تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 34 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 794 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 134 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 20 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 36 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 97 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #331  
قديم 12-09-2022, 12:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ الْحِجْرِ
الحلقة (331)
صــ 405 إلى صــ 412



نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم

قوله تعالى : " نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم " سبب نزولها ما روى ابن المبارك بإسناد له عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : طلع علينا رسول الله من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة ، ونحن نضحك ، فقال : " ألا أراكم تضحكون " ثم أدبر ، حتى إذا كان عند الحجر ، رجع إلينا القهقرى ، فقال : " إني لما [ ص: 405 ] خرجت ، جاء جبريل عليه السلام ، فقال : يا محمد ، يقول الله تعالى : لم تقنط عبادي ؟ نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم " . وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو بتحريك ياء " عبادي " وياء " أني أنا " ، وأسكنها الباقون .

قوله تعالى : " ونبئهم عن ضيف إبراهيم " قد شرحنا القصة في (هود :69) وبينا هنالك معنى الضيف والسبب في خوفه منهم ، وذكرنا معنى الوجل في (الأنفال :2) .

قوله تعالى : " بغلام عليم " أي : إنه يبلغ ويعلم .
قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون وأتيناك بالحق وإنا لصادقون فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين

[ ص: 406 ] قوله تعالى : " قال أبشرتموني " أي : بالولد " على أن مسني الكبر " أي : على حالة الكبر والهرم " فبم تبشرون " قرأ أبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : " تبشرون " بفتح النون . وقرأ نافع بكسر النون ، ووافقه ابن كثير في كسرها ، لكنه شددها ، وهذا استفهام تعجب ، كأنه عجب من الولد على كبره . " قالوا بشرناك بالحق " أي : بما قضى الله أنه كائن " فلا تكن من القانطين " يعني الآيسين . " قال ومن يقنط " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة : " ومن يقنط " بفتح النون في جميع القرآن . وقرأ أبو عمرو ، والكسائي : " يقنط " بكسر النون . وكلهم قرؤوا من بعد ما قنطوا [الشورى :28] بفتح النون . وروى خارجة عن أبي عمرو " ومن يقنط " بضم النون . قال الزجاج : يقال : قنط يقنط ، وقنط يقنط ، والقنوط بمعنى اليأس ، ولم يكن إبراهيم قانطا ، ولكنه استبعد وجود الولد . " قال فما خطبكم " أي : ما أمركم ؟ " قالوا إنا أرسلنا " أي : بالعذاب . وقوله : " إلا آل لوط " استثناء ليس من الأول . فأما آل لوط ، فهم أتباعه المؤمنون .

قوله تعالى : " إنا لمنجوهم " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر : " لمنجوهم " مشددة الجيم . وقرأ حمزة ، والكسائي " لمنجوهم " خفيفة .

قوله تعالى : " إلا امرأته " المعنى : إنا لمنجوهم إلا امرأته " قدرنا " وروى أبو بكر عن عاصم " قدرنا " بالتخفيف ، والمعنى واحد ، يقال : قدرت وقدرت ، والمعنى : قضينا " إنها لمن الغابرين " يعني : الباقين في العذاب .

قوله تعالى : " إنكم قوم منكرون " يعني : لا أعرفكم ، " قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون " يعنون : العذاب ، كانوا يشكون في نزوله . " وأتيناك بالحق " أي : بالأمر الذي لا شك فيه من عذاب قومك .

[ ص: 407 ] قوله تعالى : " واتبع أدبارهم " أي : سر خلفهم " وامضوا حيث تؤمرون " أي : حيث يأمركم جبريل .

وفي المكان الذي أمروا بالمضي إليه قولان :

أحدهما : أنه الشام ، قاله ابن عباس . والثاني : قرية من قرى قوم لوط ، قاله ابن السائب .

قوله تعالى : " وقضينا إليه ذلك الأمر " أي : أوحينا إليه ذلك الأمر ، أي : الأمر بهلاك قومه . قال الزجاج : فسر : ما الأمر بباقي الآية ، والمعنى : وقضينا إليه أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين . فأما الدابر ، فقد سبق تفسيره [الأنعام :45] ، والمعنى : إن آخر من يبقى منكم يهلك وقت الصبح .
وجاء أهل المدينة يستبشرون قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون قالوا أولم ننهك عن العالمين قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين

قوله تعالى : " وجاء أهل المدينة " وهم قوم لوط ، واسمها سدوم ، " يستبشرون " بأضياف لوط ، طمعا في ركوب الفاحشة ، فقال لهم لوط : " إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون " أي : بقصدكم إياهم بالسوء ، يقال : فضحه يفضحه : إذا أبان من أمره ما يلزمه به العار . وقد أثبت يعقوب ياء " تفضحون " ، " ولا تخزون " في الوصل والوقف .

قوله تعالى : " أولم ننهك عن العالمين " أي : عن ضيافة العالمين .

قوله تعالى : " بناتي إن كنتم " حرك ياء " بناتي " نافع ، وأبو جعفر .
[ ص: 408 ] لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون فأخذتهم الصيحة مشرقين فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم إن في ذلك لآية للمؤمنين

قوله تعالى : " لعمرك " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أن معناه : وحياتك يا محمد ، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس .

والثاني : لعيشك ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال الأخفش ، وهو يرجع إلى معنى الأول .

والثالث : أن معناه : وحقك على أمتك ، تقول العرب : لعمر الله لا أقوم ، يعنون : وحق الله ، ذكره ابن الأنباري . قال : وفي العمر ثلاث لغات : عمر وعمر وعمر وهو عند العرب : البقاء . وحكى الزجاج أن الخليل وسيبويه وجميع أهل اللغة قالوا : العمر والعمر في معنى واحد ، فإذا استعمل في القسم ، فتح لا غير ، وإنما آثروا الفتح في القسم ، لأن الفتح أخف عليهم ، وهم يؤكدون القسم بـ " لعمري " و " لعمرك " ، فلما كثر استعمالهم إياه ، لزموا الأخف عليهم ، قال : وقال النحويون : ارتفع " لعمرك " بالابتداء ، والخبر محذوف ، والمعنى : لعمرك قسمي ، ولعمرك ما أقسم به ، وحذف الخبر ، لأن في الكلام دليلا عليه . المعنى : أقسم " إنهم لفي سكرتهم يعمهون " .

وفي المراد بهذه السكرة قولان :

أحدهما : أنها بمعنى الضلالة ، قاله قتادة .

والثاني : بمعنى الغفلة ، قاله الأعمش . وقد شرحنا معنى العمه في سورة [ ص: 409 ] (البقرة :15) . وفي المشار إليهم بهذا قولان : أحدهما أنهم قوم لوط ، قاله الأكثرون . والثاني : قوم نبينا صلى الله عليه وسلم ، قاله عطاء .

قوله تعالى : " فأخذتهم الصيحة " يعني : صيحة العذاب ، وهي صيحة جبريل عليه السلام . " مشرقين " قال الزجاج : يقال : أشرقنا ، فنحن مشرقون : إذا صادفوا شروق الشمس ، وهو طلوعها ، كما يقال : أصبحنا : إذا صادفوا الصبح ، يقال : شرقت الشمس : إذا طلعت ، وأشرقت : إذا أضاءت وصفت ، هذا أكثر اللغة . وقد قيل : شرقت وأشرقت في معنى واحد ، إلا أن " مشرقين " في معنى مصادفين لطلوع الشمس .

قوله تعالى : " فجعلنا عاليها سافلها " قد فسرنا الآية في سورة (هود :82) .

وفي المتوسمين أربعة أقوال :

أحدها : أنهم المتفرسون ، روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله " ثم قرأ " إن في ذلك لآيات للمتوسمين " قال : المتفرسين ، وبهذا قال مجاهد ، وابن قتيبة . قال ابن قتيبة : يقال : توسمت في فلان الخير ، أي : تبينته . وقال الزجاج : المتوسمون ، في اللغة : النظار المتثبتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة سمة الشيء ، يقال : [ ص: 410 ] توسمت في فلان كذا ، أي : عرفت وسم ذلك فيه . وقال غيره : المتوسم : الناظر في السمة الدالة على الشيء . والثاني : المعتبرون ، قاله قتادة . والثالث : الناظرون ، قاله الضحاك . والرابع : المتفكرون ، قاله ابن زيد ، والفراء .

قوله تعالى : " وإنها " يعني : قرية قوم لوط " لبسبيل مقيم " فيه قولان :

أحدهما : لبطريق واضح ، رواه نهشل عن الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، والزجاج . وقال ابن زيد : لبطريق متبين .

والثاني : لبهلاك . رواه أبو روق عن الضحاك عن ابن عباس ، والمعنى : إنها بحال هلاكها لم تعمر حتى الآن ، فالاعتبار بها ممكن ، وهي على طريق قريش إذا سافروا إلى الشام .
وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين

قوله تعالى : " وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين " قال الزجاج : معنى " إن " واللام : التوكيد ، والأيك : الشجر الملتف ، فالفصل بين واحده وجمعه الهاء ، فالمعنى : أصحاب الشجرة . قال المفسرون : هم قوم شعيب ، كان مكانهم ذا شجر ، فكذبوا شعيبا فأهلكوا بالحر كما بينا في سورة (هود :87) .

قوله تعالى : " وإنهما " في المكنى عنهما قولان : أحدهما : أنهما الأيكة ومدينة قوم لوط ، قاله الأكثرون . والثاني : لوط وشعيب ، ذكره ابن الأنباري .

وفي قوله : " لبإمام مبين " قولان :

أحدهما : لبطريق ظاهر ، قاله ابن عباس . قال ابن قتيبة : وقيل للطريق : إمام ، لأن المسافر يأتم به حتى يصير إلى الموضع الذي يريده .

[ ص: 411 ] والثاني : لفي كتاب مستبين ، قاله السدي . قال ابن الأنباري : " وإنهما " يعني : لوطا وشعيبا بطريق من الحق يؤتم به .
ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين

قوله تعالى : " ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين " يعني بهم ثمود . قال ابن عباس : كانت منازلهم بالحجر بين المدينة والشام .

وفي الحجر قولان : أحدهما : أنه اسم الوادي الذي كانوا به ، قاله قتادة ، والزجاج . والثاني : اسم مدينتهم ، قاله الزهري ، ومقاتل .

قال المفسرون : والمراد بالمرسلين : صالح وحده ، لأن من كذب نبيا فقد كذب الكل .

والمراد بالآيات : الناقة ، قال ابن عباس : كان فيها آيات : خروجها من الصخرة ، ودنو نتاجها عند خروجها ، وعظم خلقها فلم تشبهها ناقة ، وكثرة لبنها حتى كان يكفيهم جميعا ، " فكانوا عنها معرضين " لم يتفكروا فيها ولم يستدلوا بها .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #332  
قديم 12-09-2022, 12:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ الْحِجْرِ
الحلقة (332)
صــ 413 إلى صــ 420



وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين فأخذتهم الصيحة مصبحين فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل إن ربك هو الخلاق العليم

قوله تعالى : " وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا " قد شرحناه في (الأعراف :74) .

وفي قوله : " آمنين " ثلاثة أقوال :

[ ص: 412 ] أحدها : آمنين أن تقع عليهم . والثاني : آمنين من خرابها . والثالث : من عذاب الله عز وجل .

وفي قوله تعالى : " ما كانوا يكسبون " قولان : أحدهما : ما كانوا يعملون من نحت الجبال . والثاني : ما كانوا يكسبون من الأموال والأنعام .

قوله تعالى : " إلا بالحق " أي : للحق ولإظهار الحق ، وهو ثواب المصدق وعقاب المكذب . " وإن الساعة لآتية " أي : وإن القيامة لتأتي ، فيجازى المشركون بأعمالهم ، " فاصفح الصفح الجميل " عنهم ، وهو الإعراض الخالي من جزع وفحش . قال المفسرون : وهذا منسوخ بآية السيف .

فأما " الخلاق " فهو خالق كل شيء . و " العليم " قد سبق شرحه [البقرة :29] .
ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين وقل إني أنا النذير المبين

قوله تعالى : " ولقد آتيناك سبعا من المثاني " سبب نزولها أن سبع قوافل وافت من بصرى وأذرعات ليهود قريظة والنضير في يوم واحد ، فيها أنواع من البز والطيب والجواهر ، فقال المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها وأنفقناها في سبيل الله ، فأنزل الله هذه الآية ، وقال : أعطيتكم سبع آيات هي خير لكم من هذه السبع القوافل ، ويدل على صحة هذا قوله : " لا تمدن عينيك . . . " الآية ، قاله الحسين بن الفضل .

[ ص: 413 ] وفي المراد بالسبع المثاني أربعة أقوال :

أحدها : أنها فاتحة الكتاب ، قاله عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وابن مسعود في رواية ، وابن عباس في رواية الأكثرين عنه ، وأبو هريرة ، والحسن ، وسعيد بن جبير في رواية ، ومجاهد في رواية ، وعطاء ، وقتادة في آخرين . فعلى هذا ، إنما سميت بالسبع ، لأنها سبع آيات .

وفي تسميتها بالمثاني سبعة أقوال : أحدها : لأن الله استثناها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم فلم يعطها أمة قبلهم ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . والثاني : لأنها تثنى في كل ركعة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . قال ابن الأنباري : والمعنى : آتيناك السبع الآيات التي تثنى في كل ركعة ، وإنما دخلت " من " للتوكيد ، كقوله : ولهم فيها من كل الثمرات [محمد :15] . وقال ابن قتيبة : سمي " الحمد " مثاني ، لأنها تثنى في كل صلاة . والثالث : لأنها ما أثني به على الله تعالى ، لأن فيها حمد الله وتوحيده وذكر مملكته ، ذكره الزجاج . والرابع : لأن فيها " الرحمن الرحيم " مرتين ، ذكره أبو سليمان الدمشقي عن بعض اللغويين ، وهذا على قول من يرى التسمية منها . والخامس : لأنها مقسومة بين الله تعالى وبين عبده ، ويدل عليه حديث أبي هريرة " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي " . والسادس : [ ص: 414 ] لأنها نزلت مرتين ، ذكره الحسين بن الفضل . والسابع : لأن كلماتها مثناة ، مثل : الرحمن الرحيم ، إياك إياك ، الصراط صراط ، عليهم عليهم ، غير غير ، ذكره بعض المفسرين . ومن أعظم فضائلها أن الله تعالى جعلها في حيز ، والقرآن كله في حيز ، وامتن عليه بها كما امتن عليه بالقرآن كله .

والقول الثاني : أنها السبع الطول ، قاله ابن مسعود في رواية ، وابن عباس في رواية ، وسعيد بن جبير في رواية ، ومجاهد في رواية ، والضحاك . فالسبع الطول هي : (البقرة) ، و (آل عمران) ، و (النساء) ، و (المائدة) ، و (الأنعام) ، و (الأعراف) ، وفي السابعة ثلاثة أقوال : أحدها : أنها (يونس) قاله سعيد بن جبير . والثاني : (براءة) قاله أبو مالك . والثالث : (الأنفال) و (براءة) جميعا ، رواه سفيان عن مسعر عن بعض أهل العلم . قال ابن قتيبة : وكانوا يرون (الأنفال) و (براءة) سورة واحدة ، ولذلك لم يفصلوا بينهما ، قال شيخنا أبو منصور اللغوي : هي الطول ، ولا تقلها بالكسر ، فعلى هذا ، في تسميتها بالمثاني قولان : أحدهما لأن الحدود والفرائض والأمثال ثنيت فيها ، قاله ابن عباس . والثاني : لأنها تجاوز المائة الأولى إلى المائة الثانية ، ذكره الماوردي .

والقول الثالث : أن السبع المثاني سبع معان أنزلت في القرآن : أمر ، ونهي ، وبشارة ، وإنذار ، وضرب الأمثال ، وتعداد النعم ، وأخبار الأمم ، قاله زياد بن أبي مريم .

والقول الرابع : أن المثاني : القرآن كله ، قاله طاووس ، والضحاك ، وأبو مالك ، فعلى هذا ، في تسمية القرآن بالمثاني أربعة أقوال :

[ ص: 415 ] أحدها : لأن بعض الآيات يتلو بعضا ، فتثنى الآخرة على الأولى ، ولها مقاطع تفصل الآية بعد الآية حتى تنقضي السورة ، قاله أبو عبيدة .

والثاني : أنه سمي بالمثاني لما يتردد فيه من الثناء على الله عز وجل .

والثالث : لما يتردد فيه من ذكر الجنة ، والنار ، والثواب ، والعقاب .

والرابع : لأن الأقاصيص ، والأخبار ، والمواعظ ، والآداب ، ثنيت فيه ، ذكرهن ابن الأنباري . وقال ابن قتيبة : قد يكون المثاني سور القرآن كله ، قصارها وطوالها ، وإنما سمي مثاني ، لأن الأنباء والقصص تثنى فيه ، فعلى هذا القول ، المراد بالسبع : سبعة أسباع القرآن ، ويكون في الكلام إضمار ، تقديره : وهي القرآن العظيم .

فأما قوله : " من المثاني " ففي " من " قولان :

أحدهما : أنها للتبعيض ، فيكون المعنى : آتيناك سبعا من جملة الآيات التي يثنى بها على الله تعالى ، وآتيناك القرآن .

والثاني : أنها للصفة ، فيكون السبع هي المثاني ، ومنه قوله : فاجتنبوا الرجس من الأوثان [الحج :30] لا أن بعضها رجس ، ذكر الوجهين الزجاج ، وقد ذكرنا عن ابن الأنباري قريبا من هذا المعنى .

قوله تعالى : " والقرآن العظيم " يعني : العظيم القدر ، لأنه كلام الله تعالى ، ووحيه .

وفي المراد به هاهنا قولان :

أحدهما : أنه جميع القرآن . قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك .

والثاني : أنه الفاتحة ، أيضا ، قاله أبو هريرة ، وقد روينا فيه حديثا في أول [ ص: 416 ] تفسير (الفاتحة) . قال ابن الأنباري : فعلى القول الأول ، يكون قد نسق الكل على البعض ، كما يقول العربي : رأيت جدار الدار والدار ، وإنما يصلح هذا ، لأن الزيادة التي في الثاني من كثرة العدد أشبه بها ما يغاير الأول ، فجوز ذلك عطفه عليه . وعلى القول الثاني ، نسق الشيء على نفسه لما زيد عليه معنى المدح والثناء ، كما قالوا : روي ذلك عن عمر ، وابن الخطاب . يريدون بابن الخطاب : الفاضل العالم الرفيع المنزلة ، فلما دخلته زيادة ، أشبه ما يغاير الأول ; فعطف عليه .

ولما ذكر الله تعالى منته عليه بالقرآن ; نهاه عن النظر إلى الدنيا ليستغني بما آتاه من القرآن عن الدنيا ، فقال : " لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم " أي : أصنافا من اليهود والمشركين ، والمعنى : أنه نهاه عن الرغبة في الدنيا .

وفي قوله : " ولا تحزن عليهم " قولان :

أحدهما : لا تحزن عليهم إن لم يؤمنوا . والثاني : لا تحزن بما أنعمت عليهم في الدنيا .

قوله تعالى : " واخفض جناحك للمؤمنين " أي : ألن جانبك لهم . وخفض الجناح : عبارة عن السكون وترك التصعب والإباء . قال ابن عباس : ارفق بهم ولا تغلظ عليهم .

قوله تعالى : " وقل إني أنا النذير المبين " حرك ياء " إني " ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع . وذكر بعض المفسرين أن معناها منسوخ بآية السيف .
كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون

قوله تعالى : " كما أنزلنا على المقتسمين " في هذه الكاف قولان :

[ ص: 417 ] أحدهما : أنها متعلقة بقوله : " ولقد آتيناك سبعا من المثاني " . ثم في معنى الكلام قولان : أحدهما : أن المعنى : ولقد آتيناك سبعا من المثاني ، كما أنزلنا الكتب على المقتسمين ، قاله مقاتل . والثاني : أن المعنى : ولقد شرفناك وكرمناك بالسبع المثاني ، كما شرفناك وأكرمناك بالذي أنزلناه على المقتسمين من العذاب ، والكاف بمعنى " مثل " ، و " ما " بمعنى " الذي " ذكره ابن الأنباري .

والثاني : أنها متعلقة بقوله : " إني أنا النذير " والمعنى : إني أنا النذير ، أنذرتكم مثل الذي أنزل على المقتسمين من العذاب ، وهذا معنى قول الفراء . فخرج في معنى " أنزلنا " قولان : أحدهما : أنزلنا الكتب ، على قول مقاتل . والثاني : العذاب ، على قول الفراء .

وفي " المقتسمين " ثلاثة أقوال :

أحدها : أنهم اليهود والنصارى ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، ومجاهد . فعلى هذا ، في تسميتهم بالمقتسمين ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم آمنوا ببعض القرآن ، وكفروا ببعضه ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . والثاني : أنهم اقتسموا القرآن ، فقال بعضهم : هذه السورة لي ، وقال آخر : هذه السورة لي ، استهزاء به ، قاله عكرمة . والثالث : أنهم اقتسموا كتبهم ، فآمن بعضهم ببعضها وكفر ببعضها ، وآمن آخرون بما كفر به غيرهم ، قاله مجاهد .

والثاني : أنهم مشركو قريش ، قاله قتادة ، وابن السائب . فعلى هذا ، في تسميتهم بالمقتسمين قولان : أحدهما : أن أقوالهم تقسمت في القرآن ، فقال بعضهم : إنه سحر ، وزعم بعضهم أنه كهانة ، وزعم بعضهم أنه أساطير الأولين ، منهم الأسود بن عبد يغوث ، والوليد بن المغيرة ، وعدي بن قيس السهمي ، والعاص [ ص: 418 ] بن وائل ، قاله قتادة . والثاني : أنهم اقتسموا على عقاب مكة ، قال ابن السائب : هم رهط من أهل مكة اقتسموا على عقاب مكة حين حضر الموسم ، قال لهم الوليد ابن المغيرة : انطلقوا فتفرقوا على عقاب مكة حيث يمر بكم أهل الموسم ، فإذا سألوكم عنه ، يعني : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليقل بعضكم : كاهن ، وبعضكم : ساحر ، وبعضكم : شاعر ، وبعضكم : غاو ، فإذا انتهوا إلي صدقتكم ، ومنهم حنظلة بن أبي سفيان ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن المغيرة ، وأبو جهل ، والعاص بن هشام ، وأبو قيس بن الوليد ، وقيس بن الفاكه ، وزهير بن أبي أمية ، وهلال بن عبد الأسود ، والسائب بن صيفي ، والنضر بن الحارث ، وأبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الحجاج ، وأمية بن خلف ، وأوس بن المغيرة .

والثالث : أنهم قوم صالح الذين تقاسموا بالله : لنبيتنه وأهله [النمل :49] ، فكفاه الله شرهم ، قاله عبد الرحمن بن زيد . فعلى هذا ، هو من القسم ، لا من القسمة .

قوله تعالى : " الذين جعلوا القرآن عضين " في المراد بالقرآن قولان :

أحدهما : أنه كتابنا ، وهو الأظهر ، وعليه الجمهور . والثاني : أن المراد به : كتب المتقدمين قبلنا .

وفي " عضين " قولان :

أحدهما : أنه مأخوذ من الأعضاء . قال الكسائي ، وأبو عبيدة : اقتسموا بالقرآن وجعلوه أعضاء . ثم في ما فعلوا فيه قولان .

أحدهما : أنهم عضوه أعضاء ، فآمنوا ببعضه ، وكفروا ببعضه ، والمعضي : المفرق . والتعضية : تجزئة الذبيحة أعضاء . قال علي عليه السلام : لا تعضية في ميراث ، أراد : تفريق ما يوجب تفريقه ضررا على الورثة كالسيف ونحوه . وقال رؤبة :

[ ص: 419 ] وليس دين الله بالمعضى

وهذا المعنى في رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس .

والثاني : أنهم عضوا القول فيه ، أي : فرقوا ، فقالوا : شعر ، وقالوا : سحر ، وقالوا : كهانة ، وقالوا : أساطير الأولين ، وهذا المعنى في رواية ابن جريج عن مجاهد ، وبه قال قتادة ، وابن زيد .

والثاني : أنه مأخوذ من العضه . والعضه ، بلسان قريش : السحر ، ويقولون للساحرة : عاضهة . وفي الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن العاضهة والمستعضهة ، فيكون المعنى : جعلوه سحرا ، وهذا المعنى في رواية عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة ، والفراء .

قوله تعالى : " فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون " هذا سؤال توبيخ ، يسألون عما عملوا في ما أمروا به من التوحيد والإيمان ، فيقال لهم : لم عصيتم وتركتم الإيمان ؟ فتظهر فضيحتهم عند تعذر الجواب . قال أبو العالية : يسأل العباد كلهم يوم القيامة عن خلتين : عما كانوا يعبدون ، وعما أجابوا المرسلين .

فإن قيل : كيف الجمع بين هذه الآية ، وبين قوله : فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان [الرحمن :39] ؟ فعنه جوابان :

[ ص: 420 ] أحدهما : أنه لا يسألهم : هل عملتم كذا ؟ لأنه أعلم ، وإنما يقول : لم عملتم كذا ؟ رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثاني : أنهم يسألون في بعض مواطن القيامة ، ولا يسألون في بعضها ، رواه عكرمة عن ابن عباس .
فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين

قوله تعالى : " فاصدع بما تؤمر " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : فامض لما تؤمر ، قاله ابن عباس .

والثاني : أظهر أمرك ، رواه ليث عن مجاهد . قال ابن قتيبة : " فاصدع بما تؤمر " أي : أظهر ذلك . وأصله : الفرق والفتح ، يريد : اصدع الباطل بحقك . وقال الزجاج : اظهر بما تؤمر به ، أخذ ذلك من الصديع ، وهو الصبح ، قال الشاعر :


كأن بياض غرته صديع


وقال الفراء : إنما لم يقل : بما تؤمر به ، لأنه أراد : فاصدع بالأمر . وذكر ابن الأنباري أن " به " مضمرة ، كما تقول : مررت بالذي مررت .

والثالث : أن المراد به : الجهر بالقرآن في الصلاة ، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد . قال موسى بن عبيدة : ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزلت هذه الآية ، فخرج هو وأصحابه .

وفي قوله : " وأعرض عن المشركين " ثلاثة أقوال :

أحدها : اكفف عن حربهم .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #333  
قديم 12-09-2022, 12:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (333)
صــ 421 إلى صــ 428



[ ص: 421 ] والثاني : لا تبال بهم ، ولا تلتفت إلى لومهم على إظهار أمرك .

والثالث : أعرض عن الاهتمام باستهزائهم . وأكثر المفسرين على أن هذا القدر من الآية منسوخ بآية السيف .
إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين

قوله تعالى : " إنا كفيناك المستهزئين " المعنى : فاصدع بأمري كما كفيتك المستهزئين ، وهم قوم كانوا يستهزئون به وبالقرآن . وفي عددهم قولان :

أحدهما : أنهم كانوا خمسة : الوليد بن المغيرة ، وأبو زمعة ، والأسود بن عبد يغوث ، والعاص بن وائل ، والحارث بن قيس ، قاله ابن عباس . واسم أبي زمعة : الأسود بن المطلب . وكذلك ذكرهم سعيد بن جبير ، إلا أنه قال مكان الحارث بن قيس : الحارث بن غيطلة ، قال الزهري : غيطلة أمه ، وقيس أبوه ، فهو واحد . وإنما ذكرت ذلك ، لئلا يظن أنه غيره . وقد ذكرت في كتاب " التلقيح " من ينسب إلى أمه من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، وسميت آباءهم ليعرفوا إلى أي الأبوين نسبوا . وفي رواية عن ابن عباس مكان الحارث بن قيس : عدي بن قيس .

والثاني : أنهم كانوا سبعة ، قاله الشعبي ، وابن أبي بزة ، وعدهم ابن أبي بزة ، فقال : العاص بن وائل ، والوليد بن المغيرة ، والحارث بن عدي ، والأسود بن المطلب ، والأسود بن عبد يغوث ، وأصرم وبعكك ابنا عبد الحارث بن السباق . [ ص: 422 ] وكذلك عدهم مقاتل ، إلا أنه قال مكان الحارث بن عدي : الحارث بن قيس السهمي ، وقال : أصرم وبعكك ابنا الحجاج بن السباق .

ذكر ما أهلكهم الله به وكفى رسوله صلى الله عليه وسلم أمرهم

قال المفسرون : أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمستهزئون يطوفون بالبيت ، فمر الوليد بن المغيرة ، فقال جبريل : يا محمد ، كيف تجد هذا ؟ فقال : " بئس عبد الله " ، قال : قد كفيت ، وأومأ إلى ساق الوليد ، فمر الوليد برجل يريش نبلا له ، فتعلقت شظية من نبل بإزاره ، فمنعه الكبر أن يطامن لينزعها ، وجعلت تضرب ساقه ، فمرض ومات . وقيل : تعلق سهم بثوبه فأصاب أكحله فقطعه ، فمات . ومر العاص بن وائل ، فقال جبريل : كيف تجد هذا يا محمد ؟ فقال : " بئس عبد الله " فأشار إلى أخمص رجله ، وقال : قد كفيت ، فدخلت شوكة في أخمصه ، فانتفخت رجله ومات . ومر الأسود بن المطلب ، فقال : كيف تجد هذا ؟ قال : " عبد سوء " فأشار بيده إلى عينيه ، فعمي وهلك . وقيل : جعل ينطح برأسه الشجر ويضرب وجهه بالشوك ، فاستغاث بغلامه ، فقال : لا أرى أحدا يصنع بك هذا غير نفسك ، فمات وهو يقول : قتلني رب محمد . ومر الأسود بن عبد يغوث ، فقال جبريل : كيف تجد هذا ؟ فقال : " بئس عبد الله " ، فقال : قد كفيت ، وأشار إلى بطنه ، فسقى بطنه ، فمات . وقيل : أصاب عينه شوك ، فسالت حدقتاه . وقيل : خرج عن أهله فأصابه السموم ، فاسود حتى عاد حبشيا ، فلما أتى أهله لم يعرفوه ، فأغلقوا دونه الأبواب حتى مات . [ ص: 423 ] ومر به الحارث بن قيس ، فقال : كيف تجد هذا ؟ قال : " عبد سوء " فأومأ إلى رأسه ، وقال : قد كفيت ، فانتفخ رأسه فمات ، وقيل : أصابه العطش ، فلم يزل يشرب الماء حتى انقد بطنه . وأما أصرم وبعكك ، فقال مقاتل : أخذت أحدهما الدبيلة والآخر ذات الجنب ، فماتا جميعا . قال عكرمة : هلك المستهزئون قبل بدر . وقال ابن السائب : أهلكوا جميعا في يوم وليلة .

قوله تعالى : " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون " فيه قولان :

أحدهما : أنه التكذيب . والثاني : الاستهزاء .

قوله تعالى : " فسبح بحمد ربك " فيه قولان :

أحدهما : قل : سبحان الله وبحمده ، قاله الضحاك . والثاني : فصل بأمر ربك ، قاله مقاتل .

وفي قوله : " وكن من الساجدين " قولان :

أحدهما : من المصلين . والثاني : من المتواضعين ، رويا عن ابن عباس .

قوله تعالى : " حتى يأتيك اليقين " فيه قولان :

أحدهما : أنه الموت ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والجمهور . وسمي يقينا ، لأنه موقن به . وقال الزجاج : معنى الآية : اعبد ربك أبدا ، ولو قيل : اعبد ربك ، بغير توقيت ، لجاز إذا عبد الإنسان مرة أن يكون مطيعا ، فلما قال : " حتى يأتيك اليقين " أمر بالإقامة على العبادة ما دام حيا .

[ ص: 424 ] والثاني : أنه الحق الذي لا ريب فيه من نصرك على أعدائك ، حكاه الماوردي .
سُورَةُ النَّحْلِ

فَصْلٌ فِي نُزُولِهَا


رَوَى مُجَاهِدٌ ، وَعَطِيَّةُ ، وَابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ ، وَعِكْرِمَةَ ، وَعَطَاءٌ : أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ [كُلُّهَا] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ : إِنَّهُ نَزَلَ مِنْهَا بَعْدَ قَتْلِ حَمْزَةَ : وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ [النَّحْلِ :126] ، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ : هِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ نَزَلْنَ بِالْمَدِينَةِ ، وَهِيَ قَوْلُهُ : " وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا " إِلَى قَوْلِهِ : " يَعْمَلُونَ " [النَّحْلِ :95،97] . وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : كُلُّهَا مَكِّيَّةٌ إِلَّا قَوْلَهُ : " وَإِنْ عَاقَبْتُمْ . . . . " إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ [النَّحْلِ :126- 128] . وَقَالَ قَتَادَةُ : هِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا خَمْسَ آيَاتٍ : " وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا . . . . " الْآيَتَيْنِ [النَّحْلِ :95،96] ، وَمِنْ قَوْلِهِ : " وَإِنْ عَاقَبْتُمْ . . . " إِلَى آخِرِهَا [النَّحْلِ :126] . وَقَالَ ابْنُ السَّائِبِ : هِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا خَمْسَ آيَاتٍ : " وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا . . . " الْآيَةُ [النَّحْلِ :41] ، وَقَوْلُهُ : " ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا . . . . " الْآيَةُ [النَّحْلِ :110] وَقَوْلُهُ : " وَإِنْ عَاقَبْتُمْ . . . . " إِلَى آخِرِهَا [النَّحْلِ :126] . وَقَالَ مُقَاتِلٌ : مَكِّيَّةٌ إِلَّا سَبْعَ آيَاتٍ ، قَوْلُهُ : " ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا . . . " الْآيَةُ [النَّحْلِ :110] ، وَقَوْلُهُ : " مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مَنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ . . . . " الْآيَةُ [النَّحْلِ :106] ، وَقَوْلُهُ : " وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ . . . " الْآيَةُ [النَّحْلِ :41] ، وَقَوْلُهُ : " وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً . . . . " الْآيَةُ [النَّحْلِ :112] ، وَقَوْلُهُ : [ ص: 426 ] " وَإِنْ عَاقَبْتُمْ " إِلَى آخِرِهَا [النَّحْلِ :126] . قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ : أُنْزِلَ مِنْ أَوَّلِ النَّحْلِ أَرْبَعُونَ آيَةً بِمَكَّةَ وَبَقِيَّتُهَا بِالْمَدِينَةِ . وَرَوَى حَمَّادٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : كَانَ يُقَالُ لِلنَّحْلِ : سُورَةُ النِّعَمِ ; يُرِيدُ لِكَثْرَةِ تَعْدَادِ النِّعَمِ فِيهَا .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مِنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ

قَوْلُهُ تَعَالَى : " أَتَى أَمْرُ اللَّهِ " قَرَأَ حَمْزَةُ ، وَالْكِسَائِيُّ بِالْإِمَالَةِ .

سَبَبُ نُزُولِهَا : أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ [الْقَمَرِ :1] ، فَقَالَ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ ، فَأَمْسِكُوا عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ حَتَّى نَنْظُرَ ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ شَيْءٌ ; قَالُوا : مَا نَرَى شَيْئًا ! فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ [الْأَنْبِيَاءِ :1] فَأَشْفَقُوا ، وَانْتَظَرُوا قُرْبَ السَّاعَةِ ، فَلَمَّا امْتَدَّتِ الْأَيَّامُ قَالُوا : يَا مُحَمَّدُ مَا نَرَى شَيْئًا مِمَّا تُخَوِّفُنَا بِهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : " أَتَى أَمْرُ اللَّهِ " فَوَثَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَفَعَ النَّاسُ رُؤُوسَهُمْ ، فَنَزَلَ : " فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ " فَاطْمَأَنُّوا ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ .

[ ص: 427 ] وَفِي قَوْلِهِ : " أَتَى " ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : أَتَى بِمَعْنَى : يَأْتِي ، كَمَا يُقَالُ أَتَاكَ الْخَيْرُ فَأَبْشِرْ، أَيْ : سَيَأْتِيكَ ، قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ ، وَشَاهِدُهُ : وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ [الْأَعْرَافِ :44] ، وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى [الْمَائِدَةِ :116] وَنَحْوُ ذَلِكَ .

وَالثَّانِي : أَتَى بِمَعْنَى : قَرُبَ ، قَالَ الزَّجَّاجُ : أَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ فِي قُرْبِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا قَدْ أَتَى .

وَالثَّالِثُ : أَنْ " أَتَى " لِلْمَاضِي ، وَالْمَعْنَى : أَتَى بَعْضُ عَذَابِ اللَّهِ ، وَهُوَ : الْجَدْبُ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ ، وَالْجُوعُ . " فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ " فَيَنْزِلَ بِكُمْ مُسْتَقْبَلًا كَمَا نَزَلَ مَاضِيًا ، قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ .

وَفِي الْمُرَادِ : بِـ " أَمْرِ اللَّهِ " خَمْسَةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : أَنَّهَا السَّاعَةُ ، وَقَدْ يَخْرُجُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ . وَالثَّانِي : خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، رَوَاهُ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، يَعْنِي : أَنَّ خُرُوجَهُ مِنْ أَمَارَاتِ السَّاعَةِ .

وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : أَتَى أَمْرُ اللَّهِ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ، فَلَا تَسْتَعْجِلُوا قِيَامَ السَّاعَةِ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ الْأَحْكَامُ وَالْفَرَائِضُ ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ . وَالرَّابِعُ : عَذَابُ اللَّهِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ . وَالْخَامِسُ: وَعِيدُ الْمُشْرِكِينَ ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ " أَيْ : لَا تَطْلُبُوهُ قَبْلَ حِينِهِ ، " سُبْحَانَهُ " أَيْ : تَنْزِيهٌ لَهُ وَبَرَاءَةٌ مِنَ السُّوءِ عَمَّا يُشْرِكُونَ بِهِ مِنَ الْأَصْنَامِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " يُنَـزِّلُ الْمَلائِكَةَ " قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ ، وَأَبُو عَمْرٍو : " يُنْـزِلُ " [ ص: 428 ] بِإِسْكَانِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الزَّايِ . وَقَرَأَ نَافِعٌ ، وَعَاصِمٌ ، وَابْنُ عَامِرٍ ، وَحَمْزَةُ ، وَالْكِسَائِيُّ : " يُنَـزِّلُ " بِالتَّشْدِيدِ ، وَرَوَى الْكِسَائِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ : " تُنَـزَّلُ " بِالتَّاءِ مَضْمُومَةً وَفَتْحِ الزَّايِ مُشَدَّدَةً . " الْمَلَائِكَةُ " رَفْعٌ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : يُرِيدُ بِالْمَلَائِكَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحْدَهُ .

وَفِي الْمُرَادِ بِالرُّوحِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : الْوَحْيُ ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّانِي : أَنَّهُ النُّبُوَّةُ ، رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّالِثُ : أَنَّ الْمَعْنَى : تَنْـزِلُ الْمَلَائِكَةُ بِأَمْرِهِ ، رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَعْنَى : أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ كُلَّهُ رُوحٌ . قَالَ [الزَّجَّاجُ] : الرُّوحُ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ حَيَاةُ النُّفُوسِ بِالْإِرْشَادِ .

وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ الرَّحْمَةُ ، قَالَهُ الْحَسَنُ ، وَقَتَادَةُ .

وَالْخَامِسُ : أَنَّهُ أَرْوَاحُ الْخَلْقِ : لَا يَنْـزِلُ مَلَكٌ إِلَّا وَمَعَهُ رُوحٌ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ .

وَالسَّادِسُ : أَنَّهُ الْقُرْآنُ ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ . فَعَلَى هَذَا سَمَّاهُ رُوحًا ، لِأَنَّ الدِّينَ يَحْيَا بِهِ ، كَمَا أَنَّ الرُّوحَ تُحْيِي الْبَدَنَ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ : " بِالرُّوحِ " بِمَعْنَى : مَعَ ، فَالتَّقْدِيرُ : مَعَ الرُّوحِ ، " مِنْ أَمْرِهِ " أَيْ : بِأَمْرِهِ ، " عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ " يَعْنِي : الْأَنْبِيَاءَ ، " أَنْ أَنْذِرُوا " قَالَ الزَّجَّاجُ : وَالْمَعْنَى : أَنْذِرُوا أَهْلَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي " أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا " أَيْ : مُرُوهُمْ بِتَوْحِيدِي ، وَقَالَ غَيْرُهُ : أَنْذِرُوا بِأَنَّهُ لَا إِلْهَ إِلَّا أَنَا ، أَيْ : مُرُوهُمْ بِالتَّوْحِيدِ مَعَ تَخْوِيفِهِمْ إِنْ لَمْ يُقِرُّوا .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #334  
قديم 12-09-2022, 12:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (334)
صــ 429 إلى صــ 436






خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين

قوله تعالى : " خلق الإنسان من نطفة " قال المفسرون : أخذ أبي بن خلف [ ص: 429 ] عظما رميما ، فجعل يفته ويقول : يا محمد كيف يبعث الله هذا بعد ما رم ؟ فنزلت فيه هذه الآية . والخصيم : المخاصم ، والمبين : الظاهر الخصومة .

والمعنى : أنه مخلوق من نطفة ، وهو مع ذلك يخاصم وينكر البعث ، أفلا يستدل بأوله على آخره ، وأن من قدر على إيجاده أولا يقدر على إعادته ثانية ؟! وفيه تنبيه على إنعام الله عليه حين نقله من حال ضعف النطفة إلى القوة التي أمكنه معها الخصام .
والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم

قوله تعالى : " والأنعام خلقها لكم " الأنعام : الإبل ، والبقر ، والغنم ،

قوله تعالى : " لكم فيها دفء " فيه قولان :

أحدهما : أنه ما استدفئ به من أوبارها تتخذ ثيابا ، وأخبية ، وغير ذلك . روى العوفي عن ابن عباس أنه قال : يعني بالدفء : اللباس ، وإلى هذا المعنى ذهب الأكثرون .

والثاني : أنه نسلها . روى عكرمة عن ابن عباس : " فيها دفء " قال الدفء : [ ص: 430 ] نسل كل دابة ، وذكر ابن السائب قال : يقال : الدفء أولادها ، ومن لا يحمل من الصغار ، وحكى ابن فارس اللغوي عن الأموي ، قال : الدفء عند العرب : نتاج الإبل وألبانها .

قوله تعالى : " ومنافع " أي : سوى الدفء من الجلود ، والألبان ، والنسل ، والركوب ، والعمل عليها ، إلى غير ذلك ، " ومنها تأكلون " يعني : من لحوم الأنعام

قوله تعالى : " ولكم فيها جمال " أي : زينة ، " حين تريحون " أي : [حين] تردونها إلى مراحها ، وهو المكان الذي تأوي إليه ، فترجع عظام الضروع والأسنمة ، فيقال : هذا مال فلان ، " وحين تسرحون " ترسلونها بالغداة إلى مراعيها .

فإن قيل : لم قدم الرواح وهو مؤخر ؟

فالجواب : أنها في حال الرواح تكون أجمل ; لأنها قد رعت ، وامتلأت ضروعها ، وامتدت أسنمتها .

قوله تعالى : " وتحمل أثقالكم " الإشارة بهذا إلى ما يطيق الحمل منها ، والأثقال : جمع ثقل ، وهو متاع المسافر .

وفي قوله تعالى : " إلى بلد " قولان :

أحدهما : أنه عام في كل بلد يقصده المسافر ، وهو قول الأكثرين .

والثاني : أن المراد به : مكة ، قاله عكرمة ، والأول أصح ، والمعنى : أنها تحملكم إلى كل بلد لو تكلفتم أنتم بلوغه لم تبلغوه إلا بشق الأنفس .

وفي معنى " شق الأنفس " قولان :

أحدهما : أنه المشقة ، قاله الأكثرون . قال ابن قتيبة : يقال : نحن بشق من [ ص: 431 ] العيش ، أي : بجهد ; وفي حديث أم زرع : " وجدني في أهل غنيمة بشق " .

والثاني : أن الشق : النصف ، فكان الجهد ينقص من قوة الرجل ونفسه كأنه قد ذهب نصفه ، ذكره الفراء .

قوله تعالى : " إن ربكم لرءوف رحيم " أي : حين من عليكم بالنعم التي فيها هذه المرافق .
والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون

قوله تعالى : " والخيل " أي : وخلق الخيل " والبغال والحمير لتركبوها وزينة " قال الزجاج : المعنى : وخلقها زينة .

فصل

ويجوز أكل لحم الخيل ، وإنما لم يذكر في الآية ، لأنه ليس هو المقصود ، وإنما معظم المقصود بها : الركوب والزينة ، وبهذا قال الشافعي . وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا تؤكل لحوم الخيل .

قوله تعالى : " ويخلق ما لا تعلمون " ذكر قوم من المفسرين : أن المراد به [ ص: 432 ] عجائب المخلوقات في السموات والأرض التي لم يطلع عليها ، مثل ما يروى : أن لله ملكا من صفته كذا ، وتحت العرش نهر من صفته كذا . وقال قوم : هو ما أعد الله لأهل الجنة فيها ، ولأهل النار . وقال أبو سليمان الدمشقي : في الناس من كره تفسير هذا الحرف . وقال الشعبي : هذا الحرف من أسرار القرآن .
وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون

قوله تعالى : " وعلى الله قصد السبيل " القصد : استقامة الطريق ، يقال : طريق قصد وقاصد : إذا قصد بك ما تريد . قال الزجاج : المعنى : وعلى الله تبيين الطريق المستقيم ، والدعاء إليه بالحجج والبرهان .

قوله تعالى : " ومنها جائر " قال أبو عبيدة : السبيل لفظه لفظ الواحد ، وهو في موضع الجميع ، فكأنه قال : ومن السبل سبيل جائر . قال ابن الأنباري : لما ذكر السبيل ، دل على السبل ، فلذلك قال : " ومنها جائر " كما دل الحدثان على الحوادث في قول العبدي :


ولا يبقى على الحدثان حي فهل يبقى عليهن السلام


أراد : فهل يبقى على الحوادث ، والسلام : الصخور ، قال : ويجوز أن يكون إنما قال : " ومنها " لأن السبيل تؤنث وتذكر ، فالمعنى : من السبيل جائر . وقال ابن قتيبة : المعنى : ومن الطرق جائر لا يهتدون فيه ، والجائر : العادل عن [ ص: 433 ] القصد ، قال ابن عباس : ومنها جائر الأهواء المختلفة . وقال ابن المبارك : الأهواء والبدع .

قوله تعالى : " هو الذي أنزل من السماء ماء " يعني : المطر " لكم منه شراب " وهو ما تشربونه ، " ومنه شجر " ذكر ابن الأنباري في معناه قولين :

أحدهما : ومنه سقي شجر ، وشرب شجر ، فخلف المضاف إليه المضاف ، كقوله : وأشربوا في قلوبهم العجل [البقرة :93] .

والثاني : أن المعنى : ومن جهة الماء شجر ، ومن سقيه شجر ، ومن ناحيته شجر ، فحذف الأول ، وخلفه الثاني ، قال زهير :


[لمن الديار بقنة الحجر] . . . . أقوين من حجج ومن شهر


أي : من ممر حجج . قال ابن قتيبة : والمراد بهذه الشجر : المرعى . وقال الزجاج : كل ما نبت على الأرض فهو شجر، قال الشاعر يصف الخيل :


يعلفها اللحم إذا عز الشجر والخيل في إطعامها اللحم ضرر


يعني : أنهم يسقون الخيل اللبن إذا أجدبت الأرض . و " تسيمون " بمعنى : ترعون ، يقال : سامت الإبل فهي سائمة : إذا رعت ، وإنما أخذ ذلك من السومة ، وهي : العلامة ، وتأويلها : أنها تؤثر في الأرض برعيها علامات .

قوله تعالى : " ينبت لكم به الزرع " وروى أبو بكر عن عاصم : " ننبت " بالنون . قال ابن عباس : يريد الحبوب ، وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى : " والنجوم مسخرات بأمره " قال الأخفش : المعنى : وجعل النجوم مسخرات ، [ ص: 434 ] فجاز إضمار فعل غير الأول ، لأن هذا المضمر في المعنى مثل المظهر ، وقد تفعل العرب أشد من هذا ، قال الراجز :


تسمع في أجوافهن صردا وفي اليدين جسأة وبددا


المعنى : وترى في اليدين . والجسأة : اليبس . والبدد : السعة . وقال غيره : قوله تعالى : " مسخرات " حال مؤكدة ، لأن تسخيرها قد عرف بقوله تعالى : " وسخر " . وقرأ ابن عامر : والشمس والقمر والنجوم مسخرات ، رفعا كله ، وروى حفص عن عاصم : بالنصب كالجمهور ، إلا قوله تعالى : " والنجوم مسخرات " فإنه رفعها .
وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون وعلامات وبالنجم هم يهتدون

قوله تعالى : " وما ذرأ لكم " أي : وسخر ما ذرأ لكم . وذرأ بمعنى : خلق . و " سخر البحر " أي : ذلـله للركوب والغوص فيه " لتأكلوا منه لحما طريا " يعني : السمك " وتستخرجوا منه حلية تلبسونها " يعني : الدر ، واللؤلؤ ، والمرجان ، [ ص: 435 ] وفي هذا دلالة على أن حالفا لو حلف : لا يلبس حليا ، فلبس لؤلؤا ، أنه يحنث ، وقال أبو حنيفة: لا يحنث .

قوله تعالى : " وترى الفلك " يعني : السفن . وفي معنى " مواخر " قولان :

أحدهما : جواري ، قاله ابن عباس . قال اللغويون : يقال : مخرت السفينة مخرا : إذا شقت الماء في جريانها .

والثاني : المواقر ، يعني المملوءة ، قاله الحسن .

وفي قوله تعالى : " ولتبتغوا من فضله " قولان :

أحدهما : بالركوب فيه للتجارة ابتغاء الربح من فضل الله .

والثاني : بما تستخرجون من حليته ، وتصيدون من حيتانه . قال ابن الأنباري : وفي دخول الواو في قوله تعالى : " ولتبتغوا من فضله " وجهان :

أحدهما : أنها معطوفة على لام محذوفة ، تقديره : وترى الفلك مواخر فيه لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا .

والثاني : أنها دخلت لفعل مضمر ، تقديره : وفعل ذلك لكي تبتغوا .

قوله تعالى : " وألقى في الأرض رواسي " أي : نصب فيها جبالا ثوابت " أن تميد " أي : لئلا تميد ، وقال الزجاج : كراهة أن تميد ، يقال : ماد الرجل يميد ميدا : إذا أدير به ، وقال ابن قتيبة : الميد : الحركة والميل ، يقال : فلان يميد في مشيته ، أي : يتكفأ .

قوله تعالى : " وأنهارا " قال الزجاج : المعنى : وجعل فيها سبلا ، لأن معنى " ألقى " : " جعل " فأما السبل ، فهي الطرق . " ولعلكم تهتدون " أي : لكي تهتدوا إلى مقاصدكم .

[ ص: 436 ] قوله تعالى : " وعلامات " فيها ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها معالم الطرق بالنهار ، وبالنجم هم يهتدون بالليل ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني : أنها النجوم أيضا ، منها ما يكون علامة لا يهتدى به ، ومنها ما يهتدى به ، قاله مجاهد ، وقتادة ، والنخعي .

والثالث : الجبال ، قاله ابن السائب ، ومقاتل .

وفي المراد بالنجم أربعة أقوال :

أحدها : أنه الثريا ، والفرقدان ، وبنات نعش ، والجدي ، قاله السدي .

والثاني : أنه الجدي ، والفرقدان ، قاله ابن السائب .

والثالث : أنه الجدي وحده ، لأنه أثبت النجوم كلها في مركزه ، ذكره الماوردي .

والرابع : أنه اسم جنس ، والمراد جميع النجوم ، قاله الزجاج . وقرأ الحسن ، والضحاك ، وأبو المتوكل ، ويحيى بن وثاب : " وبالنجم " بضم النون وإسكان الجيم ، وقرأ الجحدري : " وبالنجم " بضم النون والجيم ، وقرأ مجاهد : " وبالنجوم " بواو على الجمع .

وفي المراد بهذا الاهتداء قولان :

أحدهما : الاهتداء إلى القبلة . والثاني : إلى الطريق في السفر .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #335  
قديم 12-09-2022, 12:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (335)
صــ 437 إلى صــ 444





أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم والله يعلم ما تسرون وما تعلنون

[ ص: 437 ] قوله تعالى : " أفمن يخلق كمن لا يخلق " يعني : الأوثان ، وإنما عبر عنها بـ " من " لأنهم نحلوها العقل والتمييز ، " أفلا تذكرون " يعني : المشركين ، يقول : أفلا تتعظون كما اتعظ المؤمنون ؟ قال الفراء : وإنما جاز أن يقول : " كمن لا يخلق " ، لأنه ذكر مع الخالق ، كقوله : فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين [النور :45] ، والعرب تقول : اشتبه علي الراكب وجمله ، فما أدري من ذا من ذا ، لأنهم لما جمعوا بين الإنسان وغيره ، صلحت " من " فيهما جميعا .

قوله تعالى : " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " قد فسرناه في (إبراهيم :34) .

قوله تعالى : " إن الله لغفور " أي : لما كان منكم من تقصيركم في شكر نعمه " رحيم " بكم إذ لم يقطعها عنكم بتقصيركم .

قوله تعالى : " والله يعلم ما تسرون وما تعلنون " روى عبد الوارث ، إلا القزاز " يسرون " و " يعلنون " بالياء .
والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون

قوله تعالى : " والذين تدعون من دون الله " قرأ عاصم : يدعون بالياء .

قوله تعالى : " أموات غير أحياء " يعني : الأصنام . قال الفراء : ومعنى الأموات هاهنا : أنها لا روح فيها . قال الأخفش : وقوله : " غير أحياء " توكيد .

قوله تعالى : " وما يشعرون أيان يبعثون " " أيان " بمعنى : " متى " .

وفي المشار إليهم قولان :

أحدهما : أنها الأصنام ، عبر عنها كما يعبر عن الآدميين . قال ابن عباس : [ ص: 438 ] وذلك أن الله تعالى يبعث الأصنام لها أرواح ومعها شياطينها ، فيتبرؤون من عبادتهم ، ثم يؤمر بالشياطين والذين كانوا يعبدونها إلى النار .

والثاني : أنهم الكفار ، لا يعلمون متى بعثهم ، قاله مقاتل .
إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين

قوله تعالى : " إلهكم إله واحد " قد ذكرناه في سورة (البقرة :163) .

قوله تعالى : " فالذين لا يؤمنون بالآخرة " أي : بالبعث والجزاء " قلوبهم منكرة " أي : جاحدة لا تعرف التوحيد " وهم مستكبرون " أي : ممتنعون من قبول الحق .

قوله تعالى : " لا جرم " قد فسرناه في (هود :22) ، ومعنى الآية : أنه يجازيهم بسرهم وعلنهم ، لأنه يعلمه . والمستكبرون : المتكبرون عن التوحيد والإيمان . وقال مقاتل : " ما يسرون " حين بعثوا في كل طريق من يصد الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " وما يعلنون " حين أظهروا العداوة لرسول الله .

[ ص: 439 ] قوله تعالى : " وإذا قيل لهم " يعني : المستكبرين " ماذا أنزل ربكم " على محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال الزجاج : " ماذا " بمعنى " ما الذي " . و " أساطير الأولين " مرفوعة على الجواب . كأنهم قالوا : الذي أنزل : أساطير الأولين ، أي : الذي تذكرون أنتم أنه منزل : أساطير الأولين . وقد شرحنا معنى الأساطير في (الأنعام :25) . قال مقاتل : الذين بعثهم الوليد بن المغيرة في طرق مكة يصدون الناس عن الإيمان ، ويقول بعضهم : إن محمدا ساحر ، ويقول بعضهم : شاعر ، وقد شرحنا هذا المعنى في (الحجر:90) في ذكر المقتسمين .

قوله تعالى : " ليحملوا أوزارهم " هذه لام العاقبة ، وقد شرحناها في غير موضع ، والأوزار : الآثام ، وإنما قال : كاملة ، لأنه لم يكفر منها شيء بما يصيبهم من نكبة ، أو بلية ، كما يكفر عن المؤمن ، " ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم " أي : أنهم أضلوهم بغير دليل ، وإنما حملوا من أوزار الأتباع ، لأنهم كانوا رؤساء يقتدى بهم في الضلالة ، وقد ذكر ابن الأنباري في " من " وجهين :

أحدهما : أنها للتبعيض ، فهم يحملون ما شركوهم فيه ، فأما ما ركبه أولئك باختيارهم من غير تزيين هؤلاء ، فلا يحملونه ، فيصح معنى التبعيض .

والثاني : أن " من " مؤكدة ، والمعنى : وأوزار الذين يضلونهم . " ألا ساء ما يزرون " أي : بئس ما حملوا على ظهورهم .

قوله تعالى : " قد مكر الذين من قبلهم " قال المفسرون : يعني به : النمرود بن كنعان ، وذلك أنه بنى صرحا طويلا . واختلفوا في طوله ، فقال ابن عباس : [ ص: 440 ] خمسة آلاف ذراع ، وقال مقاتل : كان طوله فرسخين ، قالوا : ورام أن يصعد إلى السماء ليقاتل أهلها بزعمه . ومعنى " المكر " هاهنا : التدبير الفاسد .

وفي الهاء والميم من " قبلهم " قولان :

أحدهما : أنها للمقتسمين على عقاب مكة ، قاله ابن السائب .

والثاني : لكفار مكة ، قاله مقاتل .

قوله تعالى : " فأتى الله بنيانهم من القواعد " أي : من الأساس . قال المفسرون : أرسل الله ريحا فألقت رأس الصرح في البحر ، وخر عليهم الباقي .

قال السدي : لما سقط الصرح ، تبلبلت ألسن الناس من الفزع ، فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا ، فلذلك سميت " بابل " ، وإنما كان لسان الناس قبل ذلك بالسريانية ، وهذا قول مردود ، لأن التبلبل يوجب الاختلاط والتكلم بشيء غير مستقيم ، فأما أن يوجب إحداث لغة مضبوطة الحواشي ، فباطل ، وإنما اللغات تعليم من الله تعالى .

فإن قيل : إذا كان الماكر واحدا ، فكيف قال : " الذين " ولم يقل : " الذي " ؟ فعنه ثلاثة أجوبة :

أحدها : أنه كان الماكر ملكا له أتباع ، فأدخلوا معه في الوصف .

والثاني : أن العرب توقع الجمع على الواحد ، فيقول قائلهم : خرجت إلى البصرة على البغال ، وإنما خرج على بغل واحد .

والثالث : أن " الذين " غير موقع على واحد معين ، لكنه يراد به : قد مكر الجبارون الذين من قبلهم ، فكان عاقبة مكرهم رجوع البلاء عليهم ، ذكر هذه الأجوبة ابن الأنباري . قال : وذكر بعض العلماء : أنه إنما قال : " من فوقهم " ، [ ص: 441 ] لينبه على أنهم كانوا تحته ، إذ لو لم يقل ذلك ، لاحتمل أنهم لم يكونوا تحته ، لأن العرب تقول : سقط علينا البيت ، وخر علينا الحانوت ، وتداعت علينا الدار ، وليسوا تحت ذلك .

قوله تعالى : " وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون " أي : من حيث ظنوا أنهم آمنون فيه . قال السدي : أخذوا من مأمنهم . وروى عطية عن ابن عباس قال : خر عليهم عذاب من السماء . وعامة المفسرين على ما حكيناه من أنه بنيان سقط . وقال ابن قتيبة : هذا مثل ، والمعنى : أهلكهم الله ، كما هلك من هدم مسكنه من أسفله ، فخر عليه .

قوله تعالى : " ثم يوم القيامة يخزيهم " أي : يذلهم بالعذاب . " ويقول أين شركائي " قرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي : " شركائي الذين " بهمزة وفتح الياء ، وقال البزي عن ابن كثير : " شركاي " مثل " هداي " ، والمعنى : أين شركائي على زعمكم ؟ هلا دفعوا عنكم ! . " الذين كنتم تشاقون فيهم " أي : تخالفون المسلمين فتعبدونهم وهم يعبدون الله ، وقرأ نافع : " تشاقون " بكسر النون ، أراد : تشاقونني ، فحذف النون الثانية ، وأبقى الكسرة تدل عليها ، والمعنى : كنتم تنازعونني فيهم ، وتخالفون أمري لأجلهم .

قوله تعالى : " قال الذين أوتوا العلم " فيهم ثلاثة أقوال :

أحدها : أنهم الملائكة ، قاله ابن عباس . والثاني : الحفظة من الملائكة ، قاله مقاتل . والثالث : أنهم المؤمنون .

فأما " الخزي " فقد شرحناه في مواضع [آل عمران :192] و " السوء " هاهنا : العذاب .
الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون [ ص: 442 ] فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين

قوله تعالى : " الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم " قال عكرمة : هؤلاء قوم كانوا بمكة أقروا بالإسلام ولم يهاجروا ، فأخرجهم المشركون كرها إلى بدر ، فقتل بعضهم . وقد شرحنا هذا في سورة (النساء :97) .

قوله تعالى : " فألقوا السلم " قال ابن قتيبة : انقادوا واستسلموا ، والسلم : الاستسلام . قال المفسرون : وهذا عند الموت يتبرؤون من الشرك ، وهو قولهم : " ماكنا نعمل من سوء " وهو الشرك ، فترد عليهم الملائكة فتقول : " بلى " . وقيل : هذا رد خزنة جهنم عليهم " بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون " من الشرك والتكذيب . ثم يقال لهم : ادخلوا أبواب جهنم ، وقد سبق تفسير ألفاظ الآية [النساء :97] و[الحجر :44] .
وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون

قوله تعالى : " وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم " روى أبو صالح عن ابن عباس أن مشركي قريش بعثوا ستة عشر رجلا إلى عقاب مكة أيام الحج على طريق الناس ، ففرقوهم على كل عقبة أربعة رجال ، ليصدوا الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا لهم : من أتاكم من الناس يسألكم عن محمد فليقل بعضكم : شاعر ، وبعضكم : كاهن ، وبعضكم : مجنون ، وألا تروه ولا يراكم خير لكم ، فإذا [ ص: 443 ] انتهوا إلينا صدقناكم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث إلى كل أربعة منهم أربعة من المسلمين ، فيهم عبد الله بن مسعود ، فأمروا أن يكذبوهم ، فكان الناس إذا مروا على المشركين ، فقالوا ما قالوا ، رد عليهم المسلمون ، وقالوا كذبوا ، بل يدعو إلى الحق ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويدعو إلى الخير ، فيقولون : وما هذا الخير الذي يدعو إليه ؟ فيقولون : " للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة " .

قوله تعالى : " قالوا خيرا " أي : أنزل خيرا ، ثم فسر ذلك الخير فقال : " للذين أحسنوا في هذه الدنيا " قالوا : لا إله إلا الله ، وأحسنوا العمل " حسنة " أي : كرامة من الله تعالى في الآخرة ، وهي الجنة ، وقيل : " للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة " في الدنيا وهي ما رزقهم من خيرها وطاعته فيها ، " ولدار الآخرة " يعني : الجنة " خير " من الدنيا .

وفي قوله تعالى : " ولنعم دار المتقين " قولان :

أحدهما : أنها الجنة ، قاله الجمهور . قال ابن الأنباري : في الكلام محذوف ، تقديره : ولنعم دار المتقين الآخرة ، غير أنه لما ذكرت أولا ، عرف معناها آخرا ، ويجوز أن يكون المعنى : ولنعم دار المتقين جنات عدن .

والثاني : أنها الدنيا . قال الحسن : ولنعم دار المتقين الدنيا ، لأنهم نالوا بالعمل فيها ثواب الآخرة .

قوله تعالى : " جنات عدن " قد شرحناه في (براءة :72) .

قوله تعالى : " الذين تتوفاهم الملائكة " وقرأ حمزة " يتوفاهم " بياء مع الإمالة . وفي معنى " طيبين " خمسة أقوال :

أحدها : مؤمنين . والثاني : طاهرين من الشرك . والثالث: زاكية أفعالهم [ ص: 444 ] وأقوالهم . والرابع : طيبة وفاتهم ، سهل خروج أرواحهم . والخامسة : طيبة أنفسهم بالموت ، ثقة بالثواب .

قوله تعالى : " يقولون " يعني الملائكة " سلام عليكم " .

وفي أي وقت يكون هذا [السلام] فيه قولان :

أحدهما : عند الموت . قال البراء بن عازب : يسلم عليه ملك الموت إذا دخل عليه . وقال القرظي : ويقول له : الله عز وجل يقرأ عليك السلام ، ويبشره بالجنة .

والثاني : عند دخول الجنة . قال مقاتل : هذا قول خزنة الجنة لهم في الآخرة ، يقولون : سلام عليكم .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #336  
قديم 12-09-2022, 12:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (336)
صــ 445 إلى صــ 452





هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون

قوله تعالى : " هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة " وقرأ حمزة ، والكسائي : " يأتيهم " بالياء ، وهذا تهديد للمشركين ، وقد شرحناه في (البقرة :210) وآخر (الأنعام :158) .

وفي قوله تعالى : " أو يأتي أمر ربك " قولان :

أحدهما : أمر الله فيهم ، قاله ابن عباس . والثاني : العذاب في الدنيا ، قاله مقاتل .

قوله تعالى : " كذلك فعل الذين من قبلهم " يريد : كفار الأمم الماضية ، كذبوا كما كذب هؤلاء . " وما ظلمهم الله " بإهلاكهم " ولكن كانوا أنفسهم [ ص: 445 ] يظلمون " ، بالشرك " فأصابهم سيئات ما عملوا " أي : جزاؤها ، قال ابن عباس : جزاء ما عملوا من الشرك ، " وحاق بهم " قد بيناه في (الأنعام :10) ، والمعنى : أحاط بهم " ما كانوا به يستهزئون " من العذاب .
وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين

قوله تعالى : " وقال الذين أشركوا " يعني : كفار مكة " لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء " يعني : الأصنام ، أي : لو شاء ما أشركنا ولا حرمنا من دونه من شيء من البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام ، والحرث ، وذلك أنه لما نزل وما تشاءون إلا أن يشاء الله [الدهر :30] قالوا هذا ، على سبيل الاستهزاء ، لا على سبيل الاعتقاد ، وقيل : معنى كلامهم : لو لم يأمرنا بهذا ويرده منا ، لم نأته .

قوله تعالى : " كذلك فعل الذين من قبلهم " أي : من تكذيب الرسل وتحريم ما أحل الله ، " فهل على الرسل إلا البلاغ المبين " يعني : ليس عليهم إلا التبليغ ، فأما الهداية فهي إلى الله تعالى ، وبين ذلك بقوله : " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا " أي : كما بعثناك في هؤلاء " أن اعبدوا الله " أي : وحدوه " واجتنبوا الطاغوت " وهو الشيطان " فمنهم من هدى الله " أي : أرشده [ ص: 446 ] " ومنهم من حقت عليه الضلالة " أي : وجبت في سابق علم الله ، فأعلم الله عز وجل أنه إنما بعث الرسل بالأمر بالعبادة ، وهو من وراء الإضلال والهداية ، " فسيروا في الأرض " أي : معتبرين بآثار الأمم المكذبة ، ثم أكد أن من حقت عليه الضلالة لا يهتدي ، فقال : " إن تحرص على هداهم " أي : [إن] تطلب هداهم بجهدك " فإن الله لا يهدي من يضل " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع ، وابن عامر : " لا يهدى " برفع الياء وفتح الدال ، والمعنى : من أضله فلا هادي له ، وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : " يهدي " بفتح الياء وكسر الدال ، ولم يختلفوا في " يضل " أنها بضم الياء وكسر الضاد ، وهذه القراءة تحتمل معنيين ، ذكرهما ابن الأنباري :

أحدهما : لا يهدي من طبعه ضالا ، وخلقه شقيا .

والثاني : لا يهدي ، أي : لا يهتدي من أضله ، أي : من أضله الله لا يهتدي ، فيكون معنى يهدي : يهتدي ، تقول العرب : قد هدي فلان الطريق ، يريدون : اهتدى .
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون

قوله تعالى : " وأقسموا بالله جهد أيمانهم " سبب نزولها أن رجلا من المسلمين كان له على رجل من المشركين دين ، فأتاه يتقاضاه ، فكان فيما تكلم به : والذي [ ص: 447 ] أرجوه بعد الموت ، فقال المشرك : وإنك لتزعم أنك تبعث بعد الموت ؟! فأقسم بالله " لا يبعث الله من يموت " ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو العالية . و " جهد أيمانهم " مفسر في (المائدة :53) . وقوله : " بلى " رد عليهم ، قال الفراء : والمعنى : " بلى " ليبعثنهم " وعدا عليه حقا " .

قوله تعالى : " ليبين لهم الذي يختلفون فيه " قال الزجاج : يجوز أن يكون متعلقا بالبعث ، فيكون المعنى : بلى يبعثهم فيبين لهم ، ويجوز أن يكون متعلقا بقوله تعالى : " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا " ليبين لهم .

وللمفسرين في قوله " ليبين لهم " قولان :

أحدهما : أنهم جميع الناس ، قاله قتادة .

والثاني : أنهم المشركون ، يبين لهم بالبعث ما خالفوا المؤمنين فيه .

قوله تعالى : " أنهم كانوا كاذبين " أي : فيما أقسموا عليه من نفي البعث . ثم أخبر بقدرته على البعث بقوله : " إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة : " فيكون " رفعا ، وكذلك في كل القرآن . وقرأ ابن عامر ، والكسائي " فيكون " نصبا . قال مكي بن إبراهيم : من رفع ، قطعه عما قبله ، والمعنى : فهو يكون ، ومن نصب ، عطفه على " يقول " ، وهذا مثل قوله : وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون وقد فسرناه في (البقرة :117) .

فإن قيل : كيف سمي الشيء قبل وجوده شيئا ؟

فالجواب : أن الشيء وقع على المعلوم عند الله قبل الخلق ، لأنه بمنزلة ما قد عوين وشوهد .

قوله تعالى : " والذين هاجروا في الله " اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال :

[ ص: 448 ] أحدها : أنها نزلت في ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بلال ، وعمار ، وصهيب ، وخباب بن الأرت ، وعايش وجبر موليان لقريش ، أخذهم أهل مكة فجعلوا يعذبونهم ، ليردوهم عن الإسلام ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني : أنها نزلت في أبي جندل بن سهيل بن عمرو ، قاله داود بن أبي هند .

والثالث : أنهم جميع المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله قتادة . ومعنى " هاجروا في الله " ، أي : في طلب رضاه وثوابه " من بعد ما ظلموا " بما نال المشركون منهم ، " لنبوئنهم في الدنيا حسنة " وفيها خمسة أقوال :أحدها : لننزلنهم المدينة ، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، والشعبي ، وقتادة ، فيكون المعنى : لنبوئنهم دارا حسنة وبلدة حسنة . والثاني : لنرزقنهم في الدنيا الرزق الحسن ، قاله مجاهد . والثالث : النصر على العدو ، قاله الضحاك . والرابع : أنه ما بقي بعدهم من الثناء الحسن ، وصار لأولادهم من الشرف ، ذكره الماوردي ، وقد روي معناه عن مجاهد ، فروى عنه ابن أبي نجيح أنه قال : " لنبوئنهم في الدنيا حسنة " قال : لسان صادق . والخامس : أن المعنى : لنحسنن إليهم في الدنيا ، قال بعض أهل المعاني : فتكون على هذه الأقوال " لنبوئنهم " ، على سبيل الاستعارة ، إلا على القول الأول .

قوله تعالى : " ولأجر الآخرة أكبر " قال ابن عباس : يعني : الجنة ، " لو كانوا يعلمون " يعني : أهل مكة .

ونقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أنه كان إذا أعطى الرجل من [ ص: 449 ] المهاجرين عطاءه ، قال : خذ بارك الله لك فيه ، هذا ما وعدك الله في الدنيا ، وما ذخر لك في الآخرة أفضل ، ثم يتلو هذه الآية .

ثم إن الله أثنى عليهم ومدحهم بالصبر فقال : " الذين صبروا " أي : على دينهم ، لم يتركوه لأذى نالهم ، وهم في ذلك واثقون بربهم .
وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون

قوله تعالى : " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا " قال المفسرون : لما أنكر مشركو قريش نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا ; فهلا بعث إلينا ملكا ! فنزلت هذه الآية ، والمعنى : أن الرسل كانوا مثلك آدميين ، إلا أنهم يوحى إليهم . وقرأ حفص عن عاصم : " نوحي " بالنون وكسر الحاء . " فاسألوا " يا معشر المشركين " أهل الذكر " وفيهم أربعة أقوال :

أحدها : أنهم أهل التوراة والإنجيل ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : أهل التوراة ، قاله مجاهد . والثالث : أهل القرآن ، قاله ابن زيد . والرابع : العلماء بأخبار من سلف ، ذكره الماوردي .

وفي قوله تعالى : " إن كنتم لا تعلمون " قولان :

أحدهما : لا تعلمون أن الله تعالى بعث رسولا من البشر .

والثاني : لا تعلمون أن محمدا رسول الله ، فعلى القول الأول ، جائز أن [ ص: 450 ] يسأل من آمن برسول الله ومن كفر ، لأن أهل الكتاب والعلم بالسير متفقون على أن الأنبياء كلهم ، من البشر ، وعلى الثاني إنما يسأل من آمن من أهل الكتاب ، وقد روي عن مجاهد " فاسألوا أهل الذكر " قال : عبد الله بن سلام ، وعن قتادة ، قال : سلمان الفارسي .

قوله تعالى : " بالبينات والزبر " في هذه " الباء " قولان :

أحدهما : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، تقديره : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا أرسلناهم بالبينات . والزبر : الكتب . وقد شرحنا هذا في (آل عمران :184) .

قوله تعالى : " وأنزلنا إليك الذكر " وهو القرآن بإجماع المفسرين " لتبين للناس ما نزل إليهم " [فيه] من حلال وحرام ، ووعد ووعيد " ولعلهم يتفكرون " في ذلك فيعتبرون .
أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم

قوله تعالى : " أفأمن الذين مكروا السيئات " قال المفسرون : أراد مشركي مكة . ومكرهم السيئات : شركهم وتكذيبهم ، وسمي ذلك مكرا ، لأن المكر في اللغة : السعي بالفساد ، وهذا استفهام إنكار ، ومعناه : ينبغي أن لا يأمنوا العقوبة ، وكان مجاهد يقول : عنى بهذا الكلام نمرود بن كنعان .

قوله تعالى : " أو يأخذهم في تقلبهم " فيه أربعة أقوال :

أحدها : في أسفارهم ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال قتادة .

[ ص: 451 ] والثاني : في منامهم ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثالث : في ليلهم ونهارهم ، قاله الضحاك ، وابن جريج ، ومقاتل .

والرابع : أنه جميع ما يتقلبون فيه ، قاله الزجاج .

قوله تعالى : " أو يأخذهم على تخوف " فيه قولان :

أحدهما : على تنقص ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك . قال ابن قتيبة : التخوف : التنقص ، ومثله التخون . يقال : تخوفته الدهور وتخونته : إذا نقصته وأخذت من ماله وجسمه . وقال الهيثم بن عدي : التخوف : التنقص ، بلغة أزد شنوءة .

ثم في هذا التنقص ثلاثة أقوال : أحدها : أنه تنقص من أعمالهم ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثاني : أخذ واحد بعد واحد ، روي عن ابن عباس أيضا . والثالث : تنقص أموالهم وثمارهم حتى يهلكهم ، قاله الزجاج .

والثاني : أنه التخوف نفسه ، ثم فيه قولان : أحدهما : يأخذهم على خوف أن يعاقب أو يتجاوز ، قاله قتادة . والثاني : أنه يأخذ قرية لتخاف القرية الأخرى ، قاله الضحاك . وقال الزجاج : يأخذهم بعد أن يخيفهم بأن يهلك قرية فتخاف التي تليها ، فعلى هذا ، خوفهم قبل هلاكهم ، فلم يتوبوا ، فاستحقوا العذاب .

قوله تعالى : " فإن ربكم لرءوف رحيم " إذ لم يعجل بالعقوبة ، وأمهل للتوبة .
أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون

[ ص: 452 ] قوله تعالى : " أولم يروا " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : " أولم يروا " بالياء ، وقرأ حمزة ، والكسائي : " تروا " بالتاء ، واختلف عن عاصم .

قوله تعالى : " إلى ما خلق الله من شيء " أراد من شيء له ظل ، من جبل ، أو شجر ، أو جسم قائم " يتفيأ " قرأ الجماعة بالياء ، وقرأ أبو عمرو ، ويعقوب بالتاء " ظلاله " وهو جمع ظل ، وإنما جمع وهو مضاف إلى واحد ، لأنه واحد يراد به الكثرة ، كقوله تعالى : "لتستووا على ظهوره " [الزخرف :13] . قال ابن قتيبة : ومعنى يتفيأ ظلاله : يدور ويرجع من جانب إلى جانب ، والفيء : الرجوع ، ومنه قيل للظل بالعشي : فيء ، لأنه فاء عن المغرب إلى المشرق . قال المفسرون : إذا طلعت الشمس وأنت متوجه إلى القبلة ، كان الظل قدامك ، فإذا ارتفعت كان عن يمينك ، فإذا كان بعد ذلك كان خلفك ، وإذا دنت للغروب كان على يسارك ، وإنما وحد اليمين ، والمراد به : الجمع ، إيجازا في اللفظ ، كقوله تعالى : ويولون الدبر [القمر :45] ، ودلت " الشمائل " على أن المراد به الجميع ، وقال الفراء : إنما وحد اليمين ، وجمع الشمائل ، ولم يقل الشمال ، لأن كل ذلك جائز في اللغة ، وأنشد :


الواردون وتيم في ذرى سبإ قد عض أعناقهم جلد الجواميس


ولم يقل : جلود ، ومثله :


كلوا في نصف بطنكم تعيشوا فإن زمانكم زمن خميص


وإنما جاز التوحيد ، لأن أكثر الكلام يواجه به الواحد .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #337  
قديم 12-09-2022, 12:40 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (337)
صــ 453 إلى صــ 460





[ ص: 453 ] وقال غيره : اليمين راجعة إلى لفظ ما ، وهو واحد ، والشمائل راجعة إلى المعنى .

قوله تعالى : " سجدا لله " قال ابن قتيبة : مستسلمة ، منقادة ، وقد شرحنا هذا المعنى عند قوله تعالى : وظلالهم بالغدو والآصال [الرعد :15] .

وفي قوله تعالى : " وهم داخرون " قولان :

أحدهما: والكفار صاغرون .

والثاني : وهذه الأشياء داخرة مجبولة على الطاعة . قال الأخفش : إنما ذكر من ليس من الإنس ، لأنه لما وصفهم بالطاعة أشبهوا الإنس في الفعل .

قوله تعالى : " ولله يسجد ما في السماوات . . . . " الآية . الساجدون على ضربين :

أحدهما : من يعقل ، فسجوده عبادة .

والثاني : من لا يعقل ، فسجوده بيان أثر الصنعة فيه ، والخضوع الذي يدل على أنه مخلوق ، هذا قول جماعة من العلماء ، واحتجوا في ذلك بقول الشاعر :


بجيش تضل البلق في حجراته ترى الأكم فيه سجدا للحوافر


[ ص: 454 ] قال ابن قتيبة : حجراته ، أي : جوانبه ، يريد أن حوافر الخيل قد قلعت الأكم ووطئتها حتى خشعت وانخفضت . فأما الشمس والقمر والنجوم ، فألحقها جماعة بمن يعقل ، فقال أبو العالية : سجودها حقيقة ، ما منها غارب إلا خر ساجدا بين يدي الله عز وجل ، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له ، ويشهد لقول أبي العالية ، حديث أبي ذر قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين وجبت الشمس ، فقال : " يا أبا ذر ! تدري أين ذهبت الشمس " قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : " فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل ، فتستأذن في الرجوع ، فيؤذن لها ، فكأنها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت ، فترجع إلى مطلعها فذلك مستقرها ، ثم قرأ : والشمس تجري لمستقر لها [يس :38] " . أخرجه البخاري ومسلم . وأما النبات والشجر ، فلا يخلو سجوده من أربعة أشياء :

أحدها : أن يكون سجودا لا نعلمه ، وهذا إذا قلنا : إن الله يودعه فهما . والثاني : أنه تفيؤ ظلاله . والثالث : بيان الصنعة فيه . والرابع : الانقياد لما سخر له .

قوله تعالى : " والملائكة " إنما أخرج الملائكة من الدواب ، لخروجهم بالأجنحة عن صفة الدبيب .

وفي قوله : " وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون " قولان :

أحدهما : أنه من صفة الملائكة خاصة ، قاله ابن السائب ، ومقاتل .

والثاني : أنه عام في جميع المذكورات ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

[ ص: 455 ] وفي قوله : " من فوقهم " قولان ذكرهما ابن الأنباري .

أحدهما : أنه ثناء على الله تعالى ، وتعظيم لشأنه ، وتلخيصه : يخافون ربهم عاليا رفيعا عظيما .

والثاني : أنه حال ، وتلخيصه : يخافون ربهم معظمين له عالمين بعظيم سلطانه .
وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون

قوله تعالى : " وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين " سبب نزولها : أن رجلا من المسلمين دعا الله في صلاته ، ودعا الرحمن ، فقال رجل من المشركين : أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا ، فما بال هذا يدعو ربين اثنين ؟ فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل . قال الزجاج : ذكر الاثنين توكيد ، كما قال تعالى : " إنما هو إله واحد "

قوله تعالى : " وله الدين واصبا " في المراد بالدين أربعة أقوال :

أحدها : أنه الإخلاص ، قاله مجاهد . والثاني : العبادة ، قاله سعيد بن جبير .

والثالث : شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقامة الحدود، والفرائض ، قاله عكرمة . والرابع : الطاعة ، قاله ابن قتيبة .

وفي معنى " واصبا " أربعة أقوال :

أحدها : دائما ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وعكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وابن زيد ، والثوري ، واللغويون . قال أبو الأسود الدؤلي :

[ ص: 456 ]
لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه يوما بذم الدهر أجمع واصبا


قال ابن قتيبة : معنى الكلام : أنه ليس من أحد يدان له ويطاع إلا انقطع ذلك عنه بزوال أو هلكة ، غير الله عز وجل ، فإن الطاعة تدوم له .

والثاني : واجبا ، رواه عكرمة عن ابن عباس .

والثالث : خالصا ، قاله الربيع بن أنس .

والرابع : وله الدين موصبا ، أي : متعبا ، لأن الحق ثقيل ، وهو كما تقول العرب : هم ناصب ، أي : منصب ، قال النابغة :


كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب


ذكره ابن الأنباري . قال الزجاج : ويجوز أن يكون المعنى : له الدين ، والطاعة ، رضي العبد بما يؤمر به وسهل عليه ، أو لم يسهل ، فله الدين وإن كان فيه الوصب ، والوصب : شدة التعب .
وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون

قوله تعالى : " وما بكم من نعمة " قال الزجاج : المعنى : ما حل بكم من نعمة ، من صحة في جسم ، أو سعة في رزق ، أو متاع من مال وولد " فمن الله " وقرأ ابن أبي عبلة : " فمن الله " بتشديد النون .

[ ص: 457 ] قوله تعالى : " ثم إذا مسكم الضر " قال ابن عباس : يريد الأسقام ، والأمراض ، والحاجة .

قوله تعالى : " فإليه تجأرون " قال الزجاج : " تجأرون " : ترفعون أصواتكم إليه بالاستغاثة . يقال : جأر يجأر جؤارا ، والأصوات مبنية على " فعال " و " فعيل " ، فأما " فعال " فنحو " الصراخ " و " الخوار " ، وأما " الفعيل " فنحو " العويل " و " الزئير " ، والفعال أكثر .

قوله تعالى : " إذا فريق منكم " قال ابن عباس : يريد أهل النفاق . قال ابن السائب : يعني الكفار .

قوله تعالى : " ليكفروا بما آتيناهم " قال الزجاج : المعنى : ليكفروا بأنا أنعمنا عليهم ، فجعلوا نعمنا سببا إلى الكفر ، وهو كقوله تعالى : ربنا إنك آتيت فرعون إلى قوله : ليضلوا عن سبيلك [يونس :88] ، ويجوز أن يكون " ليكفروا " ، أي : ليجحدوا نعمة الله في ذلك .

قوله تعالى : " فتمتعوا " تهدد ، " فسوف تعلمون " عاقبة أمركم .
ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون

قوله تعالى : " ويجعلون لما لا يعلمون " يعني : الأوثان .

وفي الذين لا يعلمون قولان :

[ ص: 458 ] أحدهما : أنهم الجاعلون ، وهم المشركون ، والمعنى : لما لا يعلمون لها ضرا ولا نفعا ; فمفعول العلم محذوف ، وتقديره : ما قلنا ، هذا قول مجاهد ، وقتادة .

والثاني : أنها الأصنام التي لا تعلم شيئا ، وليس لها حس ولا معرفة ، وإنما قال : يعلمون ، لأنهم لما نحلوها الفهم ، أجراها مجرى من يعقل على زعمهم ، قاله جماعة من أهل المعاني . قال المفسرون : وهؤلاء مشركوالعرب جعلوا لأوثانهم جزءا من أموالهم ، كالبحيرة ، والسائبة وغير ذلك مما شرحناه في (الأنعام :139) .

قوله تعالى : " تالله لتسألن " رجع عن الإخبار عنهم إلى الخطاب لهم ، وهذا سؤال توبيخ .

قوله تعالى : " ويجعلون لله البنات " قال المفسرون : يعني : خزاعة وكنانة ، زعموا أن الملائكة بنات الله " سبحانه " أي : تنـزه عما زعموا . " ولهم ما يشتهون " يعني : البنين . قال أبو سليمان : المعنى : ويتمنون لأنفسهم الذكور .

قوله تعالى : " وإذا بشر أحدهم بالأنثى " أي : أخبر أنه قد ولد له بنت " ظل وجهه مسودا " قال الزجاج : أي : متغيرا تغير مغتم ، يقال لكل من لقي مكروها : قد اسود وجهه غما وحزنا .

قوله تعالى : " وهو كظيم " أي : يكظم شدة وجده ، فلا يظهره ، وقد شرحناه في سورة (يوسف :84) .

قوله تعالى : " يتوارى من القوم " قال المفسرون : وهذا صنيع مشركي العرب ، كان أحدهم إذا ضرب امرأته المخاض ، توارى إلى أن يعلم ما يولد له ، فإن كان ذكرا ، سر به ، وإن كانت أنثى ، لم يظهر أياما يدبر كيف يصنع في أمرها ، وهو قوله تعالى : " أيمسكه على هون " فالهاء ترجع إلى ما في قوله : " ما بشر به " ، والهون في كلام العرب : الهوان . وقرأ ابن مسعود ، وابن [ ص: 459 ] أبي عبلة ، والجحدري : " على هوان " ، والدس : إخفاء الشيء في الشيء ، وكانوا يدفنون البنت وهي حية " ألا ساء ما يحكمون " إذ جعلوا لله البنات اللاتي محلهن منهم هذا ، ونسبوه إلى الولد ، وجعلوا لأنفسهم البنين .
للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم

قوله تعالى : " للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء " أي : صفة السوء من احتياجهم إلى الولد ، وكراهتهم للإناث ، خوف الفقر والعار ، " ولله المثل الأعلى " أي : الصفة العليا من تنـزهه وبراءته عن الولد .
ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون

قوله تعالى : " ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم " أي : بشركهم ومعاصيهم ، كلما وجد شيء منهم أوخذوا به " ما ترك على ظهرها " يعني : الأرض ، وهذه كناية عن غير مذكور ، غير أنه مفهوم ، لأن الدواب إنما هي على الأرض .

وفي قوله " من دابة " ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه عنى جميع ما يدب على وجه الأرض ، قاله ابن مسعود . قال قتادة : وقد فعل ذلك في زمن نوح عليه السلام ، وقال السدي : المعنى لأقحط المطر فلم تبق دابة إلا هلكت ، وإلى نحوه ذهب مقاتل .

والثاني : أنه أراد من الناس خاصة ، قاله ابن جريج .

والثالث : من الإنس والجن ، قاله ابن السائب ، وهو اختيار الزجاج .

[ ص: 460 ] قوله تعالى : " ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى " وهو منتهى آجالهم ، وباقي الآية قد تقدم [الأعراف :34] .
ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون

قوله تعالى : " ويجعلون لله ما يكرهون " المعنى : ويحكمون له بما يكرهونه لأنفسهم ، وهو البنات ، " وتصف ألسنتهم الكذب " أي : تقول الكذب ، وقرأ أبو العالية ، والنخعي ، وابن أبي عبلة : " الكذب " بضم الكاف والذال . ثم فسر ذلك الكذب بقوله : " أن لهم الحسنى " وفيها ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها البنون ، قاله مجاهد ، وقتادة ، ومقاتل .

والثاني : أنها الجزاء الحسن من الله تعالى ، قاله الزجاج .

والثالث : [أنها] الجنة ، وذلك أنه لما وعد الله المؤمنين الجنة ، قال المشركون : إن كان ما تقولونه حقا ، لندخلنها قبلكم ، ذكره أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى : " لا جرم " قد شرحناها فيما مضى [هود :22] . وقال الزجاج : " لا " رد لقولهم ، والمعنى : ليس ذلك كما وصفوا " جرم " أن لهم النار ، المعنى : جرم فعلهم ، أي : كسب فعلهم هذا " أن لهم النار وأنهم مفرطون " وفيه أربعة أوجه ، قرأ الأكثرون : " مفرطون " بسكون الفاء وتخفيف الراء وفتحها ، وفي معناها قولان :

أحدهما : متركون ، قاله ابن عباس . وقال الفراء : منسيون في النار .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #338  
قديم 12-09-2022, 12:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (338)
صــ 461 إلى صــ 468





والثاني : معجلون ، قاله ابن عباس أيضا . وقال ابن قتيبة : معجلون إلى النار . قال الزجاج : معنى " الفرط " في اللغة : المتقدم ، فمعنى " مفرطون " : [ ص: 461 ] مقدمون إلى النار ، ومن فسرها " متركون " فهو كذلك [أيضا] ، أي : قد جعلوا مقدمين إلى العذاب أبدا ، متروكين فيه . وقرأ نافع ، ومحبوب ، عن أبي عمرو ، وقتيبة عن الكسائي " مفرطون " بسكون الفاء وكسر الراء وتخفيفها ، قال الزجاج : ومعناها : أنهم أفرطوا في معصية الله . وقرأ أبو جعفر وابن أبي عبلة " مفرطون " بفتح الفاء وتشديد الراء وكسرها . قال الزجاج : ومعناها : أنهم فرطوا في الدنيا فلم يعملوا فيها للآخرة ، وتصديق هذه القراءة يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله [الزمر :56] . وروى الوليد بن مسلم عن ابن عامر " مفرطون " بفتح الفاء والراء وتشديدها ، قال الزجاج : وتفسيرها كتفسير القراءة الأولى ، فالمفرط و المفرط بمعنى واحد .
تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون

قوله تعالى : " تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك " قال المفسرون : هذه [ ص: 462 ] تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم " فزين لهم الشيطان أعمالهم " الخبيثة حتى عصوا وكذبوا ، " فهو وليهم اليوم " فيه قولان :

أحدهما : أنه يوم القيامة ، قاله ابن السائب ، ومقاتل ، كأنهما أرادا : فهو وليهم يوم تكون لهم النار .

والثاني : أنه الدنيا ، فالمعنى فهو مواليهم في الدنيا " ولهم عذاب أليم " في الآخرة ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى : " إلا لتبين لهم " يعني : الكفار " الذي اختلفوا فيه " أي : ما خالفوا فيه المؤمنين من التوحيد والبعث والجزاء ، فالمعنى : أنزلناه بيانا لما وقع فيه الاختلاف .
والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون

قوله تعالى : " والله أنزل من السماء ماء " يعني : المطر " فأحيا به الأرض بعد موتها " أي : بعد يبسها " إن في ذلك لآية لقوم يسمعون " أي : يعتبرون .

قوله تعالى : " وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم " قرأ أبو عمرو ، وابن كثير ، وحمزة ، والكسائي : " نسقيكم " بضم النون ، ومثله في (المؤمنون :21) . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : " نسقيكم " بفتح النون فيهما . وقرأ أبو جعفر : " تسقيكم " بتاء مفتوحة ، وكذلك في (المؤمنون :21) ، [ ص: 463 ] وقد سبق بيان الأنعام . وذكرنا معنى " العبرة " في (آل عمران :13) ، والفرق بين " سقى " و " أسقى " في (الحجر :22) .

فأما قوله : " مما في بطونه " فقال الفراء : النعم والأنعام شيء واحد ، وهما جمعان ، فرجع التذكير إلى معنى " النعم " إذ كان يؤدي عن الأنعام ، أنشدني بعضهم :

وطاب ألبان اللقاح وبرد

فرجع إلى اللبن ، لأن اللبن والألبان في معنى ; قال : وقال الكسائي : أراد : نسقيكم مما في بطون ما ذكرنا ، وهو صواب ، أنشدني بعضهم :

مثل الفراخ نتفت حواصله

وقال المبرد : هذا فاش في القرآن ، كقوله للشمس : هذا ربي [الأنعام :78] يعني : هذا الشيء الطالع ، وكذلك وإني مرسلة إليهم بهدية ثم قال : فلما جاء سليمان [النمل :35،36] ولم يقل : " جاءت " لأن المعنى : جاء الشيء الذي ذكرنا ، وقال أبو عبيدة : الهاء في " بطونه " للبعض ، والمعنى : نسقيكم مما في بطون البعض الذي له لبن ، لأنه ليس لكل الأنعام لبن ، وقال ابن قتيبة : ذهب بقوله : " مما في بطونه " إلى النعم ، والنعم تذكر وتؤنث ، والفرث : ما في الكرش ، والمعنى : أن اللبن كان طعاما ، فخلص من ذلك الطعام دم ، وبقي منه فرث في الكرش ، وخلص من ذلك الدم " لبنا خالصا سائغا للشاربين " أي : سهلا في الشرب لا يشجى به شاربه ، ولا يغص . وقال بعضهم : سائغا ، أي : لا تعافه النفس وإن كان قد خرج من بين فرث ودم ، وروى [ ص: 464 ] أبو صالح عن ابن عباس قال : إذا استقر العلف في الكرش ، طحنه ، فصار أسفله فرثا ، وأعلاه دما ، وأوسطه لبنا ، والكبد مسلطة على هذه الأصناف الثلاثة ، فيجري الدم في العروق ، واللبن في الضرع ، ويبقى الفرث في الكرش .

قوله تعالى : " ومن ثمرات النخيل والأعناب " تقدير الكلام : ولكم من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا . والعرب تضمر " ما " كقوله : وإذا رأيت ثم [الإنسان :20] أي : ما ثم . والكناية في " منه " عائدة على " ما " المضمرة . وقال الأخفش : إنما لم يقل : منهما ، لأنه أضمر الشيء ، كأنه قال : ومنها شيء تتخذون منه سكرا .

وفي المراد بالسكر ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه الخمر ، قاله ابن مسعود ، وابن عمر ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وإبراهيم ابن أبي ليلى ، والزجاج ، وابن قتيبة . وروى عمرو بن سفيان عن ابن عباس : قال السكر : ما حرم من ثمرتها ، وقال هؤلاء المفسرون : وهذه الآية نزلت إذ كانت الخمرة مباحة ، ثم نسخ [ذلك] بقوله : فاجتنبوه [المائدة :90] وممن ذكر أنها منسوخة ، سعيد بن جبير ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي .

والثاني : أن السكر : الخل ، بلغة الحبشة ، رواه العوفي عن ابن عباس . وقال الضحاك : هو الخل ، بلغة اليمن .

والثالث : أن " السكر " الطعم ، يقال : هذا له سكر ، أي : طعم ، وأنشدوا :

جعلت عيب الأكرمين سكرا

[ ص: 465 ] قاله أبو عبيدة . فعلى هذين القولين ، الآية محكمة . فأما الرزق الحسن ، فهو ما أحل منهما ، كالتمر ، والعنب ، والزبيب ، والخل ، ونحو ذلك .
وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون

قوله تعالى : " وأوحى ربك إلى النحل " في هذا الوحي قولان :

أحدهما : أنه إلهام ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، والضحاك ، ومقاتل .

والثاني : أنه أمر ، رواه العوفي عن ابن عباس . وروى ابن مجاهد عن أبيه قال : أرسل إليها . والنحل : زنابير العسل ، واحدتها نحلة . و " يعرشون " يجعلونه عريشا . وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم " يعرشون " بضم الراء ، وهما لغتان ، يقال : " يعرش " و " يعرش " مثل " يعكف " و " يعكف " ثم فيه قولان :

أحدهما : ما يعرشون من الكروم ، قاله ابن زيد .

والثاني : أنها سقوف البيوت ، قاله الفراء . وقال ابن قتيبة : كل شيء عرش ، من كرم ، أو نبات ، أو سقف ، فهو عرش ، ومعروش . وقيل : المراد بـ " مما يعرشون " : مما يبنون لهم من الأماكن التي تلقي فيها العسل ، ولولا التسخير ، ما كانت تأوي إليها .

قوله تعالى : " ثم كلي من كل الثمرات " قال ابن قتيبة : أي : من الثمرات ، [ ص: 466 ] و " كل " هاهنا ليست على العموم ، ومثله قوله : تدمر كل شيء [الأحقاف :25] . قال الزجاج : فهي تأكل الحامض ، والمر ، وما لا يوصف طعمه ، فيحيل الله عز وجل من ذلك عسلا .

قوله تعالى : " فاسلكي سبل ربك " السبل : الطرق ، وهي التي يطلب فيها الرعي . و " الذلل " جمع ذلول . وفي الموصوف بها قولان :

أحدهما : أنها السبل ، فالمعنى : اسلكي السبل مذللة لك ، فلا يتوعر عليها مكان سلكته ، وهذا قول مجاهد ، واختيار الزجاج .

والثاني : أنها النحل ، فالمعنى : إنك مذللة بالتسخير لبني آدم ، وهذا قول قتادة ، واختيار ابن قتيبة .

قوله تعالى : " يخرج من بطونها شراب " يعني : العسل " مختلف ألوانه " قال ابن عباس : منه أحمر ، وأبيض ، وأصفر . قال الزجاج : [يخرج] من بطونها ، إلا أنها تلقيه من أفواهها ، وإنما قال : من بطونها ، لأن استحالة الأطعمة لا تكون إلا في البطن ، فيخرج كالريق الدائم الذي يخرج من فم ابن آدم .

قوله تعالى : " فيه شفاء للناس " في هاء الكناية ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها ترجع إلى العسل ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال ابن مسعود . واختلفوا ، هل الشفاء الذي فيه يختص بمرض دون غيره ، أم لا ؟ على قولين : أحدهما : أنه عام في كل مرض . قال ابن مسعود : العسل شفاء من كل داء . وقال قتادة : فيه شفاء للناس من الأدواء . وقد روى أبو سعيد الخدري قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخي استطلق بطنه ، فقال : " اسقه عسلا " فسقاه ، ثم أتى فقال : قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا ، قال : " اسقه ، [ ص: 467 ] عسلا " ، فذكر الحديث . . . إلى أن قال : فشفي ، إما في الثالثة ، وإما في الرابعة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق الله ، وكذب بطن أخيك " أخرجه البخاري ومسلم . ويعني بقوله " صدق الله " : هذه الآية . والثاني : فيه شفاء للأوجاع التي شفاؤها فيه ، قاله السدي . والصحيح أن ذلك خرج مخرج الغالب . قال ابن الأنباري : الغالب على العسل أنه يعمل في الأدواء ، ويدخل في الأدوية ، فإذا لم يوافق آحاد المرضى ، فقد وافق الأكثرين ، وهذا كقول العرب : الماء حياة كل شيء ، وقد نرى من يقتله الماء ، وإنما الكلام على الأغلب .

والثاني : أن الهاء ترجع إلى الاعتبار . والشفاء : بمعنى الهدى ، قاله الضحاك .

والثالث : أنها ترجع إلى القرآن ، قاله مجاهد .
والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير

قوله تعالى : " والله خلقكم " أي : أوجدكم ولم تكونوا شيئا " ثم يتوفاكم " عند انقضاء آجالكم ، " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر " وهو أردؤه ، وأدونه ، وهي حالة الهرم . وفي مقداره من السنين ثلاثة أقوال :

أحدها : خمس وسبعون سنة ، قاله علي عليه السلام . والثاني : تسعون سنة ، قاله قتادة . والثالث : ثمانون سنة ، قاله قطرب .

قوله تعالى : " لكي لا يعلم بعد علم شيئا " قال الفراء : لكي لا يعقل من بعد عقله الأول شيئا . وقال ابن قتيبة : أي : حتى لا يعلم بعد علمه بالأمور شيئا ، لشدة هرمه . وقال الزجاج : المعنى : أن منكم من يكبر حتى يذهب عقله خرفا ، [ ص: 468 ] فيصير بعد أن كان عالما جاهلا ، ليريكم من قدرته ، كما قدر على إماتته وإحيائه ، أنه قادر على نقله من العلم إلى الجهل . وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال : ليس هذا في المسلمين ، المسلم لا يزداد في طول العمر والبقاء إلا كرامة عند الله ، وعقلا ، ومعرفة . وقال عكرمة : من قرأ القرآن ، لم يرد إلى أرذل العمر .
والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون

قوله تعالى : " والله فضل بعضكم على بعض في الرزق " يعني : فضل السادة على المماليك " فما الذين فضلوا " يعني : السادة " برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم " فعبرت " ما " عن " من " لأنه موضع إبهام ، تقول : ما في الدار ؟ فيقول المخاطب : رجلان أو ثلاثة ، ومعنى الآية : أن المولى لا يرد على ما ملكت يمينه من ماله حتى يكون المولى والمملوك في المال سواء ، وهو مثل ضربه الله تعالى للمشركين الذين جعلوا الأصنام شركاء له ، والأصنام ملكا له ، يقول : إذا لم يكن عبيدكم معكم في الملك سواء ، فكيف تجعلون عبيدي معي سواء ، وترضون لي ما تأنفون لأنفسكم منه ؟! وروى العوفي عن ابن عباس ، قال : لم يكونوا أشركوا عبيدهم في أموالهم ونسائهم ، فكيف يشركون عبيدي معي في سلطاني .

وروى أبو صالح عن ابن عباس قال : نزلت في نصارى نجران حين قالوا : عيسى ابن الله تعالى .

قوله تعالى : " أفبنعمة الله يجحدون " قرأ أبو بكر عن عاصم : " تجحدون " بالتاء . وفي هذه النعمة قولان :

أحدهما : حجته وهدايته . والثاني : فضله ورزقه .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #339  
قديم 12-09-2022, 12:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (339)
صــ 469 إلى صــ 476





[ ص: 469 ] والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون

قوله تعالى : " والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا " يعني النساء .

وفي معنى " من أنفسكم " قولان :

أحدهما : أنه خلق آدم ، ثم خلق زوجته منه ، قاله قتادة .

والثاني : " من أنفسكم " ، أي : من جنسكم من بني آدم ، قاله ابن زيد .

وفي الحفدة خمسة أقوال :

أحدها : أنهم الأصهار ، أختان الرجل على بناته ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس في رواية ، ومجاهد في رواية ، وسعيد بن جبير ، والنخعي ، وأنشدوا من ذلك :


ولو أن نفسي طاوعتني لأصبحت لها حفد مما يعد كثير

ولكنها نفس علي أبية
عيوف لأصهار اللئام قذور


والثاني : أنهم الخدم ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد في رواية الحسن ، وطاووس ، وعكرمة في رواية الضحاك ، وهذا القول يحتمل وجهين : أحدهما : أنه يراد بالخدم : الأولاد ، فيكون المعنى : أن الأولاد يخدمون . قال ابن قتيبة : الحفدة : الخدم والأعوان ، فالمعنى : هم بنون ، وهم خدم . وأصل [ ص: 470 ] الحفد : مداركة الخطو والإسراع في المشي ، وإنما يفعل الخدم هذا ، فقيل لهم : حفدة . ومنه يقال في دعاء الوتر : " وإليك نسعى ونحفد " . والثاني : أن يراد بالخدم : المماليك ، فيكون معنى الآية : وجعل لكم من أزواجكم بنين ، وجعل لكم حفدة من غير الأزواج ، ذكره ابن الأنباري .

والثالث : أنهم بنو امرأة الرجل من غيره ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك .

والرابع : [أنهم] ولد الولد ، رواه مجاهد عن ابن عباس .

والخامس : أنهم كبار الأولاد ، والبنون : صغارهم ، قاله ابن السائب ، ومقاتل . قال مقاتل : وكانوا في الجاهلية تخدمهم أولادهم . قال الزجاج : وحقيقة هذا الكلام أن الله تعالى جعل من الأزواج بنين ، ومن يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة وطاعة .

قوله تعالى : " ورزقكم من الطيبات " قال ابن عباس : يريد : من أنواع الثمار والحبوب والحيوان .

قوله تعالى : " أفبالباطل يؤمنون " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه الأصنام ، قاله ابن عباس .

والثاني : أنه الشريك والصاحبة والولد ، فالمعنى : يصدقون أن لله ذلك ؟! قاله عطاء .

والثالث : أنه الشيطان ، أمرهم بتحريم البحيرة والسائبة ، فصدقوا .

وفي المراد بـ " نعمة الله " ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها التوحيد ، قاله ابن عباس . والثاني : القرآن ، والرسول . والثالث : الحلال الذي أحله الله لهم .

[ ص: 471 ] قوله تعالى : " ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا " وفي المشار إليه قولان :

أحدهما : أنها الأصنام ، قاله قتادة . والثاني : الملائكة ، قاله مقاتل .

قوله تعالى : " من السماوات " يعني : المطر ، و " من الأرض " النبات ، والثمر .

قوله تعالى : " شيئا " قال الأخفش : جعل " شيئا " بدلا من الرزق ، والمعنى : لا يملكون رزقا قليلا ولا كثيرا ، " ولا يستطيعون " أي : لا يقدرون على شيء . قال الفراء : وإنما قال في أول الكلام : " يملك " وفي آخره : " يستطيعون " ، لأن " ما " في مذهب : جمع لآلهتهم ، فوحد " يملك " على لفظ " ما " وتوحيدها ، وجمع في " يستطيعون " على المعنى ، كقوله : ومنهم من يستمعون إليك [يونس :42] .

قوله تعالى : " فلا تضربوا لله الأمثال " أي : لا تشبهوه بخلقه ، لأنه لا يشبه شيئا ، ولا يشبهه شيء ، فالمعنى : لا تجعلوا له شريكا .

وفي قوله : " إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون " أربعة أقوال :

أحدها : يعلم ضرب المثل ، وأنتم لا تعلمون ذلك ، قاله ابن السائب .

والثاني : يعلم أنه ليس له شريك ، وأنتم لا تعلمون أنه ليس له شريك ، قاله مقاتل .

والثالث : يعلم خطأ ما تضربون من الأمثال ، وأنتم لا تعلمون صواب ذلك من خطئه .

والرابع : يعلم ما كان ويكون ، وأنتم لا تعلمون قدر عظمته حين أشركتم به ، ونسبتموه إلى العجز عن بعث خلقه .
[ ص: 472 ] ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم

قوله تعالى : " ضرب الله مثلا " أي : بين شبها فيه بيان المقصود ، وفيه قولان :

أحدهما : أنه مثل للمؤمن والكافر . فالذي " لا يقدر على شيء " هو الكافر ، لأنه لا خير عنده ، وصاحب الرزق هو المؤمن ، لما عنده من الخير ، هذا قول ابن عباس ، وقتادة .

والثاني : أنه مثل ضربه الله تعالى لنفسه وللأوثان ، لأنه مالك كل شيء ، وهي لا تملك شيئا ، هذا قول مجاهد ، والسدي . وذكر في التفسير أن هذا المثل ضرب بقوم كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيهم قولان :

أحدهما : أن المملوك : أبو الجوار ، وصاحب الرزق الحسن : سيده هشام بن عمرو ، رواه عكرمة عن ابن عباس . وقال مقاتل : المملوك : أبو الحواجر .

والثاني : أن المملوك : أبو جهل بن هشام ، وصاحب الرزق الحسن : أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، قاله ابن جريج . فأما قوله : " هل يستوون " ولم يقل : يستويان ، لأن المراد : الجنس . وقال ابن الأنباري : لفظ " من " لفظ توحيد ، ومعناها معنى الجمع ، ولم يقع المثل بعبد معين ، ومالك معين ، لكن عني [ ص: 473 ] بهما جماعة عبيد ، وقوم مالكون ، فلما فارق من تأويل الجمع ، جمع عائدها لذلك .

وقوله تعالى : " الحمد لله " أي : هو المستحق للحمد ، لأنه المنعم ، ولا نعمة للأصنام ، " بل أكثرهم " يعني المشركين :لا يعلمون " أن الحمد لله . قال العلماء : وصف أكثرهم بذلك ، والمراد : جميعهم .

قوله تعالى : " وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم " قد فسرنا " البكم " في (البقرة :18) . ومعنى " لا يقدر على شيء " أي : من الكلام ، لأنه لا يفهم ولا يفهم عنه . " وهو كل على مولاه " قال ابن قتيبة : أي : ثقل على وليه وقرابته . وفيمن أريد بهذا المثل أربعة أقوال :

أحدها : أنه مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر ، فالكافر هو الأبكم ، والذي يأمر بالعدل [هو] المؤمن ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني : أنها نزلت في عثمان بن عفان ، هو الذي يأمر بالعدل ، وفي مولى له كان يكره الإسلام وينهى عثمان عن النفقة في سبيل الله ، وهو الأبكم ، رواه إبراهيم بن يعلى بن منية عن ابن عباس .

والثالث : أنه مثل ضربه الله تعالى لنفسه ، وللوثن . فالوثن : هو الأبكم ، والله تعالى : هو الآمر بالعدل ، وهذا قول مجاهد ، وقتادة ، وابن السائب ، ومقاتل .

والرابع : أن المراد بالأبكم : أبي بن خلف ، وبالذي يأمر بالعدل : حمزة ، وعثمان بن عفان ، وعثمان بن مظعون ، قاله عطاء . فيخرج على هذه الأقوال في معنى " مولاه " قولان :

أحدهما : أنه مولى حقيقة ، إذا قلنا : إنه رجل من الناس .

والثاني : أنه بمعنى الولي ، إذا قلنا : إنه الصنم ، فالمعنى : وهو ثقل على [ ص: 474 ] وليه الذي يخدمه ويزينه .

ويخرج في معنى " أينما يوجهه " قولان : إن قلنا : إنه رجل ، فالمعنى : أينما يرسله ، والتوجيه : الإرسال في وجه من الطريق . وإن قلنا : إنه الصنم ، ففي معنى الكلام قولان : أحدهما : أينما يدعوه ، لا يجيبه ، قاله مقاتل . والثاني : أينما توجه تأميله إياه ورجاه له ، لا يأته ذلك بخير ، فحذف التأميل ، وخلفه الصنم ، كقوله : ما وعدتنا على رسلك [آل عمران :194] أي : على ألسنة رسلك . وقرأ البزي عن ابن محيصن " أينما توجهه " بالتاء على الخطاب . فأما قوله : " لا يأت بخير " فإن قلنا : هو رجل ، فإنما كان كذلك ، لأنه لا يفهم ما يقال له ، ولا يفهم عنه ، إما لكفره وجحوده ، أو لبكم به . وإن قلنا : إنه الصنم ، فلكونه جمادا . " هل يستوي هو " أي : هذا الأبكم " ومن يأمر بالعدل " أي : ومن هو قادر على التكلم ، ناطق الحق .
ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير

قوله تعالى : " ولله غيب السماوات والأرض " قد ذكرناه في آخر (هود :123) وسبب نزول هذه الآية أن كفار مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم : متى الساعة ؟ فنزلت هذه ، قاله مقاتل . وقال ابن السائب : المراد بالغيب هاهنا : قيام الساعة .

قوله تعالى : " وما أمر الساعة " يعني : القيامة " إلا كلمح البصر " واللمح : النظر بسرعة ، والمعنى : إن القيامة في سرعة قيامها وبعث الخلائق ، كلمح العين ، لأن الله تعالى يقول : كن فيكون [البقرة :117] . " أو هو أقرب " قال مقاتل : بل هو أسرع . وقال الزجاج : ليس المراد أن الساعة تأتي في أقرب من لمح البصر ، ولكنه يصف سرعة القدرة على الإتيان بها متى شاء .
[ ص: 475 ] والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون

قوله تعالى : " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم " قرأ حمزة " إمهاتكم " بكسر الألف والميم ، وقرأ الكسائي بكسر الألف وفتح الميم ، والباقون بضم الألف وفتح الميم ، وكذلك في (النور :61) و(الزمر :6) و(النجم :32) ولا خلاف بينهم في الابتداء بضم الهمزة .

قوله تعالى : " وجعل لكم السمع " لفظه لفظ الواحد ، والمراد به الجميع ، وقد بينا علة ذلك في أول (البقرة :7) . والأفئدة : جمع فؤاد . قال الزجاج : مثل : غراب وأغربة ، ولم يجمع " فؤاد " على أكثر العدد ، لم يقل فيه :: " فئدان " مثل غراب وغربان . وقال أبو عبيدة : وإنما جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة قبل أن يخرجهم ، غير أن العرب تقدم وتؤخر ، وأنشد "


ضخم تعلق أشناق الديات به إذا المؤون أمرت فوقه حملا


[الشنق : ما بين الفريضتين] . والمؤون أعظم من الشنق ، فبدأ بالأقل قبل الأعظم .

قال المفسرون : ومقصود الآية : أن الله تعالى أبان نعمه عليهم حيث أخرجهم جهالا بالأشياء ، وخلق لهم الآلات التي يتوصلون بها إلى العلم .
ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون

قوله تعالى : " مسخرات في جو السماء " قال الزجاج : هو الهواء البعيد من الأرض .

[ ص: 476 ] قوله تعالى : " ما يمسكهن إلا الله " فيه قولان :

أحدهما : ما يمسكهن عند قبض أجنحتهن وبسطها أن يقعن على الأرض إلا الله ، قاله الأكثرون .

والثاني : ما يمسكهن أن يرسلن الحجارة على شرار هذه الأمة ، كما فعل بغيرهم ، إلا الله ، قاله ابن السائب .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #340  
قديم 12-09-2022, 12:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد




تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الرابع

سُورَةُ النَّحْلِ
الحلقة (340)
صــ 477 إلى صــ 484



والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون

قوله تعالى : " والله جعل لكم من بيوتكم سكنا " أي : موضعا تسكنون فيه ، وهي المساكن المتخذة من الحجر والمدر تستر العورات والحرم ، وذلك أن الله تعالى خلق الخشب والمدر والآلة التي بها يمكن بناء البيت وتسقيفه ، " وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا " وهي القباب والخيم المتخذة من الأدم " تستخفونها " أي : يخف عليكم حملها " يوم ظعنكم " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو " ظعنكم " بفتح العين . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي [ ص: 477 ] بتسكين العين ، وهما لغتان ، كالشعر والشعر ، والنهر والنهر ، والمعنى : إذا سافرتم ، " ويوم إقامتكم " أي : لا تثقل عليكم في الحالين . " ومن أصوافها " يعني : الضأن " وأوبارها " يعني : الإبل " وأشعارها " يعني : المعز " أثاثا " قال الفراء : الأثاث : المتاع ، لا واحد له ، كما أن المتاع لا واحد له . والعرب تقول : جمع المتاع أمتعة ، ولو جمعت الأثاث ، لقلت : ثلاثة أإثة وأثث ، مثل : أعثة وعثث لا غير . وقال ابن قتيبة : الأثاث : متاع البيت من الفرش والأكسية . قال أبو زيد : واحد الأثاث : أثاثة . وقال الزجاج : يقال : قد أث يأث أثا : إذا صار ذا أثاث . وروي عن الخليل أنه قال : أصله الكثرة واجتماع بعض المتاع إلى بعض ، ومنه : شعر أثيث .

فأما قوله : " ومتاعا " فقيل : إنما جمع بينه وبين الأثاث ، لاختلاف اللفظين .

وفي قوله : " إلى حين " قولان :

أحدهما : أنه الموت ، والمعنى : ينتفعون به إلى حين الموت ، قاله ابن عباس ، ومجاهد .

والثاني : أنه إلى حين البلى ، فالمعنى : إلى أن يبلى ذلك الشيء ، قاله مقاتل .

قوله تعالى : " والله جعل لكم مما خلق ظلالا " أي : ما يقيكم حر الشمس ، وفيه خمسة أقوال :

أحدها : أنه ظلال الغمام ، قاله ابن عباس . والثاني : ظلال البيوت ، [قاله ابن السائب . والثالث : ظلال الشجر ، قاله قتادة ، والزجاج . والرابع : ظلال الشجر والجبال] ، وقاله ابن قتيبة . والخامس : أنه كل شيء له ظل من حائط ، وسقف ، وشجر وجبل ، وغير ذلك ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

[ ص: 478 ] قوله تعالى : " وجعل لكم من الجبال أكنانا " أي : ما يكنكم من الحر والبرد ، وهي الغيران والأسراب . وواحد الأكنان " كن " وكل شيء وقى شيئا وستره فهو " كن " . " وجعل لكم سرابيل " وهي القمص " تقيكم الحر " ولم يقل : البرد ، لأن ما وقى من الحر ، وقى من البرد ، وأنشد :


وما أدري إذا يممت أرضا أريد الخير أيهما يليني


وقال الزجاج : إنما خص الحر ، لأنهم كانوا في مكاناتهم أكثر معاناة له من البرد ، وهذا مذهب عطاء الخراساني .

قوله تعالى : " وسرابيل تقيكم بأسكم " يريد الدروع التي يتقون بها شدة الطعن والضرب في الحرب .

قوله تعالى : " كذلك يتم نعمته عليكم " أي : مثلما أنعم الله عليكم بهذه الأشياء ، يتم نعمته عليكم في الدنيا " لعلكم تسلمون " والخطاب لأهل مكة ، وكان أكثرهم حينئذ كفارا ، ولو قيل : إنه خطاب للمسلمين ، فالمعنى : لعلكم تدومون على الإسلام ، وتقومون بحقه . وقرأ ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وأبو رجاء : " لعلكم تسلمون " بفتح التاء واللام ، على معنى : لعلكم إذا لبستم الدروع تسلمون من الجراح في الحرب .

قوله تعالى : " فإن تولوا " أعرضوا عن الإيمان " فإنما عليك البلاغ المبين " وهذه عند المفسرين منسوخة بآية السيف .

قوله تعالى : " يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها " وفي هذه النعمة قولان :

أحدهما : أنها [المساكن] نعم الله عز وجل عليهم في الدنيا . وفي إنكارها ثلاثة [ ص: 479 ] أقوال : أحدها : أنهم يقولون : هذه ورثناها [عن آبائنا] . روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : نعم الله : المساكن ، والأنعام ، وسرابيل الثياب ، والحديد ، يعرفه كفار قريش ، ثم ينكرونه بأن يقولوا : هذا كان لآبائنا ورثناه عنهم ، وهذا عن مجاهد . والثاني : أنهم يقولون : لولا فلان ، لكان كذا ، فهذا إنكارهم ، قاله عون بن عبد الله . والثالث : يعرفون أن النعم من الله ، ولكن يقولون : هذه بشفاعة آلهتنا ، قاله ابن السائب ، والفراء ، وابن قتيبة .

والثاني : أن المراد بالنعمة هاهنا : محمد صلى الله عليه وسلم يعرفون أنه نبي ثم يكذبونه ، وهذا مروي عن مجاهد ، والسدي ، والزجاج .

قوله تعالى : " وأكثرهم الكافرون " قال الحسن : وجميعهم كفار ، فذكر الأكثر ، والمراد به الجميع .
ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون

قوله تعالى : " ويوم نبعث من كل أمة شهيدا " يعني : يوم القيامة ، وشاهد كل أمة نبيها يشهد عليها بتصديقها وتكذيبها ، " ثم لا يؤذن للذين كفروا " في الاعتذار " ولا هم يستعتبون " أي : لا يطلب منهم أن يرجعوا إلى ما أمر الله به ، لأن الآخرة ليست بدار تكليف .

[ ص: 480 ] قوله تعالى : " وإذا رأى الذين ظلموا " أي : أشركوا " العذاب " يعني : النار فلا يخفف عنهم " العذاب " ولا هم ينظرون " لا يؤخرون ، ولا يمهلون . " وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم " يعني : الأصنام التي جعلوها شركاء لله في العبادة ، وذلك أن الله يبعث كل معبود من دونه ، فيقول المشركون : " ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا " أي : نعبد من دونك .

فإن قيل : فهذا معلوم عند الله تعالى ، فما فائدة قولهم : " هؤلاء شركاؤنا " ؟ فعنه جوابان :

أحدهما : أنهم لما كتموا الشرك في قولهم : والله ما كنا مشركين ، عاقبهم الله تعالى بإصمات ألسنتهم ، وإنطاق جوارحهم ، فقالوا عند معاينة آلهتهم : " ربنا هؤلاء شركاؤنا " أي : قد أقررنا بعد الجحد ، وصدقنا بعد الكذب ، التماسا للرحمة ، وفرارا من الغضب ، وكأن هذا القول منهم على وجه الاعتراف بالذنب ، لا على وجه إعلام من لا يعلم .

والثاني : أنهم لما عاينوا عظم غضب الله تعالى قالوا : هؤلاء شركاؤنا ، تقدير أن يعود عليهم من هذا القول روح ، وأن تلزم الأصنام إجرامهم ، أو بعض ذنوبهم إذ كانوا يدعون لها العقل والتمييز ، فأجابتهم الأصنام بما حسم طمعهم .

قوله تعالى : " فألقوا إليهم القول " أي : أجابوهم وقالوا لهم " إنكم لكاذبون " قال الفراء : ردت عليهم آلهتهم قولهم . وقال أبو عبيدة : " فألقوا " ، أي : قالوا لهم . يقال : ألقيت إلى فلان كذا ، أي : قلت له . قال العلماء : كذبوهم في عبادتهم إياهم ، وذلك أن الأصنام كانت جمادا لا تعرف عابديها ، فظهرت فضيحتهم يومئذ إذ عبدوا من لم يعلم بعبادتهم ، وذلك كقوله : سيكفرون بعبادتهم [مريم :83] .

[ ص: 481 ] قوله تعالى : " وألقوا إلى الله يومئذ السلم " المعنى : أنهم استسلموا له . وفي المشار إليهم قولان :

أحدهما : أنهم المشركون ، قاله الأكثرون . ثم في معنى استسلامهم قولان : أحدهما : أنهم استسلموا [له] بالإقرار بتوحيده وربوبيته . والثاني : أنهم استسلموا لعذابه .

والثاني : أنهم المشركون والأصنام كلهم . قال الكلبي : والمعنى : أنهم استسلموا لله منقادين لحكمه .

قوله تعالى : " وضل عنهم ما كانوا يفترون " فيه قولان :

أحدهما : بطل قولهم أنها تشفع لهم . والثاني : ذهب عنهم ما زين لهم الشيطان أن لله شريكا وولدا .
الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين

قوله تعالى : " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله " قال ابن عباس : منعوا الناس من طاعة الله والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : " زدناهم عذابا فوق العذاب " إنما نكر العذاب [الأول] ، لأنه نوع خاص لقوم بأعيانهم ، وعرف العذاب الثاني ، لأنه العذاب الذي يعذب به أكثر أهل النار ، فكان في شهرته بمنزلة النار في قول القائل : نعوذ بالله من النار ، وقد قيل : إنما زيدوا هذا العذاب على ما يستحقونه من عذابهم ، بصدهم عن سبيل الله .

[ ص: 482 ] وفي صفة هذا العذاب الذي زيدوا أربعة أقوال :

أحدها : أنها عقارب كأمثال النخل الطوال ، رواه مسروق عن ابن مسعود .

والثاني : أنها حيات كأمثال الفيلة ، وعقارب كأمثال البغال ، رواه زر عن ابن مسعود .

والثالث : أنها خمسة أنهار من صفر مذاب تسيل من تحت العرش يعذبون بها ، ثلاثة على مقدار الليل ، واثنان على مقدار النهار ، قاله ابن عباس .

والرابع : أنه الزمهرير ، ذكره ابن الأنباري .

قال الزجاج : يخرجون من حر النار إلى الزمهرير ، فيتبادرون من شدة برده إلى النار .

قوله تعالى : " وجئنا بك شهيدا على هؤلاء " وفي المشار إليهم قولان :

أحدهما : أنهم قومه ، قاله ابن عباس .

والثاني : أمته ، قاله مقاتل . وتم الكلام هاهنا . ثم قال : " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا " قال الزجاج : التبيان : اسم في معنى البيان .

فأما قوله تعالى : " لكل شيء " فقال العلماء بالمعاني : لكل شيء من أمور الدين ، إما بالنص عليه ، أو بالإحالة على ما يوجب العلم ، مثل بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إجماع المسلمين .
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم [ ص: 483 ] ما تفعلون ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون

قوله تعالى : " إن الله يأمر بالعدل " فيه أربعة أقوال :

أحدها : أنه شهادة أن لا إله إلا الله ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

والثاني : أنه الحق ، رواه الضحاك عن ابن عباس .

والثالث : أنه استواء السريرة والعلانية في العمل لله تعالى ، قاله سفيان بن عيينة .

والرابع : أنه القضاء بالحق ، ذكره الماوردي . قال أبو سليمان : العدل في كلام العرب : الإنصاف ، وأعظم الإنصاف : الاعتراف للمنعم بنعمته .

وفي المراد بالإحسان خمسة أقوال :

أحدها : أنه أداء الفرائض ، رواه أبي طلحة عن ابن عباس . والثاني : العفو ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثالث : الإخلاص ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والرابع : أن تعبد الله كأنك تراه ، رواه عطاء عن ابن عباس . والخامس : أن تكون السريرة أحسن من العلانية ، قاله سفيان بن عيينة .

فأما قوله تعالى : " وإيتاء ذي القربى " فالمراد به : صلة الأرحام . وفي الفحشاء قولان :

أحدهما : أنها الزنا ، قاله ابن عباس . والثاني : المعاصي ، قاله مقاتل .

[ ص: 484 ] وفي " المنكر " أربعة أقوال :

أحدها : أنه الشرك ، قاله مقاتل . والثاني : أنه ما لا يعرف في شريعة ولا سنة . والثالث : أنه ما وعد الله عليه النار ، ذكرهما ابن السائب . والرابع : أن تكون علانية الإنسان أحسن من سريرته ، قاله سفيان بن عيينة .

فأما " البغي " فقال ابن عباس : هو الظلم ، وقد سبق شرحه في مواضع [البقرة :173، والأعراف :33 ، ويونس :23،90] .

قوله تعالى : " يعظكم " قال ابن عباس : يؤدبكم ، وقد ذكرنا معنى الوعظ في (سورة النساء :58) . و " تذكرون " بمعنى : " تتعظون " قال ابن مسعود : هذه الآية أجمع آية في القرآن لخير أو لشر . وقال الحسن : والله ما ترك العدل والإحسان شيئا من طاعة [الله] إلا جمعاه ، ولا تركت الفحشاء والمنكر والبغي شيئا من معصية الله إلا جمعوه .

قوله تعالى : " وأوفوا بعهد الله " اختلفوا فيمن نزلت على قولين :

أحدهما : أنها نزلت في حلف أهل الجاهلية ، قاله مجاهد ، وقتادة .

والثاني : أنها نزلت في الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال المفسرون : العهد الذي يجب الوفاء به ، هو الذي يحسن فعله ، فإذا عاهد العبد عليه ، وجب الوفاء به ، والوعد من العهد " ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها " أي : بعد تغليظها وتشديدها بالعزم والعقد على اليمين ، بخلاف لغو اليمين ، ووكدت الشيء توكيدا ، لغة أهل الحجاز . فأما أهل نجد ، فيقولون : أكدته تأكيدا . وقال الزجاج : يقال : وكدت الأمر ، وأكدت لغتان جيدتان ، والأصل الواو ، والهمزة بدل منها .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 499.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 493.29 كيلو بايت... تم توفير 6.10 كيلو بايت...بمعدل (1.22%)]