علم النحو والدفاع عن فصاحة القرآن - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         انشودة يا أهل غزة كبروا لفريق الوعد (اخر مشاركة : أبـو آيـــه - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858946 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 393312 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215653 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 53 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النحو وأصوله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-09-2022, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي علم النحو والدفاع عن فصاحة القرآن

علم النحو والدفاع عن فصاحة القرآن
أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن





منذ أن أنزل الله تعالى القرآن، وبعث محمدًا صلى الله عليه وسلم، وقامت أمة الإسلام، منذ ذلك الحين، والكفار يحترقون - على اختلاف أنواع كفرهم وعقائدهم النجسة - كمدًا وغيظًا على هذا الدين، فيحاربونه بالسلاح تارة، وبالصد عنه طريق الطعن فيه، وفي كتابه تارة أخرى، وقد وصف الله تعالى في كتابه هذه الحرب المستمرة، وهذا الحسد المستعر أتم الوصف وأبلغه، فقال سبحانه: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾. وقال عز وجل: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾. ويساند هؤلاء الكفرة المشركين طائفة - وللأسف الشديد - من بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، باعوا دينهم وآخرتهم بعرض من الدنيا قليل، هم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم، وسار على منوالهم قذفوه فيها.


فأصبح كتاب الله سبحانه هدفًا لأصحاب القلوب والأقلام النجسة من المستشرقين، ومن بطانتهم وأذيالهم ممن ينتسبون إلى أمة الإسلام، والإسلام منهم بريء.
وقامت حملة شرسة، يقودها مجموعة من المغفلين والحمقى والسفلة، فزعموا - و "زعموا" مطية الكذب - أن في قرآننا العظيم أخطاء لغوية، وأن فيه لحنًا.
ولن أجد كلامًا أصف به هذه الفرية الشنيعة أبلغ من قوله تعالى: ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾.


وما افترى هؤلاء الفجرة مثل هذه الفرية، وما اخترعوا هذه الأكذوبة إلا لما رأوه من انصراف عامة المسلمين - بل أقول: عامة طلاب العلم - عن تعلم قواعد هذه اللغة الكريمة، والاستفاضة في دراستها[1]، التي بتعلمها يمكن درء هذه الفتنة، ودحض هذه الشبهة، وإلقام هؤلاء الزنادقة في أفواههم أحجارًا، تردهم خائبين خاسرين.
ولذلك فأنا لم أذكر هذه الفرية هنا؛ لقوتها، أو لأنها ذات شأن[2]، ولكن ذكرتها من أجل شحذ الهمم لسد هذه الثغرة، وغلق هذا البا، فالهدف من وراء ذكرى لها أن يقوم جيل من طلبة العلم، ويهبوا أعمارهم لله، فيفنوها في تعلم قواعد هذه اللغة الكريمة، حتى إذا ما حاول أحد الأقزام الاقتراب من حياض القرآن وجد أن هناك حراسًا أسدًا ينافحون ويدافعون عن كتابهم دفاع رجال علماء، فيرتد على عقبه خائبًا ذليلًا كسيرًا.
فيا طالب العلم، كيف يطيب لك قرار، ويغمض لك جفن، وكتاب ربك هدف لسهام الحاقدين، ألا تهب للذب عنه، وقد ورد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده، عن أسماء بنت يزيد، وصححه الألباني رحمه الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقًا على الله أن يعتقه من النار".


هذا فيمن يذب ويدافع عن عرض أخيه المسلم، فما بالك بمن نصب نفسه، ووهب عمره للدفاع عن كتاب ربه سبحانه.
ولتعلم - أخي الكريم - أن كل قائم على ثغرة من ثغرات هذا الدين، أنه في عمق المعركة، ويا عار وهزيمة فرد أُتيت الأمة من ثغرة يقوم على حراستها.
فلينطلق كل امرئ حسب طاقته ♦♦♦ يسد ثغرته سرًا وإعلانًا
ولتعلم - أخي طالب العلم - أن أشرف الأعمال قاطبة أن تموت خادمًا لهذا الدين.
فانشد العلياء وادفع مهرها ♦♦♦ طالب الحسناء لا يخشى الثمن
ولتعلم - أخي الكريم، وفقني الله وإياك - أن ما يقوم به هؤلاء الكفرة وأذنابهم ما هو إلا صرير باب، وطنين ذباب، وحيلة عاجز، وحجة عجائز.
وإنا لتقول لهم: ألا خبتم، لو ضربتم الجبل بالزجاج ألف ضربة ما انكسر، ولو سترتم الصبح بكل شيء ما انستر. ومن العجائب، والعجائب جمة، أن تسخر القرعاء بالفرعاء.
والشمس لا تخفى محاسنها ♦♦♦ وإن غطى عليها برقع الأنوار
لكن أنى يرى الشمس خفاش يلاحظها ♦♦♦ والشمس تبهر أبصار الخفافيش

اسمعوا يا معشر الكفرة والملحدين، يا أيها الرعاع، يا زبالة البشر:
هاشم جدنا فإن كنت غضبى ♦♦♦ فاملئي وجهك القيح خدوشًا

موتوا بغيظكم، واخسأوا اعداء الله، فلن تعدوا قدركم، ولا تنسوا أيها الحمقى المغفلون أن قرآننا هو أشرف الكتب، فهو باق، وإن كاد به الكائدون، ومكر به الماكرون، قال الله تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾. وقال سبحانه: ﴿ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾.
لقد ملأ الحقد قلوبهم، والغل صدورهم: حسدًا على نعمة الإسلام، التي أنعم الله بها على المسلمين، وقد قال الشاعر:
يا كعب ما إن ترى من بيت مكرمة ♦♦♦ إلا له من بيوت الشر حسادًا
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ♦♦♦ فهي الشهادة لي بأني كامل
وما أنتم إلا:
كناطع صخرة يومًا ليوهنها ♦♦♦ فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
فانتبهوا:
يا ناطح الجبل العالي ليوهنه ♦♦♦ أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل


وتيقنوا أن قرآننا العظيم سيظل قائمًا ثابتا بإذن الله تعالى[3]، مهما حاول الأوباش أمثالكم الطعن فيه والإيقاع به، وسيبقى طودًا شامخًا وحصنًا منيعًا، لا تصل إليه سهام أعداء الله، بل ستعود هذه السهام إلى صدور أصحابها خاسئة ذليلة، وتلك سنة الله عز وجل: ﴿ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾.


وأخيرًا أقول لكم يا أبناء البغايا والفراش المشترك:
اعلموا أنه لا يضر السحاب نبح الكلاب
أو كلما طن الذباب اروعه
إن الذباب إذا علي كريم

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعًا
أبشر بطول سلامة يا مربع

وماذا يصنع نقيق الضفادع
على شاطئ بحر زاخر خضم

ما يضير البحر أمسى زاخرًا
أن رمى فيه غلام بحجر

وما ضر الورود وما عليها
إذا المزكوم لم يطعم شذاها



فلن يضير القرآن أن يطعن فيه أمثالكم من الكفرة والملاحدة، ومن أذيالكم من أبناء جلدتنا، وقد عرف فصاحته وبلاغته ذوو الفضل والرأي، وإنما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه.
وقد أجاب أهل العلم من النحاة على هذه الشبهة، وردوا عليها ردًا قاطعًا قويًا جعلها عرجاء، بل شلاء، لا تتحرك، بل ميتة لا روح فيها، وكان ردهم عليها على قسمين: رد مجمل. ورد مفصل على كل شبهة على حدة، ونحن في هذه المقدمة لا يتسع المقام إلا لذكر طرف يسير من الرد المجمل، على أن نؤجل ذكر الرد المجمل بأكمله في مقدمتنا على شرح ألفية ابن مالك رحمه الله تعالى، ثم يتوالى الرد المفصل على كل شبهة من شبههم في آيات الكتاب، عند ذكر هذه الآيات، أو ذكر القاعدة التي هي شاهد عليها، وذلك في شروحنا المقبلة على القطر والأزهرية والملحة والشذور والألفية والتسهيل، إن شاء الله تعالى.


ومن الرد المجمل الذي أجاب به أهل العلم على هذه الشبهة:
1– أن محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي أُنزل عليه القرآن كان عربيًا قحا[4]، يتحدث العربية بسليقته وطبيعته، من غير تكلف، فهي لغته التي تربى عليها في صغره، ونشأ متحدثًا بها صلى الله عليه وسلم، فلو كان في القرآن لحن، كما يزعمون - وحاشاه وكلا - لعدله صلى الله عليه وسلم بعربيته الخالصة هذه.
ولذلك لما جاء ابن الراوندي الزنديق الفاجر، وقال لابن الأعرابي إمام اللغة والأدب رحمه الله، هل اللباس؟! يريد الطعن في قوله تعالى: ﴿ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ﴾. الآية، قال له ابن الأعرابي: لا بأس أيها النسناس! هب أن محمدًا صلى الله عليه وسلم ما كان نبيًا، أما كان عربيًا؟.


2– أن العرب مسلمهم وكافرهم قد اتفقوا على أن القرآن الكريم قد بلغ الذروة في البلاغة والفصاحة، وأنه قد سلم من كل لحن، أو خروج عن اللسان العربي الفصيح.
وهذه - أخي الكريم - تأملات في كتاب الله تبارك وتعالى، أردت أن أوضح من ورائها بعض ما ينطوي عليه هذا الكتاب المعجز من روعة البيان، والذي قصدت إليه هو أن أنال رشفة من بحر هذا البيان الإلهي، أمتع بذلك الخاطر والنفس، وأسعد الفكر والخيال، وحسبي وحسب القارئ أن نقف من وراء ذلك وقفة المتأمل الخاشع عند شاطئ هذا اليم العظيم، نمتع البصر، ونرهف السمع لهذا الذي سجد لبيانه البيان، وفي هذا الرد الكافي، والجواب البليغ، على هؤلاء المجرمين من أعداء الدين.


فقد حكى القاسم بن سلام أبو عبيد رحمه الله، أن أعرابيًا سمع رجلًا يقرأ: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ﴾. فما كان من الأعرابي إلا أن سجد، وقال: سجدت لفصاحة هذا الكلام.
وقال أيضًا أبو عبيد: سمع رجل من المشركين رجلًا من المسلمين يقرأ: ﴿ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ﴾ فقال السامع: أشهد أن مخلوقًا لا يقدر على هذا الكلام.


وفي حديث إسلام أبي ذر رضي الله عنه، قال يصف أخاه أنيسًا: والله ما سمعت بأشعر من أخي أنيس، لقد ناقض اثني عشر شاعرًا في الجاهلية، أنا أحدهم، وإنه انطلق إلى مكة، وجاءني. قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر. ثم قال: لقد سمعت ما قال الكهنة، فما هو قولهم، ولقد وضعته على أقراء الشعر[5]، فلم يلتئم، وما يلتئم على لسان أحد بعدى أنه شعر، وإنه لصادق، وإنهم لكاذبون.


وورد في الصحيحين، عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله علهي وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ ﴾. كاد قلبي أن يطير للإسلام.


وحُكي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يومًا نائمًا في المسجد، فإذا هو برجل قائم على رأسه. يتشهد شهادة الحق، فأعلمه أنه من بطارقة الروم، ممن يحسن كلام العرب وغيرهم، وأنه سمع رجلًا من أسرى المسلمين يقرأ آية من القرآن، يقول: فتأملتها، فإذا هي قد جمع الله فيها ما أنزل على عيسى ابن مريم من أحوال الدنيا والآخرة، وهي: قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ ﴾ الآية.


وهذا الوليد بن المغيرة - عدو الإسلام والقرآن، والحق ما شهدت به الأعداء - يقول عن هذا الكتاب المنير لما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم: والله قد لقد سمعت منه كلامًا، ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو، ولا يعلى عليه، وما يقول هذا بشر.


وروى أن عتبة كلم النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من خلاف قومه، فتلا عليه: ﴿ حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ ﴾. إلى قوله: ﴿ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴾. فأمسك عتبة بيده على فيه، وناشده الرحم أن يكف. وفي رواية: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ، وعتبة مصغ، ملق بيديه خلف ظهره، معتمدًا عليهما، حتى انتهى إلى السجدة، فسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وقام عتبة لا يدري بما يراجعه، ورجع إلى أهله، ولم يخرج إلى قومه حتى أتوه، فاعتذر لهم، وقال: والله لقد كلمني بكلام ما سمعت أذناي بمثله قط. فما دريت ما أقول له.


وانظر إلى قوله تعالى في وصف كل من الليل والصبح: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾. ألا تشم رائحة المعنى واضحًا من كل من هاتين الكلمتين "عسعس، وتنفس"؟.


ألا تشعر أن الكلمة تبعث في خيالك صورة المعنى محسوسًا مجسمًا دون حاجة للرجوع إلى قواميس اللغة؟.
وهل في مقدورك أن تصور إقبال الليل، وتمدده في الآفاق المترامية بكلمة أدق وأدل من "عسعس"؟.
وهل تستطيع أن تصور انفلات الضحى من مخبأ الليل وسجنه بكلمة أروع من "تنفس"؟.
فلا ريب - أخي طالب العلم - أن القرآن في فصاحته قد قرع القلوب ببديع نظمه: وفي بلاغته قد أصاب المعاني بصائب سهمه، فهو حجة الله الواضحة، ومحجته اللائحة، ودليله القاهر، وبرهانه الباهر، ما رام معارضته شقي إلا تهافت تهافت الفراش في الشهاب، وذل ذل النقد[6] حول الليوث الغضاب، وقد حُكي عن غير واحد ممن عارضه أنه اعترته روعة وهيبة كفته عن ذلك.
كما حكي عن يحيى بن حكيم الغزال - بتخفيف الزاي، وقد تشدد - وكان بليغ الأندلس في زمانه، أنه قد رام شيئًا من هذا، فنظر في سورة الإخلاص ليحذو على مثالها، وينسج بزعمه على منوالها، فاعترته خشية ورقة، حملته على التوبة والإنابة.
وحكي أيضًا أن ابن المقفع - وكان أفصح أهل وقته - طلب معارضة القرآن، وشرع فيه، فنظم كلامًا، وجعله مفصلًا، وسماه سورًا، فاجتاز يومًا بصبي يقرأ: ﴿ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ﴾. فرجع، ومحا ما عمل، وقال: أشهد أن هذا لا يعارض أبدًا، وما هو من كلام البشر.


3– ومما يجاب به على هؤلاء الملاحدة كذلك على فريتهم تلك: أنه على تقدير هذا اللحن المزعوم: هل من الممكن أن يدع جمهور المسلمين من المهاجرين والأنصار هذا اللحن المدعى والمزعوم دون أن يصححوه؟! وهم الذين لا يخشون في الحق لومة لائم، ولا يقرون على باطل.
بل كانوا رضي الله عنهم أجمعين يتسارعون إلى إنكار أدنى المنكرات، فكيف يقرون اللحن في القرآن، مع أنهم لا كلفة عليهم في إزالته؟! وكيف يظن بهم، وهم الأئمة والقدوة بعد خير الأنام أن يتركوا لحنًا أو خطأ يصلحه من بعدهم، وهم الذين سخرهم الله لحفظ كتابه وتبليغ دينه؟! فلو وجدوا في المصحف لحنًا لما فوضوا إصلاحه إلى غيرهم من بعدهم، مع تحذيرهم من الابتداع، وترغيبهم في الاتباع.
قال الزمخشري رحمه الله: غاب عنه - أي: عن هذا الملحد - أن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام وذب المطاعن عنه من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم، وخرقًا يرفوه من يلحق بهم. اهـ.
وقال السيوطي رحمه الله: كيف يظن بالصحابة أولًا اللحن في الكلام، فضلًا عن القرآن، وهم الفصحاء اللد.
ثم كيف يظن بهم ثانيًا: في القرآن الذي تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم كما أنزل، وحفظوه، وضبطوه، وأتقنوه.
ثم كيف يظن بهم ثالثًا: اجتماعهم كلهم على الخطأ وكتابته.
ثم كيث يظن بهم رابعًا: عدم تنبههم ورجوعهم عنه.
ثم كيف يظن أن القراءة استمرت على مقتضى ذلك الخطأ، وهو مروي بالتواتر خلفًا عن سلف؟!.
هذا مما يستحيل عقلًا وشرعًا وعادة، فالحق أن هذا مما لا يقوله إلا كافر ملحد عدو للإسلام، ولا يصدقه إلا من ألغى عقله. اهـ.


4– دعونا نتساءل هل غابت هذه الأخطاء المزعومة التي اكتشفها ذلك الكافر الجهول الأعجمي عن صناديد قريش العرب الأقحاح[7] أهل اللغة والفصاحة والشعر، مع أنهم كانوا مترقبين لأي خطأ في القرآن مهما كان صغيرًا، حتى يتمهد لهم طريق للطعن فيه، وفي الرسول صلى الله عليه وسلم؟!.


ثم كيف يتصور أن يكون الفصحاء والبلغاء من العرب العرباء كثيرين كثرة رمال الدهناء[8] وحصى البطحاء، ومشهورين بغاية العصبية والحمية الجاهلية، وتهالكهم على المباراة، والمباهاة، والدفاع عن الأحساب، فيتركون الأمر الأسهل الذي هو الإتيان بمقدار أقصر سورة، ويختارون الأشد الأصعب مثل الجلاء وبذل المهج والأرواح، ويبتلون بسبي الذراري ونهب الأموال، ومخالفهم المتحدي لهم يقرعهم إلى مدة عل رءوس الملأ بمثل هذه الآيات: ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾، ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾، ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾.
فلما لم يفعلوا ذلك، وآثروا المقارعة على المعارضة، والمقاتلة على المقاولة، ثبت أن بلاغة القرآن كانت مسلَّمة عندهم، وكانوا عاجزين عن المعارضة.
ألا ترى - أخي الكريم - أن ما يدعيه هذا المسكين من اللحن في القرآن أمر لا ينقضي منه العجب، وأنه لو خوطب به الطفل الصغير، والمجنون الذي لا يعقل للفظاه ولم يقبلاه؛ إذ كيف يكتشف أعجمي غارق في عجمته خطأ لم يكتشفه من اللغة العربية سليقته، وهو يتكلم بها على طبيعته، إن هذا لشيء عجاب، نعوذ بالله من العقول الممسوخة.


ومما يزيد موقف ذلك العنيد المكابر الجهول حرجًا أن هؤلاء الكفار من أهل قريش رغم شدة عداوتهم للإسلام قد صرحوا وأقروا ببلاغة القرآن وأسلوبه المعجز حتى وصفه أحد كبرائهم - وهو الوليد بن المغيرة - وكان من أعلمهم بالشعر والنثر وسجع الكهان، قال: والله لقد سمعت من محمد آنفًا كلامًا، ما هو كلام الإنس، ولا من كلام الجن، والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو وما يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته[9].


ولما نزل قول الله تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾. قال أبو جهل، وكان من أشد الناس عداوة لنبينا صلى الله عليه وسلم: إن رب محمد لفصيح.
بل دع عنك أيها المكابر المعاند الجهول ما حصل للإنس من استعظام أمر القرآن والتعجب من فصاحته وبلاغته، وانظر إلى هؤلاء الجن، فإنهم لما استمعوا القرآن ذهبوا إلى قومهم، وقالوا لهم: ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾.


5– أن النص القرآني قد أجمع جهابذة النحو وأحباره وعلماؤه وأئمته الذين يرجع إليهم عند الاختلاف، ولا يشق لهم غبار، على الاحتجاج به في اللغة والنحو والصرف وعلوم البلاغة في قراءاته كلها المتواترة والثابتة[10].
حتى إنهم قد نصوا على أن القراءات الشاذة - وهي التي لم تنقل بالتواتر - أقوى سندًا، وأصح نقلًا، من كل ما احتج به العلماء من الكلام العربي غير القرآن[11]، وليس ذلك إلا لأن رواة هذه القراءات كانوا عربًا فصحاء، سليمة سلائقهم، تبنى على أقوالهم قواعد العربية[12].
فكان القرآن بجميع قراءاته قد نزل على أفصح لغات العرب وأكثرها ذيوعًا وانتشارًا.
ولذلك قال الفراء رحمه الله: إن القرآن أعرب وأقوى في الحجة من الشعر[13]. اهـ.
وقد كان ابن القيم رحمه الله يعجبه هذا القول جدًا.
وقال أبو حيان رحمه الله إمام اللغة المعروف: لكل قراءة من القراءات السبعة وجه ظاهر حسن في العربية.
وقال المهدوي رحمه الله "شرح الهداية": لم يوجد في القرآن العظيم حرف واحد إلا وله وجه صحيح في العربية، وقد قال الله تعالى: ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾. والقرآن محفوظ من اللحن والزيادة والنقصان. فلذلك ولكل ما مر من الأجوبة التي ذكرناها التي لا يغفل عنها طفل صغير، تجزم بأن ما قاله هؤلاء الملاحدة من الطعن في فصاحة القرآن، وادعاء اللحن فيه، إنما مرجعه إلى أمرين: الجهل بكلام العرب وأساليبهم، وبغض الإسلام ومحاولة تشكيك عوام المسلمين في قرآنهم.


قال الزمخشري رحمه الله: ولا يلتفت إلى من زعم أن في خط القرآن لحنًا، ولم يعرف مذاهب العرب.
وقد ذكر أبو حيان رحمه الله أن الطعن في قراءة من القراءات لا يصدر إلا من غير عارف بالعربية.
هذا وقد نص كثير من أهل العلم أن من طعن في شيء من القرآن، وادعى فيه اللحن، من المسلمين فهو كافر مرتد عن دين الإسلام.
قال أبو بكر الأنباري رحمه الله في الرد على من يزعم وجود لحن في القرآن: وفي قوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾. دلالة على كفر هذا الإنسان؛ لأن الله عز وجل قد حفظ القرآن من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان، وفي هذا الذي قال توطئة الطريق لأهل الإلحاد؛ ليدخلوا في القرآن ما يحلون به عسر الإسلام. أهـ.
وقال أبو حيان رحمه الله: إن الطعن في قراءة متواترة يقرب من الردة، والعياذ بالله. اهـ.


[1] فرأوا أرضًا خصبة لإلقاء سمومهم المنتنة العفنة، وبذر بذور الفتنة، وتشكيك المسلمين في كتابهم العزيز ومما دعا هؤلاء المجرمين كذلك إلى اختراع هذه الفرية، أنهم لما افتضح أمرهم من التحريفات التي امتلأ بها إنجيلهم، أرادوا - خابوا وخسروا - أن يلحقوا القرآن الكريم - الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد - بكتبهم المحرفة، فكانت فريتهم تلك ليست إلا كما ورد المثل: رمتني بدائها وانسلت.
وكقول أبي الأسود الدؤلي:
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ♦♦♦ حسدًا وبغضًا إنه لدميم

[2] فهي كما قال الشاعر:
حجج تهافت كالزجاج تخالها ♦♦♦ حقًا وكل كاسر مكسور

[3] فإن الله تعالى قد تكفل بحفظه: فقال عز وجل: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾.

[4] أي: من صميم العرب وخالصهم.

[5] أي: على طرق الشعر وبحوره، واحدها: قرء. بالفتح.

[6] النقد: صغار الغنم، أو جنس منها، صغير الأرجل. قبيح الشكل، يوجد بالبحرين، واحدته: نقدة. وانظر: المعجم الوسيط (ن ق د).

[7] "قحاح" واحدها: قح. يقال: عربي قح: أي: محض، وهو الذي لم يدخل الأمصار، ولم يختلط بأهلها.
والمراد بالعرب الأقحاح: الذين كانت العربية طبيعة لهم، فلم يتغير لسانهم عن العربية الفصحى: لمخالطة الأعاجم.

[8] الدهناء: الفلاة.

[9] فانظر - أخي الكريم - إلى مقولة هذا الرجل، الذي هو من أشد الناس عداوة للإسلام، وانظر كذلك إلى مقولة ذلك الفيلسوف الفرنسي الكافر الملحد جوزيف آرنست رينان، وهو يتكلم بإنصاف عن القرآن: "تضم مكتبتي آلاف الكتب السياسية والاجتماعية والأدبية وغيرها، والتي لم أقرأها أكثر من مرة واحدة، وما أكثر الكتب التي للزينة فقط، ولكن هناك كتاب واحد تؤنسني قراءته دائمًا، هو كتاب المسلمين "القرآن"، فكلما أحسست بالإجهاد، وأردت أن تفتح لي أبواب المعاني والكمالات طالعت القرآن حيث إنني لا أحس بالتعب أو الملل بمطالعته بكثرة، لو أراد أحد أن يعتقد بكتاب نزل من السماء فإن ذلك الكتاب هو القرآن، لا غير، إذ إن الكتب الأخرى ليست لها خصائص القرآن". اهـ أليست هي بنفسها مقولة الوليد بن المغيرة؟!.
فما الذي جعل الوليد وجوزيف يتفقان على أن القرآن "يعلو، ولا يعلى عليه"؟!
إننا لا نملك أن نقول في هذا المقام لهؤلاء الطاعنين في القرآن ظلمًا وبغيًا وكذبًا وإفكًا وزورًا: ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾.

[10] فكل النحاة متفقون على أن كل ما جاء في القرآن فهو حجة بالغة.

[11] ولذلك فقد أجمع العلماء- كما نقل ذلك السيوطي رحمه الله - على جواز الاحتجاج بالقراءات الشاذة على إثبات قواعد العربية.

[12] فمن أئمة القراء على سبيل المثال: أبو عمرو بن العلاء، وابن عامر، والكسائي، ويعقوب الحضرمي، وهؤلاء أئمة في اللغة والنحو.
قال أبو حيان في أبي عمرو بن العلاء: عربي صريح، وسامع لغة، وإمام في النحو. اهـ
وقال في ابن عامر: رجل عربي لم يكن ليلحن. اهـ

وقال في الكسائي: إمام الكوفيين في علم العربية. اهـ

[13] فإذا كان القرآن هو الذي يحتج به على قواعد اللغة، وكان هو المصدر الرئيس الذي استند عليه واضعو علم النحو لتقرير قواعدهم - فكانت القواعد النحوية هي التي تخضع للقراءات، ولم تكن القراءات هي التي تخضع للقواعد النحوية - وكان هذا كله باتفاق أهل هذا الشأن علماء النحو. فهل يمكن بعد ذلك كله أن نقول: إن في القرآن لحنًا. هذا لا يقوله إلا رجل مخبول مجنون. قد مسه طائف من الشيطان.







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.40 كيلو بايت... تم توفير 1.65 كيلو بايت...بمعدل (2.11%)]