حول المعلقات في صحيح البخاري: مدخل إلى دراسة "تغليق التعليق" لابن حجر العسقلاني - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن العيد (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          مفهوم النصر يا بنى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          اَلصَّدْقَةُ بَيْنَ حِكْمَتِهَا وَبَيْنَ بَرَكَتِهَا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 77 )           »          قميص يوسف.. رائحة الأمل بعد سنين الفراق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          كل أحاديث العتق في رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          الأعمال التي كان النبي ﷺ يخصُّ بها العشر الأواخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 54 )           »          إياك أن تقصر في العشر الأواخر! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          نظفى بيتك واستعدى للعيد.. عشان يبقى واسع ومنور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          إفطار 26 رمضان.. طريقة عمل سمك مقلى بالخلطة السحرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          6 أخطاء شائعة فى استخدام الشامبو تسبب تساقط الشعر.. بلاش الدراى شامبو (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-01-2025, 12:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 149,396
الدولة : Egypt
افتراضي حول المعلقات في صحيح البخاري: مدخل إلى دراسة "تغليق التعليق" لابن حجر العسقلاني

حول المُعلَّقات في صحيح البخاري

مدخل إلى دراسة "تغليق التعليق" لابن حجر العسقلاني

أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب

الحمد لله؛ أما بعد:
فقد افتتح الحافظ ابن حجر العسقلاني كتابه "تغليق التعليق" بحمد الله والثناء عليه، مُبرِزًا أهميةَ الاشتغال بالعلم، لا سيما علمُ الحديث النبوي، الذي يُعَدُّ أساسًا في التمييز بين الصحيح والمعلول، والموصول والمُرسَل، وخصَّص الحديث عن كتاب "الجامع الصحيح" للإمام محمد بن إسماعيل البخاري، الذي وصفه بأنه أصحُّ كتابٍ بعد كتاب الله سبحانه وتعالى؛ لِما اشتمل عليه من أصح الأحاديث، وما حَوَاه من فقهٍ نافعٍ، ودقَّةٍ في عدالة الرواة وتجريحهم؛ حيث قال عن هذا الكتاب المبارك في "تغليق التعليق ت سعيد القزقي" (2/5): "قد اختصَّ بالمرتبة العليا، ووُصِف بأنه لا يوجد كتاب بعد كتاب الله مُصنَّفٌ أصحُّ منه في الدنيا؛ وذلك لِما اشتمل عليه من جمع الأصح والصحيح، وما قُرِنَ بأبوابه من الفقه النافع الشاهد لمؤلِّفه بالترجيح إلى ما تميَّز به مؤلفه عن غيره، بإتقان معرفة التعديل والتجريح".

أسباب تميُّز صحيح البخاري:
يُعَدُّ الإمام البخاريُّ من أبرز أئمة الحديث الذين أولَوا عنايةً خاصة بصحة الإسناد، ودِقَّةِ الرواية، وفقهِ الحديث، ومما يمتاز به كتاب صحيح البخاري:
التركيز على أصحِّ الأحاديث: أوضَحَ ابنُ حجرٍ أن البخاريَّ جَمَعَ في كتابه ما كان أصح الأحاديث سندًا ومتنًا، مما أكسبه مرتبةً لا تُضاهَى بين كتب الحديث.

الجمع بين الحديث والفقه: امتاز صحيحُ البخاري بترتيب أبوابه على أُسُسٍ فقهية؛ مما يدل على فَهم عميق للمسائل الشرعية؛ حيث جَعَلَ الأحاديثَ شاهدةً على فقه الأبواب.

إتقان التعديل والتجريح والتميُّز في باب العِلَلِ: تفوَّق البخاريُّ في نقد الرجال، وتمييز العدول من المجروحين؛ مما رفع قيمةَ كتابِهِ مصدرًا للحديث الصحيح.

الأقسام الرئيسية التي يحتاجها طالبُ علمِ الحديث:
ذكَرَ ابن حجر في مقدمة كتابه "تغليق التعليق" ثلاثةَ أقسام رئيسية لِما يحتاجه طالب العلم لفَهمِ صحيح البخاري، والاستفادة منه، والانتفاع به؛ حيث قال كما في "تغليق التعليق ت سعيد القزقي" (2/5): "وتأملتُ ما يحتاج إليه طالب العلم من شرح هذا الجامع، فوجدته ينحصر في ثلاثة أقسام من غير رابع:
الأول: في شرح غريب ألفاظه، وضبطها وإعرابها.

والثاني: في معرفة أحاديثه وتناسُب أبوابه.

والثالث: وصل الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة المعلَّقة فيه، وما أشبه ذلك من قوله: تابعه فلانٌ، ورواه فلان، وغير ذلك.

خصَّص ابن حجر العسقلاني كتابه "تغليق التعليق" لتناول المحور الثالث في دراسة صحيح البخاري، وهو وصل الأحاديث والآثار التي أوردها البخاري بصيغة التعليق، سواء كانت مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو موقوفةً على الصحابة والتابعين، في هذا الكتاب، يشرح ابنُ حَجَرٍ كيفيةَ فَهمِ هذه الأحاديث والآثار المعلَّقة ضمن سياق الروايات الموصولة؛ ما يجعل الكتاب مساهَمة فريدة في علم الحديث.

أثارت الأحاديث المعلَّقة في صحيح البخاري اهتمامَ العلماء على مرِّ العصور؛ لِما تتميز به من خصائص علمية دقيقة، وكان الحافظ ابنُ حَجَرٍ من أبرز من تناول هذا الموضوع بالتفصيل والشرح في كتابه؛ ففي مقدمة "تغليق التعليق"، يعرِض ابن حجر منهجيةَ الإمام البخاري في إدراج المعلَّقات في صحيحه، موضحًا أسبابَ استخدامها، وكيفية صياغتها، وأحكامها، كما يُناقِش استخدامَ البخاري لصيغ؛ مثل: "قال" و"عن"، مبينًا أن ذلك لا يدل على التدليس، وإنما يعكس دقة البخاري وعمق اختياراته.

في هذه المقدمة، يشدِّد ابن حجر على أهمية دراسة وتحقيق الأحاديث المعلَّقة في صحيح البخاري، مشيرًا إلى أن هذا الجانب لم يحظَ بالعناية الكافية من العلماء السابقين؛ لذلك يعتبر ابن حجر هذا العمل ضرورةً مُلِحَّةً للباحثين في علوم الحديث؛ لِما يحتويه من تفاصيلَ منهجية وعلمية تجعل منه مجالًا خِصبًا للتعمُّق والتطوير.

تسمية كتاب "تغليق التعليق" وأهمية دراسة معلَّقات البخاري:
سمَّى ابن حجر كتابه "تغليق التعليق"؛ لأنه أغلق الفَجَوات في أسانيد البخاري التي كانت معلَّقةً، كما أتمَّ متون الأحاديث التي قد تكون مختصرة؛ قال ابن حجر في "تغليق التعليق – ت سعيد القزقي" (2/6): "وسمَّيتُه ‌تغليق ‌التعليق لأن أسانيده كانت كالأبواب المفتَّحة، فغُلِّقت، ومتونه ربما كان فيها اختصار، فكملت واتسقت".

وذكر فيه نقاطًا مهمَّةً؛ منها:
الإشارة إلى نُدرة الدراسات المفردة حول المعلَّقات والدعوة إلى تصنيف خاص بها: دعا ابن حجر إلى دراسة مفصَّلة للمُعلَّقات في صحيح البخاري؛ لتِبيان درجاتها من الصحة أو الحسن أو غير ذلك، خاصةً أن أكثرها يقع في صدور الأبواب؛ قال ابن حجر في "تغليق التعليق" (2/6): "وأكثر ما وقع للبخاري من ذلك في صدور الأبواب، ‌وهو ‌مفتقر ‌إلى ‌أن ‌يصنَّف ‌فيه ‌كتاب ‌يخصه ‌تُسنَد ‌فيه ‌تلك ‌الْمُعلَّقات، ‌وتُبيَّن ‌درجتها ‌من ‌الصحة ‌أو ‌الحسن، ‌أو ‌غير ‌ذلك من الدرجات".

السعي لوصل كل حديث معلَّق: بذل ابن حجر جهدًا في تتبُّع كافة الأحاديث المعلَّقة في صحيح البخاري، لإتمام السند وترتيبها وفقًا لأبواب الكتاب؛ قال ابن حجر في "تغليق التعليق – ت سعيد القزقي" (2/6): "فاستخرتُ الله في جمع هذا القسم إلى أن حصرته وتتبَّعت ‌ما ‌انقطع منه، فكل ما وصلت إليه وصلتُه وسردتُه على ترتيب الأصل بابًا بابًا، وذكرت من كلام الأصل ما يحتاج إليه الناظر، وكان ذلك صوابًا".

تأكيد صحة قاعدة أنَّ ما علَّقه البخاري بصيغة الجزم يُفيد الصحة إلى آخره، وتفنيد حُجَّة المخالفين: يرى ابن حجر أن وَصْلَ الأحاديث المعلَّقة يُقيم البرهان على صحة قاعدة البخاري بأن صيغة الجزم تفيد الصحة، كما يُزيل الشكوك التي قد يُثيرها المخالفون لهذه القاعدة، أو الْمُشكِّكون في صحة الأحاديث المعلَّقة بسبب عدم وصل أسانيدها؛ قال ابن حجر في "تغليق التعليق – ت سعيد القزقي" (2/11 - 12): "‌فائدة ‌ذلك ‌إقامةُ ‌البرهان على ما قرَّرته، وإدحاض حُجَّة المخالف لهذه القاعدة، فإن المخالف لها إذا رأى حديثًا علَّقه البخاري ولم يُوصِل إسناده، حَكَمَ عليه بالانقطاع لا سيما إن كان علَّقه عن شيوخ شيوخه، أو عن الطبقة التي فوق، فإن قال له خصمه: هذا مُعلَّق بصيغة الجزم، فطلب منه الدليل على أنه موصول عند البخاري، ما يكون جوابه إن أجاب بأن القاعدة أنه لا يجزم إلا بما صح عنده، قال له: أنا لا ألتزم هذه القاعدة بلا دليل؛ لأنها على خلاف الأصل، وإنما أحكمُ بما ظهر لي من أن هذا السياق حكمه الانقطاع، وأن البخاريَّ لم يلقَ هذا الرجل المعلق عنه، وأي فرق يبقى بين هذا وبين المنقطع، وإن أجابه بأن الإمام فلانًا روى هذا الحديث في تصنيفه مسندًا متصلًا، كان ذلك أدعى لرجوعه، وأذعنَ لخضوعه، ولم يبقَ إلا التسليمُ، وفوق كل ذي علم عليم".

إظهار منهجية البخاري الدقيقة: وَصْلُ الأحاديث يُبرز حرصَ البخاري على الدِّقَّة في النقل، حتى مع صيغة التعليق، ويُوضِّح أن صيغة الجزم لديه تعتمد على تحقيق مُتقَنٍ لصحة الحديث.

الشهادة بأهمية تحقيق معلَّقات صحيح البخاري: اعتبر ابن حجر أن هذه المعلقات لا تقل أهمية عن الأحاديث الْمُسنَدة في الصحيح، خاصة لمن له عناية بدراسة صحيح البخاري؛ قال ابن حجر في "تغليق التعليق – ت سعيد القزقي" (2/ 6): "وقد نقلتُ من كتاب ترجمان التَّراجِم للحافظ أبي عبدالله بن رشيد ما نصُّه، بعد أن ذَكَرَ التعليق، وهل هو لاحق بحكم الصحيح أم متقاصر عنه، قال: وسواء كان منسوبًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى غيره، وأكثر ما وقع للبخاري من ذلك في صدور الأبواب، وهو مُفتقِر إلى أن يُصنَّف فيه كتابٌ يخصُّه، تُسند فيه تلك المعلقات وتُبيَّن درجتها من الصحة أو الحسن أو غير ذلك من الدرجات، وما علمت أحدًا تعرَّض لتصنيف في ذلك، وإنه لَمُهمٌّ، لا سيما لمن له عناية بكتاب البخاري؛ [انتهى]".

منهج ابن حجر في كتابه "تغليق التعليق":
قال ابن حجر في بيان منهجه في "تغليق التعليق ت سعيد القزقي" (2/ 6): "فاستخرت الله في جمع هذا القسم، إلى أن حصرته وتتبعت ما انقطع منه، فكل ما وصلت إليه وصلتُه وسردتُه على ترتيب الأصل بابًا بابًا، وذكرت من كلام الأصل ما يحتاج إليه الناظر، وكان ذلك صوابًا".

إذًا من حيث ترتيب الكتاب، فقد سار الحافظ فيه على ترتيب البخاري لجامعه، وقد التزم بهذا المنهج؛ قال الدكتور سعيد القزقي في مقدمة تحقيقه لكتاب "تغليق التعليق" (1/ 267): "ولم يخرج إلا في موضع أو موضعين؛ حيث قدَّم وأخَّر في أبواب عن الترتيب المتبع في الجامع".

ثم أضاف ابن حجر في بيان منهجه في "تغليق التعليق ت سعيد القزقي" (2/ 12): "‌والتزمتُ ‌في ‌وصل هذا التعليق أن أسُوقَ أحاديثه المرفوعةَ، وآثاره الموقوفة بإسنادي إلى من علَّق عنه المصنِّف لا إلى غيره، إلا أن يتكرر النقل من كتاب كبير هو عندي أو أكثره بإسناد واحد إلى مصنِّفه، فإني أُحيل عليه غالبًا، وأجمع أسانيدي في الكتب التي أُحيل عليها في فصل أختِم به هذا المجموع، يتلو فصلًا آخرَ في سياق ترجمة المؤلف ومناقبه".

أي: إن ابنَ حَجَرٍ يذكر من كلام الأصل، أي من صحيح البخاري، ما يحتاج إليه الناظر، ثم يبدأ في الكلام على وصل التعليق الذي ينقله من صحيح البخاري، فيسوق ابن حجر سنده إلى من علَّق الحديث، ثم يُحيل على من خرَّج الحديث من أصحاب الكتب المشهورة.

ويستكمل ابن حجر بيان منهجه فيقول في "تغليق التعليق ت سعيد القزقي" (2/ 12): "فإن علَّق الحديث في موضعٍ وأسنده، نبَّهتُ عليه، واكتفيت به، إلا أن يختلف لفظ المعلَّق ولفظ الموصول، فأُنبِّه حينئذٍ على من وصله بذلك اللفظ".

وفي هذا تقديمُ وصلِ البخاري لكثيرٍ من الْمُعلَّقات في صحيحه، وهو بالتأكيد أولى ذكره من ذكر الوصل من طريق آخر، ويذكر ابن حجر أيضًا من خرَّج الحديث من أصحاب الكتب المشهورة، ولا ينسى ابن حجر أن ينبِّه على الفوارق بين سنده وسند الكتب المشهورة التي يشير إليها، إن كان هناك فروق، من علوٍّ ووصلٍ، وغير ذلك.

وقال ابن حجر في بيان منهجه أيضًا في "تغليق التعليق ت سعيد القزقي" (2/12): "وإذا لم يسمِّ أحدًا من الرواة، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلًا كذا، فإنني أُخرِّجه من أصحِّ طُرُقِهِ، إن لم يكن عنده في موضع آخر كما سبق".

ويستكمل ابن حجر في بيان منهجه في "تغليق التعليق ت سعيد القزقي" (2/ 12-13): "وأما التبويب فإنه يبوب كثيرًا بلفظ حديثٍ أو أثرٍ، ويسوقه في ذلك الباب مسندًا، أو يُورِد معناه، أو ما يناسبه؛ كقوله في كتاب الأحكام، باب الأمراء من قريش، وساق في الباب حديث معاوية: ((لا يزال والٍ من قريش))، واللفظ الأول لم يخرجه وهو لفظ حديث آخر، وقوله: باب اثنان فما فوقهما جماعة، ثم ساق فيه حديث: ((أذِّنا وأقِيما وليؤمَّكما أكبركما))، فلم أتكلف لتخريج ذلك، إلا إذا صرح فيه بالرواية".

ويختم ابن حجر بيان منهجه في "تغليق التعليق ت سعيد القزقي" (2/ 13) قائلًا: "وإذا أخرجتُ الحديث من مصنف غير متداول؛ فذلك لفائدتين: أحدهما: أن يكون من مسموعي، والثانية: أن يكون عاليًا، ومع ذلك فأُنبِّه على من أخرجه من أصحاب الكتب المشهورة، وعلى كيفية ما أخرجوه في الغالب".

قال د. سعيد القزقي في "مقدمة تغليق التعليق" (1/ 272): "وقد التزم بهذا المنهج بكل دقة وما فاته من وصل التعاليق والآثار الموقوفة إلا الشيء اليسير".

تعريف المعلَّقات في اصطلاح المحدثين:
تعريف التعليق: التعليق في اصطلاح المحدثين، هو حذف أوائل الإسناد وصولًا إلى أحد الرواة، مع استخدام صيغة تدل على انقطاع الاتصال، قد تعبر عنه بصيغ مثل: "قال"، "روى"، "ذكر"، أو "يُقال".

مصطلح التعليق في التراث الحديثي: أشار ابن حجر إلى أن المصطلح ظهر أولًا عند الدارقطني، ثم تبعه العلماء؛ حيث قال في "تغليق التعليق ت سعيد القزقي" (2/7): "فأما تسمية هذا النوع بالتعليق، فأول ما وُجِدَ ذلك في عبارة الحافظ الأوحد أبي الحسن علي بن عمر ‌الدارقطني، وتبعه عليه من بعده".

ثم ذكر أن لفظ التعليق اشتُقَّ من التشبيه بتعليق الجدار أو الطلاق؛ لأن هذه الألفاظ تشير إلى انقطاع أو شرطية في الاتصال، وقد رجَّح التشبيه الثاني؛ قال ابن حجر في "تغليق التعليق ت سعيد القزقي" (2/7): "فقال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح فيما أخبرنا أبو الحسن بن أبي المجد، عن محمد بن يوسف بن عبدالله الشافعي عنه، كأنه مأخوذ من تعليق ‌الجدار، وتعليق الطلاق ونحوه؛ لِما يشترك الجميع فيه من قطع الاتصال والله أعلم، قلت: أخذه من تعليق ‌الجدار فيه بعد، وأمَّا أخْذُه من تعليق الطلاق وغيره، فهو أقرب للسببية؛ لأنهما معنويان".

تعريف المعلقات في صحيح البخاري:
المعلَّقات في صحيح البخاري هي الأحاديث التي حذف الإمام البخاري أول أسانيدها أو أكثر؛ قال ابن حجر في "تغليق التعليق – ت سعيد القزقي" (2/7): "وأما التعريف به في الجامع، فهو ‌أن ‌يحذِفَ من أول الإسناد رجلًا فصاعدًا معبرًا بصيغة لا تقتضي التصريح بالسماع؛ مثل: قال، وروى، وزاد، وذكر، أو يُروَى ويُذكَر ويُقال، وما أشبه ذلك من صيغ الجزم والتمريض".

وقد يُعبَّر عنها بصيغتين:
صيغة الجزم وحكمها: مثل "قال"، و"ذكر"، وتشير إلى صحة الحديث إلى من علَّق عنه، عندما يعلِّق البخاري حديثًا بصيغة الجزم، فإن ذلك يشير إلى صحة الحديث عنده، حتى وإن لم يُسنده مباشرة.

قال ابن حجر في "تغليق التعليق - ت سعيد القزقي" (2/8): "فإن جزم به، فذلك حكمٌ منه بالصحة إلى من علَّقه عنه، ويكون النظر إذ ذاك فيمن أبرز من رجاله".

وقال في "تغليق التعليق – ت سعيد القزقي" (2/11): "ما علَّقه بصيغة الجزم يفيد الصحة إلى آخره".

صيغة التمريض وحكمها: مثل "يُقال"، و"يُذكَر"، وتشعر بوجود ضعف في الحديث عند البخاري، وإن كان قد يصححه غيره، تدل صيغة التمريض على أن الحديث به عِلَّةٌ خفيَّةٌ مثل الانقطاع أو اضطراب السند، لكنها ليست دائمًا قادحة، قد تُستخدَم صيغة التمريض في الحديث الصحيح، لكن الغالب أن البخاريَّ يستخدمها عندما يكون للحديث علة.

قال ابن حجر في "تغليق التعليق - ت سعيد القزقي" (2/ 8): "وإن أتى به بصيغة التمريض، فهو مُشعِرٌ بضعفه عنده إلى من علَّقه عنه، لكن ربما كان ذلك الضعف خفيفًا، حتى ربما صححه غيره، إما لعدم اطلاعه على علَّتِهِ، أو لأن تلك العلة لا تُعَدُّ عند هذا المصحِّح قادحةً، والنظر فيما أبرزه من رجاله، كالنظر فيما أبرزه من رجال الأول".

وقال في "تغليق التعليق – ت سعيد القزقي" (2/ 11): "ولكن الذي ظهر لي أنه لا يعبر بصيغة التمريض إلا ‌فيما ‌له ‌علة، وإن لم تكن تلك العلة قادحة، ومن تأمل هذا التخريج عَرَفَ صحة ما أشرت إليه".

ومن صور استخدامات صيغة التمريض في صحيح البخاري: اختصار الحديث المعلَّق، أو روايته بالمعنى، فعندما يختصر البخاري حديثًا معلقًا أو يرويه بالمعنى، فإنه يتحاشى الجزم بصحته بالكامل؛ بسبب الخلاف حول جواز الرواية بالمعنى أو الاختصار؛ قال ابن حجر في "تغليق التعليق – ت سعيد القزقي" (2/ 11): ‌"إذا ‌أورد ‌مثل ‌ذلك، ‌فإما ‌أن ‌يكون ‌اختصر ‌الحديث ‌المعلَّق، ‌أو ‌رواه ‌من ‌حفِظه ‌بالمعنى، فذلك لا يجزم به لمحل الخلاف في جواز الرواية بكلا الأمرين، هذا مما خرَّجه في موضع آخر في صحيحه، وأما ما لم يخرجه، فيحتمل أن يكون له علة خفِيَّة من انقطاع أو اضطراب أو ضعف راوٍ، وخفِيَ ذلك على من صححه"، ويأتي معنا بالتفصيل إن شاء الله أسباب إيراد البخاري للمعلقات في صحيحه.

ردُّ ابن حجر على من يعترض على هذين الحكمين على المعلقات بصيغ الجزم والتمريض:
قال ابن حجر في "تغليق التعليق - ت سعيد القزقي" (2/ 11): "فإن اعتُرِضَ ‌على ‌ما ‌قدمنا ‌من ‌حكم ‌صيغتي الجزم والتمريض بأن البخاري قد أورد ما ليس له إلا سند واحد، وفيه من تكلم فيه، وجزم به مع ذلك، فالجواب أن البخاري في المنزلة التي رفعه الله إليها في هذا الفن، وهو أحد الأئمة في الجرح والتعديل، بل معدود من أعدلهم قولًا فيه، وأكثرهم تثبيتًا، فإذا اختار توثيق رجلٍ اختلف كلام غيره في جرحه وتعديله، لم يكن كلامُ غيرِهِ حُجَّةً عليه؛ لأنه إمام مجتهد، مع أنا لا نلتزم فيما جزم به أن يكون على شرطه في الجامع الذي هو أعالي شروط الصحة، ومن تأمل هذا التخريج أعياه أن يجد فيه حديثًا معلقًا مجزومًا به ليس له إلا سند واحد ضعيف، بل لا يجد فيه حديثًا من المرفوعات كذلك لم يُصحِّحه أحد من الأئمة، فبطل هذا الاعتراض".

أسباب إدراج المعلقات في صحيح البخاري:
تناول الإمام ابن حجر في كتابه "تغليق التعليق" الأسباب التي دفعت الإمام البخاري إلى استخدام المعلقات في صحيحه؛ ومن أبرز هذه الأسباب:
اختصار الإسناد لغير الحاجة عند تكرار الحديث: علَّق البخاري بعض الأحاديث لتجنُّب الإطالة في ذكر الإسناد، خاصة إذا كان الحديث قد وَرَدَ مسندًا في مواضع أخرى، أو كان الغرض الإشارة إلى أصل الحديث، وقد أوضح ابن حجر ذلك بقوله في "تغليق التعليق – ت سعيد القزقي" (2/8): "فالسبب في تعليقه ‌إما ‌لتكراره، ‌أو ‌لأنه ‌أسند ‌معناه في الباب، ولو من طريق أخرى، فنبَّه عليه بالتعليق اختصارًا"، وهذا يُبرز منهج البخاري في تحقيق التوازن بين الإيجاز وحفظ الأحاديث مع أسانيدها.

الاقتصار على جزء من الحديث، أو الإشارة إلى أصل الحديث استشهادًا أو استئناسًا: قد يُورِد البخاري في صحيحه جزءًا مختصرًا من الحديث، أو حديثًا معلقًا لتحقيق أهداف متعددة؛ مثل: التركيز على النقطة التي تخدُم الباب الفقهيَّ الذي يناقشه، أو التنبيه على أصل الحديث دون التفاصيل الكاملة، كما يستخدم البخاري هذه الأحاديثَ أحيانًا استشهادًا أو استئناسًا؛ لتقوية رأي فقهي، أو لتوضيح مسألة معينة، دون أن يعتمدها أحاديثَ مسندةً بالكامل وفق شروطه، وبهذا الأسلوب الدقيق، يجمع بين الاختصار والتوضيح، مع الاستفادة من الحديث لدعم النقاش الفقهي، أو تعزيز الربط بين الرواية والمسألة المطروحة.

الإشارة إلى المتابعات والشواهد: يعمِدُ البخاري أحيانًا إلى ذِكْرِ الحديث المعلَّق دليلًا إضافيًّا أو متابعة لمعنًى، دون الاحتجاج به حديثًا مستقلًّا، كما ذكره ابن حجر في النقل السابق.

التأكيد على سماع أحد الرواة من شيخه: في حالة وجود راوٍ موصوف بالتدليس، يُعلِّق البخاري الحديثَ للتنبيه على ضرورة التحقق من الاتصال بين الرواة؛ قال ابن حجر في "تغليق التعليق – ت سعيد القزقي" (2/8): "أو ليُبيِّن سماع أحد رواته من شيخه إذا كان موصوفًا بالتدليس".

إيراد الحديث الموقوف: يُورِد البخاري الأحاديث الموقوفة (ما وقف إسنادها على الصحابة أو التابعين) في بعض المواضع، لتنبيه القارئ إلى أصل الحديث على الرغم من أنها ليست من موضوعات كتابه؛ قال ابن حجر في "تغليق التعليق – ت سعيد القزقي" (2/8): "أو كان موقوفًا؛ لأن الموقوف ليس من موضوع الكتاب".

عدم استيفاء شرط الصحة الكامل بمعايير البخاري الصارمة: يلتزم البخاري في صحيحه معاييرَ صارمةً للصحة، فلا يجزم بحديث إلا إذا استوفى أعلى درجات الضبط والإتقان وفق شروطه الخاصة، حتى وإن صحَّحه علماء آخرون، وإذا لم يستوفِ الحديث هذه الشروطَ، كوجود راوٍ لم يبلُغ درجة الضبط المطلوبة، أو لأي سبب آخر، فقد يُورِده معلقًا للاستئناس أو لدعم حديث مسند آخر، وعندما يشير البخاري إلى ضعف الحديث، يستخدم صيغ التمريض؛ مثل: "روى" أو "يُقال"؛ للدلالة على عدم اعتماده الحديث على أنه صحيح وفقًا لمعاييره، مع إبقاء احتمالية تصحيحه من قِبل غيره من العلماء، مما يعكس دقته وصرامته العلمية.

وقد أشار ابن حجر إلى ذلك بقوله في "تغليق التعليق – ت سعيد القزقي" (2/8): "أو كان في رواته من لم يبلغ درجة الضبط والإتقان، أو إن كان ثقة في نفسه فلا يرتقِ إلى شرط أبي عبدالله المؤلف ‌في ‌الصحيح، فيُعلِّق حديثه تنبيهًا عليه تارة أصلًا، وتارة في المتابعات".

وقال أيضًا في "تغليق التعليق - ت سعيد القزقي" (2/ 8): "وإن أتى به بصيغة التمريض فهو مُشعِر بضعفه عنده إلى من علَّقه عنه، لكن ربما كان ذلك الضعف خفيفًا حتى ربما ‌صحَّحه ‌غيره، أما لعدم اطلاعه على علته، أو لأن تلك العلة لا تُعَدُّ عند هذا المصحح قادحةً، والنظر فيما أبرزه من رجاله كالنظر فيما أبرزه من رجال الأول، والسبب في تعليقه بعض ما تقدم".

الإشارة إلى علل الحديث الخفية: إذا كان الحديث يحتوي على علة خفية؛ مثل انقطاع أو اضطراب في السند، فقد يعلِّقه البخاري لتجنُّب الجزم بصحته؛ وقد أشار ابن حجر في "تغليق التعليق - ت سعيد القزقي" (2/11) إلى هذا بقوله: "وأما ما لم يُخرجه، فيحتمل أن يكون له ‌علة ‌خفية ‌من ‌انقطاع ‌أو ‌اضطراب أو ضعف راوٍ، وخَفِيَ ذلك على من صححه".

صيغة "قال لنا" و"قال لي" وحكمهما:
هذه الصيغة تدل غالبًا على الاتصال والسماع المباشر، إلا أن بعض العلماء؛ مثل ابن مَنْدَه، رأوا أنها قد تستخدم في الإجازة أو المناولة، ومع ذلك، ردَّ ابن حجر بأن البخاريَّ لا يستخدم هذه الصيغ إلا عند التأكد من اتصال الرواية.

قال ابن حجر في "تغليق التعليق ت سعيد القزقي" (2/ 10): "فأما إذا قال البخاري: قال لنا، أو قال لي، أو زادنا، أو زادني، أو ذكر لنا، أو ذكر لي، فهو وإن ألحقه بعض من صنَّف في الأطراف بالتعاليق فليس منها، بل هو متصل صريح في الاتصال، وإن كان أبو جعفر ابن حمدان قد قال: إن ذلك عرضٌ ومناولة، وكذا قال ‌ابن ‌منده: إن (قال لنا) إجازة، فإن صحَّ ما قالاه، فحكمه الاتصال أيضًا على رأي الجمهور، مع أن بعض الأئمة ذكر أن ذلك مما حمله عن شيخه في المذاكرة، والظاهر أن كل ذلك تحكُّمٌ".

والبخاري له دقة فريدة في اختيار الصيغ حسب المقام، وقد لاحظ ابن حجر أن البخاري يستخدم أحيانًا صيغة "قال" أو "قال لنا" بدل "حدثنا"، والعكس؛ قال ابن حجر في "تغليق التعليق - ت سعيد القزقي" (2/ 10): "وإنما للبخاري مقصد في هذه الصيغة وغيرها، فإنه لا يأتي بهذه الصيغة إلا في المتابعات والشواهد، أو في الأحاديث الموقوفة، فقد رأيته في كثير من المواضع التي يقول فيها في الصحيح: قال لنا، قد ساقها في تصانيفه بلفظ: حدثنا، وكذا بالعكس، فلو كان مثل ذلك عنده إجازة أو مناولة أو مكاتبة، لم يستجز إطلاق: حدثنا، فيه من غير بيان".

صيغة "قال" و"عن" في صحيح البخاري: الأحكام والدلالات:
حكم صيغة "قال" و"عن" عند البخاري: تناول العلماء صيغ "قال" و"عن" في روايات البخاري، خاصة في الأحاديث المعلَّقة، وتباينت آراؤهم في دلالتها:
السماع المباشر أو غير المباشر: أشار ابن حجر إلى أن استخدام البخاري صيغة "قال فلان"، قد لا يعني دائمًا سماعه المباشر من الراوي، خاصة إذا وُجِد الحديث نفسه موصولًا في موضع آخر عبر واسطة.

اتصال الرواية أو احتمال الانقطاع: ذهب فريق من العلماء - مثل ابن الصلاح - في بعض كلامه، إلى أن الحكم بين "قال" و"عن" في روايات البخاري يُحمَل على الاتصال، ما لم يظهر دليل على الانقطاع؛ قال ابن حجر في "تغليق التعليق ت سعيد القزقي" (2/8): "فقد ذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح أن ‌حكم (‌قال) ‌حكم (‌عن)، وأن ذلك محمول على الاتصال، ثم اختلف كلامه في موضع آخر"، بينما رأى آخرون أن هذه الصيغة قد تشير إلى احتمال الانقطاع، خاصة إذا علق الحديث ثم وُجِدَ بإسنادٍ آخرَ عبر راوٍ وسيط.

منهج البخاري في استخدام "قال" و"عن":
دلالة السماع المباشر: إذا استخدم البخاري صيغة "قال لنا"، أو "قال لي"، أو "زادنا"، أو "ذكر لي"، فهذا يدل على سماعه المباشر من الشيخ، مما يقطع الشك بالاتصال.

احتمالية الانقطاع في التعليق: إذا علق البخاري الحديث بصيغة "قال" أو "عن" دون تصريح بالسماع، فقد يكون الحديث مرويًّا بواسطة، خاصة إذا ورد موصولًا في موضع آخر.

الخلاف في دلالة الصيغة:
الصحة بالمعنى: فريق من العلماء اعتبر أن استخدام البخاري صيغة "قال" يفيد صحة الحديث بالمعنى العام، لكنه لا يعني الاتصال الكامل.

احتمال الانقطاع: فريق آخر رأى أن هذه الصيغ تشير إلى احتمال الانقطاع، خاصة إذا عُرِفَ عن البخاري أنه يروي الحديث في موضع آخر بواسطة.

شواهد تطبيقية: مثاله ما ذكره ابن حجر في "تغليق التعليق ت سعيد القزقي" (2/9): "وقد رأيته علَّق في تاريخه عن بعض شيوخه شيئًا، وصرح بأنه لم يسمعه منه، فقال في ترجمة معاوية: قال إبراهيم بن موسى فيما حدثوني عنه عن هشام بن يوسف، فذكر خبرًا".

نفيُ التدليس عن الإمام البخاري: منهج دقيق وصيغ واضحة:
شهادة الإمام البخاري عن نفسه: البخاري أبعد ما يكون عن التدليس، فإنه إذا روى ما لم يسمعه مباشرة أشار إلى ذلك بوضوح، ومِثْلُ هذا الجبل الإمام العلم غنيٌّ عن مثل هذا الوصف والفعل؛ قال ابن حجر في "تغليق التعليق ت سعيد القزقي" (2/9-10): "وقد قرأت على أحمد بن عمر اللؤلؤي عن يوسف بن عبدالرحمن القضاعي، أن يوسف بن يعقوب بن المجاور أخبره: أَنَا أبو اليمن الكندي، أنا أبو منصور القزاز، أنا أبو بكر الخطيب، حدثني أبو النجيب الأرموي، حدثني محمد بن إبراهيم الأصبهاني، أخبرني محمد بن إدريس الورَّاق، ثنا محمد بن حم بن ناقب البخاري، ثنا محمد بن يوسف الفريابي، ثنا محمد بن أبي حاتم قال: سُئِلَ محمد بن إسماعيل عن خبر حديثٍ فقال: يا أبا فلان، أتُراني أدلِّس وأنا تركت عشرة آلاف حديث لرجل لي فيه نظر؛ يعني: إذا كان يسمح بترك هذا القدر العظيم، كيف نشره لقَدْرٍ يسير؟ فحاشاه من التدليس المذموم".

شهادة العلماء في حق البخاري: قال ابن حجر في "تغليق التعليق - ت سعيد القزقي" (2/10): "وبه إلى الخطيب، أخبرني أبو الوليد الدربندي، ثنا محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان، ثنا محمد بن سعيد، ثنا محمد بن يوسف هو الفربري، ثنا محمد بن أبي حاتم قال: سمعت أبا عمرو المستنير بن عتيق البكري، سمعت رجاء بن مُرجًّى يقول: فَضْلُ محمد بن إسماعيل على العلماء كفضل الرجال على النساء".

رد شبهة التدليس: رغم ادِّعاء ابن منده في مواضع قليلة بأن البخاري قد يستخدم صيغًا تدل على التدليس، إلا أن ابن حجر دافع عنه موضِّحًا أن البخاري استخدم تلك الصيغ لأسباب منهجية؛ قال ابن حجر في "تغليق التعليق ت سعيد القزقي" (2/9): "وقد رأيته علَّق في تاريخه عن بعض شيوخه شيئًا، وصرَّح بأنه لم يسمعه منه، فقال في ترجمة معاوية: قال إبراهيم بن موسى فيما حدثوني عنه، عن هشام بن يوسف فذكر خبرًا، فإن قلتَ: هذا يقتضي أن يكون البخاري مدلِّسًا ولم يصفه أحدٌ بذلك إلا أبو عبدالله بن منده، وذلك مردود عليه، قلتُ: لا يلزم من هذا الفعل الاصطلاحي له أن يُوصَف بالتدليس؛ لأنا قد قدمنا الأسباب الحاملة للبخاري على عدم التصريح بالتحديث في الأحاديث التي علَّقها؛ حتى لا يسوقها مساقَ أصل الكتاب، فسواء عنده علَّقها عن شيخه أو شيخ شيخه، وسواء عنده كان سمعها من هذا الذي علَّقه عنه، أو سمعها عنه بواسطة، ثم إن (عن) في عُرفِ المتقدمين محمولة على السماع قبل ظهور المدلسين، وكذا لفظة (قال)، لكنها لم تشتهر اصطلاحًا للمدلسين مثل لفظة (عن)، فحينئذٍ لا يلزم من استعمال البخاري لها أن يكون مدلِّسًا، وقد صرَّح الخطيب بأن لفظة (قال) لا تُحمَل على السماع، إلا إذا عُرِفَ من عادة المحدِّث أنه لا يُطلِقها إلا فيما سمع".

عبارات السماع المباشر والتزامه بالوضوح: استخدم البخاري صيغًا؛ مثل: "قال لنا"، و"زادنا"، و"ذكر لي"، للدلالة على سماعه المباشر، مما يعزز الثقة في دقته وأمانته؛ قال ابن حجر في "تغليق التعليق - ت سعيد القزقي" (2/10): "فأما إذا قال البخاري (قال لنا)، أو (قال لي)، أو (زادنا)، أو (زادني)، أو (ذكر لنا)، أو (ذكر لي)، فهو وإن ألحقه بعض من صنَّف في الأطراف بالتعاليق، فليس منها، بل هو متصل صريح في الاتصال"، فصيغ مثل "قال لنا"، و"زادنا"، ليست من قبيل التعليق، بل تدل على اتصال الإسناد مباشرة.

الخاتمة:
تمثِّل دراسة معلَّقات صحيح البخاري مدخلًا رئيسيًّا لفهم منهج الإمام البخاري في التعامل مع الأحاديث النبوية؛ حيث اعتمد أسلوبًا دقيقًا ومتوازنًا استند إلى اعتبارات علمية، تجاوزت الاقتصار على الإسناد، وقد أظهر كتاب "تغليق التعليق" لابن حجر العسقلاني فَهمًا عميقًا لهذه المنهجية، مسلِّطًا الضوءَ على أسباب التعليق ومبرراته.

اعتمد الإمام البخاريُّ على صيغ مدروسة؛ مثل: الجزم والتمريض؛ لتحديد درجات الحديث وصحته، فصيغة الجزم تشير إلى تصحيح الحديث، إما لمن أبرزه من رجاله، أو إلى آخره، كما ذكر القولين ابنُ حجر، ولا تعارض بينهما، بينما صيغة التمريض تستخدم للإشارة إلى وجود عِلَلٍ خفية أو ضعف عند البخاري، وقد يصححه غيره، هذا يعكس دقة البخاري وابتعاده عن التدليس، كما أكد ابن حجر الذي نفى عنه تهمة التدليس بشكل قاطع، مشددًا على نزاهته العلمية وورعه في انتقاء الأحاديث.

تتجاوز أهمية دراسة المعلَّقات مجرد توثيق الحديث النبوي إلى تقديم رؤية أعمق لمنهج البخاري في جمع الحديث؛ إذ إن إدراج المعلقات يعكس عبقرية البخاري في الحفاظ على النصوص النبوية، واستيفاء أعلى معايير الصحة، كما أن وَصْلَ هذه المعلقات بأسانيدها الكاملة يُزيل اللبس، ويُوضِّح دقة البخاري في تنظيم مادته العلمية.

أبرز الإمام البخاري نزاهته باستخدام صيغ واضحة تُثبِت الاتصال؛ مثل: "قال لنا"، و"زادني"، و"ذكر لي"، كما أنه لا يستخدم العنعنة أو صيغة "قال" إلا بمعناها الصحيح، أما تركه لرواية الأحاديث المشكوك فيها، فيعكس وَرَعُه وحرصه على دقة النقل؛ ما جعله موضعَ ثقةِ العلماء.

تعكس معلقات صحيح البخاري وطرقُ صياغتها عبقريةَ الإمام البخاري في التعامل مع الحديث النبوي، وقد أثبت ابن حجر أن هذه المعلَّقات ليست مجرد إضافة هامشية، بل تبرز منهجًا دقيقًا يُثري علوم الحديث، ويؤكِّد مكانة الإمام البخاري مرجعًا فريدًا في تاريخ الرواية.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 74.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 73.22 كيلو بايت... تم توفير 1.62 كيلو بايت...بمعدل (2.16%)]