
06-03-2022, 09:36 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 149,494
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(15)
الحلقة (31)
صــ 305إلى صــ 310
فإذا كان ذلك كذلك وكان الله جل ثناؤه قد جعل لأهل النفاق في الدنيا من الأحكام - بما أظهروا بألسنتهم ، من الإقرار بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله ، المدخلهم في عداد من يشمله اسم الإسلام ، وإن كانوا لغير ذلك [ ص: 304 ] مستبطنين - أحكام المسلمين المصدقين إقرارهم بألسنتهم بذلك ، بضمائر قلوبهم ، وصحائح عزائمهم ، وحميد أفعالهم المحققة لهم صحة إيمانهم - مع علم الله عز وجل بكذبهم ، واطلاعه على خبث اعتقادهم ، وشكهم فيما ادعوا بألسنتهم أنهم به مصدقون ، حتى ظنوا في الآخرة إذ حشروا في عداد من كانوا في عدادهم في الدنيا ، أنهم واردون موردهم . وداخلون مدخلهم . والله جل جلاله - مع إظهاره ما قد أظهر لهم من الأحكام الملحقتهم في عاجل الدنيا وآجل الآخرة إلى حال تمييزه بينهم وبين أوليائه ، وتفريقه بينهم وبينهم - معد لهم من أليم عقابه ونكال عذابه ، ما أعد منه لأعدى أعدائه وشر عباده ، حتى ميز بينهم وبين أوليائه ، فألحقهم من طبقات جحيمه بالدرك الأسفل كان معلوما أنه جل ثناؤه بذلك من فعله بهم - وإن كان جزاء لهم على أفعالهم ، وعدلا ما فعل من ذلك بهم لاستحقاقهم إياه منه بعصيانهم له - كان بهم - بما أظهر لهم من الأمور التي أظهرها لهم : من إلحاقه أحكامهم في الدنيا بأحكام أوليائه وهم له أعداء ، وحشره إياهم في الآخرة مع المؤمنين وهم به من المكذبين - إلى أن ميز بينهم وبينهم - مستهزئا ، وبهم ساخرا ، ولهم خادعا ، وبهم ماكرا . إذ كان معنى الاستهزاء والسخرية والمكر والخديعة ما وصفنا قبل ، دون أن يكون ذلك معناه في حال فيها المستهزئ بصاحبه له ظالم ، أو عليه فيها غير عادل ، بل ذلك معناه في كل أحواله ، إذا وجدت الصفات التي قدمنا ذكرها في معنى الاستهزاء وما أشبهه من نظائره . [ ص: 305 ]
وبنحو ما قلنا فيه روي الخبر عن ابن عباس :
363 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله : " الله يستهزئ بهم " قال : يسخر بهم للنقمة منهم .
وأما الذين زعموا أن قول الله تعالى ذكره : الله يستهزئ بهم " إنما هو على وجه الجواب ، وأنه لم يكن من الله استهزاء ولا مكر ولا خديعة ، فنافون على الله عز وجل ما قد أثبته الله عز وجل لنفسه ، وأوجبه لها . وسواء قال قائل : لم يكن من الله جل ذكره استهزاء ولا مكر ولا خديعة ولا سخرية بمن أخبر أنه يستهزئ ويسخر ويمكر به ، أو قال : لم يخسف الله بمن أخبر أنه خسف به من الأمم ، ولم يغرق من أخبر أنه أغرقه منهم .
ويقال لقائل ذلك : إن الله جل ثناؤه أخبرنا أنه مكر بقوم مضوا قبلنا لم نرهم ، وأخبر عن آخرين أنه خسف بهم ، وعن آخرين أنه أغرقهم ، فصدقنا الله تعالى ذكره فيما أخبرنا به من ذلك ، ولم نفرق بين شيء منه . فما برهانك على تفريقك ما فرقت بينه ، بزعمك : أنه قد أغرق وخسف بمن أخبر أنه أغرق وخسف به ، ولم يمكر بمن أخبر أنه قد مكر به ؟
ثم نعكس القول عليه في ذلك ، فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله .
فإن لجأ إلى أن يقول : إن الاستهزاء عبث ولعب ، وذلك عن الله عز وجل منفي .
قيل له : إن كان الأمر عندك على ما وصفت من معنى الاستهزاء ، أفلست [ ص: 306 ] تقول : " الله يستهزئ بهم " و " سخر الله منهم " و " مكر الله بهم " وإن لم يكن من الله عندك هزء ولا سخرية ؟
فإن قال : " لا " كذب بالقرآن ، وخرج عن ملة الإسلام .
وإن قال : " بلى " قيل له : أفنقول من الوجه الذي قلت : " الله يستهزئ بهم " و " سخر الله منهم " - " يلعب الله بهم " و " يعبث " - ولا لعب من الله ولا عبث ؟
فإن قال : " نعم " ! وصف الله بما قد أجمع المسلمون على نفيه عنه ، وعلى تخطئة واصفه به ، وأضاف إليه ما قد قامت الحجة من العقول على ضلال مضيفه إليه .
وإن قال : لا أقول : " يلعب الله بهم " ولا " يعبث " وقد أقول " يستهزئ بهم " و " يسخر منهم "
قيل : فقد فرقت بين معنى اللعب والعبث ، والهزء والسخرية ، والمكر والخديعة . ومن الوجه الذي جاز قيل هذا ، ولم يجز قيل هذا ، افترق معنياهما . فعلم أن لكل واحد منهما معنى غير معنى الآخر .
وللكلام في هذا النوع موضع غير هذا ، كرهنا إطالة الكتاب باستقصائه . وفيما ذكرنا كفاية لمن وفق لفهمه .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه : ( ويمدهم )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( ويمدهم ) ، فقال بعضهم بما :
364 - حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - [ ص: 307 ] وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " يمدهم " يملي لهم .
وقال آخرون بما :
365 - حدثني به المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، عن ابن المبارك ، عن ابن جريج قراءة عن مجاهد : " يمدهم " قال : يزيدهم .
وكان بعض نحويي البصرة يتأول ذلك أنه بمعنى : يمد لهم ، ويزعم أن ذلك نظير قول العرب : الغلام يلعب الكعاب ، يراد به يلعب بالكعاب . قال : وذلك أنهم قد يقولون : " قد مددت له وأمددت له " في غير هذا المعنى ، وهو قول الله تعالى ذكره : ( وأمددناهم ) [ سورة الطور : 22 ] ، وهذا من : " مددناهم " قال : ويقال : قد " مد البحر فهو ماد " و " أمد الجرح فهو ممد " وحكي عن يونس الجرمي أنه كان يقول : ما كان من الشر فهو " مددت " وما كان من الخير فهو " أمددت " ثم قال : وهو كما فسرت لك ، إذا أردت أنك تركته فهو " مددت له " وإذا أردت أنك أعطيته قلت : " أمددت "
وأما بعض نحويي الكوفة فإنه كان يقول : كل زيادة حدثت في الشيء من نفسه فهو " مددت " بغير ألف ، كما تقول : " مد النهر ، ومده نهر آخر غيره " إذا اتصل به فصار منه ، وكل زيادة أحدثت في الشيء من غيره فهو بألف ، كقولك : " أمد الجرح " لأن المدة من غير الجرح ، وأمددت الجيش بمدد .
وأولى هذه الأقوال بالصواب في قوله : " ويمدهم " : أن يكون بمعنى يزيدهم ، على وجه الإملاء والترك لهم في عتوهم وتمردهم ، كما وصف ربنا أنه فعل بنظرائهم في قوله [ ص: 308 ] ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ) [ سورة الأنعام : 110 ] ، يعني نذرهم ونتركهم فيه ، ونملي لهم ليزدادوا إثما إلى إثمهم .
ولا وجه لقول من قال : ذلك بمعنى " يمد لهم " لأنه لا تدافع بين العرب وأهل المعرفة بلغتها أن يستجيزوا قول القائل : " مد النهر نهر آخر " بمعنى : اتصل به فصار زائدا ماء المتصل به بماء المتصل - من غير تأول منهم . ذلك أن معناه : مد النهر نهر آخر . فكذلك ذلك في قول الله : ( ويمدهم في طغيانهم يعمهون )
القول في تأويل قوله : ( في طغيانهم )
قال أبو جعفر : و " الطغيان " " الفعلان " من قولك : " طغى فلان يطغى طغيانا " إذا تجاوز في الأمر حده فبغى . ومنه قول الله : ( كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) [ سورة العلق : 6 ، 7 ] ، أي يتجاوز حده . ومنه قول أمية بن أبي الصلت :
ودعا الله دعوة لات هنا بعد طغيانه ، فظل مشيرا
وإنما عنى الله جل ثناؤه بقوله ( ويمدهم في طغيانهم ) ، [ ص: 309 ] أنه يملي لهم ، ويذرهم يبغون في ضلالهم وكفرهم حيارى يترددون . كما :
366 - حدثت عن المنجاب ، قال : حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( في طغيانهم يعمهون ) ، قال : في كفرهم يترددون .
367 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " في طغيانهم " في كفرهم .
368 - حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة ، ( في طغيانهم يعمهون ) ، أي في ضلالتهم يعمهون .
369 - حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : " في طغيانهم " في ضلالتهم .
370 - وحدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله " في طغيانهم " قال : طغيانهم كفرهم وضلالتهم .
القول في تأويل قوله : ( يعمهون ( 15 ) )
قال أبو جعفر : والعمه نفسه : الضلال . يقال منه : عمه فلان يعمه عمهانا وعموها ، إذا ضل . ومنه قول رؤبة بن العجاج يصف مضلة من المهامه :
ومخفق من لهله ولهله من مهمه يجتبنه في مهمه [ ص: 310 ]
أعمى الهدى بالجاهلين العمه
و " العمه " جمع عامه ، وهم الذين يضلون فيه فيتحيرون . فمعنى قوله إذا : ( في طغيانهم يعمهون ) : في ضلالهم وكفرهم الذي قد غمرهم دنسه ، وعلاهم رجسه ، يترددون حيارى ضلالا لا يجدون إلى المخرج منه سبيلا لأن الله قد طبع على قلوبهم وختم عليها ، فأعمى أبصارهم عن الهدى وأغشاها ، فلا يبصرون رشدا ولا يهتدون سبيلا .
وبنحو ما قلنا في " العمه " جاء تأويل المتأولين .
371 - حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، في خبر ذكره ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " يعمهون " يتمادون في كفرهم .
372 - وحدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " يعمهون " قال : يتمادون .
373 - حدثت عن المنجاب ، قال : حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : " يعمهون " قال : يترددون .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|