#1
|
||||
|
||||
إذا استفزك مقالي فانقده
إذا استفزك مقالي فانقده د. ابتسام الكحيلي لا فكاك من الثقة بأن حديثك حول أمر ما -قصة، مقال، قصيدة، شخصية، مؤسسة- يُحول سهم الهدف منه إليك، ألا ترى أن انعطافَك يمينًا أو يسارًا بمركبتك اليومية، يُحول مرمى نظرك من الأمام إلى اليمين أو اليسار، هذا ما يحدث لسامعِ أو قارئ تعليقك أو رأيك، يتحوَّل مرماه من الموضوع إلى المُعلِّق عليه، فتعليقك ونقْدك مرآة لك قبل أن يكونَ مرآة لغيرك. فاربأْ بنفسك ألا تضعَها إلا بما يليق بها، فالسكوت أولى لك، فأنت غير مضطرٍّ غالبًا لتوجيه عجلةِ الرؤية والتحديق منه إليك، إلا في حالاتٍ لها خصوصيتها، وغالبًا تكون فيها على درجةٍ من الصعود. النقد ممارسة ثقافية اجتماعية مدوَّنة بأرقى تنزيلٍ بقول رب العالمين: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 67]، وقوله: ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [التوبة: 43]، وقول رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -: ((نِعم الرجلُ عبدالله لو كان يقوم الليل))[1]. والقعود عنه سُبات للأمة وتراجع، فانتقِد وتذكَّر أن الأعينَ تلتهمك، فلا تجعل من نفسك لُقمةً غير مستساغة. • فعليك بتصفية السريرة وتنقيتها من رغبة الصِّيت والسمعة، أو هوى النَّيْل من الآخرين لبواعثَ نفسية أو شخصية؛ فإنَّ اللهَ فاضِحها، وإن تراءى لك إبطانها، فإن غردتَ في منبرك "التويتري" مثلاً، وسلطتَ لسانك على مَن تعرف ومن لا تعرف، فإن للبشر أعينًا تَمتشقك، وألْسنًا تلُوكك، وما الخلفان والنمر بمنأًى عنك. • قد يستفزك أمرٌ لانتقاده؛ فمن الفطنة قراءةُ منتقَدِك، واستجلاه وتحديد هدفِك، والتريُّثَ التريثَ؛ فمن طالت فكرتُه، حَسُنت بصيرته[2]، ورُبَّ عجلةٍ تهب رَيْثًا، وربَّ غيثٍ لم يكن مغيثًا، وعالج ما تطرحه على نفسك من أسئلة: ما الذي أعجبني في الأمر أو الموضوع أولاً؟ ما الذي لم يعجبني؟ هل هو العنوان أم الفكرة أم الأسلوب؟ ولا تبخَل على نفسك بتفنيد نقدِك بالعلل والبراهين، وإلا فاتْركه، فقد ينبري إليه آخرُ، ويكفيك عناءَ التفكير. ويحفظ عليك ماءَ وجهك لانتقادك أمرًا لا تحمل في جَعبتك عنه معرفة، فلذَّة النقد الجليل أشرفُ من لذة النقد ذاته. • قرأتَ مقالة سياسية أو اقتصادية أو أدبية، وأنت ليس من ذلك في شيء، ولكنها ما زالت تلح عليك، وتؤرِّق تفكيرك أن تنقدَها، فعليك أن تقرأ حولها حتى تسبرَها وتصلَ إلى شاطئ آمِن حولها، ولا بأس أن تشاورَ عاقلاً، فتأخذَ نصف عقله، ثم دوِّن ما ترى بثقة. تأكد أنك لم تُجهد نفسك من أجل صاحب المقالة أو الموضوع، بل من أجلك أنت، فهي مرآتُك، وأنت تحبُّها بلا شك. ولا تتفصح وتقارن الشخص بغيره - سوى الموازنة - أو تُشِر له بأن يجاري فلانًا ما بأسلوبه؛ لأن النقدَ أسلوبٌ للتهذيب والبناء والتربية، وهذا ليس من التربية في شيء. جهدُك هذا ليس دقيقًا فتَنثره للريح، بل لؤلؤ فانظمْه جيدًا فتستريح، وابدأ بالمحاسن والشكر للمنتقد، أليس له فضلُ تَفتيق ذهنك، وازدهار قريحتك، ثم انظم المثالبَ بأدب الكاتب، وفهم العالِم مع التعليل وسَوْقِ الحجة، وختمه كما بدأته بالثناء والشكر. أخيرًا تذكر قول الشافعي - رحمه الله -: "ما جادلتُ أحدًا، إلا تمنيتُ أن يظهرَ اللهُ الحقَّ على لسانه دوني". إذا ما راجعك وكان محقًّا، فالعظيم من يُشعر الآخرين بأنهم عظماء. [1] البخاري، باب فضل قيام الليل، ص 9. [2] ميزان الحكمة، ج3، ص 2464.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |