|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مفسدات المعاملة المصرفية د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري بحث العلماء السابقون في المعاني الأساسية التي دارت عليها أحكام المنع الشرعي في أبواب المعاملات المالية، وقد أطلقوا على هذه المعاني عددًا من المصطلحات، فبينما أطلق عليها الغزالي: اسم (مفسدات المعاملة)،[1] وفي موضعٍ آخر: (مثارات الفساد)،[2] نجد أن ابن رشد أطلق عليها مصطلح (أصول الفساد)، و(أسباب الفساد العامة)[3]. وكما اجتهدوا في تسميتها، اجتهدوا كذلك في حصرها، والنظر في المعاني المشتركة بينها، ومحاولة إرجاعها إلى معانٍ كلية تندرج تحتها كل المعاملات المحرمة نصًا، ومن تلك المحاولات محاولة ابن العربي، فقد حصرها في ستة وخمسين نهـيًّا، ثم جعلها في سبعة أقسام بحسب موضعها، ثم حصر هذه السبعة في ثلاثة أقسام بحسب عللها، فقال: "ولا تخرج عن ثلاثة أقسام؛ وهي: الربا، والباطل، والغرر، ويرجع الغرر بالتحقيق إلى الباطل، فيكون قسمين على الآيتين"[4]. وإذا كان ابن العربي قد جعل قاعدة الغرر ضمن قاعدة الباطل، فإنا نجد أن ابن تيمية جعل قاعدتي الربا والغرر - كلتيهما - ضمن قاعدة أكل المال بالباطل، فحصر الجميع في قاعدةٍ واحدةٍ، وفي هذا يقول: "فإن عامّة ما نهى عنه الكتاب والسنة من المعاملات يعود إلى تحقيق العدل، والنهي عن الظلم؛ دقه وجله؛ مثل: أكل المال بالباطل، وجنسه من الربا والميسر"،[5] وتبعه على ذلك تلميذه ابن القيم،[6] ومن المعلوم أن الميسر صورة من صور الغرر. وفي المقابل وجدنا ابن رشد قد وسّع هذه الدائرة، فقسّم المعاني التي يرجع إليها الفساد إلى قسمين: الأول: ما يعود لمعنى في ذات المبيع، وحصره في تحريم عين المبيع، والربا، والغرر، والشروط التي تؤول إلى أحد هذين الأمرين، أو لمجموعهما، والثاني: ما يعود لمعنى خارج عن ذات المبيع؛ كالغشّ، والضرر، وحرمة الزمان، وغيرها،[7] وهذه الأخيرة إنما رجعت للقواعد الشرعية العامّة، لا لخصوص قواعد المعاملات المالية. ولما كانت المعاملات المالية المصرفية - وخصوصًا الإسلامية - لا تتعامل مع ما هو محرّم العين، رجع تحقيقه - رحمه الله - إلى تحقيقات من سبقه في خصوص فقه المصرفية الإسلامية، ودوران التحريم على معنيين؛ هما من أكل المال بالباطل: الربا والغرر. وتبين مما سبق، أن القاعدة الأساسية التي خضعت لها المعاملات المالية في الشريعة الإسلامية هي تحقيق أسس العدل، ودفع الباطل، ورفع الظلم عن العاقدين، وعن مجتمعهما في الحال وفي المآل، وقد دلّ على ذلك قول الله تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ٌ ﴾،[8] وقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ﴾.[9] ولما كانت قاعدة تحقيق العدل قاعدة عريضة، أصَّلت الشريعة أصل إباحة كل معاملة لم ينه عنها،[10] وجاءت الضوابط المحققة للعدل تنصب في جلّها[11] في منع الظلم، وأكل أموال الناس بالباطل،[12] فكل معاملةٍ خلت من ذلك فهي مشروعة، دلّ عليه: • قول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾[13]، فنهى سبحانه وتعالى عن أكل المال بالباطل، وأباح ما عدا ذلك من كل معاملة مالية عن تراضٍ بين العاقدين. • وما أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو بعت من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحة،[14] فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بمَ تأخذ مال أخيك بغير حق؟"، [15] فعلّل النبي صلى الله عليه وسلم المنع بأنه أخذٌ للمال ظلمًا؛ بغير حق. وأكل المال بالباطل شمل أمرين؛ كما سبق: الربا، والغرر، ونتعرض لهما في هذين المطلبين: المطلب الأول: المعاملات المصرفية الممنوعة لأجل الربا، والقواعد الحاكمة لها: الربا هو الزيـادة التي لا يقابلها عوض،[16] وقد سمّاه الله تعالى في كتابـه ظلمًا، فقال سبحانه: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾،[17] وهذه الزيادة المنهي عنها على قسمين:القسم الأول:زيادةٌ منهيٌّ عنها في القروض؛ سواء كانت زيادة مشترطة ابتداءً؛ كالقرض الذي يجرّ نفعاً،[18] أو اُشترطت عند العجز عن السداد؛ كربا الجاهلية، أمهلني وأزدك. [19] ومن الحكمة في ذلك - والله أعلم - منع أيّ معاملة تؤدي لزيادة الفجوة بين الغني والفقير، دون أن تحقق أيّ قيمة مضافة للمجتمع، يتحقق منها تبادل المنافع، والتشجيع على العمل، بل هي - بعكس ذلك - تذكي معاني الشح والاستغلال بين الناس. ولذا ضُبط هذا القسم بمنع كل زيادةٍ مشترطة، دون ما جاء دون شرطٍ أو تواطؤ؛ لقصد الإكرام، وحسن الوفاء. [20] وقد عالجت الشريعة ربا القروض بالأمر بالزكاة؛ تطهيرًا للمسلم، وتعويدًا له على خلق السخاء،[21] قال الكاساني: "إذ الأنفس مجبولةٌ على الضن بالمال؛ فتتعود السماحة، وترتاض لأداء الأمانات، وإيصال الحقوق إلى مستحقيها". [22] وأما القسم الثاني:فهي الزيادة المنهيّ عنها في البيوع؛ سواء كانت زيادة في الكمية لأحد العاقدين في بيع متماثلين، أو زيادة انتفاع أحدهما بقبض حقه مع تأخير حق الآخر في بيع متقاربين (متفقي العلة). وهذا القسم خاص بالأموال التي يجري فيها الربا،[23] وهي أموال مثلية، أو قريبة من المثلية، ضرورية أو في حكم الضرورية، ووجه إلحاقها بالقرض في جريان الربا - والله أعلم - أنه لما كان المقترض يُشترط عليه ردّ مثل ما اقترض، وكان لا يقترض - في العادة - إلا ما يحتاج إليه، كانت مبادلة هذه الأموال المثلية الضرورية مظنّة قصد القرض - لا البيع -، أو ذريعة إليه، فشُدد في شروط بيع بعضها ببعض، وكلما كانت المثلية بينها أوضح كانت شروط البيع فيها أشدّ. [24] ومن الحكمة في ذلك - والله أعلم - منع التلاعب في أقوات الناس وأثمانهم؛ لئلا يضطرب معاشهم واقتصادهم.[25] وقُيد المنع بكل بيعٍ يُقصد به مبادلة عوضين من الأقوات أو من الأثمان، دون ما جاء منها تبعاً غير مقصود. [26] وقد عالجت الشريعة ربا البيوع بحثّ الغني على إقراض الفقير، فصورة القرض مبادلة مالٍ بمال مع تأخير أحدهما؛ كصورة ربا النسيئة، لكن مع قصد مصلحة الإرفاق بالمحتاج المقترِض، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أقرض ورقًا[27] مرتين كان كعدل صدقة مرة". [28] ويتبين هذا في جواب جعفر بن محمد - رحمه الله -[29] لما سئل: لمَ حرم الله الربا؟ فقال: لئلا يتمانع الناس المعروف. [30] ومن أهم القواعد الموضحة والحاكمة لأحكام الربا: أ- قواعد النظر في المعاملة من جهة بواعث عقدها، ومما يعتنى به في هذا: 1- متى كان الهدف والباعث على العقد تمويل طرفٍ بنقدٍ حاضر، مقابل أكثر منه في ذمّته، فهو قصد الربا، قال ابن تيمية: "إذا كان قصد الطالب أخذ دراهم، بأكثر منها إلى أجل، والمعطي يقصد إعطاءه ذلك، فهذا ربا لا ريب في تحريمه، وإن تحيلا على ذلك، بأيّ طريق كان؛ فإنما الأعمال بالنيات"،[31] وقال في موضعٍ آخر: "متى قال له الطالب: أريد دراهم، فأيّ طريق سلكوه إلى أن تحصل له دراهم، ويبقى في ذمّته دراهم إلى أجل، فهي معاملة فاسدة، وذلك حقيقة الربا".[32] 2- كثرة قصد المتعاملين للمعاملة الربوية، وفي الشرح الكبير: "(ومنع) عند مالك ومن تبعه (للتّهمة)؛ أيّ لأجل ظن قصد ما مُنع شرعًا؛ سدًا للذريعة، (ما) أيّ بيع جائز في الظاهر، (كثر قصده)؛ أيّ قصد الناس له للتوصل إلى الربا الممنوع... (لا ما قلّ) قصده، فلا يمنع لضعف التّهمة".[33] 3- أن يُعرف العاقد بالتعامل بالربا والحيل، كمن يُسمّون عند المالكية بأهل العينة، قال في المدونة: "قلت: صِفْ لي أصحاب العينة في قول مالك؟ قال: أصحاب العينة عند الناس قد عرفوهم، يأتي الرجل إلى أحدهم، فيقول له: أسلفني مالاً، فيقول: لا أفعل، ولكن أشتري لك سلعة من السوق، فأبيعها منك بكذا وكذا، ثم أبتاعها منك بكذا وكذا، أو يشتري من الرجل سلعةً، ثم يبيعها إياه، بأكثر مما ابتاعها منه".[34] وهؤلاء يتّهمون فيما لا يتّهم فيه أهل الصحة؛ لما عرف من فعلهم وبواعثهم،[35] قال ابن رشد الجد[36]: "لأن أهل العينة يتّهمون فيما لا يتّهم فيه أهل الصحة؛ لعملهم بالربا، واستجازتهم له".[37] 4- النظر في سبب أيّ منفعة قُدمت للمقرض، فإن لم يكن لها سبب إلا القرض كانت ربا، ومن ذلك الهدية للمقرض من غير سابق عادة،[38] "ويدخل في ذلك القرض يجرّ المنفعة، والدار المرهونة يسكنها المرتهن بلا كراء، والدابة المرهونة يركبها، ويرتفق بها من غير عوض، وكل دخيل في العقود ينظر؛ هل يكون حكمه عند الانفراد كحكمه عند الاقتران".[39] ب- قواعد النظر في المعاملة من جهة شكل العقد وصورته، ومما يعتنى به في هذا: 1- التدقيق في أيّ محاباة تحصل من العقود المركبة مع القرض، ولذلك منعت الشريعة من سلف وبيع؛ لأنه يتذرع به إلى محاباة المقرض، فيفرد الناظر كل عقد منهما، وينظر هل قصد المتعاقدان عقده بحظّه من الثمن، أم لا؟. [40] قال ابن تيمية: "ولأن الاحتيال في الربا - غالبًا - إنما يتمّ في المواطأة اللفظية، أو العرفية".[41] 2- النظر إلى فعل اللغو؛ بأن يعقد عقدًا؛ ليفسخه، أو يدخل سلعة؛ ثم يخرجها كما دخلت، أو يضمّ إلى العقد عقدًا ليس بمقصود؛ كالتحايل على ربا النسيئة في مسألة العينة،[42] أو يضمّ لأحد العوضين عوضًا غير مقصود؛ كالتحايل على ربا الفضل في مسألة مدّ عجوة، وسبق بيانه عند الكلام على الحيل. [43] ج- قواعد النظر في المعاملة من جهة نتائجها وآثارها، ومن ذلك: 1- أنّ أيّ ربحٍ يحصل في جانب الأمان دون تحمل الضمان، فهو موضع الربا. [44] 2- وأيّ تمويل لا يتعدى النقد، ويحقق ربحية بعيدًا عن التبادل والنشاط الإيجابي، ويؤدي إلى التضخمات النقدية، ورفع سقف الفقر والمديونية، فهو موضع الربا كذلك. [45] المطلب الثاني: المعاملات المصرفية الممنوعة لأجل الغرر، والقواعد الحاكمة لها: وفي مقابل الزيادة الربوية، تأتي النقيصة التي تنشأ عن الغرر؛ سواء الواقع جهلاً أو عمدًا، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في خصوص البيوع؛ كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة،[46] وعن بيع الغرر، [47] وأُلحق بالبيع سائر المعاوضات والمخاطرات. وهذا التغرير على قسمين: الأول: ما انطوى عنا أمره؛[48] من كل جهالةٍ مؤديةٍ للمنازعة؛[49] سواء كانت في السلعة، أو الثمن، أو الأجل، أو وسائل التوثيق؛ كالرهن. والحكمة من النهي عن ذلك - والله أعلم - منع كل ما يؤدي إلى الخصومة والمنازعة بين المتعاقدين؛ لذا ضُبط الغرر المنهي عنه بالغرر الذي لم تجرِ العادة بالتسامح به، فخرج عن النهي الغرر اليسير، والتابع غير المقصود أصالة، وما لا يمكن التحرز منه؛[50] إذ لا يخلو بيعٌ منه. [51] وقد عالجت الشريعة الغرر بالأمر بالبيان والصدق، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما".[52] وضابط ذلك: أن يبين البائع كل ما له أثر في الثمن، وفي قطع المنازعة، "وإنما العدل لا يضر بأخيه المسلم، والضابط الكلي فيه ألا يحب لأخيه إلا ما يحب لنفسه، فكل ما لو عومل به شقّ عليه، وثقل على قلبه، فينبغي ألا يعامل غيره به".[53] والثاني: ما خفيت علينا عاقبته؛[54] من كل مخاطرة تؤدي للمنـازعة، وهو الميسـر، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾. [55] ومن الحكمة من ذلك - والله أعلم - منع أيِّ مبادلة صفرية،[56] يدور العاقد فيها بين أن يغنم مالاً وفيرًا، أو يغرم جميع ماله دون أيّ مقابل،[57] أو يقال: "الغرر هو الخطر الذي استوى فيه طرف الوجود والعدم بمنـزلة الشك"،[58] فلم تمنع الشريعة من كل مخاطرة؛ إذ لا تخلو تجارةٌ منها،[59] وإنما منعت من كل مخاطرة لم يغلب فيها جانب النفع والربح. وقد عالجت الشريعة الميسر بأمر المقامر بالصدقة؛ فإذا هو يدفع بعض ماله دون أيّ مقابل دنيوي يعود عليه، لكن ابتغاءً للأجر من الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك، فليتصدق".[60] ومن أهم القواعد الحاكمة للغرر الممنوع: أ- قواعد النظر في المعاملة من جهة بواعث عقدها: أن يقصد العاقد المعاملةَ لأجل ما فيها من الغرر، ولولا الغرر لما دفع هذا العوض، يقول الدكتور سامي السويلم: "وتتضح ما إذا كانت المعاوضة صفرية أو لا، بتقدير انتفاء الجهالة من المعاملة، ثم النظر في مدى رضى الطرفين بإبرام العقد، كما أوضحه أشهب رحمه الله[61] ". [62] ومما يغتفر ويتسامح فيه في باب الغرر - وكذلك الربا - وقوعه فيما هو تابع،[63] وضابط التابع: ما كان غير مقصودٍ أصالةً بالعقد،[64] ولم يغلب عليه. [65] ودليل ذلك: ما أخرجه الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتاع عبدًا فماله للذي باعه، إلا أن يشترط المبتاع"،[66] ويدل هذا الحديث على: أ- اغتفار جهالة المال الذي عند العبد؛ لكونه ليس هو المقصود أصالةً بالعقد. [67] ب- اغتفار جريان ربا الفضل، ببيع عبد ومال بمال؛ لأن ماله جاء تبعًا. [68] ب- قواعد النظر في المعاملة من جهة شكل العقد وصورته، ومن ذلك: 1- أن تظهر في شكل العقد صورة القمار، وصورته: "تعليق الملك، أو الاستحقاق بالخطر"،[69] والمقصود بالخطر أن يتردد العاقد بين الغنم والغرم،[70] وذلك بأن "يؤخذ مال الإنسان، وهو على مخاطرة؛ هل يحصل له عوضه، أو لا يحصل؟"،[71] ومن ذلك أيضًا أن يُعلق تمييز الغانم من الغارم في صورة العقد بأمرٍ تخفى عاقبته.[72] قال أشهب في بيان معاملة الغرر: " ألا ترى أنها إن سلمت أخذ الضامن من مال المضمون مالاً باطلاً بغير شيء أخرجه، وإن عطبت غرم له قيمتها في غير مالٍ ملكه، ولا كان له أصله، ولا جرّته له فيه منفعة".[73] 2- أو أن تظهر فيه صورة الجهالة، قال الخطابي: "وأبواب الغرر كثيرة، وجماعها: ما دخل في المقصود منه الجهل"،[74] فينظر الباحث إلى عوضي العقد؛ فإن وجد جهالةً فاحشةً في أحد عوضيه، أو مقصود منه غالبًا؛ فهو غررٌ مانعٌ من صحة العقد.[75] ج- قواعد النظر في المعاملة من جهة نتائجها وآثارها: 1- فينظر هل ربح وانتفاع كلا الطرفين من العقد أرجح من احتمال ربح أحدهما وخسارة الآخر، فإن كان كذلك جاز؛ وهو من العقود الإيجابية النافعة، وإن كان الاحتمال الثاني أرجح من الأول، كان من الغرر، وكذلك إن استوى الاحتمالان، قال البُهوتي[76]: "وفسّره القاضي وجماعة: بما تردد بين أمرين، ليس أحدهما أظهر".[77] 2- أن ينظر في هذه الجهالة، فإن كانت جالبة للعداوة والبغضاء، وأكل المال بالباطل،[78] فهي من الغرر المنهي عنه، ويشمل ذلك النظر في ثلاث جهات قد تتسبب في ذلك: العلم بالعوض، والعلم بحصوله، والقدرة على تسليمه.[79] وهل يستثنى من ذلك الغرر الواقع في عقود التبرعات؟. مسألة: حكم الغرر في عقود التبرعات: اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين: القول الأول: عدم جواز الغرر في عقود التبرعات. وهو قول الجمهور، من الحنفية،[80] والشافعية،[81] والحنابلة،[82] واختاره ابن حزم.[83] ففي تحفة الفقهاء: "ولو وهب رجل لرجل ما في بطن جاريته، أو غنمه، أو ما في ضروعها... فإنه لا يجوز لأن بعض هذه الأشياء معدوم عند العقد، أو معجوز التسليم لمعنى في المحل، أو مجهول؛ حتى لا يكون محلاً للبيع، وإذا كان هكذا، فيكون فاسدًا". [84] وفي روضة الطالبين: "لا تصح هبة المجهول". [85] وفي الإنصاف: "ولا تصح هبة المجهول". [86] واستدلوا من السنة: بما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر.[87] ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغرر في البيوع، وتلحق بالبيوع سائر المعاملات؛ من معاوضات وتبرعات؛ بجامع أن المعاملات جميعها شُرعت لحفظ المال. ونوقش هذا الاستدلال: بأن النهي عن الغرر في الحديث جاء في خصوص البيع؛ فيلحق به ما يشبهه من عقود المعاوضات، والمماكسات التي يُرجى فيها طلب الحظ، وتنمية الأموال، بخلاف عقود التبرعات التي يقصد منها الإرفاق والإحسان، وتنتفي عنها الجهالة المؤدية إلى المنازعة. [88] القول الثاني: جواز وقوع الغرر في عقود التبرعات. وهو مذهب المالكية،[89] وقول للحنابلة،[90] اختاره ابن تيمية. [91] ففي التاج والإكليل: "الغرر في الهبة لغير الثواب يجوز". [92] وفي الإنصاف: " وقال الشيخ تقي الدين - رحمه الله -: وتصح هبة المجهول". [93] واستدلوا من الكتاب، والسنة، والمعقول: (1) استدلوا من الكتاب: بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ﴾. [94] ووجه الدلالة: أن الله تعالى امتدح الصدقة على ذي القربى، وأطلقها؛ فجازت مع الجهالة.[95] (2) واستدلوا من السنة: بما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يهبه كُبّة من شعر[96] أخذها من الغنائم، فقال صلى الله عليه وسلم: "أما ما كان لي، ولبني عبد المطلب فهو لك".[97] ووجه الدلالة:أن النبي صلى الله عليه وسلم وهب للرجل نصيبه ونصيب بني عبد المطلب، وهو مقدار مشاع مجهول؛ فدلّ ذلك على صحة هبة المجهول، وجواز الغرر في عقود التبرعات.[98] ونوقش: أن نصيب النبي صلى الله عليه وسلم من الغنائم خمس الخمـس، ونصـيب بني عبد المطلب كذلك، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم وهب للرجل خمسي خمس الكبة، وهو نصيب مشاع معلوم. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |