تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - الصفحة 12 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         صور من محن علماء المسلمين عبر التاريخ ..... يوميا فى رمضان . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 27 - عددالزوار : 4855 )           »          تأملات قرآنية وتدبرية .....يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 27 - عددالزوار : 4534 )           »          المجموع شرح المهذب للنووي(كتاب الصيام)يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 27 - عددالزوار : 3992 )           »          مواعظ رمضانية... يوميا فى شهر رمضان المبارك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 27 - عددالزوار : 4821 )           »          الهمم الشبابية العالية والنفحات الإلهية والإيمانية في رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 27 - عددالزوار : 4583 )           »          أكلات رمضانية شهية بالصور والمقادير --- وصفات وأطباق رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 27 - عددالزوار : 3559 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4805 - عددالزوار : 1640896 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4369 - عددالزوار : 1086048 )           »          سحور 28 رمضان.. طريقة عمل البطاطا المشوية بالمكسرات والعسل مع الزبادى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 826 - عددالزوار : 185882 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #111  
قديم 10-05-2022, 09:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 149,494
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(96)
الحلقة (111)
صــ 136إلى صــ 140

قال أبو جعفر : والذي نقول به في ذلك أنه لا دلالة في كتاب الله على الصواب من هذين التأويلين ، ولا خبر به عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقطع مجيئه العذر . وأهل التأويل متنازعون تأويله ، فأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن موسى سأل ربه أن يعطي قومه ما سألوه من نبات الأرض - على ما بينه الله جل وعز في كتابه - وهم في الأرض تائهون ، فاستجاب الله لموسى دعاءه ، وأمره أن يهبط بمن معه من قومه [ ص: 136 ] قرارا من الأرض التي تنبت لهم ما سأل لهم من ذلك ، إذ كان الذي سألوه لا تنبته إلا القرى والأمصار ، وأنه قد أعطاهم ذلك إذ صاروا إليه . وجائز أن يكون ذلك القرار " مصر " ، وجائز أن يكون " الشأم " .

فأما القراءة فإنها بالألف والتنوين : ( اهبطوا مصرا ) وهي القراءة التي لا يجوز عندي غيرها ، لاجتماع خطوط مصاحف المسلمين ، واتفاق قراءة القرأة على ذلك . ولم يقرأ بترك التنوين فيه وإسقاط الألف منه ، إلا من لا يجوز الاعتراض به على الحجة ، فيما جاءت به من القراءة مستفيضا بينهما .
القول في تأويل قوله تعالى ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( وضربت ) أي فرضت . ووضعت عليهم الذلة وألزموها . من قول القائل : " ضرب الإمام الجزية على أهل الذمة " و" ضرب الرجل على عبده الخراج " يعني بذلك وضعه فألزمه إياه ، ومن قولهم : " ضرب الأمير على الجيش البعث " ، يراد به : ألزمهموه .

وأما " الذلة " فهي " الفعلة " من قول القائل : ذل فلان يذل ذلا وذلة " ، ك " الصغرة " من " صغر الأمر " ، و" القعدة " من " قعد " .

و" الذلة " هي الصغار الذي أمر الله جل ثناؤه عباده المؤمنين أن لا يعطوهم أمانا على القرار على ما هم عليه من كفرهم به وبرسوله - إلا أن يبذلوا الجزية عليه لهم ، فقال عز وجل : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) [ ص: 137 ] [ التوبة : 29 ] كما : -

1088 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن الحسن وقتادة في قوله : ( وضربت عليهم الذلة ) ، قالا يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون .

وأما " المسكنة " فإنها مصدر " المسكين " . يقال : " ما فيهم أسكن من فلان " و" ما كان مسكينا " و" لقد تمسكن مسكنة " . ومن العرب من يقول : " تمسكن تمسكنا " . و" المسكنة " في هذا الموضع مسكنة الفاقة والحاجة ، وهي خشوعها وذلها ، كما : -

1089 - حدثني به المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : ( والمسكنة ) قال : الفاقة .

1090 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) ، قال : الفقر .

1091 - وحدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) ، قال : هؤلاء يهود بني إسرائيل . قلت له : هم قبط مصر ؟ قال : وما لقبط مصر وهذا ، لا والله ما هم هم ، ولكنهم اليهود ، يهود بني إسرائيل .

فأخبرهم الله جل ثناؤه أنه يبدلهم بالعز ذلا وبالنعمة بؤسا ، وبالرضا عنهم غضبا ، جزاء منه لهم على كفرهم بآياته ، وقتلهم أنبياءه ورسله ، اعتداء وظلما منهم بغير حق ، وعصيانهم له ، وخلافا عليه .
[ ص: 138 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وباؤوا بغضب من الله )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( وباؤوا بغضب من الله ) ، انصرفوا ورجعوا . ولا يقال " باؤوا " إلا موصولا إما بخير ، وإما بشر . يقال منه : " باء فلان بذنبه يبوء به بوءا وبواء " . ومنه قول الله عز وجل ( إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ) [ المائدة : 29 ] يعني : تنصرف متحملهما وترجع بهما ، قد صارا عليك دوني .

فمعنى الكلام إذا : ورجعوا منصرفين متحملين غضب الله ، قد صار عليهم من الله غضب ، ووجب عليهم منه سخط . كما : -

1092 - حدثت عن عمار بن الحسن قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( وباؤوا بغضب من الله ) فحدث عليهم غضب من الله .

1093 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال ، أخبرنا يزيد قال ، أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : ( وباؤوا بغضب من الله ) قال : استحقوا الغضب من الله .

وقدمنا معنى غضب الله على عبده فيما مضى من كتابنا هذا ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .
[ ص: 139 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ذلك " ضرب الذلة والمسكنة عليهم ، وإحلاله غضبه بهم . فدل بقوله : " ذلك " - وهي يعني به ما وصفنا - على أن قول القائل : " ذلك يشمل المعاني الكثيرة إذا أشير به إليها .

ويعني بقوله : ( بأنهم كانوا يكفرون ) ، من أجل أنهم كانوا يكفرون . يقول : فعلنا بهم - من إحلال الذل والمسكنة والسخط بهم - من أجل أنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ، كما قال أعشى بني ثعلبة :


مليكية جاورت بالحجا ز قوما عداة وأرضا شطيرا بما قد تربع روض القطا
وروض التناضب حتى تصيرا
يعني بذلك : جاورت بهذا المكان ، هذه المرأة ، قوما عداة وأرضا بعيدة من أهله - لمكان قربها كان منه ومن قومه وبلده - من تربعها روض القطا وروض التناضب . [ ص: 140 ] فكذلك قوله : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ) ، يقول : كان ذلك منا بكفرهم بآياتنا ، وجزاء لهم بقتلهم أنبياءنا .

وقد بينا فيما مضى من كتابنا أن معنى " الكفر " : تغطية الشيء وستره ، وأن " آيات الله " حججه وأعلامه وأدلته على توحيده وصدق رسله .

فمعنى الكلام إذا : فعلنا بهم ذلك ، من أجل أنهم كانوا يجحدون حجج الله على توحيده وتصديق رسله ، ويدفعون حقيتها ، ويكذبون بها .

ويعني بقوله : ( ويقتلون النبيين بغير الحق ) : ويقتلون رسل الله الذين ابتعثهم - لإنباء ما أرسلهم به عنه - لمن أرسلوا إليه .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #112  
قديم 10-05-2022, 09:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 149,494
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(98)
الحلقة (112)
صــ 141إلى صــ 145


وهم جماع ، واحدهم " نبي " ، غير مهموز ، وأصله الهمز ، لأنه من " أنبأ عن الله فهو ينبئ عنه إنباء " ، وإنما الاسم منه ، " منبئ " ولكنه صرف وهو " مفعل " إلى " فعيل " ، كما صرف " سميع " إلى " فعيل " من " مسمع " ، و" بصير " من " مبصر " ، وأشباه ذلك ، وأبدل مكان الهمزة من " النبيء " الياء ، فقيل : " نبي " . هذا ويجمع " النبي " أيضا على " أنبياء " ، وإنما جمعوه كذلك ، لإلحاقهم " النبيء " ، بإبدال الهمزة منه ياء ، بالنعوت التي تأتي على تقدير " فعيل " من ذوات الياء والواو . وذلك أنهم إذا جمعوا ما كان من النعوت على تقدير " فعيل " من ذوات الياء والواو ، جمعوه على " أفعلاء " كقولهم : " ولي وأولياء " ، و" وصي وأوصياء " [ ص: 141 ] ، و" دعي وأدعياء " . ولو جمعوه على أصله الذي هو أصله ، وعلى أن الواحد " نبيء " مهموز ، لجمعوه على " فعلاء " ، فقيل لهم " النبآء " ، على مثال " النبهاء " ، لأن ذلك جمع ما كان على فعيل من غير ذوات الياء والواو من النعوت ، كجمعهم الشريك شركاء ، والعليم علماء ، والحكيم حكماء ، وما أشبه ذلك . وقد حكي سماعا من العرب في جمع " النبي " " النبآء " ، وذلك من لغة الذين يهمزون " النبيء " ، ثم يجمعونه على " النبآء " - على ما قد بينت . ومن ذلك قول عباس بن مرداس في مدح النبي صلى الله عليه وسلم .


يا خاتم النبآء إنك مرسل بالخير كل هدى السبيل هداكا
فقال : " يا خاتم النبآء " ، على أن واحدهم " نبيء " مهموز . وقد قال بعضهم : " النبي " و" النبوة " غير مهموز ، لأنهما مأخوذان من " النبوة " ، وهي مثل " النجوة " ، وهو المكان المرتفع ، وكان يقول : إن أصل " النبي " الطريق ، ويستشهد على ذلك ببيت القطامي :


لما وردن نبيا واستتب بها مسحنفر كخطوط السيح منسحل
[ ص: 142 ] يقول : إنما سمى الطريق " نبيا " ، لأنه ظاهر مستبين ، من " النبوة " . ويقول : لم أسمع أحدا يهمز " النبي " . قال . وقد ذكرنا ما في ذلك ، وبينا ما فيه الكفاية إن شاء الله .

ويعني بقوله : ( ويقتلون النبيين بغير الحق ) ، أنهم كانوا يقتلون رسل الله ، بغير إذن الله لهم بقتلهم ، منكرين رسالتهم ، جاحدين نبوتهم .
القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ( 61 ) )

وقوله : ( ذلك ) ، رد على " ذلك " الأولى . ومعنى الكلام : وضربت عليهم الذلة والمسكنة ، وباؤوا بغضب من الله من أجل كفرهم بآيات الله ، وقتلهم النبيين بغير الحق ، من أجل عصيانهم ربهم ، واعتدائهم حدوده ، فقال جل ثناؤه . ( ذلك بما عصوا ) ، والمعنى : ذلك بعصيانهم وكفرهم معتدين .

و" الاعتداء " ، تجاوز الحد الذي حده الله لعباده إلى غيره . وكل متجاوز حد شيء إلى غيره فقد تعداه إلى ما جاوز إليه . ومعنى الكلام : فعلت بهم ما فعلت من ذلك ، بما عصوا أمري ، وتجاوزوا حدي إلى ما نهيتهم عنه .
[ ص: 143 ] القول في تأويل قوله تعالى ( إن الذين آمنوا والذين هادوا )

قال أبو جعفر : أما " الذين آمنوا " ، فهم المصدقون رسول الله فيما أتاهم به من الحق من عند الله ، وإيمانهم بذلك تصديقهم به - على ما قد بيناه فيما مضى من كتابنا هذا .

وأما " الذين هادوا " ، فهم اليهود . ومعنى : " هادوا " ، تابوا . يقال منه : " هاد القوم يهودون هودا وهادة . وقيل : إنما سميت اليهود " يهود " ، من أجل قولهم : ( إنا هدنا إليك ) . [ سورة الأعراف : 156 ] .

1094 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : إنما سميت اليهود من أجل أنهم قالوا : ( إنا هدنا إليك ) .
القول في تأويل قوله عز وجل ( والنصارى )

قال أبو جعفر : و" النصارى " جمع ، واحدهم نصران ، كما واحد السكارى سكران ، وواحد النشاوى نشوان . وكذلك جمع كل نعت كان واحده على " فعلان " فإن جمعه على " فعالى " . إلا أن المستفيض من كلام العرب في واحد " النصارى " " نصراني " . وقد حكي عنهم سماعا " نصران " بطرح الياء ، ومنه قول الشاعر :


تراه إذا زار العشي محنفا ويضحي لديه وهو نصران شامس
[ ص: 144 ] وسمع منهم في الأنثى : " نصرانة " ، قال الشاعر :


فكلتاهما خرت وأسجد رأسها كما سجدت نصرانة لم تحنف
يقال : أسجد ، إذا مال . وقد سمع في جمعهم " أنصار " ، بمعنى النصارى . قال الشاعر :


لما رأيت نبطا أنصارا شمرت عن ركبتي الإزارا

كنت لهم من النصارى جارا
وهذه الأبيات التي ذكرتها ، تدل على أنهم سموا " نصارى " لنصرة بعضهم بعضا ، وتناصرهم بينهم . وقد قيل إنهم سموا " نصارى " ، من أجل أنهم نزلوا أرضا يقال لها " ناصرة " . [ ص: 145 ] 1095 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " النصارى " إنما سموا نصارى من أجل أنهم نزلوا أرضا يقال لها " ناصرة " .

ويقول آخرون : لقوله : ( من أنصاري إلى الله ) [ سورة الصف : 14 ] .

وقد ذكر عن ابن عباس من طريق غير مرتضى أنه كان يقول : إنما سميت النصارى نصارى ، لأن قرية عيسى ابن مريم كانت تسمى " ناصرة " ، وكان أصحابه يسمون الناصريين ، وكان يقال لعيسى : " الناصري " .

1096 - حدثت بذلك عن هشام بن محمد ، عن أبيه ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس .

1096 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : إنما سموا نصارى ، لأنهم كانوا بقرية يقال لها ناصرة ينزلها عيسى ابن مريم ، فهو اسم تسموا به ، ولم يؤمروا به .

1098 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( الذين قالوا إنا نصارى ) [ المائدة : 22 ] قال : تسموا بقرية يقال لها " ناصرة " ، كان عيسى ابن مريم ينزلها .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #113  
قديم 10-05-2022, 09:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 149,494
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(99)
الحلقة (113)
صــ 146إلى صــ 150


القول في تأويل قوله تعالى ( والصابئين )

قال أبو جعفر : و" الصابئون " جمع " صابئ " ، وهو المستحدث سوى دينه دينا ، كالمرتد من أهل الإسلام عن دينه . وكل خارج من دين كان عليه إلى آخر غيره ، تسميه العرب : " صابئا " . يقال منه : " صبأ فلان يصبأ صبأ " . ويقال : " صبأت النجوم " : إذا طلعت . " وصبأ علينا فلان موضع كذا وكذا " ، يعني به : طلع .

[ ص: 146 ] واختلف أهل التأويل فيمن يلزمه هذا الاسم من أهل الملل . فقال بعضهم : يلزم ذلك كل من خرج من دين إلى غير دين . وقالوا : الذين عنى الله بهذا الاسم ، قوم لا دين لهم

ذكر من قال ذلك :

1099 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي .

1100 - وحدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق جميعا ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد قال : الصابئون ليسوا بيهود ولا نصارى ، ولا دين لهم .

1101 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن الحجاج بن أرطاة ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد مثله .

1102 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن الحجاج ، عن مجاهد قال : الصابئون بين المجوس واليهود ، لا تؤكل ذبائحهم ، ولا تنكح نساؤهم .

1103 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن حجاج ، عن قتادة ، عن الحسن مثل ذلك .

1104 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح : " الصابئين " بين اليهود والمجوس لا دين لهم .

1105 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

1106 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج : قال مجاهد : " الصابئين " بين المجوس واليهود ، لا دين لهم . قال ابن جريج : قلت لعطاء : " الصابئين " زعموا أنها قبيلة من نحو السواد ، ليسوا بمجوس ولا يهود ولا نصارى . قال : قد سمعنا ذلك ، وقد قال المشركون للنبي : قد صبأ . [ ص: 147 ] 1107 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " والصابئين " قال : الصابئون ، [ أهل ] دين من الأديان كانوا بجزيرة الموصل يقولون : لا إله إلا الله ، وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي ، إلا قول لا إله إلا الله . قال : ولم يؤمنوا برسول الله ، فمن أجل ذلك كان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه : " هؤلاء الصابئون " ، يشبهونهم بهم .

وقال آخرون : هم قوم يعبدون الملائكة ويصلون إلى القبلة

ذكر من قال ذلك :

1108 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحسن قال : حدثني زياد أن الصابئين يصلون إلى القبلة ، ويصلون الخمس . قال : فأراد أن يضع عنهم الجزية . قال : فخبر بعد أنهم يعبدون الملائكة .

1109 - وحدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( والصابئين ) قال : الصابئون قوم يعبدون الملائكة ، يصلون إلى القبلة ، ويقرءون الزبور .

1110 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قال : الصابئون فرقة من أهل الكتاب يقرءون الزبور . قال أبو جعفر الرازي : وبلغني أيضا أن الصابئين قوم يعبدون الملائكة ، ويقرءون الزبور ، ويصلون إلى القبلة .

وقال آخرون : بل هم طائفة من أهل الكتاب

ذكر من قال ذلك :

1111 - حدثنا سفيان بن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان قال : سئل السدي عن الصابئين ، فقال : هم طائفة من أهل الكتاب .
[ ص: 148 ] القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( من آمن بالله واليوم الآخر ) ، من صدق وأقر بالبعث بعد الممات يوم القيامة ، وعمل صالحا فأطاع الله ، فلهم أجرهم عند ربهم . يعني بقوله : ( فلهم أجرهم عند ربهم ) ، فلهم ثواب عملهم الصالح عند ربهم .

فإن قال لنا قائل : فأين تمام قوله : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين ) ؟

قيل : تمامه جملة قوله : ( من آمن بالله واليوم الآخر ) . لأن معناه : من آمن منهم بالله واليوم الآخر ، فترك ذكر " منهم " لدلالة الكلام عليه ، استغناء بما ذكر عما ترك ذكره .

فإن قال : وما معنى هذا الكلام ؟

قيل : إن معناه : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين ، من يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلهم أجرهم عند ربهم .

فإن قال : وكيف يؤمن المؤمن ؟

قيل : ليس المعنى في المؤمن المعنى الذي ظننته ، من انتقال من دين إلى دين ، كانتقال اليهودي والنصراني إلى الإيمان وإن كان قد قيل إن الذين عنوا بذلك ، من كان من أهل الكتاب على إيمانه بعيسى وبما جاء به ، حتى أدرك محمدا صلى الله عليه وسلم فآمن به وصدقه ، فقيل لأولئك الذين كانوا مؤمنين بعيسى وبما جاء به ، إذ أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم : آمنوا بمحمد وبما جاء به ولكن معنى إيمان المؤمن في هذا الموضع ، ثباته على إيمانه وتركه تبديله . وأما إيمان اليهود والنصارى والصابئين ، فالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما [ ص: 149 ] جاء به ، فمن يؤمن منهم بمحمد ، وبما جاء به واليوم الآخر ، ويعمل صالحا ، فلم يبدل ولم يغير حتى توفي على ذلك ، فله ثواب عمله وأجره عند ربه ، كما وصف جل ثناؤه .

فإن قال قائل : وكيف قال : " فلهم أجرهم عند ربهم " ، وإنما لفظه " من " لفظ واحد ، والفعل معه موحد ؟

قيل : " من " ، وإن كان الذي يليه من الفعل موحدا ، فإن معنى الواحد والاثنين والجمع ، والتذكير والتأنيث ، لأنه في كل هذه الأحوال على هيئة واحدة وصورة واحدة لا يتغير . فالعرب توحد معه الفعل - وإن كان في معنى جمع - للفظه ، وتجمع أخرى معه الفعل لمعناه ، كما قال جل ثناؤه : ( ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون ) [ يونس : 42 - 43 ] . فجمع مرة مع " من " الفعل لمعناه ، ووحد أخرى معه الفعل لأنه في لفظ الواحد ، كما قال الشاعر :


ألما بسلمى عنكما إن عرضتما ، وقولا لها : عوجي على من تخلفوا
[ ص: 150 ] فقال : " تخلفوا " ، وجعل " من " بمنزلة " الذين " ، وقال الفرزدق :


تعال فإن عاهدتني لا تخونني نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
فثنى " يصطحبان " لمعنى " من " . فكذلك قوله : ( من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ) ، وحد " آمن وعمل صالحا " للفظ " من " ، وجمع ذكرهم في قوله : ( فلهم أجرهم ) ، لمعناه ، لأنه في معنى جمع .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #114  
قديم 10-05-2022, 09:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 149,494
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(100)
الحلقة (114)
صــ 151إلى صــ 155

وأما قوله ( ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 62 ) )

فإنه يعني به جل ذكره : ولا خوف عليهم فيما قدموا عليه من أهوال القيامة ، ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم من الدنيا وعيشها ، عند معاينتهم ما أعد الله لهم من الثواب والنعيم المقيم عنده .

ذكر من قال عني بقوله : ( من آمن بالله ) ، مؤمنو أهل الكتاب الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم :

1112 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا ) الآية ، قال : نزلت هذه الآية في أصحاب سلمان الفارسي . وكان سلمان من جند يسابور ، وكان من أشرافهم ، وكان ابن الملك صديقا له مؤاخيا ، لا يقضي واحد منهم أمرا دون صاحبه ، وكانا يركبان إلى الصيد جميعا . فبينما هما في الصيد ، إذ رفع لهما بيت من عباء ، فأتياه فإذا هما فيه برجل بين يديه مصحف يقرأ فيه [ ص: 151 ] وهو يبكي . فسألاه : ما هذا ؟ فقال : الذي يريد أن يعلم هذا لا يقف موقفكما ، فإن كنتما تريدان أن تعلما ما فيه فانزلا حتى أعلمكما . فنزلا إليه ، فقال لهما : هذا كتاب جاء من عند الله ، أمر فيه بطاعته ونهى عن معصيته ، فيه : أن لا تزني ، ولا تسرق ، ولا تأخذ أموال الناس بالباطل . فقص عليهما ما فيه ، وهو الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى . فوقع في قلوبهما ، وتابعاه فأسلما . وقال لهما : إن ذبيحة قومكما عليكما حرام .

فلم يزالا معه كذلك يتعلمان منه ، حتى كان عيد للملك ، فجعل طعاما ، ثم جمع الناس والأشراف ، وأرسل إلى ابن الملك فدعاه إلى صنيعه ليأكل مع الناس . فأبى الفتى ، وقال : إني عنك مشغول ، فكل أنت وأصحابك . فلما أكثر عليه من الرسل ، أخبرهم أنه لا يأكل من طعامهم . فبعث الملك إلى ابنه فدعاه . وقال : ما أمرك هذا ؟ قال : إنا لا نأكل من ذبائحكم ، إنكم كفار ، ليس تحل ذبائحكم . فقال له الملك : من أمرك بهذا ؟ فأخبره أن الراهب أمره بذلك . فدعا الراهب فقال : ماذا يقول ابني ؟ قال : صدق ابنك . قال له : لولا أن الدم فينا عظيم لقتلتك ، ولكن اخرج من أرضنا . فأجله أجلا . فقال سلمان : فقمنا نبكي عليه ، فقال لهما : إن كنتما صادقين ، فإنا في بيعة بالموصل مع ستين رجلا نعبد الله فيها ، فأتونا فيها .

فخرج الراهب ، وبقي سلمان وابن الملك : فجعل يقول لابن الملك : انطلق بنا ! وابن الملك يقول : نعم . وجعل ابن الملك يبيع متاعه يريد الجهاز . فلما أبطأ على سلمان ، خرج سلمان حتى أتاهم ، فنزل على صاحبه ، وهو رب البيعة . [ ص: 152 ] وكان أهل تلك البيعة من أفضل الرهبان ، فكان سلمان : معهم يجتهد في العبادة ويتعب نفسه ، فقال له الشيخ : إنك غلام حدث تتكلف من العبادة ما لا تطيق ، وأنا خائف أن تفتر وتعجز ، فارفق بنفسك وخفف عليها . فقال له سلمان : أرأيت الذي تأمرني به ، أهو أفضل أو الذي أصنع ؟ قال : بل الذي تصنع . قال : فخل عني .

ثم إن صاحب البيعة دعاه فقال : أتعلم أن هذه البيعة لي ، وأنا أحق الناس بها ، ولو شئت أن أخرج هؤلاء منها لفعلت ! ولكني رجل أضعف عن عبادة هؤلاء ، وأنا أريد أن أتحول من هذه البيعة إلى بيعة أخرى هم أهون عبادة من هؤلاء ، فإن شئت أن تقيم هاهنا فأقم ، وإن شئت أن تنطلق معي فانطلق . قال له سلمان : أي البيعتين أفضل أهلا ؟ قال : هذه . قال سلمان : فأنا أكون في هذه . فأقام سلمان بها وأوصى صاحب البيعة عالم البيعة بسلمان ، فكان سلمان يتعبد معهم .

ثم إن الشيخ العالم أراد أن يأتي بيت المقدس ، فقال لسلمان : إن أردت أن تنطلق معي فانطلق ، وإن شئت أن تقيم فأقم . فقال له سلمان : أيهما أفضل ، أنطلق معك أم أقيم ؟ قال : لا بل تنطلق معي . فانطلق معه . فمروا بمقعد على ظهر الطريق ملقى ، فلما رآهما نادى : يا سيد الرهبان ، ارحمني يرحمك الله ! فلم يكلمه ولم ينظر إليه . وانطلقا حتى أتيابيت المقدس ، فقال الشيخ لسلمان : اخرج فاطلب العلم ، فإنه يحضر هذا المسجد علماء أهل الأرض . فخرج سلمان يسمع منهم ، فرجع يوما حزينا ، فقال له الشيخ : ما لك يا سلمان ؟ قال : أرى الخير كله قد ذهب به من كان قبلنا من الأنبياء وأتباعهم ! فقال له الشيخ : يا سلمان لا تحزن ، فإنه قد بقي نبي ليس من نبي بأفضل تبعا منه ، وهذا زمانه الذي يخرج فيه ، ولا أراني أدركه ، وأما أنت فشاب لعلك أن تدركه ، وهو [ ص: 153 ] يخرج في أرض العرب فإن أدركته فآمن به واتبعه . فقال له سلمان : فأخبرني عن علامته بشيء . قال : نعم ، هو مختوم في ظهره بخاتم النبوة ، وهو يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة . ثم رجعا حتى بلغا مكان المقعد ، فناداهما فقال : يا سيد الرهبان ، ارحمني يرحمك الله ! فعطف إليه حماره ، فأخذ بيده فرفعه ، فضرب به الأرض ودعا له وقال : قم بإذن الله ! فقام صحيحا يشتد ، فجعل سلمان يتعجب وهو ينظر إليه يشتد . وسار الراهب فتغيب عن سلمان ، ولا يعلم سلمان .

ثم إن سلمان فزع فطلب الراهب . فلقيه رجلان من العرب من كلب ، فسألهما : هل رأيتما الراهب ؟ فأناخ أحدهما راحلته ، قال : نعم راعي الصرمة هذا ! فحمله فانطلق به إلى المدينة .

قال سلمان : فأصابني من الحزن شيء لم يصبني مثله قط . فاشترته امرأة من جهينة فكان يرعى عليها هو وغلام لها يتراوحان الغنم هذا يوما وهذا يوما ، فكان سلمان يجمع الدراهم ينتظر خروج محمد صلى الله عليه وسلم . فبينا هو يوما يرعى ، إذ أتاه صاحبه الذي يعقبه ، فقال : أشعرت أنه قد قدم اليوم المدينة رجل يزعم أنه نبي ؟ فقال له سلمان : أقم في الغنم حتى آتيك .

فهبط سلمان إلى المدينة ، فنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودار حوله . فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم عرف ما يريد ، فأرسل ثوبه حتى خرج خاتمه ، فلما رآه أتاه وكلمه . ثم انطلق فاشترى بدينار ، ببعضه شاة وببعضه خبزا ، ثم أتاه به . فقال : " ما هذا " ؟ قال سلمان : هذه صدقة قال : لا حاجة لي بها ، [ ص: 154 ] فأخرجها فليأكلها المسلمون " . ثم انطلق فاشترى بدينار آخر خبزا ولحما ، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذا ؟ قال : هذه هدية . قال : فاقعد [ فكل ] فقعد فأكلا جميعا منها . فبينا هو يحدثه إذ ذكر أصحابه فأخبره خبرهم فقال : كانوا يصومون ويصلون ويؤمنون بك ، ويشهدون أنك ستبعث نبيا . فلما فرغ سلمان من ثنائه عليهم ، قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم : يا سلمان ، هم من أهل النار . فاشتد ذلك على سلمان ، وقد كان قال له سلمان : لو أدركوك صدقوك واتبعوك ، فأنزل الله هذه الآية : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر ) .

فكان إيمان اليهود : أنه من تمسك بالتوراة وسنة موسى ، حتى جاء عيسى . فلما جاء عيسى كان من تمسك بالتوراة وأخذ بسنة موسى - فلم يدعها ولم يتبع عيسى - كان هالكا . وإيمان النصارى : أنه من تمسك بالإنجيل منهم وشرائع عيسى كان مؤمنا مقبولا منه ، حتى جاء محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن لم يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم منهم ويدع ما كان عليه من سنة عيسى والإنجيل - كان هالكا
.

1113 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا ) الآية . قال [ ص: 155 ] سأل سلمان الفارسي النبي صلى الله عليه وسلم عن أولئك النصارى وما رأى من أعمالهم ، قال : لم يموتوا على الإسلام . قال سلمان : فأظلمت علي الأرض ، وذكرت اجتهادهم ، فنزلت هذه الآية : " إن الذين آمنوا والذين هادوا " . فدعا سلمان فقال : نزلت هذه الآية في أصحابك " . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم " من مات على دين عيسى ومات على الإسلام قبل أن يسمع بي ، فهو على خير ; ومن سمع بي اليوم ولم يؤمن بي فقد هلك " .

وقال ابن عباس بما : -

1114 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين ) إلى قوله : ( ولا هم يحزنون ) . فأنزل الله تعالى بعد هذا : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) [ آل عمران : 85 ]

وهذا الخبر يدل على أن ابن عباس كان يرى أن الله جل ثناؤه كان قد وعد من عمل صالحا - من اليهود والنصارى والصابئين - على عمله ، في الآخرة الجنة ، ثم نسخ ذلك بقوله : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ) .

فتأويل الآية إذا على ما ذكرنا عن مجاهد والسدي : إن الذين آمنوا من هذه الأمة ، والذين هادوا ، والنصارى ، والصابئين - من آمن من اليهود والنصارى والصابئين بالله واليوم الآخر - فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

والذي قلنا من التأويل الأول ، أشبه بظاهر التنزيل ، لأن الله جل ثناؤه لم [ ص: 156 ] يخصص - بالأجر على العمل الصالح مع الإيمان - بعض خلقه دون بعض منهم ، والخبر بقوله : ( من آمن بالله واليوم الآخر ) ، عن جميع ما ذكر في أول الآية .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #115  
قديم 10-05-2022, 09:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 149,494
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(101)
الحلقة (115)
صــ 156إلى صــ 160


القول في تأويل قوله تعالى ( وإذ أخذنا ميثاقكم )

قال أبو جعفر : " الميثاق " ، " المفعال " ، من " الوثيقة " ، إما بيمين ، وإما بعهد أو غير ذلك من الوثائق .

ويعني بقوله : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ) الميثاق الذي أخبر جل ثناؤه أنه أخذ منهم في قوله : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا ) [ البقرة : 83 - 85 ] الآيات التي ذكر معها . وكان سبب أخذ الميثاق عليهم - فيما ذكره ابن زيد - ما : -

1115 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : لما رجع موسى من عند ربه بالألواح . قال لقومه بني إسرائيل : إن هذه الألواح فيها كتاب الله ، فيه أمره الذي أمركم به ونهيه الذي نهاكم عنه . فقالوا : ومن يأخذه بقولك أنت ؟ لا والله حتى نرى الله جهرة ، حتى يطلع الله إلينا فيقول : هذا كتابي فخذوه ! فما له لا يكلمنا كما كلمك أنت يا موسى ، فيقول : هذا كتابي فخذوه ؟ قال : فجاءت غضبة من الله ، فجاءتهم صاعقة فصعقتهم ، فماتوا أجمعون . قال : ثم أحياهم الله بعد موتهم ، فقال لهم موسى : خذوا كتاب الله . فقالوا : لا . قال : أي شيء أصابكم ؟ قالوا : متنا ثم حيينا ! قال : خذوا [ ص: 157 ] كتاب الله . قالوا : لا . فبعث ملائكته فنتقت الجبل فوقهم ، فقيل لهم : أتعرفون هذا ؟ قالوا : نعم ، هذا الطور ، قال : خذوا الكتاب وإلا طرحناه عليكم . قال : فأخذوه بالميثاق ، وقرأ قول الله : ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا ) حتى بلغ : ( وما الله بغافل عما تعملون ) [ البقرة : 83 - 85 ] ، قال : ولو كانوا أخذوه أول مرة ، لأخذوه بغير ميثاق .
القول في تأويل قوله تعالى ( ورفعنا فوقكم الطور )

قال أبو جعفر : وأما " الطور " فإنه الجبل في كلام العرب ، ومنه قول العجاج :


دانى جناحيه من الطور فمر تقضي البازي إذا البازي كسر
وقيل : إنه اسم جبل بعينه . وذكر أنه الجبل الذي ناجى الله عليه موسى . وقيل : إنه من الجبال ما أنبت دون ما لم ينبت .

[ ص: 158 ] ذكر من قال : هو الجبل كائنا ما كان :

1116 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : أمر موسى قومه أن يدخلوا الباب سجدا ويقولوا : " حطة " وطؤطئ لهم الباب ليسجدوا ، فلم يسجدوا ودخلوا على أدبارهم ، وقالوا حنطة . فنتق فوقهم الجبل - يقول : أخرج أصل الجبل من الأرض فرفعه فوقهم كالظلة و" الطور " ، بالسريانية ، الجبل تخويفا ، أو خوفا ، شك أبو عاصم ، فدخلوا سجدا على خوف ، وأعينهم إلى الجبل . هو الجبل الذي تجلى له ربه .

1117 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : رفع الجبل فوقهم كالسحابة ، فقيل لهم : لتؤمنن أو ليقعن عليكم . فآمنوا . والجبل بالسريانية : " الطور " .

1118 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور ) قال : الطور الجبل ; كانوا بأصله ، فرفع عليهم فوق رؤوسهم ، فقال : لتأخذن أمري ، أو لأرمينكم به .

1119 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( ورفعنا فوقكم الطور ) ، قال : الطور الجبل . اقتلعه الله فرفعه فوقهم ، فقال : ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) فأقروا بذلك .

1120 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( ورفعنا فوقكم الطور ) قال : رفع فوقهم الجبل ، يخوفهم به . [ ص: 159 ] 1121 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن النضر ، عن عكرمة قال : الطور الجبل .

1122 - وحدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : لما قال الله لهم : ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة . فأبوا أن يسجدوا ، أمر الله الجبل أن يقع عليهم ، فنظروا إليه وقد غشيهم ، فسقطوا سجدا على شق ، ونظروا بالشق الآخر ، فرحمهم الله فكشفه عنهم فذلك قوله : ( وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة ) [ الأعراف : 171 ] ، وقوله : ( ورفعنا فوقكم الطور ) .

1123 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : الجبل بالسريانية الطور .

وقال آخرون : " الطور " اسم للجبل الذي ناجى الله موسى عليه .

ذكر من قال ذلك :

1124 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : الطور ، الجبل الذي أنزلت عليه التوراة - يعني على موسى - وكانت بنو إسرائيل أسفل منه . قال ابن جريج : وقال لي عطاء : رفع الجبل على بني إسرائيل ، فقال : لتؤمنن به أو ليقعن عليكم . فذلك قوله : ( كأنه ظلة ) .

وقال آخرون : الطور ، من الجبال ، ما أنبت خاصة .

ذكر من قال ذلك :

1125 - حدثت عن المنجاب قال ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( الطور ) قال : الطور من الجبال ما أنبت ، وما لم ينبت فليس بطور .
[ ص: 160 ] القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( خذوا ما آتيناكم بقوة )

قال أبو جعفر : اختلف أهل العربية في تأويل ذلك . فقال بعض نحويي أهل البصرة : هو مما استغنى بدلالة الظاهر المذكور عما ترك ذكره له . وذلك أن معنى الكلام : ورفعنا فوقكم الطور ، وقلنا لكم : خذوا ما آتيناكم بقوة ، وإلا قذفناه عليكم .

وقال بعض نحويي أهل الكوفة : أخذ الميثاق قول فلا حاجة بالكلام إلى إضمار قول فيه ، فيكون من كلامين ، غير أنه ينبغي لكل ما خالف القول من الكلام - الذي هو بمعنى القول - أن يكون معه " أن " كما قال الله جل ثناؤه ( إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك ) [ نوح : 1 ] قال : ويجوز أن تحذف " أن " .

والصواب في ذلك عندنا : أن كل كلام نطق به - مفهوم به معنى ما أريد - ففيه الكفاية من غيره .

ويعني بقوله : ( خذوا ما آتيناكم ) ، ما أمرناكم به في التوراة .

وأصل " الإيتاء " ، الإعطاء .

ويعني بقوله : ( بقوة ) بجد في تأدية ما أمركم فيه وافترض عليكم ، كما : -

1126 - حدثت عن إبراهيم بن بشار قال ، : حدثنا ابن عيينة قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) . قال : تعملوا بما فيه .

1127 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #116  
قديم 10-05-2022, 09:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 149,494
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(102)
الحلقة (116)
صــ 161إلى صــ 165


1128 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن [ ص: 161 ] الربيع ، عن أبي العالية : ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) ، قال : بطاعة .

1129 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرازق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) . قال : " القوة " الجد ، وإلا قذفته عليكم . قال : فأقروا بذلك : أنهم يأخذون ما أوتوا بقوة .

1130 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( بقوة ) ، يعني : بجد واجتهاد .

1131 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد - وسألته عن قول الله : ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) - قال : خذوا الكتاب الذي جاء به موسى بصدق وبحق .

فتأويل الآية إذا : خذوا ما افترضناه عليكم في كتابنا من الفرائض ، فاقبلوه ، واعملوا باجتهاد منكم في أدائه ، من غير تقصير ولا توان . وذلك هو معنى أخذهم إياه بقوة ، بجد .
القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ( 63 ) )

قال أبو جعفر : يعني : واذكروا ما فيما آتيناكم من كتابنا من وعد ووعيد شديد ، وترغيب وترهيب ، فاتلوه ، واعتبروا به ، وتدبروه إذا فعلتم ذلك ، كي تتقوا وتخافوا عقابي ، بإصراركم على ضلالكم فتنتهوا إلى طاعتي ، وتنزعوا عما أنتم عليه من معصيتي . كما : -

1132 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ، حدثنا ابن إسحاق ، عن [ ص: 162 ] داود بن الحصين ، عن عكرمة عن ابن عباس : ( لعلكم تتقون ) ، قال : تنزعون عما أنتم عليه .

والذي آتاهم الله ، هو التوراة . كما : -

1133 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( واذكروا ما فيه ) يقول : اذكروا ما في التوراة .

1134 - كما حدثت عن عمار بن الحسن قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( واذكروا ما فيه ) يقول : أمروا بما في التوراة .

1135 - وحدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، سألت ابن زيد عن قول الله : ( واذكروا ما فيه ) ، قال : اعملوا بما فيه بطاعة لله وصدق . قال : وقال : اذكروا ما فيه ، لا تنسوه ولا تغفلوه .
القول في تأويل قوله تعالى ( ثم توليتم من بعد ذلك )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( ثم توليتم ) : ثم أعرضتم . وإنما هو " تفعلتم " من قولهم : " ولاني فلان دبره " إذا استدبر عنه وخلفه خلف ظهره . ثم يستعمل ذلك في كل تارك طاعة أمر بها ، ومعرض بوجهه . يقال : " قد تولى فلان عن طاعة فلان ، وتولى عن مواصلته " ، ومنه قول الله جل ثناؤه : ( فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون ) [ التوبة : 76 ] ، يعني بذلك : خالفوا ما كانوا وعدوا الله من قولهم : ( لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ) [ ص: 163 ] [ التوبة : 75 ] ، ونبذوا ذلك وراء ظهورهم .

ومن شأن العرب استعارة الكلمة ووضعها مكان نظيرها ، كما قال أبو خراش الهذلي :


فليس كعهد الدار يا أم مالك ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل
سوى الحق شيئا واستراح العواذل
يعني بقوله : " أحاطت بالرقاب السلاسل " ، أن الإسلام صار - في منعه إيانا ما كنا نأتيه في الجاهلية ، مما حرمه الله علينا في الإسلام - بمنزلة السلاسل المحيطة برقابنا ، التي تحول بين من كانت في رقبته مع الغل الذي في يده ، وبين ما حاول أن يتناوله .

ونظائر ذلك في كلام العرب أكثر من أن تحصى . فكذلك قوله : ( ثم توليتم من بعد ذلك ) ، [ ص: 164 ] يعني بذلك : أنكم تركتم العمل بما أخذنا ميثاقكم وعهودكم على العمل به بجد واجتهاد ، بعد إعطائكم ربكم المواثيق على العمل به ، والقيام بما أمركم به في كتابكم ، فنبذتموه وراء ظهوركم .

وكنى بقوله جل ذكره : " ذلك " ، عن جميع ما قبله في الآية المتقدمة ، أعني قوله : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور ) .
القول في تأويل قوله تعالى ذكره ( فلولا فضل الله عليكم ورحمته )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ذكره : ( فلولا فضل الله عليكم ) ، فلولا أن الله تفضل عليكم بالتوبة بعد نكثكم الميثاق الذي واثقتموه - إذ رفع فوقكم الطور - بأنكم تجتهدون في طاعته ، وأداء فرائضه ، والقيام بما أمركم به ، والانتهاء عما نهاكم عنه في الكتاب الذي آتاكم ، فأنعم عليكم بالإسلام ورحمته التي رحمكم بها - وتجاوز عنكم خطيئتكم التي ركبتموها - بمراجعتكم طاعة ربكم لكنتم من الخاسرين .

وهذا ، وإن كان خطابا لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنما هو خبر عن أسلافهم ، فأخرج الخبر مخرج المخبر عنهم - على نحو ما قد بينا فيما مضى ، من أن القبيلة من العرب تخاطب القبيلة عند الفخار أو غيره ، بما مضى من فعل أسلاف المخاطب بأسلاف المخاطب ، فتضيف فعل أسلاف المخاطب إلى نفسها ، فتقول : فعلنا بكم ، وفعلنا بكم . وقد ذكرنا بعض الشواهد في ذلك من شعرهم فيما مضى .

[ ص: 165 ] وقد زعم بعضهم أن الخطاب في هذه الآيات ، إنما أخرج بإضافة الفعل إلى المخاطبين به ، والفعل لغيرهم ، لأن المخاطبين بذلك كانوا يتولون من كان فعل ذلك من أوائل بني إسرائيل ، فصيرهم الله منهم من أجل ولايتهم لهم .

وقال بعضهم : إنما قيل ذلك كذلك ، لأن سامعيه كانوا عالمين - وإن كان الخطاب خرج خطابا للأحياء من بني إسرائيل وأهل الكتاب - أن المعنى في ذلك إنما هو خبر عما قص الله من أنباء أسلافهم . فاستغنى بعلم السامعين بذلك ، عن ذكر أسلافهم بأعيانهم . ومثل ذلك يقول الشاعر :


إذ ما انتسبنا لم تلدني لئيمة ، ولم تجدي من أن تقري به بدا
فقال : " إذا ما انتسبنا " ، و" إذا " تقتضي من الفعل مستقبلا ثم قال : " لم تلدني لئيمة " ، فأخبر عن ماض من الفعل . وذلك أن الولادة قد مضت وتقدمت . وإنما فعل ذلك - عند المحتج به - لأن السامع قد فهم معناه . فجعل ما ذكرنا - من خطاب الله أهل الكتاب الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بإضافة أفعال أسلافهم إليهم - نظير ذلك .

والأول الذي قلنا ، هو المستفيض من كلام العرب وخطابها .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #117  
قديم 10-05-2022, 09:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 149,494
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(103)
الحلقة (117)
صــ 166إلى صــ 170



[ ص: 166 ] وكان أبو العالية يقول في قوله : ( فلولا فضل الله عليكم ورحمته ) - فيما ذكر لنا - نحو القول الذي قلناه .

1136 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو النضر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( فلولا فضل الله عليكم ورحمته ) ، قال : " فضل الله " ، الإسلام ، " ورحمته " ، القرآن .

1137 - وحدثت عن عمار ، قال ، حدثنا ابن أبي جعفر [ عن أبيه ] ، عن الربيع بمثله .
القول في تأويل قوله تعالى ( لكنتم من الخاسرين ( 64 ) )

قال أبو جعفر : فلولا فضل الله عليكم ورحمته إياكم - بإنقاذه إياكم بالتوبة عليكم من خطيئتكم وجرمكم - لكنتم الباخسين أنفسكم حظوظها دائما ، الهالكين بما اجترمتم من نقض ميثاقكم ، وخلافكم أمره وطاعته .

وقد تقدم بياننا قبل بالشواهد ، عن معنى " الخسار " بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( ولقد علمتم ) ، ولقد عرفتم . كقولك :

[ ص: 167 ] قد علمت أخاك ولم أكن أعلمه " ، يعني عرفته ، ولم أكن أعرفه ، كما قال جل ثناؤه : ( وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ) [ الأنفال : 60 ] ، يعني : لا تعرفونهم الله يعرفهم .

وقوله : ( الذين اعتدوا منكم في السبت ) ، أي الذين تجاوزوا حدي ، وركبوا ما نهيتهم عنه في يوم السبت ، وعصوا أمري .

وقد دللت - فيما مضى - على أن " الاعتداء " ، أصله تجاوز الحد في كل شيء . بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

قال أبو جعفر : وهذه الآية وآيات بعدها تتلوها ، مما عدد جل ثناؤه فيها على بني إسرائيل - الذين كانوا بين خلال دور الأنصار زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، الذين ابتدأ بذكرهم في أول هذه السورة من نكث أسلافهم عهد الله وميثاقه - ما كانوا يبرمون من العقود ، وحذر المخاطبين بها أن يحل بهم - بإصرارهم على كفرهم ، ومقامهم على جحود نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وتركهم اتباعه والتصديق بما جاءهم به من عند ربه - مثل الذي حل بأوائلهم من المسخ والرجف والصعق ، وما لا قبل لهم به من غضب الله وسخطه . كالذي : -

1138 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد قال ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت ) يقول : ولقد عرفتم . وهذا تحذير لهم من المعصية . يقول : احذروا أن يصيبكم ما أصاب أصحاب السبت ، إذ عصوني ، اعتدوا - يقول : اجترؤوا - في السبت . قال : لم يبعث الله نبيا إلا أمره بالجمعة ، [ ص: 168 ] وأخبره بفضلها وعظمها في السموات وعند الملائكة ، وأن الساعة تقوم فيها . فمن اتبع الأنبياء فيما مضى كما اتبعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم محمدا ، قبل الجمعة وسمع وأطاع ، وعرف فضلها وثبت عليها ، كما أمر الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم . ومن لم يفعل ذلك ، كان بمنزلة الذين ذكر الله في كتابه فقال : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) . وذلك أن اليهود قالت لموسى - حين أمرهم بالجمعة ، وأخبرهم بفضلها - : يا موسى ، كيف تأمرنا بالجمعة وتفضلها على الأيام كلها ، والسبت أفضل الأيام كلها ، لأن الله خلق السموات والأرض والأقوات في ستة أيام ، وسبت له كل شيء مطيعا يوم السبت ، وكان آخر الستة ؟ قال : وكذلك قالت النصارى لعيسى ابن مريم - حين أمرهم بالجمعة - قالوا له : كيف تأمرنا بالجمعة وأول الأيام أفضلها وسيدها ، والأول أفضل ، والله واحد ، والواحد الأول أفضل ؟ فأوحى الله إلى عيسى : أن دعهم والأحد ، ولكن ليفعلوا فيه كذا وكذا . - مما أمرهم به . فلم يفعلوا ، فقص الله تعالى قصصهم في الكتاب بمعصيتهم . قال : وكذلك قال الله لموسى - حين قالت له اليهود ما قالوا في أمر السبت - : أن دعهم والسبت ، فلا يصيدوا فيه سمكا ولا غيره ، ولا يعملوا شيئا كما قالوا . قال : فكان إذا كان السبت ظهرت الحيتان على الماء ، فهو قوله : ( إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ) [ الأعراف : 163 ] ، يقول : ظاهرة على الماء ، ذلك لمعصيتهم موسى - وإذا كان غير يوم السبت ، صارت صيدا كسائر الأيام فهو قوله : ( ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ) [ الأعراف : 163 ] . ففعلت الحيتان ذلك ما شاء الله . فلما رأوها كذلك ، طمعوا في أخذها وخافوا العقوبة ، فتناول بعضهم [ ص: 169 ] منها فلم تمتنع عليه ، وحذر العقوبة التي حذرهم موسى من الله تعالى . فلما رأوا أن العقوبة لا تحل بهم ، عادوا ، وأخبر بعضهم بعضا بأنهم قد أخذوا السمك ولم يصبهم شيء ، فكثروا في ذلك ، وظنوا أن ما قال لهم موسى كان باطلا . وهو قول الله جل ثناؤه : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) - يقول : لهؤلاء الذين صادوا السمك - فمسخهم الله قردة بمعصيتهم . يقول : إذا لم يحيوا في الأرض إلا ثلاثة أيام . قال : ولم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل . وقد خلق الله القردة والخنازير وسائر الخلق في الستة الأيام التي ذكر الله في كتابه . فمسخ هؤلاء القوم في صورة القردة ، وكذلك يفعل بمن شاء ، كما يشاء ، ويحوله كما يشاء .

1139 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة بن الفضل قال ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة مولى ابن عباس قال : قال ابن عباس : إن الله إنما افترض على بني إسرائيل اليوم الذي افترض عليكم في عيدكم - يوم الجمعة - . فخالفوا إلى السبت فعظموه ، وتركوا ما أمروا به . فلما أبوا إلا لزوم السبت ، ابتلاهم الله فيه ، فحرم عليهم ما أحل لهم في غيره . وكانوا في قرية بين أيلة والطور يقال لها " مدين " . فحرم الله عليهم في السبت الحيتان : صيدها وأكلها . وكانوا إذا كان يوم السبت أقبلت إليهم شرعا إلى ساحل بحرهم ، حتى إذا ذهب السبت ذهبن ، فلم يروا حوتا صغيرا ولا كبيرا . حتى إذا كان يوم السبت أتين إليهم شرعا ، حتى إذا ذهب السبت ذهبن . فكانوا كذلك ، حتى إذا طال عليهم الأمد وقرموا إلى الحيتان ، عمد رجل منهم فأخذ حوتا سرا يوم السبت ، فخزمه بخيط ، ثم أرسله في الماء ، وأوتد له وتدا في الساحل فأوثقه ، ثم تركه . حتى إذا كان الغد ، جاء فأخذه - أي : إني لم آخذه في [ ص: 170 ] يوم السبت - ثم انطلق به فأكله . حتى إذا كان يوم السبت الآخر ، عاد لمثل ذلك ، ووجد الناس ريح الحيتان ، فقال أهل القرية : والله لقد وجدنا ريح الحيتان ! ثم عثروا على صنيع ذلك الرجل . قال : ففعلوا كما فعل ، وأكلوا سرا زمانا طويلا لم يعجل الله عليهم بعقوبة ، حتى صادوها علانية وباعوها بالأسواق . وقالت طائفة منهم من أهل البقية : ويحكم ! اتقوا الله ! ونهوهم عما كانوا يصنعون . وقالت طائفة أخرى لم تأكل الحيتان ، ولم تنه القوم عما صنعوا : ( لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ) لسخطنا أعمالهم - ( ولعلهم يتقون ) [ الأعراف : 164 ] ، قال ابن عباس : فبينما هم على ذلك ، أصبحت تلك البقية في أنديتهم ومساجدهم ، وفقدوا الناس فلا يرونهم . فقال بعضهم لبعض : إن للناس لشأنا ! فانظروا ما هو ! فذهبوا ينظرون في دورهم ، فوجدوها مغلقة عليهم ، قد دخلوا ليلا فغلقوها على أنفسهم ، كما يغلق الناس على أنفسهم ، فأصبحوا فيها قردة ، وإنهم ليعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد ، والمرأة بعينها وإنها لقردة ، والصبي بعينه وإنه لقرد . قال : يقول ابن عباس : فلولا ما ذكر الله أنه أنجى الذين نهوا عن السوء ، لقلنا أهلك الجميع منهم . قالوا : وهي القرية التي قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : ( واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ) الآية [ الأعراف : 163 ] .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #118  
قديم 10-05-2022, 09:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 149,494
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(104)
الحلقة (118)
صــ 171إلى صــ 175

1140 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين فجعلناها نكالا ) [ ص: 171 ] ي : أحلت لهم الحيتان ، وحرمت عليهم يوم السبت بلاء من الله ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه . فصار القوم ثلاثة أصناف : فأما صنف فأمسك ونهى عن المعصية ، وأما صنف فأمسك عن حرمة الله ، وأما صنف فانتهك حرمة الله ومرد على المعصية . فلما أبوا إلا الاعتداء إلى ما نهوا عنه ، قال الله لهم : ( كونوا قردة خاسئين ) فصاروا قردة لها أذناب ، تعاوى بعد ما كانوا رجالا ونساء .

1141 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت ) ، قال : نهوا عن صيد الحيتان يوم السبت ، فكانت تشرع إليهم يوم السبت ، وبلوا بذلك ، فاعتدوا فاصطادوها ، فجعلهم الله قردة خاسئين .

1142 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) قال : فهم أهل " أيلة " ، وهي القرية التي كانت حاضرة البحر ، فكانت الحيتان إذا كان يوم السبت - وقد حرم الله على اليهود أن يعملوا في السبت شيئا - لم يبق في البحر حوت إلا خرج ، حتى يخرجن خراطيمهن من الماء . فإذا كان يوم الأحد لزمن سفل البحر فلم ير منهن شيء حتى يكون يوم السبت . فذلك قوله : ( واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ) [ الأعراف : 163 ] ، فاشتهى بعضهم السمك ، فجعل الرجل يحفر الحفيرة ويجعل لها نهرا إلى البحر . فإذا كان يوم السبت فتح النهر ، فأقبل الموج بالحيتان يضربها حتى يلقيها في الحفيرة . ويريد الحوت أن يخرج ، فلا يطيق من أجل قلة ماء النهر ، فيمكث فيها . فإذا كان يوم الأحد جاء فأخذه . فجعل الرجل يشوي [ ص: 172 ] السمك ، فيجد جاره ريحه ، فيسأله فيخبره ، فيصنع مثل ما صنع جاره . حتى إذا فشا فيهم أكل السمك ، قال لهم علماؤهم : ويحكم ! إنما تصطادون السمك يوم السبت وهو لا يحل لكم ! فقالوا : إنما صدناه يوم الأحد حين أخذناه ، فقال الفقهاء : لا ولكنكم صدتموه يوم فتحتم له الماء فدخل . فقالوا : لا ! وعتوا أن ينتهوا . فقال بعض الذين نهوهم لبعض : ( لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا ) [ الأعراف : 164 ] ، يقول : لم تعظونهم ، وقد وعظتموهم فلم يطيعوكم ؟ فقال بعضهم : ( معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ) [ الأعراف : 164 ] . فلما أبوا قال المسلمون : والله لا نساكنكم في قرية واحدة . فقسموا القرية بجدار ، ففتح المسلمون بابا والمعتدون في السبت بابا ، ولعنهم داود . فجعل المسلمون يخرجون من بابهم والكفار من بابهم . فخرج المسلمون ذات يوم ، ولم يفتح الكفار بابهم . فلما أبطئوا عليهم ، تسور المسلمون عليهم الحائط ، فإذا هم قردة يثب بعضهم على بعض ، ففتحوا عنهم ، فذهبوا في الأرض . فذلك قول الله عز وجل : ( فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) [ الأعراف : 166 ] ، فذلك حين يقول : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ) [ المائدة : 78 ] ، فهم القردة .

1143 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) . قال : لم يمسخوا ، إنما هو مثل ضربه الله لهم ، مثل ما ضرب مثل الحمار يحمل أسفارا .

1144 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن [ ص: 173 ] ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) . قال : مسخت قلوبهم ، ولم يمسخوا قردة ، وإنما هو مثل ضربه الله لهم ، كمثل الحمار يحمل أسفارا .

قال أبو جعفر : وهذا القول الذي قاله مجاهد ، قول لظاهر ما دل عليه كتاب الله مخالف . وذلك أن الله أخبر في كتابه أنه جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت ، كما أخبر عنهم أنهم قالوا لنبيهم : ( أرنا الله جهرة ) [ النساء : 153 ] ، وأن الله تعالى ذكره أصعقهم عند مسألتهم ذلك ربهم ، وأنهم عبدوا العجل ، فجعل توبتهم قتل أنفسهم ، وأنهم أمروا بدخول الأرض المقدسة فقالوا لنبيهم : ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) [ المائدة : 24 ] فابتلاهم بالتيه . فسواء قائل قال : هم لم يمسخهم قردة ، وقد أخبر جل ذكره أنه جعل منهم قردة وخنازير - وآخر قال : لم يكن شيء مما أخبر الله عن بني إسرائيل أنه كان منهم - من الخلاف على أنبيائهم ، والنكال والعقوبات التي أحلها الله بهم . ومن أنكر شيئا من ذلك وأقر بآخر منه ، سئل البرهان على قوله ، وعورض - فيما أنكر من ذلك - بما أقر به ، ثم يسأل الفرق من خبر مستفيض أو أثر صحيح .

هذا مع خلاف قول مجاهد قول جميع الحجة التي لا يجوز عليها الخطأ والكذب فيما نقلته مجمعة عليه . وكفى دليلا على فساد قول ، إجماعها على تخطئته .
[ ص: 174 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ( 65 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( فقلنا لهم ) أي : فقلنا للذين اعتدوا في السبت - يعني في يوم السبت .

وأصل " السبت " الهدو والسكون في راحة ودعة ، ولذلك قيل للنائم " مسبوت " لهدوه وسكون جسده واستراحته ، كما قال جل ثناؤه : ( وجعلنا نومكم سباتا ) [ النبأ : 9 ] أي راحة لأجسادكم . وهو مصدر من قول القائل : " سبت فلان يسبت سبتا " .

وقد قيل : إنه سمي " سبتا " ، لأن الله جل ثناؤه فرغ يوم الجمعة - وهو اليوم الذي قبله - من خلق جميع خلقه .

وقوله : ( كونوا قردة خاسئين ) ، أي : صيروا كذلك .

و " الخاسئ " المبعد المطرود ، كما يخسأ الكلب يقال منه : " خسأته أخسؤه خسأ وخسوءا ، وهو يخسأ خسوءا " . قال : ويقال : " خسأته فخسأ وانخسأ " . ومنه قول الراجز :


كالكلب إن قلت له اخسأ انخسأ
يعني : إن طردته انطرد ذليلا صاغرا .

فكذلك معنى قوله : ( كونوا قردة خاسئين ) أي ، مبعدين من الخير أذلاء صغراء ، كما : -

1145 - حدثنا محمد بن بشار ، قال ، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال ، [ ص: 175 ] حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( كونوا قردة خاسئين ) قال : صاغرين .

1146 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد مثله .

1147 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

1148 - حدثني الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة : ( خاسئين ) ، قال : صاغرين .

1149 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( كونوا قردة خاسئين ) ، أي أذلة صاغرين .

1150 - وحدثت عن المنجاب قال ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : خاسئا ، يعني ذليلا .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #119  
قديم 10-05-2022, 09:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 149,494
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(105)
الحلقة (119)
صــ 176إلى صــ 180

القول في تأويل قوله تعالى ( فجعلناها )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل " الهاء والألف " في قوله : ( فجعلناها ) ، وعلام هي عائدة ؟ فروي عن ابن عباس فيها قولان : أحدهما ما : -

1151 - حدثنا به أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد قال ، حدثنا بشر بن عمارة قال ، حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( فجعلناها ) فجعلنا تلك العقوبة - وهي المسخة - " نكالا " .

فالهاء والألف من قوله : ( فجعلناها ) - على قول ابن عباس هذا - كناية [ ص: 176 ] عن " المسخة " ، وهي " فعلة " مسخهم الله مسخة .

فمعنى الكلام على هذا التأويل : فقلنا لهم : كونوا قردة خاسئين ، فصاروا قردة ممسوخين ، ( فجعلناها ) ، فجعلنا عقوبتنا ومسخنا إياهم ، ( نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين ) .

والقول الآخر من قولي ابن عباس ، ما : -

1151 - حدثني به محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( فجعلناها ) ، يعني الحيتان .

و " الهاء والألف " - على هذا القول - من ذكر الحيتان ، ولم يجر لها ذكر . ولكن لما كان في الخبر دلالة ، كني عن ذكرها . والدلالة على ذلك قوله : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت ) .

وقال آخرون : فجعلنا القرية التي اعتدى أهلها في السبت . ف " الهاء " و " الألف " - في قول هؤلاء - كناية عن قرية القوم الذين مسخوا .

وقال آخرون : معنى ذلك فجعلنا القردة الذين مسخوا " نكالا لما بين يديها وما خلفها " ، فجعلوا " الهاء والألف " كناية عن القردة .

وقال آخرون : ( فجعلناها ) ، يعني به : فجعلنا الأمة التي اعتدت في السبت " نكالا " .
القول في تأويل قوله تعالى ( نكالا )

و " النكال " مصدر من قول القائل : " نكل فلان بفلان تنكيلا ونكالا " . وأصل " النكال " ، العقوبة ، كما قال عدي بن زيد العبادي :

[ ص: 177 ]
لا يسخط الضليل ما يسع العب د ولا في نكاله تنكير


وبمثل الذي قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عباس :

1152 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد قال ، حدثنا بشر بن عمارة قال ، حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( نكالا ) يقول : عقوبة .

1153 - حدثني المثنى قال ، حدثني إسحاق قال ، حدثني ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( فجعلناها نكالا ) ، أي عقوبة .
القول في تأويل قوله تعالى ( لما بين يديها وما خلفها )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم بما : -

1154 - حدثنا به أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد قال ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( لما بين يديها ) يقول : ليحذر من بعدهم عقوبتي . ( وما خلفها ) ، يقول : الذين كانوا بقوا معهم .

1155 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( لما بين يديها وما خلفها ) ، لما خلا لهم من الذنوب ، ( وما خلفها ) ، أي عبرة لمن بقي من الناس .

[ ص: 178 ] وقال آخرون بما :

1156 - حدثني ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ، حدثني ابن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة مولى ابن عباس قال : قال ابن عباس : ( فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها ) ، أي من القرى .

وقال آخرون بما : -

1157 - حدثنا به بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال الله ( فجعلناها نكالا لما بين يديها ) - من ذنوب القوم - ( وما خلفها ) ، أي للحيتان التي أصابوا .

1158 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( لما بين يديها ) ، من ذنوبها ، ( وما خلفها ) ، من الحيتان .

1159 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثني عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : ( لما بين يديها ) ، ما مضى من خطاياهم إلى أن هلكوا به .

1160 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( نكالا لما بين يديها وما خلفها ) ، يقول : " بين يديها " ، ما مضى من خطاياهم ، ( وما خلفها ) خطاياهم التي هلكوا بها .

1161 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله - إلا أنه قال : ( وما خلفها ) ، خطيئتهم التي هلكوا بها .

وقال آخرون بما : -

1162 - حدثني به موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها ) قال : أما " ما بين يديها " فما سلف من عملهم ، ( وما خلفها ) ، فمن كان بعدهم من الأمم ، أن يعصوا فيصنع الله بهم مثل ذلك .

[ ص: 179 ] وقال آخرون بما : -

1163 - حدثني به ابن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ، ( فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها ) ، يعني الحيتان ، جعلها نكالا " لما بين يديها وما خلفها " ، من الذنوب التي عملوا قبل الحيتان ، وما عملوا بعد الحيتان . فذلك قوله : ( ما بين يديها وما خلفها ) .

قال أبو جعفر : وأولى هذه التأويلات بتأويل الآية ، ما رواه الضحاك عن ابن عباس . وذلك لما وصفنا من أن " الهاء والألف " - في قوله : ( فجعلناها نكالا ) - بأن تكون من ذكر العقوبة والمسخة التي مسخها القوم ، أولى منها بأن تكون من ذكر غيرها . من أجل أن الله جل ثناؤه إنما يحذر خلقه بأسه وسطوته ، بذلك يخوفهم . وفي إبانته عز ذكره - بقوله : ( نكالا ) : أنه عنى به العقوبة التي أحلها بالقوم - ما يعلم أنه عنى بقوله : ( فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها ) ، فجعلنا عقوبتنا التي أحللناها بهم عقوبة لما بين يديها وما خلفها - دون غيره من المعاني . وإذ كانت " الهاء والألف " - بأن تكون من ذكر المسخة والعقوبة ، أولى منها بأن تكون من ذكر غيرها ; فكذلك العائد في قوله : ( لما بين يديها وما خلفها ) من " الهاء والألف " : أن يكون من ذكر " الهاء والألف " اللتين في قوله : ( فجعلناها ) ، أولى من أن يكون من ذكر غيره .

فتأويل الكلام - إذ كان الأمر على ما وصفنا - : فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ، فجعلنا عقوبتنا لهم عقوبة لما بين يديها من ذنوبهم السالفة منهم ، بمسخنا إياهم وعقوبتنا لهم - ولما خلف عقوبتنا لهم من أمثال ذنوبهم : أن يعمل بها عامل ، [ ص: 180 ] فيمسخوا مثل ما مسخوا ، وأن يحل بهم مثل الذي حل بهم ، تحذيرا من الله تعالى ذكره عباده : أن يأتوا من معاصيه مثل الذي أتى الممسوخون ، فيعاقبوا عقوبتهم .

وأما الذي قال في تأويل ذلك : ( فجعلناها ) ، يعني الحيتان ، عقوبة لما بين يدي الحيتان من ذنوب القوم وما بعدها من ذنوبهم - فإنه أبعد في الانتزاع . وذلك أن الحيتان لم يجر لها ذكر فيقال : ( فجعلناها ) . فإن ظن ظان أن ذلك جائز - وإن لم يكن جرى للحيتان ذكر - لأن العرب قد تكني عن الاسم ولم يجر له ذكر ، فإن ذلك وإن كان كذلك ، فغير جائز أن يترك المفهوم من ظاهر الكتاب - والمعقول به ظاهر في الخطاب والتنزيل - إلى باطن لا دلالة عليه من ظاهر التنزيل ، ولا خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم منقول ، ولا فيه من الحجة إجماع مستفيض .

وأما تأويل من تأول ذلك : لما بين يديها من القرى وما خلفها ، فينظر إلى تأويل من تأول ذلك : بما بين يدي الحيتان وما خلفها .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #120  
قديم 10-05-2022, 09:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 149,494
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(106)
الحلقة (120)
صــ 181إلى صــ 185


القول في تأويل قوله تعالى ( وموعظة )

و " الموعظة " ، مصدر من قول القائل : " وعظت الرجل أعظه وعظا وموعظة " ، إذا ذكرته .

فتأويل الآية : فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وتذكرة للمتقين ، ليتعظوا بها ، ويعتبروا ، ويتذكروا بها ، كما : -

1164 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد قال ، حدثنا [ ص: 181 ] بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( وموعظة ) يقول : وتذكرة وعبرة للمتقين .
القول في تأويل قوله تعالى ( للمتقين ( 66 ) )

وأما " المتقون " ، فهم الذين اتقوا ، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، كما : -

1165 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد قال ، حدثنا بشر بن عمارة قال ، حدثنا أبو روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( وموعظة للمتقين ) ، يقول : للمؤمنين الذين يتقون الشرك ويعملون بطاعتي .

فجعل تعالى ذكره ما أحل بالذين اعتدوا في السبت من عقوبته ، موعظة للمتقين خاصة ، وعبرة للمؤمنين ، دون الكافرين به - إلى يوم القيامة - ، كالذي : -

1166 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ، حدثني ابن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، عن عبد الله بن عباس في قوله : ( وموعظة للمتقين ) ، إلى يوم القيامة .

1167 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وموعظة للمتقين ) ، أي : بعدهم .

1168 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة مثله .

1169 - حدثنا موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : أما " موعظة للمتقين " ، فهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

1170 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( وموعظة للمتقين ) ، قال : فكانت موعظة للمتقين خاصة . [ ص: 182 ] 1171 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسن قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج في قوله : ( وموعظة للمتقين ) ، أي لمن بعدهم .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ( 67 ) )

قال أبو جعفر : وهذه الآية مما وبخ الله بها المخاطبين من بني إسرائيل ، في نقض أوائلهم الميثاق الذي أخذه الله عليهم بالطاعة لأنبيائه ، فقال لهم : واذكروا أيضا من نكثكم ميثاقي ، " إذ قال موسى لقومه " - وقومه بنو إسرائيل ، إذ ادارؤوا في القتيل الذي قتل فيهم إليه : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا ) .

و " الهزؤ " : اللعب والسخرية ، كما قال الراجز :


قد هزئت مني أم طيسله قالت أراه معدما لا شيء له


يعني بقوله : قد هزئت : قد سخرت ولعبت .

ولا ينبغي أن يكون من أنبياء الله - فيما أخبرت عن الله من أمر أو نهي - هزؤ أو لعب . فظنوا بموسى أنه في أمره إياهم - عن أمر الله تعالى ذكره بذبح البقرة عند تدارئهم في القتيل إليه - أنه هازئ لاعب . ولم يكن لهم أن يظنوا ذلك بنبي الله ، وهو يخبرهم أن الله هو الذي أمرهم بذبح البقرة .

[ ص: 183 ] وحذفت " الفاء " من قوله : ( أتتخذنا هزوا ) ، وهو جواب ، لاستغناء ما قبله من الكلام عنه ، وحسن السكوت على قوله : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) ، فجاز لذلك إسقاط " الفاء " من قوله : ( أتتخذنا هزوا ) ، كما جاز وحسن إسقاطها من قوله تعالى ( قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا ) [ الحجر : 57 - 58 ، الذاريات : 31 - 32 ] ، ولم يقل : فقالوا إنا أرسلنا . ولو قيل " فقالوا " كان حسنا أيضا جائزا . ولو كان ذلك على كلمة واحدة ، لم تسقط منه " الفاء " . وذلك أنك إذا قلت : " قمت ففعلت كذا وكذا " ، لم تقل : قمت فعلت كذا وكذا " لأنها عطف ، لا استفهام يوقف عليه .

فأخبرهم موسى - إذ قالوا له ما قالوا - أن المخبر عن الله جل ثناؤه بالهزؤ والسخرية ، من الجاهلين . وبرأ نفسه مما ظنوا به من ذلك فقال : ( أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) ، يعني من السفهاء الذين يروون عن الله الكذب والباطل .

وكان سبب قيل موسى لهم : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) ، ما : -

1172 - حدثنا به محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان قال ، سمعت أيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة قال : كان في بني إسرائيل رجل عقيم - أو عاقر - قال : فقتله وليه ، ثم احتمله فألقاه في سبط غير سبطه . قال : فوقع بينهم فيه الشر حتى أخذوا السلاح . قال : فقال أولو النهى : أتقتتلون وفيكم رسول الله ؟ قال : فأتوا نبي الله ، فقال : اذبحوا بقرة ! فقالوا : أتتخذنا هزوا ، قال : " أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة ، إلى قوله : ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) قال : فضرب ، فأخبرهم بقاتله . قال : ولم تؤخذ البقرة إلا بوزنها ذهبا ، قال : [ ص: 184 ] ولو أنهم أخذوا أدنى بقرة لأجزأت عنهم . فلم يورث قاتل بعد ذلك .

1173 - وحدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثني أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قول الله ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) . قال : كان رجل من بني إسرائيل ، وكان غنيا ولم يكن له ولد ، وكان له قريب وارثه ، فقتله ليرثه ، ثم ألقاه على مجمع الطريق ، وأتى موسى فقال له : إن قريبي قتل وأتي إلي أمر عظيم ، وإني لا أجد أحدا يبين لي من قتله غيرك يا نبي الله . قال : فنادى موسى في الناس : أنشد الله من كان عنده من هذا علم إلا بينه لنا . فلم يكن عندهم علمه . فأقبل القاتل على موسى فقال : أنت نبي الله ، فاسأل لنا ربك أن يبين لنا . فسأل ربه ، فأوحى الله إليه : ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) . فعجبوا وقالوا : ( أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ) - يعني : لا هرمة - ( ولا بكر ) - يعني : ولا صغيرة - ( عوان بين ذلك ) - أي : نصف ، بين البكر والهرمة - ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها ) - أي : صاف لونها - ( تسر الناظرين ) - أي تعجب الناظرين - ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول ) أي : لم يذللها العمل - ( تثير الأرض ) - يعني ليست بذلول فتثير الأرض - ( ولا تسقي الحرث ) - يقول : ولا تعمل في الحرث - ( مسلمة ) ، يعني : مسلمة من العيوب ، ( لا شية فيها ) - يقول : لا بياض فيها - ( قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون ) [ ص: 185 ] . قال : ولو أن القوم حين أمروا أن يذبحوا بقرة ، استعرضوا بقرة من البقر فذبحوها ، لكانت إياها ، ولكنهم شددوا على أنفسهم ، فشدد الله عليهم . ولولا أن القوم استثنوا فقالوا : ( وإنا إن شاء الله لمهتدون ) ، لما هدوا إليها أبدا . فبلغنا أنهم لم يجدوا البقرة التي نعتت لهم ، إلا عند عجوز عندها يتامى ، وهي القيمة عليهم . فلما علمت أنهم لا يزكو لهم غيرها ، أضعفت عليهم الثمن . فأتوا موسى فأخبروه أنهم لم يجدوا هذا النعت إلا عند فلانة ، وأنها سألتهم أضعاف ثمنها . فقال لهم موسى : إن الله قد كان خفف عليكم ، فشددتم على أنفسكم ، فأعطوها رضاها وحكمها . ففعلوا ، واشتروها فذبحوها . فأمرهم موسى أن يأخذوا عظما منها فيضربوا به القتيل . ففعلوا ، فرجع إليه روحه ، فسمى لهم قاتله ، ثم عاد ميتا كما كان . فأخذوا قاتله - وهو الذي كان أتى موسى فشكى إليه ، - فقتله الله على أسوأ عمله .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 227.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 222.07 كيلو بايت... تم توفير 5.80 كيلو بايت...بمعدل (2.55%)]