|
من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
{ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} (البحر..)
{ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} (البحر..) أ. منى مصطفى ﴿ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50] (البحر) البحر صورة لنا في هذه الفانية نتسابق كأمواجه ظانين أننا اقتربنا من الهدف، وما إن نتوهم الوصول حتى نفاجأ بانتهاء العمر كانتهاء الموجة على صخرة تُحطمها أو رمال تَبتلعها، ومن عجب أن الأمواج اللاحقة لا تتعظ ولا تتوقف، بل تكمل اندفاعها حتى تلقى نفس المصير، أو ليس لها في سابقتها عبرة؟! قالت: هي سنة الله في الكون، لا بد أن نتلاحق، ويفنى جيل ليسلم جيلًا، أيُرضيك ألا آخُذ شيئًا من خبراتك وصفاتك؟ قلت: نعم هو ذاك، ولكن الأسد ما زال يسكن العرين، والضب ما زال يسكن الجحر، أما الإنسان فقد انتقل من الكهف للخيمة والبيت والقصر والعمارة، فلماذا لا نطوِّر عقولنا كما طوَّرنا سكننا؟ قالت: أوَلم يكفكِ تطورًا هذه الفورة في عالم التكنولوجيا والتواصل والفضاء والصناعات؟! قلت لها: ذلك العلم المادي يا حبيبة يُكشَفُ عنه الله بقدرٍ، وسيظل يتطور تدريجيًّا بما تحتمله عقولنا حتى نظنَّ بجهلنا أن الدنيا أصبحت تحت سطوتنا عندها يتحقق قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24]. قالت: إذًا ماذا تقصدين بقولك: (لماذا لا نطوِّر عقولنا كما طوَّرنا سكننا؟ قلت: ألا ترين العالم كله يحارب بالريموت كنترول، ونحن ما زلنا نحارب بسيف من خشب، العالم كله يتحد - وما بينهم من حب ولا ولاء، فقلوبهم شتى - لكن وحَّدهم همُّ القضاء على دين الله - لا مكَّن الله لهم - ونحن نتباعد ونتشتت في معارك هلامية لا نتيجة لها إلا مزيد من الضعف والخيبة والانتكاس، ألم تسمعي بما يحدث من تشريد للمسلمين في كثير من البلدان، وفي كل مكان تُظله شجرة التوحيد، ويسقيه نبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قالت: سألتك عن البحر لا عن تاريخ الأمم المعاصرة! قلت: وما البحر إلا مطية نصر المسلمين بإذن الله، ما إن أراه حتى ترتسم لي صورة عبدالله بن سعد بن أبي سرح قائد معركة ذات الصواري وهو يربط السفن بعضها ببعضٍ؛ ليحول البحر إلى يابسة؛ كي يحارب قسطنطين وجيشه، حتى فرَّ جريحًا وشُرِّد جيشه، ما البحر يا حبيبة إلا طارق بن زياد الذي سخر الله له البحر لتعبر منه سفن المسلمين، فتُفتح الأندلس، ليبقى فيها الإسلام ثمانية قرون منارة للعلم والجهاد والرقي الإنساني. ترى يا حبيبتي أنعود نركُبه في سبيل الله، أم أننا لم يبق لنا منه غير هذه المناظر التي تنتشر على شواطئه؛ لتثبت يومًا بعد يوم أننا أمة تائهة فاقدة للهوية، انظري لذلك الكائن الذي يجلس على مقربة منا، حتى الآن لا أعرف إن كان ذكرًا أم أنثى، وهذه الأغاني التي تلوث الأذان لا أعلم بأي لغة شيطانية سافلة كُتبت، وبأي حركات ماجنة يتراقصون على أنغامها، في تمتمة قالت: ليتني ما سألتك! أضحكني ردُّ فعلها، وكما قيل: (من لم يهتم بأمر المسلمين ليس منهم)، ثم سألتها عما أرادت أن تسألني عنه في بداية اللقاء: ماذا حدث لك في المدة التي انقطع لقاؤنا فيها؟ فبدأت في ثرثرة أحبها واستشارات لا نهاية لها، حتى كادت تسألني عن عدد النجوم في السماء، يتخلل ذلك ضحكات تملأ سماء قلبي سعادةً! فاللهم لك الحمد على نعمة الصحة والولد والبحر والسماء، وهذا الخلق المحكم المسخر لبني آدم، اللهم ارزُقنا تحقيق الغاية التي أوجدتنا لأجلها، واجعل الدنيا ممرًّا آمنًا لنا حتى نلقاك راضيًا عنا، وعن أمة حبيبك كلِّها.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |