|
|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
البداءة المحرقة والنهاية المشرقة
البداءة المحرقة والنهاية المشرقة عبدالله بن عبده نعمان العواضي "من كانت له بداية محرقة، كانت له نهاية مشرقة"؛ هكذا لُقِّنَّا هذه الحكمة الجميلة صغارًا في مجالس التعلُّم، فشحَذَت الهمة، وأذكت العزيمة، فجزى الله خيرًا من لقَّنَنا. لقد فهمنا من هذه الحكمة العطائيَّة العموم، غير أن الأيامَ كشفت لنا أن العبارة ليست من العام الباقي على عمومه، بل هي من العام المراد به الخصوص؛ فقد عشنا مع أناسٍ عهدناهم على مراكبِ الجدِّ والهمة الباذخة، وصَهَوات أجاويدِ الخيل الكريمة في طِلاب المعالي، ودركِ الأمور الغوالي، حتى إنه حين تُذكَر آفاق العلم كانوا هم نجومَها، ورأينا أناسًا آخرين ظلُّوا يراوحون بين القعود والركوب على مهازيل المراكب، فإذا خطرَت على الألسنة مجالاتُ الكسل والفتور فإنهم فرسانُها، ودار الزمان دورتَه، وترعرعت السِّنون، وشبَّ البنون، فإذا بتلك النار المتَّقِدة تخبو جذوتها، وكان يُرجى لها أن تضيء بنورها الخافقين، ونفاجَأ بشمسٍ تسطع من غير رؤية صباح لها ينبلج من رَحِم الظلام، حتى يَكْبُرَ ويكبر ليملأ الآفاق ضياءً وسَناءً، بل هكذا يولد نور تلك الشمس كبيرًا من غير زمنِ حملٍ، كأنه من مواليد الجنة: حمله ووضعه في ساعة واحدة! فصارت الحال أن غدا بعض الأوَّلين أشياء مطمورة، بعد أن كانوا أعلامًا مشهورة، وأضحى بعضُ الآخرين معارفَ منشورة، بعد أن كانوا نَكِرات مغمورة. لا شكَّ أن العزيمة المُتَّقِدة، والحرص على الهدف المنشود، والجِدَّ في طلبه - طرقٌ سالكة إلى تلك الغايات المرجوَّة، لكن السالكين على طرق الآمال التي يَصْبون إليها قد يَدرون أو لا يدرون أنَّ هناك شيئًا عظيمًا يَكْمُن لهم في الطريق، ينتظر قدومهم إليه، ولكنهم بلا ريب لا يعرفون مَن يصافحُ منهم، ويصطحبُه إلى نيل قصَب السبق! إن ذلك الشيء المكنون هو: توفيق الله تعالى، نعم إنه التوفيق، الذي لا يصحبُ إلا القليلين؛ إذ هو مظهر من مظاهر القضاء والقدر ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَه ﴾ [الأنعام: 124]. إذًا ينبغي لنا أن نُصحِّح نظرتنا إلى البِداءات والنهايات، فلا نحكمَ على المستقبل العلمي - مثلاً - بما نرى من الخطوات الأولى في الطريق؛ حتى لا نندم على حسن الظن الجامح، ولا نتحسَّر على الاحتقار المرسل من غير كابحٍ، فقد وجدنا من زملائنا وطلابنا من عَرَك السنين وعرَكَتْه في الطلب جِدًّا واجتهادًا، ولكن الإخفاق كان ينتظره في الطريق، فارتدَّ على عقبَيْه، وفي مقابلهم رأينا من رضعوا العلم سُنيَّاتٍ ففُطِموا مبكِّرين حينما رُزقوا زاد التوفيق، فأصبحوا قرَّة عيون الصالحين، وغيثًا نافعًا بين المسلمين. فليست العبرة إذًا بالمقدِّمات دائمًا ولكن بالنتائج، وليس القدرُ بطول السنين ولكن ببركتِها، ذلك توفيق الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل التوفيق، وأن يكون لنا هو الرفيق إلى نهاية الطريق. [1] قال رضي الدين الحنبلي (ت 971هـ) في سهم الألحاظ في وهم الألفاظ (ص 21): "ومن ذلك: (البداية) بالياء، خلاف النهاية" على ما في مُغرب المطرزي من أنها عامية، وأن الصواب: البداءة، قال: وهي فعالة، من بدأ، كالقراءة والكلاءة؛ من: قرأ وكلأ".
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |