السلطان بايزيد الصاعقة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 253 - عددالزوار : 87790 )           »          حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 165 - عددالزوار : 102234 )           »          الموسوعة التاريخية ___ متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 49 - عددالزوار : 3812 )           »          الكبائر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 36 - عددالزوار : 3025 )           »          التحذير من قطيعة الرحم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          مفاتيح الرزق الحلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          معنى (لا حول ولا قوة إلا بالله) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          حقيقة الزهد في الدنيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          تأملات في آيات .. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 262 )           »          أمانة العامل .. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-03-2020, 04:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,313
الدولة : Egypt
افتراضي السلطان بايزيد الصاعقة

السلطان بايزيد الصاعقة
شريف عبدالعزيز الزهيري





مقدمة:
لا تزال صفحات التاريخ وأحداثه الكثيرة والمتشابهة إلى حد كبير توضح لنا طبيعة العداوة ضد الإسلام والمسلمين، وتوضح لنا أطراف معادلة الصراع الأبدي بين الحق والباطل، وأنه ليس بالضرورة أن يكون الباطل مستعلنًا بالكفر، رافعًا لشعار الإلحاد والكفر، فقد يكون من جند الباطل من يتسمى بأسماء المسلمين ويتزيَّا بزيهم ويدعي شرف الانتساب لهذا الدين القويم، وهذا النوع من الأعداء أشد خطرًا وضررًا على الإسلام والمسلمين، لانخداع الكثيرين به وبنواياه، وأكثر الناس تجسيدًا لهذا النوع هم الروافض الذي كانوا وما زالوا في الخندق المقابل للإسلام، وعداوتهم وعمالتهم جلبت على الإسلام والمسلمين الكثير من الويلات والنكبات، فلقد تخصص الروافض ومن سار على دربهم في التحالف مع أعداء الإسلام على مر العصور، فقديمًا تحالفوا مع التتار وأدخلهم حاضرة الخلافة "بغداد" لإزالة الخلافة الإسلامية، وحديثًا تحالفوا مع الشيطان الأكبر! أمريكا وأدخلوها أفغانستان والعراق، وما بين القديم والحديث الكثير من الأخبار والحوادث التي تدل على مدى كراهية هؤلاء الروافض للمسلمين عمومًا وأهل السنة خصوصًا، وبطلنا في هذه المرة قائد عظيم كان له أعظم الآثار والفتوحات على الجبهة الأوروبية، مما جعل الروافض تحترق قلوبهم نارًا على هذا البطل الشجاع ويتآمرون عليه لإزاحته عن هدفه العظيم وهو نشر الإسلام بأوروبا، مما يوضح خالص وطبيعة العلاقة المتينة بين الروافض وأي وكل عدو للإسلام على مر العصور.

صاعقة الإسلام:
كانت الدولة العثمانية منذ قيامها سنة 699 هجرية ذات طابع جهادي محض، فالهدف الذي قامت من أجله هو فتح القسطنطينية، والوسيلة لبلوغ هذا الهدف ليس قطعًا بالمفاوضات وموائد السلام! إنما بالجهاد في سبيل الله، لذلك كان سلاطين هذه الدولة الجهادية على نفس المستوى الأخلاقي والديني والإيماني لهذا الهدف، فكلهم محب للجهاد، عميق الإيمان، في غاية الشجاعة والهمة والعزم الأكيد.

وفي ظل هذا الهدف وفي أحضان تلك الخصال العظيمة وُلد بطلنا الجسور "بايزيد" سنة 761 هجرية فهو "بايزيد بن مراد الأول بن أورخان بن عثمان" فهو السلطان الرابع للدولة العثمانية ولطيب المنبت وعراقة المحضن وأصالة التربية جاء بطلنا "بايزيد" ترجمة حقيقية لهذه الأمور فقد كان شهمًا، كريمًا، شديد التمسك بالإسلام، في غاية الشجاعة والحماسة للجهاد في سبيل الله، غير أنه امتاز عمن سبقوه بسرعة الحركة وقوة الانقضاض على أعدائه حتى لقب بالصاعقة أو "يلدرم" باللغة التركية، وكان مجرد ذكر اسمه "يلدرم" يوقع الرعب في نفوس الأوروبيين عمومًا وأهل القسطنطينية خصوصًا.

تولى "بايزيد" الحكم بعد استشهاد أبيه البطل العظيم "مراد الأول" في معركة "كوسوفو" سنة 791 هجرية، وكانت هذه الولاية بداية خير وبشارة للمسلمين الذين تألموا بشدة لاغتيال بطلهم "مراد الأول" ونذير حزن وغم شديدين على أعداء الإسلام الذين ظنوا أنهم قد أصابوا الإسلام في مقتل يوم أن قتلوا "مراد الأول" ولكنهم لا يعلمون أن المسلمين حالهم كما قال الشاعر:
إِذا سَيِّدٌ مِنّا خَلا قامَ سَيِّدٌ ♦♦♦ قَؤُولٌ لِما قالَ الكِرامُ فَعُولُ

الهدف الأول:
كانت منطقة الأناضول أو آسيا الصغرى دائمًا هي نقطة الانطلاق لأي سلطان عثماني جديد، ذلك لأن هذه المنطقة كانت تمثل الجبهة الداخلية والامتداد الاستراتيجي الخلفي للدولة العثمانية وكانت هذه المنطقة منقسمة على نفسها لعدة إمارات صغيرة يحكمها أمراء متغلبون على رقاب المسلمين فيها وقد سعى السلطان "مراد الأول" لتوحيد الأناضول بعدة وسائل، ولم يكد ينجح في ذلك حتى انفرط العقد مرة أخرى، ثار هؤلاء الأمراء على العثمانيين وسببوا لهم الكثير من المتاعب، وكانت ثوراتهم المتكررة سببًا لصرف جهود العثمانيين عن حرب أوروبا، مما جعل الأوربيين يلتقطون أنفاسهم ويشكلون تحالفات صليبية متكررة لمحاربة العثمانيين.

في سنة 793 هجرية استطاع "بايزيد" أن يضم إمارات "منتشا" و"آيدين"، و"صاروخان" دون قتال بناء على رغبة سكان هذه الإمارات، وقد لجأ حكام هذه الإمارات إلى إمارة "إسفنديار" كما تنازل له أمير "القرمان" "علاء الدين" عن جزء من أملاكه بدلًا من ضياعها كلها، وقد اشتهر "علاء الدين" هذا بالغدر والخيانة، وأخبار جرائمه أيام السلطان "مراد الأول" مشهورة، لذلك فلم يكن مستغربًا على هذا الرجل أن يثور مرة أخرى أيام "بايزيد" مستغلًا انشغاله بالجهاد في أوروبا حيث قام "علاء الدين" بالهجوم على الحاميات العثمانية وأسر كبار قادة العثمانيين واسترد بعض الأراضي، فعاد "بايزيد" بسرعته المعهودة وانقض كالصاعقة على "علاء الدين" وفرق شمله وضم إمارة "القرمان" كلها للدولة العثمانية وتبعتها إمارة "سيواس" و"توقات".

ثم شق "بايزيد" طريقه إلى إمارة "إسفنديار" التي تحولت لملجأ للأمراء الفارين، وطلب "بايزيد" من أمير "إسفنديار" تسليم هؤلاء الثوار فأبى فانقض عليه "بايزيد" وضم بلاده إليه، والتجأ الأمير ومن معه إلى طاغية العصر "تيمورلنك" وسيكون لذلك أثر شديد فيما بعد.

الصاعقة تضرب أوروبا:
بعدما فرغ "بايزيد" من ترتيب الشأن الداخلي والقضاء على ثورات الأناضول، اتجه إلى ناحية أوروبا وبدأ أولى خطواته الجهادية هناك بإقامة حلف ودي مع "الصرب" وربما يستغرب القارئ من هذه المحالفة، ذلك لأن الصرب كانوا من أشد الناس عداوة للمسلمين وحتى الآن كذلك، ولأنهم كانوا السبب في قيام تحالف بلقاني صليبي ضد المسلمين، بل إن السلطان "مراد الأول" والد "بايزيد" قد قتل في حربه ضدهم، وكل هذه الأسباب كافية لمنع التحالف معهم، ولكن "بايزيد" الصاعقة كان له وجهة نظر ذكية، وهي أن الحلف مع الصرب يجعلهم بمنزلة الحاجز القوي بين الدولة العثمانية وإمبراطورية المجر التي كانت وقتها أقوى الممالك الأوروبية وتلقب بحامية الصليب، وكانت علائق المجر والصرب متوترة، فاستغل بايزيد ذلك للتفرغ إلى الغرب والوسط الأوروبي وفتح القسطنطينية وهذا من فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد الذي يحتاجه الحاكم المسلم على الدوام، ولا يفهم من هذا الفقه إباحة ما حرمه الله عز وجل أو الإخلال بعقيدة الولاء والبراء، إنما هو من جنس المعاهدات المؤقتة التي تخدم هدفًا معينًا لفترة معينة، أي أنها لا تبطل شريعة الجهاد في سبيل الله أبدًا وهي تشبه جنس معاهدة الحديبية وغيرها.

كان "بايزيد" يهدف من محالفته للصرب غاية هامة ألا وهي التفرغ للوسط الأوروبي والقسطنطينية لذلك فقد قام بتوجيه ضربة خاطفة إلى "بلغاريا" وفتحها سنة 797 هجرية، وأصبحت "بلغاريا" من وقتها إمارة تابعة للدولة العثمانية، مما جعل أوروبا ترتجف رعبًا تحت ضربات الصاعقة الإسلامية التي فتحت البلاد الواحدة تلو الأخرى.

أيام العزة:
بلغت عزة المسلمين أيام السلطان "بايزيد" مبلغًا عظيمًا ذكرت الناس بأيام الصحابة رضوان الله عليهم ومن سار على دربهم من سلف الأمة والقادة العظام، وبلغت هذه العزة والعظمة مبلغها عندما فرض "بايزيد" الصاعقة على إمبراطور بيزنطة "مانويل" عدة شروط منها:
1- إنشاء محكمة إسلامية وتعيين قضاة مسلمين بها للفصل في شؤون الرعية مسلمة بها.
2- بناء مسجد كبير بها والدعاء فيه للخليفة العباسي بمصر ثم السلطان "بايزيد" وذلك يوم الجمعة.
3- تخصيص 700 منزل داخل المدينة للجالية المسلمة بها.
4- التنازل عن نصف حي "غلطة" لوضع حامية عثمانية، قوامها ستة آلاف جندي.
5- زيادة الجزية المفروضة على الدولة البيزنطية.
6- فرض رسوم جديدة على مزارع الكروم والخضروات الواقعة خارج المدينة.
والناظر لهذه الشروط يجدها في غاية الذلة والمهانة لإمبراطور بيزنطة "مانويل" ولكن لعلمه بضعف موقفه وقوة المسلمين قبل هذه الشروط، ودوت تكبيرات الأذان في جنبات القسطنطينية.

التحالف الصليبي ومعركة نيكوبولس:
كان سقوط بلغاريا وقبول "مانويل" للشروط السابقة بمثابة جرس الإنذار القوي لكل الأوروبيين خاصة ملك المجر "سيجسموند" والبابا "بونيفاس" التاسع، فاتفق عزم الرجلين على تكوين حلف صليبي جديد لمواجهة الصواعق العثمانية المرسلة، واجتهد "سيجسموند" في تضخيم حجم هذا الحلف وتدويله، باشتراك أكبر قدر ممكن من الجنسيات المختلفة، وبالفعل جاء الحلف ضخمًا يضم مائة وعشرين ألف مقاتل من مختلف الجنسيات "ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وأسكتلندا وسويسرا وإيطاليا" ويقود الحلف "سيجسموند" ملك المجر.

تحركت الحملة الصليبية الجرارة سنة 800 هجرية، ولكن بوادر الوهن والفشل قد ظهرت على الحملة مبكرًا، ذلك لأن "سيجسموند" قائد الحملة كان مغرورًا أحمقًا، لا يستمع لنصيحة أحد من باقي قواد الحملة، وحدث خلاف شديد على استراتيجية القتال، "فسيجسموند" يؤثر الانتظار حتى تأتي القوات العثمانية، وباقي القواد يرون المبادرة بالهجوم، وبالفعل لم يستمعوا لرأي "سيجسموند" وانحدروا مع نهر الدانوب حتى وصلوا إلى مدينة "نيكوبولس" في شمال البلقان.

لم يكد الصليبيون يدخلون المدينة حتى ظهر "بايزيد" الصاعقة ومعه مائة ألف مقاتل كأنما الأرض قد انشقت عنهم، وكان ظهوره كفيلًا بإدخال الرعب والهول في قلوب الصليبين فوقعت عليهم هزيمة مدوية حتى إن "سيجسموند" الذي وقف قبل المعركة يقول في تيه وغرور: "لو انقضت علينا السماء من عليائها لأمسكناها بحرابنا"، يهرب مثل الفأر المذعور ويلقي بنفسه في مركب صغير ويترك خلفه حملته الفاشلة تذوق ويلات هزيمة مروعة.

كلمات من ذهب:
أسفرت معركة نيكوبولس عن نصر عظيم للمسلمين كان له أعظم الأثر في العالم الإسلامي بأسره، ووقعت بشارة الفتح في كل مكان مسلم، وأرسل "بايزيد" إلى كبار حكام العالم الإسلامي يبشرهم بالفتح وبالعديد من أسرى النصارى كهدايا وسبايا لهؤلاء الحكام باعتبارهم دليلًا ماديًا على روعة النصر، وأرسل "بايزيد" إلى الخليفة العباسي بالقاهرة يطلب منه الإقرار على لقب "سلطان الروم" الذي اتخذه "بايزيد" دليلًا على مواصلة الجهاد ضد أوروبا حتى يفتحها كلها، ووافق الخليفة على ذلك، وانساح كثير من المسلمين إلى بلاد الأناضول حيث الدولة العثمانية القوية المظفرة.

وقد وقع في أسر "بايزيد" في هذه المعركة الكثير من القادة والأمراء النصارى، من بينهم الكونت "دي نيفر" الذي أقسم بأغلظ الأيمان ألا يعود لمحاربة العثمانيين، فإذا بالقائد المسلم المعتز بدينه، العارف بقدر هدفه وسبب وجوده يقول له بكلمات من ذهب: "إني أجيز لك ألا تحفظ هذا اليمين، فأنت في حل من الرجوع إلى محاربتي، إذ لا شيء أحب إلى من محاربة جميع مسيحيي أوروبا والانتصار عليهم"، ثم قال كلمته الشهيرة التي أفزعت كل نصارى أوروبا بل العالم بأسره، قال: "سأفتح إيطاليا إن شاء الله، وسأطعم حصاني هذا الشعير في مذبح القديس بطرس بروما"، أي أن عزمه وهدفه لن يتوقف عند القسطنطينية فقط، فأين المسلمون الآن من هذه العزة والعزيمة؟

حصار القسطنطينية:
بعد معركة "نيكوبولس" الكبيرة، والانتصار الرائع الذي حققه "بايزيد" على التحالف الصليبي ثبَّت العثمانيون أقدامهم في منطقة البلقان، وخضعت الشعوب السلافية للسلطة الإسلامية، ودخلت البوسنة وبلغاريا في حدود الدولة العثمانية، وقام السلطان "بايزيد" بمعاقبة حكام شبه جزيرة المورة "اليونان الآن" الذين قدموا مساعدة عسكرية للتحالف الصليبي، وبث "بايزيد" السرايا العثمانية في وسط أوروبا لملاحقة فلول الصليبيين ومنعهم من التجمع مرة أخرى.
وبعد هذه الإجراءات الحربية التي مهدت السبيل للهدف الأول والأسمى لدى الدولة العثمانية يمم "بايزيد" وجهه إلى القسطنطينية، وكان إمبراطورها "مانويل" قد ساعد الحملة الصليبية ضد المسلمين، فقرر "بايزيد" محاصرة المدينة وعدم الانصراف عنها حتى يفتحها، وبالفعل نزل بساحتها وضرب عليها حصارًا مرهقًا محكمًا وضغط عليها بكل قوة حتى أشرفت المدينة على السقوط، ولكن تحدث مفاجأة لم تكن في الحسبان جعلت "بايزيد" يفك الحصار ويعود مسرعًا إلى الأناضول، ولكن لماذا؟

تيمور لنك الرافضي:
كان القرن الثامن الهجري إيذانًا بظهور قوة إسلامية جديدة في عدة مناطق مختلفة من العالم، حيث ظهرت الدولة العثمانية في آسيا الصغرى، ودولة المماليك في مصر والشام والحجاز، وقوة التتار المسلمين في بلاد ما وراء النهر، وكانت القوة الأخيرة يقودها رجل ينتمي للإسلام فقط بالاسم وهو الطاغية المجرم "تيمور لنك" الذي ذكَّر الناس بمجازر ومذابح المغول عندما اكتسحوا العالم الإسلامي في أوائل القرن السابع الهجري، فقد نشأ "تيمور لنك" على المذهب الرافضي، وتشرب منذ صغره على كراهية أهل السنة، فجاءت كل حروبه وغزواته الشريرة ضد المسلمين ولم يذق ويلاتها سواهم، وما فتت جيوشه سوى بلادهم، وصار ألعوبة في يد أعداء الإسلام يوجهونه لقتال المسلمين أينما شاءوا، ووقت ما شاءوا، وقد استطاع "تيمور لنك" أن يوسع أملاكه حتى شملت المنطقة الشاسعة من "دلهي" بالهند حتى دمشق بالشام، ومن بحر أرال في الشمال حتى الخليج العربي بالجنوب، ودمر عدة ممالك إسلامية قوية وظاهرة مثل مملكة دلهي المسلمة، ومملكة مغول الشمال الإسلامية، ومملكة مغول العراق، وتقمص شخصية سلفه "جنكيز خان" في الرغبة الجامحة في سفك الدماء والسيطرة على العالم، وذلك كله تحت شعار رافضي معروف وهو استعادة حق آل البيت المغصوب!
كان من الطبيعي جدًا لرجل بمثل هذه الخصال والعقائد الضالة والحنق الشديد على المسلمين أن يفتعل صدامًا مع الدولة العثمانية القوية، فلقد أكلت الغيرة قلبه من سطوع نجم "بايزيد" بعد معركة "نيكوبولس" وحصار القسطنطينية، واغتاظ من ثناء الناس على العثمانيين في كل مكان وكانت الذرائع التي تذرع بها "تيمور لنك" في جملتها واهية لا ترقى لحجم الدمار والمأساة التي سيسببها للإسلام والمسلمين.

مقتل بايزيد:
كان "بايزيد" كما قلنا من قبل رجلًا شديد الحماسة والشجاعة، سريع الحركة والانقضاض في ميادين القتال، يتحرك في معاركه الحربية على عدة محاور وفي مختلف الاتجاهات بنفس السرعة والحماسة، وهي خصال حميدة جميلة ولكنها قد تقود في بعض الأحيان للعجلة والتسرع ومن ثم الهزيمة، فلقد دخلت جيوشه في معارك كثيرة وتحركت في جهات مختلفة وبصورة شبه مستمرة مما أورث جنوده التعب والضجر والشوق للأهل والوطن، وهذا ما لم يعلمه "بايزيد" ويقدره عندما استدرجه الطاغية المجرم "تيمور لنك" للصدام عند سهل أنقرة.

تقدم تيمور لنك بجيوشه التي يقدر عددها بثمانمائة ألف مقاتل واحتل "سيواس" وأباد حاميتها التي كان يقودها "أرطغرل بن بايزيد" وقتله شر قتلة، ففك "بايزيد" حصاره على القسطنطينية وعاد بمنتهى السرعة بجيشه المتعب من طول الحصار وكان يقدر بمائة وعشرين ألف مقاتل، أغلبهم منهكون من مواصلة القتال ثم الحصار، وكانت سرعة "بايزيد" هذه المرة نقمة عليه، فلم يحسن اختيار المكان ولا الإعداد للقاء جيش جرار مهول مثل جيش تيمور لنك، ثم جاءت الطامة بفرار الجنود التتار الذين كانوا مع جيش "بايزيد" وجنود الإمارات الأناضولية المفتوحة حديثًا وانضمامهم لجيش تيمور لنك الذي كان يضم أمراء هذه الإمارات والذين قد سبق وأن فروا إلى تيمور لنك عند سقوط هذه الإمارات، فوقعت الهزيمة على "بايزيد" ووقع هو في الأسر.

لقد كان تيمور لنك من أخبث الناس وأشرهم فقد عمد على إذلال "بايزيد" وهو أسير حتى قيل إنه قد وضعه في قفص وطاف به البلاد، وبعض المؤرخين يكذب هذه الرواية، وإن كانت غير مستغربة على هذا الرجل الطاغية الذي اعتاد أن يذل أسراه، وأخباره مشهورة في ذلك، وكان لوقوع بايزيد في الأسر أثر شديد على نفسية هذا البطل الشجاع المملوء بالحماسة والحساسية الإيمانية، فقتله الهم والحزن على ما صار إليه وعلى ما أصاب الدولة العثمانية من التفكك مرة أخرى، وصار يذبل شيئًا فشيئًا حتى مات، رحمه الله، في أسره سنة 805 هجرية وفرح لموته كل نصارى أوروبا وكل عدو للإسلام في العالم.

المراجع:
1- الدولة العثمانية في التاريخ الحديث.
2- تاريخ الدولة العلية.
3- الدولة العثمانية المفترى عليها.

4- عوامل نهوض وسقوط الدولة العثمانية.
5- أطلس تاريخ الإسلام.
6- موسوعة التاريخ الإسلامي.
7- شذرات الذهب.
8- الضوء اللامع.

راجع كتاب: أبطال سقطوا من الذاكرة للمؤلف، والصادر عن دار الصفوة بالقاهرة، 1427 هـ، 2006 م.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 64.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.22 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (2.65%)]