|
|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
اللياقة الروحية
اللياقة الروحية د. أحمد البراء الأميري تعريفها: المراد باللياقة الرُّوحية هنا: أن يصلَ الإنسان إلى مرحلة يشعُرُ فيها أنه يحب اللهَ تعالى، وأن الله تعالى يحبه، وهذا الأمرُ قد دلَّ عليه بإجمال قولُه سبحانه: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31]؛ فالعبد يمكنُ أن يحب اللهَ تعالى، والله تعالى يحبُّه إذا اتبع الرسولَ صلى الله عليه وسلم وأطاعه. تحصيلها: ليس لتحصيل اللياقة الرُّوحية دواءٌ يستعمله المريض مرتين: صباحًا ومساءً ليتم له الشِّفاء، ولا تمرينات رياضية يقوم بها الإنسانُ نصف ساعة في اليوم.. إنها عمليةٌ مستمرة لا تنتهي إلا بانتهاء الإنسانِ! إن عمليةَ (التَّزكية) التي أشار إليها القرآنُ الكريم بقوله: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10]، عملية (التَّزكية) هذه هي التي تسِير بصاحبها إلى تحصيلِ اللياقة الرُّوحية، وسوف نتحدَّث عنها بشيء من التفصيل عند الكلام على اللياقة النفسية. طرقها: هناك طُرق متعدِّدة للوصول إلى اللياقةِ الروحية، نذكر أهمها باختصار: 1- الإخلاص: الإخلاص هو الأساسُ الذي يُبنى عليه كلُّ عمل، فإذا انعدَم انهار العملُ من أصله؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5]. وفيما يلي أحاديثُ تبيِّنُ أهمية الإخلاصِ الذي موضعه النِّية، والنية محلُّها القلوب، ولا يطَّلع عليها إلا علامُ الغيوب، وليس الغرض من إيرادِ هذه الأحاديث قراءتَها؛ إذ القراءة وحدها لا تُجدي كثيرًا، بل المراد: تأمُّلها، وتدبُّرها، وتكرار قراءتها حتى تنغرس في العقلِ الباطن، ثم تظهَر آثارها في تفكيرِ الإنسان وسلوكه. • عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمالُ بالنِّيات، وإنما لكل امرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسولِه، فهجرتُه إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرتُه لدنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكِحُها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه))؛ (البخاري ومسلم). • عن جابر بن عبدالله الأنصاريِّ رضي الله عنهما قال: كنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في غزاةٍ فقال: ((إن بالمدينة لَرِجالاً ما سِرْتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا شَرِكوكم في الأجر، حبَسهم المرضُ))؛ (رواه مسلم). • عن أبي العباس عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب رضي الله عنهما، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فيما يروي عن ربِّه تبارك وتعالى قال: ((إن اللهَ كتَب الحسناتِ والسيئات، ثم بيَّن ذلك؛ فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها، كتَبها الله تبارك وتعالى عنده حسنةً كاملة، وإن همَّ بها فعمِلها كتَبها الله عشرَ حسناتٍ، إلى سبعِمائة ضِعف إلى أضعاف كثيرة، وإن همَّ بسيئة فلم يعمَلْها كتَبها الله عنده حسنةً كاملة، وإن همَّ بها فعمِلها، كتبها الله سيئةً واحدة))؛ (البخاري ومسلم)، وفي الحديث دليلٌ ناصع على أهميةِ النية المرتبطة بالإخلاص أوثقَ ارتباط. 2- الانتهاء عن المعاصي: المعاصي: نوعان؛ معاصي الحواس: كالكذب، والسرقة، وشُرب الخمر، وأكلِ الربا، ومعاصي القلوب: كالحقد، والحسَد، والكِبْر، وسوء الظن بالمسلمين، وكلاهما خطَرٌ على صاحبه، قد يورِدُه المهالك، وقد تكونُ معاصي القلب أخطَرَ من معاصي الجوارح. "ولا شك أن ضررَ المعاصي في القلوب كضررِ السُّموم في الأبدان، على اختلاف درجاتِها في الضرر". قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم ومحقَّراتِ الذنوب؛ فإنما مَثَل محقَّرات الذنوب كقومٍ نزَلوا بطنَ وادٍ، فجاء ذا بعُودٍ، وجاء ذا بعُودٍ، حتى أنضَجوا خُبزتَهم، وإن محقَّراتِ الذُّنوب متى يُؤخَذْ بها صاحبُها تُهلِكْه))؛ (أحمد). وقال: ((إن العبدَ إذا أخطأ خطيئة نُكِتَتْ في قلبه نكتة، فإذا هو نزَع واستغفر وتاب، صُقِل قلبه، وإن عاد زِيدَ فيها حتى تعلوَ قلبه، وهو الرانُ الذي ذكَره الله تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14][1])). "وللمعاصي من الآثارِ القبيحة المذمومة المضرّة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلَمُه إلا الله، منها: وحشةٌ يجدها العاصي في قلبِه بينه وبين الله تعالى، ووحشةٌ بينه وبين الناس، وظُلْمة يجدها في قلبِه، يحسُّ بها كما يحسُّ بظُلمة الليل"[2]. قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: "إن للحسنةِ ضياءً في الوجه، ونورًا في القلب، وسَعة في الرزق، وقوَّة في البدن، ومحبَّةً في قلوب الخَلْق، وإن للسيئة سوادًا في الوجهِ، وظلمةً في القبر والقلب، ووهنًا في البدنِ، ونقصًا في الرِّزق، وبغضةً في قلوب الخَلْق"[3]. 3- التطوع في العباداتِ بعد أداء الفرائض: جاء في الحديثِ القدسي قولُه سبحانه وتعالى: ((... وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضتُه عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه...))[4]. فأحبُّ ما يُتقرَّب به إلى الله عز وجل: أداءُ فرائضه على اختلافِ أنواعها؛ البدنيَّة: كالصلاة والصيام، والمالية: كالزكاةِ، وما يجمَعُ بينهما: كالحجِّ والجهاد، والقلبيَّة: كذِكْر الله تعالى، واللِّسانية القلبية: كتلاوةِ القُرآن. ويدخُل في الفروض ما كان تركًا؛ كالامتناع عن السَّرقة، والزِّنا، والخمر، والغِيبة، والحسَد..., وما إلى ذلك. والمهم جدًّا في الأعمال كلها على وجه العموم - ومنها العبادة - رُوحُها وحقيقتُها قبل ظواهرِها؛ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظُرُ إلى أجسادكم، ولا إلى صورِكم، ولكن ينظُرُ إلى قلوبِكم وأعمالكم))؛ (البخاري ومسلم)، ويا ليتَنا جميعًا نحرصُ على أن تكون عباداتُنا مقبولةً كحرصِنا على أدائها! ونأخذ مثالاً واحدًا على ما يسمَّى "الآداب الباطنة" في فريضةِ الزكاة: قال في مختصر منهاج القاصدين[5]: اعلم أن على مريدِ الآخرة في زكاته وظائفَ: الأولى: أن يفهَمَ أن من مقاصدِ الزكاة: إخراجَ المال المحبوب عند العبد، ومداواة داء البُخل، وشُكْر نعمة المال؛ إذ إن شكرَ النعمة يكون من جِنسها. الوظيفة الثانية: الإسرار بإخراجها؛ لكونِه أبعدَ عن الرياء، وأصونَ للفقير من الإذلال. الوظيفة الثالثة: ألا يفسدَها بالمنِّ والأذى؛ فإن المعطيَ لو حقَّق النظر لرأى الفقير محسنًا إليه بقَبولها، الذي هو سببٌ لحصوله على الأجرِ العظيم مِن الله تعالى. الوظيفة الرابعة: أن يستصغرَ العطيَّة؛ إذ ما أصغَرَ ما يعطي بالنسبةِ إلى ما أعطاه اللهُ سبحانه، ومنَّ عليه به. الوظيفة الخامسة: أن ينتقيَ من ماله: أ- أحَلَّهُ. ب- وأجودَه. ج- وأحبَّه إليه. فهو في الحقيقة يقدِّمُ لنفسِه؛ لأن ما يقدِّمه سيلقاه غدًا يومَ القيامة. الوظيفة السادسة: أن يعطيَ زكاتَه لمن تزكو بهم، فيخصَّ بها أهلَ التقوى، والعِلم، والصلاح، والذين يُخفون فقرَهم وحاجتهم عن الناس، والمرضى، والمُعسِرين، والأرحام. ومن الأمثلة على أعمال الخير والتطوع في العبادات ما جاء في الحديث: • عن عبدالله بن سلاَم رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((أيها الناسُ، أفشوا السلامَ، وأطعِموا الطعام، وصلُّوا بالليلِ والناس نيامٌ، تدخلوا الجنة بسلام))؛ (رواه الترمذيُّ). • وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أيقَظ الرجلُ أهلَه من الليل، فصلَّيا ركعتينِ جميعًا، كُتِبا في الذاكرينَ والذاكرات))؛ (أبو داود). 