|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#521
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء التاسع تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ الحلقة (521) صــ 396 إلى صــ 410 وقال آخرون : بل"المقيمون الصلاة" من صفة غير"الراسخين في العلم" في هذا الموضع ، وإن كان"الراسخون في العلم" من"المقيمين الصلاة" . وقال قائلو هذه المقالة جميعا : موضع"المقيمين" في الإعراب ، خفض . فقال بعضهم : موضعه خفض على العطف على"ما" التي في قوله : " يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك " ، ويؤمنون بالمقيمين الصلاة . ثم اختلف متأولو ذلك هذا التأويل في معنى الكلام . فقال بعضهم : معنى ذلك : " والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك " ، وبإقام الصلاة . قالوا : ثم ارتفع قوله : "والمؤتون الزكاة" ، عطفا على ما في"يؤمنون" من ذكر"المؤمنين" ، كأنه قيل : والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك ، هم والمؤتون الزكاة . وقال آخرون : بل"المقيمون الصلاة" ، الملائكة . قالوا : وإقامتهم الصلاة ، تسبيحهم ربهم ، واستغفارهم لمن في الأرض . قالوا : ومعنى الكلام : " والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك " ، وبالملائكة . وقال آخرون منهم : بل معنى ذلك : "والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" ، ويؤمنون بالمقيمين الصلاة ، هم والمؤتون الزكاة ، كما قال جل ثناؤه : ( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) [ سورة التوبة : 61 ] . وأنكر قائلو هذه المقالة أن يكون : "المقيمين" منصوبا على المدح . وقالوا : إنما تنصب العرب على المدح من نعت من ذكرته بعد تمام خبره . قالوا : وخبر [ ص: 397 ] "الراسخين في العلم" قوله : " أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما " . قال : فغير جائز نصب"المقيمين" على المدح ، وهو في وسط الكلام ، ولما يتم خبر الابتداء . وقال آخرون : معنى ذلك : لكن الراسخون في العلم منهم ، ومن المقيمين الصلاة . وقالوا : موضع"المقيمين" ، خفض . وقال آخرون : معناه : والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك ، وإلى المقيمين الصلاة . قال أبو جعفر : وهذا الوجه والذي قبله ، منكر عند العرب ، ولا تكاد العرب تعطف بظاهر على مكني في حال الخفض ، وإن كان ذلك قد جاء في بعض أشعارها . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال عندي بالصواب ، أن يكون"المقيمين" في موضع خفض ، نسقا على"ما" ، التي في قوله : "بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" وأن يوجه معنى"المقيمين الصلاة" ، إلى الملائكة . فيكون تأويل الكلام : "والمؤمنون منهم يؤمنون بما أنزل إليك" ، يا محمد ، من الكتاب "وبما أنزل من قبلك" ، من كتبي ، وبالملائكة الذين يقيمون الصلاة . ثم يرجع إلى صفة"الراسخين في العلم" ، فيقول : لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون بالكتب والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر . وإنما اخترنا هذا على غيره ، لأنه قد ذكر أن ذلك في قراءة أبي بن كعب ( والمقيمين الصلاة ) ، وكذلك هو في مصحفه ، فيما ذكروا . فلو كان ذلك خطأ من الكاتب ، لكان الواجب أن يكون في كل المصاحف غير مصحفنا الذي [ ص: 398 ] كتبه لنا الكاتب الذي أخطأ في كتابه بخلاف ما هو في مصحفنا . وفي اتفاق مصحفنا ومصحف أبي في ذلك ، ما يدل على أن الذي في مصحفنا من ذلك صواب غير خطأ . مع أن ذلك لو كان خطأ من جهة الخط ، لم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون من علموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن ، ولأصلحوه بألسنتهم ، ولقنوه الأمة تعليما على وجه الصواب . وفي نقل المسلمين جميعا ذلك قراءة ، على ما هو به في الخط مرسوما ، أدل الدليل على صحة ذلك وصوابه ، وأن لا صنع في ذلك للكاتب . وأما من وجه ذلك إلى النصب على وجه المدح ل"الراسخين في العلم" ، وإن كان ذلك قد يحتمل على بعد من كلام العرب ، لما قد ذكرت قبل من العلة ، وهو أن العرب لا تعدل عن إعراب الاسم المنعوت بنعت في نعته إلا بعد تمام خبره . وكلام الله جل ثناؤه أفصح الكلام ، فغير جائز توجيهه إلا إلى الذي هو [ أولى ] به من الفصاحة . وأما توجيه من وجه ذلك إلى العطف به على"الهاء" و"الميم" في قوله : "لكن الراسخون في العلم منهم" أو : إلى العطف به على"الكاف" من قوله : "بما أنزل إليك" أو : إلى"الكاف" من قوله : "وما أنزل من قبلك" ، فإنه أبعد من الفصاحة من نصبه على المدح ، لما قد ذكرت قبل من قبح رد الظاهر على المكني في الخفض . [ ص: 399 ] وأما توجيه من وجه"المقيمين" إلى"الإقامة" ، فإنه دعوى لا برهان عليها من دلالة ظاهر التنزيل ، ولا خبر تثبت حجته . وغير جائز نقل ظاهر التنزيل إلى باطن بغير برهان . وأما قوله : "والمؤتون الزكاة" ، فإنه معطوف به على قوله : "والمؤمنون يؤمنون" ، وهو من صفتهم . وتأويله : والذين يعطون زكاة أموالهم من جعلها الله له وصرفها إليه"والمؤمنون بالله واليوم الآخر" ، يعني : والمصدقون بوحدانية الله وألوهته ، والبعث بعد الممات ، والثواب والعقاب"أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما" ، يقول : هؤلاء الذين هذه صفتهم"سنؤتيهم" ، يقول : سنعطيهم"أجرا عظيما" ، يعني : جزاء على ما كان منهم من طاعة الله واتباع أمره ، وثوابا عظيما ، وذلك الجنة . القول في تأويل قوله ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ( 163 ) ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح " ، إنا أرسلنا إليك ، يا محمد ، بالنبوة كما أرسلنا إلى نوح ، وإلى سائر الأنبياء الذين سميتهم لك من بعده ، والذين لم أسمهم لك ، كما : - [ ص: 400 ] 10839 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن منذر الثوري ، عن الربيع بن خثيم في قوله : " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " ، قال : أوحى إليه كما أوحى إلى جميع النبيين من قبله . وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن بعض اليهود لما فضحهم الله بالآيات التي أنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك من قوله : " يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء " فتلا ذلك عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : "ما أنزل الله على بشر من شيء بعد موسى "! فأنزل الله هذه الآيات ، تكذيبا لهم ، وأخبر نبيه والمؤمنين به أنه قد أنزل عليه بعد موسى وعلى من سماهم في هذه الآية ، وعلى آخرين لم يسمهم ، كما : - 10840 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال سكين وعدي بن زيد : يا محمد ، ما نعلم الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى ! فأنزل الله في ذلك من قولهما : " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " إلى آخر الآيات . [ ص: 401 ] وقال آخرون : بل قالوا لما أنزل الله الآيات التي قبل هذه في ذكرهم : "ما أنزل الله على بشر من شيء ، ولا على موسى ، ولا على عيسى "! فأنزل الله جل ثناؤه : ( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ) ، [ سورة الأنعام : 91 ] ، ولا على موسى ولا على عيسى . ذكر من قال ذلك : 10841 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي قال : أنزل الله : " يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء " إلى قوله : " وقولهم على مريم بهتانا عظيما " ، فلما تلاها عليهم يعني : على اليهود وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة ، جحدوا كل ما أنزل الله ، وقالوا : "ما أنزل الله على بشر من شيء ، ولا على موسى ولا على عيسى !! وما أنزل الله على نبي من شيء"! قال : فحل حبوته وقال : ولا على أحد !! فأنزل الله جل ثناؤه : ( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ) [ سورة الأنعام : 91 ] وأما قوله : " وآتينا داود زبورا " ، فإن القرأة اختلفت في قراءته . فقرأته عامة قرأة أمصار الإسلام ، غير نفر من قرأة الكوفة : ( وآتينا داود زبورا ) ، بفتح"الزاي" على التوحيد ، بمعنى : وآتينا داود الكتاب المسمى"زبورا" . وقرأ ذلك بعض قرأة الكوفيين : ( وآتينا داود زبورا ) ، بضم"الزاي" جمع"زبر" . كأنهم وجهوا تأويله : وآتينا داود كتبا وصحفا مزبورة . [ ص: 402 ] من قولهم : "زبرت الكتاب أزبره زبرا" و"ذبرته أذبره ذبرا" ، إذا كتبته . قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندنا ، قراءة من قرأ : ( وآتينا داود زبورا ) ، بفتح"الزاي" ، على أنه اسم الكتاب الذي أوتيه داود ، كما سمى الكتاب الذي أوتيه موسى "التوراة" ، والذي أوتيه عيسى "الإنجيل" ، والذي أوتيه محمد "الفرقان" ، لأن ذلك هو الاسم المعروف به ما أوتي داود . وإنما تقول العرب : "زبور داود " ، بذلك تعرف كتابه سائر الأمم . القول في تأويل قوله ( ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما ( 164 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : إنا أوحينا إليك ، كما أوحينا إلى نوح وإلى رسل قد قصصناهم عليك ، ورسل لم نقصصهم عليك . فلعل قائلا يقول : فإذ كان ذلك معناه ، فما بال قوله : "ورسلا" منصوبا غير مخفوض ؟ قيل : نصب ذلك إذ لم تعد عليه"إلى" التي خفضت الأسماء قبله ، وكانت الأسماء قبلها ، وإن كانت مخفوضة ، فإنها في معنى النصب . لأن معنى الكلام : إنا أرسلناك رسولا كما أرسلنا نوحا والنبيين من بعده ، فعطفت "الرسل" على معنى الأسماء قبلها في الإعراب ، لانقطاعها عنها دون ألفاظها ، إذ لم يعد عليها ما خفضها ، كما قال الشاعر . [ ص: 403 ] لو جئت بالخبز له منشرا والبيض مطبوخا معا والسكرا لم يرضه ذلك حتى يسكرا وقد يحتمل أن يكون نصب"الرسل" ، لتعلق"الواو" بالفعل ، بمعنى : وقصصنا رسلا عليك من قبل ، كما قال جل ثناؤه : ( يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما ) [ سورة الإنسان : 31 ] . وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي ورسل قد قصصناهم عليك من قبل ورسل لم نقصصهم عليك ، فرفع ذلك ، إذ قرئ كذلك ، بعائد الذكر في قوله : "قصصناهم عليك" . وأما قوله : " وكلم الله موسى تكليما " ، فإنه يعني بذلك جل ثناؤه : وخاطب الله بكلامه موسى خطابا ، وقد : - 10842 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا نوح بن أبي مريم ، وسئل : كيف كلم الله موسى تكليما ؟ فقال : مشافهة . [ ص: 404 ] وقد : - 10843 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أسامة ، عن ابن مبارك ، عن معمر ويونس ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال : أخبرني جزء بن جابر الخثعمي قال : سمعت كعبا يقول : إن الله جل ثناؤه لما كلم موسى ، كلمه بالألسنة كلها قبل كلامه يعني : كلام موسى فجعل يقول : يا رب ، لا أفهم! حتى كلمه بلسانه آخر الألسنة ، فقال : يا رب هكذا كلامك ؟ قال : لا ولو سمعت كلامي أي : على وجهه لم تك شيئا! قال ابن وكيع : قال أبو أسامة ( ) : وزادني أبو بكر الصغاني في هذا الحديث أن موسى قال : يا رب ، هل في خلقك شيء يشبه كلامك ؟ قال : لا وأقرب خلقي شبها بكلامي ، أشد ما تسمع الناس من الصواعق . [ ص: 405 ] 10844 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : سئل موسى : ما شبهت كلام ربك مما خلق ؟ فقال موسى : الرعد الساكب . 10845 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا عبد الله بن وهب [ ص: 406 ] قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب قال : أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن : أنه أخبره عن جزء بن جابر الخثعمي قال : لما كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه ، فطفق يقول : والله يا رب ، ما أفقه هذا!! حتى كلمه بلسانه آخر الألسنة بمثل صوته ، فقال موسى : يا رب هذا كلامك ؟ قال : لا . قال : هل في خلقك شيء يشبه كلامك ؟ قال : لا ، وأقرب خلقي شبها بكلامي ، أشد ما يسمع الناس من الصواعق . 10846 - حدثني أبو يونس المكي قال : حدثنا ابن أبي أويس قال : أخبرني أخي ، عن سليمان ، عن محمد بن أبي عتيق ، عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام : أنه أخبره جزء بن جابر الخثعمي : أنه سمع [ كعب ] الأحبار يقول : لما كلم الله موسى بالألسنة كلها قبل لسانه ، فطفق موسى يقول : أي رب ، والله ما أفقه هذا!! حتى كلمه آخر الألسنة بلسانه بمثل صوته ، فقال موسى : أي رب ، أهكذا كلامك ؟ فقال : لو كلمتك بكلامي لم تكن شيئا! قال : أي رب ، هل في خلقك شيء يشبه كلامك ؟ فقال : لا وأقرب خلقي شبها بكلامي ، أشد ما يسمع من الصواعق . [ ص: 407 ] 10847 - حدثنا ابن عبد الرحيم قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا زهير ، عن يحيى ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن جزء بن جابر : أنه سمع كعبا يقول : لما كلم الله موسى بالألسنة قبل لسانه ، طفق موسى يقول : أي رب ، إني لا أفقه هذا!! حتى كلمه الله آخر الألسنة بمثل لسانه ، فقال موسى : أي رب ، هذا كلامك ؟ قال الله : لو كلمتك بكلامي لم تكن شيئا! قال : يا رب ، فهل من خلقك شيء يشبه كلامك ؟ قال : لا وأقرب خلقي شبها بكلامي ، أشد ما يسمع من الصواعق . القول في تأويل قوله ( رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ( 165 ) ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ، ومن ذكر من الرسل "رسلا" ، فنصب"الرسل" على القطع من أسماء الأنبياء الذين ذكر أسماءهم "مبشرين" ، يقول : أرسلتهم رسلا إلى خلقي وعبادي ، مبشرين بثوابي من أطاعني واتبع أمري وصدق رسلي ، ومنذرين [ ص: 408 ] عقابي من عصاني وخالف أمري وكذب رسلي"لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل" ، يقول : أرسلت رسلي إلى عبادي مبشرين ومنذرين ، لئلا يحتج من كفر بي وعبد الأنداد من دوني ، أو ضل عن سبيلي بأن يقول إن أردت عقابه : ( لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى ) [ سورة طه : 134 ] . فقطع حجة كل مبطل ألحد في توحيده وخالف أمره ، بجميع معاني الحجج القاطعة عذره ، إعذارا منه بذلك إليهم ، لتكون لله الحجة البالغة عليهم وعلى جميع خلقه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 10849 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " ، فيقولوا : ما أرسلت إلينا رسلا . "وكان الله عزيزا حكيما" ، يقول : ولم يزل الله ذا عزة في انتقامه ممن انتقم [ منه ] من خلقه ، على كفره به ، ومعصيته إياه ، بعد تثبيته حجته عليه برسله وأدلته"حكيما" ، في تدبيره فيهم ما دبره . [ ص: 409 ] القول في تأويل قوله ( لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ( 166 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : إن يكفر بالذي أوحينا إليك ، يا محمد ، اليهود الذين سألوك أن تنزل عليهم كتابا من السماء ، وقالوا لك : " ما أنزل الله على بشر من شيء " فكذبوك ، فقد كذبوا . ما الأمر كما قالوا : لكن الله يشهد بتنزيله إليك ما أنزل من كتابه ووحيه ، أنزل ذلك إليك بعلم منه بأنك خيرته من خلقه ، وصفيه من عباده ، ويشهد لك بذلك ملائكته ، فلا يحزنك تكذيب من كذبك ، وخلاف من خالفك" وكفى بالله شهيدا " ، يقول : وحسبك بالله شاهدا على صدقك دون ما سواه من خلقه ، فإنه إذا شهد لك بالصدق ربك ، لم يضرك تكذيب من كذبك . وقد قيل : إن هذه الآية نزلت في قوم من اليهود ، دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى اتباعه ، وأخبرهم أنهم يعلمون حقيقة نبوته ، فجحدوا نبوته وأنكروا معرفته . ذكر الخبر بذلك : 10850 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس ، عن محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال : دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من يهود ، فقال لهم : إني والله أعلم إنكم لتعلمون أني رسول الله! فقالوا : ما نعلم ذلك! فأنزل الله : " لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا " . 10851 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة وسعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عصابة من اليهود ، ثم ذكر نحوه . [ ص: 410 ] 10852 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا " ، شهود والله غير متهمة . القول في تأويل قوله ( إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا ( 167 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : إن الذين جحدوا ، يا محمد ، نبوتك بعد علمهم بها ، من أهل الكتاب الذين اقتصصت عليك قصتهم ، وأنكروا أن يكون الله جل ثناؤه أوحى إليك كتابه"وصدوا عن سبيل الله" ، يعني : عن الدين الذي بعثك الله به إلى خلقه ، وهو الإسلام . وكان صدهم عنه ، قيلهم للناس الذين يسألونهم عن محمد من أهل الشرك : "ما نجد صفة محمد في كتابنا!" ، وادعاؤهم أنهم عهد إليهم أن النبوة لا تكون إلا في ولد هارون ومن ذرية داود ، وما أشبه ذلك من الأمور التي كانوا يثبطون الناس بها عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتصديق به وبما جاء به من عند الله . وقوله : " قد ضلوا ضلالا بعيدا " ، يعني : قد جاروا عن قصد الطريق جورا شديدا ، وزالوا عن المحجة . وإنما يعني جل ثناؤه بجورهم عن المحجة وضلالهم عنها ، إخطاءهم دين الله الذي ارتضاه لعباده ، وابتعث به رسله . يقول : من جحد رسالة محمد صلى الله [ ص: 411 ] عليه وسلم ، وصد عما بعث به من الملة من قبل منه ، فقد ضل فذهب عن الدين الذي هو دين الله الذي ابتعث به أنبياءه ، ضلالا بعيدا . ![]()
__________________
|
#522
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء التاسع تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ الحلقة (522) صــ 411 إلى صــ 425 القول في تأويل قوله ( إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا ( 168 ) إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا ( 169 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : إن الذين جحدوا رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، فكفروا بالله بجحود ذلك ، وظلموا بمقامهم على الكفر على علم منهم ، بظلمهم عباد الله ، وحسدا للعرب ، وبغيا على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم" لم يكن الله ليغفر لهم " ، يعني : لم يكن الله ليعفو عن ذنوبهم بتركه عقوبتهم عليها ، ولكنه يفضحهم بها بعقوبته إياهم عليها " ولا ليهديهم طريقا " ، يقول : ولم يكن الله تعالى ذكره ليهدي هؤلاء الذين كفروا وظلموا ، الذين وصفنا صفتهم ، فيوفقهم لطريق من الطرق التي ينالون بها ثواب الله ، ويصلون بلزومهم إياه إلى الجنة ، ولكنه يخذلهم عن ذلك ، حتى يسلكوا طريق جهنم . وإنما كنى بذكر"الطريق" عن الدين . وإنما معنى الكلام : لم يكن الله ليوفقهم للإسلام ، ولكنه يخذلهم عنه إلى"طريق جهنم" ، وهو الكفر ، يعني : حتى يكفروا بالله ورسله ، فيدخلوا جهنم"خالدين فيها أبدا" ، يقول : مقيمين فيها أبدا"وكان ذلك على الله يسيرا" ، يقول : وكان تخليد هؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم في جهنم ، [ ص: 412 ] على الله يسيرا ، لأنه لا يقدر من أراد ذلك به على الامتناع منه ، ولا له أحد يمنعه منه ، ولا يستصعب عليه ما أراد فعله به من ذلك ، وكان ذلك على الله يسيرا ، لأن الخلق خلقه ، والأمر أمره . القول في تأويل قوله ( يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما ( 170 ) ) قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "يا أيها الناس" ، مشركي العرب ، وسائر أصناف الكفر" قد جاءكم الرسول " ، يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم ، قد جاءكم" بالحق من ربكم" ، يقول : بالإسلام الذي ارتضاه الله لعباده دينا ، يقول : "من ربكم" ، يعني : من عند ربكم " فآمنوا خيرا لكم " ، يقول : فصدقوه وصدقوا بما جاءكم به من عند ربكم من الدين ، فإن الإيمان بذلك خير لكم من الكفر به"وإن تكفروا" ، يقول : وإن تجحدوا رسالته وتكذبوا به وبما جاءكم به من عند ربكم ، فإن جحودكم ذلك وتكذيبكم به ، لن يضر غيركم ، وإنما مكروه ذلك عائد عليكم ، دون الذي أمركم بالذي بعث به إليكم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن لله ما في السماوات والأرض ، ملكا وخلقا ، لا ينقص كفركم بما كفرتم به من أمره ، وعصيانكم إياه فيما عصيتموه فيه ، من ملكه وسلطانه شيئا "وكان الله عليما حكيما" ، يقول : "وكان الله عليما" ، بما [ ص: 413 ] أنتم صائرون إليه من طاعته فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه ، ومعصيته في ذلك ، على علم منه بذلك منكم ، أمركم ونهاكم "حكيما" يعني : حكيما في أمره إياكم بما أمركم به ، وفي نهيه إياكم عما نهاكم عنه ، وفي غير ذلك من تدبيره فيكم وفي غيركم من خلقه . واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله نصب قوله : "خيرا لكم" . فقال بعض نحويي الكوفة : نصب"خيرا" على الخروج مما قبله من الكلام ، لأن ما قبله من الكلام قد تم ، وذلك قوله : "فآمنوا" . وقال : قد سمعت العرب تفعل ذلك في كل خبر كان تاما ، ثم اتصل به كلام بعد تمامه ، على نحو اتصال"خير" بما قبله . فتقول : "لتقومن خيرا لك" و"لو فعلت ذلك خيرا لك" ، و"اتق الله خيرا لك" . قال : وأما إذا كان الكلام ناقصا ، فلا يكون إلا بالرفع ، كقولك : "إن تتق الله خير لك" ، و ( وأن تصبروا خير لكم ) [ سورة النساء : 25 ] . وقال آخر منهم : جاء النصب في"خير" ، لأن أصل الكلام : فآمنوا هو خير لكم ، فلما سقط"هو" ، الذي [ هو كناية ] ومصدر ، اتصل الكلام بما قبله ، والذي قبله معرفة ، و"خير" نكرة ، فانتصب لاتصاله بالمعرفة لأن الإضمار من الفعل"قم فالقيام خير لك" ، و"لا تقم فترك القيام خير لك" . فلما سقط اتصل [ ص: 414 ] بالأول . وقال : ألا ترى أنك ترى الكناية عن الأمر تصلح قبل الخبر ، فتقول للرجل : "اتق الله هو خير لك" ، أي : الاتقاء خير لك . وقال : ليس نصبه على إضمار"يكن" ، لأن ذلك يأتي بقياس يبطل هذا . ألا ترى أنك تقول : "اتق الله تكن محسنا" ، ولا يجوز أن تقول : "اتق الله محسنا" ، وأنت تضمر"كان" ، ولا يصلح أن تقول : "انصرنا أخانا" ، وأنت تريد : "تكن أخانا" ؟ وزعم قائل هذا القول أنه لا يجيز ذلك إلا في"أفعل" خاصة ، فتقول : "افعل هذا خيرا لك" ، و"لا تفعل هذا خيرا لك" ، و"أفضل لك" . ، ولا تقول : "صلاحا لك" . وزعم أنه إنما قيل مع"أفعل" ، لأن"أفعل" يدل على أن هذا أصلح من ذلك . وقال بعض نحويي البصرة : نصب"خيرا" ، لأنه حين قال لهم : "آمنوا" ، أمرهم بما هو خير لهم ، فكأنه قال : اعملوا خيرا لكم ، وكذلك : ( انتهوا خيرا لكم ) [ سورة النساء : 171 ] . قال : وهذا إنما يكون في الأمر والنهي خاصة ، ولا يكون في الخبر لا تقول : "أن أنتهي خيرا لي" ؟ ولكن يرفع على كلامين ، لأن الأمر والنهي يضمر فيهما فكأنك أخرجته من شيء إلى شيء ، لأنك حين قلت له : "انته" ، كأنك قلت له : "اخرج من ذا ، وادخل في آخر" ، واستشهد بقول الشاعر عمر بن أبي ربيعة : [ ص: 415 ] فواعديه سرحتي مالك أو الربى بينهما أسهلا كما تقول : "واعديه خيرا لك" . قال : وقد سمعت نصب هذا في الخبر ، تقول العرب : "آتي البيت خيرا لي ، وأتركه خيرا لي" ، وهو على ما فسرت لك في الأمر والنهي . وقال آخر منهم : نصب"خيرا" ، بفعل مضمر ، واكتفى من ذلك المضمر بقوله : "لا تفعل هذا" أو"افعل الخير" ، وأجازه في غير"أفعل" ، فقال : "لا تفعل ذاك صلاحا لك" . وقال آخر منهم : نصب"خيرا" على ضمير جواب"يكن خيرا لكم" . وقال : كذلك كل أمر ونهي . القول في تأويل قوله ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "يا أهل الكتاب" ، يا أهل الإنجيل من النصارى "لا تغلوا في دينكم" ، يقول : لا تجاوزوا الحق في دينكم فتفرطوا فيه ، ولا تقولوا في عيسى غير الحق ، فإن قيلكم في عيسى إنه ابن الله ، قول منكم [ ص: 416 ] على الله غير الحق . لأن الله لم يتخذ ولدا فيكون عيسى أو غيره من خلقه له ابنا"ولا تقولوا على الله إلا الحق" . وأصل "الغلو" ، في كل شيء مجاوزة حده الذي هو حده . يقال منه في الدين : "قد غلا فهو يغلو غلوا" ، و"غلا بالجارية عظمها ولحمها" ، إذا أسرعت الشباب فجاوزت لداتها"يغلو بها غلوا ، وغلاء" ، ومن ذلك قول الحارث بن خالد المخزومي : خمصانة قلق موشحها رؤد الشباب غلا بها عظم وقد : - 10853 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، [ ص: 417 ] عن أبيه ، عن الربيع قال : صاروا فريقين : فريق غلوا في الدين ، فكان غلوهم فيه الشك فيه والرغبة عنه ، وفريق منهم قصروا عنه ، ففسقوا عن أمر ربهم . القول في تأويل قوله ( إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) قال أبو جعفر : يعني ثناؤه بقوله : " إنما المسيح عيسى ابن مريم " ، ما المسيح ، - أيها الغالون في دينهم من أهل الكتاب - بابن الله ، كما تزعمون ، ولكنه عيسى ابن مريم ، دون غيرها من الخلق ، لا نسب له غير ذلك . ثم نعته الله جل ثناؤه بنعته ووصفه بصفته فقال : هو رسول الله أرسله الله بالحق إلى من أرسله إليه من خلقه . وأصل "المسيح " ، "الممسوح" ، صرف من"مفعول" إلى"فعيل" . وسماه الله بذلك لتطهيره إياه من الذنوب . وقيل : مسح من الذنوب والأدناس التي تكون في الآدميين ، كما يمسح الشيء من الأذى الذي يكون فيه ، فيطهر منه . ولذلك قال مجاهد ومن قال مثل قوله : "المسيح" ، الصديق . وقد زعم بعض الناس أن أصل هذه الكلمة عبرانية أو سريانية "مشيحا" ، فعربت فقيل : "المسيح" ، كما عرب سائر أسماء الأنبياء التي في القرآن مثل : [ ص: 418 ] "إسماعيل" و"إسحاق" و"موسى" و"عيسى" . قال أبو جعفر : وليس ما مثل به من ذلك ل"المسيح" بنظير . وذلك أن"إسماعيل" و"إسحاق" وما أشبه ذلك ، أسماء لا صفات ، و"المسيح" صفة . وغير جائز أن تخاطب العرب ، وغيرها من أجناس الخلق ، في صفة شيء إلا بمثل ما تفهم عمن خاطبها . ولو كان"المسيح" من غير كلام العرب ، ولم تكن العرب تعقل معناه ، ما خوطبت به . وقد أتينا من البيان عن نظائر ذلك فيما مضى بما فيه الكفاية عن إعادته . وأما "المسيح الدجال" ، فإنه أيضا بمعنى : الممسوح العين ، صرف من"مفعول" إلى"فعيل" . فمعنى : "المسيح" في عيسى صلى الله عليه وسلم : الممسوح البدن من الأدناس والآثام ومعنى : "المسيح" في الدجال : الممسوح العين اليمنى أو اليسرى ، كالذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك . وأما قوله : " وكلمته ألقاها إلى مريم " ، فإنه يعني : ب "الكلمة" ، الرسالة التي [ ص: 419 ] أمر الله ملائكته أن تأتي مريم بها ، بشارة من الله لها ، التي ذكر الله جل ثناؤه في قوله : ( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه ) [ سورة آل عمران : 45 ] ، يعني : برسالة منه ، وبشارة من عنده . وقد قال قتادة في ذلك ما : - 10854 - حدثنا به الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " وكلمته ألقاها إلى مريم " ، قال : هو قوله : "كن" ، فكان . وقد بينا اختلاف المختلفين من أهل الإسلام في ذلك فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وقوله : " ألقاها إلى مريم " ، يعني : أعلمها بها وأخبرها ، كما يقال : "ألقيت إليك كلمة حسنة" ، بمعنى : أخبرتك بها وكلمتك بها . وأما قوله : " وروح منه " ، فإن أهل العلم اختلفوا في تأويله . فقال بعضهم : معنى قوله : "وروح منه" ، ونفخة منه ، لأنه حدث عن نفخة جبريل عليه السلام في درع مريم بأمر الله إياه بذلك ، فنسب إلى أنه"روح من الله" ، لأنه بأمره كان . قال : وإنما سمي النفخ"روحا" ، لأنها ريح تخرج من الروح ، واستشهدوا على ذلك من قولهم بقول ذي الرمة في صفة نار نعتها : [ ص: 420 ] فلما بدت كفنتها ، وهي طفلة بطلساء لم تكمل ذراعا ولا شبرا [ ص: 421 ] وقلت له ارفعها إليك ، وأحيها بروحك ، واقتته لها قيتة قدرا وظاهر لها من يابس الشخت ، واستعن عليها الصبا ، واجعل يديك لها سترا [ ولما تنمت تأكل الرم لم تدع ذوابل مما يجمعون ولا خضرا ] فلما جرت في الجزل جريا كأنه سنا البرق ، أحدثنا لخالقها شكرا وقالوا : يعني بقوله : "أحيها بروحك" ، أي : أحيها بنفخك . وقال بعضهم يعني بقوله : "وروح منه" إنه كان إنسانا بإحياء الله له بقوله : "كن" . قالوا : وإنما معنى قوله : "وروح منه" ، وحياة منه ، بمعنى إحياء الله إياه بتكوينه . وقال آخرون : معنى قوله : "وروح منه" ، ورحمة منه ، كما قال جل ثناؤه في موضع آخر : ( وأيدهم بروح منه ) [ سورة المجادلة : 22 ] . قالوا : ومعناه في هذا الموضع : ورحمة منه . قالوا : فجعل الله عيسى رحمة منه على من اتبعه وآمن به وصدقه ، لأنه هداهم إلى سبيل الرشاد . وقال آخرون : معنى ذلك : وروح من الله خلقها فصورها ، ثم أرسلها إلى مريم فدخلت في فيها ، فصيرها الله تعالى روح عيسى عليه السلام . ذكر من قال ذلك : 10855 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد قال : أخبرني أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب في قوله : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ) ، [ سورة الأعراف : 172 ] ، قال : أخذهم فجعلهم أرواحا ، ثم صورهم ، ثم [ ص: 422 ] استنطقهم ، فكان روح عيسى من تلك الأرواح التي أخذ عليها العهد والميثاق ، فأرسل ذلك الروح إلى مريم ، فدخل في فيها ، فحملت الذي خاطبها ، وهو روح عيسى عليه السلام . وقال آخرون : معنى"الروح" هاهنا ، جبريل عليه السلام . قالوا : ومعنى الكلام : وكلمته ألقاها إلى مريم ، وألقاها أيضا إليها روح من الله . قالوا : ف"الروح" معطوف به على ما في قوله : "ألقاها" من ذكر الله ، بمعنى : أن إلقاء الكلمة إلى مريم كان من الله ، ثم من جبريل عليه السلام . قال أبو جعفر : ولكل هذه الأقوال وجه ومذهب غير بعيد من الصواب . القول في تأويل قوله ( فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم ) قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "فآمنوا بالله ورسله" ، فصدقوا ، يا أهل الكتاب ، بوحدانية الله وربوبيته ، وأنه لا ولد له ، وصدقوا رسله فيما جاءوكم به من عند الله ، وفيما أخبرتكم به أن الله واحد لا شريك له ، ولا صاحبة له ، لا ولد له "ولا تقولوا ثلاثة" ، يعني : ولا تقولوا : الأرباب ثلاثة . [ ص: 423 ] ورفعت"الثلاثة" ، بمحذوف دل عليه الظاهر ، وهو"هم" . ومعنى الكلام : ولا تقولوا هم ثلاثة . وإنما جاز ذلك ، لأن"القول" حكاية ، والعرب تفعل ذلك في الحكاية ، ومنه قول الله : ( سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ) ، [ سورة الكهف : 22 ] . وكذلك كل ما ورد من مرفوع بعد"القول" لا رافع معه ، ففيه إضمار اسم رافع لذلك الاسم . ثم قال لهم جل ثناؤه : متوعدا لهم في قولهم العظيم الذي قالوه في الله : "انتهوا" ، أيها القائلون : الله ثالث ثلاثة ، عما تقولون من الزور والشرك بالله ، فإن الانتهاء عن ذلك خير لكم من قيله ، لما لكم عند الله من العقاب العاجل لكم على قيلكم ذلك ، إن أقمتم عليه ، ولم تنيبوا إلى الحق الذي أمرتكم بالإنابة إليه والآجل في معادكم . القول في تأويل قوله ( إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا ( 171 ) ) قال أبو جعفر : يعني بقوله : "إنما الله إله واحد" ، ما الله ، أيها القائلون : الله ثالث ثلاثة ، كما تقولون ، لأن من كان له ولد ، فليس بإله . وكذلك من كان له صاحبة ، فغير جائز أن يكون إلها معبودا . ولكن الله الذي له الألوهة والعبادة ، إله واحد معبود ، لا ولد له ، ولا والد ، ولا صاحبة ، ولا شريك . ثم نزه جل ثناؤه نفسه وعظمها ورفعها عما قال فيه أعداؤه الكفرة به فقال : "سبحانه أن يكون له ولد" ، يقول : علا الله وجل وعز وتعظم وتنزه عن أن يكون له ولد أو صاحبة . [ ص: 424 ] ثم أخبر جل ثناؤه عباده : أن عيسى وأمه ومن في السماوات ومن في الأرض ، عبيده وإماؤه وخلقه ، وأنه رازقهم وخالقهم ، وأنهم أهل حاجة وفاقة إليه احتجاجا منه بذلك على من ادعى أن المسيح ابنه ، وأنه لو كان ابنه كما قالوا ، لم يكن ذا حاجة إليه ، ولا كان له عبدا مملوكا ، فقال : " له ما في السماوات وما في الأرض " ، يعني : لله ما في السماوات وما في الأرض من الأشياء كلها ملكا وخلقا ، وهو يرزقهم ويقوتهم ويدبرهم ، فكيف يكون المسيح ابنا لله ، وهو في الأرض أو في السماوات ، غير خارج من أن يكون في بعض هذه الأماكن ؟ وقوله : " وكفى بالله وكيلا " ، يقول : وحسب ما في السماوات وما في الأرض بالله قيما ومدبرا ورازقا ، من الحاجة معه إلى غيره . القول في تأويل قوله ( لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ) يعني جل ثناؤه بقوله : " لن يستنكف المسيح " ، لن يأنف ولن يستكبر المسيح " أن يكون عبدا لله " ، يعني : من أن يكون عبدا لله ، كما : - 10856 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون " ، لن يحتشم المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة . [ ص: 425 ] وأما قوله : "ولا الملائكة المقربون" ، فإنه يعني : ولن يستنكف أيضا من الإقرار لله بالعبودة والإذعان له بذلك ، رسله"المقربون" ، الذين قربهم الله ورفع منازلهم على غيرهم من خلقه . وروي عن الضحاك أنه كان يقول في ذلك ، ما : - 10857 - حدثني به جعفر بن محمد البزوري قال : حدثنا يعلى بن عبيد ، عن الأجلح قال : قلت للضحاك : ما"المقربون" ؟ قال : أقربهم إلى السماء الثانية . القول في تأويل قوله ( ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا ( 172 ) ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : ومن يتعظم عن عبادة ربه ، ويأنف من التذلل والخضوع له بالطاعة من الخلق كلهم ، ويستكبر عن ذلك" فسيحشرهم إليه جميعا " ، يقول : فسيبعثهم يوم القيامة جميعا ، فيجمعهم لموعدهم عنده . ![]()
__________________
|
#523
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء التاسع تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ الحلقة (523) صــ 426 إلى صــ 440 القول في تأويل قوله ( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا ( 173 ) ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : فأما المؤمنون المقرون بوحدانية الله ، الخاضعون له بالطاعة ، المتذللون له بالعبودية ، والعاملون الصالحات من الأعمال ، وذلك : أن يردوا على ربهم قد آمنوا به وبرسله ، وعملوا بما أتاهم به رسله من عند ربهم ، من فعل ما أمرهم به ، واجتناب ما أمرهم باجتنابه" فيوفيهم أجورهم " ، يقول : فيؤتيهم جزاء أعمالهم الصالحة وافيا تاما " ويزيدهم من فضله " ، يعني جل ثناؤه : ويزيدهم على ما وعدهم من الجزاء على أعمالهم الصالحة والثواب عليها ، من الفضل والزيادة ما لم يعرفهم مبلغه ، ولم يحد لهم منتهاه . وذلك أن الله وعد من جاء من عباده المؤمنين بالحسنة الواحدة عشر أمثالها من الثواب والجزاء . فذلك هو أجر كل عامل على عمله الصالح من أهل الإيمان المحدود مبلغه ، والزيادة على ذلك تفضل من الله عليهم ، وإن كان كل ذلك من فضله على عباده . غير أن الذي وعد عباده المؤمنين أن يوفيهم فلا ينقصهم من الثواب على أعمالهم الصالحة ، هو ما حد مبلغه من العشر ، والزيادة على ذلك غير محدود مبلغها ، فيزيد من شاء من خلقه على ذلك قدر ما يشاء ، لا حد لقدره يوقف عليه . وقد قال بعضهم : الزيادة إلى سبعمائة ضعف . وقال آخرون : إلى ألفين . [ ص: 427 ] وقد ذكرت اختلاف المختلفين في ذلك فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وقوله : " وأما الذين استنكفوا واستكبروا " ، فإنه يعني : وأما الذين تعظموا عن الإقرار لله بالعبودة ، والإذعان له بالطاعة ، واستكبروا عن التذلل لألوهته وعبادته ، وتسليم الربوبية والوحدانية له" فيعذبهم عذابا أليما " ، يعني : عذابا موجعا" ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا " ، يقول : ولا يجد المستنكفون من عبادته والمستكبرون عنها ، إذا عذبهم الله الأليم من عذابه ، سوى الله لأنفسهم وليا ينجيهم من عذابه وينقذهم منه"ولا نصيرا" ، يعني : ولا ناصرا ينصرهم فيستنقذهم من ربهم ، ويدفع عنهم بقوته ما أحل بهم من نقمته ، كالذي كانوا يفعلون بهم إذا أرادهم غيرهم من أهل الدنيا في الدنيا بسوء ، من نصرتهم والمدافعة عنهم . القول في تأويل قوله ( يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا ( 174 ) ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم " ، يا أيها الناس من جميع أصناف الملل ، يهودها ونصاراها ومشركيها ، الذين قص الله جل ثناؤه قصصهم في هذه السورة" قد جاءكم برهان من ربكم " ، يقول : قد جاءتكم حجة من الله تبرهن لكم بطول ما أنتم عليه مقيمون من أديانكم ومللكم ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي جعله الله عليكم حجة قطع بها [ ص: 428 ] عذركم ، وأبلغ إليكم في المعذرة بإرساله إليكم ، مع تعريفه إياكم صحة نبوته ، وتحقيق رسالته" وأنزلنا إليكم نورا مبينا " ، يقول : وأنزلنا إليكم معه"نورا مبينا" ، يعني : يبين لكم المحجة الواضحة ، والسبل الهادية إلى ما فيه لكم النجاة من عذاب الله وأليم عقابه ، إن سلكتموها واستنرتم بضوئه . وذلك"النور المبين" ، هو القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 10858 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " برهان من ربكم " ، قال : حجة . 10859 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . 10860 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم " ، أي : بينة من ربكم"وأنزلنا إليكم نورا مبينا" ، وهو هذا القرآن . 10861 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " قد جاءكم برهان من ربكم " ، يقول : حجة . 10862 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : "برهان" ، قال : بينة" وأنزلنا إليكم نورا مبينا " ، قال : القرآن . [ ص: 429 ] القول في تأويل قوله ( فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما ( 175 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : فأما الذين صدقوا الله وأقروا بوحدانيته ، وما بعث به محمدا صلى الله عليه وسلم من أهل الملل"واعتصموا به" ، يقول : وتمسكوا بالنور المبين الذي أنزله إلى نبيه ، كما : - 10863 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " واعتصموا به " ، قال : بالقرآن . "فسيدخلهم في رحمة منه وفضل" ، يقول : فسوف تنالهم رحمته التي تنجيهم من عقابه ، وتوجب لهم ثوابه ورحمته وجنته ، ويلحقهم من فضله ما لحق أهل الإيمان به والتصديق برسله " ويهديهم إليه صراطا مستقيما " ، يقول : ويوفقهم لإصابة فضله الذي تفضل به على أوليائه ، ويسددهم لسلوك منهج من أنعم عليه من أهل طاعته ، ولاقتفاء آثارهم واتباع دينهم . وذلك هو"الصراط المستقيم" ، وهو دين الله الذي ارتضاه لعباده ، وهو الإسلام . ونصب"الصراط المستقيم" على القطع من"الهاء" التي في قوله : "إليه" . [ ص: 430 ] القول في تأويل قوله ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ) يعني تعالى ذكره بقوله : "يستفتونك" ، يسألونك ، يا محمد ، أن تفتيهم في الكلالة . وقد بينا معنى : "الكلالة" فيما مضى بالشواهد الدالة على صحته ، وقد ذكرنا اختلاف المختلفين فيه ، فأغنى ذلك عن إعادته ، وبينا أن"الكلالة" عندنا : ما عدا الولد والوالد . " إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك " ، يعني بقوله : "إن امرؤ هلك" ، إن إنسان من الناس مات ، كما : - 10864 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " إن امرؤ هلك " ، يقول : مات . "ليس له ولد" ذكر ولا أنثى"وله أخت" ، يعني : وللميت أخت لأبيه وأمه ، أو لأبيه"فلها نصف ما ترك" ، يقول : فلأخته التي تركها بعده بالصفة التي وصفنا ، نصف تركته ميراثا عنه ، دون سائر عصبته . وما بقي فلعصبته . وذكر أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم همهم شأن الكلالة ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيها هذه الآية . [ ص: 431 ] ذكر من قال ذلك : 10865 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " ، فسألوا عنها نبي الله ، فأنزل الله في ذلك القرآن : " إن امرؤ هلك ليس له ولد " ، فقرأ حتى بلغ : " والله بكل شيء عليم " . قال : وذكر لنا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال في خطبته : ألا إن الآية التي أنزل الله في أول"سورة النساء" في شأن الفرائض ، أنزلها الله في الولد والوالد . والآية الثانية أنزلها في الزوج والزوجة والإخوة من الأم . والآية التي ختم بها"سورة النساء" ، أنزلها في الإخوة والأخوات من الأب والأم . والآية التي ختم بها"سورة الأنفال" ، أنزلها في أولي الأرحام ، بعضهم أولى ببعض في كتاب الله مما جرت الرحم من العصبة . 10866 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير ، عن الشيباني ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن المسيب قال : سأل عمر بن الخطاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة ، فقال : أليس قد بين الله ذلك ؟ قال : فنزلت : " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " . 10867 - حدثنا مؤمل بن هشام أبو هشام قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن هشام الدستوائي قال : حدثنا أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله قال : اشتكيت وعندي تسع أخوات لي أو : سبع ، أنا أشك فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فنفخ في وجهي ، فأفقت وقلت : يا رسول الله ، ألا أوصي لأخواتي بالثلثين ؟ قال : أحسن! قلت : الشطر ؟ قال : أحسن! ثم خرج وتركني ، ثم رجع إلي فقال : [ ص: 432 ] يا جابر ، إني لا أراك ميتا من وجعك هذا ، وإن الله قد أنزل في الذي لأخواتك فجعل لهن الثلثين . قال : فكان جابر يقول : أنزلت هذه الآية في : " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " . 10868 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن هشام يعني الدستوائي عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . 10869 - حدثني المثنى قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : مرضت ، فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني هو وأبو بكر وهما ماشيان ، فوجدوني قد أغمي علي ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم صب علي من وضوئه ، فأفقت فقلت : يا رسول الله ، كيف أقضي في مالي أو : كيف أصنع في مالي ؟ وكان له تسع أخوات ، ولم يكن له والد ولا ولد . [ ص: 433 ] قال : فلم يجبني شيئا حتى نزلت آية الميراث : " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " إلى آخر السورة قال ابن المنكدر : قال جابر : إنما أنزلت هذه الآية في . وكان بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن هذه الآية هي آخر آية نزلت من القرآن . ذكر من قال ذلك : 10870 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب قال : سمعته يقول : إن آخر آية نزلت من القرآن : " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " . [ ص: 434 ] 10871 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن ابن أبي خالد ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : آخر آية نزلت من القرآن : " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " . 10872 - حدثنا محمد بن خلف قال : حدثنا عبد الصمد بن النعمان قال : حدثنا مالك بن مغول ، عن أبي السفر ، عن البراء قال : آخر آية نزلت من القرآن : " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " . 10873 - حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني قال : حدثنا مصعب بن المقدام قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : آخر سورة نزلت كاملة "براءة" ، وآخر آية ، نزلت خاتمة"سورة النساء" : "يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " . [ ص: 435 ] واختلف في المكان الذي نزلت فيه الآية . فقال جابر بن عبد الله : نزلت في المدينة . وقد ذكرت الرواية بذلك عنه فيما مضى ، بعضها في أول السورة عند فاتحة آية المواريث ، وبعضها في مبتدأ الأخبار عن السبب الذي نزلت فيه هذه الآية . وقال آخرون : بل أنزلت في مسير كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه . ذكر من قال ذلك : 10874 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا محمد بن حميد ، عن معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين قال : نزلت : " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " ، والنبي في مسير له ، وإلى جنبه حذيفة بن اليمان ، فبلغها النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة ، وبلغها حذيفة عمر بن الخطاب وهو يسير خلفه . فلما استخلف عمر سأل عنها حذيفة ، ورجا أن يكون عنده تفسيرها ، فقال له حذيفة : والله إنك لعاجز إن ظننت أن إمارتك تحملني أن أحدثك فيها بما لم أحدثك يومئذ! فقال عمر : لم أرد هذا ، رحمك الله! 10875 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين بنحوه إلا أنه قال في حديثه : فقال له حذيفة : والله إنك لأحمق إن ظننت . 10876 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا ابن عون ، عن محمد بن سيرين قال : كانوا في مسير ، ورأس راحلة حذيفة عند ردف راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأس راحلة عمر عند ردف [ ص: 436 ] راحلة حذيفة . قال : ونزلت : " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " ، فلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة ، فلقاها حذيفة عمر . فلما كان بعد ذلك ، سأل عمر عنها حذيفة فقال : والله إنك لأحمق إن كنت ظننت أنه لقانيها رسول الله فلقيتكها كما لقانيها ، والله لا أزيدك عليها شيئا أبدا! قال : وكان عمر يقول : اللهم من كنت بينتها له ، فإنها لم تبين لي . واختلف عن عمر في الكلالة ، فروي عنه أنه قال فيها عند وفاته : "هو من لا ولد له ولا والد" . وقد ذكرنا الرواية عنه بذلك فيما مضى في أول هذه السورة في آية الميراث . [ ص: 437 ] وروي عنه أنه قال قبل وفاته : هو ما خلا الأب . ذكر من قال ذلك : 10877 - حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال : قال عمر بن الخطاب : ما أغلظ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو : ما نازعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما نازعته في آية الكلالة ، حتى ضرب صدري وقال : يكفيك منها آية الصيف التي أنزلت في آخر"سورة النساء" : " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " ، وسأقضي فيها بقضاء يعلمه من يقرأ ومن لا يقرأ ، هو ما خلا الأب كذا أحسب قال ابن عرفة قال شبابة : الشك من شعبة . وروي عنه أنه قال : "إني لأستحيي أن أخالف فيه أبا بكر " ، وكان أبو بكر يقول : "هو ما خلا الولد والوالد" . وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه فيما مضى في أول السورة . وروي عنه أنه قال عند وفاته : "قد كنت كتبت في الكلالة كتابا ، [ ص: 438 ] وكنت أستخير الله فيه ، وقد رأيت أن أترككم على ما كنتم عليه" ، وأنه كان يتمنى في حياته أن يكون له بها علم . ذكر من قال ذلك : 10878 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا محمد بن حميد المعمري ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب كتب في الجد والكلالة كتابا ، فمكث يستخير الله فيه يقول : "اللهم إن علمت فيه خيرا فأمضه" ، حتى إذا طعن ، دعا بكتاب فمحي ، فلم يدر أحد ما كتب فيه ، فقال : "إني كنت كتبت في الجد والكلالة كتابا ، وكنت أستخير الله فيه ، فرأيت أن أترككم على ما كنتم عليه" . 10879 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر ، بنحوه . 10880 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان قال : حدثنا عمرو بن مرة ، عن مرة الهمداني قال : قال عمر : ثلاث لأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بينهن لنا ، أحب إلي من الدنيا وما فيها : الكلالة ، والخلافة ، وأبواب الربا . [ ص: 439 ] 10881 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثام قال : حدثنا الأعمش قال : سمعتهم يذكرون ، ولا أرى إبراهيم إلا فيهم ، عن عمر قال : لأن أكون أعلم الكلالة ، أحب إلي من أن يكون لي مثل جزية قصور الروم . 10882 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثام قال : حدثنا الأعمش ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : أخذ عمر كتفا وجمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : لأقضين في الكلالة قضاء تحدث به النساء في خدورهن! فخرجت حينئذ حية من البيت ، فتفرقوا ، فقال : لو أراد الله أن يتم هذا الأمر لأتمه . 10883 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا أبو حيان قال : حدثني الشعبي ، عن ابن عمر قال : سمعت عمر بن الخطاب يخطب على منبر المدينة ، فقال : أيها الناس ، ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا فيهن عهدا ينتهى إليه : الجد ، والكلالة ، وأبواب الربا . [ ص: 440 ] 10884 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة : أن عمر بن الخطاب قال : ما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألت عن الكلالة ، حتى طعن بإصبعه في صدري وقال : تكفيك آية الصيف التي في آخر"سورة النساء" . 10885 - حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال : حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان ، عن عمر قال : لن أدع شيئا أهم عندي من أمر الكلالة ، فما أغلظ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما أغلظ لي فيها ، حتى طعن بإصبعه في صدري أو قال : في جنبي فقال : تكفيك الآية التي أنزلت في آخر"النساء" . ![]()
__________________
|
#524
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء التاسع تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (524) صــ 441 إلى صــ 460 10886 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة : أن عمر بن الخطاب خطب الناس يوم الجمعة فقال : إني والله ما أدع بعدي شيئا هو أهم إلي من أمر الكلالة ، وقد سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيها ، حتى طعن في نحري وقال : "تكفيك آية الصيف التي أنزلت في آخر سورة النساء" ، وإن أعش أقض فيها بقضية لا يختلف فيها أحد قرأ القرآن . 10887 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد قال : حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن عمر بن الخطاب بنحوه . 10888 - حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال : سمعت أبي يقول ، أخبرنا أبو حمزة ، عن جابر ، عن الحسن بن مسروق ، عن أبيه قال : سألت عمر وهو يخطب الناس عن ذي قرابة لي ورث كلالة ، فقال : الكلالة ، الكلالة ، الكلالة !! وأخذ بلحيته ، ثم قال : والله لأن أعلمها أحب إلي من أن يكون لي ما على الأرض من شيء ، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألم تسمع الآية التي أنزلت في الصيف ؟ فأعادها ثلاث مرات . [ ص: 442 ] 10889 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أسامة ، عن زكريا ، عن أبي إسحاق ، عن أبي سلمة قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الكلالة ، فقال : ألم تسمع الآية التي أنزلت في الصيف : ( وإن كان رجل يورث كلالة ) إلى آخر الآية ؟ 10890 - حدثني محمد بن خلف قال : حدثنا إسحاق بن عيسى قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير : أن رجلا سأل عقبة عن الكلالة ، فقال : ألا تعجبون من هذا ؟ يسألني عن الكلالة ، وما أعضل بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء ما أعضلت بهم الكلالة ! [ ص: 443 ] قال أبو جعفر : فإن قال قائل : فما وجه قوله جل ثناؤه : " وإن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك " ، ولقد علمت اتفاق جميع أهل القبلة ما خلا ابن عباس وابن الزبير رحمة الله عليهما على أن الميت لو ترك ابنة وأختا ، أن لابنته النصف ، وما بقي فلأخته ، إذا كانت أخته لأبيه وأمه ، أو لأبيه ؟ وأين ذلك من قوله : " إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك " ، وقد ورثوها النصف مع الولد ؟ قيل : إن الأمر في ذلك بخلاف ما ذهبت إليه . إنما جعل الله جل ثناؤه بقوله : " إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك " ، إذا لم يكن للميت ولد ذكر ولا أنثى ، وكان موروثا كلالة ، النصف من تركته فريضة لها مسماة . فأما إذا كان للميت ولد أنثى ، فهي معها عصبة ، يصير لها ما كان يصير للعصبة غيرها ، لو لم تكن . وذلك غير محدود بحد ، ولا مفروض لها فرض سهام أهل الميراث بميراثهم عن ميتهم . ولم يقل الله في كتابه : "فإن كان له ولد فلا شيء لأخته معه" ، فيكون لما روي عن ابن عباس وابن الزبير في ذلك وجه يوجه إليه . وإنما بين جل ثناؤه ، مبلغ حقها إذا ورث الميت كلالة ، وترك بيان ما لها من حق إذا لم يورث كلالة في كتابه ، وبينه بوحيه على لسان رسوله صلى الله عليه [ ص: 444 ] وسلم ، فجعلها عصبة مع إناث ولد الميت . وذلك معنى غير معنى وراثتها الميت ، إذا كان موروثا كلالة . القول في تأويل قوله ( وهو يرثها إن لم يكن لها ولد ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : وأخو المرأة يرثها إن ماتت قبله ، إذا ورثت كلالة ، ولم يكن لها ولد ولا والد . القول في تأويل قوله ( فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " فإن كانتا اثنتين " ، فإن كانت المتروكة من الأخوات لأبيه وأمه أو لأبيه"اثنتين" فلهما ثلثا ما ترك أخوهما الميت ، إذا لم يكن له ولد ، وورث كلالة " وإن كانوا إخوة " ، يعني : وإن كان المتروكون من إخوته" رجالا ونساء فللذكر " منهم بميراثهم عنه من تركته" مثل حظ الأنثيين " ، يعني : مثل نصيب اثنتين من أخواته . وذلك إذا ورث كلالة ، والإخوة والأخوات إخوته وأخواته لأبيه وأمه ، أو : لأبيه . [ ص: 445 ] القول في تأويل قوله ( يبين الله لكم أن تضلوا ) قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : يبين الله لكم قسمة مواريثكم ، وحكم الكلالة ، وكيف فرائضهم"أن تضلوا" ، بمعنى : لئلا تضلوا في أمر المواريث وقسمتها ، أي : لئلا تجوروا عن الحق في ذلك وتخطئوا الحكم فيه ، فتضلوا عن قصد السبيل ، كما : - 10891 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " يبين الله لكم أن تضلوا " ، قال : في شأن المواريث . 10892 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا محمد بن حميد المعمري وحدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قالا جميعا ، أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين قال : كان عمر إذا قرأ : " يبين الله لكم أن تضلوا " قال : اللهم من بينت له الكلالة ، فلم تبين لي . قال أبو جعفر : وموضع "أن" في قوله : "يبين الله لكم أن تضلوا" ، نصب ، في قول بعض أهل العربية ، لاتصالها بالفعل . وفي قول بعضهم : خفض ، بمعنى : يبين الله لكم بأن لا تضلوا ، ولئلا تضلوا وأسقطت"لا" من اللفظ وهي مطلوبة في المعنى ، لدلالة الكلام عليها . والعرب تفعل ذلك ، تقول : "جئتك أن تلومني" ، بمعنى : جئتك أن لا تلومني ، كما قال القطامي في صفة ناقة : [ ص: 446 ] رأينا ما يرى البصراء فيها فآلينا عليها أن تباعا بمعنى : أن لا تباع . القول في تأويل قوله ( والله بكل شيء عليم ( 176 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : "والله بكل شيء" من مصالح عباده في قسمة مواريثهم وغيرها ، وجميع الأشياء"عليم" ، يقول : هو بذلك كله ذو علم . ( آخر تفسير سورة النساء ) والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم . [ ص: 447 ] [ ص: 448 ] [ ص: 449 ] بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين تفسير سورة المائدة القول في تأويل قوله عز ذكره ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " يا أيها الذين آمنوا أوفوا " ، يا أيها الذين أقروا بوحدانية الله ، وأذعنوا له بالعبودية ، وسلموا له الألوهة وصدقوا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم في نبوته وفيما جاءهم به من عند ربهم من شرائع دينه " أوفوا بالعقود " ، يعني : أوفوا بالعهود التي عاهدتموها ربكم ، والعقود التي عاقدتموها إياه ، وأوجبتم بها على أنفسكم حقوقا ، وألزمتم أنفسكم بها لله فروضا ، فأتموها بالوفاء والكمال والتمام منكم لله بما ألزمكم بها ، ولمن عاقدتموه منكم ، بما أوجبتموه له بها على أنفسكم ، ولا تنكثوها فتنقضوها بعد توكيدها . واختلف أهل التأويل في "العقود" التي أمر الله جل ثناؤه بالوفاء بها بهذه الآية ، بعد إجماع جميعهم على أن معنى"العقود " ، العهود . فقال بعضهم : هي العقود التي كان أهل الجاهلية عاقد بعضهم بعضا على النصرة والمؤازرة والمظاهرة على من حاول ظلمه أو بغاه سوءا ، وذلك هو معنى"الحلف" الذي كانوا يتعاقدونه بينهم . ذكر من قال : معنى"العقود" ، العهود . 10893 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني [ ص: 450 ] معاوية بن صالح ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " أوفوا بالعقود " ، يعني : بالعهود . 10894 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله جل وعز : " أوفوا بالعقود " ، قال : العهود . 10895 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . 10896 - حدثنا سفيان قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد ، مثله . 10897 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبيد الله ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس قال : جلسنا إلى مطرف بن الشخير وعنده رجل يحدثهم ، فقال : " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " ، قال : هي العهود . 10898 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " أوفوا بالعقود " ، قال : العهود . 10899 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك : " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " ، قال : هي العهود . 10900 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول : " أوفوا بالعقود " ، بالعهود . [ ص: 451 ] 10901 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : " أوفوا بالعقود " ، قال : بالعهود . 10902 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " أوفوا بالعقود " ، قال : هي العهود . 10903 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : سمعت الثوري يقول : " أوفوا بالعقود " ، قال : بالعهود . 10904 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . قال أبو جعفر : و"العقود " جمع "عقد" ، وأصل "العقد" ، عقد الشيء بغيره ، وهو وصله به ، كما يعقد الحبل بالحبل ، إذا وصل به شدا . يقال منه : "عقد فلان بينه وبين فلان عقدا ، فهو يعقده" ، ومنه قول الحطيئة : قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا [ ص: 452 ] وذلك إذا واثقه على أمر وعاهده عليه عهدا بالوفاء له بما عاقده عليه ، من أمان وذمة ، أو نصرة ، أو نكاح ، أو بيع ، أو شركة ، أو غير ذلك من العقود . ذكر من قال المعنى الذي ذكرنا عمن قاله في المراد من قوله : " أوفوا بالعقود " . 10905 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " ، أي : بعقد الجاهلية . ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : أوفوا بعقد الجاهلية ، ولا تحدثوا عقدا في الإسلام . وذكر لنا أن فرات بن حيان العجلي ، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حلف الجاهلية ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : لعلك تسأل عن حلف لخم وتيم الله ؟ فقال : نعم ، يا نبي الله! قال : لا يزيده الإسلام إلا شدة . 10906 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر ، عن قتادة : " أوفوا بالعقود " ، قال : عقود الجاهلية : الحلف . وقال آخرون : بل هي الحلف التي أخذ الله على عباده بالإيمان به وطاعته ، فيما أحل لهم وحرم عليهم . ذكر من قال ذلك : 10907 - حدثني المثنى قال : أخبرنا عبد الله قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " أوفوا بالعقود " ، يعني : ما أحل وما حرم ، وما فرض ، وما حد في القرآن كله ، فلا تغدروا ولا تنكثوا . ثم شدد ذلك فقال : ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ) إلى قوله : ( سوء الدار ) [ سورة الرعد : 35 ] . 10908 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن [ ص: 453 ] ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " أوفوا بالعقود " ، ما عقد الله على العباد مما أحل لهم وحرم عليهم . وقال آخرون : بل هي العقود التي يتعاقدها الناس بينهم ، ويعقدها المرء على نفسه . ذكر من قال ذلك : 10909 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثني أبي ، عن موسى بن عبيدة ، عن أخيه عبد الله بن عبيدة قال : العقود خمس : عقدة الأيمان ، وعقدة النكاح ، وعقدة العهد ، وعقدة البيع ، وعقدة الحلف . 10910 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا وكيع ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي أو عن أخيه عبد الله بن عبيدة ، نحوه . 10911 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " ، قال : عقد العهد ، وعقد اليمين وعقد الحلف ، وعقد الشركة ، وعقد النكاح . قال : هذه العقود ، خمس . 10912 - حدثني المثنى قال : حدثنا عتبة بن سعيد الحمصي قال : حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال : حدثنا أبي في قول الله جل وعز : " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " ، قال : العقود خمس : عقدة النكاح ، وعقدة الشركة ، وعقد اليمين ، وعقدة العهد ، وعقدة الحلف . وقال آخرون : بل هذه الآية أمر من الله تعالى لأهل الكتاب بالوفاء بما أخذ به ميثاقهم ، من العمل بما في التوراة والإنجيل في تصديق محمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند الله . [ ص: 454 ] ذكر من قال ذلك : 10913 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " أوفوا بالعقود " ، قال : العهود التي أخذها الله على أهل الكتاب : أن يعملوا بما جاءهم . 10914 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني يونس قال : قال محمد بن مسلم : قرأت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لعمرو بن حزم حين بعثه على نجران فكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم ، فيه : "هذا بيان من الله ورسوله : " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " ، فكتب الآيات منها حتى بلغ" إن الله سريع الحساب " . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، ما قاله ابن عباس ، وأن معناه : أوفوا ، يا أيها الذين آمنوا ، بعقود الله التي أوجبها عليكم ، وعقدها فيما أحل لكم وحرم عليكم ، وألزمكم فرضه ، وبين لكم حدوده . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب من غيره من الأقوال ، لأن الله جل وعز أتبع ذلك البيان عما أحل لعباده وحرم عليهم ، وما أوجب عليهم من فرائضه . فكان معلوما بذلك أن قوله : " أوفوا بالعقود " ، أمر منه عباده بالعمل بما ألزمهم من فرائضه وعقوده عقيب ذلك ، ونهي منه لهم عن نقض ما عقده عليهم منه ، مع أن قوله : " أوفوا بالعقود " ، أمر منه بالوفاء بكل عقد أذن فيه ، فغير جائز أن يخص منه شيء حتى تقوم حجة بخصوص شيء منه يجب التسليم لها . فإذ كان الأمر في ذلك كما وصفنا ، فلا معنى لقول من وجه ذلك إلى معنى الأمر بالوفاء ببعض العقود التي أمر الله بالوفاء بها دون بعض . [ ص: 455 ] وأما قوله : "أوفوا" فإن للعرب فيه لغتين : إحداهما : "أوفوا" ، من قول القائل : "أوفيت لفلان بعهده ، أوفي له به" . والأخرى من قولهم : "وفيت له بعهده أفي" . و"الإيفاء بالعهد" ، إتمامه على ما عقد عليه من شروطه الجائزة . القول في تأويل قوله ( أحلت لكم بهيمة الأنعام ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في "بهيمة الأنعام" التي ذكر الله عز ذكره في هذه الآية أنه أحلها لنا . فقال بعضهم : هي الأنعام كلها . ذكر من قال ذلك : 10915 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا عبد الأعلى ، عن عوف ، عن الحسن قال : بهيمة الأنعام ، هي الإبل والبقر والغنم . 10916 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " أحلت لكم بهيمة الأنعام " ، قال : الأنعام كلها . 10917 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا ابن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " أحلت لكم بهيمة الأنعام " ، قال : الأنعام كلها . 10918 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس في قوله : " أحلت لكم بهيمة الأنعام " ، قال : الأنعام كلها . 10920 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، [ ص: 456 ] أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " بهيمة الأنعام " ، هي الأنعام . وقال آخرون : بل عنى بقوله : " أحلت لكم بهيمة الأنعام " ، أجنة الأنعام التي توجد في بطون أمهاتها - إذا نحرت أو ذبحت - ميتة . ذكر من قال ذلك : 10921 - حدثني الحارث بن محمد قال : حدثنا عبد العزيز قال : أخبرنا أبو عبد الرحمن الفزاري ، عن عطية العوفي ، عن ابن عمر في قوله : " أحلت لكم بهيمة الأنعام قال : ما في بطونها . قال قلت : إن خرج ميتا آكله ؟ قال : نعم . 10922 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا يحيى بن زكريا ، عن إدريس الأودي ، عن عطية ، عن ابن عمر نحوه وزاد فيه قال : نعم ، هو بمنزلة رئتها وكبدها . 10923 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : الجنين من بهيمة الأنعام ، فكلوه . 10924 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن مسعر وسفيان ، عن قابوس عن أبيه ، عن ابن عباس : أن بقرة نحرت فوجد في بطنها جنين ، فأخذ ابن عباس بذنب الجنين فقال : هذا من بهيمة الأنعام التي أحلت لكم . 10925 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : هو من بهيمة الأنعام . 10926 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو عاصم ومؤمل قالا حدثنا سفيان ، عن قابوس ، عن أبيه قال : ذبحنا بقرة ، فإذا في بطنها جنين ، فسألنا ابن عباس فقال : هذه بهيمة الأنعام . قال أبو جعفر : وأولى القولين بالصواب في ذلك ، قول من قال : عنى [ ص: 457 ] بقوله : " أحلت لكم بهيمة الأنعام " ، الأنعام كلها : أجنتها وسخالها وكبارها . لأن العرب لا تمتنع من تسمية جميع ذلك"بهيمة وبهائم" ، ولم يخصص الله منها شيئا دون شيء . فذلك على عمومه وظاهره ، حتى تأتي حجة بخصوصه يجب التسليم لها . وأما "النعم" فإنها عند العرب ، اسم للإبل والبقر والغنم خاصة ، كما قال جل ثناؤه : ( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ) ، [ سورة النحل : 5 ] ، ثم قال : ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ) [ سورة النحل : 8 ] ، ففصل جنس النعم من غيرها من أجناس الحيوان . وأما "بهائمها" ، فإنها أولادها . وإنما قلنا يلزم الكبار منها اسم "بهيمة" ، كما يلزم الصغار ، لأن معنى قول القائل : "بهيمة الأنعام" ، نظير قوله : "ولد الأنعام" . فلما كان لا يسقط معنى الولادة عنه بعد الكبر ، فكذلك لا يسقط عنه اسم البهيمة بعد الكبر . وقد قال قوم : "بهيمة الأنعام" ، وحشيها ، كالظباء وبقر الوحش والحمر . القول في تأويل قوله ( إلا ما يتلى عليكم ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في الذي عناه الله بقوله : " إلا ما يتلى عليكم " . فقال بعضهم : عنى الله بذلك : أحلت لكم أولاد الإبل والبقر والغنم ، إلا ما بين الله لكم فيما يتلى عليكم بقوله : ( حرمت عليكم الميتة والدم ) ، الآية [ سورة المائدة : 3 ] . ذكر من قال ذلك : 10927 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا [ ص: 458 ] عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم " ، إلا الميتة وما ذكر معها . 10928 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم " ، أي : من الميتة التي نهى الله عنها ، وقدم فيها . 10929 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " إلا ما يتلى عليكم " ، قال : إلا الميتة وما لم يذكر اسم الله عليه . 10930 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " إلا ما يتلى عليكم " ، الميتة والدم ولحم الخنزير . 10931 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم " ، الميتة ولحم الخنزير . 10932 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم " ، هي الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به . وقال آخرون : بل الذي استثنى الله بقوله : " إلا ما يتلى عليكم " ، الخنزير . ذكر من قال ذلك . 10933 - حدثني عبد الله بن داود قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " إلا ما يتلى عليكم قال : الخنزير . 10934 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " إلا ما يتلى عليكم " ، يعني : الخنزير . [ ص: 459 ] قال أبو جعفر : وأولى التأويلين في ذلك بالصواب ، تأويل من قال : "عنى بذلك : إلا ما يتلى عليكم من تحريم الله ما حرم عليكم بقوله : " حرمت عليكم الميتة " ، الآية . لأن الله عز وجل استثنى مما أباح لعباده من بهيمة الأنعام ، ما حرم عليهم منها . والذي حرم عليهم منها ، ما بينه في قوله : ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ) [ سورة المائدة : 3 ] . وإن كان حرمه الله علينا ، فليس من بهيمة الأنعام فيستثنى منها . فاستثناء ما حرم علينا مما دخل في جملة ما قبل الاستثناء ، أشبه من استثناء ما حرم مما لم يدخل في جملة ما قبل الاستثناء . القول في تأويل قوله ( غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم : معنى ذلك : " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " " غير محلي الصيد وأنتم حرم " " أحلت لكم بهيمة الأنعام " فذلك ، على قولهم ، من المؤخر الذي معناه التقديم . ف"غير" منصوب على قول قائلي هذه المقالة على الحال مما في قوله : "أوفوا" من ذكر"الذين آمنوا" . وتأويل الكلام على مذهبهم : أوفوا ، أيها المؤمنون ، بعقود الله التي عقدها عليكم في كتابه ، لا محلين الصيد وأنتم حرم . وقال آخرون : معنى ذلك : أحلت لكم بهيمة الأنعام الوحشية من الظباء والبقر والحمر "غير محلي الصيد" ، غير مستحلي اصطيادها ، وأنتم حرم إلا [ ص: 460 ] ما يتلى عليكم" . ف"غير" ، على قول هؤلاء ، منصوب على الحال من"الكاف والميم" اللتين في قوله : "لكم" ، بتأويل : أحلت لكم ، أيها الذين آمنوا ، بهيمة الأنعام ، لا مستحلي اصطيادها في حال إحرامكم . وقال آخرون : معنى ذلك : أحلت لكم بهيمة الأنعام كلها " إلا ما يتلى عليكم " ، إلا ما كان منها وحشيا ، فإنه صيد ، فلا يحل لكم وأنتم حرم . فكأن من قال ذلك ، وجه الكلام إلى معنى : أحلت لكم بهيمة الأنعام كلها " إلا ما يتلى عليكم " ، إلا ما يبين لكم من وحشيها ، غير مستحلي اصطيادها في حال إحرامكم . فتكون"غير" منصوبة ، على قولهم ، على الحال من"الكاف والميم" في قوله : "إلا ما يتلى عليكم" . ذكر من قال ذلك : 10935 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا عبيد الله ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس قال : جلسنا إلى مطرف بن الشخير ، وعنده رجل ، فحدثهم فقال : " أحلت لكم بهيمة الأنعام " صيدا " غير محلي الصيد وأنتم حرم " ، فهو عليكم حرام . يعني بقر الوحش والظباء وأشباهه . 10936 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس في قوله : " أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم " ، قال : الأنعام كلها حل ، إلا ما كان منها وحشيا ، فإنه صيد ، فلا يحل إذا كان محرما . ![]()
__________________
|
#525
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء التاسع تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (525) صــ 461 إلى صــ 475 قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب على ما تظاهر به تأويل [ ص: 461 ] أهل التأويل في قوله : " أحلت لكم بهيمة الأنعام " ، من أنها الأنعام وأجنتها وسخالها ، وعلى دلالة ظاهر التنزيل قول من قال : معنى ذلك : أوفوا بالعقود ، غير محلي الصيد وأنتم حرم ، فقد أحلت لكم بهيمة الأنعام في حال إحرامكم أو غيرها من أحوالكم ، إلا ما يتلى عليكم تحريمه من الميتة منها والدم ، وما أهل لغير الله به . وذلك أن قوله : "إلا ما يتلى عليكم" ، لو كان معناه : "إلا الصيد" ، لقيل : "إلا ما يتلى عليكم من الصيد غير محليه" . وفي ترك الله وصل قوله : "إلا ما يتلى عليكم" بما ذكرت ، وإظهار ذكر الصيد في قوله : "غير محلي الصيد" ، أوضح الدليل على أن قوله : "إلا ما يتلى عليكم" ، خبر متناهية قصته ، وأن معنى قوله : " غير محلي الصيد " ، منفصل منه . وكذلك لو كان قوله : ( أحلت لكم بهيمة الأنعام ) ، مقصودا به قصد الوحش ، لم يكن أيضا لإعادة ذكر الصيد في قوله : "غير محلي الصيد" وجه ، وقد مضى ذكره قبل ، ولقيل : " أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محليه وأنتم حرم " . وفي إظهاره ذكر الصيد في قوله : "غير محلي الصيد" ، أبين الدلالة على صحة ما قلنا في معنى ذلك . فإن قال قائل : فإن العرب ربما أظهرت ذكر الشيء باسمه وقد جرى ذكره باسمه ؟ قيل : ذلك من فعلها ضرورة شعر ، وليس ذلك بالفصيح المستعمل من كلامهم . وتوجيه كلام الله إلى الأفصح من لغات من نزل كلامه بلغته ، أولى ما وجد إلى ذلك سبيل من صرفه إلى غير ذلك . قال أبو جعفر : فمعنى الكلام إذا : يا أيها الذين آمنوا أوفوا بعقود الله التي عقد عليكم مما حرم وأحل ، لا محلين الصيد في حرمكم ، ففيما أحل لكم من بهيمة الأنعام المذكاة دون ميتتها ، متسع لكم ومستغنى عن الصيد في حال إحرامكم . [ ص: 462 ] القول في تأويل قوله ( إن الله يحكم ما يريد ( 1 ) ) قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : إن الله يقضي في خلقه ما يشاء من تحليل ما أراد تحليله ، وتحريم ما أراد تحريمه ، وإيجاب ما شاء إيجابه عليهم ، وغير ذلك من أحكامه وقضاياه فأوفوا ، أيها المؤمنون ، له بما عقد عليكم من تحليل ما أحل لكم وتحريم ما حرم عليكم ، وغير ذلك من عقوده ، فلا تنكثوها ولا تنقضوها . كما : - 10937 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "إن الله يحكم ما يريد" ، إن الله يحكم ما أراد في خلقه ، وبين لعباده ، وفرض فرائضه ، وحد حدوده ، وأمر بطاعته ، ونهى عن معصيته . القول في تأويل قوله ( ياأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى قول الله : " لا تحلوا شعائر الله " . فقال بعضهم معناه : لا تحلوا حرمات الله ، ولا تتعدوا حدوده كأنهم وجهوا"الشعائر" إلى المعالم ، وتأولوا"لا تحلوا شعائر الله" ، معالم حدود الله ، وأمره ونهيه وفرائضه . [ ذكر من قال ذلك ] : 10938 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال : حدثنا حبيب المعلم ، عن عطاء : أنه سئل عن"شعائر الله" فقال : حرمات الله ، اجتناب سخط الله ، واتباع طاعته ، فذلك"شعائر الله" . [ ص: 463 ] وقال آخرون : معنى ذلك : لا تحلوا حرم الله فكأنهم وجهوا معنى قوله : "شعائر الله" ، أي : معالم حرم الله من البلاد . ذكر من قال ذلك : 10939 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله" ، قال : أما"شعائر الله" ، فحرم الله . وقال آخرون : معنى ذلك : لا تحلوا مناسك الحج فتضيعوها وكأنهم وجهوا تأويل ذلك إلى : لا تحلوا معالم حدود الله التي حدها لكم في حجكم . ذكر من قال ذلك : 10940 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس قوله : "لا تحلوا شعائر الله" ، قال : مناسك الحج . 10941 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : "يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله" ، قال : كان المشركون يحجون البيت الحرام ، ويهدون الهدايا ، ويعظمون حرمة المشاعر ، ويتجرون في حجهم ، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم ، فقال الله عز وجل : "لا تحلوا شعائر الله" . 10942 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "شعائر الله" ، الصفا والمروة ، والهدي ، والبدن ، كل هذا من"شعائر الله" . [ ص: 464 ] 10943 - حدثني المثنى قال : حدثني أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . وقال آخرون : معنى ذلك : لا تحلوا ما حرم الله عليكم في حال إحرامكم . ذكر من قال ذلك : 10944 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "لا تحلوا شعائر الله" ، قال : "شعائر الله" ، ما نهى الله عنه أن تصيبه وأنت محرم . وكأن الذين قالوا هذه المقالة ، وجهوا تأويل ذلك إلى : لا تحلوا معالم حدود الله التي حرمها عليكم في إحرامكم . قال أبو جعفر : وأولى التأويلات بقوله : "لا تحلوا شعائر الله" ، قول عطاء الذي ذكرناه من توجيهه معنى ذلك إلى : لا تحلوا حرمات الله ولا تضيعوا فرائضه . لأن"الشعائر" جمع"شعيرة" ، "والشعيرة""فعيلة" من قول القائل : "قد شعر فلان بهذا الأمر" ، إذا علم به . ف"الشعائر" ، المعالم ، من ذلك . وإذا كان ذلك كذلك ، كان معنى الكلام : لا تستحلوا ، أيها الذين آمنوا ، معالم الله فيدخل في ذلك معالم الله كلها في مناسك الحج : من تحريم ما حرم الله إصابته فيها على المحرم ، وتضييع ما نهى عن تضييعه فيها ، وفيما حرم من استحلال حرمات حرمه ، وغير ذلك من حدوده وفرائضه ، وحلاله وحرامه ، لأن [ ص: 465 ] كل ذلك من معالمه وشعائره التي جعلها أمارات بين الحق والباطل ، يعلم بها حلاله وحرامه ، وأمره ونهيه . وإنما قلنا ذلك القول أولى بتأويل قوله تعالى : "لا تحلوا شعائر الله" ، لأن الله نهى عن استحلال شعائره ومعالم حدوده وإحلالها نهيا عاما ، من غير اختصاص شيء من ذلك دون شيء ، فلم يجز لأحد أن يوجه معنى ذلك إلى الخصوص إلا بحجة يجب التسليم لها ، ولا حجة بذلك كذلك . القول في تأويل قوله ( ولا الشهر الحرام ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "ولا الشهر الحرام" ، ولا تستحلوا الشهر الحرام بقتالكم فيه أعداءكم من المشركين وهو كقوله : ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ) [ سورة البقرة : 217 ] . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن عباس وغيره . ذكر من قال ذلك : 10945 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "ولا الشهر الحرام" ، يعني : لا تستحلوا قتالا فيه . 10946 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : كان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت ، فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام ولا عند البيت . [ ص: 466 ] وأما"الشهر الحرام" الذي عناه الله بقوله : "ولا الشهر الحرام" ، فرجب مضر ، وهو شهر كانت مضر تحرم فيه القتال . وقد قيل : هو في هذا الموضع"ذو القعدة" . ذكر من قال ذلك : 10947 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة قال : هو ذو القعدة . وقد بينا الدلالة على صحة ما قلنا في ذلك فيما مضى ، وذلك في تأويل قوله : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " . القول في تأويل قوله ( ولا الهدي ولا القلائد ) قال أبو جعفر : "أما الهدي" ، فهو ما أهداه المرء من بعير أو بقرة أو شاة أو غير ذلك ، إلى بيت الله ، تقربا به إلى الله ، وطلب ثوابه . يقول الله عز وجل : فلا تستحلوا ذلك ، فتغصبوه أهله غلبة ولا تحولوا بينهم وبين ما أهدوا من ذلك أن يبلغوا به المحل الذي جعله الله جل وعز محله من كعبته . [ ص: 467 ] وقد روي عن ابن عباس أن"الهدي" إنما يكون هديا ما لم يقلد . 10948 - حدثني بذلك محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ولا الهدي" ، قال : الهدي ما لم يقلد ، وقد جعل على نفسه أن يهديه ويقلده . وأما قوله : "ولا القلائد" ، فإنه يعني : ولا تحلوا أيضا القلائد . ثم اختلف أهل التأويل في"القلائد" التي نهى الله عز وجل عن إحلالها . فقال بعضهم : عنى ب "القلائد" ، قلائد الهدي . وقالوا : إنما أراد الله جل وعز بقوله : "ولا الهدي ولا القلائد" ، ولا تحلوا الهدايا المقلدات منها وغير المقلدات . فقوله : "ولا الهدي" ، ما لم يقلد من الهدايا "ولا القلائد" ، المقلد منها . قالوا : ودل بقوله : "ولا القلائد" ، على معنى ما أراد من النهي عن استحلال الهدايا المقلدة . ذكر من قال ذلك : 10949 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ولا القلائد" ، القلائد ، مقلدات الهدي . وإذا قلد الرجل هديه فقد أحرم . فإن فعل ذلك وعليه قميصه ، فليخلعه . وقال آخرون : يعني بذلك : القلائد التي كان المشركون يتقلدونها إذا أرادوا الحج مقبلين إلى مكة ، من لحاء السمر وإذا خرجوا منها إلى منازلهم منصرفين منها ، من الشعر . [ ص: 468 ] ذكر من قال ذلك : 10950 - حدثني الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : "لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام" ، قال : كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج ، تقلد من السمر ، فلم يعرض له أحد . فإذا رجع تقلد قلادة شعر ، فلم يعرض له أحد . وقال آخرون : بل كان الرجل منهم يتقلد إذا أراد الخروج من الحرم ، أو خرج من لحاء شجر الحرم ، فيأمن بذلك من سائر قبائل العرب أن يعرضوا له بسوء . ذكر من قال ذلك : 10951 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن مالك بن مغول ، عن عطاء : "ولا القلائد" ، قال : كانوا يتقلدون من لحاء شجر الحرم ، يأمنون بذلك إذا خرجوا من الحرم ، فنزلت : "لا تحلوا شعائر الله" ، الآية ، "ولا الهدي ولا القلائد" . 10952 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "ولا القلائد" ، قال : "القلائد" ، اللحاء في رقاب الناس والبهائم ، أمن لهم . 10953 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . 10954 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قوله : "ولا الهدي ولا القلائد" ، قال : إن العرب كانوا يتقلدون من لحاء شجر مكة ، فيقيم الرجل بمكانه ، حتى إذا انقضت الأشهر الحرم ، فأراد أن يرجع إلى أهله ، قلد نفسه وناقته من لحاء الشجر ، فيأمن حتى يأتي أهله . [ ص: 469 ] 10955 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "ولا القلائد" ، قال : "القلائد" ، كان الرجل يأخذ لحاء شجرة من شجر الحرم ، فيتقلدها ، ثم يذهب حيث شاء ، فيأمن بذلك . فذلك "القلائد" . وقال آخرون : إنما نهى الله المؤمنين بقوله : "ولا القلائد" ، أن ينزعوا شيئا من شجر الحرم فيتقلدوه ، كما كان المشركون يفعلون في جاهليتهم . ذكر من قال ذلك : 10956 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عبد الملك ، عن عطاء في قوله : "ولا الهدي ولا القلائد" ، كان المشركون يأخذون من شجر مكة ، من لحاء السمر ، فيتقلدونها ، فيأمنون بها من الناس . فنهى الله أن ينزع شجرها فيتقلد . 10957 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبيد الله ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس قال : جلسنا إلى مطرف بن الشخير ، وعنده رجل فحدثهم في قوله : "ولا القلائد" ، قال : كان المشركون يأخذون من شجر مكة ، من لحاء السمر ، فيتقلدون ، فيأمنون بها في الناس . فنهى الله عز ذكره أن ينزع شجرها فيتقلد . قال أبو جعفر : والذي هو أولى بتأويل قوله : "ولا القلائد" إذ كانت معطوفة على أول الكلام ، ولم يكن في الكلام ما يدل على انقطاعها عن أوله ، ولا أنه عنى بها النهي عن التقلد أو اتخاذ القلائد من شيء أن يكون معناه : ولا تحلوا القلائد . فإذا كان ذلك بتأويله أولى ، فمعلوم أنه نهي من الله جل ذكره عن استحلال حرمة المقلد ، هديا كان ذلك أو إنسانا ، دون حرمة القلادة . وإن الله عز ذكره ، إنما دل بتحريمه حرمة القلادة ، على ما ذكرنا من حرمة المقلد ، فاجتزأ بذكره [ ص: 470 ] "القلائد" من ذكر"المقلد" ، إذ كان مفهوما عند المخاطبين بذلك معنى ما أريد به . فمعنى الآية إذ كان الأمر على ما وصفنا : يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ، ولا الشهر الحرام ، ولا الهدي ، ولا المقلد نفسه بقلائد الحرم . وقد ذكر بعض الشعراء في شعره ما ذكرنا عمن تأول "القلائد" أنها قلائد لحاء شجر الحرم الذي كان أهل الجاهلية يتقلدونه ، فقال وهو يعيب رجلين قتلا رجلين كانا تقلدا ذلك : ألم تقتلا الحرجين إذ أعوراكما يمران بالأيدي اللحاء المضفرا و"الحرجان" ، المقتولان كذلك . ومعنى قوله : "أعوراكما" ، أمكناكما من عورتهما . [ ص: 471 ] القول في تأويل قوله ( ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا ) قال أبو جعفر : يعني بقوله عز ذكره : " ولا آمين البيت الحرام " ، ولا تحلوا قاصدي البيت الحرام العامديه . تقول منه : "أممت كذا" ، إذا قصدته وعمدته ، وبعضهم يقول : "يممته" كما قال الشاعر : إني كذاك إذا ما ساءني بلد يممت صدر بعيري غيره بلدا " والبيت الحرام" ، بيت الله الذي بمكة ، وقد بينت فيما مضى لم قيل له "الحرام" . " يبتغون فضلا من ربهم " ، يعني : يلتمسون أرباحا في تجاراتهم من الله [ ص: 472 ] "ورضوانا" ، يقول : وأن يرضى الله عنهم بنسكهم . وقد قيل : إن هذه الآية نزلت في رجل من بني ربيعة يقال له : "الحطم" . ذكر من قال ذلك : 10958 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : أقبل الحطم بن هند البكري ، ثم أحد بني قيس بن ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، وخلف خيله خارجة من المدينة . فدعاه ، فقال : إلام تدعو ؟ فأخبره وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : يدخل اليوم عليكم رجل من ربيعة ، يتكلم بلسان شيطان! فلما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم قال : انظر ، ولعلي أسلم ولي من أشاوره . فخرج من عنده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لقد دخل بوجه كافر ، وخرج بعقب غادر! فمر بسرح من سرح المدينة فساقه ، فانطلق به وهو يرتجز [ ص: 473 ] قد لفها الليل بسواق حطم ليس براعي إبل ولا غنم ولا بجزار على ظهر الوضم باتوا نياما وابن هند لم ينم بات يقاسيها غلام كالزلم خدلج الساقين ممسوح القدم ثم أقبل من عام قابل حاجا قد قلد وأهدى ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه ، فنزلت هذه الآية ، حتى بلغ : "ولا آمين البيت الحرام" . قال له ناس من أصحابه : يا رسول الله ، خل بيننا وبينه ، فإنه صاحبنا! قال : إنه قد قلد! قالوا : إنما هو شيء كنا نصنعه في الجاهلية! فأبى عليهم ، فنزلت هذه الآية . 10959 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة قال : قدم الحطم ، أخو بني ضبيعة بن ثعلبة البكري ، المدينة في عير له يحمل طعاما ، فباعه . ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 474 ] فبايعه وأسلم . فلما ولى خارجا ، نظر إليه فقال لمن عنده : لقد دخل علي بوجه فاجر ، وولى بقفا غادر! فلما قدم اليمامة ارتد عن الإسلام ، وخرج في عير له تحمل الطعام في ذي القعدة يريد مكة . فلما سمع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تهيأ للخروج إليه نفر من المهاجرين والأنصار ليقتطعوه في عيره ، فأنزل الله عز وجل : "يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله" ، الآية ، فانتهى القوم . قال ابن جريج قوله : "ولا آمين البيت الحرام" ، قال : ينهى عن الحجاج أن تقطع سبلهم . قال : وذلك أن الحطم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ليرتاد وينظر ، فقال : إني داعية قوم فاعرض علي ما تقول . قال له : أدعوك إلى الله أن تعبده ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم شهر رمضان ، وتحج البيت . قال الحطم : في أمرك هذا غلظة ، أرجع إلى قومي فأذكر لهم ما ذكرت ، فإن قبلوه أقبلت معهم ، وإن أدبروا كنت معهم . قال له : ارجع . فلما خرج قال : لقد دخل علي بوجه كافر ، وخرج من عندي بعقبي غادر ، وما الرجل بمسلم ! فمر على سرح لأهل المدينة فانطلق به ، فطلبه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففاتهم ، وقدم اليمامة ، وحضر الحج ، فجهز خارجا ، وكان عظيم التجارة ، فاستأذنوا أن يتلقوه ويأخذوا ما معه ، فأنزل الله عز وجل : "لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام" . 10960 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "ولا آمين البيت الحرام" الآية ، قال : هذا يوم الفتح ، جاء ناس يؤمون البيت من المشركين يهلون بعمرة ، فقال المسلمون : يا رسول الله ، إنما هؤلاء مشركون كمثل هؤلاء فلن ندعهم إلا أن نغير عليهم . فنزل القرآن : "ولا آمين البيت الحرام " . 10961 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي [ ص: 475 ] قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "ولا آمين البيت الحرام" ، يقول : من توجه حاجا . 10962 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : "ولا آمين البيت الحرام" ، يعني : الحاج . 10963 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس قال : جلسنا إلى مطرف بن الشخير وعنده رجل ، فحدثهم فقال : " ولا آمين البيت الحرام " ، قال : الذين يريدون البيت . ثم اختلف أهل العلم فيما نسخ من هذه الآية ، بعد إجماعهم على أن منها منسوخا . فقال بعضهم : نسخ جميعها . ذكر من قال ذلك : 10964 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير ، عن بيان ، عن عامر ، قال : لم ينسخ من المائدة إلا هذه الآية : " لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد " . 10965 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مجاهد : " يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله " ، نسختها ، ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) ، [ سورة التوبة : 5 ] . ![]()
__________________
|
#526
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء التاسع تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (526) صــ 476 إلى صــ 490 10966 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا [ ص: 476 ] الثوري ، عن بيان ، عن الشعبي قال : لم ينسخ من سورة المائدة غير هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله " . 10967 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام" الآية ، قال : منسوخ . قال : كان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت ، فأمروا أن لا يقاتلوا في الأشهر الحرم ، ولا عند البيت ، فنسخها قوله : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) . 10968 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك : "لا تحلوا شعائر الله" إلى قوله : "ولا آمين البيت الحرام" ، قال : نسختها"براءة" : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) . 10969 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : حدثنا هشيم ، عن الضحاك ، مثله . 10970 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير ، عن منصور ، عن حبيب بن أبي ثابت : " لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد " ، قال : هذا شيء نهي عنه ، فترك كما هو . 10971 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام " ، قال : هذا كله منسوخ ، نسخ هذا أمره بجهادهم كافة . [ ص: 477 ] وقال آخرون : الذي نسخ من هذه الآية قوله : " ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام " . ذكر من قال ذلك : 10972 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبدة بن سليمان قال : قرأت على ابن أبي عروبة فقال : هكذا سمعته من قتادة : نسخ من"المائدة" : " آمين البيت الحرام " ، نسختها"براءة" قال الله : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) ، وقال : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر ) [ سورة التوبة : 17 ] ، وقال : ( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) [ سورة التوبة : 27 ] ، وهو العام الذي حج فيه أبو بكر ، فنادى فيه بالأذان . 10973 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا همام بن يحيى ، عن قتادة قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله " الآية ، قال : فنسخ منها : " آمين البيت الحرام " ، نسختها"براءة" ، فقال : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) ، فذكر نحو حديث عبدة . 10974 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : نزل في شأن الحطم : "ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام" ، ثم نسخه الله فقال : ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) [ سورة البقرة : 191 ] . 10975 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن [ ص: 478 ] علي ، عن ابن عباس قوله : " لا تحلوا شعائر الله " إلى قوله : "ولا آمين البيت" ، [ فكان المؤمنون والمشركون يحجون إلى البيت ] جميعا ، فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحدا أن يحج البيت أو يعرضوا له ، من مؤمن أو كافر ، ثم أنزل الله بعد هذا : ( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) ، وقال : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ) ، وقال : ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ) [ سورة التوبة : 18 ] ، فنفى المشركين من المسجد الحرام . 10976 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام" ، الآية ، قال : منسوخ ، كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج ، تقلد من السمر فلم يعرض له أحد . وإذا رجع ، تقلد قلادة شعر فلم يعرض له أحد . وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت . وأمروا أن لا يقاتلوا في الأشهر الحرم ، ولا عند البيت ، فنسخها قوله : "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " . وقال آخرون : لم ينسخ من ذلك شيء ، إلا القلائد التي كانت في الجاهلية يتقلدونها من لحاء الشجر . ذكر من قال ذلك : 10977 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام" ، الآية ، قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : هذا كله من عمل الجاهلية فعله وإقامته ، فحرم الله ذلك كله بالإسلام ، إلا لحاء القلائد ، فترك [ ص: 479 ] ذلك "ولا آمين البيت الحرام" ، فحرم الله على كل أحد إخافتهم . 10978 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصحة ، قول من قال : نسخ الله من هذه الآية قوله : " ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام " ، لإجماع الجميع على أن الله قد أحل قتال أهل الشرك في الأشهر الحرم وغيرها من شهور السنة كلها . وكذلك أجمعوا على أن المشرك لو قلد عنقه أو ذراعيه لحاء جميع أشجار الحرم ، لم يكن ذلك له أمانا من القتل ، إذا لم يكن تقدم له عقد ذمة من المسلمين أو أمان وقد بينا فيما مضى معنى"القلائد" في غير هذا الموضع . وأما قوله : " ولا آمين البيت الحرام " ، فإنه محتمل ظاهره : ولا تحلوا حرمة آمين البيت الحرام من أهل الشرك والإسلام ، لعموم جميع من أم البيت . وإذا احتمل ذلك ، فكان أهل الشرك داخلين في جملتهم ، فلا شك أن قوله : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) ، ناسخ له . لأنه غير جائز اجتماع الأمر بقتلهم وترك قتلهم في حال واحدة ووقت واحد . وفي إجماع الجميع على أن حكم الله في أهل الحرب من المشركين قتلهم ، أموا البيت الحرام أو البيت المقدس ، في أشهر الحرم وغيرها ما يعلم أن المنع من قتلهم إذا أموا البيت الحرام منسوخ . ومحتمل أيضا : ولا آمين البيت الحرام من أهل الشرك . وأكثر أهل التأويل على ذلك . وإن كان عني بذلك المشركون من أهل الحرب ، فهو أيضا لا شك منسوخ . [ ص: 480 ] وإذ كان ذلك كذلك وكان لا اختلاف في ذلك بينهم ظاهر ، وكان ما كان مستفيضا فيهم ظاهرا حجة فالواجب ، وإن احتمل ذلك معنى غير الذي قالوا ، التسليم لما استفاض بصحته نقلهم . القول في تأويل قوله ( يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا ) قال أبو جعفر : يعني بقوله : "يبتغون" ، يطلبون ويلتمسون و"الفضل" الأرباح في التجارة و"الرضوان" ، رضى الله عنهم ، فلا يحل بهم من العقوبة في الدنيا ما أحل بغيرهم من الأمم في عاجل دنياهم ، بحجهم بيته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 10979 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر ، عن قتادة في قوله : " يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا " ، قال : هم المشركون ، يلتمسون فضل الله ورضوانه فيما يصلح لهم دنياهم . 10980 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبدة بن سليمان قال : قرأت على ابن أبي عروبة فقال : هكذا سمعته من قتادة في قوله : " يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا " ، والفضل والرضوان اللذان يبتغون : أن يصلح معايشهم في الدنيا ، وأن لا يعجل لهم العقوبة فيها . [ ص: 481 ] 10981 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن ابن عباس : "يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا" ، يعني : أنهم يترضون الله بحجهم . 10982 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبيد الله ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس قال : جلسنا إلى مطرف بن الشخير ، وعنده رجل فحدثهم في قوله : "يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا" ، قال : التجارة في الحج ، والرضوان في الحج . 10983 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي أميمة قال : قال ابن عمر في الرجل يحج ويحمل معه متاعا ، قال : لا بأس به وتلا هذه الآية : " يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا " . 10984 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا" ، قال : يبتغون الأجر والتجارة . القول في تأويل قوله ( وإذا حللتم فاصطادوا ) قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : وإذا حللتم فاصطادوا الصيد الذي نهيتكم أن تحلوه وأنتم حرم . يقول : فلا حرج عليكم في اصطياده ، واصطادوا إن شئتم حينئذ ، لأن المعنى الذي من أجله كنت حرمته عليكم في حال إحرامكم قد زال . [ ص: 482 ] وبما قلنا في ذلك قال جميع أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 10985 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا حصين ، عن مجاهد أنه قال : هي رخصة يعني قوله : " وإذا حللتم فاصطادوا " . 10986 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن حجاج ، عن القاسم ، عن مجاهد قال : خمس في كتاب الله رخصة ، وليست بعزمة ، فذكر : "وإذا حللتم فاصطادوا" ، قال : من شاء فعل ، ومن شاء لم يفعل . 10987 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو خالد ، عن حجاج ، عن عطاء ، مثله . 10988 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حصين ، عن مجاهد : " وإذا حللتم فاصطادوا " ، قال : إذا حل ، فإن شاء صاد ، وإن شاء لم يصطد . 10989 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن إدريس ، عن ابن جريج ، عن رجل ، عن مجاهد : أنه كان لا يرى الأكل من هدي المتعة واجبا ، وكان يتأول هذه الآية : "وإذا حللتم فاصطادوا" ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ) [ سورة الجمعة : 10 ] . [ ص: 483 ] القول في تأويل قوله ( ولا يجرمنكم ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "ولا يجرمنكم" ، ولا يحملنكم ، كما : - 10990 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " ولا يجرمنكم شنآن قوم " ، يقول : لا يحملنكم شنآن قوم . 10991 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولا يجرمنكم شنآن قوم " ، أي : لا يحملنكم . وأما أهل المعرفة باللغة فإنهم اختلفوا في تأويلها . فقال بعض البصريين : معنى قوله : "ولا يجرمنكم " ، لا يحقن لكم ، لأن قوله : ( لا جرم أن لهم النار ) [ سورة النحل : 62 ] ، هو : حق أن لهم النار . وقال بعض الكوفيين : معناه : لا يحملنكم . وقال : يقال : "جرمني فلان على أن صنعت كذا وكذا" ، أي : حملني عليه . واحتج جميعهم ببيت الشاعر : ولقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا [ ص: 484 ] فتأول ذلك كل فريق منهم على المعنى الذي تأوله من القرآن . فقال الذين قالوا : "لا يجرمنكم " ، لا يحقن لكم معنى قول الشاعر : "جرمت فزارة" ، أحقت الطعنة لفزارة الغضب . وقال الذين قالوا : معناه : لا يحملنكم معناه في البيت : "جرمت فزارة أن يغضبوا" ، حملت فزارة على أن يغضبوا . وقال آخر من الكوفيين : معنى قوله : "لا يجرمنكم " ، لا يكسبنكم شنآن قوم . وتأويل قائل هذا القول قول الشاعر في البيت : "جرمت فزارة " ، كسبت فزارة أن يغضبوا . قال : وسمعت العرب تقول : "فلان جريمة أهله" ، بمعنى : كاسبهم "وخرج يجرمهم" ، يكسبهم . قال أبو جعفر : وهذه الأقوال التي حكيناها عمن حكيناها عنه ، متقاربة المعنى . وذلك أن من حمل رجلا على بغض رجل ، فقد أكسبه بغضه . ومن أكسبه بغضه ، فقد أحقه له . فإذا كان ذلك كذلك ، فالذي هو أحسن في الإبانة عن معنى الحرف ، ما قاله ابن عباس وقتادة ، وذلك توجيههما معنى قوله : "ولا يجرمنكم شنآن قوم" ، ولا يحملنكم شنآن قوم على العدوان . [ ص: 485 ] واختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته عامة قرأة الأمصار : ( ولا يجرمنكم ) بفتح"الياء" من : "جرمته أجرمه" . وقرأ ذلك بعض قرأة الكوفيين وهو يحيى بن وثاب ، والأعمش : ما : - 10992 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير ، عن الأعمش أنه قرأ : ( ولا يجرمنكم ) مرتفعة"الياء" ، من : "أجرمته أجرمه ، وهو يجرمني" . قال أبو جعفر : والذي هو أولى بالصواب من القراءتين ، قراءة من قرأ ذلك : ( ولا يجرمنكم ) بفتح"الياء" ، لاستفاضة القراءة بذلك في قرأة الأمصار ، وشذوذ ما خالفها ، وأنها اللغة المعروفة السائرة في العرب ، وإن كان مسموعا من بعضها : "أجرم يجرم" على شذوذه . وقراءة القرآن بأفصح اللغات ، أولى وأحق منها بغير ذلك . ومن لغة من قال"جرمت" ، قول الشاعر : يا أيها المشتكي عكلا وما جرمت إلى القبائل من قتل وإبآس [ ص: 486 ] القول في تأويل قوله ( شنآن قوم ) اختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأه بعضهم : ( شنآن ) بتحريك"الشين والنون" إلى الفتح ، بمعنى : بغض قوم ، توجيها منهم ذلك إلى المصدر الذي يأتي على"فعلان" ، نظير"الطيران" و"النسلان" و"العسلان" و"الرملان" . وقرأ ذلك آخرون : شنآن قوم بتسكين"النون" وفتح"الشين" بمعنى : الاسم ، توجيها منهم معناه إلى : لا يجرمنكم بغيض قوم فيخرج"شنآن" على تقدير"فعلان" ، لأن"فعل" منه على"فعل" كما يقال : "سكران" من"سكر" ، و"عطشان" من"عطش" ، وما أشبه ذلك من الأسماء . قال أبو جعفر : والذي هو أولى القراءتين في ذلك بالصواب ، قراءة من قرأ : ( شنآن قوم ) بفتح"النون" محركة ، لشائع تأويل أهل التأويل على أن معناه : بغض قوم وتوجيههم ذلك إلى معنى المصدر دون معنى الاسم . وإذ كان ذلك موجها إلى معنى المصدر ، فالفصيح من كلام العرب فيما جاء من المصادر على"الفعلان" بفتح"الفاء" ، تحريك ثانيه دون تسكينه ، كما وصفت من قولهم : "الدرجان" و"الرملان" ، من"درج" و"رمل" ، فكذلك"الشنآن" من"شنئته أشنؤه شنآنا" ، ومن العرب من يقول : "شنان" على تقدير"فعال" ، ولا أعلم قارئا قرأ ذلك كذلك ، ومن ذلك قول الشاعر : [ ص: 487 ] وما العيش إلا ما تلذ وتشتهي وإن لام فيه ذو الشنان وفندا وهذا في لغة من ترك الهمز من"الشنآن" ، فصار على تقدير"فعال" وهو في الأصل"فعلان" . ذكر من قال من أهل التأويل : "شنآن قوم" ، بغض قوم . 10993 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "ولا يجرمنكم شنآن قوم" ، لا يحملنكم بغض قوم . 10994 - وحدثني به المثنى مرة أخرى بإسناده ، عن ابن عباس فقال : لا يحملنكم عداوة قوم أن تعتدوا . 10995 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "ولا يجرمنكم شنآن قوم" ، لا يجرمنكم بغض قوم . 10996 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "ولا يجرمنكم شنآن قوم " ، قال : بغضاؤهم ، أن تعتدوا . القول في تأويل قوله ( أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ) قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأه بعض أهل المدينة وعامة قرأة الكوفيين : ( أن صدوكم ) بفتح"الألف " [ ص: 488 ] من"أن" ، بمعنى : لا يجرمنكم بغض قوم بصدهم إياكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا . وكان بعض قرأة الحجاز والبصرة يقرأ ذلك : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم إن صدوكم ) ، بكسر"الألف" من"إن" ، بمعنى : ولا يجرمنكم شنآن قوم إن هم أحدثوا لكم صدا عن المسجد الحرام أن تعتدوا فزعموا أنها في قراءة ابن مسعود : ( إن يصدوكم ) ، فقرأوا ذلك كذلك اعتبارا بقراءته . قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، أنهما قراءتان معروفتان مشهورتان في قرأة الأمصار ، صحيح معنى كل واحدة منهما . وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صد عن البيت هو وأصحابه يوم الحديبية ، وأنزلت عليه"سورة المائدة" بعد ذلك ، فمن قرأ ( أن صدوكم ) بفتح"الألف" من"أن" ، فمعناه : لا يحملنكم بغض قوم ، أيها الناس ، من أجل أن صدوكم يوم الحديبية عن المسجد الحرام ، أن تعتدوا عليهم . ومن قرأ : ( إن صدوكم ) بكسر"الألف" ، فمعناه : لا يجرمنكم شنآن قوم إن صدوكم عن المسجد الحرام إذا أردتم دخوله . لأن الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من قريش يوم فتح مكة ، قد حاولوا صدهم عن المسجد الحرام . فتقدم الله إلى المؤمنين في قول من قرأ ذلك بكسر"إن" بالنهي عن الاعتداء عليهم ، إن هم صدوهم عن المسجد الحرام ، قبل أن يكون ذلك من الصادين . غير أن الأمر ، وإن كان كما وصفت ، فإن قراءة ذلك بفتح"الألف" ، أبين معنى . لأن هذه السورة لا تدافع بين أهل العلم في أنها نزلت بعد يوم الحديبية . [ ص: 489 ] وإذ كان ذلك كذلك ، فالصد قد كان تقدم من المشركين ، فنهى الله المؤمنين عن الاعتداء على الصادين من أجل صدهم إياهم عن المسجد الحرام . وأما قوله : "أن تعتدوا" ، فإنه يعني : أن تجاوزوا الحد الذي حده الله لكم في أمرهم . فتأويل الآية إذا : ولا يحملنكم بغض قوم ، لأن صدوكم عن المسجد الحرام ، أيها المؤمنون ، أن تعتدوا حكم الله فيهم ، فتجاوزوه إلى ما نهاكم عنه ، ولكن الزموا طاعة الله فيما أحببتم وكرهتم . وذكر أنها نزلت في النهي عن الطلب بذحول الجاهلية . ذكر من قال ذلك : 10997 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "أن تعتدوا" ، رجل مؤمن من حلفاء محمد ، قتل حليفا لأبي سفيان من هذيل يوم الفتح بعرفة ، لأنه كان يقتل حلفاء محمد ، فقال محمد صلى الله عليه وسلم : لعن الله من قتل بذحل الجاهلية . 10998 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . وقال آخرون : هذا منسوخ ذكر من قال ذلك : [ ص: 490 ] 10999 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "ولا يجرمنكم شنآن قوم أن تعتدوا" ، قال : بغضاؤهم ، حتى تأتوا ما لا يحل لكم . وقرأ : "أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا" ، وقال : هذا كله قد نسخ ، نسخه الجهاد . قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب ، قول مجاهد أنه غير منسوخ ، لاحتماله : أن تعتدوا الحق فيما أمرتكم به . وإذا احتمل ذلك ، لم يجز أن يقال : "هو منسوخ" ، إلا بحجة يجب التسليم لها . القول في تأويل قوله ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " وتعاونوا على البر والتقوى " ، وليعن بعضكم ، أيها المؤمنون ، بعضا "على البر" ، وهو العمل بما أمر الله بالعمل به "والتقوى" ، هو اتقاء ما أمر الله باتقائه واجتنابه من معاصيه . وقوله : " ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " ، يعني : ولا يعن بعضكم بعضا "على الإثم" ، يعني : على ترك ما أمركم الله بفعله "والعدوان" ، يقول : ولا على أن تتجاوزوا ما حد الله لكم في دينكم ، وفرض لكم في أنفسكم وفي غيركم . ![]()
__________________
|
#527
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء التاسع تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (527) صــ 491 إلى صــ 505 [ ص: 491 ] وإنما معنى الكلام : ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ، ولكن ليعن بعضكم بعضا بالأمر بالانتهاء إلى ما حده الله لكم في القوم الذين صدوكم عن المسجد الحرام وفي غيرهم ، والانتهاء عما نهاكم الله أن تأتوا فيهم وفي غيرهم ، وفي سائر ما نهاكم عنه ، ولا يعن بعضكم بعضا على خلاف ذلك . وبما قلنا في"البر والتقوى" قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 11000 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "وتعاونوا على البر والتقوى" ، "البر" ما أمرت به ، و"التقوى" ما نهيت عنه . 11001 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : " وتعاونوا على البر والتقوى " قال : "البر" ما أمرت به ، و"التقوى" ما نهيت عنه . القول في تأويل قوله ( واتقوا الله إن الله شديد العقاب ( 2 ) قال أبو جعفر : وهذا وعيد من الله جل ثناؤه وتهدد لمن اعتدى حده وتجاوز أمره يقول عز ذكره : "واتقوا الله" ، يعني : واحذروا الله ، أيها المؤمنون ، أن تلقوه في معادكم وقد اعتديتم حده فيما حد لكم ، وخالفتم أمره فيما أمركم به ، أو نهيه فيما نهاكم عنه ، فتستوجبوا عقابه ، وتستحقوا أليم عذابه . ثم وصف عقابه بالشدة فقال عز ذكره : إن الله شديد عقابه لمن عاقبه من خلقه ، لأنها نار [ ص: 492 ] لا يطفأ حرها ، ولا يخمد جمرها ، ولا يسكن لهبها ، نعوذ بالله منها ومن عمل يقربنا منها . القول في تأويل قوله ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ) قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : حرم الله عليكم ، أيها المؤمنون ، الميتة . و" الميتة " : كل ما له نفس سائلة من دواب البر وطيره ، مما أباح الله أكلها ، أهليها ووحشيها ، فارقتها روحها بغير تذكية . وقد قال بعضهم : " الميتة " ، هو كل ما فارقته الحياة من دواب البر وطيره بغير تذكية ، مما أحل الله أكله . وقد بينا العلة الموجبة صحة القول بما قلنا في ذلك ، في كتابنا ( كتاب لطيف القول في الأحكام ) . وأما"الدم" ، فإنه الدم المسفوح ، دون ما كان منه غير مسفوح ، لأن الله جل ثناؤه قال : ( قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير ) [ سورة الأنعام : 145 ] ، فأما ما كان قد صار في معنى اللحم ، كالكبد والطحال ، وما كان في اللحم غير [ ص: 493 ] منسفح ، فإن ذلك غير حرام ، لإجماع الجميع على ذلك . وأما قوله : "ولحم الخنزير" ، فإنه يعني : وحرم عليكم لحم الخنزير ، أهليه وبريه . فالميتة والدم مخرجهما في الظاهر مخرج عموم ، والمراد منهما الخصوص . وأما لحم الخنزير ، فإن ظاهره كباطنه ، وباطنه كظاهره ، حرام جميعه ، لم يخصص منه شيء . وأما قوله : " وما أهل لغير الله به " ، فإنه يعني : وما ذكر عليه غير اسم الله . وأصله من"استهلال الصبي" ، وذلك إذا صاح حين يسقط من بطن أمه . ومنه"إهلال المحرم بالحج" ، إذا لبى به ومنه قول ابن أحمر : يهل بالفرقد ركبانها كما يهل الراكب المعتمر وإنما عنى بقوله : " وما أهل لغير الله به " ، وما ذبح للآلهة وللأوثان ، يسمى عليه غير اسم الله . [ ص: 494 ] وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وقد ذكرنا الرواية عمن قال ذلك فيما مضى ، فكرهنا إعادته . القول في تأويل قوله ( والمنخنقة ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في صفة"إلانخناق" الذي عنى الله جل ثناؤه بقوله : "والمنخنقة" . فقال بعضهم بما : - 11002 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "والمنخنقة" ، قال : التي تدخل رأسها بين شعبتين من شجرة ، فتختنق فتموت . 11002 م - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك في المنخنقة ، قال : التي تختنق فتموت . 11003 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر ، عن قتادة في قوله : "والمنخنقة" ، التي تموت في خناقها . وقال آخرون : هي التي توثق فيقتلها بالخناق وثاقها . ذكر من قال ذلك : 11004 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : "والمنخنقة" ، قال : الشاة توثق ، فيقتلها خناقها ، فهي حرام . [ ص: 495 ] وقال آخرون : بل هي البهيمة من النعم ، كان المشركون يخنقونها حتى تموت ، فحرم الله أكلها . ذكر من قال ذلك : 11005 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : "والمنخنقة" التي تخنق فتموت . 11006 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "والمنخنقة" ، كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة ، حتى إذا ماتت أكلوها . وأولى هذه الأقوال بالصواب ، قول من قال : "هي التي تختنق ، إما في وثاقها ، وإما بإدخال رأسها في الموضع الذي لا تقدر على التخلص منه ، فتختنق حتى تموت" . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب في تأويل ذلك من غيره ، لأن"المنخنقة" ، هي الموصوفة بالانخناق ، دون خنق غيرها لها ، ولو كان معنيا بذلك أنها مفعول بها ، لقيل : "والمخنوقة" ، حتى يكون معنى الكلام ما قالوا . القول في تأويل قوله ( والموقوذة ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "والموقوذة" ، والميتة وقيذا . يقال منه : "وقذه يقذه وقذا" ، إذا ضربه حتى أشرف على الهلاك ، ومنه قول الفرزدق : [ ص: 496 ] شغارة تقذ الفصيل برجلها فطارة لقوادم الأبكار وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 11007 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : "والموقوذة" ، قال : الموقوذة ، التي تضرب بالخشب حتى توقذ بها فتموت . 11008 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "والموقوذة" ، كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصي ، حتى إذا ماتت أكلوها . 11009 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا روح قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة في قوله : "والموقوذة" ، قال : كانوا يضربونها حتى يقذوها ، ثم يأكلوها . [ ص: 497 ] 11010 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "والموقوذة" ، التي توقذ فتموت . 11011 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : "الموقوذة" ، التي تضرب حتى تموت . 11012 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "والموقوذة" ، قال : هي التي تضرب فتموت . 11013 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سلمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : "والموقوذة" ، كانت الشاة أو غيرها من الأنعام تضرب بالخشب لآلهتهم ، حتى يقتلوها فيأكلوها . 11014 - حدثنا العباس بن الوليد قال : أخبرني عقبة بن علقمة ، حدثني إبراهيم بن أبي عبلة . قال : حدثني نعيم بن سلامة ، عن أبي عبد الله الصنابحي قال : ليست"الموقوذة" إلا في مالك ، وليس في الصيد وقيذ . [ ص: 498 ] القول في تأويل قوله ( والمتردية ) قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : وحرمت عليكم الميتة ترديا من جبل أو في بئر ، أو غير ذلك . و"ترديها" ، رميها بنفسها من مكان عال مشرف إلى سفله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 11015 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : "والمتردية" ، قال : التي تتردى من الجبل . 11016 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "والمتردية" ، كانت تتردى في البئر فتموت ، فيأكلونها . 11017 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا روح قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "والمتردية" ، قال : التي تردت في البئر . 11018 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : "والمتردية" ، قال : هي التي تردى من الجبل ، أو في البئر ، فتموت . 11019 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، [ ص: 499 ] عن الضحاك : "والمتردية" ، التي تردى من الجبل فتموت . 11020 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : "والمتردية" ، قال : التي تخر في ركي ، أو من رأس جبل ، فتموت . القول في تأويل قوله ( والنطيحة ) قال أبو جعفر : يعني بقوله : "النطيحة" ، الشاة التي تنطحها أخرى فتموت من النطاح بغير تذكية . فحرم الله جل ثناؤه ذلك على المؤمنين ، إن لم يدركوا ذكاته قبل موته . وأصل"النطيحة" ، "المنطوحة" ، صرفت من"مفعولة" إلى"فعيلة" . فإن قال قائل : وكيف أثبتت"الهاء" هاء التأنيث فيها ، وأنت تعلم أن العرب لا تكاد تثبت"الهاء" في نظائرها إذا صرفوها صرف"النطيحة" من"مفعول" إلى"فعيل" ، إنما تقول : "لحية دهين" و"عين كحيل" و"كف خضيب" ، ولا يقولون : كف خضيبة ، ولا عين كحيلة ؟ قيل : قد اختلف أهل العربية في ذلك . فقال بعض نحويي البصرة : أثبتت فيها"الهاء" أعني في"النطيحة" لأنها جعلت كالاسم مثل : "الطويلة" و"الطريقة" . فكأن قائل هذا القول ، وجه"النطيحة" إلى معنى"الناطحة" . [ ص: 500 ] فتأويل الكلام على مذهبه : وحرمت عليكم الميتة نطاحا ، كأنه عنى : وحرمت عليكم الناطحة التي تموت من نطاحها . وقال بعض نحويي الكوفة : إنما تحذف العرب"الهاء" من"الفعيلة" المصروفة عن"المفعول" ، إذا جعلتها صفة لاسم قد تقدمها ، فتقول : "رأينا كفا خضيبا ، وعينا كحيلا" ، فأما إذا حذفت"الكف" و"العين" والاسم الذي يكون"فعيل" نعتا لها ، واجتزءوا ب "فعيل" منها ، أثبتوا فيه هاء التأنيث ، ليعلم بثبوتها فيه أنها صفة للمؤنث دون المذكر ، فتقول : "رأينا كحيلة وخضيبة" و"أكيلة السبع" . قالوا : ولذلك أدخلت"الهاء" في"النطيحة" ، لأنها صفة المؤنث ، ولو أسقطت منها لم يدر أهي صفة مؤنث أو مذكر . وهذا القول هو أولى القولين في ذلك بالصواب ، لشائع أقوال أهل التأويل بأن معنى : "النطيحة" ، المنطوحة . ذكر من قال ذلك : 11021 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن أبي عباس قوله : "والنطيحة" ، قال : الشاة تنطح الشاة . 11022 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، عن قيس ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة قال : كان يقرأ : ( والمنطوحة ) . 11023 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك : "والنطيحة" ، الشاتان ينتطحان فيموتان . 11024 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "والنطيحة" ، هي التي تنطحها الغنم والبقر فتموت . [ ص: 501 ] يقول : هذا حرام ، لأن ناسا من العرب كانوا يأكلونه . 11025 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "والنطيحة" ، كان الكبشان ينتطحان ، فيموت أحدهما ، فيأكلونه . 11026 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا روح قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " والنطيحة " ، الكبشان ينتطحان ، فيقتل أحدهما الآخر ، فيأكلونه . 11027 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك ، يقول في قوله : "والنطيحة" ، قال : الشاة تنطح الشاة فتموت . القول في تأويل قوله ( وما أكل السبع ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "وما أكل السبع" ، وحرم عليكم ما أكل السبع غير المعلم من الصوائد . وكذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 11028 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : "وما أكل السبع" ، يقول : ما أخذ السبع . 11029 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك : "وما أكل السبع" ، يقول : ما أخذ السبع . 11030 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : [ ص: 502 ] "وما أكل السبع" ، قال : كان أهل الجاهلية إذا قتل السبع شيئا من هذا أو أكل منه ، أكلوا ما بقي . 11031 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، عن قيس ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الربيع ، عن ابن عباس أنه قرأ : ( وأكيل السبع ) . القول في تأويل قوله ( إلا ما ذكيتم ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "إلا ما ذكيتم" ، إلا ما طهرتموه بالذبح الذي جعله الله طهورا . ثم اختلف أهل التأويل فيما استثنى الله بقوله : "إلا ما ذكيتم " . فقال بعضهم : استثنى من جميع ما سمى الله تحريمه من قوله : "وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع" . ذكر من قال ذلك : 11032 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : "إلا ما ذكيتم" ، يقول : ما أدركت ذكاته من هذا كله ، يتحرك له ذنب ، أو تطرف له عين ، فاذبح واذكر اسم الله عليه ، فهو حلال . 11033 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن فضيل ، عن أشعث ، عن الحسن : " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم " ، قال الحسن : أي هذا [ ص: 503 ] أدركت ذكاته فذكه وكل . فقلت : يا أبا سعيد ، كيف أعرف ؟ قال : إذا طرفت بعينها ، أو ضربت بذنبها . 11034 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "إلا ما ذكيتم" ، قال : فكل هذا الذي سماه الله عز وجل هاهنا ، ما خلا لحم الخنزير ، إذا أدركت منه عينا تطرف ، أو ذنبا يتحرك ، أو قائمة تركض فذكيته ، فقد أحل الله لك ذلك . 11035 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : "إلا ما ذكيتم" ، من هذا كله . فإذا وجدتها تطرف عينها ، أو تحرك أذنها من هذا كله ، فهي لك حلال . 11036 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني هشيم وعباد قالا أخبرنا حجاج ، عن حصين ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن علي قال : إذا أدركت ذكاة الموقوذة والمتردية والنطيحة ، وهي تحرك يدا أو رجلا فكلها . 11037 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا معمر ، عن إبراهيم قال : إذا أكل السبع من الصيد ، أو الوقيذة أو النطيحة أو المتردية ، فأدركت ذكاته ، فكل . 11038 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا مصعب بن سلام التميمي قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب قال : إذا ركضت برجلها ، أو طرفت بعينها ، وحركت ذنبها ، فقد أجزأ . [ ص: 504 ] 11039 - حدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا حدثنا أبو عاصم قال : أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني ابن طاوس ، عن أبيه قال : إذ ذبحت فمصعت بذنبها ، أو تحركت ، فقد حلت لك أو قال : فحسبه . 11040 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد ، عن حميد ، عن الحسن قال : إذا كانت الموقوذة تطرف ببصرها ، أو تركض برجلها ، أو تمصع بذنبها ، فاذبح وكل . 11041 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج قال : حدثنا حماد ، عن قتادة ، بمثله . 11042 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، أنه سمع عبيد بن عمير يقول : إذا طرفت بعينها ، أو مصعت بذنبها ، أو تحركت ، فقد حلت لك . 11043 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول : كان أهل الجاهلية يأكلون هذا ، فحرم الله في الإسلام إلا ما ذكي منه ، فما أدرك فتحرك منه رجل أو ذنب أو طرف ، فذكي ، فهو حلال . 11044 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير " ، وقوله : " والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة " ، الآية" وما أكل السبع إلا ما ذكيتم " ، قال : هذا كله محرم ، إلا ما ذكي من هذا . فتأويل الآية على قول هؤلاء : حرمت الموقوذة والمتردية ، إن ماتت من التردي والوقذ والنطح وفرس السبع ، إلا أن تدركوا ذكاتها ، فتدركوها قبل موتها ، فتكون حينئذ حلالا أكلها . [ ص: 505 ] وقال آخرون : هو استثناء من التحريم ، وليس باستثناء من المحرمات التي ذكرها الله تعالى في قوله : "حرمت عليكم الميتة" ، لأن الميتة لا ذكاة لها ، ولا للخنزير . قالوا : وإنما معنى الآية : حرمت عليكم الميتة والدم وسائر ما سمينا مع ذلك ، إلا ما ذكيتم مما أحله الله لكم بالتذكية ، فإنه لكم حلال . وممن قال ذلك جماعة من أهل المدينة . ذكر بعض من قال ذلك : 11045 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال مالك ، وسئل عن الشاة التي يخرق جوفها السبع حتى تخرج أمعاؤها ، فقال مالك : لا أرى أن تذكى ، ولا يؤكل أي شيء يذكى منها . 11046 - حدثني يونس ، عن أشهب قال : سئل مالك عن السبع يعدو على الكبش فيدق ظهره ، أترى أن يذكى قبل أن يموت فيؤكل ؟ قال : إن كان بلغ السحر فلا أرى أن يؤكل . وإن كان إنما أصاب أطرافه ، فلا أرى بذلك بأسا . قيل له : وثب عليه فدق ظهره ؟ قال : لا يعجبني أن يؤكل ، هذا لا يعيش منه . قيل له : فالذئب يعدو على الشاة فيشق بطنها ولا يشق الأمعاء ؟ قال : إذا شق بطنها ، فلا أرى أن تؤكل . وعلى هذا القول يجب أن يكون قوله : "إلا ما ذكيتم" ، استثناء منقطعا . فيكون تأويل الآية : حرمت عليكم الميتة والدم وسائر ما ذكرنا ، ولكن ما ذكيتم من الحيوانات التي أحللتها لكم بالتذكية حلال . ![]()
__________________
|
#528
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء التاسع تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (528) صــ 506 إلى صــ 520 قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب ، القول الأول ، وهو أن قوله : "إلا ما ذكيتم" استثناء من قوله : " وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع " ، لأن كل ذلك مستحق الصفة التي [ ص: 506 ] هو بها قبل حال موته فيقال لما قرب المشركون لآلهتهم فسموه لهم : "هو ما أهل لغير الله به" ، بمعنى سمي قربانا لغير الله . وكذلك"المنخنقة" ، إذا انخنقت وإن لم تمت ، فهي منخنقة . وكذلك سائر ما حرمه الله جل وعز بعد قوله : "وما أهل لغير الله به" ، إلا بالتذكية ، فإنه يوصف بالصفة التي هو بها قبل موته ، فحرمه الله على عباده إلا بالتذكية المحللة ، دون الموت بالسبب الذي كان به موصوفا . فإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية : وحرم عليكم ما أهل لغير الله به والمنخنقة وكذا وكذا وكذا ، إلا ما ذكيتم من ذلك . ف"ما" إذ كان ذلك تأويله في موضع نصب بالاستثناء مما قبلها . وقد يجوز فيه الرفع . وإذ كان الأمر على ما وصفنا ، فكل ما أدركت ذكاته من طائر أو بهيمة قبل خروج نفسه ، ومفارقة روحه جسده ، فحلال أكله ، إذا كان مما أحله الله لعباده . فإن قال لنا قائل : فإذ كان ذلك معناه عندك ، فما وجه تكريره ما كرر بقوله : " وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية " ، وسائر ما عدد تحريمه في هذه الآية ، وقد افتتح الآية بقوله : " حرمت عليكم الميتة " ؟ وقد علمت أن قوله : " حرمت عليكم الميتة " ، شامل كل ميتة ، كان موته حتف أنفه من علة به من غير جناية أحد عليه ، أو كان موته من ضرب ضارب إياه ، أو انخناق منه ، أو انتطاح ، أو فرس سبع ؟ وهلا كان قوله إن كان الأمر على ما وصفت في ذلك ، من أنه معني بالتحريم في كل ذلك : الميتة بالانخناق والنطاح والوقذ وأكل السبع أو غير ذلك ، دون أن يكون معنيا به تحريمه إذا تردى أو انخنق أو فرسه السبع ، فبلغ ذلك منه ما يعلم أنه لا يعيش مما أصابه منه إلا باليسير من الحياة [ ص: 507 ] "حرمت عليكم الميتة" ، مغنيا من تكرير ما كرر بقوله : " وما أهل لغير الله به والمنخنقة " ، وسائر ما ذكر مع ذلك ، وتعداده ما عدد ؟ قيل : وجه تكراره ذلك وإن كان تحريم ذلك إذا مات من الأسباب التي هو بها موصوف ، وقد تقدم بقوله : " حرمت عليكم الميتة " أن الذين خوطبوا بهذه الآية كانوا لا يعدون"الميتة" من الحيوان ، إلا ما مات من علة عارضة به غير الانخناق والتردي والانتطاح وفرس السبع . فأعلمهم الله أن حكم ذلك ، حكم ما مات من العلل العارضة وأن العلة الموجبة تحريم الميتة ، ليست موتها من علة مرض أو أذى كان بها قبل هلاكها ، ولكن العلة في ذلك أنها لم يذبحها من أجل ذبيحته بالمعنى الذي أحلها به كالذي : - 11047 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : " والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم " ، يقول : هذا حرام ، لأن ناسا من العرب كانوا يأكلونه ولا يعدونه ميتا ، إنما يعدون الميت الذي يموت من الوجع . فحرمه الله عليهم ، إلا ما ذكروا اسم الله عليه ، وأدركوا ذكاته وفيه الروح . القول في تأويل قوله ( وما ذبح على النصب ) قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " وما ذبح على النصب " ، وحرم عليكم أيضا الذي ذبح على النصب . ف"ما" في قوله : "وما ذبح " ، رفع ، عطفا على"ما" التي في قوله : "وما أكل السبع" . [ ص: 508 ] و" النصب " ، الأوثان من الحجارة ، جماعة أنصاب كانت تجمع في الموضع من الأرض ، فكان المشركون يقربون لها ، وليست بأصنام . وكان ابن جريج يقول في صفته ما : - 11048 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : " النصب " ليست بأصنام ، "الصنم" يصور وينقش ، وهذه حجارة تنصب ، ثلثمائة وستون حجرا منهم من يقول ثلثمائة منها لخزاعة فكانوا إذا ذبحوا نضحوا الدم على ما أقبل من البيت وشرحوا اللحم وجعلوه على الحجارة . فقال المسلمون : يا رسول الله ، كان أهل الجاهلية يعظمون البيت بالدم ، فنحن أحق أن نعظمه! فكأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكره ذلك ، فأنزل الله : ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ) [ سورة الحج : 37 ] . ومما يحقق قول ابن جريج في أن"الأنصاب" غير"الأصنام" ، ما : - 11049 - حدثنا به ابن وكيع قال : حدثنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وما ذبح على النصب " ، قال : حجارة كان يذبح عليها أهل الجاهلية . 11050 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " النصب " ، قال : حجارة حول الكعبة ، يذبح عليها أهل الجاهلية ، ويبدلونها إذا شاءوا بحجارة أعجب إليهم منها . [ ص: 509 ] 11051 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . 11052 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "وما ذبح على النصب " ، و" النصب " : حجارة كان أهل الجاهلية يعبدونها ، ويذبحون لها ، فنهى الله عن ذلك . 11053 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "وما ذبح على النصب " ، يعني : أنصاب الجاهلية . 11054 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : "وما ذبح على النصب" ، و" النصب " ، أنصاب كانوا يذبحون ويهلون عليها . 11055 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد قوله : "وما ذبح على النصب " ، قال : كان حول الكعبة حجارة كان يذبح عليها أهل الجاهلية ، ويبدلونها إذا شاءوا بحجر هو أحب إليهم منها . 11056 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول : "الأنصاب" ، حجارة كانوا يهلون لها ، ويذبحون عليها . 11057 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "وما ذبح على النصب " ، قال : "ما ذبح على النصب " و"ما أهل لغير الله به" ، وهو واحد . [ ص: 510 ] القول في تأويل قوله ( وأن تستقسموا بالأزلام ) قال أبو جعفر : يعني بقوله : " وأن تستقسموا بالأزلام " ، وأن تطلبوا علم ما قسم لكم أو لم يقسم ، بالأزلام . وهو"استفعلت" من"القسم" قسم الرزق والحاجات . وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا أراد سفرا أو غزوا أو نحو ذلك ، أجال القداح وهي"الأزلام" وكانت قداحا مكتوبا على بعضها : "نهاني ربي" ، وعلى بعضها : "أمرني ربي" فإن خرج القدح الذي هو مكتوب عليه : "أمرني ربي" ، مضى لما أراد من سفر أو غزو أو تزويج وغير ذلك . وإن خرج الذي عليه مكتوب : "نهاني ربي" ، كف عن المضي لذلك وأمسك ، فقيل : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، لأنهم بفعلهم ذلك كانوا كأنهم يسألون أزلامهم أن يقسمن لهم ، ومنه قول الشاعر مفتخرا بترك الاستقسام بها : ولم أقسم فتربثني القسوم وأما"الأزلام" ، فإن واحدها"زلم" ، ويقال : "زلم" ، وهي القداح التي وصفنا أمرها . [ ص: 511 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 11058 - حدثنا محمد بن بشار وابن وكيع قالا حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : القداح ، كانوا إذا أرادوا أن يخرجوا في سفر جعلوا قداحا للجلوس والخروج . فإن وقع الخروج خرجوا ، وإن وقع الجلوس جلسوا . 11059 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن شريك ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : حصى بيض كانوا يضربون بها . قال أبو جعفر : قال لنا سفيان بن وكيع : هو الشطرنج . 11060 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عباد بن راشد البزار ، عن الحسن في قوله : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : كانوا إذا أرادوا أمرا أو سفرا ، يعمدون إلى قداح ثلاثة ، على واحد منها مكتوب : "اؤمرني" ، وعلى الآخر : "انهني" ، ويتركون الآخر محللا بينهما ليس عليه شيء . ثم يجيلونها ، فإن خرج الذي عليه" اؤمرني " مضوا لأمرهم . وإن خرج الذي عليه" انهني " كفوا ، وإن خرج الذي ليس عليه شيء أعادوها . 11061 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، حجارة كانوا يكتبون عليها ، يسمونها"القداح" . [ ص: 512 ] 11062 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "بالأزلام" ، قال : القداح ، يضربون لكل سفر وغزو وتجارة . 11063 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . 11064 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن زهير ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : كعاب فارس التي يقمرون بها ، وسهام العرب . 11065 - حدثني أحمد بن حازم الغفاري قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا زهير ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : سهام العرب ، وكعاب فارس والروم ، كانوا يتقامرون بها . 11066 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : كان الرجل إذا أراد أن يخرج مسافرا ، كتب في قدح : "هذا يأمرني بالمكث" و"هذا يأمرني بالخروج" ، وجعل معهما منيحة . شيء لم يكتب فيه شيئا ، ثم استقسم بها حين يريد أن يخرج . فإن خرج الذي يأمر بالمكث مكث ، وإن خرج الذي يأمر بالخروج خرج ، وإن خرج الآخر أجالها ثانية حتى يخرج أحد القدحين . 11067 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، وكان أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم خروجا ، أخذ [ ص: 513 ] قدحا فقال : "هذا يأمر بالخروج" ، فإن خرج فهو مصيب في سفره خيرا ، ويأخذ قدحا آخر فيقول : "هذا يأمر بالمكوث" ، فليس يصيب في سفره خيرا ، و"المنيح" بينهما . فنهى الله عن ذلك وقدم فيه . 11068 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : كانوا يستقسمون بها في الأمور . 11069 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "الأزلام" ، قداح لهم . كان أحدهم إذا أراد شيئا من تلك الأمور كتب في تلك القداح ما أراد ، فيضرب بها ، فأي قدح خرج وإن كان أبغض تلك ارتكبه وعمل به . 11070 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، قال : "الأزلام" ، قداح كانت في الجاهلية عند الكهنة ، فإذا أراد الرجل أن يسافر ، أو يتزوج ، أو يحدث أمرا ، أتى الكاهن فأعطاه شيئا ، فضرب له بها . فإن خرج منها شيء يعجبه ، أمره ففعل . وإن خرج منها شيء يكرهه ، نهاه فانتهى ، كما ضرب عبد المطلب على زمزم ، وعلى عبد الله والإبل . 11071 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير قال : سمعنا أن أهل الجاهلية كانوا يضربون بالقداح في الظعن والإقامة أو الشيء يريدونه ، فيخرج سهم الظعن فيظعنون ، والإقامة فيقيمون . وقال ابن إسحاق في"الأزلام" ، ما : - 11072 - حدثني به ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : [ ص: 514 ] كانت هبل أعظم أصنام قريش بمكة ، وكانت على بئر في جوف الكعبة ، وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة . وكانت عند هبل سبعة أقدح كل قدح منها فيه كتاب . قدح فيه : "العقل" إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ، ضربوا بالقداح السبعة ، [ فإن خرج العقل ، فعلى من خرج حمله ] وقدح فيه : "نعم" للأمر إذا أرادوه ، يضرب به ، فإن خرج قدح"نعم" عملوا به . وقدح فيه : "لا" ، فإذا أرادوا أمرا ضربوا به في القداح ، فإذا خرج ذلك القدح ، لم يفعلوا ذلك الأمر . وقدح فيه : "منكم" . وقدح فيه : "ملصق" . وقدح فيه : "من غيركم" . وقدح فيه : "المياه" ، إذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح وفيها ذلك القدح ، فحيثما خرج عملوا به . وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاما أو أن ينكحوا منكحا ، أو أن يدفنوا ميتا ، أو شكوا في نسب واحد منهم ذهبوا به إلى هبل وبمائة درهم ، وبجزور ، فأعطوها صاحب القداح الذي يضربها ، ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون ، ثم قالوا : "يا إلهنا ، هذا فلان بن فلان ، قد أردنا به كذا وكذا ، فأخرج الحق فيه" . ثم يقولون لصاحب القداح : "اضرب" ، فيضرب ، فإن - [ خرج عليه"منكم" كان وسيطا . وإن ] خرج عليه : "من غيركم" ، كان حليفا وإن خرج"ملصق" كان على منزلته منهم ، لا نسب له ولا حلف ، [ ص: 515 ] وإن خرج فيه شيء سوى هذا مما يعملون به"نعم" ، عملوا به . وإن خرج"لا" ، أخروه عامهم ذلك حتى يأتوا به مرة أخرى . ينتهون في أمورهم إلى ذلك مما خرجت به القداح . 11073 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "وأن تستقسموا بالأزلام" ، يعني : القداح ، كانوا يستقسمون بها في الأمور . القول في تأويل قوله ( ذلكم فسق ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "ذلكم" ، هذه الأمور التي ذكرها ، وذلك : أكل الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وسائر ما ذكر في هذه الآية مما حرم أكله ، والاستقسام بالأزلام ، "فسق" ، يعني : خروج عن أمر الله عز ذكره وطاعته ، إلى ما نهى عنه وزجر ، إلى معصيته . كما : - 11074 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : "ذلكم فسق" ، يعني : من أكل من ذلك كله فهو فسق . [ ص: 516 ] القول في تأويل قوله ( اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ) قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " اليوم يئس الذين كفروا من دينكم " ، الآن انقطع طمع الأحزاب وأهل الكفر والجحود ، أيها المؤمنون ، "من دينكم" ، يقول : من دينكم أن تتركوه فترتدوا عنه راجعين إلى الشرك ، كما : - 11075 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "اليوم يئس الذين كفروا من دينكم" ، يعني : أن ترجعوا إلى دينهم أبدا . 11076 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : "اليوم يئس الذين كفروا من دينكم" ، قال : أظن ، يئسوا أن ترجعوا عن دينكم . فإن قال قائل : وأي يوم هذا اليوم الذي أخبر الله أن الذين كفروا يئسوا فيه من دين المؤمنين ؟ قيل : ذكر أن ذلك كان يوم عرفة ، عام حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، وذلك بعد دخول العرب في الإسلام . ذكر من قال ذلك : 11077 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال مجاهد : " اليوم يئس الذين كفروا من دينكم " ، " اليوم أكملت لكم دينكم " ، هذا حين فعلت . قال ابن جريج : وقال آخرون ذلك يوم [ ص: 517 ] عرفة ، في يوم جمعة ، لما نظر النبي صلى الله عليه وسلم فلم ير إلا موحدا ، ولم ير مشركا ، حمد الله ، فنزل عليه جبريل عليه السلام : " اليوم يئس الذين كفروا من دينكم " ، أن يعودوا كما كانوا . 11078 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " اليوم يئس الذين كفروا من دينكم " ، قال : هذا يوم عرفة . القول في تأويل قوله ( فلا تخشوهم ) قال أبو جعفر : يعني بذلك : فلا تخشوا ، أيها المؤمنون ، هؤلاء الذين قد يئسوا من دينكم أن ترجعوا عنه من الكفار ، ولا تخافوهم أن يظهروا عليكم ، فيقهروكم ويردوكم عن دينكم "واخشون" ، يقول : ولكن خافون ، إن أنتم خالفتم أمري واجترأتم على معصيتي ، وتعديتم حدودي ، أن أحل بكم عقابي ، وأنزل بكم عذابي . كما : - 11079 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " فلا تخشوهم واخشون " ، فلا تخشوهم أن يظهروا عليكم . القول في تأويل قوله ( اليوم أكملت لكم دينكم ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم : يعني جل ثناؤه بقوله : " اليوم أكملت لكم دينكم " ، اليوم [ ص: 518 ] أكملت لكم ، أيها المؤمنون ، فرائضي عليكم وحدودي ، وأمري إياكم ونهيي ، وحلالي وحرامي ، وتنزيلي من ذلك ما أنزلت منه في كتابي ، وتبياني ما بينت لكم منه بوحيي على لسان رسولي ، والأدلة التي نصبتها لكم على جميع ما بكم الحاجة إليه من أمر دينكم ، فأتممت لكم جميع ذلك ، فلا زيادة فيه بعد هذا اليوم . قالوا : وكان ذلك في يوم عرفة ، عام حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع . وقالوا : لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية شيء من الفرائض ، ولا تحليل شيء ولا تحريمه ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعش بعد نزول هذه الآية إلا إحدى وثمانين ليلة . ذكر من قال ذلك : 11080 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "اليوم أكملت لكم دينكم" ، وهو الإسلام . قال : أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه قد أكمل لهم الإيمان ، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا ، وقد أتمه الله عز ذكره فلا ينقصه أبدا ، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدا . 11081 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : "اليوم أكملت لكم دينكم" ، هذا نزل يوم عرفة ، فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام . ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات . فقالت أسماء بنت عميس : حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحجة ، فبينما نحن نسير ، إذ تجلى له جبريل صلى الله عليه وسلم على الراحلة ، فلم تطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن ، فبركت ، فأتيته فسجيت عليه برداء كان علي . 11082 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 519 ] ابن جريج قال : مكث النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما نزلت هذه الآية ، إحدى وثمانين ليلة ، قوله : " اليوم أكملت لكم دينكم " . 11083 - حدثنا سفيان قال : حدثنا ابن فضيل ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه قال : لما نزلت : "اليوم أكملت لكم دينكم" ، وذلك يوم الحج الأكبر ، بكى عمر ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما يبكيك ؟ قال : أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا ، فأما إذ كمل ، فإنه لم يكمل شيء إلا نقص! فقال : صدقت . 11084 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أحمد بن بشير ، عن هارون بن أبي وكيع ، عن أبيه ، فذكر نحو ذلك . وقال آخرون : معنى ذلك : " اليوم أكملت لكم دينكم " ، حجكم ، فأفردتم بالبلد الحرام تحجونه ، أنتم أيها المؤمنون ، دون المشركين ، لا يخالطكم في حجكم مشرك . ذكر من قال ذلك : 11085 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن أبي غنية ، عن أبيه ، عن الحكم : " اليوم أكملت لكم دينكم " ، قال : أكمل لهم دينهم : أن حجوا ولم يحج معهم مشرك . [ ص: 520 ] 11086 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " اليوم أكملت لكم دينكم " ، قال : أخلص الله لهم دينهم ، ونفى المشركين عن البيت . 11087 - حدثنا أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا قيس ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : " اليوم أكملت لكم دينكم " ، قال : تمام الحج ، ونفي المشركين عن البيت . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، أن يقال : إن الله عز وجل أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به ، أنه أكمل لهم يوم أنزل هذه الآية على نبيه دينهم ، بإفرادهم بالبلد الحرام وإجلائه عنه المشركين ، حتى حجه المسلمون دونهم لا يخالطهم المشركون . فأما الفرائض والأحكام ، فإنه قد اختلف فيها : هل كانت أكملت ذلك اليوم ، أم لا ؟ فروي عن ابن عباس والسدي ما ذكرنا عنهما قبل . وروي عن البراء بن عازب أن آخر آية نزلت من القرآن : ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ) [ سورة النساء : 176 ] . ![]()
__________________
|
#529
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء التاسع تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (529) صــ 521 إلى صــ 535 ولا يدفع ذو علم أن الوحي لم ينقطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن [ ص: 521 ] قبض ، بل كان الوحي قبل وفاته أكثر ما كان تتابعا . فإذ كان ذلك كذلك وكان قوله : ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ) آخرها نزولا وكان ذلك من الأحكام والفرائض كان معلوما أن معنى قوله : " اليوم أكملت لكم دينكم " ، على خلاف الوجه الذي تأوله من تأوله أعني : كمال العبادات والأحكام والفرائض . فإن قال قائل : فما جعل قول من قال : "قد نزل بعد ذلك فرض" ، أولى من قول من قال : "لم ينزل" ؟ قيل : لأن الذي قال : "لم ينزل " ، مخبر أنه لا يعلم نزول فرض ، والنفي لا يكون شهادة ، والشهادة قول من قال : "نزل" . وغير جائز دفع خبر الصادق فيما أمكن أن يكون فيه صادقا . القول في تأويل قوله ( وأتممت عليكم نعمتي ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : وأتممت نعمتي ، أيها المؤمنون ، بإظهاركم على عدوي وعدوكم من المشركين ، ونفيي إياهم عن بلادكم ، وقطعي طمعهم من رجوعكم وعودكم إلى ما كنتم عليه من الشرك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 11088 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قال : كان المشركون والمسلمون يحجون جميعا ، فلما نزلت"براءة" ، فنفى المشركين عن البيت ، وحج المسلمون لا يشاركهم في البيت الحرام [ ص: 522 ] أحد من المشركين ، فكان ذلك من تمام النعمة : "وأتممت عليكم نعمتي" . 11089 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي " الآية ، ذكر لنا أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ، يوم جمعة ، حين نفى الله المشركين عن المسجد الحرام ، وأخلص للمسلمين حجهم . 11090 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : حدثنا داود ، عن الشعبي قال : نزلت هذه الآية بعرفات ، حيث هدم منار الجاهلية واضمحل الشرك ، ولم يحج معهم في ذلك العام مشرك . 11091 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا داود ، عن عامر في هذه الآية : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي " ، قال : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفات ، وقد أطاف به الناس ، وتهدمت منار الجاهلية ومناسكهم ، واضمحل الشرك ، ولم يطف حول البيت عريان ، فأنزل الله : " اليوم أكملت لكم دينكم " . 11092 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، عن داود ، عن الشعبي ، بنحوه . القول في تأويل قوله ( ورضيت لكم الإسلام دينا ) قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : ورضيت لكم الاستسلام لأمري ، والانقياد لطاعتي ، على ما شرعت لكم من حدوده وفرائضه ومعالمه "دينا" ، يعني بذلك : طاعة منكم لي . [ ص: 523 ] فإن قال قائل : أو ما كان الله راضيا الإسلام لعباده إلا يوم أنزل هذه الآية ؟ قيل : لم يزل الله راضيا لخلقه الإسلام دينا ، ولكنه جل ثناؤه لم يزل يصرف نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه في درجات الإسلام ومراتبه درجة بعد درجة ، ومرتبة بعد مرتبة ، وحالا بعد حال ، حتى أكمل لهم شرائعه ومعالمه ، وبلغ بهم أقصى درجاته ومراتبه ، ثم قال حين أنزل عليهم هذه الآية : " ورضيت لكم الإسلام " بالصفة التي هو بها اليوم والحال التي أنتم عليها اليوم منه "دينا" فالزموه ولا تفارقوه . وكان قتادة يقول في ذلك ، ما : - 11093 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أنه يمثل لأهل كل دين دينهم يوم القيامة ، فأما الإيمان فيبشر أصحابه وأهله ويعدهم في الخير ، حتى يجيء الإسلام فيقول : "رب ، أنت السلام وأنا الإسلام" ، فيقول : "إياك اليوم أقبل ، وبك اليوم أجزي" . وأحسب أن قتادة وجه معنى"الإيمان" بهذا الخبر إلى معنى التصديق والإقرار باللسان ، لأن ذلك معنى"الإيمان" عند العرب ووجه معنى"الإسلام" إلى استسلام القلب وخضوعه لله بالتوحيد ، وانقياد الجسد له بالطاعة [ ص: 524 ] فيما أمر ونهى ، فلذلك قيل للإسلام : "إياك اليوم أقبل ، وبك اليوم أجزي" . ذكر من قال : نزلت هذه الآية بعرفة في حجة الوداع على رسول الله صلى الله عليه وسلم . 11094 - حدثنا محمد بن بشار وابن وكيع قالا حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : قالت اليهود لعمر : إنكم تقرأون آية لو أنزلت فينا لاتخذناها عيدا! فقال عمر : إني لأعلم حين أنزلت ، وأين أنزلت ، وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت : أنزلت يوم عرفة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة قال سفيان : وأشك ، كان يوم الجمعة أم لا "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا . " 11095 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا ابن إدريس قال : سمعت أبي ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : قال يهودي لعمر : لو علمنا معشر اليهود حين نزلت هذه الآية : "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" ، لو نعلم ذلك اليوم ، اتخذنا ذلك اليوم عيدا! فقال عمر : قد علمت اليوم الذي نزلت فيه ، والساعة ، وأين رسول [ ص: 525 ] الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت : نزلت ليلة الجمعة ، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات لفظ الحديث لأبي كريب ، وحديث ابن وكيع نحوه . 11096 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جعفر بن عون ، عن أبي العميس ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق ، عن عمر ، نحوه . 11097 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن حماد بن سلمة ، عن عمار مولى بني هاشم قال : قرأ ابن عباس : " اليوم أكملت لكم دينكم " ، وعنده رجل من أهل الكتاب فقال : لو علمنا أي يوم نزلت هذه الآية ، لاتخذناه عيدا! فقال ابن عباس : فإنها نزلت يوم عرفة ، يوم جمعة . 11098 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا قبيصة قال : حدثنا حماد بن [ ص: 526 ] سلمة ، عن عمار : أن ابن عباس قرأ : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " ، فقال يهودي : لو نزلت هذه الآية علينا ، لاتخذنا يومها عيدا! فقال ابن عباس : فإنها نزلت في يوم عيدين اثنين : يوم عيد ، ويوم جمعة . 11099 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا حماد ، عن عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس ، نحوه . 11100 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا رجاء بن أبي سلمة قال : أخبرنا عبادة بن نسي قال : حدثنا أميرنا إسحاق قال أبو جعفر : إسحاق ، هو ابن خرشة عن قبيصة قال : قال كعب : لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية ، لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم ، فاتخذوه عيدا يجتمعون فيه! فقال عمر : أي آية يا كعب ؟ فقال : "اليوم أكملت لكم دينكم" . فقال عمر : قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه ، والمكان الذي أنزلت فيه : يوم جمعة ، ويوم عرفة ، وكلاهما بحمد الله لنا عيد . [ ص: 527 ] 11101 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن عيسى بن جارية الأنصاري قال : كنا جلوسا في الديوان ، فقال لنا نصراني : يا أهل الإسلام ، لقد نزلت عليكم آية لو نزلت علينا ، لاتخذنا ذلك اليوم وتلك الساعة عيدا ما بقي منا اثنان : "اليوم أكملت لكم دينكم"! فلم يجبه أحد منا ، فلقيت محمد بن كعب القرظي ، فسألته عن ذلك فقال : إلا رددتم عليه ؟ فقال : قال عمر بن الخطاب : أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الجبل يوم [ ص: 528 ] عرفة ، فلا يزال ذلك اليوم عيدا للمسلمين ما بقي منهم أحد . 11102 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا داود ، عن عامر قال : أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " ، عشية عرفة ، وهو في الموقف . 11103 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود قال : قلت لعامر : إن اليهود تقول : كيف لم تحفظ العرب هذا اليوم الذي أكمل الله لها دينها فيه ؟ فقال عامر : أو ما حفظته ؟ قلت له : فأي يوم ؟ قال : يوم عرفة ، أنزل الله في يوم عرفة . 11104 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : بلغنا أنها نزلت يوم عرفة ، ووافق يوم الجمعة . 11105 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن حبيب ، عن ابن أبي نجيح ، عن عكرمة : أن عمر بن الخطاب قال : نزلت"سورة المائدة" يوم عرفة ، ووافق يوم الجمعة . 11106 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن ليث ، عن شهر بن حوشب قال : نزلت "سورة المائدة" على النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة على راحلته ، فتنوخت لأن يدق ذراعها . [ ص: 529 ] 11107 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد قالت : نزلت"سورة المائدة" جميعا وأنا آخذة بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء . قالت : فكادت من ثقلها أن يدق عضد الناقة . 11108 - حدثني أبو عامر إسماعيل بن عمرو السكوني قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا ابن عياش قال : حدثنا عمرو بن قيس السكوني : أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على المنبر ينتزع بهذه الآية : " اليوم أكملت لكم دينكم " ، حتى ختمها ، فقال : نزلت في يوم عرفة ، في يوم جمعة . [ ص: 530 ] وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية أعني قوله : " اليوم أكملت لكم دينكم " يوم الاثنين . وقالوا : أنزلت "سورة المائدة" بالمدينة . ذكر من قال ذلك : 11109 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : أخبرنا محمد بن حرب قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن خالد بن أبي عمران ، عن حنش ، عن ابن عباس : ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، وخرج من مكة يوم الاثنين ، ودخل المدينة يوم الاثنين ، وأنزلت : "سورة المائدة" يوم الاثنين : "اليوم أكملت لكم دينكم" ، ورفع الذكر يوم الاثنين . [ ص: 531 ] 11110 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا همام ، عن قتادة قال : "المائدة" مدنية . وقال آخرون : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره في حجة الوداع . ذكر من قال ذلك : 11112 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس قال : نزلت"سورة المائدة" على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسير في حجة الوداع ، وهو راكب راحلته ، فبركت به راحلته من ثقلها . وقال آخرون : ليس ذلك بيوم معلوم عند الناس ، وإنما معناه : اليوم الذي أعلمه أنا دون خلقي ، أكملت لكم دينكم . ذكر من قال ذلك : 11113 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " اليوم أكملت لكم دينكم " ، يقول : ليس بيوم معلوم يعلمه الناس . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في وقت نزول الآية ، القول الذي روي عن عمر بن الخطاب : أنها نزلت يوم عرفة يوم جمعة ، لصحة سنده ، ووهي أسانيد غيره . [ ص: 532 ] القول في تأويل قوله ( فمن اضطر في مخمصة ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقول : "فمن اضطر" ، فمن أصابه ضر "في مخمصة" ، يعني : في مجاعة . وهي"مفعلة" ، مثل"المجبنة" و"المبخلة" و"المنجبة" ، من"خمص البطن" ، وهو اضطماره ، وأظنه هو في هذا الموضع معني به : اضطماره من الجوع وشدة السغب . وقد يكون في غير هذا الموضع اضطمارا من غير الجوع والسغب ، ولكن من خلقة ، كما قال نابغة بني ذبيان في صفة امرأة بخمص البطن : والبطن ذو عكن خميص لين والنحر تنفجه بثدي مقعد [ ص: 533 ] فمعلوم أنه لم يرد صفتها بقوله : "خميص" بالهزال والضر من الجوع ، ولكنه أراد وصفها بلطافة طي ما على الأوراك والأفخاذ من جسدها ، لأن ذلك مما يحمد من النساء . ولكن الذي في معنى الوصف بالاضطمار والهزال من الضر من ذلك ، قول أعشى بني ثعلبة : تبيتون في المشتى ملاء بطونكم وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا يعني بذلك : يبتن مضطمرات البطون من الجوع والسغب والضر . فمن هذا المعنى قوله : "في مخمصة" . وكان بعض نحويي البصرة يقول : "المخمصة" ، المصدر من"خمصه الجوع" . [ ص: 534 ] وكان غيره من أهل العربية يرى أنها اسم للمصدر ، وليست بمصدر ، ولذلك تقع"المفعلة" اسما في المصادر للتأنيث والتذكير . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 11114 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن عباس : " فمن اضطر في مخمصة " ، يعني : في مجاعة . 11115 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " فمن اضطر في مخمصة " ، أي : في مجاعة . 11116 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله . 11117 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "فمن اضطر في مخمصة" ، قال : ذكر الميتة وما فيها ، فأحلها في الاضطرار "في مخمصة" ، يقول : في مجاعة . 11118 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : سمعت ابن زيد يقول في قوله : " فمن اضطر في مخمصة " ، قال : المخمصة ، الجوع . [ ص: 535 ] القول في تأويل قوله ( غير متجانف لإثم ) قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : فمن اضطر في مخمصة إلى أكل ما حرمت عليه منكم ، أيها المؤمنون ، من الميتة ، والدم ولحم الخنزير وسائر ما حرمت عليه بهذه الآية "غير متجانف لإثم" ، يقول : لا متجانفا لإثم . فلذلك نصب"غير" لخروجها من الاسم الذي في قوله : "فمن اضطر" وهي بمعنى : "لا" ، فنصب بالمعنى الذي كان به منصوبا"المتجانف" ، لو جاء الكلام : "لا متجانفا" . وأما"المتجانف لإثم" ، فإنه المتمايل له ، المنحرف إليه . وهو في هذا الموضع مراد به المتعمد له ، القاصد إليه ، من"جنف القوم علي" ، إذا مالوا . وكل أعوج فهو"أجنف" ، عند العرب . وقد بينا معنى"الجنف" بشواهده في قوله : ( فمن خاف من موص جنفا ) [ سورة البقرة : 182 ] ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . ![]()
__________________
|
#530
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء التاسع تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (530) صــ 536 إلى صــ 550 وأما تجانف آكل الميتة في أكلها وفي غيرها مما حرم الله أكله على المؤمنين [ ص: 536 ] بهذه الآية ، للإثم في حال أكله فهو : تعمده أكل ذلك لغير دفع الضرورة النازلة به ولكن لمعصية الله ، وخلاف أمره فيما أمره به من ترك أكل ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 11119 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم " ، يعني : إلى ما حرم ، مما سمى في صدر هذه الآية "غير متجانف لإثم" ، يقول : غير متعمد لإثم . 11120 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "غير متجانف لإثم" ، غير متعمد لإثم . قال : إلى حرم الله ، ما حرم رخص للمضطر إذا كان غير متعمد لإثم ، أن يأكله من جهد . فمن بغى ، أو عدا ، أو خرج في معصية لله ، فإنه محرم عليه أن يأكله . 11121 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "غير متجانف لإثم" ، أي : غير متعرض لمعصية . 11122 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : " غير متجانف لإثم " ، غير متعمد لإثم ، غير متعرض . 11123 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "غير متجانف لإثم" ، يقول : غير متعرض لإثم ، أي : يبتغي فيه شهوة ، أو يعتدي في أكله . [ ص: 537 ] 11124 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد فى قوله : " غير متجانف لإثم " ، لا يأكل ذلك ابتغاء الإثم ، ولا جراءة عليه . القول في تأويل قوله ( فإن الله غفور رحيم ( 3 ) ) قال أبو جعفر : وفي هذا الكلام متروك ، اكتفى بدلالة ما ذكر عليه منه . وذلك أن معنى الكلام : فمن اضطر في مخمصة إلى ما حرمت عليه مما ذكرت في هذه الآية ، غير متجانف لإثم فأكله ، فإن الله غفور رحيم فترك ذكر"فأكله" ، وذكر"له" لدلالة سائر ما ذكر من الكلام عليهما . وأما قوله : " فإن الله غفور رحيم " ، فإن معناه : فإن الله لمن أكل ما حرمت عليه بهذه الآية أكله ، في مخمصة ، غير متجانف لإثم "غفور رحيم" ، يقول : يستر له عن أكله ما أكل من ذلك ، بعفوه عن مؤاخذته إياه ، وصفحه عنه وعن عقوبته عليه "رحيم" ، يقول : وهو به رفيق . ومن رحمته ورفقه به أباح له أكل ما أباح له أكله من الميتة وسائر ما ذكر معها في هذه الآية ، في حال خوفه على نفسه من كلب الجوع وضر الحاجة العارضة ببدنه . فإن قال قائل : وما الأكل الذي وعد الله المضطر إلى الميتة وسائر المحرمات معها بهذه الآية ، غفرانه إذا أكل منها ؟ قيل : ما : - [ ص: 538 ] 11125 - حدثني عبد الأعلى بن واصل الأسدي قال : حدثنا محمد بن القاسم الأسدي ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن أبي واقد الليثي قال : قلنا : يا رسول الله ، إنا بأرض تصيبنا فيها مخمصة ، فما يصلح لنا من الميتة ؟ قال : إذا لم تصطبحوا ، أو تغتبقوا ، أو تحتفئوا بقلا فشأنكم بها . [ ص: 539 ] 11126 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا هشيم ، عن الخصيب بن زيد التميمي قال : حدثنا الحسن : أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إلى متى يحل لي الحرام ؟ قال فقال : إلى أن يروى أهلك من اللبن ، أو تجيء ميرتهم" . [ ص: 540 ] 11127 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا خصيب بن زيد التميمي قال : حدثنا الحسن : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله إلا أنه قال : أو تجبى ميرتهم . 11128 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : حدثني عمر بن عبد الله بن عروة ، عن جده عروة بن الزبير ، عمن حدثه : أن رجلا من الأعراب أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه في الذي حرم الله عليه ، والذي أحل له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : تحل لك الطيبات ، وتحرم عليك الخبائث ، إلا أن تفتقر إلى طعام [ لا يحل لك ] ، فتأكل منه حتى تستغني عنه . فقال الرجل : وما فقري الذي يحل لي ؟ وما غناي الذي يغنيني عن ذلك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا كنت ترجو نتاجا ، فتبلغ بلحوم ماشيتك إلى نتاجك ، أو كنت ترجو غنى تطلبه ، فتبلغ من ذلك شيئا ، فأطعم أهلك ما بدا لك حتى تستغني عنه . فقال الأعرابي : ما غناي الذي أدعه إذا وجدته ؟ [ ص: 541 ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا أرويت أهلك غبوقا من الليل . فاجتنب ما حرم الله عليك من طعام . [ وأما ] مالك فإنه ميسور كله ، ليس فيه حرام . " 11129 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية ، عن ابن عون قال : وجدت عند الحسن كتاب سمرة ، فقرأته عليه ، وكان فيه : ويجزي من الاضطرار غبوق أو صبوح . 11130 - حدثنا هناد وأبو هشام الرفاعي قالا حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن ابن عون قال : قرأت في كتاب سمرة بن جندب : يكفي من الاضطرار أو : من الضرورة غبوق أو صبوح . 11131 - حدثني علي بن سعيد الكندي وأبو كريب قالا حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن قال : إذا اضطر الرجل إلى الميتة ، أكل منها قوته يعني : مسكته . [ ص: 542 ] 11132 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا ابن مبارك ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية قال : قال رجل : يا رسول الله ، إنا بأرض مخمصة ، فما يحل لنا من الميتة ؟ ومتى تحل لنا الميتة ؟ قال : إذا لم تصطبحوا ، أو تغتبقوا ، ولم تحتفئوا بقلا فشأنكم بها . 11133 - حدثنا هناد بن السري قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن الأوزاعي ، عن حسان بن عطية ، عن رجل قد سمي لنا : أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا نكون بأرض مخمصة ، فمتى تحل لنا الميتة ؟ قال : إذا لم تغتبقوا ، ولم تصطبحوا ، ولم تحتفئوا بقلا فشأنكم بها . قال أبو جعفر : يروى هذا على أربعة أوجه : "تحتفئوا" بالهمزة "وتحتفيوا" بتخفيف"الياء" و"الحاء" و"تحتفوا" ، بتشديد الفاء و"تحتفوا" بالحاء ، والتخفيف ، ويحتمل الهمز . [ ص: 543 ] القول في تأويل قوله ( يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين ) قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : يسألك ، يا محمد ، أصحابك : ما الذي أحل لهم أكله من المطاعم والمآكل ؟ فقل لهم : أحل لكم منها "الطيبات" ، وهي الحلال الذي أذن لكم ربكم في أكله من الذبائح وأحل لكم أيضا مع ذلك ، صيد ما علمتم من"الجوارح" ، وهن الكواسب من سباع البهائم . والطير سميت"جوارح" ، لجرحها لأربابها ، وكسبها إياهم أقواتهم من الصيد . يقال منه : "جرح فلان لأهله خيرا" ، إذا أكسبهم خيرا ، و"فلان جارحة أهله" ، يعني بذلك : كاسبهم ، و"لا جارحة لفلانة" ، إذا لم يكن لها كاسب ومنه قول أعشى بني ثعلبة . ذات حد منضج ميسمها تذكر الجارح ما كان اجترح [ ص: 544 ] يعني : اكتسب . وترك من قوله : "وما علمتم" ، "وصيد" ما علمتم من الجوارح ، اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام على ما ترك ذكره . [ ص: 545 ] وذلك أن القوم ، فيما بلغنا ، كانوا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بقتل الكلاب ، عما يحل لهم اتخاذه منها وصيده ، فأنزل الله عز ذكره فيما سألوا عنه من ذلك هذه الآية . فاستثنى مما كان حرم اتخاذه منها ، وأمر بقنية كلاب الصيد وكلاب الماشية ، وكلاب الحرث ، وأذن لهم باتخاذ ذلك . ذكر الخبر بذلك : 11134 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا زيد بن حباب العكلي قال : حدثنا موسى بن عبيدة قال : أخبرنا أبان بن صالح ، عن القعقاع بن حكيم ، عن سلمى أم رافع ، عن أبي رافع قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن عليه ، فأذن له فقال : قد أذنا لك يا رسول الله! قال : أجل ، ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب! قال أبو رافع : فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة ، فقتلت حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها ، فتركته رحمة لها ، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فأمرني فرجعت إلى الكلب فقتلته . فجاءوا فقالوا : يا رسول الله ، ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها ؟ قال : فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله : " يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين " . [ ص: 546 ] 11135 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع في قتل الكلاب ، فقتل حتى بلغ العوالي فدخل عاصم بن عدي ، وسعد بن خيثمة ، وعويم بن ساعدة ، فقالوا : ماذا أحل لنا يا رسول الله ؟ فنزلت : "يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين" . 11136 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن الزبير قال : حدثونا عن محمد بن كعب القرظي قال : لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ، قالوا : يا رسول الله ، فماذا يحل لنا من هذه الأمة ؟ فنزلت : "يسألونك ماذا أحل لهم" ، الآية . [ ص: 547 ] ثم اختلف أهل التأويل في"الجوارح" التي عنى الله بقوله : " وما علمتم من الجوارح " . فقال بعضهم : هو كل ما علم الصيد فتعلمه ، من بهيمة أو طائر . ذكر من قال ذلك : 11137 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا ابن المبارك ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن في قوله : " وما علمتم من الجوارح مكلبين " ، قال : كل ما علم فصاد ، من كلب أو صقر أو فهد أو غيره . 11138 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن فضيل ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن : "مكلبين" ، قال : كل ما علم فصاد من كلب أو فهد أو غيره . 11139 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في صيد الفهد قال : هو من الجوارح . 11140 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد في قوله : " وما علمتم من الجوارح مكلبين " ، قال : الطير والكلاب . 11141 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن الحجاج ، عن عطاء ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد ، مثله . 11142 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن عيينة ، عن حميد ، عن مجاهد : " مكلبين " ، قال : من الكلاب والطير . 11143 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "من الجوارح مكلبين " ، قال : من الطير والكلاب . 11144 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . [ ص: 548 ] 11145 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية قال : حدثنا شعبة ح ، وحدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن الهيثم ، عن طلحة بن مصرف قال : قال خيثمة بن عبد الرحمن : هذا ما قد بينت لك : أن الصقر والبازي من الجوارح . 11146 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة قال : سمعت الهيثم يحدث ، عن طلحة الإيامي ، عن خيثمة قال : بينت لك : أن الصقر والباز والكلب من الجوارح . 11147 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن علي بن حسين قال : الباز والصقر من الجوارح . 11148 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن شريك ، عن جابر ، عن أبي جعفر قال : الباز والصقر من"الجوارح المكلبين" . . 11149 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "وما علمتم من الجوارح مكلبين" ، يعني ب "الجوارح" ، الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها . 11150 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : " وما علمتم من الجوارح مكلبين " ، قال : من الكلاب ، وغيرها من الصقور والبيزان وأشباه ذلك مما يعلم . [ ص: 549 ] 11151 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وما علمتم من الجوارح مكلبين " ، الجوارح : الكلاب والصقور المعلمة . 11152 - حدثني سعيد بن الربيع الرازي قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، سمع عبيد بن عمير يقول في قوله : "من الجوارح مكلبين " ، قال : الكلاب والطير . وقال آخرون : إنما عنى الله جل ثناؤه بقوله : " وما علمتم من الجوارح مكلبين " ، الكلاب دون غيرها من السباع . ذكر من قال ذلك : 11153 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا أبو تميلة قال : حدثنا عبيد ، عن الضحاك : " وما علمتم من الجوارح مكلبين " ، قال : هي الكلاب . 11154 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " وما علمتم من الجوارح مكلبين " ، يقول : أحل لكم صيد الكلاب التي علمتوهن . 11155 - حدثنا هناد قال : حدثنا ابن أبي زائدة قال : أخبرنا ابن جريج ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : أما ما صاد من الطير والبزاة من الطير فما أدركت فهو لك ، وإلا فلا تطعمه . قال أبو جعفر : وأولى القولين بتأويل الآية قول من قال : "كل ما صاد من الطير والسباع فمن الجوارح ، وأن صيد جميع ذلك حلال إذا صاد بعد التعليم" ، [ ص: 550 ] لأن الله جل ثناؤه عم بقوله : " وما علمتم من الجوارح مكلبين " ، كل جارحة ، ولم يخصص منها شيئا . فكل"جارحة" ، كانت بالصفة التي وصف الله من كل طائر وسبع ، فحلال أكل صيدها . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ما قلنا في ذلك خبر ، مع ما في الآية من الدلالة التي ذكرنا على صحة ما قلنا في ذلك ، وهو ما : - 11156 - حدثنا به هناد قال : حدثنا عيسى بن يونس ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال : ما أمسك عليك فكل . ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |