مع أعضاء الكونغرس الأمريكي عام 1842م، بتصور أنه بإمكانه أن ينقل الرسائل عبر الكهرباء الذي سمي فيما بعد بالتلغراف غير أنهم ظنوا به الجنون!
ولعل بدايات اهتمام الغرب بعلم المستقبل كانت في منتصف الأربعينيات، وكان صاحب السبق هو مركز (راند) -اختصار لكلمة «البحث والتطوير» بالانجليزية- الذي انبثق عن شركة (إيركرافت) وبدعم من مؤسسة (فورد) انطلقت مسيرة مؤسسة (راند) عام 1946م ليحذو بعدها كثير من المؤسسات المختصة في علم المستقبل واستشرافه حتى وصل عددها إلى 600 مؤسسة تهتم بالدراسات المستقبلية في الولايات المتحدة الأمريكية حتى نهاية عام 1976م، كما أعدت الجامعات الأمريكية 415 مقررا دراسيا في الدراسات المستقبلية موزعة على 18 ولاية أمريكية، وأما االسويد فقد انفردت بتأسيس وزارة للمستقبل عام 1973م، التابعة لرئاسة الوزراء.
ويمكن أن نعرف علم استشراف المستقبل من جملة تعريفات بأنه: القدرة على معرفة المستقبل من خلال قياس الماضي بحاضره، وقابلية تحسينه، وهو ما ينظر إليه الأصوليون ويعبرون عنه بـ: مآلات الأمور، وبأسلوب آخر هو استباق في معرفة الخبر والتهيؤ للتعامل معه قبل قوعه ثم حسن التعامل معه عند وقوعه، من خلال العمل على المعايير والتوجهات المستقبلية التالية: الممكن والمحتمل والمفضل، والأقرب للوقوع.
ولعل موضوعنا وما سنقدمه من عناصر يقع في عرف المستقبليين في باب المحتمل ويطلقون عليه «الفكر الاحتمالي» وهو: سياق فكري احتمالي يسعى إلى استجماع متراكم لعدد من الاحتمالات، تفضي بدورها إلى تخمين احتمالي لأفضل الخيارات والإستراتيجيات من بين مجموعة بديلة تكونت من خلال عملية التفكير الاحتمالي ويتم معظمها في محيط بيئي مؤكد.
مسألة:
في علم الاستشراف يكثر استخدام (لو)، وحتى لا يشكل الأمر على بعضنا وعدم جوازها وأن نهياً نبويا جاء في حق قولها، كما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، وَاحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجَزْ، فَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلا تَقُلْ: لَوْ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»، وعَنْ أَبِي الْحَجَّاجِ الْأَزْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: «الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ أَصَابَكَ: لَوْ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا» مشكل الآثار.
وليعلم أن النهي في قول (لو) هو في أمر مضى وليس فيما هو حاضر أو مستقبل، فلقد بوّب ابن خزيمة في صحيحه: باب: ما يجوز من اللو وقوله تعالى: {لو أن لي بكم قوة}.
قال القاضي: الذي يفهم من ترجمة البخاري وما ذكره في الباب من الأدلة: أنه يجوز استعمال (لو) و(لولا) فيما يكون للاستقبال، لا فيما امتنع فعله لوجود غيره وهو من باب (لو)؛ لأنه لم يدخل في الباب سوى ما هو للاستقبال أو ما هو حق صحيح متيقن دون الماضي والمنقضي أو ما فيه اعتراض على الغيب بالقدر السابق.
لقد جاء الإسلام بمفهوم الاستشراف المستقبلي وقواعده منذ أن بزغ فجر الإسلام، مصدرها العليم الخبير رب البشر ورسوله الكريم الموحى إليه، وقد أخبر عن أشياء تكون بعده فكانت كما أخبر صلى الله عليه وسلم، ويمكن لنا أن نستلهم بعض ما جاءت به الشريعة وإدراكاتها للمستقبل، إذا نرى في القران الكريم والسنة النبوية من القواعد ما يعيننا على إدراك ما يمكن أن يكون في المستقبل، من خلال الأدلة والقواعد التالية:
المنطلقات الشرعية في استلهام الرؤية المستقبلية
1- القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم:
جاء في الوحيين ما كان في الماضي وما سيكون في المستقبل، ومن ذلك ما سيكون في آخر الزمان من أحداث ونتائجها ومكانها وأبرز أسماء الفاعلين بأحداثها، ومن ذلك ما جاء في القرآن أن جعل للنصر شروط، وللهزيمة أسباب، فكانت النتيجة محصلة ما كان من أسباب أو شروط، كما أخبر الله تعالى عن ذلك في قوله: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد: 7) فشرط نصر الله لنا على أعدائنا هو بإقامة شرع الله فينا.
وإننا على يقين أن الكفار كلما أرادوا إشعال حرب أطفأها الله، قال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} ، ونعتقد أننا ما دمنا في درب رضا الرب سائرين فإن خشية الكفار منا متحققة، قال تعالى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} .
وقال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}، قال السعدي في شرح هذه الآية: بشارة عظيمة، أنه كلما وجد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب، لدخل اليسر فأخرجه، إن ما سبق هو بمثابة معادلة ربانية متحققة لا محالة، لكل من أخذها بحقها، وقاعدة نستطيع أن نبني عليها ونستشرف بالخبر القرآني ما سيكون بعدها.
2- السنة النبوية:
فقد أخبر المصطفى عن أحداث قد تقع في أزمان مختلفة، ومنها ما يقع في أماكن محددة وغير محددة، ومنها ما يقع مع أشخاص بأعيانهم وغير أعيانهم.
فقد أخبر عن أحوال تقع آخر الزمان وتعارف عليها أهل العلم بأشراط الساعة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى، وأخبر عن أحداث بعينها كفتح القسطنطينية قبل رومية، فعن عبد الله بن عمرو قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسئل: أي المدينتين تفتح أولا، يعني القسطنطينية أو الرومية؟ فقال: مدينة هرقل أولا. يعني القسطنطينية، ومن ذلك ما أخبر به المصطفى صلى الله عليه اسلم، أن ملك أمته سيبلغ مشارق الأرض ومغاربها وأن الله لن يهلك أمة محمد بآفة عامة، فعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِى سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِي لي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ، وَإِنِّى سَأَلْتُ رَبِّى لأُمَّتِي أَلاَّ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَلاََّ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّى إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَلاَّ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَلاَّ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا - أَوْ قَالَ: مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا - حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا».
وكل ذلك من دلائل نبوة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وفيه إخبار عن أحداث ستقع للمؤمن الحصيف أن يدرك ببصيرة وحنكة استشرافه لها اغتناما وكسبا، أو استعدادا لتجاوزها إن كانت مما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم.
3- التحديث: وهو ما يُلقيه الله في قلب العبد من حكمة:
قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنْ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ»، وفي رواية: «لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ» البخاري.
والمحدث: الصادق الظن الملهم الذى يلقَى فى نفسه الشيء فيخبر به فراسة. قال ابن حجر: «كذا قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التوقع، وكأنـه لم يكن اطَّلع على أن ذلك كائن، وقد وقع بحمد الله ما توقعه النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمر رضي الله عنه، ووقع من ذلك لغيره ما لا يحصى ذكره».

ومنه لما نادى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته بَعْثه، ومن منبر رسول الله في المدينة وهو يقول: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل ثلاثا – وكان بنهاوند - ثم قدم رسول الجيش، فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا، فبينما نحن كذلك إذ سمعنا مناديا: يا سارية الجبل ثلاثا، فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك.
4- الفراسة:
ولعل بعضنا يرفض التفريق بين التحديث والفراسة لكننا أحببنا أن نعطي كل منهما حقه مع ظننا أن هناك تفريقا، وفي ظني أن أهم فرق بينهما أن التحديث إلهام من الله ولا يكون إلا لأوليائه، أما الفراسة فتكون من الله وممكن أن تتأتى بالكسب كالتعلم أو نحوه.
جاء في المعجم الوسيط أن معنى الفراسة: المهارة في تعرف بواطن الأمور من ظواهرها، قالَ تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}». والمتوسمون: المتفرسون.
ومن ذلك فراسة عزيز مصر في يوسف عليه السلام كما أخبر ربنا عزَّ وجلَّ على لسانه: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}، وفراسة ابنة شعيب في موسى عليه السلام لما قالت لأبيها كما أخبر ربنا عز وجل عنها: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}، وفراسة هرقل في رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون أن يراه، فيما رواه ‏ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما‏ أَنَّ ‏أَبَا سُفْيَانَ ] ‏أَخْبَرَهُ: ‏«‏أنَّ‏ ‏هرَقْلَ ‏أَرسلَ إليه وهم ‏ ‏بإِيلياءَ ‏ثُمَّ ‏ ‏دعا بكتَابِ رسُول صلى الله عليه وسلم‏ ‏فلمَّا فرغ منْ قرَاءة الكتَاب كثُرَ عندَهُ ‏الصَّخَبُ ‏فارتَفعَت الأصوَات وَأُخْرِجنَا، فقُلتُ لأصحابِي حين أخرِجنَا: لقد‏ ‏أَمِرَ ‏أَمْرُ ‏ ‏ابن أَبِي كبْشةَ، ‏إنَّهُ يخافهُ ملكُ ‏بني الأَصْفَرِ». ثم قال للترجمان: إن كان ما تقول حقا، فسيملك موضع قدمي هاتين.
وقد جاءت الإشارة إلى الفراسة والفطنة في قوله تعالى: {تعرفهم بسيماهم}؛ فإن السيما هي العلامة التي لا يطلع عليها إلا ذوو الفراسة، وكم من إنسان سليم القلب ليس عنده فراسة، ولا بُعد نظر يخدع بأدنى سبب، وكم من إنسان عنده قوة فراسة وحزم ونظر في العواقب يحميه الله سبحانه وتعالى بفراسته عن أشياء كثيرة.ابن عثيمين، تفسير سورة البقرة.
وللحديث بقية




اعداد: جهاد العايش






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-04-2024, 10:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,535
الدولة : Egypt
افتراضي رد: استشراف المستقبل من المنظور الشرعي

استشراف المستقبل من المنظور الشرعي (2)




ذكرنا في الحلقة السابقة بعض المنطلقات الشرعية في استلهام الرؤية المستقبلية مثل القرآن الكريم والسنة النبوية، والتحديث الذي هو مايلقيه الله في قلب العبد من الحكمة، وكذلك الفراسة، ونستكمل ما تبقى من هذه المنطلقات الشرعية في هذه الحلقة.
5-الرؤى والأحلام:
الرؤى جمع رؤيا، وهي: «ما يُرى في المنام»، عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» (20).
وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ، قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَات؟ُ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ»(21).
وعن عائشة أنها قالت: «أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح» (22).
قال تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} (الفتح:27)، أُرِيَ بالحُديبية أنه يدخل مكة وأصحابه محلقين، وأنه يطوف بالبيت وأصحابه، فصدّق الله رؤياه.
ويطلق عليها علماء النفس بالأحلام التنبئية، وهناك نوع من المنامات يطلق عليه عندهم: الاستبصار بالأحداث قبل وقوعها.
وقد جاء في التاريخ أن كثيرا من الملوك والأمراء يجعلون في بطانتهم من يؤول أحلامهم ويعتنون بذلك كثيرا، فهاهو ذا ملك مصر في زمن يوسف عليه الصلاة والسلام يقول {يَأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} (يوسف: 43)، وما هذا الملأ إلا البطانة والجماعة التي يستشيرها الملك لأخذ القرارات المصيرية: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَأَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُون}َ.
ففسر يوسف الصديق هذه الرؤيا وأوَّلَها بسنوات الخير والخصب، وسنوات الجدب والقحط، كما أشار على الملك أن يحتاط للأمر، ويعدّ له عدَّته، كي يواجه صعوبة سنوات المحل، ولولا الله ثم هذه الخطة التي اقترحها يوسف عليه الصلاة والسلام، لزالت ممالك، ولهلك خلق كثير من الناس؛ لأن معظم الحضارات والكثافة السكانية متمركزة في مصر وحولها.
قال العلامة السعدي معلقاً على تعبير يوسف لرؤيا الملك: فجمع لهم في تأويلها بين التعبير والإشارة لما يفعلونه ويستعدُّون به من التدبير في سني الخصب إلى سني الـجَدْب.

قال العلامة ابن القيم في زاد المعاد (4 /255): ولما كانت الرؤيا مدركاً من مدارك الغيب، كان فيها غُنية عن الذهاب إلى العرافين، والسحرة، والمشعوذين، والكهنة، والمنجمين، ونحوهم.
وجاء في كتب التاريخ أن السلطان نور الدين محمود بن زنكي رأى النبي عليه الصلاة السلام في ليلة واحدة ثلاث مرات، وهو يقول له في كل واحدة منها: «يا محمود أنقذني من هذين الشخصين -مشيراً إلى شخصين أشقرين تجاهه- فاستحضر وزيره قبل الصبح، فأخبره، فقال له: هذا أمرٌ حدث في مدينة النبي عليه الصلاة والسلام ليس له غيرك»، فتجهز وخرج على عجل، بمقدار ألف راحلة، وما يتبعها من خيل وغير ذلك، حتى دخل المدينة على غفلة، فلما زار طلب الناس عامة للصدقة وقال: لا يبقى بالمدينة أحد إلا جاء، فلم يبق إلا رجلان مجاوران من أهل الأندلس نازلان في الناحية التي قبالة حجرة النبي عليه الصلاة والسلام من خارج المسجد، عند دار آل عمر بن الخطَّاب، قالا: «نحن في كفاية»، فجدَّ في طلبها حتى جيء بهما، فلما رآهما قال للوزير: «هما هذان» فسألهما عن حالهما حتى أفضى إلى العقوبة، فأقرا أنهما من النصارى، وصلا لكي ينقلا النبي عليه الصلاة والسلام من هذه الحجرة الشريفة، ووجدهما حفرا نقباً تحت الأرض من تحت حائط المسجد القبلي يجعلان التراب في بئر عندهما في البيت، فضرب عنقيهما عند الشباك الذي في شرقي حجرة النبي «عليه الصلاة والسلام» (23).
وفي عام 1967م أنشئ في بريطانيا (مكتب التوقعات البريطاني) لمحاولة تتبع الأحلام التي تدل أو تشير إلى كوارث عامة أو قضايا تخص المجتمع كله، وذلك لتلافي حدوثها، أو تقليل آثارها إن حدثت.

وقد أنشئ هذا المكتب بعد وقوع كارثة في قرية بريطانية تدعى (إيبرفاين) سنة 1966م، حيث انهار جبل من الفحم على تلك القرية مما أدى إلى وفاة عدد كبير من الأفراد معظمهم من الأطفال، وبتتبع أخبار الكارثة وجد أن عدداً كبيراً من أهل القرية وأطفالها كانوا قد رأوا الكارثة أو ما يشير إلى حدوثها في منامهم .
فهل في عالمنا العربي أو الإسلامي مركز متخصص يستقبل رؤى الناس وأحلامهم ليقوم باستقبالها وتحليل مضمونها؟ فكثير من الأحلام التي تواطأت عليها رؤى الناس كانت مؤشرا لخطر قادم ومنها ما سمعنا عنه من كثير من الناس أنهم رأوا في منامهم أن الجيش العراقي سيجتاح دولة الكويت عام 1990م، وغيرها من أحداث.
6-التفاؤل:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ» (24) والفأل هو: قول أو فعل يستبشر به، وكان ابن تيمية رحمه الله وعملا بهذا الحديث والتفاؤل بالنصر على التتار يوزع الحلوى على الجند؛ تفاؤلا بالنصر خرج من باب النصر لملاقاة التتار، عام 702م، وكان يقسم أن المسلمين منصورون لا محالة، وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يميناً، فيقال له: قل: إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليـقاً.
لقد سعى ابن تيمية جاهداً لتحقيق شروط النصر، فكان منه إزالة الفساد في البلاد ومحاربة المفسدين؛ ليكون التفاؤل في محله عملا بقوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } (25).

7- الدعاء:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يردُّ القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العُمرِ إلا البر»(26).
الدعاء سلاح عجيب غفل عنه كثيرون ولا يعلم كثير من الناس أن الدعاء يغير مجرى كثير من الأحداث العظام، وهو من أقوى الأسباب في دفع المكروه، فيمكن أن يصرف الله المكروه المقدور بالدعاء المقدور.
وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل؛ فعليكم عباد الله بالدعاء» (27).
وعن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ ربَّكُم تبارك وتعالى حييُّ كَرِيمٌ يستَحي مِنْ عبدهِ إذا رفع يديه إليه أن يردَّهما صِفراً»(28)، فهلا عرفنا أهمية الدعاء في صرف كل مكروه بقدر الله تعالى.
8- التماثل التاريخي:
إن كتاب الله مليء بالعبر والقصص التاريخية عبر الأزمان، فجاء قرابة ثلث القرآن ليحكي لنا قصص الغابرين ليس على سبيل المتعة والتسلية، بل على سبيل العظة والإفادة من تاريخ الآخرين، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ} (29)، ولقد اعتمد المستقبليون على التماثل التاريخي اعتمادا كبيرا وأساسيا من باب اعتبار الشيء بنظيره، فالسعيد من اتعظ بغيره، وكما أنشأ الشاعر:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه
ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه
لقد أدرك اليهود أهمية التماثل التاريخي فدرسوا أسباب نصر المسلمين في كثير من المواقع ليتجنبوا تحقيق ذلك عليهم، ومن ذلك أنهم درسوا أسباب تفوق المسلمين على الصليبيين في معركة حطين فأخذوا منها العبر وجعلوا منها محطة تاريخية يقف عندها المجندون اليهود في دوراتهم العسكرية الميدانية ليتعرفوا عن قرب وكثب كيف حقق المسلمون هذا النصر ليفوتوا عليهم هذه الأسباب!
أما في الكلية العسكرية البريطانية فيتعلم الملتحقون بها العبقرية العسكرية التي امتاز بها الصاحبي الجليل خالد بن الوليد، وكيف لهم أن يستفيدوا منها!
9- علم الأنساب:
لم يغفل الشرع أهمية النسب (30)، ومعرفة جيدها من رديئها، بل كان من كبار الصحابة نساب كأبي بكر الصديق وابنته عائشة رضي الله عنهما، فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ»(31).
وقال تعالى: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(32).
قال الطبري في تفسيره: الأعراب أشدُّ جحودًا لتوحيد الله، وأشدّ نفاقًا، من أهل الحضر في القرى والأمصار. وإنما وصفهم جل ثناؤه بذلك؛ لجفائهم، وقسوة قلوبهم، وقلة مشاهدتهم لأهل الخير، فهم لذلك أقسى قلوبًا، وأقلُّ علمًا بحقوق الله.
مع الأخذ بعين الاعتبار عدم الطعن في أنساب الناس، وهذا مما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأيها الناس، ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى...» (33).
وأخيراً ومع أهمية كل ما سبق فليعلم أن الفراسة والرؤى وما عرف عن الأنساب ليست حجة شرعية في ذاتها، إنما هي للتعضيد والاستئناس، والله أعلى وأعلم.


اعداد: جهاد العايش








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.46 كيلو بايت... تم توفير 2.17 كيلو بايت...بمعدل (3.08%)]