4- تلاوة القرآنِ مع التدبر: المقصد الأولُ من تلاوة القرآن الكريم هو الفهم والتدبُّر اللازمان للعملِ به؛ قال تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]. ومن علامات التدبر: • التأثير والانفعال بالآيات الكريمات حسَب موضوعِها وسياقها، فيفرَحُ القارئُ عندما يتلو آيات التبشير والرَّجاء، ويحزَنُ ويبكي عند آياتِ الترهيب والوعيد، وهكذا تتغيَّرُ حاله ومشاعره، ويعرض نفسَه على الآيات التي تذكُرُ صفاتِ المؤمنين ليستكملَ ما ينقصه منها، وعلى الآيات التي تذكر صفاتِ المنافقين والكافرين ليبتعدَ عنها. • وإذا قرأ آيةَ نعيم دعا الله أن يكونَ من أهله، وإذا تلا آيةَ عذاب تعوَّذ بالله منه، وعند وَصْف الجنة يطير قلبُه شوقًا إليها، وعند ذِكْر النار ترتعد فرائصُه خوفًا منها. • ومن علاماتِ التدبُّر الشُّعور بأن القارئَ نفسه هو المخاطبُ بالآيات، وهو الذي وجِّهت إليه التكاليف، فيعيش هذا الشعور، ومما يُعِين على التدبُّرِ أن يتلوَ المرءُ السورة، أو الصفحة، أو الآيات بتأَنٍّ، وخشوع، وانفعال، وألا يكون همُّه نهايةَ السورة أو خاتمة الجزء، ولا كم صفحة قرأ، وكم حَسنة جمَع. • ومما يعين على التدبُّر: استحضار الأجر والثواب العظيم على هذا الجهد الضئيلِ؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: ((من قرَأ حرفًا مِن كتاب الله، فله به حَسَنة، والحَسَنة بعَشْر أمثالها، لا أقول: (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))؛ (الترمذي). • وقوله: ((خيرُكم من تعلَّم القرآنَ وعلَّمه))؛ (البخاري). • وقوله: ((اقرَؤوا القرآنَ؛ فإنه يأتي يومَ القيامة شفيعًا لأصحابه))؛ (مسلم). • ومما يُعِين على التدبُّر: تفريغ النَّفس من شواغلها، وتلبية طلباتها قبل الإقبالِ على القراءة؛ لأن الحاجاتِ تلحُّ على النفس، والخواطر ترِدُ على الذهن، ولا بد من صرفِها، فلا يكون قارئ القرآن في أثناء قراءته جائعًا، أو عطِشًا، أو في برد شديد، أو حرٍّ شديد، أو في مكانٍ ينظُرُ فيه للغادين والرَّائحين، أو مشغول الأحاسيس بأمرٍ متوقَّع. • ويمكن للقارئِ - مثلاً - أن يخصصَ ربع ساعة للنظر والتأمُّل في آيةٍ واحدة، أو مجموعة من الآيات (الأفضل ألا تزيد على صفحة واحدة)، يكرِّر تلاوتها، ويحاول تركيزَ ذِهنه في معانيها، فتكون قراءتها عبادة، وتدبُّره عبادة، وينالُه من بركة القرآن بقدرِ إخلاصه ومجاهدته لنفسه: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69]. •ومن الطُّرق المجرَّبة التي تعين على التأمل، أن تكتبَ آية، أو شطر آية، بخطٍّ كبير، وتوضع في مكانٍ لائق بحيث تقعُ عليها العين، وكلما رآها من وضعها كرَّرها مرات عدة مع التركيز على معانيها، ويختار من الآيات ما يناسِبُ حاله؛ فإذا كان في حيرةٍ من أمره لا يدري ماذا يفعل كتب - مثلاً - قوله تعالى: ﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [غافر: 44]. • وإن كان في عُسرٍ وشِدة مادية ومعنوية كتَب قوله تعالى: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5]. • وإن كان مريضًا يرجو الشفاءَ كتب: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 80]. • وإن كان في قلقٍ واضطراب كتب: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]. يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: اللياقة الروحية
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |