إنصاف "علم العروض" (رسالتي للنقاد والمهتمين بالشعر) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 145 )           »          إنما الحلم بالتحلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 450 )           »          الصالون الأدبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 4052 )           »          من أساليب التربية في القرآن الكريم ـ دحض الافتراء ـ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 88 )           »          النوافل والسنن الرواتب للمسافر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 125 )           »          هل على من يدخل مكتبة المسجد تحية المسجد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          صوم الأيام البيض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 129 )           »          هل الذنوب تسبب محق البركة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 177 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4603 - عددالزوار : 1311367 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4149 - عددالزوار : 837610 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى الإنشاء
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-06-2023, 11:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,749
الدولة : Egypt
افتراضي إنصاف "علم العروض" (رسالتي للنقاد والمهتمين بالشعر)

إنصاف "علم العروض" (رسالتي للنقاد والمهتمين بالشعر)
د. المعز مهدي علي محمد الأمين


إن اللُّغةَ العربيةَ فريدةُ المبنى، رفيعةُ المعنى، وفيها ما ليس في اللُّغات الأُخرى من غِنى المفردات، وبراعة التراكيب، ومما تفردت به اللّغةُ العربيةُ المِيزانُ الشعري، أو ما يعرفُ "بعلم العَرُوض"، وأقول لغيرِ المختصِّ في اللّغة العربية إذا وقع على مقالي هذا: "علمُ العَروضِ" هو العلمُ الذي تُعرف به أوزان الشعر العربي، وصحيحُ الشعرِ من مَكْسُورِهِ، وتُسمَّى هذه الأوزان بُحُورًا، مثل: بحر الطويل، وبحر الكامِل، والوافِر، والرَّجَز، والمُضارِع؛ وهذه الأوزان أو البحور توصَّل إليها "الخليل بن أحمد الفراهيدي" (مع إضافة بحرٍ للأخفش).

ليست القصيدةَ هي التي تنتهي أبياتُها بحرفٍ واحدٍ معينٍ فقط، إنما تحملُ في داخلها نوعًا من الوزن الموسيقي المنتظم، وهذا الوزنُ هو القولُ الفصلُ في تحديد ما إذا كانت القصيدةُ تمثِّلُ شعرًا عربيًّا، ثم ما نوع هذا الشعر، وما منزلته وقيمته.

إضافة إلى سلامة الوزن وجمالِهِ، فلا بُدَّ للشعر من جمالٍ آخر، هو جمالُ العاطفة المنبعثة من نفس الشاعر لتُحرِّك وجدان المُتلقِّي، وأيضًا البلاغة العالية، وذكاء الشاعر واتقاد ذِهْنه في اقتناص المفردات المُعبِّرة، والمعاني العميقة.

التزمَ الشعرُ العربيُّ الوزنَ الأصيلَ منذ العصر الجاهلي، وتفرَّعت منه على مرِّ العصور أوزانٌ جديدة مستمدَّةٌ من الوزن العَرُوضي الأصيل نفسِه، وهذا التفرُّع بدأ منذ أواخر القرن الثالث الهجري، حيث نُظِم شعرُ الرباعيات وأفلَ نجمُهُ، ثم ظهر مرة أخرى، وإلى الرباعيات ينحدرُ "شعر الدوبيت" وكثير من "الشعر الشعبي"، وكذلك شعر "المواليا" و"الكان وكان"، أما شعر "الموشحات" فيختلف عن "الرباعيات"، وظهر في الأندلس في نفس الوقت تقريبًا.

ظهر "الشعر الحر" أو "شعر التفعيلة" في منتصف القرن الماضي، وهو شعرٌ يقوم على ميزان التفعيلة الواحدة أو التفعيلتين، دون الالتزام بنسق البُحور القديمة، أو بالنسق العمودي للبيت، والقافيةُ فيه غالبًا متغيِّرة؛ كلُّ هذه الأنواع التي ذكرتُها تعتمدُ نوعًا من الوزن يرجعُ أساسُهُ إلى "عِلمِ العَرُوض".

ونأخذ نموذجا للشاعر "فاروق جويدة" ينضَحُ بالعاطفة والجمال، وروعة الوزن، يقول:
قالت: سوف تنساني...
وتنسى أنني يومًا وهبْتُك نبضَ وجداني
وتعشقُ موجةً أُخرى وتهجرُ دفءَ شطآني
وتجلسُ مثلما كُنَّا لتسمعَ بعضَ ألحاني
ولا تعنيك أحزاني
ويسقطُ كالمُنى إسمي وسوف يتوه عُنواني
ترى ستقول يا عُمْري بأنك كنت تهواني

إن أكثر ما يأسرُ القارئَ في هذه الأبيات - بجانب العاطفة - هو الوزن، حيث يشَكِّلُ إيقاعًا منتظمًا، أضفى عليها لمْسةً أخَّاذة، وجعلها مميَّزةً تجدُ القَبولَ دون استثناء؛ وإذا أردنا تحليل هذا الوزن في هذه الأبيات، فإننا نركنُ "لعلم العروض" القديم، نستلُّ تفعيلاته، ونطبِّقها عليها، وإليكم الأبيات مرة أخرى مع بَيانِ وزنها:
قالت: سوف تنساني...
وتنسى أنني يوما وهبْتُك نبضَ وجداني
مَفَاعِيْلُنْ مَفَاعِيْلُنْ مُفَاْعَلَتُنْ مَفَاعِيْلُنْ
وتعشق موجةً أُخرى وتهجرُ دفءَ شطآني
مُفَاْعَلَتُنْ مَفَاعِيْلُنْ مُفَاْعَلَتُنْ مَفَاعِيْلُنْ
وتجلسُ مثلما كُنَّا لتسمعَ بعضَ ألحاني
مُفَاْعَلَتُنْ مَفَاعِيْلُنْ مُفَاْعَلَتُنْ مَفَاعِيْلُنْ
ولا تعنيك أحزاني
مَفَاعِيْلُنْ مَفَاعِيْلُنْ
ويسقطُ كالمنى إسمي وسوف يتوه عنواني
مُفَاْعَلَتُنْ مَفَاعِيْلُنْ مُفَاْعَلَتُنْ مَفَاعِيْلُنْ
تُرَى سَتقولُ يا عُمْرِي بأنَّك كنتَ تهواني
مُفَاْعَلَتُنْ مَفَاعِيْلُنْ مُفَاْعَلَتُنْ مَفَاعِيْلُنْ

نلاحظُ هنا أن الشاعر التزم التفعيلةَ (مُفَاْعَلَتُنْ) والمَعصُوبة منها (مَفَاعِيْلُنْ)، والتزامُهُ كان تامَّا لم يكسره، أو يُبدله. وهذا هو الذي أدَّى إلى عذوبة الموسيقى وجمالِها؛ بل وما زاد ذلك جمالًا، هو التناغمُ الذي سارت عليه التفعيلتان، فكان الوزنُ في أكثرِ الأبيات:
مُفَاْعَلَتُنْ مَفَاعِيْلُنْ مُفَاْعَلَتُنْ مَفَاعِيْلُنْ

يبدأ الصوتُ قويًّا مرتفعًا في التفعيلة (مُفَاْعَلَتُنْ) ذات الثلاثة متحركات، وتأتي بعدها (مَفَاعِيْلُنْ) تصنعُ منخفضًا صوتيًّا -إن صحَّ تعبيري- وهو واضحٌ في حرفِ العين الممدود بالياء للتفعيلة (مَفَاعِيْلُنْ) فيصنعُ ذلك سكونًا يفصلُ بين المتحركين، ثم يعود الصوتُ ليشرئبَّ مرةً أخرى ويرتفع في (مُفَاْعَلَتُنْ) وهذا يصنعُ تموُّجا صوتيًّا يجعلُ النفسَ تطفو وتتموَّج معه، فيحسُّ المتلقي العادي للقصيدة بالجمال، دون أن يجد تفسيرًا علميًّا لهذا الإحساس، لكنَّ المُخْتصَّ في اللُّغة العربية والشعر العربيِّ، العارف ببواطِنِه وأسراره، يستطيع أن يفسِّر ذلك تفسيرًا علميًّا دقيقًا.

ومثالٌ آخر "لفاروق جويدة" التزم التفعيلة (مُتَفَاْعِلُن) والمُضمَرة منها (مُسْتَفْعِلُنْ) دون كسرٍ أو تغيير، فجاء شعره منسابا يقول:
أُمّاه ليتك تسمعين
مُسْتَفْعِلُنْ متفاعلان
لا شيءَ يا أمِّي هنا يدري حكايا..... الحائرين
مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتفعلان
كم عشتُ بعدَك شاحبَ الأعماقِ مرتجفَ الجبينْ
مُسْتَفْعِلُنْ مُتَفَاْعِلُن مُسْتَفْعِلُنْ مُتَفاعِلان
والحبُّ في الطرقاتِ مهزومٌ على زمن ٍحزين
مُسْتَفْعِلُنْ مُتَفَاْعِلُن مُسْتَفْعِلُنْ متفاعلان

إيقاع (مُتَفَاْعِلُن) قويٌ وجاد، ويكون مؤثرًا جدًّا عندما يمتزجُ مع العاطفة والانفعال، وهو الوزن القديم نفسُه الذي نظم فيه عنترة بن شداد معلقته (هل غادر الشعراء ُمن متردَّمِ)، وفيها يقول مخاطبا عَبْلة:
وَلَقَد ذَكَرتُكِ والرِّماحُ نَواهِلٌ
مِنّي وبِيضُ الهِندِ تَقطُرُ مِن دَمي
فَوَدَدتُ تَقبيلَ السُيوفِ لأَنَّها
لَمَعَت كَبارِقِ ثَغرِكِ المُتَبَسِّمِ


إن قاعدة الجمال الأولى في هذين البيتين هي التزامهما بالوزن المتمثل في التفعيلة (مُتَفَاْعِلُن) والمتحولة منها (مُسْتَفْعِلُنْ)، ثم بعد ذلك تأتي المعاني التي هي أيضا غاية في الروعة والجمال؛ ولأُبيِّن لك - عزيزي القارئ – أهميةَ الوزنِ الذي يتفرَّد به الشعر العربي، قمتُ بنثر البيتين، وحاولتُ في نثري هذا أن ألتزمَ نفس المعنى فيهما، بل نفس المفردات إلى حدٍّ كبير، فكانت النتيجة التالية: (لَقَد ذكرتُك عندما كانت تَنهلُ منِّى الرماح، ومن دمي تقطرُ بيضُ الهِند. لمعت السيوف مثل ثغرك البارق المتبسِّم، لذلك وددت أن اقبلها). وبذا يفقِدُ البيتان الرّونَقَ والأناقة بفقدِ الوزن الذي هو في الأساس سبَبُ تحبيبِهما للنفس.

"شعر التفعيلة" سليلُ الشعر العربي القديم، وهو نموذجٌ ابتعد عن الوزن الأصيل، لكنه مرتبطٌ به بحالٍ ما - كما بيَّنتُ ذلك- وأنتقلُ إلى وزنٍ آخر أكثر ابتعادًا، من وزن شعر التفعيلة، وهو وزنُ "الشعر النبطي".

"الشعر النبطي" هو شعرُ اللَّهجات العربية، ويتركز في شبة الجزيرة العربية، ويصل حتى بعض بوادي العراق، وهو شعرٌ له وزنُهُ الخاص الذي يقومُ على المقاطع الصغيرة، مثلا (دَنْ دَنْ دَدَنْ) وهذا يقابلُ في التفاعيل (مُسْتَفْعِلُنْ). واستعاض الدكتور "محمد العمري" –وفقه الله- عن هذه (الدندنة) وعن التفاعيل عامة بـ (لّاْ لَاْ نَعَمْ) أو (نَعَمْ لَاْ / نَعَمْ لَاْ لَاْ) وتقابل الأولى (مُسْتَفْعِلُنْ) والثانية (فَعُوْلُنْ / مَفَاعِيْلُنْ) وهذا اجتهادٌ منه مفيدٌ ومقدَّر.

تختلف بحور "الشعر النبطيِّ" ومصطلحاتُه، عن بحور ومصطلحات العروض، فمنها على سبيل المثال "الهلالي الطويل" ووزنه يشبهُ من أوزانِ "العَرُوضِ" وزنَ "بحر الطويل" (فعولن / مَفَاعِيْلُنْ).

وأيضا من أوزان "الشعر النبطي":
(دَنْ دَنْ دَدَنْ / دَنْ دَنْ دَدَنْ / دَنْ دَدَنْ دَنْ )

وهو وزن "المسحُوب" ويقابلُ من تفعيلات العروض المعروفة:
مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فاعلاتن

قد يعتري "الشعر النبطي" من (الزحاف) ما يعتري التفعيلة المعروفة فتتحول مثلا: (دَنْ /دَنْ / دَدَنْ) إلى (دَدَنْ / دَدَنْ) وهو في "علم العروض" يعرفُ (بالخَبن) غير أننا لا نستطيع تطبيق ذلك دائمًا على "الشعر النبطي"؛ لكن يبقى الرابط الوثيق بينه وبين علم العروض هو الإيقاع الناتج عن الأسباب والأوتاد (/ o) (// o) وهي نفسُها (دَنْ) (دَدَنْ)؛ والشاعر ينظم باللَّحن وبحسِّه الموسيقي، والناقد ُلا يمتلكُ هذا الحسَّ، لكنه يملكُ العِلمَ الذي به يقررُ ما اذا كان هذا الشاعر المعتمدُ على قريحته أصاب الوزنَ أم لم يُصِب.

نأتي لمسألة ما يُسمى بالأُذن الموسيقية، ونقلِّبُها بين الشاعر والناقد، وأقول: إن الأذن الموسيقية يمتلكُها كلُّ شاعرٍ مطبوع –وهذا لا شكَّ فيه- لكن ليس بالضرورة أن يمتلكَها الناقد الذي يقيِّم الشعرَ ويقوِّمه، والأذن الموسيقية قد تَخُونُ أحيانا حتى من يملكها من الشعراء؛ كان "النابغةُ الذبياني" يقفُ في "سوق عكاظ" ناقدا وحكما بين الشعراء، يعتمدُ على أُذنِه الموسيقية، دون أن يكون مُلِمَّا "بعلم العَروض"، "فالنابغة" زمانُهُ سابقٌ لزمان لهذا العلم، لكنه شاعرٌ موهوبٌ بفطرته، وله أُذنُه الموسيقية ككلِّ شاعرٍ، لكنْ مع ذلك خانته أُذنُه الموسيقية هذه مرَّةً فأخطأ في القافية، وقوَّمه أهلُ المدينة، وهذه قصةٌ معروفة ذكرها "أبو زيد القرشي" "وابن قتيبة" "و المرزباني" ولا مجال لنا للتعريج عليها.

"علمُ العروض" يحتاجه الناقدُ أكثر مما يحتاجه الشاعر، فالشاعر له أُذنه الموسيقية –كما أسلفنا - مع ذلك فإننا نجدُ من الكُتاب القدامى من أوجب تعلُّم "علم العروض" حتى على الشاعرِ نفسِهِ، وأسوق كلامًا "لابن الأثير" قال: " وذلك معرفة العروض، وما يجوز فيه من الزحاف، وما لا يجوز، فإن الشاعر محتاج إليه. ولسنا نوجب عليه المعرفة بذلك لينظِم بعلمه، فإن النظم مبني على الذوق، ولو نظم بتقطيع التفاعيل لجاء شعره متكلفاً غير مُرضي، وإنما أريد للشاعر معرفة العروض لأن الذوق قد ينبو عن بعض الزحافات، ويكون ذلك جائزاً في العروض. وقد ورد للعرب مثله. فإذا كان الشاعر غير عالم به لم يفرق بين ما يجوز من ذلك وبين ما لا يجوز. وكذلك أيضاً يحتاج الشاعر إلى العلم بالقوافي والحركات، ليعلم الروي والردف وما لا يصح من ذلك" أ هـ (ابن الأثير/الجامع الكبير/ص: 20).

فلا تكن أيها الناقد الأدبي - فيما يتعلق بالوزن- مثل المُتلقِّي العادي، تُسرُّ كسُرُورِه، وتنفرُ كنُفُورِه، ثم تُعبِّر عن ذاك السُرور، وهذا النفور تعبيرا مُموَّها لا يُفضي لشيء سوى أنه انطباعُك أنت؛ إنما ينبغي لك، بل ويجبُ عليك، أن تمتلكَ الأدوات التي تُمكِّنك من أن تُقدِّمَ قولا فيصلا مُفصَّلا مُقنَّنا ومُثبتا عِلميا، وهذه الأدواتُ هي معرفة "علمِ العَرُوض"؛ حيث لا مجال لأن تتحدثَ عن موسيقى شعرِ شاعرٍ، أو أن توازن بين شاعرين، أو تُفاضِل بين مجموعةٍ من الشعراء، دون أن تكون مُلمَّا بالعلمِ الذي يضبِطُ هذه الموسيقى.

إن الحُكمَ على الشعرِ لا يقفُ عند "العروضِ" فقط، فلا بُدَّ بعد الوزنِ من جودة المعنى، وعُمقِ الخيال، وصدق العاطفة، وألوان البيان والبديع؛ وأذكرُ عندما كُنا طلَّابا في الثانوية، كنا نُجْري الاستعارات المختلفة، بعد أن نستخرجها من النصوص، وكنا – وقتها - نشرحُ التشبيه الضِّمْنيَّ في قول "أبي الطيب المتنبي":
مَنْ يهُنْ يَسْهُلُ الهوانُ عليه *** ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامِ
وغير ذلك من تورية ومجاز وكناية وصنوف البديع المختلفة.

ليس هذا فحسب، بل كنَّا نغوصُ في سيرةِ الشاعر ومجتمعه ونفسيته، وما يرمي إليه من وراء النص وانعكاس كل ذلك في شعره، وهذه أمورٌ في رأيي يهون علي الناقد الإتيان بها، لاسيما مع وُضُوح وتجلِّي المناهج النقدية من البنيوية والسيمائية والتفكيكية والتقَبُّلية أو التلقي، وغير ذلك، وهي مناهج نقديه قيِّمة ولها رُوَّادُها ودورُها، وهي تضيف كثيرًا للأدب العربي. لكن الشعر ليس مجرَّد التعبيرِ عما يدور في خَلَجَات النفس، فان كان ذلك كذلك، فلا فرق بينه وبين النثر، ما يميزُ الشعرَ - اضافةً الى ما ذكرنا - هو الوزن والموسيقى الداخلية.

أخيرا "علمُ العروضِ" معرفتُه واجبةٌ لكل من يشتغلُ بنقدِ الشعرِ العربيِّ، مهما كان نوعُ هذا الشعر، وفي أيِّ عصرٍ كان، "وعلمُ العروض" ليس شيئًا قائمًا بذاته، إنما يرجعُ للُّغةِ العربيةِ الصحيحةِ الفصيحةِ السليمةِ المعربةِ، والحفاظ ُعلى دراسته من الحفاظ ِعلى اللُّغة العربية وأصالتها وتفرُّدها.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 57.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 56.28 كيلو بايت... تم توفير 1.63 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]