|
|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#91
|
||||
|
||||
رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد
المحرر في أسباب نزول القرآن المؤلف: خالد بن سليمان المزيني المجلد الاول سورة الأعراف من صــ 539 الى صـ 546 الحلقة (91) سورة الأعراف 85 - قال الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج مسلم والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة. فتقول: من يعيرني تِطوَافاً؟ - تجعله على فرجها. وتقول: اليوم يبدو بعضه أو كله ... فما بدا منه فلا أُحِلُّهُ فنزلت هذه الآية: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد أورد المفسرون هذا الحديث وغيره في معناه وجعلوه سبب نزولها منهم الطبري والبغوي وابن العربي والقرطبي وابن كثير وابن عاشور. قال الطبري: (يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين يتعرون عند طوافهم ببيته الحرام ويبدون عوراتهم هنالك من مشركي العرب، والمحرِّمين منهم أكل ما لم يحرمه الله عليهم من حلال رزقه تبرّراً عند نفسه لربه (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ) من الكساء واللباس) اهـ. ويقول البغوي: (قال أهل التفسير: كانت بنو عامر يطوفون بالبيت عراة فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) يعني الثياب) اهـ. قال ابن العربي: (قيل: إنها نزلت في الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة، أُمروا باللباس وستر العورة، قاله ابن عبَّاسٍ وجماعة معه. ثم ساق حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) اهـ. قال القرطبي: (يَا بَنِي آدَمَ) هو خطاب لجميع العالم، وإن كان المقصود بها من كان يطوف من العرب بالبيت عرياناً ... ثم ساق حديث ابن عبَّاسٍ) اهـ. قال ابن كثير: (هذه الآية الكريمة رد على المشركين فيما كانوا يعتمدونه من الطواف بالبيت عراةً ثم ساق الخديث إلى أن قال: وهكذا قال مجاهد وعطاء وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وقتادة والسدي والضحاك ومالك عن الزهري وغير واحد من أئمة السلف في تفسيرها أنها نزلت في طواف المشركين بالبيت عراة) اهـ. وقال ابن عاشور: (فالمقصد من قوله: (خُذُوا زِينَتَكُمْ) إبطال ما زعمه المشركون من لزوم التعري في الحج في أحوال خاصة وعند مساجد معينة ثم ساق سبب النزول) اهـ. وقد ذكر ابن العربي سبب فعل الجاهلية ذلك فقال: (إن قريشاً كانت رأت رأياً تكيد به العرب، فقالوا: يا معشر قريش لا تعظموا شيئاً من البلدان لتعظيم حرمكم، فتزهد العرب في حرمكم إذا رأوكم قد عظمتم من البلدان غيره كتعظيمه، فعظموا أمركم في العرب فإنكم ولاة البيت وأهله دون الناس، فوضعوا لذلك الأمر أن قالوا: نحن أهل الحرم فلا ينبغي لنا أن نعظم غيره، ولا نخرج منه، فكانوا يقفون بالمزدلفة دون عرفة لأنها خارج من الحرم، وكانت سنة إبراهيم وعهداً من عهده، ثم قالوا لا ينبغي لأحد من العرب أن يطوف إلا في ثيابنا، ولا يأكل إذا دخل أرضنا إلا من طعامنا، ولا يأكل الأقط ولا يستظل بالأدم إلا الحمس وهم قريش وما ولدت من العرب، ومن كان يليها من حلفائها من بني كنانة، فكان الرجل من العرب أو المرأة يأتيان حاجين، حتى إذا أتيا الحرم وضعا ثيابهما وزادهما، وحرم عليهما أن يدخلا مكة بشيء من ذلك، فإن كان لأحد منهم صديق من الحمس استعار من ثيابه وطاف بها، ومن لم يكن له صديق منهم، وكان له يسار استأجر من رجل من الحمس ثيابه، فإن لم يكن له صديق ولا يسار يستأجر به كان بين أحد أمرين: إما أن يطوف بالبيت عرياناً، وإما أن يتكرم أن يطوف بالبيت عرياناً فيطوف في ثيابه، فإذا فرغ من طوافه ألقى ثوبه عنه فلم يمسه، ولا يمسه أحد من الناس فكان ذلك الثوب يسمى اللَّقَى، وإن كانت امرأة ولم تجد من يعيرها ولا كان لها يسار تستأجر به خلعت ثيابها كلها إلا درعاً مفرداً ثم طافت فيه فقالت امرأة من العرب - كانت جميلة تامة ذات هيئة - وهي تطوف: اليوم يبدو بعضه أو كله ... فما بدا منه فلا أُحلُّه فكانوا على ذلك من البدعة والضلالة حتى بعث اللَّه نبيه محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنزل فيمن كان يطوف بالبيت عريانًا: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ) ووضع اللَّه ما كانت قريش ابتدعت من ذلك وقد أنزل الله في تركهم الوقوف بعرفة: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ)، يعني بذلك قريشاً ومن كان على دينهم) اهـ. * النتيجة: أن سبب نزول الآية الكريمة ما جاء في حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لصحة إسناده، واعتماد المفسرين عليه، وموافقته لسياق القرآن وتصريحه بالنزول والله أعلم. * * * * * 86 - قال اللَّه تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج النَّسَائِي عن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قوله: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا) قال: هو بلعمٌ وقال نزلت في أمية. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد المفسرون عدة أقوال فيمن تناولته الآية بالذم فمنهم من ذهب إلى أن المراد بلعام وهو رجل من بني إسرائيل ومنهم من ذهب إلى أنه أمية بن أبي الصلت ومنهم من ذهب إلى غير ذلك من الأقوال، وجميع الأقوال المتقدمة ليس عليها، دليل من كتاب اللَّه أو سنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بل هي من أحاديث بني إسرائيل التي لم نؤمر بتصديقها أو تكذيبها. وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من النظر والتأمل في سياق الآيات لعلها تكشف المقصود فسياق الآيات قبل هذه الآية يتحدث عن بني إسرائيل إلى قوله تعالى: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ .. ) وهذا يؤيد القول بأن الرجل المذموم منهم لأن السياق عادة مترابط، وإذا قلنا بهذا فلن يكون فعل الرجل سببًا لنزول الآية لأن الحدث قد سبق النزول بقرون وأزمان بعيدة وحينئذٍ ينتفي النزول المصطلح عليه. وإذا نظرنا إلى قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ... ) وجدنا أن القصد من ضرب الأمثال هي العظة والعبرة، واعتبار الإنسان بمن يعرف ويشاهد أبلغ في العظة والخوف، وهذا يؤيد القول بأنه أمية بن أبي الصلت لأنهم يعرفونه ويشاهدونه بخلاف بلعم الذي لا يعرفون إلا اسمه. ويؤيد هذا أن سياق الآيات بعد هذه الآية يتحدث عن المشركين مما يشعر بأن المعنيَّ في الآية منهم. وعندي - واللَّه أعلم - أن القول الأول أصح، وهو أن الآية تتحدث عن رجل من الأمم السالفة لقوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا) فاللَّه يتحدث عن رجل آتاه آيات، فكيف لأمية بن أبي الصلت أن تأتيه الآيات؟ فإن قيل: إن أُمية كان يتحنث ببقايا دين إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -. فالجواب: أن الأديان قد لحقها من التحريف والتبديل شيء كثير مما يجعل الحكم عليها بأنها من آيات الله شيء بعيد، ولو كان ما بين يديه من الآيات حقًا لانتفع بها كما انتفع بها ورقة بن نوفل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قبله حين تنصر. وأما الجواب عن القول بأنه أُمية لأنهم يعرفونه ويشاهدونه فهذا منتقض بحديث الله عن الأمم السالفة مع رسلهم وكذا فرعون وهامان وقارون فالمخاطبون بالقرآن لا يعرفونهم، ومع هذا أراد الله بالحديث عنهم العظة والعبرة لمن بعدهم. وأما كون السياق بعد الآية يتحدث عن المشركين، وأُمية كان مشركاً فلا يلزم من هذا أن يكون سبب نزولها لعدم وجود حدث معين يستلزم ذلك. بل غاية ما في الأمر أن أمية كان كافراً قبل البعثة وبعدها شأنه شأن عدد من المشركين. * النتيجة: أن الآية لم تنزل بسبب خاص لعدم الدليل على ذلك، وإنما تتحدث عن رجل من الأمم السابقة والله أعلم. * * * * *
__________________
|
#92
|
||||
|
||||
رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد
المحرر في أسباب نزول القرآن المؤلف: خالد بن سليمان المزيني المجلد الاول سورة الأنفال من صــ 547 الى صـ 554 الحلقة (92) سورة الأنفال 87 - قال الله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) * سَبَبُ النُّزُولِ: 1 - أخرج مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي عن سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: نزلت فيَّ أربع آيات. أصبت سيفًا فأتى به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال: يا رسول اللَّه نفِّلنيه. فقال: (ضعه ثم قام فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ضعه من حيث أخذتَه). ثم قام فقال: نفلنيه يا رسول اللَّه فقال: (ضعه) فقام. فقال: يا رسول اللَّه نفلنيه. أَأُجعل كمن لا غناء له؟ فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ضعه من حيث أخدْته) قال: فنزلت هذه الآية: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ). 2 - أخرج أحمد عن عبادة بن الصامت قال: خرجنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فشهدت معه بدرًا فالتقى الناس فهزم الله تبارك وتعالى العدو فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون فأكبت طائفة على العسكر يحوونه ويحمونه وأحدقت طائفة برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم نحن حوّيناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو لستم بأحق بها منا نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لستم بأحق بها منا نحن أحدقنا برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخفنا أن يصيب العدو منه غره واشتغلنا به فنزلت: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) فقسمها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فواق بين المسلمين قال: وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أغار في أرض العدو نفل الربع، وإذا أقبل راجعًا وكل الناس نفل الثلث، وكان يكره الأنفال ويقول ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم. 3 - أخرج أبو داود والنَّسَائِي، من حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم بدر: من فعل كذا وكذا فله من النفل كذا وكذا قال: فتقدم الفتيان ولزم المشيخة الرايات فلم يبرحوها، فلما فتح اللَّه عليهم قال المشيخة كنا ردءًا لكم لو انهزمتم لفئتم إلينا، فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى فأبى الفتيان وقالوا: جعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لنا فأنزل اللَّه: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) .. إلى قوله: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ) يقول: فكان ذلك خيرًا لهم فكذلك أيضًا فأطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة، وقد أورد المفسرون هذه الأسباب عند تفسيرها كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور والشنقيطي. فأما حديث عبادة بن الصامت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقد قال عنه البخاري: لا يثبت، كما تقدم ذلك في دراسة إسناده. فيبقى النظر حينئذٍ بين حديث سعد في أن الآية نزلت فيه، وحديث ابن عباس في أن الآية نزلت في اختلاف الصحابة في المغنم يوم بدر. فأما حديث سعد فيعضده أمور: أ - أن أحد رواته الإمام مسلم. ب - أن سعدًا صاحب القصة، وصاحب القصة غالباً أعلم بها من غيره. جـ - أن سعدًا كان يصرِّح بنزول أربع آيات فيه، هذه الآية إحداها. وأما حديث ابن عبَّاسٍ فيؤيده لفظ الآية فإن الله قال في كتابه يسألونك ولم يقع في حديث سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سؤال، ولهذا قال القرطبي عن حديث سعد: (يقتضي أن يكون ثَمَّ سؤال عن حكم الأنفال، ولم يكن هنالك سؤال عن ذلك على ما يقتضيه هذا الحديث، وقال بعضهم: إن (عن) بمعنى (من) لأنه إنما سأل شيئًا معينًا وهو السيف) اهـ. ثم إن اللَّه قال: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ) أي عن حكمها وقسمها ومشروعيتها، وهذا لم يقع في حديث سعد، بل الذي وقع في حديثه أنه سأل نفلاً، وفرق بين من يسأل عن الشيء وبين من يسأل الشيء فالأول مستفهم، والثاني يريد العطاء. فإن قيل: حديث ابن عبَّاسٍ لم يذكر فيه أنهم سألوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن حكم هذا؟ فالجواب: أن هذا صحيح، لكن عند التنازع، ليس لهم إلا أن يسألوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امتثالاً لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59). ثم في السياق أيضاً قول اللَّه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) وليس في حديث سعد نزل، أو فساد ذات البين، بخلاف حديث ابن عبَّاسٍ فإنهم تنازعوا في المغنم (فقال المشيخة: كنا ردءًا لكم لو انهزمتم لفئتم إلينا فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى، فأبى الفتيان وقالوا: جعله رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لنا) وإلى هذا الخلاف أشار عدد من المفسرين نظرا إلى سياق الآية: قال ابن عطية: (فيجيء من مجموع هذه الآثار أن نفوس أهل بدر تنافرت ووقع فيها ما يقع في نفوس البشر من إرادة الأَثرة لا سيما من أبلى فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - الآية فرضي المسلمون وسلموا، فأصلح اللَّه ذات بينهم، ورد عليهم غنائمهم). اهـ. وقال السعدي: (وكانت هذه الآيات في هذه السورة، قد نزلت في قصة بدر أول غنيمة كبيرة غنمها المسلمون من المشركين، فحصل بين بعض المسلمين فيها نزاع، فسألوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنها فأنزل الله: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ) كيف تقسم وعلى من تقسم؟) اهـ. وقال الشنقيطي: (جمهور العلماء على أن الآية نزلت في غنائم بدر لما اختلف الصحابة فيها فقال بعضهم: نحن الذين حُزْنا الغنائم وحويناها فليس لغيرنا فيها نصيب، وقالت المشيخة: إنا كنا لكم ردءاً لو هزمتم للجأتم إلينا فاختصموا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اهـ. وقال ابن عاشور: (وعُطف الأمر بإصلاح ذات البين لأنهم اختصموا واشتجروا في شأنها كما قال عبادة بن الصامت: (اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا) فأمرهم الله بالتصافح) اهـ. وبما تقدم يتبين أن أسعد الدليلين بالآية وأحرى الحديثين بها حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما بين الآية والحديث من الموافقة والمطابقة. فإن قيل: كيف تجيب عن حديث سعد بأن الآية نزلت فيه؟ فالجواب: أن لفظ الترمذي لحديث سعد جاء فيه: قال: (لما كان يوم بدر جئت بسيف فقلت: يا رسول الله، إن الله قد شفى صدري من المشركين أو نحو هذا، هب لي هذا السيف، فقال: (هذا ليس لي ولا لك) فقلت: عسى أن يُعطَى هذا من لا يبلي بلائي فجاءني الرسول فقال: (إنك سألتني وليس لي، وقد صار لي وهو لك) قال: فنزلت (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ). فقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هذا ليس لي ولا لك)، هنا لم يقع التنازع بين المسلمين بعدُ في شأن الغنائم، فلما وقع وأنزل اللَّه فيهم الآية جاء إليه وقال له: قد صار لي وهو لك. وقوله: (فنزلت يسألونك عن الأنفال) ظناً منه أنها نزلت فيه لقرب قصته من قصتهم وإلا فالأمر ليس كما ظن. وربما دلّ هذا اللفظ على أن قصة سعد ليست سبب نزولها، ولهذا قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هذا ليس لي ولا لك) ولو كان سؤال سعد سبب نزولها لقال فنزلت الآية، لكنه أخَّر النزول حتى قال فجاءني الرسول فقال: (إنك سألتني وليس لي وقد صار لي وهو لك) فدل هذا على وقوع فاصل الله أعلم بزمنه. * النتيجة: أن سبب نزول الآيات الكريمة حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في اختلاف الصحابة وتنازعهم يوم بدر في الغنائم، وذلك لصحة سنده، وموافقته لسياق القرآن، واعتماد جمهور العلماء عليه كما قاله الشنقيطي، واللَّه تعالى أعلم.
__________________
|
#93
|
||||
|
||||
رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد
__________________
|
#94
|
||||
|
||||
رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد
المحرر في أسباب نزول القرآن المؤلف: خالد بن سليمان المزيني المجلد الاول سورة الأنفال من صــ 555 الى صـ 566 الحلقة (94) 95 - قال اللَّه تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج أحمد عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في قوله: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ) قال: تشاورت قريش ليلةً بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح، فأثبتوه بالوثاق. يريدون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال بعضهم: بل اقتلوه. وقال بعضهم: بل أخرجوه. فأطلع الله - عَزَّ وَجَلَّ - نبيه على ذلك، فبات عليَّ على فراش النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلك الليلة، وخرج النبي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون علياً يحسبونه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا علياً، رد الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري. فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل خُلِط عليهم فصعدوا في الجبل، فمرُّوا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخل هاهنا، لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليالٍ. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في تفسير الآية الكريمة، وقد أورد الطبري وابن كثير الحديث بنصه. قال ابن العربي مصرحًا بسبب نزولها: (قد بينا أنها مكية، وسبب نزولها والمراد بها ما روي أن قريشًا اجتمعت في دار الندوة، وقالت: إن أمر محمد قد طال علينا. فماذا ترون؟ فأخذوا في كل جانب من القول فذكر الحديث ... ) اهـ. وقال ابن عطية: (وهذا المكر الذي ذكره اللَّه في هذه الآية هو بإجماع من المفسرين إشارة إلى اجتماع قريش في دار الندوة بمحضر إبليس في صورة شيخ نجدي على ما نص ابن إسحاق في سيره، الحديث بطوله وهو الذي كان خروج رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من مكة بسببه) اهـ. وقال القرطبي: (هذا إخبار بما اجتمع عليه المشركون من المكر بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في دار الندوة فاجتمع رأيهم على قتله فبيتوه، ورصدوه على باب منزله طول ليلتهم ليقتلوه إذا خرج ... حتى ذكر الحديث) اهـ. وقال السعدي: (واذكر أيها الرسول ما منّ الله به عليك إذ يمكر بك الذين كفروا حين تشاور المشركون في دار الندوة فيما يصنعون بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إما أن يثبتوه عندهم بالحبس ويوثقوه، وإما أن يقتلوه فيستريحوا - بزعمهم من دعوته - وإما أن يخرجوه ويجلوه من ديارهم، فكل أبدى من هذه الآراء رأيا رآه. فاتفق رأيهم على رأي رآه شريرهم، أبو جهل - لعنه اللَّه - وهو أن يأخذوا من كل قبيلة من قبائل قريش فتى ويعطوه سيفاً صارمًا ويقتله الجميع قتلة رجل واحد ليتفرق دمه في القبائل، فيرضى بنو هاشم ثمَّ بديته فلا يقدرون على مقاومة جميع قريش، فترصدوا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الليل ليوقعوا به إذا قام من فراشه، فجاء الوحي من السماء، وخرج عليهم فذر على رؤوسهم التراب وخرج وأعمى الله أبصارهم عنه، حتى إذا استبطأوه جاءهم آتٍ وقال: خيبكم الله قد خرج محمد وذرَّ على رؤوسكم التراب فنفض كلٌّ منهم التراب عن رأسه ومنع الله رسوله منهم وأذن له في الهجرة إلى المدينة) اهـ. وقال ابن عاشور: (أشارت الآية إلى تردد قريش في أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين اجتمعوا للتشاور في ذلك بدار الندوة في الأيام الأخيرة قُبيل هجرته) اهـ. وبما تقدم من نصوص العلماء يتبين أن ابن العربي وحده ذهب إلى أن القصة سبب لنزول الآية، وما عداه من العلماء لم يذكروا السببية، لكنهم أشاروا إلى أن الآية تتحدث عن مكر قريش بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حبساً أو قتلاً أو نفياً وإخراجاً وهذا هو الصحيح فإنه لا شيء يدل على أن الآية نزلت بسبب تلك القصة بل الدليل يدل على عكس ذلك فإن هذا المكر والتشاور كان بمكة، والآية التي تتحدث عن ذلك مدنية ولهذا قال البغوي: (واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا وإذ قالوا اللهم؛ لأن هذه السورة مدنية وهذا المكر والقول إنما كانا بمكة ولكن الله ذكرهم بالمدينة كقوله تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) اهـ. وإذا كان الأمر كذلك فكيف تنزل آية مدنية بسبب قصة مكية هذا خلاف المعهود عند العلماء في سبب النزول. ثم يضاف إلى هذا أمران آخران: الأول: أن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لم يذكر سبب النزول ولم يصرح به بل ذكر الآية من باب التفسير لها. الثاني: أن الحديث ضعيف الإسناد فلا يحتج به على سبب النزول. * النتيجة: أن الحديث ليس سبباً لنزول الآية، لضعف سنده، وطول الأمد بين القصة ونزول الآية، مع ترك جل المفسرين الاحتجاج به على السببية واللَّه أعلم. **** 91 - قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34) * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال أبو جهل: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. فنزلت: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة، وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث، لكنهم مع ذلك مختلفون فيه فمنهم من يذكر نزول الآية بسبب هذا القول ومنهم من أغفل ذكر النزول، ومنهم من يذكر اسم أبي جهل والنضر كالبغوي والقرطبي وابن كثير وابن عاشور. ومنهم من يذكر النضر بن الحارث وحده كالطبري وابن عطية. قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمد أيضًا ما حل بمن قال: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) إذ مكرت لهم فأتيتهم بعذاب أليم، وكان ذلك العذاب قتلهم بالسيف يوم بدر، وهذه الآية أيضاً ذكر أنها نزلت في النضر بن الحارث) اهـ. وقال البغوي: (نزلت في النضر بن الحارث من بنى عبد الدار إلى أن قال ... وروى أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الذي قاله أبو جهل - لعنه الله -) اهـ. وقال ابن عطية: (روي عن مجاهد وابن جبير وعطاء والسدي أن قائل هذه المقالة هو النضر بن الحارث، وفيه نزلت هذه الآية. وترتب أن يقول النضر بن الحارث مقالةً وينسبها القرآن إلى جميعهم لأن النضر كان فيهم موسوماً بالنبل والفهم مسكونًا إلى قوله، فكان إذا قال قولاً قاله منهم كثير واتبعوه عليه حسبما يفعله الناس أبداً بعلمائهم وفقهائهم) اهـ. وقال القرطبي: (واختلف فيمن قال هذه المقالة فقال مجاهد وابن جبير: قائل هذا هو النضر بن الحارث، أنس بن مالك: قائله أبو جهل رواه البخاري ومسلم) اهـ. وكذلك ابن كثير لكنه قدم القول بأن القائل أبو جهل ثم أعقبه بقول من قال: إنه النضر بن الحارث. وقال ابن عاشور: (قائل هذه المقالة هو النضر بن الحارث، صاحب المقالة السابقة وقالها أيضاً أبو جهل، وإسناد القول إلى جميع المشركين من حيث إنهم كانوا يؤيدونه ويحكونه ويحاكونه) اهـ. وقال القرطبي: (قول أبي جهل: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) غلب على أبي جهل جهلُه فساء قولُه وفعلُه انظر كيف غلبت عليه جهالتُه وشقوته، فاستجيبت منه دعوته، فجدل صريعاً وسحب على وجهه إلى جهنم سحبًا قصيفاً) اهـ. وقال ابن حجر: (قال أبو جهل: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا .. ) إلخ ظاهر في أنه القائل ذلك وإن كان هذا القول نسب إلى جماعة فلعله بدأ به ورضي الباقون فنُسب إليهم. وقد روى الطبراني من طريق ابن عبَّاسٍ أن القائل ذلك هو النضر بن الحارث قال: فأنزل اللَّه تعالى: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) وكذا قال مجاهد وعطاء والسدي ولا ينافي ذلك ما في الصحيح لاحتمال أن يكونا قالاه ولكن نسبته إلى أبي جهل) اهـ. وبعد ذكر أقوال العلماء لا بد من تحرير أمرين: الأول: من هو القائل؟ الثاني: هل هذه المقالة هي سبب نزول الآية الكريمة؟ أما الأول: فقد صح الحديث عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بأنه أبو جهل، لكن يعكر على هذا أن أنساً أنصاري لا يعرف أبا جهل ولم يسمع منه ثم هو صغير السن وقتها، وهذا ربما هو الذي حمل أكثر المفسرين على القول بأنه النضر بن الحارث لأن الذي قال هذا ابن عبَّاسٍ وهو وإن كان صغيراً وقتها لكن الله علمه التأويل وميّزه به، ثم ابن عبَّاسٍ أيضاً يسمع هذا الكلام من أبيه وغيره وهو من أهل مكة، وأهل البلد عادةً أدرى بما فيه، ومما يؤيد هذا أن الآية التي سبقتها قالوا إنها تتحدث عن النضر بن الحارث فهو الذي قال: (لو نشاء لقلنا مثل هذا) وإذا كان هذا قوله فليكن ما بعده قولاً له أيضاً وهذا لا يمنع أن يكون أبو جهل قال هذا تلقفا لمقالة النضر فسمعه من سمعه فظن أنه قوله أصلاً. أما الثاني: وهو هل هذا الدعاء سبب نزول الآية؟ فالجواب: أن المعروف عند المفسرين أن سورة الأنفال نزلت ببدر فقد أخرج البخاري عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عبَّاسٍ: سورة الأنفال. قال: نزلت في بدر. قال ابن عاشور: (وقد اتفق رجال الأثر كلهم على أنها نزلت في غزوة بدر: قال ابن إسحاق أنزلت في أمر بدر سورة الأنفال بأسرها، وكانت غزوة بدر في رمضان من العام الثاني للهجرة بعد عام ونصف من يوم الهجرة) اهـ. وإذا كان الأمر كذلك فكيف يكون الدعاء هذا سبباً لنزول آية بعده بعام ونصف؟ هذا ليس معهوداً وليس مصطلحاً عليه عند العلماء. فإن قال قائل: هذا الدعاء لم يكن بمكة إنما كان ببدر عند حضورهم لحرب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى هذا فليس بين الدعاء والنزول أمد. فالجواب: أن هذا الإيراد غير صحيح بل الدعاء كان بمكة بدلالة الآيات نفسها فإن الله قال: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) فقال اللَّه: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). فعند الدعاء كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيهم، ولم يكن فيهم إلا حين كان بمكة قبل الهجرة. ثم أيضاً قول الله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) لو كان الاستغفار يوم بدر لما وقع عليهم العذاب من القتل والأسرة لأن الاستغفار يمنع العذاب بنص الآية، فدل هذا على أن الاستغفار كان في الزمن الذي كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه بمكة وأضيف أيضاً لما سبق أن اللَّه بدأ الآية بقوله (وإذ) وهي ظرف لما مضى من الزمان، ومثلها قبلها (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ ... ) الآية فالآيات تذكِّر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما ناله من الكافرين، وبرحمة اللَّه به وإحسانه إليه إذ أنجاه من المجرمين والحمد للَّه رب العالمين. * النتيجة: أن الحديث المذكور ليس سبب نزول الآية الكريمة لوجود زمن طويل بين القصة والنزول، بل الآية تذكير للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما جرى بينه وبين المشركين ولعل هذا هو سبب ترك المفسرين لهذا الحديث في السببية والتفاتهم لحديث النضر بن الحارث والله أعلم.
__________________
|
#95
|
||||
|
||||
رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد
المحرر في أسباب نزول القرآن المؤلف: خالد بن سليمان المزيني المجلد الاول سورة الأنفال من صــ 567 الى صـ 577 الحلقة (95) 92 - قال اللَّه تعالى: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج البخاري عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لما نزلت: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة، فجاء التخفيف، فقال: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) قال: فلما خفف الله عنهم من العدة، نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في نزول هذه الآية. وقد أورد الطبري والقرطبي وابن كثير هذا الحديث على تفاوت بينهم في سياقه طولاً وقصرًا. قال البغوي: (كان هذا يوم بدر فرض اللَّه على الرجل الواحد من المؤمنين قتال عشرة من الكافرين، فثقلت على المؤمنين فخفف اللَّه عنهم فنزل: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا) اهـ. وقال ابن العربي: (قال قوم: كان هذا يوم بدر ثم نسخ، وهذا خطأ من قائله لأن المسلمين كانوا يوم بدر ثلاثمائة ونيِّفًا، والكفار كانوا تسعمائة ونيِّفًا فكان للواحد ثلاثة، وأما هذه المقابلة وهي الواحد بالعشرة فلم ينقل أن المسلمين صافُّوا المشركين عليها قط، ولكن الباري فرض ذلك عليهم أولاً،وعلله بأنكم تفقهون ما تقاتلون عليه وهو الثواب، وهم لا يعلمون ما يقاتلون عليه ثم نسخ ذلك) اهـ. قال ابن عاشور: (هذه الآية نزلت بعد نزول الآية التي قبلها بمدة. قال في الكشاف: (وذلك بعد مدة طويلة). ولعله بعد نزول جميع سورة الأنفال، ولعلها وضعت في هذا الموضع لأنها نزلت مفردة غير متصلة بآيات سورة أخرى، فجعل لها هذا الموضع لأنه أنسب بها لتكون متصلة بالآية التي نسخت هي حكمَها، ولم أرَ من عيَّن زمن نزولها ولا شك أنه كان قبل فتح مكة فهي مستأنفة استئنافاً ابتدائياً محضاً لأنها آية مستقلة) اهـ. قال ابن حجر: (قوله: (شق ذلك على المسلمين) زاد الإسماعيلي من طريق سفيان ابن أبي شيبة عن جرير (جهد الناس ذلك وشق عليهم). قوله: (فجاء التخفيف) في رواية الإسماعيلي: فنزلت الآية الأخرى - وزاد - ففرض عليهم أن لا يفر رجل من رجلين، ولا قوم من مثلهم) اهـ. والظاهر - واللَّه أعلم - أن قول البغوي كان هذا يوم بدر فرض اللَّه على الرجل الواحد من المؤمنين قتال عشرة من الكافرين قولٌ صحيح فقد تقدم في السبب السابق أن سورة الأنفال نزلت في بدر. وأن قول ابن العربي: لم ينقل أن المسلمين صافُّوا المشركين عليها قط، ولكن الباري فرض ذلك عليهم أولاً، أن هذا صحيح. وأما قول ابن عاشور: أنها نزلت بعد الآية التي قبلها بمدة، ونقله عن صاحب الكشاف (وذلك بعد مدة طويلة) فلا أدري من أين أتى بهذا؟ وعلى أيِّ شيء يعتمد؟ ثم هو بعد سطرين فقط يقول: ولم أرَ من عيَّن زمن نزولها، هذا تردد يستغرب عليه. أما قول ابن حجر في رواية الإسماعيلي: (جهد الناس ذلك وشق عليهم، إلى قوله: فنزلت الآية الأخرى) فهذا صحيح، وهو نظير قولهم لما نزل: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) بعد أن اشتد عليهم: أي رسول اللَّه كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أُنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها ... إلى أن قالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل اللَّه في إثرها: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ) ونظير ذلك أمرهم بتقديم الصدقة عند مناجاة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم لما رأى تبارك وتعالى شفقة المؤمنين ومشقة الصدقات عليهم عند كل مناجاة سهل الأمر عليهم ولم يؤاخذهم بترك الصدقة بين يدي المناجاة. فإن قال قائل: ما قولك في قوله تعالى: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا) فالضعف يظهر عند التطبيق، والتخفيف بعده، وأنت صححت قول ابن العربي في أن هذا لم يقع؟ فالجواب: أن الضعف يظهر بالقول كما يظهر بالفعل، وفي القصة الأولى أظهر الصحابة ضعفهم بأقوالهم فقالوا: (وقد أُنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها). وإذا كان الأمر كذلك فإني لا أرى ما يمنع أن يكون ثبات الواحد للعشرة من هذا الباب فلما شق على المسلمين فرضُ ذلك عليهم نسخه اللَّه بقوله: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا). ولعل مما يؤيد قولي: قوله: (شق ذلك على المسلمين)، وقوله: (جهد الناس ذلك وشق عليهم) فإن هذا يشير إلى أن التخفيف جاء سريعاً. ولم يتأخر كما اختاره الزمخشري، وهذا من رحمة اللَّه بهذه الأمة التي رفع عنها الآصار والأغلال التي كانت على غيرهم ممن سبقهم. بل روح الشريعة وقلبها، وبها اليسر والسماحة ورفع الخرج، فالحمد للَّه أولاً وآخراً، وظاهرًا، وباطناً. * النتيجة: أن سبب نزول قوله: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ) أنه قد شق على المسلمين ثبات الواحد منهم لعشرة من الكافرين، والذي دعاني لاختيار هذا مع أنه ليس لي سلف أتشبَّث به من المفسرين، أن روايات الحديث تشير إليه، وكذلك بعض الأمثلة المشابهة في كتاب الله، والتي ذكرت اثنين منها، مع صحة إسناده، وارتباطه بحدث معين، وموافقته للفظ الآية والله أعلم. * * * * * 93 - قال الله تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) * سَبَبُ النُّزُولِ: 1 - أخرج مسلم وأحمد وأبو داود عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر، نظر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: (اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آت ما وعدتني. اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض) فما زال يهتف بربه، مادّا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كذاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) فأمده الله بالملائكة. قال أبو زُمَيْل: فحدثني ابن عبَّاسٍ قال: بينما رجل من المسلمين يومئذٍ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه. إذ سمع ضربة بالسوط فوقه. وصوت الفارس يقول: أَقْدِم حيزوم. فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقياً. فنظر إليه فإذا هو قد خُطم أنفه، وشق وجهه كضربة السوط فاخضرَّ ذلك أجمع،فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول اللَّه - كلهم - فقال: (صدقت. ذلك من مدد السماء الثالثة) فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين. قال أبو زميل: قال ابن عبَّاسٍ: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي بكر وعمر (ما ترون في هؤلاء الأسارى؟) فقال أبو بكر: يا نبي اللَّه هم بنو العم والعشيرة أَرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوةً على الكفار فعسى الله أن يهديهم للإسلام. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما ترى يا ابن الخطاب) قلت: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر. ولكني أرى أن تُمكِّنَّا فنضرب أعناقهم فتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه. وتمكني من فلان (نسيباً لعمر) فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهوي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما قال أبو بكر ولم يهوَ ما قلت. فلما كان من الغد جئت فإذا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله أخبرني من أيِّ شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما. فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَبكي للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء. لقد عُرض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة) شجرة قريبة من نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) إلى قوله .. (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا) فأحل اللَّه الغنيمة لهم. وأخرج أحمد والترمذي نحوه من حديث عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وأخرج أحمد نحوه من حديث أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. 2 - وأخرج أحمد والترمذي والنَّسَائِي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم، كانت تنزل النار من السماء فتأكلها، فلما كان يوم بدر أسرع الناس في الغنائم فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية. وقد أورد جمهور المفسرين هذه الأحاديث عند تفسيرها منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور. وقد دلّ حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على صلة الغنائم بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا). ومال إلى هذا الطبري فقال: (لولا قضاء من اللَّه سبق لكم أهل بدر في اللوح المحفوظ بأن الله مُحِلٌّ لكم الغنيمة، وأن اللَّه قضى فيما قضى، أنه لا يضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون وأنه لا يعذب أحدًا شهد المشهد الذي شهدتموه ببدر مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناصرًا دين اللَّه لنالكم من اللَّه بأخذكم الغنيمة والفداء عذاب عظيم) اهـ. وقال ابن العربي: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ) في إحلال الغنيمة لعذَّبتم بما اقتحمتم فيها مما ليس لكم اقتحامه إلا بشرع) اهـ. وقال القرطبي: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ) اختلف الناس في كتاب اللَّه السابق على أقوال أصحها ما سبق من إحلال الغنائم، فإنها كانت محرمة على من قبلنا فلما كان يوم بدر أسرع الناس إلى الغنائم فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ) أي بتحليل الغنائم) اهـ. وقال ابن كثير: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ) لهذه الأمة بإحلال الغنائم) اهـ. وعندي - والله تعالى أعلم - أن قوله تعالى: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) له صلة باستبقاء الأسرى وأخذ الفداء عن ذلك، ولا صلة له بالغنيمة لوجهين: الأول: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعمر: أبكي للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة. فالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر أخذهم الفداء الناشئ عن استبقاء الرجال وربط العذاب بذلك، ولم يأتِ للغنائم ذكر، وأولى ما يُفسر به القرآن الصحيح من السنة. الثاني: أن الله ذكر الفداء بقوله: (أَخَذْتُمْ) وهو تعبير النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكر الغنيمة بقوله: (غَنِمْتُمْ) واختلاف المباني يدل على اختلاف المقصود من المعاني. فإن قال قائل: العذاب المستحق عليهم بأخذهم الفداء ما الذي رفعه؟ فالجواب: (الكتاب السابق من أنه لا يعذب من غير أن يتقدم بالإنذار) اهـ. وهنا أسئلة ثلاثة تنتظر الجواب: الأول: جاء في حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلما كان يوم بدر أسرِع الناس في الغنائم فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فالحديث دلّ على صلة الآية بالغنائم. فالجواب: أن الآيات نزلت دفعة واحدة فظن بعض الناس أن لها صلةً بها فحدّث بذلك وأبو هريرة لم يشهد هذا بنفسه لأنه لم يُسلم بعد، والذي يحمل على هذا الظن أن الله ذكر بعدها أكل الغنائم فقال: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا) فالتبس هذا بهذا. فإن قيل: هل سبق إلى هذا القول أحد من المفسرين؟ فالجواب: نعم فقد قال ابن عطية في قوله: (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا) (المراد ما أُخذ من الأسرى من الأموال) اهـ. وقال في موضع آخر: (والذي أقول في هذا أن العتب لأصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ ... ) إلى قوله: (عَظِيمٌ) إنما هو على استبقاء الرجال وقت الهزيمة رغبةً في أخذ المال منهم) اهـ. فتأمل قوله: (إلى قوله (عَظِيمٌ) إنما هو على استبقاء الرجال رغبة في أخذ المال منهم، فإن هذا عين ما وقع فيه الإشكال. الثاني: ماذا أفاد قوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ... )؟ فالجواب: أنه لما وقع التوبيخ عليهم لأخذهم الفداء تحرجوا حتى من الغنيمة فأمسكوا عنها فبين اللَّه لهم حلها بقوله: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا). فأمرهم بالأكل وأحله وطيَّبه. فإن قال قائل: أفلا يمكن أن يكون اللَّه قد أَحل الغنائم بهذه الآية؟ فالجواب: هذا لا يقال فقد تقدم حديث ابن عبَّاسٍ عند نزول قوله: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ) فقد اختلف المشيخة والفتيان في المغنم حتى أنزل اللَّه الآية، والقصة متقدمة لأن الذي نزل عليها أول السورة. بل ذهب بعض أهل العلم إلى أن حِل الغنائم قد تقدم قصة بدر، قال ابن العربي: (وقد كانوا غنموا أول غنيمة في الإسلام حين أرسل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عبد اللَّه بن جحش في رجب مَقْفله من بدر الأولى، إلى أن قال ... وعزل عبد اللَّه لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خمس الغنيمة، وقسم سائرها بين أصحابه) اهـ. قال ابن عطية مؤيدًا: (وكذلك ذكروا في هذه الآيات تحليل المغانم لهذه الأمة ولا أقول ذلك لأن حكم الله تعالى بتحليل المغنم لهذه الأمة قد كان تقدم قبل بدر وذلك في السرية التي قُتل فيها عمرو بن الحضرمي) اهـ. قال ابن القيم عن تلك السرية: (ثم قدموا بالعير والأسيرين، وقد عزلوا من ذلك الخمس، وهو أول خمس كان في الإسلام، وأول قتيل في الإسلام، وأول أسيرين في الإسلام) اهـ. الثالث: قال اللَّه تعالى: (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا) من المقصود بهذا؟ فالجواب: قال ابن القيم: (وأما بكاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنما كان رحمةً لنزول العذاب لمن أراد بذلك عرض الدنيا، ولم يُرد ذلك رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا أبو بكر، وإن أراده بعض الصحابة، فالفتنة كانت تعم، ولا تصيب من أراد ذلك خاصة، كما هزم العسكر يوم حنين بقول أحدهم: (لن نغلب اليوم من قلة) وبإعجاب كثرتهم لمن أعجبته منهم، فهزم الجيش بذلك فتنة ومحنة ثم استقر الأمر على النصر والظفر) اهـ. * النتيجة: أن نزول قوله: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ) إلى قوله: (عَظِيمٌ) كان بشأن أخذ الفداء واستبقاء الأسرى وهو ما دلّ عليه حديث ابن عبَّاسٍ - ربما -. وأن قوله: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ ... ) نزلت رافعةً للحرج الناشئ عن توبيخهم على أخذ الفداء وسبب هذا: النظر في سياق الآيات والوقائع المتعلقة بتاريخ القصة مع صحة الأحاديث، وتصريحها بالنزول واللَّه أعلم. * * * * *
__________________
|
#96
|
||||
|
||||
رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد
المحرر في أسباب نزول القرآن المؤلف: خالد بن سليمان المزيني المجلد الاول سورة التوبة من صــ 578 الى صـ 588 الحلقة (96) سورة التوبة 94 - قال اِلة تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج مسلم وأحمد عن النعمان بن بشير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنتُ عند منبر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال رجل: ما أُبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أَسقي الحاج. وقال آخر: ما أُبالي أن لا أَعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام وقال آخر: الجهاد في سبيل اللَّه أفضل مما قلتم. فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يوم الجمعة. ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ .. ). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث وغيره معه عند تفسيرها منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي، وابن عاشور. قال الطبري: (أجعلتم أيها القوم سقاية الحاج، وعمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن باللَّه واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون هؤلاء وأولئك، ولا تعتدل أحوالهما عند الله ومنازلهما، لأن اللَّه تعالى لا يقبل بغير الإيمان به وباليوم الآخر عملاً، (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي لا يوفق لصالح الأعمال من كان به كافراً ولتوحيده جاحداً. إلى أن قال: الذين آمنوا باللَّه: صدقوا بتوحيده من المشركين وهاجروا دور قومهم وجاهدوا المشركين في دين الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأرفع منزلة عنده، من سقاة الحاج، وعمار المسجد الحرام وهم باللَّه مشركون) اهـ. وقال السعدي: الما اختلف بعض المسلمين، أو بعض المسلمين وبعض المشركين في تفضيل عمارة المسجد الحرام بالبناء والصلاة والعبادة فيه وسقاية الحاج على الإيمان باللَّه والجهاد في سبيله أخبر الله تعالى بالتفاوت بينهما فذكر كلامًا إلى أن قال: فالجهاد والإيمان باللَّه، أفضل من سقاية الحاج، وعمارة المسجد الحرام بدرجات كثيرة لأن الإيمان أصل الدين، وبه تقبل الأعمال، وتزكو الخصال. وأما الجهاد في سبيل اللَّه فهو ذروة سنام الدين، وبه يحفظ الدين الإسلامي ويتسع وينصر الحق ويخذل الباطل. وأما عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج فهي وإن كانت أعمالاً صالحةً فهي متوقفة على الإيمان، وليس فيها من المصالح ما في الإيمان والجهاد نلذلك قال: (لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ) اهـ محل الشاهد. وقال ابن عاشور: (وأحسن ما روي في سبب نزول هذه الآية ما رواه الطبري والواحدي عن النعمان بن بشير ... ثم ساق الحديث الذي معنا) اهـ. وقد قال القرطبي المحدث: (أما حديث النعمان هذا فمشكل على مساق الآية فإنه يقتضي أنها إنما نزلت عند اختلاف المسلمين في الأفضل من هذه الأعمال، وحينئذٍ لا يصلح أن يكون قوله تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ ... ) إلى قوله: (لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ) نزل جواباً لذلك، فإن أولئك المسلمين لم يختلفوا في أن الإيمان مع الجهاد أفضل من مجرد السقاية والعمارة وإنما اختلفوا في أي الأعمال أفضل بعد الإسلام وقد نصّوا على ذلك في الحديث وأيضاً: فلا يليق أن يقال لهم في هذا الذي اختلفوا فيه (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وأيضاً: فإن الآيات التي قبل هذه الآية من قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ .. ) تدل على أن الخطاب مع المشركين فتعين الإشكال، فلينظر في التخلص منه، ويمكن أن يتخلص منه بأن يقال: إن بعض الرواة تسامح في قوله: فأنزل اللَّه الآية وإِنَّمَا قرأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عمر الآية حين سأله فظن الراوي أنها نزلت حينئذٍ وإِنَّمَا استدل بها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أن الجهاد أفضل مما قال أولئك الذين سمعهم عمر فاستفتى لهم فتلا عليه ما كان قد أُنزل عليه في المشركين لا أنها نزلت في هؤلاء) اهـ. وقد نقل القرطبي المفسر عنه الحجة الأولى وجوابه الذي ذكره، وقد سبقهما إلى هذا الطبري كما يفهم من كلامه، لكنه لم يذكر حجةً وسأتناول حجج القرطبي بالمناقشة: أما حجته الأولى: فخلاصتها أن المسلمين اختلفوا في الأفضل بعد الإسلام، أما الآية فلا تتفق مع اختلافهم على حد قوله؛ لأنها جردت السقاية والعمارة من الإيمان وقرنت الجهاد بالإيمان، إذن فالإشكال والجواب مختلفان. والجواب: أن الجهاد لا يُتصور بدون الإيمان، فكيف يجاهد من لم يؤمن، وأما العمارة والسقاية فتقعان بدون الإيمان والدليل وجودهما في الواقع على عهده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعدم ذكر الإيمان مع السقاية والعمارة في الآية ليس ذكرًا للعدم، وإِنَّمَا حكايةً للواقع والممكن. أما حجته الثانية: فلأن الله ختم الآية بقوله: (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وهذا لا يناسب المتحدثين. فالجواب: وما يدريك فلعل الله اطلع على قلوب أولئك فعلم من بعضهم ميلاً إلى السقاية والعمارة مع الرغبة في الدعة والسلامة لا أنه كان يخفى عليهم جميعاً شأن الجهاد وقد قال اللَّه تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24). وهذه الآية لم يفصل بينها وبين الآيات التي معنا إلا آيةً واحدة ليست منها بل هي منفصلة. أَوَليس بعض الصحابة قد هموا بالإقامة على الأموال وإصلاحها وترك الجهاد مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى نُهوا أن يُلقوا بأيديهم إلى التهلكة؟ ثم أليس من الخطأ التسويةُ بين مجاهد يبذل نفسه ومهجته وماله لِلَّهِ لا يدري هل يرجع من ذلك بشيء، وبين مقيم بين أهله يعمر ويسقي لا يخاف شيئاً من ذلك؟ أما حجته الثالثة: فقال إن سياق الآيات في المشركين. والجواب: أن سياق الآيات كلها في المؤمنين باستثناء قوله: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ)، فكيف يقال إن السياق في المشركين. ثم إن سورة التوبة من آخر القرآن نزولاً في المدينة فكيف اختلفوا مع المسلمين؟ وأين كان هذا؟ وأيضاً فإن الله قال: (أَجَعَلْتُمْ) فهل يعهد في القرآن أن يخاطب اللَّه المشركين على هذا النحو لأن الأمر حسبما ذكره المفسرون أن المشركين هم الذين افتخروا بالسقاية والعمارة، والمؤمنين بالإيمان والجهاد، فمقتضى هذا أن يتوجه الخطاب للمشركين. ثم هل للمشركين قدر أو قيمة يستحقون بها العناية الإلهية ببيان الفاضل من المفضول لهم؟ وأيضاً قول الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)، ألا يدل أفعل التفضيل على وجود مفضل ومفضل عليه، فالمفضل المؤمن المجاهد، والمفضل عليه المؤمن الذي يعمر ويسقي، ولو كان المفضل عليه مشركاً لم يكن فيه أدنى فضل. وليس إشكالنا مع القرطبي أن بعض الرواة قد وهم فبدلاً من أن يقول: فقرأ قال: فأنزل، فهذا أمر ممكن وقد سلكتُ هذا المسلك في البحث أحياناً لكن عند وجود القرائن والدلائل عليه. ثم هنا لنا أن نسأل ونقول أين إسنادكم على ما ذكرتم، وإن كان فهل ينهض ويقارب إسناد مسلم أو يماثله؟ * النتيجة: أن سبب نزول الآية الكريمة الحديث الذي رواه النعمان بن بشير لصحة إسناده وتصريحه بالنزول، واتفاقه مع لفظ الآية وسياق القرآن، والنظر الصحيح واللَّه أعلم. * * * * * 95 - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج البخاري عن زيد بن وهب قال: مررت بالرَّبَذَة، فإذا أنا بأبي ذر - رضي الله عنه - فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قال: معاوية نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذاك، وكتب إلى عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يشكوني، فكتب إليَّ عثمان أن أقدم المدينة، فقدمتها، فكثر عليَّ الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذاك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحيت، فكنت قريبًا فذاك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمَّروا عليَّ حبشياً لسمعت وأطعت. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في تفسير هذه الآية الكريمة ولم أرَ من العلماء من صرّح بأن للآية قصةَ نزلت بسببها، لكن أورد المفسرون هذا الحديث عند تفسيرهم للآية الكريمة منهم الطبري وابن العربي، وابن عطية والقرطبي وابن كثير والشنقيطي وابن عاشور) اهـ. أما شأن الصواب بين أبي ذر ومعاوية - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلم أرَ أحداً قصر الآية على أهل الكتاب كما فعل معاوية، وأكثر العلماء على عمومها في أهل الكتاب وغيرهم من المسلمين. قال ابن العربي: (المدرك الثاني - أن الآية عامة في أهل الكتاب وغيرهم) اهـ. وقال القرطبي: (وقال أبو ذر وغيره المراد بها أهل الكتاب وغيرهم من المسلمين، وهو الصحيح لِأنه لو أراد أهل الكتاب خاصةَ لقال: ويكنزون، بغير والذين. فلما قال (الَّذِينَ) فقد استأنف معنَى آخر يبين أنه عطف جملة على جملة) اهـ. وقال السعدي: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) أي يمسكونها ولا ينفقونها في سبيل اللَّه، أي: طرق الخير الموصلة إلى اللَّه، وهذا هو الكنز المحرم، أن يمسكها عن النفقة الواجبة كأن يمنع منها الزكاة، أو النفقات الواجبة للزوجات، أو الأقارب، أو النفقة في سبيل اللَّه إذا وجبت) اهـ. وقال الشنقيطي: (وقال بعض العلماء هي في خصوص أهل الكتاب بدليل اقترانها مع قوله: (إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ). فإذا علمت أن التحقيق أن الآية عامة، وأنها في من لا يؤدي الزكاة، فاعلم أن المراد بها هو المشار إليه في آيات الزكاة) اهـ. وذهب ابن عاشور إلى أن الآية عنت جيش العسرة في غزوة تبوك حتى قال: (وقد ورد في السيرة أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل اللَّه، وقد أنفق عثمان بن عفان ألف دينار ذهباً على جيش غزوة تبوك، وحمل كثيرٌ من أهل الغنى، فالذين انكمشوا عن النفقة هم الذين عنتهم الآية ب (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ولا شك أنهم من المنافقين) اهـ. * النتيجة: أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية لعدم وجود ما يدل على ذلك من نصه أو من سياق الآيات، فقوله: نزلت فينا وفيهم، مراده أن الآية بسياقها تناولت هؤلاء وهؤلاء، لا أنها نزلت بسبب حدث من أحد الفريقين. والله أعلم. * * * * *
__________________
|
#97
|
||||
|
||||
رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد
المحرر في أسباب نزول القرآن المؤلف: خالد بن سليمان المزيني المجلد الاول سورة التوبة من صــ 589 الى صـ 597 الحلقة (97) 96 - قال الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج البخاري وأحمد والنَّسَائِي عن أبي سعيد الخدري قال: بينا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقسم، جاء عبد اللَّه بن ذي الخويصرة التميمي فقال: اعدل يا رسول اللَّه، فقال: (ويحك، ومن يعدل إذا لم أعدل) قال عمر بن الخطاب: ائذن لي فأضرب عنقه قال: (دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاته، وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرَّمِئة، ينظر في قُذَذِهِ فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نَصْلِهِ فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رِصَافِهِ فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر في نَضِيّهِ فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم، آيَتُهم رجل إحدى يديه، أو قال: ثدييه،مثل ثدي المرأة، أو قال مثل البضعة تدَرْدَرُ، يخرجون على حين فرقة من الناس). قال أبو سعيد: أشهد سمعت من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأشهد أن علياً قتلهم وأنا معه جيء بالرجل على النعت الذي نعته النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فنزلت فيه: وَمِنهُم (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ). * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور. قال البغوي: (نزلت في ذي الخويصرة التميمي واسمه حرقوص بن زهير، أصل الخوارج) اهـ. * فائدة: سبب قول الرجل ما قال أنه لم يُعط من تلك القسمة فغضب من ذلك قال السعدي: (ومن هؤلاء المنافقين من يعيبك في قسمة الصدقات، وينتقد عليك فيها وليس انتقادهم فيها وعيبهم، لقصد صحيح، ولا لرأي رجيح، وإنما مقصودهم أن يعطوا منها: (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) اهـ. وقال ابن عاشور: (عرف المنافقون بالشح، ومن شحهم أنهم يودون أن الصدقات توزع عليهم، فإذا رأوها توزع على غيرهم، طعنوا في إعطائها بمطاعن يلقونها في أحاديثهم ويظهرون أنهم يغارون على مستحقيها، ويشمئزون من صرفها في غير أهلها، وإنما يرومون بذلك أن تقصر عليهم). اهـ بتصرف يسير. * النتيجة: أن الحديث المذكور سبب نزول الآية الكريمة لصحة إسناده، وموافقته لسياق القرآن، واحتجاج المفسرين به واللَّه أعلم. * * * * * 97 - قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج البخاري ومسلم والنَّسَائِي عن أبي مسعود الأنصاري - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما أُمرنا بالصدقة كنا نتحامل فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إن اللَّه لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رئاءً فنزلت: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ .. ) الآية. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد الحديث الطبري والقرطبي وابن كثير في سبب نزولها وذكروا معه غيره. وساق البغوي وابن عطية وابن عاشور أحاديث مشابهة. قال الطبري: (يقول اللَّه تعالى ذكره: الذين يلمزون المطوعين في الصدقة على أهل المسكنة والحاجة، بما لم يوجبه اللَّه عليهم في أموالهم، ويطعنون فيها عليهم بقولهم: إنما تصدقوا به رياءً وسمعة، ولم يريدوا وجه اللَّه، ويلمزون الذين لا يجدون ما يتصدقون به إلا جهدهم وذلك طاقتهم، فينتقصونهم ويقولون: لقد كان اللَّه عن صدقة هؤلاء غنيًا، سخرية منهم بهم ... إلى أن قال: وذكر أن المعنيّ بقوله: (الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) عبد الرحمن بن عوف وعاصم بن عدي الأنصاري، وأن المعني بقوله: (وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) أبو عقيل الأراشي أخو بني أنيف) اهـ. قال ابن كثير: (وهذا أيضاً من صفات المنافقين لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال، حتى ولا المتصدقون يسلمون منهم، إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا هذا مراءٍ، وإن جاء بشيء يسير قالوا إن اللَّه لغني عن صدقة هذا كما روى البخاري ... ثم ساق الحديث) اهـ. وقال البغوي: (قال أهل التفسير: حث رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم، وقال: يا رسول اللَّه مالي ثمانية آلاف جئتك بأربعة آلاف فاجعلها في سبيل اللَّه، وأمسكت أربعة آلاف لعيالي، فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (بارك اللَّه لك فيما أعطيتَ وفيما أمسكتَ) فبارك اللَّه في ماله حتى أنه خلف امرأتين يوم مات فبلغ ثمن ماله لهما مائة وستين ألف درهم، وتصدق يومئذٍ عاصم بن عدي العجلاني بمائة وسق من تمر، وجاء أبو عقيل الأنصاري واسمه الحبحاب بصاعٍ من تمر، وقال: يا رسول اللَّه بتُّ ليلتي أجر بالجرير الماء حتى نلتُ صاعين من تمر فأمسكت أحدهما لأهلي وأتيتك بالآخر فأمره رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ينثره في الصدقة، فلمزهم المنافقون، وقالوا: ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياءً، وإن كان الله ورسوله لغنيان عن صاع أبي عقيل ولكنه أراد أن يذكر فيمن أعطى الصدقة فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ) اهـ. قال ابن عطية: (وأما المتصدق بكثير الذي كان سببًا للآية فأكثر الروايات أنه عبد الرحمن بن عوف ثم ساق الحديث إلى أن قال: وأما المتصدق بقليل فهو أبو عقيل حبحاب الأراشي فذكر الحديث إلى آخره) اهـ. وقال ابن عاشور: (نزلت بسبب حادث حدث في مدة نزول السورة:ذلك أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حث على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف ... فذكره) اهـ. وقال السعدي: (وهذا أيضاً من مخازي المنافقين فكانوا - قبحهم الله - لا يدعون شيئاً من أمور الإسلام والمسلمين يرون لهم مقالاً، إلا قالوا وطعنوا بغياً وعدواناً، فلما حث الله ورسوله على الصدقة، بادر المسلمون إلى ذلك، وبذلوا من أموالهم، كلٌّ على حسب حاله، منهم المكثر ومنهم المقل، فيلمزون المكثر منهم، بأن قصده بنفقته الرياء والسمعة وقالوا للمقل الفقير: إن الله غني عن صدقة هذا، فأنزل الله تعالى: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ) اهـ. وهذه الأقوال المتقدمة للعلماء لا اختلاف بينها ولا تباين فمن ساق حديث أبي مسعود فقد أغفل ذكر الأسماء، ومن ساق حديث عبد الرحمن بن عوف فقد زاد على حديث أبي مسعود تفصيلاً وذكراً للأسماء وإلا فالحديثان يصبان في نهر واحد، ولعل البسط في حديث عبد الرحمن هو الذي حدا بعض العلماء إلى ذكره والنص عليه. * النتيجة: أن سبب نزول الآية الكريمة ما جاء في قصة أبي عقيل ومن معه حين تصدقوا فعابهم المنافقون على صدقاتهم وذلك لصحة سنده، وموافقته للفظ الآية، واحتجاج المفسرين به وتصريحه بالنزول والله أعلم. * * * * * 98 - قال الله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) * سَبَبُ النُّزُولِ: أخرج البخاري وأحمد والترمذي والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لما مات عبد اللَّه بن أبي ابن سلول، دعي له رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليُصلي عليه، فلما قام رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وثبتُ إليه، فقلت: يا رسول اللَّه، أَتصلي على ابن أُبي، وقد قال يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ أُعَدِّدُ عليه قولَه، فتبسم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: (أَخِّرْ عني يا عمر). فلما أكثرتُ عليه، قال: (إني خُيرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها)، قال: فصلى عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرًا حتى نزلت الآيتان من براءة: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا) إلى قوله: (وَهُمْ فَاسِقُونَ). قال: فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئذٍ، واللَّه ورسوله أعلم. وأخرجه البخاري، وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه من حديث ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وأخرج ابن ماجه من حديث جابر - رضي الله عنه- نحوه. * دِرَاسَةُ السَّبَبِ: هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور. قال الطبري: (يقول جل ثناؤه لنبيه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا تصل يا محمد على أحد مات من هؤلاء المنافقين الذين تخلفوا عن الخروج معك أبداً ولا تتول دفنه وتقبره إنهم جحدوا توحيد الله ورسالة رسوله، وماتوا وهم خارجون من الإسلام، مفارقون أمر الله ونهيه وقد ذكر أن هذه الآية نزلت حين صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عبد الله بن أبي) اهـ بتصرف يسير. وقال ابن العربي: (المسألة الأولى في سبب نزولها: ثبت في الصحاح والمصنفات حديث عبد الله بن عبَّاسٍ وغيره قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: لما توفي عبد اللَّه بن أبي دعي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للصلاة عليه. فذكر الحديث) اهـ. وقال ابن عطية: (هذه الآية نزلت في شأن عبد الله بن أبي ابن سلول وصلاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكر كلامًا إلى أن قال: وتظاهرت الروايات أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى عليه، وأن الآية نزلت بعد ذلك). اهـ. وقال القرطبي: (روي أن هذه الآية نزلت في شأن عبد اللَّه بن أبي ابن سلول، وصلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليه. ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما، وتظاهرت الروايات بأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى عليه، وأن الآية نزلت بعد ذلك) اهـ. وقال ابن كثير: (أمر اللَّه تعالى رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يبرأ من المنافقين وأن لا يصلي على أحد منهم إذا مات وأن لا يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له لأنهم كفروا باللَّه ورسوله وماتوا عليه، وهذا حكم عام في كل من عرف مقامَه وإن كان سبب نزول الآية في عبد اللَّه بن أبي ابن سلول رأس المنافقين كما قال البخاري ثم ساق الحديث) اهـ. وبناءً على ما تقدم فإنه لا خلاف بين المفسرين أن قصة عبد اللَّه بن أبي ابن سلول وصلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليه هي سبب نزول الآيات الكريمة. * تنبيه: جاء في بعض ألفاظ الحديث من طريق ابن عمر قول عمر: أليس اللَّه قد نهاك أن تصلي على المنافقين؟ فكيف قال عمر ذلك له مع أن قوله: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا) كان بعد الصلاة عليه؟. أجاب الحافظ ابن حجر: (محصل الجواب أن عمر فهم من قوله: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ)، منع الصلاة عليهم، فأخبره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن لا منع، وأن الرجاء لم ينقطع بعد) اهـ. * النتيجة: أن سبب نزول الآيات الكريمة صلاة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على رأس المنافقين وذلك لصحة سنده، وموافقته للفظ الآية، وتعويل المفسرين عليه وتصريحه بالنزول واللَّه أعلم. * * * * *
__________________
|
#98
|
||||
|
||||
رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد
__________________
|
#99
|
||||
|
||||
رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد
__________________
|
#100
|
||||
|
||||
رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |