|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#901
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [546] الحلقة (576) شرح سنن أبي داود [546] إن حسن الخلق من الخصال التي ترتقي بصاحبها إلى أعلى المراتب في الدنيا والآخرة، فمن حسن خلقه كان له من المكانة مثل الصائم الذي لا يفطر والقائم الذي لا يرقد، وما من عمل من أعمال الدنيا أثقل في الميزان من حسن الخلق، وقد تعهد النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب الخلق الحسن ببيت في أعلى الجنة، كما أخبر أن أقرب الناس منه منزلة يوم القيامة وأحبهم إليه من حسن خلقه، ونهى عن سيء الأخلاق، كالترفع والتعالي على الآخرين، وكثرة المدح الذي يؤدي إلى فتنة الممدوح، ويولد في نفسه العجب والغرور. ما جاء في حسن الخلق شرح حديث: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في حسن الخلق. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب -يعني: الإسكندراني- عن عمرو عن المطلب عن عائشة رحمها الله قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله هذه الترجمة: [ باب في حسن الخلق ]. وكتاب الأدب الذي نحن في صدد الكلام فيه كله يتعلق بالأخلاق والآداب، سواء ما كان منها مرغب فيه، أو ما كان منها مرهب ومحذر منه، وهنا حسن الخلق لفظ عام يشمل الأخلاق الكريمة والمعاملة الطيبة للناس، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما سأله بعض الصحابة أن يوصيه قال: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن). أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، ومعلوم أن الصائم القائم عنده تعب ومشقة في كونه يقوم الليل ويصلي الصلوات التي يتطوع فيها لله عز وجل، وكذلك يصوم النهار، فإن ذلك فيه مشقة عليه، ومعلوم أن الأجر حاصل للصائم القائم؛ لأنه يجاهد نفسه في القيام بهذه الأمور التي فيها مشقة وتعب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)، والطريق إلى الجنة لا بد فيه من تعب ونصب، ولا بد فيه من مشقة، فصاحب حسن الخلق يكون في درجة هؤلاء، وذلك أن أولئك يجاهدون أنفسهم، وهذا يجاهد نفسه في معاملة الناس المعاملة الطيبة، فيخالقهم بالأخلاق الحسنة، فكونه يروض نفسه ويجاهدها على ذلك فإنه يحصل بذلك درجة الصائم القائم الذي أتعب نفسه وفعل تلك الأمور التي فيها مشقة على النفس، فيكون الصائم القائم بتعبه ونصبه ومشقته له أجر عظيم، وكذلك الذي يجاهد نفسه في مخالقة الناس بخلق حسن، ويعاملهم معاملة طيبة، فإنه يحصل من الأجر مثل أجر الصائم القائم. والحديث فيه ترغيب في حسن الخلق، وبيان فضله، وعظيم أجره عند الله عز وجل. تراجم رجال إسناد حديث: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) قوله: [ حدثنا قتيبة ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا يعقوب يعني: الإسكندراني ]. هو يعقوب بن عبد الر حمن الإسكندراني ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن عمرو ]. هو عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ، وهو ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المطلب ]. هو المطلب بن عبد الله بن حنطب ، وهو صدوق كثير التدليس والإرسال، أخرج له البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن عائشة ]. أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي و حفص بن عمر قالا: حدثنا ح وحدثنا ابن كثير أخبرنا شعبة عن القاسم بن أبي بزة عن عطاء الكيخاراني عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق). قال أبو الوليد قال: سمعت عطاء الكيخاراني . قال أبو داود : وهو عطاء بن يعقوب وهو خال إبراهيم بن نافع، يقال: كيخاراني وكوخاراني ]. أورد أبو داود حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق)، وهذا فيه إثبات الميزان، وأن أعمال العباد توزن يوم القيامة، وهو يدل على عظيم شأن حسن الخلق وثوابه عند الله عز وجل، وأنه من أثقل ما يكون في الميزان عندما توزن الأعمال؛ لأنه من أجل وأفضل الأعمال. تراجم رجال إسناد حديث (ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق) قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ]. هو هشام بن عبد الملك ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حفص بن عمر ]. هو حفص بن عمر النمري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي . [ قالا: حدثنا ح وحدثنا ابن كثير ]. هو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر التحويل بعد ذكر الصيغة، وذلك أن الأولين عبرا بحدثنا، وأما الأخير فعبر بأخبرنا، والأخير هو محمد بن كثير، وبعض العلماء يقولون: إن (حدثنا) لما سمع من لفظ الشيخ، وهي مثل سمعت، وأما (أخبرنا) فهي لما قرئ على الشيخ وهو يسمع، ومن العلماء من لا يفرق بينهما، ويأتي بحدثنا وأخبرنا فيما سمع من الشيخ وفيما قرئ على الشيخ وهو يسمع، فإن هذا كله يقال له: تحديث ويقال له: إخبار، ولكن أبا داود رحمه الله ذكر التحويل بعد ذكر الصيغة لبيان الفرق بين الصيغة التي أتى بها الأولان والصيغة التي أتى بها الشيخ الثالث، وهذا يدل على العناية والدقة في المحافظة على الألفاظ، والإتيان بصيغة الراوي كما جاءت. [ أخبرنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن القاسم بن أبي بزة ]. القاسم بن أبي بزة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء الكيخاراني ]. عطاء الكيخاراني ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، و أبو داود و الترمذي . [ عن أم الدرداء ]. أم الدرداء هي هجيمة ، وهي تابعية ثقة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة، أما أم الدرداء الصحابية فاسمها خيرة ، وليس لها رواية، وإنما الرواية هي لأم الدرداء الصغرى التي هي تابعية، واسمها هجيمة ، وهي ثقة أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الدرداء ]. هو عويمر رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو الوليد قال: سمعت عطاء الكيخاراني ]. يعني: أبو الوليد في روايته جاء عن القاسم بن أبي بزة : سمعت في روايته سمعت عطاء الكخاراني ، وأما رواية حفص بن عمر فإنه قال: عن القاسم عن عطاء . [ قال أبو داود : وهو عطاء بن يعقوب ]. وقيل: هو عطاء بن نافع ، و عطاء بن نافع هو الذي له رواية عند أبي داود ، وأما عطاء بن يعقوب فما رمز له في التقريب إلا لمسلم ، وليس له رواية عند أبي داود . [ وهو خال إبراهيم بن نافع ، يقال: كيخاراني وكوخاراني ]. يعني أن هذه النسبة تقال بالياء كيخاراني وبالواو كوخاراني ، فإذا جاء الكيخاراني أو الكوخاراني فهو شيء واحد. ثقل حسن الخلق في الميزان ومقارنته بثقل الإيمان وهنا ترد مسألة وهي: أليس التوحيد هو أثقل في الميزان من حسن الخلق؟ فنقول: معلوم أن الإيمان هو الأصل والأساس وكل شيء تابع له، وقد جاء في بعض الأحاديث: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان..) وكذلك حديث: (والحمد لله تملأ الميزان)، فالتوحيد لا شك أنه هو الأساس، وهو الذي به بتميز المسلم عن الكافر، وبه يصير المرء من أهل الإيمان لا من أهل الكفر، ولكن فيما يتعلق بالأمور التي يتعامل الناس بها والتي في غير التوحيد، والتي هي من الأعمال الزائدة عن الأصل، فحسن الخلق من أثقل ما يكون في الميزان فيما يتعلق بهذه الأعمال. شرح حديث: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر قال: حدثنا أبو كعب أيوب بن محمد السعدي قال: حدثني سليمان بن حبيب المحاربي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) ]. أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله تعالى عنه، وفيه بيان فضيلة حسن الخلق، وأن تحسين الإنسان لخلقه يوصله إلى الدرجات العالية في الجنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ثلاثة أصناف من الناس: فمنهم من يكون في ربض في الجنة وفي أدناها، ومنهم من يكون في وسطها، ومنهم من يكون في أعلاها، ومعلوم أنه كما أن النار دركات بعضها تحت بعض، فالجنة درجات بعضها فوق بعض، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الذي يحسن خلقه يكون له بيت، والبيت هنا هو القصر في الجنة، وقوله: (أنا زعيم) يعني: أنا ضامن وكفيل وملتزم بأن من فعل كذا فله كذا، وهو نظير قول الله عز وجل: وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف:72] يعني: أنا ملتزم بحمل البعير لمن أتى بصواع الملك، (( وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ )) يعني: بهذا الذي وعدت به، وهذا الجعل الذي جُعل فأنا ملتزم به، والمعنى هنا: أنا كفيل وضامن لمن فعل هذا الفعل أن يكون له بيت في الجنة. قوله: [ (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً) ] يعني: المجادلة التي تؤدي إلى الخصومة والشقاق والوحشة، فالإنسان يبتعد عنها حتى تسلم القلوب، وحتى تصفى النفوس. قوله: [ (وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً) ]. فعلى الإنسان أن يعود نفسه على الصدق والبعد عن الكذب، فمن ترك الكذب ولو كان عن طريق المزح فإنه موعود بهذا الوعد الكريم وهو بيت في وسط الجنة. قوله: [ (وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) ]. وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث، وفيه بيان منزلة حسن الخلق، وهذه المنزلة العالية، ويدل على فضله وعلى أهميته. تراجم رجال إسناد حديث: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً...) قوله: [ حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر ]. محمد بن عثمان الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا أبو كعب أيوب بن محمد السعدي ]. أبو كعب أيوب بن محمد السعدي صدوق، أخرج له أبو داود . [ حدثني سليمان بن حبيب المحاربي ]. سليمان بن حبيب المحاربي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و ابن ماجة . [ عن أبي أمامة ]. أبو أمامة هو صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث من الرباعيات، وهي من أعلى الأسانيد عند أبي داود . الرد على أهل البدع ليس من الجدال المنهي عنه إن الرد على المبتدعة ليس من الجدال المنهي عنه، بل هو من الواجب الذي لا بد منه، فالباطل إذا ظهر لا بد أن يبين بطلانه؛ حتى يندحر، وحتى يظهر الحق لأهل الحق، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء:18]. كما أن منطوق الحديث ليس فيه ما يدل على جواز الكذب حال المزاح، وإنما يبين أنه حتى في هذه الأمور التي يتساهل الناس فيها فإن الشرع لا يتساهل فيها. شرح حديث: (لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر و عثمان ابنا أبي شيبة قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن معبد بن خالد عن حارثة بن وهب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري) قال: والجواظ: الغليظ الفظ ]. أورد أبو داود حديث حارثة بن وهب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري). والجواظ: هو الذي عنده فظاظة وعنده غلظة، وعنده قسوة وجفاء، والجعظري، فسر بعدة تفسيرات، منها: أنه الذي ينتفخ بما ليس فيه، أي: كالمتشبع بما لم يعط، والذي يظهر بالشيء وهو ليس من أهله، ويكون فيه شيء من التكبر أو التعالي دون أن يكون عنده سبب ذلك، وهو مثل: العائل المستكبر الذي ما عنده الأسباب التي تجعله يستكبر، وكونه يستكبر مع كونه عائلاً هذا يدل على منتهى السوء، وإن كان الاستكبار قبيح ممن عنده الأسباب وممن ليست عنده الأسباب، ولكن حصوله ممن ليس عنده شيء يدل على منتهى سوئه. قوله: [ قال: والجواظ: الغليظ الفظ ]. قيل: هو الضخم والذي فيه غلظة وفظاظة. تراجم رجال إسناد حديث: (لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري) قوله: [ حدثنا أبو بكر و عثمان ابنا أبي شيبة ]. أبو بكر و عثمان ابنا أبي شيبة هما أخوان، وهما ثقتان، وكل منهما أخرج له الشيخان، وكل منهما روى له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، فالترمذي ما خرج لهما، و النسائي خرج لأبي بكر في السنن، و خرج لأخيه عثمان بن أبي شيبة في عمل اليوم والليلة، وقد جمع بينهما هنا في هذا الإسناد، وقد يظن أن التقديم معتبر، وأن الأول هو الأكبر، بينما العكس هو الصحيح فعثمان هو الأكبر، وهذا الترتيب ليس له اعتبار؛ لأنه سيأتي بعد قليل حديث رواه عنهما وقدم عثمان على أبي بكر ، فإذاً التقديم والتأخير ليس له اعتبار عند أبي داود فيما يتعلق بهذين الأخوين. و أبو بكر هو ممن أكثر له مسلم ، بل لم يرو مسلم في صحيحه أكثر من روايته عن أبي بكر بن أبي شيبة ؛ ولهذا قل أن تمر بصفحة من صفحات صحيح مسلم ، إلا وفيها: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وقد ذكر أن الأحاديث التي رواها مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ألف وخمسمائة حديث وزيادة، فهو أكثر من روى مسلم عنه من شيوخه. اختصاص كتابي الزهرة والخلاصة بذكر عدد الأحاديث المروية للصحابة ولشيوخ البخاري ومسلم بالنسبة لعدد الأحاديث التي عند البخاري و مسلم فهناك كتاب ينقل عنه الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) إذا أراد ذكر رجل من شيوخ البخاري و مسلم وعدد ما رويا عنه من أحاديث، فيقول: قال في (الزهرة): أخرج له البخاري كذا، وأخرج له مسلم كذا، يعني عدد الأحاديث له عند البخاري كذا، وعدد الأحاديث له عند مسلم كذا، فهذا من المظنة التي يعرف بها عدد أحاديث الرجل عند البخاري وعند مسلم ، وهذا خاص بشيوخ الشيخين البخاري و مسلم ، وأما فيما يتعلق بالصحابة فالأحاديث التي رواها كل صحابي في الكتب الستة يذكرها صاحب (خلاصة تذهيب الكمال) فهو عندما يترجم للصحابي يقول في آخر ترجمته: له كذا حديث، يعني: في الكتب الستة، اتفقا -أي: البخاري و مسلم - على كذا، وانفرد البخاري بكذا، وانفرد مسلم بكذا. وكتاب (الزهرة) لا يذكر عدد أحاديث كل شيوخ الشيخين، لكن ممن ذكر عدد أحاديثهم عند الإمام البخاري وعند الإمام مسلم الراوي الذي سبق وذكرناه وهو أبو بكر بن أبي شيبة . تابع تراجم رجال إسناد حديث: (لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري) قوله: [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء وكيع يروي عن سفيان غير منسوب فالمراد به الثوري . [ عن معبد بن خالد ]. معبد بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حارثة بن وهب ]. حارثة بن وهب رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. حكم تفسير وتأويل أحاديث الوعيد قوله: [ (لا يدخل الجنة) ]. من أهل العلم من قال: إن أحاديث الوعيد تبقى على هيبتها وعلى رهبتها؛ ليحصل الانزجار بها، والأصل ألا يشتغل بتأويلها وتفسيرها، ومن أهل العلم من فسرها حتى لا يستدل بها الخوارج والمعتزلة على أن أصحاب الكبائر لا يدخلون الجنة، وأنهم من أهل النار، ففسرها بعض أهل العلم: أنهم لا يدخلونها في أول من دخلها، وليس معنى ذلك أنهم لا يدخلونها أبداً؛ لأن الذين لا يدخلون أبداً هم الكفار، وأما غير الكفار فلا بد من دخولهم الجنة، ومن دخل النار من أهل المعاصي مهما بلغت تلك المعاصي وهي دون الشرك فإنه لا بد من خروجهم من النار وإدخالهم الجنة. إذاً: من العلماء من رأى ألا يتعرض لها بتفسير، وأن تبقى على رهبتها وهيبتها، ومنهم من قال: إنها تفسر بأن المقصود أنهم لا يدخلونها في أول الأمر مع من يدخلها من أول وهلة، فيبقون في النار فترة يعذبون فيها، ثم يخرجون منها ويدخلون الجنة.
__________________
|
#902
|
||||
|
||||
![]() كراهية الرفعة في الأمور شرح حديث: (حق على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية الرفعة في الأمور. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن أنس : (كانت العضباء لا تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسابقها فسبقها الأعرابي، فكأن ذلك شق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: حق على الله عز وجل ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في كراهية الرفعة في الأمور ]، يعني: في الأمور الدنيوية، وأما الأمور الأخروية فالرفعة فيها مطلوبة، والاشتغال والمنافسة فيها مطلوبة، فالرفعة في أمور الدنيا ليست هي المعتبرة، وإنما المعتبر هو الرفعة في أمور الآخرة؛ ولهذا الإنسان ينظر إلى من هو دونه ولا ينظر إلى من هو فوقه في أمور الدنيا؛ لأنه لو نظر إلى من فوقه فسيحصل منه ازدراء لنعمه الله عليه، وعدم الاعتراف بفضل الله عز وجل عليه، ولكنه إذا رأى نفسه في خير وأن هناك من هم دونه وما حصلوا الذي حصل فإنه يعرف قدر نعمة الله عليه، وأما بالنسبة لأمور الآخرة فلا بد فيها من المنافسة، ولا بد فيها من الجد والاجتهاد، ولا بد فيها من بذل الوسع، وهذا أمر مطلوب لكن على وجه لا يحصل معه ملل أو انقطاع، وإلا فإن المنافسة والمسابقة في الخير من الأمور المطلوبة، وكلما ارتقى الإنسان من حال إلى حال أحسن فإن هذا مطلوب، والإنسان يتحول من السيئ إلى الحسن، ومن الحسن إلى الأحسن؛ ولهذا قالوا في الحج المبرور: إن علامة الحج المبرور أن الإنسان إذا نظر إلى حاله قبل الحج وحاله بعد الحج يرى أنه تحول من حال سيئة إلى حال حسنة، ومن حال حسنة إلى حال أحسن، فهذه علامة بر الحج، فأمور الآخرة لا بد فيها من طلب أعالي الأمور ومن المنافسة، ولا بد فيها من المسابقة في الخيرات، وهذا أمر مطلوب جاءت به نصوص الكتاب والسنة، وأما أمور الدنيا فالرفعة فيها تكون وقتية وتنتهي؛ ولهذا جاء في الحديث: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) يعني: لا ينفع صاحب الحظ حظه عندك، وإنما ينفعه العمل الصالح، فكرهت الرفعة في الأمور الدنيوية؛ لأن الرفعة فيها يعقبها زوال أو هبوط ونزول، فصاحب الجاه قد يكون جاهه مؤقتاً ما دام في وظيفته وفي مسئوليته، ولكنه إذا ذهب عن الوظيفة ذهب جاهه معه، أما في أمور الآخرة وفي أمور طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يكون في جميع الأحول على حال مرضية، وعلى حال مطلوبة، وجاهه يبقى ولا يذهب بذهاب العمل والمنزلة التي حصلها من الدنيا؛ لأن تلك إنما هي من أمور الآخرة، وأمور الآخرة باقية، وأما أمور الدنيا فإنها تنتهي، ويعقبها نزول وهبوط. وأورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كانت العضباء لا تسبق). أي: أن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقال لها: العضباء، وقيل: سميت بذلك بسبب خرم أو قطع في أذنها، وكانت لا تسبق، أي: أنها سباقة. قوله: [ (فجاء أعرابي على قعود) ] القعود: هو الجمل المتوسط الذي لم يكبر كثيراً، وإنما من حين صلح أن يركب، قيل: يكون قعوداً إلى أن يبلغ عمره ست سنوات، ثم يقال له: جمل، والقعود لا يكون إلا ذكراً. قوله: [ (فسابقها فسبقها) ]. لما سبقها هذا القعود تأثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقت، وسبقها ذلك الأعرابي بقعوده، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (حق على الله عز وجل ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) معناه: إن الدنيا لا بد فيها من الانحطاط، ولا بد فيها من الهبوط، ولا يبقى إلا ما أريد به وجه الله عز وجل، والأعمال الصالحة هي التي تبقى للإنسان، ولهذا جاء في الحديث: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالماً ومتعلماً) (فحق على الله عز وجل ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) فهذا الذي حصل يحتمل أن المقصود به أن هذه الناقة حصل لها ارتفاع وسبق، ثم غلبت، وهذا الذي غلبها أيضاً سيحصل له أن يُغلب، وهذا شأن أمور الدنيا، بخلاف أمور الآخرة فإنها من ارتفاع إلى ارتفاع، ومن علو إلى ما هو أعلى. تراجم رجال إسناد حديث: (...حق على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو ابن سلمة بن دينار البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود، وهو من الأسانيد الرباعية. شرح حديث: (حق على الله ألا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا النفيلي قال: حدثنا زهير قال حدثنا حميد عن أنس بهذه القصة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن حقاً على الله عز وجل أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه) ]. أورد أبو داود الحديث السابق من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أن الأول عن ثابت والثاني عن حميد . قوله: [ حدثنا النفيلي ]. هو عبد الله بن محمد النفيلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أصحاب السنن. [ حدثنا زهير ]. هو زهير بن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس مر ذكره. وهذا أيضاً رباعي، وهو من الأسانيد العالية عند أبي داود . معنى قوله: (حق على الله) ومعنى قوله في الحديث: (حق على الله) أن الله عز وجل قضى أن أمور الدنيا لا بد فيها من النزول بعد الرفعة، وكما هو معلوم أن هذا هو شأن الدنيا، وهذه هي أحوال الإنسان نفسه، فإنه يرتفع ويكون في قوة وشباب ونشاط ثم يبدأ بالهبوط والنزول حتى يهرم ويضعف، فهو قبل كان ضعيفاً، ثم صار قوياً، ثم يحصل له ضعف. وجاء في الحديث الأول: (حق على الله) أي: جرت عادته غالباً، وفي الحديث الثاني: (إن حقاً على الله تعالى) أي: أمراً ثابتاً عليه. وهذا يعني أن الله عز وجل قد قضى بهذا، وأن هذا كائن وحاصل. كراهية التمادح شرح حديث: (...إذا لقيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية التمادح. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن همام قال: (جاء رجل فأثنى على عثمان في وجهه فأخذ المقداد بن الأسود تراباً فحثا في وجهه، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا لقيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب) ]. ثم أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في كراهية التمادح ]، والمقصود بذلك المدح الذي يكون بغير حق، أو يحصل به تضرر الممدوح، وذلك بكونه يؤثر ذلك فيه فيزهو ويتكبر ويترفع، وأما المدح بالحق من أجل أن يتبع الإنسان، ومن أجل أن يوافق الإنسان على ما هو عليه من الخير، وعلى ما فيه من الأعمال الطيبة، فإن هذا لا بأس به بشرط ألا يحصل هناك ضرر على الإنسان، فيذكر الإنسان بخير من أجل الاقتداء به، ومن أجل الترغيب وتحفيز الناس ليكونوا مثله ويتابعوه؛ ولهذا لما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الصدقة جاء رجل بصرة كبيرة، فقال صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها)، وهذا مدح لهذا الشخص الذي سبق إلى الخير، واقتدى به الناس وتابعوه، فإذا كان المدح لا يحصل من ورائه مضرة، وإنما المقصود منه الفائدة والمصلحة، وأن يقتدى به ويؤتسى به، ويذكر ويثنى عليه، ويمدح بما هو فيه من أجل أن يتابع، فإن هذا أمر مطلوب ولا بأس به، وفي ذلك تحفيز للهمم إلى أن يكون المخاطبون مثل ذلك الذي مدح وأثني عليه، وأما إذا كان لأمور دنيوية، أو لطلب حظوظ دنيوية، أو كان بغير حق، فإن هذا غير محمود بل هو مذموم. وأورد أبو داود رحمه الله حديث ابن الأسود رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً مدح عثمان رضي الله تعالى عنه وكان المقداد حاضراً، فأخذ تراباً وحثاه عليه، وقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب)، و المقداد رضي الله عنه فهم الحديث على ظاهره، ومن أهل العلم من قال: إن المقصود من ذلك أن المادح من أجل الدنيا أو من أجل حظوظ دنيوية لا يحصل إلا الخيبة، وأنه لا يعطى شيئاً إذا مدح من أجل الدنيا؛ لأنه لا يستحق، والمقصود من ذلك مثل قوله: (وللعاهر الحجر) في قصة الزاني، وأنه لا يحصل ولداً بسبب زناه، (الولد للفراش، وللعاهر الحجر) فيكون المقصود من ذلك أن له الخيبة. ثم قوله: (فحثا في وجهه التراب) ليس المقصود من ذلك أنه يحثوه على وجهه بحيث يدخل في عينيه، وإنما في جهته واتجاهه. تراجم رجال إسناد حديث: (...إذا لقيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب) قوله: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن منصور ]. منصور هو منصور بن المعتمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم ]. هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو المراد إذا جاء ذكره مهملاً غير منسوب في كتب الحديث أو كتب الفقه، أي: سواء كان في الأسانيد أو في الفقه؛ لأنه هو المشهور في الفقه وفي الحديث. [ عن همام ]. هو همام بن الحارث النخعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ فأخذ المقداد بن الأسود ]. المقداد بن الأسود رضي الله عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (...إذا مدح أحدكم صاحبه لا محالة فليقل: إني أحسبه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أبو شهاب عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه: (أن رجلاً أثنى على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: قطعت عنق صاحبك ثلاث مرات، ثم قال: إذا مدح أحدكم صاحبه لا محالة فليقل: إني أحسبه كما يريد أن يقول، ولا أزكيه على الله) ]. أورد أبو داود حديث أبي بكرة ، وهو نفيع بن الحارث رضي الله تعالى عنه: (أن رجلاً مدح رجلاً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قطعت عنق صاحبك) يعني: أنك أهلكته؛ لأن قطع العنق يكون به الهلاك، فكذلك الإنسان إذا مدح مدحاً قد يلحق به ضرراً فإنه قد يصيبه الهلاك بذلك، أي: الهلاك المعنوي، فكما أن الهلاك الحسي يكون بقطع الرأس، فكذلك الهلاك المعنوي يكون بالمدح الذي يؤدي به إلى الغرور ونحوه. قوله: [ (إذا مدح أحدكم صاحبه لا محالة فليقل: إني أحسبه كما يريد أن يقول، ولا أزكيه على الله) ]. يعني: إذا أراد الإنسان أن يمدح أخاه وكان لا بد من المدح فليقل: (أحسبة كما يريد أن يقول) يعني: يذكر الشيء الذي يريد أن يصفه به، أو يذكر الصفات التي هي فيه. قوله: [ (ولا أزكيه على الله) ] يعني: هكذا يظهر لي، والناس لهم الظاهر وقد تكون البواطن بخلاف ذلك، فلا يزكي على الله أحداً؛ لأنه سواء كان بالنسبة لواقعه أثناء الكلام فيه، أو بالنسبة للنهاية والمآل، فكل ذلك لا يعلمه إلا الله عز وجل، وهو الذي يعلم أن المدح يكون في محله أو في غير محله، فهذا في النهايات و (الأعمال بالخواتيم) كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (...إذا مدح أحدكم صاحبه لا محالة فليقل: إني أحسبه...) قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو شهاب ]. هو عبد ربه بن نافع الحناط ، هو صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ عن خالد الحذاء ]. هو خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ]. عبد الرحمن بن أبي بكرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو نفيع بن الحارث وهو مشهور بكنيته أبي بكرة، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (...قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر -يعني: ابن المفضل- حدثنا أبو مسلمة سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن مطرف قال: قال أبي: (انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا، فقال: السيد الله تبارك وتعالى، قلنا: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً، فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن الشخير رضي الله تعالى عنه قال: (انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا) أي: كانوا يخاطبوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: (أنت سيدنا، فقال: السيد الله) أي: السؤدد على الحقيقة إنما هو لله عز وجل؛ لأنه المتصف بذلك على الإطلاق، فهو الذي الخلق خلقه، والملك ملكه، وهو المتفضل بكل النعم، وهو الذي يتصرف في الخلق كيف يشاء، وهو صاحب السؤدد على الحقيقة، وغيره ممن حصل سؤدداً إنما هو سؤدد ناقص وغير كامل؛ ولهذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عن نفسه بأنه سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، وهو سيدهم في الدنيا والآخرة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولكن السؤدد الذي يليق بالإنسان للرسول صلى الله عليه وسلم منه الحظ الأكبر والنصيب الأوفر، وأما السؤدد الكامل على الحقيقة فهو لله عز وجل؛ ولهذا قال: (السيد الله) أي: الله هو المتصف بهذا على الحقيقة، وهذا لا يعني ألا يقال لغيره عز وجل: سيد؛ لأن النبي نفسه قال: (أنا سيد ولد آدم)، فأخبر عن نفسه بأنه سيد، وقال عن سعد بن معاذ سيد الأوس: (قوموا إلى سيدكم)، وجاءت نصوص تدل على إطلاق ذلك على المخلوق، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لحمايته جناب التوحيد، ولحرصه على ألا يحصل غلو يؤدي إلى محذور أرشد عليه الصلاة والسلام وبين أن السيد هو الله، وأن السؤدد الحقيقي إنما هو لله سبحانه وتعالى. قوله: [ (قلنا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً) ]. يعنون: الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو أعظمهم فضلاً وطولاً، والمعنى: أنه أعظمهم عطاءً وجوداً وكرماً وإحساناً، كما قال الله عز وجل: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا [النساء:25] أي: غنى، وقولهم: (وأعظمنا طولاً) أي: عطاءً وإحساناً وجوداً وكرماً عليه الصلاة والسلام، وهذه صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ويدارسه القرآن، كما جاء في الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن أجود بالخير من الريح المرسلة) صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. قوله: [ (فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم) ]. يعني: القول المناسب الذي ليس فيه محذور، وهذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)، ولهذا فإن من أحسن ما يوصف به النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال: عبد الله ورسوله، فهو عبد لا يُعبد، ورسول لا يكذب، بل يطاع ويتبع، وقد أرشد إلى هذا صلوات الله وسلامه وبركاته عليه لما نهى عن إطرائه فقال: (إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنه سيد الخلق، وهو سيد ولد آدم، والسؤدد الذي يليق بالمخلوق له الحظ الأوفر والنصيب الأكبر منه، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لكن المقصود من ذلك هو تحذيره صلى الله عليه وسلم من أي شيء يفضي إلى الإطراء، ويفضي إلى الغلو فيه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ ولهذا نجد أن الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم في روايتهم للأحاديث الكثيرة لا يأتي على ألسنتهم: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، ومن المعلوم أن المحدثين يحافظون على لفظ الحديث حين يأتون به، ولا ينقصون منه شيئاً، بل إنهم يميزون بين عبارة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) وعبارة: (قال النبي صلى الله عليه وسلم)، فهنا عبر بالنبي وهناك عبر بالرسول، ومعناهما واحد، ولكن هذا كله محافظة منهم على الألفاظ، وعناية في الإتيان باللفظ الذي أتى به الراوي، فلو كانوا يأتون بكلمة سيدنا لما حذفت، ولأتي بها في هذه الكتب الكثيرة التي هي بالآلاف؛ ولهذا نجد في هذا الزمان من كون بعض الناس لا يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ويقول: سيدنا، ولا يذكر أحداً من الصحابة إلا ويقول: سيدنا، وهذا ليس من طريقة ولا من منهج السلف، فإننا نجد أن كتب الحديث ليس فيها ذلك، وهم أحرص الناس على الخير، وأعظم الناس تعظيماً للرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنهم يأتون بالرواية على هذه الصيغة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا) أو (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا) أو (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا) أو (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا) أو (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا) أو (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا) .. وهكذا، فالذي لا يلتزم قول: (سيدنا) عند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقال: إن هذا حصل منه هضم لجنابه، أو نقص في حقه؛ لأن سلف هذه الأمة هذه طريقتهم، وهذا هو منهجهم، وهذه الأحاديث الموجودة -وهي ألوف المؤلفة- وليس فيها: (قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا) كما يفعله بعض الناس في هذا الزمان، فهذا غير مطلوب، وإنما يجب تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقيره ومحبته، واعتقاد أنه سيد الخلق وأفضلهم، ولكن على الإنسان أن يكون متبعاً في ذلك، ويكون على منهج السلف، وعلى طريقة السلف من الصحابة ومن سار على منوالهم، ولا يقال: إن الذي لا يلتزم بكلمة (سيدنا) لا يعرف قدر الرسول صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث: (...قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان) سقوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا بشر يعني: ابن المفضل ]. بشر بن المفضل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو مسلمة سعيد بن يزيد ]. أبو مسلمة سعيد بن يزيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي نضرة ]. هو المنذر بن مالك بن قطعة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن مطرف ]. هو مطرف بن عبد الله بن الشخير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال أبي ]. أبوه صحابي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن."
__________________
|
#903
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [547] الحلقة (577) شرح سنن أبي داود [547] إن من أعظم الصفات التي ينبغي على المسلم أن يتصف بها: الرفق، فهو دليل على حسن الأخلاق وكرم الطباع، كما أنه داع من دواعي الألفة والمحبة، ووسيلة لنشر الخير وتبليغه إلى جميع الناس. ومن الصفات العظمية التي يطلب من المسلم التحلي بها: شكر صانعي المعروف وفاعلي الخير، والثناء عليهم بما هم أهله. ما جاء في الرفق شرح حديث (إن الله رفيق يحب الرفق...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرفق. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن يونس و حميد عن الحسن عن عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب في الرفق ]. والمراد بالرفق الرفق في الدعوة إلى الله عز وجل، وفي النصح، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكل هذا مطلوب فيه الرفق، وكذلك معاملة الناس تكون بالرفق. وأورد أبو داود حديث عبد الله بن المغفل رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)، والعنف ضد الرفق. قوله: (إن الله رفيق) يدل على أن من أسماء الله الرفيق، وهو يحب الرفق، مثل: (إن الله جميل يحب الجمال) ومثل (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)، فهو رفيق يحب الرفق. قوله: [ (ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف) ]. يعني: أن الذي يرفق في الأمور فإنه يحصل الخير، ويحصل من النفع ما لا يحصل بالعنف والشدة والقسوة والغلظة، وقصة الأعرابي الذي جاء وبال في المسجد معروفة، فقام الصحابة ليزجروه وينهروه؛ لأن فعله هذا شيء عظيم، ولأن المسجد لا يبال فيه، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يتركوه، فالرسول صلى الله عليه وسلم رفق به؛ لأنه لو قام حين زجروه لملأ ثيابه، وملأ جسده، ولتناثرت قطرات البول في المسجد، فيحتاج إلى أن تطهر كل البقعة التي مر عليها؛ لأن النجاسة وصلت إليها، ولكن مادام أنه قد بدأ بالبول فبقاؤه في مكانه يجعل مكان النجاسة محصوراً، وبعد ذلك يطهر هذا المكان الذي علم بأنه تنجس، فالرسول أمرهم بأن يتركوه، ثم إن الرجل تأثر من هذا الذي حصل من الزجر، وأعجبه هذا الذي حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرفق، ولهذا جاء أنه قال: اللهم! اغفر لي ولمحمد ولا تشرك في رحمتنا أحداً. تراجم رجال إسناد حديث (إن الله رفيق يحب الرفق...) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن يونس ]. يونس هو يونس بن عبيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و حميد عن الحسن ]. الحسن هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن مغفل ]. عبد الله بن مغفل رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (...إن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه، ولا نزع من شيء قط إلا شانه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان و أبو بكر ابنا أبي شيبة و محمد بن الصباح البزاز قالوا: حدثنا شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: (سألت عائشة عن البداوة فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التلاع، وإنه أراد البداوة مرة فأرسل إلي ناقة محرمة من إبل الصدقة، فقال لي يا عائشة : ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه، ولا نزع من شيء قط إلا شانه). قال ابن الصباح في حديثه: محرمة يعني: لم تركب ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها سئلت عن البداوة فقالت: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى بعض هذه التلاع) والتلاع: هي الأماكن التي يكون فيها الماء، وينزل من علو إلى سفل، فيقال: تلعة للماء إذا كان في الجبل ثم ينزل إلى مكان منخفض، فكان يذهب أحياناً، والرسول صلى الله عليه وسلم ذهب إلى البادية، لكن الذي هو غير سائغ أن يترك الإنسان الحاضرة ويذهب للبادية، فيصير من أهل البوادي، ويصير من أهل الفلاة بدل ما كان من أهل الحاضرة، وأما الذهاب في بعض الأحيان للبادية فلا يجعل الإنسان بدوياً، كما أن البدوي لو جاء للمدينة ومكث يوماً أو يومين أو ثلاثة فلا يقال: إنه حضري، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يخرج أحياناً. وقد كان أئمة اللغة يخرجون لأخذ الكلام العربي من الأعراب ومن البوادي، ويدونون ذلك في كتبهم، فلم يخرجوا بذلك عن كونهم من أهل الحضر إلى كونهم من أهل البادية، بل إن يعقوب عليه الصلاة والسلام لما ذكر الله عز وجل أنه جاء من البدو ليس معنى ذلك أنه كان في البادية، ولكنه ذهب إلى البادية؛ لأن الرسل كلهم من الحاضرة وليسوا من البادية، كما قال الله عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى [يوسف:109]، فالرسل من أهل القرى وليسوا من البادية، وما جاء من قوله: وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ [يوسف:100] هو من جنس ما ذكرنا من أن الإنسان يخرج إلى البادية في بعض الأحيان، ولا يخرج إليها ليفارق الحاضرة ويكون بدوياً. قوله: [ (سألت عائشة عن البداوة فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التلاع) ]. يعني: يخرج إلى هذه التلاع. قوله: [ (وإنه أراد البداوة مرة فأرسل إلي ناقة محرمة من إبل الصدقة) ]. أي: أنه أراد أن يذهب إلى البادية مرة من المرات فأرسل إليها ناقة محرمة، يعني: غير ذلول، وغير مدربة على الهدوء والسير، وإنما يكون في ركوبها صعوبة؛ ولهذا يقال: يركب الصعب والذلول، فالصعب ضد الذلول، والذلول: المذللة، والصعب: التي يصعب قيادها. قوله: [ (يا عائشة ارفقي، فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه) ] يعني: ارفقي بها، وهذا يدل على عظم شأن الرفق وأهميته، والترغيب فيه، والحث عليه، وأنه فيه الفوائد بخلاف العنف فإنه يأتي بعكس ما هو مطلوب. تراجم رجال إسناد حديث (...إن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه، ولا نزع من شيء قط إلا شانه) قوله: [ حدثنا عثمان و أبو بكر ابنا أبي شيبة ]. هذا الإسناد فيه تقديم عثمان على أبي بكر ، وكما قلت من قبل فإن التقديم والتأخير لا يدل على الكبر، فإن عثمان أكبر، ومع ذلك قدم أبا بكر في بعض الأحيان، وقدم عثمان هنا في هذا الإسناد. [ و محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شريك ]. هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن المقدام بن شريح ]. المقدام بن شريح ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شريح بن هانئ ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أصحاب السنن. [ سألت عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها مر ذكرها. قوله: [ قال ابن الصباح في حديثه: محرمة يعني: لم تركب ]. هذا: تفسير لكلمة محرمة، يعني: أنها ليست مذللة، وما ألفت الركوب عليها؛ ولهذا فإنها تكون فيها صعوبة، فهي إذا كانت لم تركب فإنها تحتاج إلى وقت لتكون على الحال المطلوبة من السهولة واليسر، وترك النفور الذي كانت متصفة به من قبل. حكم استخدام إبل الصدقة لمن لا تحل له الصدقة وفي الحديث دلالة على أن إبل الصدقة يمكن استخدامها بالنسبة لعائشة ، ومعلوم أن عائشة لا تحل لها الصدقة أو الزكاة، لكن جاء في هذا الحديث: (فأرسل إلي ناقة محرمة من إبل الصدقة). وكان المقصود من ذلك أنها ستركب عليها وستذهب إليه، فهذا يدل على جوازه، والركوب غير التملك وغير البيع، وغير كونها تتصرف فيها كيف تشاء، إنما المقصود أعطاها إياها من أجل أنها تذلل، أي: من أجل تمرينها، و عائشة وإن كانت لا تستحقها إلا أن في ذلك إصلاح لتلك الناقة. ومثل ذلك ما جاء في قصة الرجل الذي كان يسوق بذمته إلى الحج وقال: إنها هدي، فأمره النبي أن يركبها وهو يعلم أنها هدي، وهذا معناه أنه جاز استخدامها، وهنا أيضاً يمكن أن يكون المقصود أن تعودها وتذللها لتصير سهلة القياد، ويكون في ذلك مصلحة لمن يستحقها. شرح حديث (من يحرم الرفق يحرم الخير كله) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية و وكيع عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن عبد الرحمن بن هلال عن جرير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يحرم الرفق يحرم الخير كله) ]. أورد أبو داود حديث جرير رضي الله عنه، وهو يدل على عظم شأن الرفق حيث قال: (من يحرم الرفق يحرم الخير كله) أي: أنه لا يحصل خير من وراء العنف، وإنما يحصل منه الضرر. تراجم رجال إسناد حديث (من يحرم الرفق يحرم الخير كله) قوله: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية ]. أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و وكيع عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن تميم بن سلمة ]. تميم بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عبد الرحمن بن هلال ]. عبد الرحمن بن هلال ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن جرير ]. هو جرير بن عبد الله رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا عفان حدثنا عبد الواحد حدثنا سليمان الأعمش عن مالك بن الحارث قال الأعمش : وقد سمعتهم يذكرون عن مصعب بن سعد عن أبيه، قال الأعمش : ولا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة) ]. أورد أبو داود حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة) يعني: التؤدة مطلوبة في كل شيء إلا في عمل الآخرة فإنه يبادر فيها، ويحرص عليها، ولا يتهاون فيها، ولا تترك الفرصة لاقتناء ما يعود على الإنسان بالخير. قوله: [ (التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة) ]. يعني: أن أمور الدنيا يتأنى الإنسان ويتروى فيها، وأما بالنسبة لأمور الآخرة فلا يتأنى فيها، بل يقدم ويسارع، وهذا يدلنا على أن أمور الآخرة لا بد فيها من منافسة ومسابقة، ولا بد فيها من الجد والاجتهاد، ولا بد فيها من اغتنام الفرص وعدم التساهل، بخلاف أمور الدنيا فالإنسان يتأنى، وقد يكون في التأني الخير الكثير، بخلاف العجلة فإنه قد يترتب عليها شيء من الضرر، فأمور الدنيا التأني والتروي فيها لا شك أنه خير للإنسان. تراجم رجال إسناد حديث (التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة) قوله: [ حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ]. الحسن بن محمد بن الصباح ثقة، أخرج له البخاري و أصحاب السنن. [ حدثنا عفان ]. هو عفان بن مسلم الصفار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الواحد ]. هو عبد الواحد بن زياد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا سليمان الأعمش عن مالك بن الحارث ]. الأعمش مر ذكره، و مالك بن الحارث ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و النسائي . [ قال الأعمش : وقد سمعتهم يذكرون عن مصعب بن سعد ]. مصعب بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. هو سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وإسناد الحديث صحيح، وعنعنة الأعمش لا تؤثر. وقول الأعمش : وقد سمعتهم يذكرون عن مصعب بن سعد معناه: أن مالك بن الحارث وأناساً مع مالك بن الحارث ذكروه عن مصعب ، ولم يذكر الأعمش عمن روى مالك بن الحارث وأقرانه هذا الحديث، فالواسطة بين مالك و مصعب غير مذكورة، إلا أنه جاء في المستدرك عن مالك عن مصعب، وهنا يوجد آخرون مع مالك . ما جاء في شكر المعروف شرح حديث (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في شكر المعروف. حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) ]. قوله: [ باب في شكر المعروف ]. أي: أن الإنسان يشكر المعروف الذي يسدي إليه، ومعلوم أن كل خير فهو من الله سبحانه وتعالى: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ [النحل:53] وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18]، فكل خير حصل للإنسان فالله تعالى هو المتفضل به، ومن الخير الذي يتفضل الله به على من يشاء من عباده أن يسوق إليه إنساناً يسخره له ويلين قلبه له بحيث يحسن إليه، وهذا الإحسان هو في الحقيقة من الله عز وجل؛ لأن الله تعالى هو الذي وفق من أراد أن يحسن إليه للإحسان إليه، فهو سبحانه وتعالى متفضل بكل شيء، ولكن كما أن العبد فاعل باختياره، وأنه يحمد على ما يحصل منه من الخير، وكذلك يذم على ما يحصل منه من الشر، فإنه إذا حصل منه الإحسان فإنه يحمد على إحسانه وعلى معروفه، ويشكر على ذلك، والشكر لله عز وجل أولاً وآخراً؛ لأنه هو المتفضل بكل شيء، فهو يتفضل بالخير بسبب أحد من الناس، أو بدون أن يكون هناك سبب من أحد من الناس، فالكل بفضل الله عز وجل، والكل بإحسانه وجوده وكرمه سبحانه وتعالى، فعلى الإنسان أن يشكر الله عز وجل على كل النعم الظاهرة والباطنة؛ لأنها كلها من الله تقديراً وتوفيقاً، ومن ساق الله تعالى الخير على يديه لإنسان فإنه يشكره ويثني عليه ويدعو له، سواء كان هذا المعروف يتعلق بأمر دنيوي أو بأمر ديني. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس)، ومعنى ذلك: أن الإنسان إذا كان من عادته أنه لا يبالي بالإحسان الذي يقع له من بعض الناس ولا يشكره، فإن هذا يجره إلى ألا يشكر الله عز وجل، وأن يستهين بالنعم التي حصلت له، فلا يشكر الخالق ولا يشكر المخلوق، بل يغفل عن ذلك ويسهو عنه، ولكنه إذا شكر من جعله الله سبباً، وكان من عادته أن يعرف المعروف لأهله، وأن يشكر صاحب المعروف على معروفه، فإنه يكون شاكراً لله عز وجل؛ ولهذا قال: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) أي: أن الذي لا يشكر الناس على إحسانهم، بل يقصر في ذلك؛ فإنه أيضاً يقصر في حق الله سبحانه وتعالى، فعلى الإنسان أن يشكر النعم التي حصلت له بسبب المخلوق الذي جعله الله سبباً في وصولها إليه، ويشكر النعم التي تحصل من الله عز وجل بغير سبب، فيحمد الله ويشكره على كل حال. تراجم رجال إسناد حديث (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الربيع بن مسلم ]. الربيع بن مسلم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن محمد بن زياد ]. محمد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه، وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود . كيفية شكر الناس والفرق بينه وبين الحمد شكر الناس يكون بالقول ويكون بالفعل ويكون بهما معاً، فيمكن أن يحسن الإنسان إلى من أحسن إليه، ويكافئ من أحسن إليه، ويدعو له، فيجمع له بين هذا وهذا. ويمكن أن يحمد الإنسان من يسدي إليه خيراً، والحمد أعم من الشكر. شرح حديث أنس في الدعاء لصاحب المعروف والثناء عليه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت عن أنس : (أن المهاجرين قالوا: يا رسول الله! ذهبت الأنصار بالأجر كله، قال: لا، ما دعوتم الله لهم، وأثنيتم عليهم) ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن المهاجرين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ذهبت الأنصار بالأجر كله، قال: لا، ما دعوتم لهم وأثنيتم عليهم) أي: أنكم بدعائكم لهم وثنائكم عليهم تحصلون الأجر؛ لأنكم عرفتم الفضل لأهل الفضل. ومن المعلوم أن المهاجرين أفضل من الأنصار؛ لأن المهاجرين معهم الهجرة والنصرة، والأنصار معهم النصرة دون الهجرة، والله جمع للمهاجرين بينهما بقوله: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر:8] فوصفهم بأنهم مهاجرون ووصفهم بأنهم أنصار، وهم إنما تركوا بلادهم لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والجهاد معه، والدفاع والذب عنه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لكن الأنصار كانوا أهل البلد وعندهم الأموال، فكانوا ينفقون، وأولئك تركوا أموالهم وبلادهم، ولا شك أن من أنفق من ماله فهو مأجور وهذا خير له. تراجم رجال إسناد حديث أنس في الدعاء لصاحب المعروف والثناء عليه قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثابت ]. هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. وهذا الإسناد أيضاً من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود . وقولهم: (ذهبت الأنصار بالأجر كله) أي: بالبذل والعطاء والإنفاق، وليس معناه أن المهاجرين ليسوا أفضل منهم. شرح حديث (من أعطي عطاء فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثن به...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر حدثنا عمارة بن غزية قال: حدثني رجل من قومي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعطي عطاء فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثن به، فمن أثنى به فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره). قال أبو داود : رواه يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن شرحبيل عن جابر . قال أبو داود : وهو شرحبيل ، يعني: رجلاً من قومي، كأنهم كرهوه فلم يسموه ]. أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (من أعطي عطاء فوجد فليجز به) ]. يعني: وجد مالاً، أو وجد قدرة على أن يكافئ ويجزي به، فإنه يجزي به، بمعنى: أن من صنع إليه معروفاً فيكافئه الإنسان مقابل ما حصل منه من الإحسان، فيقابل الإحسان بالإحسان، فإذا كان واجداً، ذا قدرة مالية؛ فإنه يكافئه ويجزي به ذلك الذي أحسن إليه وأعطاه. قوله: [ (فإن لم يجد فليثن به) ]. يعني: يثني على ذلك الذي أحسن إليه بعطائه ويشكره، وهذا هو المقصود من الترجمة، أن الإنسان يشكر، ومعلوم أن الثناء والدعاء يمكن أن يكون مع المكفاءة والعطاء، فالإنسان حتى إذا قدر على المبادلة والإحسان فإنه أيضاً يدعو مع ذلك ويشكر عليه ويثني عليه بذلك، لكن إذا لم يكن عند الإنسان شيء يقابل به، فلا أقل من الثناء والدعاء لمن حصل منه الإحسان إليه. قوله: [ (فمن أثنى به فقد شكره) ]. أي: من أثنى على من أحسن إليه بهذه النعمة, فقد شكره. قوله: [ (ومن كتمه فقد كفره) ]. أي: كفر هذه النعمة، ومعلوم أن كون الإنسان يشكو من أعطاه، هذا أمر واضح وليس فيه إشكال، وأما أن يخبر الناس أنه حصل له كذا وكذا، وأنه أعطي من فلان، فهذا إذا كان فيه مصلحة فيمكن له ذلك، وإن لم يكن هناك مصلحة، أو كان ذلك الذي أعطاه لا يريد منه أن يذكر ذلك لأحد، أو أن يعلن ذلك، فإنه يخفيه، ولكنه يشكر ويثني على ذلك الذي أحسن إليه. تراجم رجال إسناد حديث (من أعطي عطاء فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثن به...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا بشر ]. هو بشر بن المفضل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عمارة بن غزية ]. عمارة بن غزية لا بأس به، وهي بمعنى: صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثني رجل من قومي ]. هذا الرجل من قومه لم يذكر، ولكنه ذكر في الإسناد الثاني، وهو شرحبيل بن سعد ، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و ابن ماجة . [ عن جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وهو صحابي بن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : رواه يحيى بن أيوب ]. يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمارة بن غزية عن شرحبيل عن جابر ]. الثلاثة مر ذكرهم. [ قال أبو داود : وهو شرحبيل يعني: رجلاً من قومي ]. يعني: أن ابن غزية قال في الإسناد الأول: رجل من قومي، وفي هذا الإسناد قال: عن شرحبيل ، وهذا هو ذاك. قوله: [ كأنهم كرهوه فلم يسموه ]. يعني: فيه كلام فلم يسموه في الإسناد الأول. شرح حديث (من أبلي بلاء فذكره فقد شكره ومن كتمه فقد كفره) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن الجراح حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أبلى بلاء فذكره فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره) ]. هذا مثل الذي قبله في الجملة من ناحية الذكر والشكر، وعدم الذكر والشكر. قوله: [ (من أبلي بلاء) ]. أي: من أحسن إليه بإحسان، فذكر ذلك الإحسان وأثنى على صاحبه أو مدح صاحبه، أو حمده فقد شكره. قوله: [ (وإن كتمه فقد كفره) ]. أي: كفر ذلك الإحسان، أو كفر هذه النعمة، وهو مثل الذي تقدم: (من وجد فليجز به، وإن لم يجد فليثن به، فمن أثنى به فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره)، فهذا مثل الجملة الأخيرة من الحديث السابق. وكون الإنسان يذكر النعمة ويذكر صاحبها في نفسه أو فيمن له علاقة به، فهذا يكفي، أما إعلان ذلك في الناس وقوله: فلان أعطاني كذا وأعطاني كذا، فهذا لا يلزم؛ لأنه في هذه الحال قد يتسبب لذلك الشخص بالإحراج، بأن يؤتى إليه ويقال: أعطيت فلاناً فأعطنا. تراجم رجال إسناد حديث (من أبلي بلاء فذكره فقد شكره ومن كتمه فقد كفره) قوله: [ حدثنا عبد الله بن الجراح ]. عبد الله بن الجراح صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند مالك و ابن ماجة . [ حدثنا جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سفيان ]. هو طلحة بن نافع ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جابر ]. جابر رضي الله عنه مر ذكره. صيغ الشكر، وحق النبي والصحابة من الشكر على أهل الإسلام الشكر القولي ليس له صيغة معينة، فيجوز بأي لفظ كان، كأن يقول: شكر الله لك، جزاك الله خيراً، لقد أحسنت، أحسن الله إليك، فكل هذا من الصيغ التي فيها شكر. ومن المعلوم أن أعظم المنن علينا هي وصول هذا الدين غضاً طرياً بفضل الله، ثم بجهود السلف الصالح رحمهم الله، لاسيما الصحابة رضي الله عنهم الذين بلغوا دين الله تعالى. وقد سبق أن ذكرنا أن الإحسان قد يكون دينياً وقد يكون دنيوياً، والدنيوي: كالإحسان بالمال، والديني: كالإحسان بالعلم، والدعوة إلى الخير، والتبصير بالهدى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا أجل الإحسان وأعظمه؛ لأن الإحسان في أمور الدنيا إنما هو زاد للحياة الدنيا، وأما الإحسان في الدين، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير، والتبصير بالحق والهدى، فهذا فيه مساعدة وإعانة على الزاد الذي يتزود به في الآخرة، ومعلوم أن الحياة الدنيا لا بد لها من نهاية، والإنسان سيأخذ رزقه الذي كتبه الله له، سواء ساقه الله إليه بواسطة أو بغير واسطة، وأما بالنسبة للدين والتفقه في الدين ومعرفة الحق والهدى، والخروج من الظلمات إلى النور، فهذه أعظم النعم وأجلها؛ ولهذا كان حق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم -الذي ساق الله للمسلمين على يديه هذه النعمة- أعظم حق، ويجب أن تكون محبته فوق محبة كل محبوب من البشر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي دل الناس على الحق والهدى، وأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور. فالنعمة التي ساقها الله على يديه لا تماثلها نعمة، ولا تدانيها نعمة، بل إن الوالدين اللذين أحسنا إلى الإنسان، وكانا سبب وجوده، وقاما بتنشئته وبتربيته حتى بلغ مبلغ الرجال، حقهما دون حقه صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)؛ لأن النعمة التي ساقها الله للناس على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم النعم، وأجل النعم، ولا تماثلها، ولا تساويها نعمة. وبعد الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم الناس فضلاً وإحساناً إلى الناس أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، الذين هم الواسطة بين الناس وبين الرسول عليه الصلاة والسلام، الذين تلقوا الكتاب والسنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وبلغوهما إلى الناس، فكل خير حصل للناس إنما جاء عن طريق الصحابة، والناس ما عرفوا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن طريق الصحابة، فهم الذين جمعوا القرآن، وهم الذين حفظوا السنة، وهم الذين نقلوا الكتاب والسنة وأدوهما إلى الناس، فكل من حفظ سنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وأداها إلى الناس فإن الله تعالى يثيبه مثلما يثيب من استفاد من هذه السنة. وقبل ذلك فإن كل من حصل منه إحسان، أو معروف، أو تقوى وإيمان، فإن للنبي صلى الله عليه وسلم مثل أجور كل أمته من أولها إلى آخرها؛ لأنه هو الذي دلهم على الحق والهدى، قال صلى الله عليه وسلم: (ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله) وقال عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)وعلى العكس من ذلك: (ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل إثم من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)، وعلى هذا فإن المحبة تكون للرسول صلى الله عليه وسلم على الوجه الذي بينه عليه الصلاة والسلام، وهي المحبة التي تفوق محبة الوالدين، ومحبة الناس أجمعين. وأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يدعا لهم، ويشكرون ويذكرون بالجميل اللائق بهم، ولا يذكرون بسوء، وإنما يذكرون بالخير؛ لأن كل خير وصلنا فإنما هو عن طريق الصحابة، ومن قطع صلته بالصحابة فإن صلته بالرسول صلى الله عليه وسلم مبتوتة؛ لأنه لا يوصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة إلا عن طريق الصحابة؛ ولهذا كانوا أفضل هذه الأمة، وخير هذه الأمة، وكان أي واحد منهم أفضل من أي واحد يجيء بعدهم، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضلهم بقوله: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)فقرن الرسول صلى الله عليه وسلم الذين رأوه هم خير الناس، ثم قرن التابعين، ويليهم قرن أتباع التابعين. والحاصل: أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وقد ساق الله هذا الخير الذي بعث نبيه صلى الله عليه وسلم به عن طريقهم، فإنهم يحبون ويدعا لهم، ويذكرون بالجميل اللائق بهم، وتنزه الألسنة والقلوب عن أن يكون فيها شيء مما لا ينبغي، بل تكون القلوب والألسنة سليمة في حقهم، فلا يكون في القلوب إلا المحبة والذكر الجميل اللائق بهم رضي الله عنهم وأرضاهم، والكف عما شجر بينهم، وألا يذكر منهم أحد إلا بأحسن الذكر؛ لأنهم هم الذين جعلهم الله واسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكرهم يكون بالدعاء لهم والثناء عليهم وذكرهم بالجميل اللائق بهم."
__________________
|
#904
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود [548] هناك جملة من الآداب حث عليها الإسلام ورغب فيها، ومنها: شكر الإنسان للمعروف المسدى إليه من غيره، وعدم الجلوس في الطرقات إلا لمن أدى حقها، وهناك آداب متعلقة بالمجالس والمجالسة ينبغي التأدب بها ومعرفتها كما وردت في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الجلوس في الطرقات شرح حديث أبي سعيد الخدري في حق الطريق على من جلس فيه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجلوس في الطرقات. حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد عن زيد يعني ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والجلوس بالطرقات، قالوا: يا رسول الله! ما بد لنا من مجالسنا نتحدث فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر) ]. قوله: [ باب في الجلوس في الطرقات ]. أي: أن ذلك لا يسوغ إلا بشرطه، وهو ما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يكن هناك بد من الجلوس في الطريق فعلى من يجلس أن يعطي الطريق حقه، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حق الطريق لما سأله الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم عن ذلك، فينبغي البعد عن الجلوس في الطرقات، وإذا كان دعا الأمر إلى ذلك، ولم يكن هناك بد، فلا بد من إعطاء الطريق حقه، وهو الذي بينه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في حديث أبي سعيد هذا. قوله: [ (غض البصر، وكف الأذى) ]. أي: فلا ينظر إلى ما لا يجوز له النظر إليه، كالنظر إلى النساء، وكذلك كف الأذى عن الناس فلا يؤذيهم بقول ولا فعل. قوله: [ (ورد السلام) ]. أي: عندما يسلم أحد يرد عليه؛ لأنهم جالسون، فالذي يأتي ماشياً ويبدأ بالسلام فيرد عليه الجالس؛ ولهذا قال: (ورد السلام) ولم يقل: ابتداء السلام؛ لأن الجالس هو الذي يسلَّم عليه، ولا يسلم هو على الناس، فإذا جاء أحد يمشي فلا يقول الجالس: السلام عليكم، وإنما الذي يمشي يقول: السلام عليكم، والجالس يرد السلام؛ ولهذا قال: (ورد السلام). قوله: [ (والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر) ]. فإذا حصل أمر يقتضي أن يوجه إلى خير، وأن يبصر بحق، فإنه يأمر بالمعروف، وكذلك إذا رئي أمر منكر، فإنه ينبه الذي حصل منه المنكر على ذلك، ويحذر من ذلك، ويخوف منه، فيكون هذا الجلوس فيه جلب مصلحة، ودفع مضرة، فغض البصر وكف الأذى فيه دفع للمضرة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورد السلام من المنفعة والمصلحة التي أمر بها. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والجلوس في الطرقات) فدل هذا على أن الأصل هو ألا يجلس في الطرقات، ولكن إذا كان هناك حاجة إلى الجلوس كما في قولهم: (ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها) فعليهم أن يعطوا الطريق حقه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (فأعطوا الطريق حقه) ليلفت أنظارهم إلى أن يعرفوا حق الطريق، فهو لم يقل: افعلوا كذا وكذا، وإنما قال: (فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق؟)؛ لأنهم حينما سألوا عنه فإن هذا يكون أدعى إلى ثبوته وفهمه؛ لأن الشيء الذي يحصل له أمر يقتضيه، ويحصل له سبب كأن يكون مجملاً ثم يستفسر عن تفصيله، فإن ذلك التفصيل عندما يذكر للسائل ينتبه له، ويتهيأ له، ويكون على استعداد وتشوق لاستيعابه، وعدم فوات شيء منه. فقال لهم صلى الله عليه وسلم: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)، وهذا من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام. تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري في حق الطريق على من جلس فيه قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد ]. هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد يعني ابن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، وهو مشهور بكنيته أبي سعيد ، وبنسبته الخدري ، وهو صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث أبي هريرة في حق الطريق على من جلس فيه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر يعني ابن المفضل حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة قال: (وإرشاد السبيل) ]. أورد المصنف حديث أبي هريرة وهو مثل الذي قبله، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجلوس في الطرقات، وأنهم قالوا: ما لنا بد من مجالسنا فقال لهم: (إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه)، ومما جاء عند أبي هريرة : (وإرشاد السبيل) أي: إذا احتاج أحد إلى معرفة الطريق فإنه يرشده، ويبصره بالطريق الذي يحتاج إلى سلوكه وإلى معرفته، فإذا كانوا جالسين وجاء أحد يريد أن يسلك طريقاً يوصله إلى بغيته، والطرق متعددة، ولا يدري الطريق الذي يوصله إلى بغيته، فإنه إذا سئل الجالس فعليه أن يرشده إلى الطريق، ويبين له السبيل، وهذا من حق الطريق. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في حق الطريق على من جلس فيه قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر يعني ابن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق ]. عبد الرحمن بن إسحاق صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سعيد المقبري ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة رضي الله عنه مر ذكره. شرح حديث عمر بن الخطاب في حق الطريق على من جلس فيه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن عيسى النيسابوري أخبرنا ابن المبارك أخبرنا جرير بن حازم عن إسحاق بن سويد عن ابن حجير العدوي قال: سمعت عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة قال: (وتغيثوا الملهوف وتهدوا الضال) ]. أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو يتعلق بالقصة التي مرت عن أبي سعيد ثم عن أبي هريرة ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وتغيثوا الملهوف) أي: من حق الطريق أنه إذا كان هناك من يحتاج إلى إعانة ومساعدة فإنه يعينه ويساعده. قوله: (وتهدوا الضال) أي: من ضل الطريق، وهو نظير الذي قبله في قوله: (وإرشاد السبيل) فإذا جاء الإنسان ليسأل عن طريق يوصله إلى مقصوده فيخبره، وأما الضال فهو الذي يكون الطريق الذي يريده وراءه، فيرشده إلى أنه قد تجاوزه، وهذا من إهداء السبيل، ولكنه على مفترق طرق ولا يدري أين يذهب فيخبرونه ويبصرونه، فقوله: (وإرشاد السبيل) وقوله: (وتهدوا الضال) معناهما متقارب. فقوله: [ (وتغيثوا الملهوف) ]. الملهوف هو الذي وقعت له مصيبة، أو أراد التخلص من ظلم حصل له، أو اعتدى عليه أحد، فطلب منهم أن ويغيثوه. وقوله: [ (وتهدوا الضال) ]. الضال: هو الذي ضل الطريق، ومعلوم أن الضلال يكون في الطريق، ويكون في الانحراف عن طريق الحق، فيكون عن الطريق الحسي، وعن الطريق المعنوي، كل هذا يقال له: ضلال، فمن ضل عن الحق والهدى يقال له: ضال، ومن ضل الطريق يقال له: ضال. وهداية الضال هنا من جنس: (إرشاد السبيل). تراجم رجال إسناد حديث عمر بن الخطاب في حق الطريق على من جلس فيه قوله: [ حدثنا الحسن بن عيسى النيسابوري ]. الحسن بن عيسى النيسابوري ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا جرير بن حازم ]. جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسحاق بن سويد ]. إسحاق بن سويد صدوق، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن ابن حجير العدوي ]. ابن حجير العدوي مستور، أخرج له أبو داود . [ سمعت عمر بن الخطاب ]. عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الصحابي الجليل، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. حقوق الطريق واجبة قوله صلى الله عليه وسلم: (وتغيثوا الملهوف) داخل تحت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي مر في حديث أبي سعيد ، فإغاثة الملهوف إذا اعتدي عليه من إنكار المنكر. وهذه الحقوق على الوجوب؛ لأنهم منعوا من الجلوس، ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه) فقد: رخص لهم في الجلوس عند الإتيان بهذه الأمور، وبدونها لا ترخيص لهم. وإذا كان السائل عن الطريق الذي قد ضله من أهل البدع، وكان المكان الذي يقصده يقوده إلى بدعة فلا يبين له، وأما إذا كان يسأل عن بيت أو عن عمارة أو نحو ذلك، فلا بأس أن يبين له، أما إرشاده إلى مكان فيه بدعة ومعصية فهذا من التعاون على الإثم والعدوان. شرح حديث أنس في وقوف النبي في ناحية السكة لقضاء حاجة امرأة من المسلمين قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع و كثير بن عبيد قالا: حدثنا مروان قال ابن عيسى قال: حدثنا حميد عن أنس قال: (جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن لي إليك حاجة، فقال لها: يا أم فلان! اجلسي في أي نواحي السكك شئت حتى أجلس إليك، قال: فجلست فجلس النبي صلى الله عليه وسلم إليها حتى قضت حاجتها). لم يذكر ابن عيسى : (حتى قضت حاجتها) وقال كثير : عن حميد عن أنس ]. أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله! لي إليك حاجة، فقال لها عليه الصلاة والسلام: اجلسي في أي السكك شئت حتى أقضي حاجتك، فجلست، فجاء إليها وقضى حاجتها) صلى الله عليه وسلم، وهذا دال على كمال أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وعلى تواضعه، وعلى إحسانه عليه الصلاة والسلام، فقد طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم قضاء حاجتها، فقال: (اجلسي في أي الطرق) ثم جاء وجلس معها، وقد أورده المصنف في هذه الترجمة التي تتعلق بالطريق، لبيان أن الجلوس في الطريق سائغ، ولكن مع كونه سائغاً يعطى حقه، والرسول صلى الله عليه وسلم جلس وإياها في إحدى السكك، أي: في إحدى الطرق، وهي تقص عليه حاجتها، وتبين له ما تريد منه، فقضى حاجتها صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن مثل ذلك لا يعتبر خلوة، فعندما يكون الطريق سالكاً ثم ينحاز رجل وامرأة، فتكلمه ويكلمها فلا بأس بذلك، ومعلوم أن هذا لا يكون إلا إذا لم يكن هناك ريبة، كما أن الأمر ليس على إطلاقه في أن يقف أي رجل مع أي امرأة، ولكن إذا كان الرجل معروفاً بالأمانة والصلاح، واحتاجت المرأة أن تسأله عن حاجة، ثم وقف معها لا ينظر إليها، ولكن يسمع كلامها ويجيبها فيما تريد فإن ذلك سائغ؛ لهذا الحديث الذي جاء عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. تراجم رجال إسناد حديث أنس في وقوف النبي في ناحية السكة لقضاء حاجة امرأة من المسلمين قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع ]. محمد بن عيسى بن الطباع ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ وكثير بن عبيد ]. كثير بن عبيد ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا مروان ]. هو مروان بن معاوية الفزاري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقالوا عنه: إنه يدلس تدليس الشيوخ، وتدليس الشيوخ من أنواع التدليس، وهو أن يذكر الشيخ بما لا يعرف به، وهو يختلف عن تدليس الإسناد والذي هو: أن يروي المدلس عن شيخه ما لم يسمع منه بلفظ موهم للسماع، وهو التدليس المشهور والذي يغلب عند الكلام في التدليس وذكر المدلسين، أما تدليس الشيوخ فيكون بذكر الشيخ بغير ما اشتهر به، فيكون في ذلك صعوبة في معرفته، والشخص المعروف يكون غير معروف بسبب هذا التدليس. [ قال ابن عيسى : قال حدثنا حميد ]. يعني أن ابن عيسى يقول: إن مروان قال: حدثنا حميد ، يعني: أن بين مروان وبين حميد صيغة حدثنا من محمد بن عيسى ، وأما كثير بن عبيد ففي إسناده: عن حميد . [ حدثنا حميد ]. هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أنس ]. أنس رضي الله عنه وقد مر ذكره، وهذا من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود . وقوله: [ لم يذكر ابن عيسى : حتى قضت حاجتها، وقال كثير : عن حميد عن أنس ]. معناه: أن المتن عند كثير بن عبيد أتم وأكمل؛ لأنه قال: (حتى قضت حاجتها)، وأما محمد بن عيسى فإنه لم يذكر هذه الزيادة؛ لأنه ساق السند على ابن عيسى والمتن على كثير بن عبيد . حكم خلوة الرجل بالمرأة لتعليمها وتدريسها قد يستدل البعض بهذا الحديث على جواز تدريس الرجل للنساء من غير ستار بينه وبينهن كما يقع في بعض البلاد، ومثل هذا القول مردود، فالحديث لا يدل على ذلك؛ لأن هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم حصل لأمر اقتضى ذلك، وكان في طريق سالك، والأمر قد يدعو إلى ذلك في حق من يحتاج إليه من ولي أمر أو مفت أو نحوهم، وأما كونه يجلس مع النساء وينظر إليهن وينظرن إليه، فهذا لا يسوغ. وكذلك قد يحصل من بعض النساء أن تستوقف العالم أو طالب العلم لتسأله، فإذا لم يكن في ذلك ريبة ولا محذور بحيث لا ينظر إليها، ولا يلقيها وجهه، وإنما يلقيها جانبه، ويسمع منها ثم يجيبها على سؤالها ثم يمضي دون أن يكون مستقبلاً لها ينظر إليها، فلا بأس بذلك. خطأ القول باختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بالخلوة بالمرأة الأجنبية واستدل بعضهم بهذا الحديث على أن من خصوصياته صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالمرأة الأجنبية، إلا أن الحديث ليس فيه ما يدل على حصول الخلوة؛ لأن هذا الأمر كان في السكة حيث قال لها: (انظري أي السكك شئت) والسكك: هي الطرق، فلا خلوة في ذلك. والنبي عليه الصلاة والسلام أبوته للعالمين مثل أمومة زوجاته للمؤمنين، وهذه الأبوة والأمومة دينية، ولا علاقة لها بالمحرمية ولا تجري أحكام المحارم عليها. شرح حديث أنس في وقوف النبي في ناحية السكة.. من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس (أن امرأة كان في عقلها شيء..) بمعناه ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى وفي أوله: (أن امرأة كان في عقلها شيء..) وهو بمعنى الحديث المتقدم، وفيه زيادة ذكر وصف هذه المرأة بأنه كان في عقلها شيء من الخلل والقصور، وقيل: إنما ذكر ذلك لكونها طلبت منه أن يجلس معها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم راعى شأنها وحقق لها ما تريد من أجل ضعفها. تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث أنس في وقوف النبي في ناحية السكة.. قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي و النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت ]. حماد بن سلمة مر ذكره، و ثابت مر ذكره. [ عن أنس ]. أنس رضي الله عنه مر ذكره. ما جاء في سعة المجلس شرح حديث (خير المجالس أوسعها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في سعة المجلس. حدثنا القعنبي حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خير المجالس أوسعها). قال أبو داود : هو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرة الأنصاري ]. قوله: [باب في سعة المجلس ]. أي: المجلس الذي يتخذ لجلوس الناس، وهذا يكون بحسبه، فعندما يتطلب الأمر كثرة الداخلين والخارجين والمجتمعين، فإنه يوسع حتى يكون كافياً، حتى لا يتفرق الناس في أماكن متعددة، وعندما لا يتطلب الأمر ذلك فإنه لا يلزم ولا يعتبر خير المجالس بالنسبة لكل أحد؛ لأن من الناس من يكون عنده مجال في أرضه ليتخذ مجلساً كبيراً ويقصده أناس كثيرون، ومن الناس من تكون أرضه قليلة ومحدودة، والذين يأتون إليه أناس قليلون. إذاً: كل على حاله وعلى مقدار حاجته؛ لأن من لا يأتي إليه الناس بكثرة فإن سعة المجلس ليس من ورائها فائدة، وإنما الفائدة في حق من يكثر رواده، ويكثر المجتمعون عنده والقاصدون إليه؛ ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن: (خير المجالس أوسعها)؛ لأنها تكفي الناس عند اجتماعهم، ويكون بعضهم مع بعض. تراجم رجال إسناد حديث (خير المجالس أوسعها) قوله: [ حدثنا القعنبي حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي ]. عبد الرحمن بن أبي الموالي صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري ]. عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن أبي حاتم : ليست له صحبة، وهو ثقة، وقيل: له صحبة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سعيد الخدري ]. أبو سعيد الخدري رضي الله عنه مر ذكره. [ قال أبو داود : هو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرة الأنصاري ]. هذا نسب عبد الرحمن بن أبي عمرة . ما جاء في الجلوس بين الظل والشمس شرح حديث أبي هريرة في النهي عن الجلوس بين الظل والشمس قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجلوس بين الظل والشمس. حدثنا ابن السرح و مخلد بن خالد قالا: حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر قال: حدثني من سمع أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدكم في الشمس -وقال مخلد في الفيء- فقلص عنه الظل وصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم) ]. قوله: [ باب في الجلوس بين الظل والشمس ]. أي: أنه لا ينبغي ولا يصلح أن يجلس الإنسان في ذلك المجلس لا ابتداءً ولا إذا كان عارضاً، وابتداء أي: لا يأتي ويتعمد أن يجلس بين الشمس والظل، وإنما يكون كله في الشمس أو كله في الظل، وذلك أن الجسد عندما يكون على هيئة واحدة إما حرارة أو برودة، فإنه يكون متوازناً، وأما إذا كان بعضه في الظل وبعضه في الشمس فإنه يتأثر بعضه فيحصل له برودة، وبعضه يحصل له حرارة، وهذا مضر، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى عدم فعل ذلك، وقد جاء أن الجلوس بين الشمس والظل هي جلسة الشيطان، هذا بالإضافة إلى ما يترتب على ذلك من المضرة للجسد لكون بعضه في الشمس وبعضه في الظل. وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو يتعلق بإحدى الحالتين، فإذا كان الإنسان جالساً في الشمس، أو جالساً في الفيء أو الظل، ثم تقلص الظل بحيث صار بعضه في الشمس وبعضه في الظل، فإنه في هذه الحال يقوم وينتقل إما إلى الشمس أو إلى الظل، بحيث يكون كله في الشمس، أو يكون كله في الظل، ولا يستمر على الهيئة التي هو عليها؛ لأنها جلسة الشيطان؛ ولأن فيها هذا التفاوت الذي يكون للجسد مما قد يلحق به مضرة. وقد جاء ما يشبه ذلك من حيث إنه لا بد من فعل أحد الأمرين، وألا يكون الإنسان بينهما، فقد جاء النهي عن أن يمشي الإنسان بالنعل الواحدة، وأن الإنسان إذا انقطع شسعه فإنه لا يمشي بالنعل الثانية حتى يصلحه، بل يخلع النعل الأخرى، وذلك حتى لا يختلف التوازن، فتكون رجل لها وقاية ورجل ليس لها وقاية. ويشبه ذلك أيضاً ما يتعلق بالقزع الذي هو حلق بعض الرأس وترك بعضه، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحلقه كله أو تركه كله، فهذان مثالان يشبهان ما جاء في الحديث الذي معنا، وهو الجلوس بين الظل والشمس، وأن الإنسان ينبغي أن يكون كله في الظل أو كله في الشمس، وكذلك إما أن ينعل رجليه جميعاً، أو يحفيهما جميعاً، وكذلك لا يحلق بعض شعر رأسه ويبقي بعضه، وإنما يحلقه كله أو يتركه كله. وجاء في رواية ابن السرح : (إذا كان أحدكم في الشمس) وفي رواية مخلد : (إذا كان أحدكم في الفيء فقلص عنه الظل). والفيء هو الظل، فإذا كان جالساً كله في الشمس، ثم جاءه الظل فصار بعضه في الظل وبعضه في الشمس، أو كان في الفيء، ثم جاءت الشمس فصار بعضه في الظل وبعضه في الشمس. والنهي عن الجلوس بين الظل والشمس على التحريم؛ لإخباره صلى الله عليه وسلم أنها قعدة الشيطان، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى القيام. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في النهي عن الجلوس بين الظل والشمس قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و مخلد بن خالد ]. هو مخلد بن خالد الشعيري ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ حدثنا سفيان ]. هو سفيان بن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن المنكدر ]. محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني من سمع أبا هريرة ]. وهذا فيه ذكر واسطة، ولكنه قد جاء في مسند الإمام أحمد أنه من طريق عبد الوارث بن سعيد العنبري عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة ، و محمد بن المنكدر ممن روى عن أبي هريرة وسمع منه فيكون متصلاً. و أبو هريرة مر ذكره. شرح حديث أبي حازم في التحول من الشمس إلى الظل قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن إسماعيل قال: حدثني قيس عن أبيه: (أنه جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقام في الشمس، فأمر به فحول إلى الظل) ]. أورد أبو داود حديث أبي حازم والد قيس بن أبي حازم رضي الله تعالى عنه: (أنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلس في الشمس، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحويله إلى الظل) وهذا ليس فيه جلوس بين الظل والشمس؛ لأنه قال: في الشمس، وأنه أمر بتحويله إلى الظل، ولعل ذلك بسبب أن الشمس فيها حرارة وفيها مضرة عليه، فأمر أن يتحول إلى الظل، فليس هناك ارتباط واضح بين الترجمة وما جاء في هذه الحديث؛ لأنه ليس فيه أنه جلس بين الظل والشمس، وإنما جلس في الشمس، ويمكن أنه جلس في الشمس، ثم إن الظل في طريقه إليه، وقد يترتب على ذلك أن يكون بين الشمس والظل، فأمر أن يتحول إلى الظل الذي يؤمن معه أن يصبح مجلسه بين الظل والشمس، فهذا محتمل، وإلا فإن اللفظ واضح في أنه كان في الشمس، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بتحويله إلى الظل، وقد يكون الجو حاراً وأراد أن يحصل له ما حصل لغيره من الجلوس في الظل الذي فيه الراحة وعدم المضرة بحرارة الشمس والأرض. تراجم رجال إسناد حديث أبي حازم في التحول من الشمس إلى الظل قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. يحيى هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسماعيل ]. هو ابن أبي خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني قيس عن أبيه ]. هو قيس بن أبي حازم ، وهو ثقة مخضرم، وهو الذي قيل فيه: إنه تيسر له أن يروي عن العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وأبوه صحابي أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود ، وليس له إلا هذا الحديث. الأسئلة الانتقال من المكان وقت خطبة الجمعة إذا كان بين الظل والشمس السؤال: إذا جلس أحد في صرح المسجد وقت خطبة الجمعة، وصار بين الظل والشمس، فهل يقوم والإمام يخطب؟ الجواب: نعم، عليه أن يقوم فيتقدم للظل إذا كان أمامه، أو يتأخر للشمس إذا كانت وراءه، أو العكس. الانتقال من المكان أثناء الصلاة إذا كان بين الظل والشمس السؤال: إذا كان يصلي وصار بين الظل والشمس، فهل يتحرك أو يكمل صلاته؟ الجواب: إذا كان يصلي وأثناء ذلك جاءت الشمس، أو جاء الظل، فإن كان مطيلاً للصلاة ويقرأ كثيراً في صلاته، فإنه يتقدم أو يتأخر حتى يكون كله في الظل أو كله في الشمس، وإذا كانت صلاته ليست طويلة، وإنما يصلي ركعتين ركعتين، ويخفف في صلاته، فإنه إذا أنهى الركعتين يتحول. قياس المشي بين الظل والشمس على الجلوس بينهما السؤال: هل يقاس المشي بين الظل والشمس على الجلوس بينهما؟ الجواب: لا يقاس، فإن كان إنسان يمشي بين الظل والشمس فلا يقاس عليه؛ لأن هذا ليس جلوساً، وإنما هو مرور ومشي، فإذا كان الطريق بين الظل والشمس فلا يبتعد عنه الناس ويذهبون يميناً ويساراً ويتركونه خالياً. حلاقة بعض الشعر من أجل الحجامة ليس من القزع السؤال: إذا كانت الحلاقة لبعض الشعر من أجل الحجامة فهل هذا من القزع المنهي عنه؟ الجواب: ليس هذا من القزع. جمع الغترة وردها وراء الظهر من الكفت المنهي عنه السؤال: هل صحيح أن جمع الغترة فوق الرأس أو ردها خلف الظهر في الصلاة يعتبر من كفت الثوب المنهي عنه؟ الجواب: الذي يظهر أن هذا منه؛ لأن الواجب على الإنسان أن يترك ثيابه ولا يجعلها وراءه، وهذه من جنس الثوب. لزوم الخروج من الحرم إلى الحل لمن أراد أداء العمرة مرة ثانية السؤال: أريد أن أحرم من الميقات من أجل العمرة، وأريد أن أعتمر عن والدي المتوفى، فمن أين أحرم للعمرة الثانية؟ الجواب: العمرة المشروعة هي التي يأتي بها الإنسان من المواقيت، فإذا جاء الإنسان من بلده واعتمر لنفسه، ثم ذهب إلى المدينة أو إلى الطائف أو إلى الرياض ثم رجع إلى مكة، وأحرم بعمرة أخرى له أو لغيره، فله ذلك. حكم شكر الكافر على إحسانه السؤال: هل يجوز شكر الكافر؟ الجواب: نعم، إذا حصل منه إحسان يشكر، ولكن شكره ينبغي أن يكون بالدعاء له بالهداية، وهذا أعظم وأهم شكر له. قوله: (ما دعوتم لهم وأثنيتم عليهم) لا يدل على ضرورة استمرار الدعاء السؤال: هل يمكن أن يقال في قوله صلى الله عليه وسلم: (ما دعوتم لهم وأثنيتم عليهم خيراً) بأن (ما) مصدرية ظرفية، بمعنى: مدة دعائكم لهم؟ الجواب: الذي يبدو أنها ليست مصدرية ظرفية وأن الأمر مقصور على استمرار الدعاء، وإنما المقصود إذا حصل الدعاء والثناء عليهم. صلاة التراويح مع من يفعل فيها بدعة رجاء أن يقلع عنها السؤال: أريد أن أصلي صلاة التراويح مع أهل قريتي، ولكنهم قد أحدثوا شيئاً في الصلاة، حيث إنهم يقرءون الصلوات والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعد كل ركعتين جماعة، فهل أصلي معهم؟ الجواب: إذا كان ذهابك إليهم سيكون سبباً في اتباعهم للسنة وتركهم للبدعة فعليك أن تحرص على أن تصلي معهم، وتبين لهم أن هذا غير سائغ، وتناصحهم حتى يتركوا هذا الذي هم واقعون فيه. حال حديث (ليس من البر الصيام في السفر) السؤال: ما صحة حديث: (ليس من البر الصيام في السفر)؟ الجواب: هذا حديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمقصود به: إذا كان هناك مشقة في الصيام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا في حق شخص حصلت له مشقة بسبب الصيام؛ ولهذا فإن الصيام في السفر له حالتان: إذا كان السفر فيه مشقة فإن الإفطار هو المتعين، وإذا كان ليس فيه مشقة، وليس على الإنسان مضرة في محافظته على الصيام، فإن المحافظة على الصيام أولى، وذلك أن الإنسان يكسب أداء الواجب في وقته، ولا يحمل نفسه ديناً قد يثقل أداؤه فيما بعد، وقد يفرط في أدائه، فهو يغتنم الفرصة، ويصوم مع الناس ما دام أن السفر لا يترتب عليه مضرة له، ولاسيما في هذا الزمان مع قصر المدة، والراحة في السفر، وقد يقضي السفر وهو نائم، أو متكئ وجالس على كرسيه، فلا فرق بينه وبين من كان جالساً في الغرفة لمدة ساعة، فاغتنام الفرصة والمحافظة على الصيام في وقته هو الذي ينبغي، وإذا كان يترتب عليه مشقة فالفطر هو المطلوب. حال حديث (الأنصار شعار والناس دثار) السؤال: ما صحة حديث: (الأنصار شعار، والمهاجرون دثار)؟ الجواب: الحديث جاء بلفظ: (الأنصار شعار والناس دثار) والحديث متفق عليه، ومناسبته أن الأنصار رضي الله عنهم وجدوا في أنفسهم بعد قسمة غنائم حنين؛ لأنهم ما أعطوا شيئاً، إنما أعطي الذين أسلموا عام الفتح؛ لتألفهم على الإسلام؛ ولتقوية إسلامهم وتمكنهم من الإسلام، فوجد الأنصار في أنفسهم؛ لأنهم ما أصابوا الذي أصاب الناس، فتكلموا بكلام فيما بينهم، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فجمعهم في مكان، وتكلم معهم بكلام صار لهم خيراً وأفضل من المال؛ لأنه قال: (الأنصار شعار والناس دثار) أي: الأنصار مني بمنزلة الشعار، وهو الثوب الذي يلي الجسد، (والناس دثار) والدثار هو الثوب الذي وراءه، فالكلام هو في عامة الناس، وليس في المهاجرين. حكم من كفر الصحابة السؤال: هل لا بد أن نطبق قاعدة قيام الحجة على من كفر الصحابة، أم أنه كافر بمجرد تكفيره للصحابة دون انتفاء الموانع؟ الجواب: الذي يكفر الصحابة عموماً لا شك أنه كافر، ولا يحتاج إلى أن تقام عليه حجة، وكيف تقام عليه حجة والدين كله مرفوض بتكفيره الصحابة؟! فهو ليس عنده دين أصلاً؛ لأن القرآن جاء عن طريق الصحابة، والسنة جاءت عن طريق الصحابة، فإذا كان الصحابة كفاراً فلا اعتبار بالقرآن ولا اعتبار بالسنة؛ لأن القدح في الناقل قدح في المنقول، فمن كفر الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم فإنه كافر، ولا يحتاج إلى أن تقام عليه الحجة. حكم الانتفاع بمال الكافر لبناء مسجد السؤال: كافر أعطى المسلمين مالاً لبناء مسجد، فهل يجوز أن يأخذوا هذا المال؟ الجواب: إذا كانوا بحاجة إلى هذا المال فليأخذوه ولا بأس. حكم من ترك الصلاة الإبراهيمية في التشهد الأخير السؤال: امرأة صلت في الحرم المكي صلاة الجمعة، ولا تعلم أن الصلاة ركعتين، فعندما جلس الإمام للتشهد أتت بالتحيات ولم تذكر الصلاة الإبراهيمية، ثم سلمت مع الإمام، فما حكم صلاتها؟ الجواب: الصلاة الإبراهيمية فيها خلاف بين أهل العلم، منهم من قال: إنها ركن من أركان الصلاة، ومنهم من قال: ليست بركن، والذي يظهر أن الأحوط والأولى أن تعيد الصلاة. حكم التحايل على الحكومات في دفع الضرائب السؤال: عندنا الحكومة تأخذ الضرائب على التجارة، واختلفنا فمن قائل: إن إعطاءها إلى الحكومة حرام، ومن قائل: ينبغي أن تعطى، مستدلاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)، فما حكم إعطائها إلى الحكومة، وما حكم التحايل لئلا تعطى؟ وهل حديث: (صاحب المكس في النار) صحيح؟ الجواب: إذا كانت الحكومة فرضت الضرائب على الناس فكما هو معلوم أن الناس ليس لهم بد من أن يدفعوها، وليس لهم خيار، وإذا كانوا مخيرين فلا يعطون الشيء الذي لا ينبغي أن يعطى، وأما إذا كان شيئاً ألزموا به فإنهم يفعلون ذلك، ومن كان مظلوماً فإنه سيقتص ممن ظلمه. وجوب الكف عن ذكر أخطاء الصحابة الكرام السؤال: هل هناك فرق بين أن يعقد مجلس يذم فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبين أن تذكر أخطاء الصحابة ضرباً للمثل في معالجة قضية معينة أم أن الكل مذموم؟ الجواب: الكل مذموم، وحق الصحابة ألا يذكروا إلا بخير، ولا يذكروا بسوء أبداً، بل لابد أن تكون القلوب والألسنة سليمة، ولا تضرب الأمثال أو يؤتى بشيء فيه نيل من الصحابة من أجل ضرب المثل أبداً، وإنما يذكرون بالجميل، ويقول الإنسان خيراً أو يصمت، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) والذي ينبغي له ألا يصمت، وإنما يتكلم بالثناء والدعاء لهم رضي الله عنهم وأرضاهم؛ لأن الله سبحانه وتعالى ساق لنا هذا الخير على أيديهم، فهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عرف الناس كتاباً ولا سنة إلا عن طريق الصحابة، فالصحابة رضي الله عنهم لا يصلح أن يذكروا بسوء أبداً، ولا يضرب بهم المثل بما لا يليق بهم، ولا أن يحصل ذمهم. ما جاء في التحلق شرح حديث (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهم حلق فقال: ما لي أراكم عزين؟) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التحلق. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن الأعمش قال: حدثني المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهم حلق فقال: ما لي أراكم عزين؟) حدثنا واصل بن عبد الأعلى عن ابن فضيل عن الأعمش بهذا قال: كأنه يحب الجماعة ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: [ باب في التحلق ]، والتحلق هو: الجلوس حلقاً، أن يجلس الناس متحلقين على هيئة الحلقة التي يكون لها محيط، ويكون الوسط خالياً. وقد أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وهم حلق، فقال: ما لي أراكم عزين؟) أي: كأنه أنكر عليهم هذه الهيئة التي كانوا عليها، وقوله: (عزين) يعني: متفرقين حلقاً حلقاً. والتحلق في المسجد إذا كان قبل الصلاة فهو غير سائغ؛ لأنه إذا أذن المؤذن فإن المطلوب أن يكون الناس صفوفاً، وأن يتموا الصف الأول فالأول، وأن يستعدوا للصلاة، فإذا كان هذا الأمر قبل الصلاة فمعلوم أن هذه الهيئة لا تنبغي، وأن المطلوب عندما يأتي الناس إلى المسجد في الصلاة وقد دخل الوقت فإنهم يتقدمون إلى الصف الأول حتى يملئوه، ثم ينشئون الصف الثاني حتى يملئوه، ثم الصف الثالث .. وهكذا، فيملئون كل صف وينتقلون إلى الصف الذي يليه، فلا ينبغي الجلوس على هذه الهيئة قبل الصلاة، وعلى الناس أن يجلسوا صفوفاً ينتظرون الصلاة، يقرءون القرآن أو يذكرون الله عز وجل، ولا يجلسون حلقاً، فإن هذا هو الذي أنكره النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (ما لي أراكم عزين). وأما الجلوس في المسجد في غير وقت الصلاة حلقاً لتعليم العلم، وتكون الحلق متعددة هذا يدرس فناً وهذا يدرس فناً، وهذا يدرس علماً، وهذا يدرس علماً، فهذا لا بأس به، وقد كانت الحلقات في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم موجودة منذ زمن قديم، فهذا شيء لا بأس به وهو أمر مطلوب، وتحصيل العلم إنما يكون بالتدريس في المساجد، ولا يلزم أن يكون الناس حلقة واحدة، بل يمكن أن يكون الناس حلقاً، وأن يكونوا متعددين، وكل له شيء يريد أن يدرِّسه وأن يَدْرسه، فمثل ذلك لا بأس به، والذي يبدو -والله أعلم- أن الذي حصل هو أنهم كانوا متحلقين قبل الصلاة. وقوله: (كأنه يحب الجماعة)، أي: عدم التفرق، ومعلوم أنه إذا كان الناس ينتظرون الصلاة فإنهم كما ذكرت يأتون إلى الصفوف ويملئونها الأول ثم الذي يليه ثم الذي يليه، وتفرقهم هذا التفرق لا ينبغي، وكذلك أيضاً ابتعادهم عن الصفوف الأول لا ينبغي، وإنما على الناس عندما يأتون إلى المسجد أن يتقدموا إلى الصفوف، وأن يبدءوا بالأول ثم الذي يليه ثم الذي يليه وهكذا. تراجم رجال إسناد حديث (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهم حلق فقال: مالي أراكم عزين؟) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني المسيب بن رافع ]. المسيب بن رافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن تميم بن طرفة ]. تميم بن طرفة ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله عنه صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وقوله: [ حدثنا واصل بن عبد الأعلى ]. واصل بن عبد الأعلى ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن فضيل ]. هو محمد بن فضيل بن غزوان ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش بهذا ]. يعني: بهذا الإسناد. حكم التحلق قبل الصلاة فيما يتعلق بالنهي عن التحلق قبل الصلاة معلوم أن الناس مطلوب منهم أن يكملوا الصف الأول فالأول، وألا يتأخروا، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)، فالواجب هو المسابقة إلى الفضل، وإلى الصف الأول لمن دخل مبكراً، ثم الصف الذي يليه، ثم الذي يليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها). ومما ينبغي أن ينبه عليه هنا: أنه قد جاء في الحديث أن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة غير سائغ، وأنه قد جاء النهي عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإذا دخل الناس المسجد يوم الجمعة فإنهم لا يتحلقون للعلم، ولا يشتغلون بالعلم ولا بغيره، بل يأتون إلى المسجد فيصلون ما أمكنهم أن يصلوا، ثم يجلسون يقرءون القرآن ويذكرون الله، وإذا دخل الخطيب سمعوا الخطبة وصلوا، وأما أن يشتغلوا بشيء قبل الصلاة بعلم أو تعلم أو حلق أو وعظ، فهذا قد جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة. وأما التحلق بعد الفجر يوم الجمعة فالذي يبدو أنه ليس فيه بأس إن شاء الله؛ لأن الناس كما هو معلوم في الغالب يجلسون بعد الصلاة ثم ينصرفون، ثم يأتون إلى المسجد، ومعلوم أنهم إذا جاءوا بعد طلوع الشمس شيئاً فشيئاً، فإن كل ذلك يكون قبل الصلاة، لكن بعد صلاة الفجر يبدو أنه لا بأس؛ لأن الناس غالباً يصلون وينصرفون إلى بيوتهم، ثم يأتون للجمعة.
__________________
|
#905
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث (كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن جعفر الوركاني و هناد أن شريكاً أخبرهم عن سماك عن جابر بن سمرة قال: (كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي) ]. أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة الذي يخبر فيه أنهم كانوا -أي: الصحابة- إذا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدهم حيث ينتهي، أي: حيث ينتهي به المجلس، فيكون من سبق له المكان، وغيره يأتي فيجلس حيث ينتهي به المجلس، وهذه هي الهيئة التي كان الصحابة يفعلونها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من الآداب أن الإنسان يأتي ويجلس حيث ينتهي به المجلس. تراجم رجال إسناد حديث (كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي) قوله: [ حدثنا محمد بن جعفر الوركاني ]. محمد بن جعفر الوركاني ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ و هناد ]. هو هناد بن السري أبو السري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن. [ أن شريكاً أخبرهم ] هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سماك ]. هو سماك بن حرب ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله عنه قد مر ذكره. وهذا الإسناد من الرباعيات وهي من أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله. ما جاء في الجلوس وسط الحلقة شرح حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من جلس وسط الحلقة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الجلوس وسط الحلقة. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا قتادة قال: حدثني أبو مجلز عن حذيفة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من جلس وسط الحلقة) ]. أورد أبو داود باب الجلوس وسط الحلقة، أي: إذا كان الناس في حلقة مستديرين، ثم جاء واحد وجلس بينهم، فإن هذا قد حصل منه شيء لا ينبغي، وذلك أنه أولاً تخطى الرقاب، وأساء إلى الناس، ثم أيضاً يحجب من جاءوا قبله عن رؤية من أمامهم ممن سبقوا إلى الحلقة، فكون الإنسان يأتي ويجلس وسطهم فيه إساءة إلى الحاضرين بالتخطي أولاً، وبكونه يحجب الذين يكون أمامهم في جهة أخرى. والحديث ضعيف؛ لأن فيه انقطاعاً بين أبي مجلز وبين حذيفة رضي الله تعالى عنه؛ لأنه لم يسمع منه، وقيل: إنه لم يدركه، وعلى هذا فهو غير ثابت، ولكن المعنى صحيح من جهة أنه عندما يكون الناس حلقة، ثم يتخطى إنسان هذه الحلقة ويجلس في وسطهم، لا شك أن هذا فيه شيء من عدم المعاملة الحسنة للناس، وإنما عليه أن يجلس في حلقة ثانية تكون وراء هذه الحلقة، اللهم إلا أن يكون ليس وراءهم إلا جدران، وأن هذه الحلقة ليس فيها مجلس إلا في الوسط، فإنه يمكن أن يكونوا حلقاً أخرى في الوسط، وإذا كان الأمر يستدعي جلوسهم ومجيئهم ودخولهم، فإن ذلك لا يتم إلا بهذه الطريقة، وهذا حيث يكونون عدداً فالأولون إما أن يتقدموا أو يتركوا الذين دخلوا يجلسون أمامهم؛ لأن مثل هذه الحالة لا يمكن فيها إلا مثل هذا، فإما أن يتقدم الأولون حتى يصيروا قريباً ممن يحدثهم، إذا كانوا بين يدي من يحدثهم، أو أنهم يبقون ولكن يتحلق الناس حلقاً أخرى في داخل تلك الحلقة، وهذا لا بأس به حيث يكون المكان لا يتسع للناس، وهم محتاجون إلى أن يدخلوا وأن يكونوا في هذا المكان، والمكان مفتوح لمن يدخل، فإذا زاد العدد على ما في المجلس فيمكن أن يجلس الناس في الوسط، وإذا أراد الذين سبقوا أن يتقدموا يتقدمون، وإن أرادوا أن يبقوا في أماكنهم ويتكئون على الجدران، فليتركوا الفرصة لمن جاء بعدهم فيجلس أمامهم. وقوله: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن من جلس وسط الحلقة) هذا يدل على خطورته، ولكن الحديث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من جلس وسط الحلقة) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبان ]. هو أبان بن يزيد العطار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا قتادة ]. هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبو مجلز ]. أبو مجلز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حذيفة ]. حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. ما جاء في الرجل يقوم للرجل من مجلسه شرح حديث أبي بكرة في النهي عن قيام الرجل للرجل من مجلسه قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يقوم للرجل من مجلسه. حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن أبي عبد الله مولى آل أبي بردة عن سعيد بن أبي الحسن قال: (جاءنا أبو بكرة رضي الله عنه في شهادة، فقام له رجل من مجلسه فأبى أن يجلس فيه وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذا، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسح الرجل يده بثوب من لم يكسه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في الرجل يقوم للرجل من مجلسه، أي: أن الذي ينبغي للإنسان أنه إذا كان في مجلس ودخل داخل فإنهم يتفسحون ويوسعون المجلس، حتى يجلس الذي دخل في المكان الذي حصل مع التوسع، وأما كونه يقوم إنسان من مكانه أو يقام إنسان من مكانه فهذا هو الذي جاء النهي عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما المطلوب هو أن يوسع الناس بعضهم لبعض، بحيث يستوعبهم المكان حيث أمكن ذلك، وقد جاءت السنة بذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أمر عليه الصلاة والسلام أن يتفسحوا في المجالس، أي: يوسعوا، وأن ينضم بعضهم إلى بعض بحيث يجلس من دخل دون أن يقوم أحد ويذهب عن مكانه إلى مكان آخر أو إلى خارج المكان. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي بكرة أنه جاء في شهادة، أي: يؤدي شهادة كانت عنده، وأن رجلاً قام عنه ليجلس مكانه، فأبى أبو بكرة رضي الله عنه أن يجلس وقال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا) يعني: نهى عن أن يقوم إنسان ويجلس آخر مقامه، فلم يجلس أبو بكرة رضي الله عنه، وأخبر بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. والحديث فيه ضعف، ولكن قد جاءت أحاديث أخرى تدل على ما دل عليه، ومنها ما سيأتي بعد ذلك. وقوله: (ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسح الرجل يده بثوب من لم يكسه)يعني: إذا كانت يده ملوثة بطعام أو غيره فلا يمسحها بثوب من لم يكسه، أي: من ليس له عليه ولاية، أما من له عليه ولاية مثل أن يكون ولده أو خادمه، أو غلامه، فهذا هو الذي يكسوه، ولكنه إذا كان كسا إنساناً وأحسن إليه، فليس من الأدب وليس من اللائق أن يحسن إليه ثم يسيء إليه؛ لكونه يمسح يده الملوثة بثوب ذلك الذي أحسن إليه، بل من تمام الإحسان أن يبقى على إحسانه إليه، وألا يحصل منه ذلك الشيء الذي قد يسيء إليه، وإنما يمسح بثوبه هو، أو يسمح بشيء آخر، وأما كونه يمسح بثوب غيره إذا كان ولده أو غلامه فالأمر في ذلك سهل، وهذا عندما تدعو الحاجة إليه؛ لأن مثل هؤلاء لا يتأثرون بمثل ذلك لو حصل، وأما إذا كان لم يسكه أصلاً، أو كساه إياه ولكنه ليس له عليه ولاية، فإن هذا من إتباع الإحسان بالإساءة؛ لأن هذا فيه شيء من الإساءة، وقد يتأثر الإنسان بذلك ويتضرر. ولكن هذا الحديث كما هو معلوم ضعيف، والجملة الأولى منه جاء ما يدل عليها في أحاديث أخرى، وأما قضية المسح في الثوب فهو من هذه الطريق، والطريق فيها رجل متكلم فيه. تراجم رجال إسناد حديث أبي بكرة في النهي عن قيام الرجل للرجل من مجلسه قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد ربه بن سعيد ]. عبد ربه بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني المشهور. [ عن أبي عبد الله مولى آل أبي بردة ]. أبو عبد الله مولى آل أبي بردة مجهول أخرج له أبو داود . [ عن سعيد بن أبي الحسن ]. سعيد بن أبي الحسن هو أخو الحسن البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: جاءنا أبو بكرة ]. هو أبو بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (جاء رجل إلى رسول الله فقام له رجل من مجلسه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة أن محمد بن جعفر حدثهم عن شعبة عن عقيل بن طلحة قال: سمعت أبا الخصيب عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام له رجل من مجلسه، فذهب ليجلس فيه فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم) . قال أبو داود : أبو الخصيب اسمه زياد بن عبد الرحمن ]. أورد أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: (أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس، فدخل رجل، فقام رجل لذلك الداخل ليجلس مكانه، فنهاه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجلس فيه)، وهذا يدل على ما دل عليه حديث أبي بكرة المتقدم، فإن في الجزء الأول منه عدم موافقة أبي بكرة على الجلوس في ذلك المكان الذي قام عنه صاحبه، وكلا الحديثين يدل على أن هذا غير سائغ، وأن الذي ينبغي هو التفسح والتوسع في المجالس، حتى يجلس من يدخل حيث يمكنه الجلوس، فإذا كان الجلوس على الأرض، أو على كراسٍ ليس فيها فواصل، أو ليست فردية بحيث لا يجلس عليها إلا شخص واحد، فإنه يمكن التفسح فيها. تراجم رجال إسناد حديث (جاء رجل إلى رسول الله فقام له رجل من مجلسه...) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة الترمذي و إلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ أن محمد بن جعفر حدثهم ]. محمد بن جعفر هو الملقب بغندر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شعبة ]. شعبة قد مر ذكره. [ عن عقيل بن طلحة ]. عقيل بن طلحة ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ قال: سمعت أبا الخصيب ]. هو زياد بن عبد الرحمن ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود . [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر ، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث فيه مقبول، ولكن له شواهد. حكم القيام عن المجلس للغير القيام للغير إذا كان هناك أمر يقتضي ذلك، كأن يكون شخصاً كبيراً أو له منزلة فيقام له، ولكن حصول التفسح في ذلك حتى مع الكبير هو الأولى، ثم أيضاً صاحب المكان هو أحق بالمكان، فله أن يجلس الناس في الأماكن التي يريد، فليس الأمر لمن يتقدم ويأتي مبكراً، هذا إذا كان المجلس لإنسان، أما إذا كان المجلس مجلساً مباحاً ومجلساً عاماً، وليس خاصاً بأحد، فإن كل من دخل له حق الجلوس، أما إذا كان لجهة معينة سواء لشخص أو إدارة أو مؤسسة، فلهم أن يحجزوا الأماكن المقدمة ويجعلوها لأناس يختصونهم بها، ويقدمونهم فيها، فكونهم كلما جاء إنسان يقولون: اجلس هنا، ويقولون لهذا: اجلس هنا، هذا هو حقهم. وأما أن يقوم الابن لأبيه ليجلس في مكانه إذا لم يوجد إلا هذا فليس فيه بأس؛ لأن الذي يترتب على هذا إذا كان المجلس قد امتلأ أن أباه سيجلس في الخارج، ومن إكرام الابن لأبيه أن يجلسه مكانه، وهذا لا بأس به، إلا فيما يتعلق بالشيء الذي فيه قربة فليس لأحد أن يقوم لأحد، فإذا كان في الصف الأول مثلاً فلا يصلح أنه يتركه لغيره، فالقرب إذا ظفر بها الإنسان فلا يتركها لغيره عليها. من يؤمر أن يجالس شرح حديث (... ومثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من يؤمر أن يجالس. حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها، ومثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك إن لم يصبك منه شيء أصابك من ريحه، ومثل جليس السوء كمثل صاحب الكير إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب من يؤمر أن يجالس، أي: من يؤمر الإنسان أن يُجَالِسه، أي: أن يُجَالِس إنساناً، أو يقال: من يؤمر أن يُجَالَس، وهذا يقصد به المأمور به، وأما إذا كان المقصود به المجالِس الذي يوجه إليه الأمر فالمقصود: أنه مأمور بأن يجالِس غيره؛ لأن الذي يرغب في مجالسته يقال له: مجالَس، والذي يرغب في أن يجالس غيره ممن هم أخيار يقال له: مجالِس. فهذه الترجمة المقصود بها: بيان من يؤمر بمجالستهم، والذين يرغب بالجلوس معهم، وصحبتهم ومخالطتهم؛ لأن مجالسة الأخيار تفيد خيراً للمجالس، ومجالسة الأشرار تفيد ضرراً للمجالس لهم. وقد أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أصناف من الناس، فقال: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب) أي: لها طعم وريح، (ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها حلو ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها). وهذه أمثال ضربها الرسول صلى الله عليه وسلم لبيان تفاوت الناس في هذه الأمور، وأن من كان عنده القرآن فإنه جمع بين خصلتين محمودتين: إيمان وقراءة القرآن، وشبهه بالأترجة التي طعمها حلو، وريحها طيب، وشبه المؤمن الذي لا يقرأ القرآن بالتمرة التي طعمها طيب ولكن لا ريح لها، والفاجر الذي لا يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب، ولكن طعمها مر، والفاجر الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها. ثم ذكر بعد ذلك الجليس الصالح والجليس السوء، وأن الجليس الصالح كحامل المسك، وحامل المسك إن لم يعطك أو تتزود منه، فإنك تجد منه رائحة طيبة، وتشم ريحاً طيبة، وعلى العكس من ذلك جليس السوء مثله مثل نافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك وإما أن يسودها فتصير وسخة، وإما على الأقل أن تشم منه رائحة كريهة، ومعنى ذلك: أن الضرر حاصل من جليس السوء، والضرر متفاوت، فإما إحراق ثياب، وإما تسويدها، وإما رائحة كريهة على الأقل. فلا يعدم مجالس الأخيار من الفائدة الطيبة، ولا يعدم مجالس الأشرار من المضرة مع التفاوت في تلك المضرة. والفاجر ليس بلازم أن يكون منافقاً، بل قد يكون من العصاة، أي: من أهل الفجور في المعاصي التي هي غير النفاق، فيكون فيه خصلتان ذميمتان: كونه ليس عنده رائحة طيبة، والطعم يكون مراً. تراجم رجال إسناد حديث (... ومثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك ...) قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان عن قتادة عن أنس ]. مسلم بن إبراهيم وأبان وقتادة مر ذكرهم، و أنس بن مالك رضي الله عنه خادم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام. وهذا الإسناد من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله. إطلاق وصف الإيمان على المقصر في الأعمال يؤخذ من الحديث إطلاق لفظة المؤمن على المقصر في بعض العمل؛ فقد ذكر المؤمن الذي لا يقرأ القرآن وسماه مؤمناً؛ لأن الإيمان كما هو معلوم يطلق على كمال الإيمان، ويطلق أيضاً على أصل الإيمان الذي هو الإسلام. والمراد بقراءة القرآن: القراءة والتأمل فيه والتدبر والاتعاظ. شرح حديث (... مثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك ...) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى المعنى (ح) وحدثنا ابن معاذ حدثنا أبي: حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس عن أبي موسى رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام الأول إلى قوله: (وطعمها مر) وزاد ابن معاذ قال: قال أنس : وكنا نتحدث أن مثل جليس الصالح.. وساق بقية الحديث ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن أنس عن أبي موسى رضي تعالى عنهما، وهذه رواية صحابي عن صحابي، وهو مثل الأول، إلا أنه في آخره وقف عند الصنف الرابع من الأصناف الأربعة، وهو الفاجر الذي لا يقرأ القرآن والذي شبهه بالحنظلة التي طعمها مر ولا ريح لها. وقوله: (وكان أنس يقول: وكنا نتحدث أن مثل الجليس الصالح... ) إلى آخره، يعني: أنه ليس بمرفوع، ولكن كما هو معلوم هذا الحديث ثابت عن أبي موسى الأشعري في صحيح البخاري وصحيح مسلم ، وخاصة ما يتعلق بالجليس الصالح، وهو: (مثل الجليس الصالح كحامل المسك ... ومثل الجليس السوء كنافخ الكير). تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث (... مثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك ...) قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ]. مسدد مر ذكره، ويحيى هو ابن سعيد القطان وقد مر ذكره أيضاً. [ ح وحدثنا ابن معاذ ]. هو عبيد الله بن معاذ ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. أبوه هو معاذ بن معاذ العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس عن أبي موسى ]. قد مر ذكر الثلاثة الأولين، وأما أبو موسى فهو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله تعالى عنه وهو صحابي جليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (... مثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسنادها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن الصباح العطار حدثنا سعيد بن عامر عن شبيل بن عزرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الجليس الصالح..) فذكر نحوه ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن أنس بن مالك وفيها قال: (مثل الجليس الصالح..) وذكر نحوه، يعني: نحو الذي تقدم. قوله: [ حدثنا عبد الله بن الصباح العطار ]. عبد الله بن الصباح العطار ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا سعيد بن عامر ]. هو سعيد بن عامر الضبعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن شبيل بن عزرة ]. شبيل بن عزرة صدوق يهم، أخرج له أبو داود . [ عن أنس بن مالك ]. أنس بن مالك رضي الله عنه قد مر ذكره. شرح حديث (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عون أخبرنا ابن المبارك عن حيوة بن شريح عن سالم بن غيلان عن الوليد بن قيس عن أبي سعيد أو عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي) ]. أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي) . والمصاحبة هي محل الشاهد من الترجمة من جهة بيان من يصاحبه الإنسان ومن يجالس. وقوله: (لا تصاحب إلا مؤمناً) أي: من يعرف بالإيمان والتقى، فمن كان كذلك فللإنسان أن يصاحبه ويرافقه ويجالسه؛ لأن الفائدة تعود عليه من وراء مجالسته. وقوله: (ولا يأكل طعامك إلا تقي) أي: صاحب تقى، والمقصود من ذلك: أن الإنسان لا يدعو إلا أناساً طيبين، ولا يدعو أناساً ليسوا أتقياء، إلا إذا كان يريد من وراء ذلك استمالتهم وتوجيههم ودعوتهم وإصلاحهم ونصحهم، فإذا كان ذلك لهذه المصلحة فلا بأس في ذلك، وإلا فإن الأصل أن الإنسان تكون مجالسته ومخالطته ومآكلته مع أناس طيبين، وأما إذا كان يخالط أناساً فيهم سوء، ولا يكترث بذلك فإن ذلك يؤثر عليه، ولكن إذا كان من أجل أن يدعوهم وينبههم ويستميلهم ويذكرهم، ويسعى لإصلاحهم، فهذا مقصد طيب. وقوله: (لا يأكل طعامك إلا تقي) المقصود بذلك أن يدعوه، وأما أن يحسن الإنسان إلى غيره ممن هو بحاجة إلى الإحسان، فإنه يحسن إلى التقي وغير التقي، لاسيما إذا كان هذا الإحسان يؤثر في غير التقي. تراجم رجال إسناد حديث (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي) قوله: [ حدثنا عمرو بن عون ]. عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن المبارك ]. هو عبد الله بن المبارك المروزي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حيوة بن شريح ]. هو حيوة بن شريح المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم بن غيلان ]. سالم بن غيلان ليس به بأس، أخرج له أبو داود و الترمذي والنسائي . وقولهم: (ليس به بأس)، هي بمعنى صدوق. [ عن الوليد بن قيس ]. الوليد بن قيس مقبول، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد و أبو داود و الترمذي . [ عن أبي سعيد ]. هو سعد بن مالك بن سنان الخدري ، وهو صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ أو عن أبي الهيثم عن أبي سعيد ]. أي: أن الوليد يروي عن أبي سعيد ويروي عن أبي الهيثم عن أبي سعيد ، وسواء كان هذا أو هذا فكله صحيح، يعني: سواء كان في السند واسطة أو غير واسطة. و أبو الهيثم هو سليمان بن عمرو ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. والمقصود بهذا النهي: أن الإنسان لا يخالط ويصاحب إلا الأتقياء والمؤمنين؛ لأن مصاحبة الأشرار تعود على الإنسان بالمضرة. وقوله: (ولا يأكل طعامك إلا تقي) أيضاً كذلك؛ لأن كونه يدعوهم ويأكل معهم فكأنه واحد منهم، ولا يكترث بمخالطتهم، وأنه ليس عنده فرق بين المخالطة وعدم المخالطة، لا شك أن هذا أمر سيئ، والمآكلة تؤدي إلى التآلف والمقاربة في القلوب، مع أنه يجب أن يكون هناك تنافر وبعد عن أصحاب المعاصي، إلا إذا كان المقصود التألف فهذا شيء آخر. ودعوة أهل البدع في الولائم والأعراس إذا كانت من أجل استمالتهم ودعوتهم، فهذا لا بأس به وهذا إذا كانوا غير مشهورين بالبدع، وأما إذا كانوا مشهورين بالبدع، أو من أئمة البدع والداعين إليها، فالأولى للإنسان أن يبتعد عنهم، إذا كان لا يرجى رجوعهم وإقناعهم، وذلك كأناس متبوعين في البدعة، وهم محافظون عليها، فإذا لم يكن هناك مجال لإصلاحهم ورجوعهم، فعلى الإنسان أن يبتعد عنهم. شرح حديث (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن بشار حدثنا أبو عامر و أبو داود قالا: حدثنا زهير بن محمد قال: حدثني موسى بن وردان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) يعني: أن الإنسان إذا صار خليلاً ومصاحباً لإنسان فإنه يكون مثله في أخلاقه وفي صفاته وفي عبادته. وقوله: (فلينظر أحدكم من يخالل) أي: أنه لا يختار إلا الخليل الطيب، ومن يكون عوناً له على الطاعة، ولا يختار خليلاً يكون عوناً له على المعصية، أو يجره إلى المعصية، أو يتسبب في انحرافه، وخروجه عن الجادة؛ لأن أغلب البلاء الذي يحصل لكثير من الناس إنما يأتي عن مخالطة الأشرار، واختيار الأخلاء والأصدقاء المستقيمين هو الذي ينفع؛ ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى: الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] فالمخاللة لأناس فيهم انحراف تسبب انحراف من يخاللهم ويصاحبهم، فعلى الإنسان أن يخالل من يكون مستقيماً، حتى يسلم في دينه وطاعته، وحتى يكون خليله عوناً له على طاعة الله عز وجل، ويزيده ثباتاً على ما هو عليه. تراجم رجال إسناد حديث (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) قوله: [ حدثنا ابن بشار ]. هو محمد بن بشار الملقب ببندار البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عامر ]. هو أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وأبو داود ]. هو سليمان بن داود الطيالسي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ قالا: حدثنا زهير بن محمد ]. زهير بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: حدثني موسى بن وردان ]. موسى بن وردان صدوق ربما أخطأ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه وقد مر ذكره. شرح حديث (الأرواح جنود مجندة...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي حدثنا جعفر -يعني ابن برقان - عن يزيد -يعني ابن الأصم - عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه قال: (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأرواح جنود مجندة) أي: أنها جند من جنود الله الكثيرة التي خلقها الله تعالى وأوجدها، والإنسان يتكون من الروح والجسد، والروح مخلوق من مخلوقات الله، ولا يعلم كيفيتها وكنهها إلا الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا فإن الروح من جملة المخلوقات التي يكون بها حياة الإنسان، والناس لا يعرفون كنهها، ولا يعرفون كيفيتها ولا وصفها، ولا كيف هي، فهي خلق موجود به حياة الإنسان إذا نفخ فيه الروح دبت فيه الحياة، وإذا فارقته الروح فارق الحياة، ومع ذلك لا أحد يعرف كيفية هذه الروح. وإذا كانت الروح مخلوق من مخلوقات الله، والناس لا يعرفون كيفيتها ولا كنهها، فالله عز وجل الذي هو الخالق له ذات متصفة بالصفات ولا يعلم الخلق كنهه، فإذا كان الناس يجهلون مخلوقاً من مخلوقات الله به حياتهم، فكيف يفكرون في ذات الله عز وجل، أو يبحثون عن ذات الله عز وجل، أو يكيفون ذات الله وصفاته؟! فالواجب عليهم أن يثبتوا لله عز وجل كل ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله على وجه يليق به دون تكييف أو تمثيل أو تشبيه، ودون تحريف أو تعطيل أو تأويل، بل على حد قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]. فإذا كانت الروح مخلوق من مخلوقات الله، وهم عاجزون عن إدراك كنهه وكيفيته، مع أنه فيهم، فإن الإنسان يتألف من الروح والجسد، ومع ذلك لا يعرف شكل هذه الروح، ولا كيفيتها، ولا يستطيع أن يصف هذه الروح، فكيف يجهل الإنسان الروح ثم يفكر في ذات الله، ويسأل عن كيفية الله عز وجل وكيفية صفاته؟! لا شك أن هذا من الأمور المحرمة المبتدعة؛ ولهذا جاء رجل إلى مالك بن أنس رحمه الله وسأله عن كيفية الاستواء قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول. لأننا لا نعرف الذات ولا نعرف كيفية الصفة، ولكن معنى الصفة معروف، فاستوى بمعنى: علا وارتفع، لكن كيف علا وارتفع؟ الله تعالى أعلم. فقوله: (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) يعني: بعضها يأتلف مع بعض، وبعضها يختلف مع بعض، ولا شك أن هذا مشاهد معاين، فإننا نجد النفوس يميل بعضها إلى بعض، ويتعارف مع بعض، ونجد بعضها يبتعد عن بعض وينفر عن بعض، وقد قيل: إنها كذلك أيضاً قبل أن تدخل في الأجساد. وأما كونها تتعارف بعد الدخول في الأجساد فهذا موجود وحاصل، ومعلوم أن الجسد وحده لا يوصف بحياة ولا يوصف بعلم وإدراك إلا إذا كانت الروح فيه، ومع ذلك الأرواح بأجسادها يكون بينها التعارف والتناكر. فالأرواح قبل أن تدخل في الأجساد وحين كانت منفصلة عن الأجساد تكون متعارفة ومتناكرة، كما قال هذا بعض أهل العلم أخذاً بهذا العموم، والله تعالى أعلم. تراجم رجال إسناد حديث (الأرواح جنود مجندة ...) قوله: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ]. هارون بن زيد بن أبي الزرقاء صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ حدثنا أبي ]. أبوه ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا جعفر يعني ابن برقان ]. جعفر بن برقان صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد يعني ابن الأصم ]. يزيد بن الأصم ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه وقد مر ذكره. وقوله: [ يرفعه ]. هذه الكلمة هي بمعنى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن كلمة (يرفعه) أو (ينميه) كلها بمعنى أنه يضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يقال: إن كون الراوي عبر بهذه العبارة لعله لم يضبط الصيغة التي عبر بها أبو هريرة وهل قال: يقول أو سمعت أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فإذا عبر بكلمة يرفعه، فإنه يدخل فيها هذا وهذا؛ لأن كونه يضيفه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع، وسواء قال: سمعت، أو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فكله بمعنى. ميل كل إنسان إلى من يوافقه ووجه الاستشهاد بهذا الحديث ودخوله تحت الترجمة هو من جهة تعارف الأرواح وتناكرها؛ لأن كل إنسان يميل إلى من يوافقه، فالأخيار يميلون إلى الأخيار، والأشرار يميلون إلى الأشرار. وهذا التعارف بين الأرواح يمكن أن يكون بعد دخولها في الأجساد، ويمكن أن يكون ذلك التعارف لمجموع الأمرين الروح والجسد، فيكون الإحسان والإساءة لهما، ولا يقال: إن هذا من الجسد دون الروح، وهذا من الروح دون الجسد، فإنه بعد أن تدخل الروح في الجسد يكون التعارف حاصلاً لمجموع الأمرين؛ لأن الإنسان هو إنسان بمجموع الأمرين؛ لأنه جسد وروح وأما بدون روح فمعناه: أنه ليس فيه حياة. والحديث لا يدل على أنه لا لوم على العبد في ميله وحبه لشخص وكراهيته لآخر؛ لأنه كما هو معلوم التعارف متفاوت بين الناس، ومعلوم أن الإنسان يميل إلى من يماثله، وإن مال إلى غير من يماثله فإنه يتضرر. الأسئلة الحكمة من جواز زواج المسلم بالكتابية دون العكس السؤال: هل هناك حديث: أن المرأة على دين زوجها؟ الجواب: لا نعلم حديثاً في هذا، وما هو معنى أن تكون على دين زوجها؟ هل تكون على دينه من ناحية أنها نصرانية وهو مسلم؟ فالمسلم يتزوج النصرانية، فدينه الإسلام ودينها الكفر، وإن كان المقصود به من ناحية أخلاقه أو نحو ذلك فقد توافقه في الأخلاق؛ ولهذا كان من حكمة إباحة الشريعة التزوج من أهل الكتاب أنهم أهل دين، وأن ذلك قد يكون سبباً في إسلام المرأة؛ لأن الرجل له قوامة عليها، وهي تحت إمرته، فله تأثير عليها، وأما العكس فإنه لا يجوز، فلا يجوز للكافر أو الكتابي أن يتزوج المسلمة؛ لأن علوه عليها قد يكون سبباً في ردتها وخروجها عن دين الإسلام إلى غيره. حكم التحلق قبل الصلاة السؤال: ألا يكون إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على تفرق الصحابة بقوله: (ما لي أراكم عزين؟) هو من أجل أنهم جلسوا جماعات متفرقة، وليس الإنكار من أجل أنهم كانوا جالسين قبل الصلاة، وكأنه يعني: لماذا لا تكونون حلقة واحدة وتجتمعون؟ الجواب: حتى لو كان التحلق قبل الصلاة، وحتى لو كانوا حلقة واحدة فإنهم بهذا سوف يتركون الصفوف الأول، وهذا ليس بمطلوب، بل عليهم أن يصفوا ويكملوا الصف الأول ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، فسواء كانوا حلقة أو حلقاً فالنتيجة واحدة فيما يتعلق بما كان قبل الصلاة. النهي عن الجلوس وسط الحلقة السؤال: ما هو الضابط في النهي عن الجلوس في وسط الحلقة: هل هو ألا يرضى أحد أن يُجلس أمامه في الوسط؟ الجواب: أولاً: الحديث الذي ورد في هذا غير صحيح، وقد ذكر العلماء أن الجالس وسط الحلقة حصل منه الخطأ من جهتين: من جهة أنه تخطى الناس حتى وصل إلى وسط الحلقة، ومن جهة أنه يحجب من يجلس أمامه عن الذين هم جالسون معه يحدثهم ويسمعون منه، فالإساءة حاصلة من جهتين. حكم إقامة الصغار من الصف الأول السؤال: في بعض المساجد يبكر الصغار إلى المسجد إلى الصف الأول ولله الحمد، وهناك أناس كبار السن يأتون ويبعدونهم ويجلسون مكانهم، فهل ذلك جائز؟ الجواب: الذي ينبغي ألا يكون الصغار خلف الإمام، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم). حكم إقامة الرجل لآخر من مجلسه الذي عرف به السؤال: إذا داوم طالب على مكان من مقاعد الدراسة، وعرف بهذا المكان، وجاء طالب آخر فجلس مكانه، فهل له أن يقيمه وأن يجلس مكانه؟ الجواب: نعم، فإذا كان كل واحد له مكان مخصص، وجاء شخص إلى مكان آخر وجلس فيه فإن لصاحب المكان أن يطلب منه أن يقوم؛ لأن كل واحد له مكان مخصص، فكونه يترك مكانه ويجلس في مكان غيره ليس له ذلك إلا بإذنه إذا كان يملك الإذن، أما إذا كان أيضاً لا يملك الإذن لأن المسئولين أرادوا أن يكون كل واحد في مكانه، ويعرفونه برقمه الذي يكتب على مقعده، أو على اللوح الذي أمامه، ويكون كل واحد يعرف باسمه ورقمه، فأيضاً ليس له أن يتبادل هو وإياه، بل يجلس كل واحد في مكانه. وكذلك إذا لم يكن هناك أرقام، ولكن كل واحد عرف مكانه، أو يكون أيضاً الجلوس بالترتيب، وقد رتبوا وكل يعرف مكانه، وقد ذكروا في البيان على حسب ترتيبهم، فيجلسون على حسب هذا الترتيب، أما إذا كان الأمر ليس فيه إلزام وأن لكل أحد أن يجلس في أي مكان يريد، فلكل إنسان أن يجلس حيث يشاء. فضل من يجلس حيث ينتهي به المجلس السؤال: جاء في الحديث عن الثلاثة الذين دخلوا المسجد فوجدوا الحلقة: أن أحدهم جلس حيث انتهى به المجلس، والآخر وجد فرجة فسدها، فقال صلى الله عليه وسلم: (أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه) فأيهما أفضل؟ الجواب: لا شك أن الذي جاء وسبق وحصل المكان القريب من الرسول صلى الله عليه وسلم أولى من غيره، ولذلك استحيا وجلس وراء الناس، فهذا حصل الخير والسبق، وذاك جاء ووجد فرجة فما كان ليتركها ويجلس في مكان آخر، وإنما سد تلك الفرجة. حكم التحلق قبل صلاة الجمعة في غير المسجد السؤال: هل النهي عن التحلق قبل صلاة الجمعة خاص بالمسجد، أو يدخل فيه حتى لو كان الدرس في مكان آخر غير المسجد؟ الجواب: الذي يبدو أنه في المسجد، وأما في غير المسجد فلا بأس، فإذا جلسوا يتذاكرون قبل أن يأتوا المسجد فلا بأس بذلك. ترجمة خطبة الجمعة قبل الصلاة لمن لا يفهمون العربية السؤال: جرت العادة في بلدنا أنه في يوم الجمعة يأتي أحد طلبة العلم ويفسر الخطبة قبل الصلاة، حيث إن معظم الناس لا يفهمون العربية، والخطبة تكون باللغة العربية، فهل يدخل هذا في النهي عن التحلق قبل الجمعة؟ الجواب: الخطبة هي للجميع، ومعلوم أن الناس يأتون إلى الجمعة شيئاً فشيئاً، وإذا فسرت الخطبة قبل الصلاة فمعناها أن الناس لم يدركوها، ولكن يمكن أن تفسر بعد الصلاة، وبذلك يكون الكل قد حضر، وكل من يريد الفائدة قد وجدها، وأما إذا أتي بها قبل الصلاة، فبعض الناس قد يأتون ولا يحصلون شيئاً من الفائدة. حكم إخراج كفارة قضاء رمضان مجتمعة السؤال: من كان عليه قضاء من رمضان وكفارة فهل يخرج الكفارة كل يوم بيومه، أم يخرجها مجتمعة؟ الجواب: يمكن أن يخرجها مجتمعة، وليس بلازم أن يخرجها كل يوم بيومه، بل يمكن أن يخرجها دفعة واحدة، قبل أو بعد أو في أثنائها، كل ذلك سائغ. حكم صيام من لم يعلم بدخول رمضان إلا بعد الفجر السؤال: كان الهلال قد طلع في بلدي وأنا لا أعرف، وقد أكلت وشربت، وفي النهار بلغني الخبر، فاستفتيت أحد أساتذتي، فأمرني بالصيام والإمساك في ذلك اليوم، وألا أقضي، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان خطأ: فهل يجب علي القضاء؛ لأن المسألة حدثت قبل أربع سنوات؟ الجواب: إذا ثبت الهلال في بلد، وبعض الناس لم يعلم به إلا في الصباح وبعد طلوع الفجر، فإنه لا يعتبر صيامه؛ لأنه لا بد من النية قبل طلوع الفجر، وإن لم يبلغ الخبر إلا بعد أن حصل الأذان فعلى الإنسان أن يمسك ويقضي، ولا ينفعه صيامه ولو لم يأكل؛ لأنه لا بد أن ينوي قبل طلوع الفجر، وأن يكون بلغه دخول الشهر قبل طلوع الفجر، فإذا لم يبلغه إلا بعد طلوع الفجر، فإنه لا يعتبر صام ذلك اليوم، ولو لم يأكل حتى بلغه الخبر، بل يجب عليه الإمساك والقضاء لذلك اليوم الذي لم يصمه. وبالنسبة لرمضان تكفيه النية في أول ليلة، هذا هو الأصل، الأصل أنه عند دخول الشهر ينوي أن يصوم كل يوم، ويعزم على صيام الشهر، وكما هو معلوم أنه عندما يتسحر فإنه من أجل صيام ذلك اليوم، لكن كون الإنسان يبيت النية أول الشهر هذا كافٍ؛ لأنه لو نام مثلاً ولم يتسحر فإن صيامه صحيح؛ لأن النية موجودة عنده من أول الشهر. حكم من أخر قضاء صوم من رمضان حتى جاء رمضان الآخر السؤال: من أخر قضاء صوم من رمضان بدون عذر حتى جاء رمضان الآخر فهل يكتفي بالقضاء؟ الجواب: لا، بل عليه القضاء وأن يطعم عن كل يوم مسكيناً. حكم زكاة الذهب المتخذ للزينة السؤال: ما حكم الزكاة في الذهب الذي اتخذته المرأة للباس؟ الجواب: تجب فيه الزكاة؛ لعموم الأدلة التي وردت في زكاة الذهب والفضة؛ ولوجود بعض الأحاديث الخاصة في هذا الأمر كما في قصة المرأة صاحبة المسكتين التي قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (تزكين هذا؟) فدل هذا على أن الذهب والفضة يزكيان مطلقاً، سواء كانت للزينة أو لغير الزينة، وسواء كانت نقوداً أو غير نقود. حكم العمل في شركات التأمين السؤال: هل يجوز العمل في شركة التأمين؟ الجواب: هناك تأمين تعاوني وتأمين مبني على الجهالة والغرر، ومعلوم أن التأمين التعاوني جائز، ولا بأس به، ولا بأس بالعمل فيه، وأما التأمين المحرم فالعمل فيه عمل بشيء محرم، ومن التعاون على الإثم والعدوان، وهو مثل العمل في البنوك الربوية. حكم بيع ساعة بساعة مع دفع الفارق السؤال: اشتريت ساعة وعليها ضمان، فأصابها عطل، فذهبت بها إلى وكيلها لإصلاحها، فسألني عن كرت الضمان، فأخبرته أنه قد ضاع، فأخذ الساعة وقال لي: ادفع مائة وخمسين ريالاً، وسأعطيك ساعة جديدة مثلها، فما الحكم؟ الجواب: كونه أخذ الساعة التي فيها عطل وأعطاه ساعة جديدة ويدفع الفرق ليس في هذا بأس، فكونه يبيع ساعة بساعة، وبينهما فرق لا بأس بذلك."
__________________
|
#906
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [549] الحلقة (579) شرح سنن أبي داود [549] من الآداب التي ينبغي على المسلم مراعاتها: التبشير وعدم التنفير، وعدم المراء والجدال، وأن يكون كلامه مفهوماً لا غموض فيه، وأن يحمد الله عز وجل ويثني عليه في بداية الكلام، وأن ينزل الناس منازلهم على حسب مراتبهم ومكانتهم. كراهية المراء شرح حديث (... بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية المراء. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة حدثنا بريد بن عبد الله عن جده أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره قال: بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب في كراهية المراء. والمراء: هو الجدال، والجدال يؤدي إلى التشاحن، وإلى كلام لا ينبغي، وأما المجادلة بالتي هي أحسن للوصول إلى الحق، فإن هذا سائغ ولا بأس به. وقد أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث أحداً في بعض أمره) أي: في أمر من الأمور من أجل الدعوة إلى الله عز وجل، أو من أجل القيام بعمل يقوم به بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يوصيه بهذه الوصية فيقول: (بشروا ولا تنفروا) أي: بشروا بهذا الدين، وبتعاليمه والخير، وبما فيه من الهدى، ولا تنفروا عن الدين. وقوله: (ويسروا) من التيسير وعدم التعسير، وقوله: (ولا تعسروا)، التعسير هو ضد التيسير، فيكون الإنسان في أعماله ميسراً غير معسر. وإيراد الحديث تحت الترجمة التي هي: كراهية المراء؛ لأن التبشير والدعوة إلى الله عز وجل تكون بالحكمة، والحرص على إيصال الخير، وبيان أن هذا هو الطريق الصحيح والمسلك الصحيح، وليس بالمراء والجدال الذي يؤدي إلى الخصام والتشاحن، ويؤدي إلى العداوة والبغضاء، فلعل إيراد الحديث تحت هذه الترجمة هو من هذه الناحية، وهو أن التبشير وعدم التنفير هو الذي ينبغي عند الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة، وأما إذا كان هناك مراء وجدال ومخاصمة فإنه يترتب على ذلك الوحشة وتنافر القلوب. تراجم رجال إسناد حديث (... بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا أبو أسامة ]. هو حماد بن أسامة ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدة معرفته: ألا يظن التصحيف فيما لو ذكر بكنيته مع اسمه في بعض الأحيان، ثم ذكر بنسبته، أي: باسم أبيه، فلا يظن أن هناك تصحيفاً إذا قيل: حماد بن أسامة ، أو قيل: حماد أبو أسامة ، فكل ذلك صحيح، ولا فرق بين هذا وهذا؛ لأنه هو حماد بن أسامة ، وهو حماد أبو أسامة ، فإذا ذكر بكنيته مع اسمه، أو ذكر بنسبته إلى أبيه مع اسمه، فهو شخص واحد، وفائدة معرفة ذلك ألا يظن التصحيف؛ لأن من لا يعرفه إلا بابن أسامة إذا جاء حماد أبو أسامة يظن أن (أبو) مصحفة عن (ابن)، فهذا نوع من أنواع علوم الحديث، وهو يأتي في كثير من الرواة الذين تطابق كناهم أسماء آبائهم. [ حدثنا بريد بن عبد الله ]. هو بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن جده أبي بردة ]. جده هو أبو بردة بن أبي موسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي موسى ]. هو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، واسمه عبد الله بن قيس ، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث السائب (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا يثنون عليّ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثني إبراهيم بن المهاجر عن مجاهد عن قائد السائب عن السائب رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا يثنون علي ويذكروني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أعلمكم -يعني: به- قلت: صدقت بأبي أنت وأمي كنت شريكي فنعم الشريك، كنت لا تداري ولا تماري) ]. أورد أبو داود حديث السائب بن أبي السائب المخزومي ، وكان شريكاً للنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وأنه جاء إليه وقد أسلم، فجعلوا يثنون على السائب ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنا أعلمكم به)؛ لأنه كان شريكه، فقال السائب : (صدقت بأبي أنت وأمي، كنت شريكي فنعم الشريك، كنت لا تماري ولا تداري)، وهذا وصف للرسول صلى الله عليه وسلم في معاملته إياه، فإنه كان شريكه قبل البعثة، فوصفه السائب بهذا الوصف: أنه نعم الشريك، وكان لا يماري، أي: لا يخاصم وينازع ويجادل، ولا يداري، أي: لا يخالف ولا يمانع، فهو سائغ، وأخلاقه حسنة، وليس من النوع الذي يخالف ويمانع مع شريكه، وإنما كان سهلاً وصاحب خلق كريم، وهذا يدل على حسن أخلاقه صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها، فكان قبل أن يبعثه الله عز وجل على الأخلاق الكريمة وعلى الصفات الحميدة، وهذا من فضل الله عز وجل، إذ جعل نبيه صلى الله عليه وسلم على هذه الصفة التي كانوا يعرفونه بها قبل أن يبعثه الله عز وجل، وما حصل منهم بعد بعثته من العداء له-أي: من الكفار- إنما كان حسداً، وإنما كان اتباعاً لما كان عليه الآباء والأجداد، وإلا فإنه ما كان معروفاً عندهم إلا بالصدق والأمانة، وبالصفات الحميدة، والأخلاق الكريمة، فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقوله: [ عن السائب قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجعلوا يثنون علي). جاء في بعض الروايات أنه جاء عام الفتح، فجعلوا يثنون على السائب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أعلمكم به) أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شريكاً له قبل البعثة، فقال السائب : (نعم بأبي أنت وأمي)، وهذا ليس قسماً، وإنما هو فداء، أي: أنت مفدي بأبي وأمي، أو أفديك بأبي وأمي، وهذه كلمة تقال كثيراً يقولها الصحابة وغير الصحابة، فإنهم كانوا يقولون في حق النبي صلى الله عليه وسلم: فداه أبي وأمي، أو بأبي هو وأمي، أي: هو مفدي، وهذه كلمة تقال في تعظيمه صلى الله عليه وسلم، واحترامه وتوقيره، فهو مفدي بالآباء والأمهات؛ لأن فضله أعظم من فضل الآباء والأمهات على الناس، وذلك أن الله عز وجل ساق على يديه أعظم نعمة، وأجل نعمة، وهي نعمة الإسلام، ومعلوم أن نعمة الإسلام هي أجل النعم، وأعظمها، والأبوان لهما حقوق على الولد، وقد قاما بتنشئته وتربيته، وتعبا عليه حتى بلغ مبلغ الرجال، ولكن ما قام به الأبوان ليس شيئاً بالنسبة إلى ما حل بالمسلم بسبب النبي صلى الله عليه وسلم من الهداية التي ساقها الله للمسلمين على يديه؛ ولهذا جاء في الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه. ثم إن السائب ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم التي عرفها عنه بسبب المخالطة والمشاركة؛ لأنه كان شريكه فقال له: (إنك نعم الشريك، كنت لا تماري ولا تداري). تراجم رجال إسناد حديث السائب (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا يثنون عليَّ...) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن المهاجر ]. إبراهيم بن المهاجر صدوق لين الحفظ، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قائد السائب ]. قائد السائب لا يعرف اسمه، ولا حاله. [ عن السائب ]. هو السائب بن أبي السائب، وهو صحابي أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . والحديث في إسناده قائد السائب وهو الذي ذكر بلقبه، ولم يذكر باسمه، ولا يعرف حاله، و الألباني صححه، ولعله باعتبار أنه جاء مجاهد أنه كان يرويه عن السائب نفسه، فالحديث جاء عن عن قائد السائب عن السائب، وجاء من طريق أخرى عن السائب نفسه، وإلا فإن الرجل الذي يروي عن السائب في هذه الطريق مبهم لا يعرف اسمه ولا حاله، وبعض أهل العلم تكلم فيه من جهة أن أكثر الأسانيد فيها قائد السائب عن السائب نفسه، و الألباني صححه، ولعله من أجل أن مجاهداً رواه عن السائب نفسه. وقال الحافظ في ترجمة السائب في التقريب: وفي إسناد الحديث اضطراب. أي: من ناحية أنه جاء بطرق معتددة، بعضها فيه ذكر مجاهد عن هذا، و بعضها السائب عن كذا، وهناك أيضاً ألفاظ أخرى، والحافظ في البلوغ ذكر من رواه، ولم يتكلم عليه بشيء، وإنما قال: رواه الإمام أحمد و أبو داود و ابن ماجة . حكم قول بأبي وأمي لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقال له: بأبي وأمي؛ لأن القبر مكان، والمقبور هو الذي يقال له: بأبي وأمي، وليس القبر. الهدي في الكلام شرح حديث (كان رسول الله إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع طرفه إلى السماء) قال المصنف رحمه الله تعالى:[ باب الهدي في الكلام. حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني حدثنا محمد -يعني ابن سلمة - عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن عمر بن عبد العزيز عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع طرفه إلى السماء) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب الهدي في الكلام، أي: الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان في كلامه، في صفة كلامه وهيئته، هذا هو المقصود بالترجمة. وقد أورد حديث عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع طرفه إلى السماء)، وهذا بيان للهيئة التي يكون عليها حين الكلام، فهيئته وهديه أنه كان حين يتكلم يكثر أن يرفع رأسه إلى السماء، ولكن الحديث فيه ضعف من جهة ابن إسحاق، فقد رواه بالعنعنة، وهو مدلس، وإذا روى بالعنعنة فإنه لا يعول على روايته، وهو لم يعب عليه إلا التدليس، فهو إذا ثبت تصريحه بالسماع والتحديث فإنه يكون حديثه حسناً لذاته، ولكن إذا روى بالعنعنة فإن ذلك علة قادحة في روايته. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع طرفه إلى السماء) قوله: [ حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني ]. عبد العزيز بن يحيى الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا محمد يعني ابن سلمة ]. هو محمد بن سلمة الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن، وهذا في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود ، فإذا جاء محمد بن سلمة في طبقة شيوخ شيوخ أبي داود فالمراد به الحراني الباهلي ، وإذا جاء في طبقة شيوخه محمد بن سلمة فالمراد به المرادي المصري ، وهذا في طبقة شيوخ شيوخه، فهو الباهلي الحراني . [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يعقوب بن عتبة ]. يعقوب بن عتبة ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن عمر بن عبد العزيز ]. هو عمر بن عبد العزيز الخليفة المشهور ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يوسف بن عبد الله بن سلام ]. يوسف بن عبد الله بن سلام اختلف في صحبته، فقيل: إنه صحابي صغير، وقيل: إنه ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه هو عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (كان في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ترتيل أو ترسيل) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء حدثنا محمد بن بشر عن مسعر قال: سمعت شيخاً في المسجد يقول: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (كان في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ترتيل أو ترسيل) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: (كان في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ترتيل أو ترسيل) والترسيل : هو الترتيل، أي: كان كلامه كان يخرج مرتلاً، لا بسرعة، ولا ببطء شديد، وإنما كان كلامه ترتيلاً أو ترسيلاً، وهما بمعنى واحد، وكلمة (أو) هنا هي للشك، هل قال: ترتيل أو قال: ترسيل، ومعناهما واحد، والمقصود: أن كلامه كان يخرج مرتلاً ليس بسرعة، بحيث يفوت منه شيء، وإنما هو كلام مفهوم ويتمكن من تلقيه وتحمله وأخذه؛ لأنه كان عليه الصلاة والسلام يأتي به بهذه الهيئة وبهذه الصفة. تراجم رجال إسناد حديث ( كان في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ترتيل أو ترسيل) قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا محمد بن بشر ]. هو محمد بن بشر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسعر ]. مسعر بن كدام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت شيخاً في المسجد ]. هذا الشيخ مبهم. [ يقول: سمعت جابر بن عبد الله ]. هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وهو صحابي جليل، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. والحديث لا شك أن معناه صحيح، وهذه هي صفة كلامه وتكلمه صلى الله عليه وسلم، وأنه كان مرتلاً، ولكن الحديث فيه هذا الرجل المبهم الذي لم يسم، و الألباني صحح الحديث، ولا أدري هل له شواهد أم لا، وأما من حيث المعنى فهو صحيح؛ لأنه جاء في الأحاديث ما يدل على أن هذا هو طريقة كلامه وقراءته صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاماً فصلاً يفهمه كل من سمعه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان و أبو بكر ابنا أبي شيبة قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن أسامة عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاماً فصلاً يفهمه كل من سمعه) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها الذي تبين فيه صفة كلامه صلى الله عليه وسلم، وأنه كان كلاماً فصلاً، لا يدخل بعضه في بعض، وأنما يفهمه كل من سمعه؛ لوضوحه وجلائه، وتفصيله إياه، فكان كلامه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه مفصلاً، أي: مبيناً واضحاً جلياً، يفهمه كل من سمعه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا الحديث هو بمعنى ما تقدم في الحديث السابق أنه كان في كلامه ترتيل أو ترسيل. تراجم رجال إسناد حديث (كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاماً فصلاً يفهمه كل من سمعه) قوله: [ حدثنا عثمان و أبو بكر ابنا أبي شيبة ]. عثمان مر ذكره، و أبو بكر هو عبد الله بن محمد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ قالا: حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو الثوري ، وقد مر ذكره، وإذا جاء وكيع يروي عن سفيان غير منسوب، فإن المراد به سفيان الثوري . [ عن أسامة ]. هو أسامة بن زيد الليثي، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والفقهاء السبعة في عصر التابعين هم: عروة بن الزبير و سعيد بن المسيب و خارجة بن زيد بن ثابت و سليمان بن يسار و عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، هؤلاء الستة متفق على عدهم من الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: فقيل: هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وقيل: هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وقيل: هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، فستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة في عصر التابعين في المدينة، والسابع فيه خلاف على ثلاثة أقوال، و عروة بن الزبير هو أحد الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وقد ذكرهم ابن القيم في أول كتابه إعلام الموقعين، وجعل السابع منهم أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وذكر بيتين من الشعر يجمعهما فقال: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجة فقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة [ عن عائشة ]. عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث (كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو توبة قال: زعم الوليد عن الأوزاعي عن قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم) ] . أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم) أي: أنه كاليد الجذماء، أي: المقطوعة أو التي أصابها جذام، فلا فائدة فيها، ولا يستفيد صاحبها منها، وهذا يتعلق بالهدي في الكلام، أي: أنه يبدأ فيه بحمد الله عز وجل، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ خطبه بالحمد لله عز وجل، والفاتحة بدأت بالحمد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، وبعض سور القرآن بدأت بالحمد لله. والحديث اختلف فيه، فمنهم من حسنه، ومنهم من ضعفه، و الألباني ممن ضعفه. تراجم رجال إسناد حديث (كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم) قوله: [ حدثنا أبو توبة ]. هو أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ قال: زعم الوليد ]. (زعم) هنا بمعنى الخبر المحقق؛ لأن (زعم) تأتي في الخبر المحقق، وتأتي للذم، فإذا قيل: زعم فلان كذا وكذا في باب الذم، فالمراد أنه من الزعم الباطل، وهنا المقصود بها الخبر المحقق؛ لأنها تأتي في أحاديث وتأتي في أسانيد الحديث بهذا المعنى الذي هو الخبر المحقق. والوليد بن مسلم الدمشقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي، فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن قرة ]. هو قرة بن عبد الرحمن، وهو صدوق له مناكير، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ عن الزهري عن أبي سلمة ]. الزهري قد مر ذكره، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الثلاثة الذين اختلف في عدهم من الفقهاء السبعة. [ عن أبي هريرة ]. هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً. والذين تكلموا في هذا الحديث تكلموا فيه من جهة قرة بن عبد الرحمن . ورود حديث (كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم) عن الزهري مرسلاً [ قال أبو داود : رواه يونس و عقيل و شعيب و سعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ]. يعني: أن هؤلاء خالفوا قرة و قرة خالفهم، فهؤلاء -وهم ثقات أثبات- خالفوه فرووه مرسلاً، وأما هو فرواه متصلاً، أي: أنه ذكر أبا سلمة و أبا هريرة بين الزهري وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما هؤلاء فرروا أن الزهري أضافه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، و الزهري من صغار التابعين، فهؤلاء رووه مرسلاً. وقرة رواه متصلاً، وهو صدوق له مناكير، وأولئك ثقات. تراجم رجال إسناد حديث: (كل كلام لايبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم) عن الزهري مرسلاً قوله: [ رواه يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، وهو من المكثرين عن الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و عقيل ]. هو عقيل بن خالد بن عقيل المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و شعيب ]. هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و سعيد بن عبد العزيز ]. هو سعيد بن عبد العزيز الدمشقي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. الهدي في الخطبة شرح حديث (كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الخطبة. حدثنا مسدد و موسى بن إسماعيل قالا: حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في الخطبة، أي: الهدي في الخطبة، وما ينبغي أن يكون فيها، وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء)، والمقصود بالتشهد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، أو أشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن الخطب لابد فيها من ذكر الشهادتين: الشهادة لله بالإلوهية والوحدانية، ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وكذلك أيضاً لابد أن تبدأ بالحمد؛ فإن هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يبدأ خطبه بالحمد. تراجم رجال إسناد حديث (كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء) قوله: [ حدثنا مسدد و موسى بن إسماعيل ]. هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قالا: حدثنا عبد الواحد بن زياد ]. عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عاصم بن كليب ]. عاصم بن كليب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السن. [ عن أبيه ]. أبوه هو كليب بن شهاب ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة رضي الله عنه قد مر ذكره. تنزيل الناس منازلهم شرح حديث (أنزلوا الناس منازلهم) قال المصنف رحمه الله تعالى:[ باب في تنزيل الناس منازلهم. حدثنا يحيى بن إسماعيل و ابن أبي خلف أن يحيى بن اليمان أخبرهم عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب أن عائشة رضي الله عنها مر بها سائل فأعطته كسرة، ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة فأقعدته فأكل، فقيل لها في ذلك، فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنزلوا الناس منازلهم) . قال أبو داود : وحديث يحيى مختصر. قال أبو داود : ميمون لم يدرك عائشة ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: تنزيل الناس منازلهم، أي: أن كلاً ينزل منزلته التي تناسبه، فليس الناس كلهم على حد سواء، فمن الناس من يكون له شأن ومنزلة، سواء في العلم أو في غيره، فينزل المنزلة التي تليق به، وليس هو مثل سائر الناس، فكل يعامل بما يستحقه، وينزل المنزلة التي يستحقها. وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنه جاءها رجل سائل فأعطته كسرة، وجاء آخر عليه هيئة جميلة فأقعدته وأكل، فقيل لها في ذلك، أي: كيف ميزت بين هذا وهذا؟ فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنزلوا الناس منازلهم) ، فهي أنزلت كلاً منزلته، لكن هذا الحديث غير صحيح، فلم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه ميمون بن أبي شبيب وروايته عن عائشة مرسلة؛ كما قال أبو داود : ميمون لم يدرك عائشة . وهذا معناه: أن روايته عنها مرسلة، ففي الحديث انقطاع، وقد قيل فيه: هو معروف بالإرسال، والحديث أيضاً في إسناده حبيب بن أبي ثابت وهو كثير التدليس والإرسال، وقد روى بالعنعنة، فالحديث فيه علل متعددة. والإمام مسلم ذكر هذا الحديث في كتابه في المقدمة معلقاً فقال: وذكر عن عائشة أنها قالت: (أمرنا رسول الله أن ننزل الناس منازلهم) . ولم يذكره مسنداً، وإنما ذكره معلقاً بهذا الصيغة (ذكر)، ولكن معناه صحيح؛ إذ لا شك أن الناس ينزلون منازلهم، وليسوا كلهم بمنزلة واحدة، وهذا لا إشكال فيه.
__________________
|
#907
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث (أنزلوا الناس منازلهم) قوله: [ حدثنا يحيى بن إسماعيل ]. يحيى بن إسماعيل مقبول، أخرج له أبو داود . [ و ابن أبي خلف ]. هو محمد بن أحمد، وهو ثقة أخرج له مسلم و أبو داود . [ أن يحيى بن اليمان أخبرهم ]. يحيى بن اليمان صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سفيان ]. هو الثوري وقد مر ذكره. [ عن حبيب بن أبي ثابت ]. حبيب بن أبي ثابت ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو كثير التدليس والإرسال. [ عن ميمون بن أبي شبيب ]. ميمون بن أبي شبيب صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ أن عائشة ]. عائشة رضي الله عنها قد مر ذكرها. [ قال أبو داود : وحديث يحيى مختصر ] . يعني: يحيى الذي هو الشيخ الأول. شرح حديث (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف حدثنا عبد الله بن حمران أخبرنا عوف بن أبي جميلة عن زياد بن مخراق عن أبي كنانة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط) ]. أورد أبو داود حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم)، يعني: أنه إذا كان كبيراً يكرم ويحترم ويوقر لكبره، وقوله: (ذي الشيبة المسلم) أي: الذي قد شاب وصار من الكبار الذين تقدمت بهم السن، فإنه يكرم لسنه ولشيبته، (وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه)، الغالي فيه: هو المتجاوز للحد، ويكون ذلك بالتكلف والتنطع، أن يتكلف في قراءته أو يتكلف في معانيه، وكذلك الجافي عنه الذي يهمله ويهجره ولا يبالي، فالغالي والجافي ضدان، الغالي في جانب الإفراط والجافي في جانب التفريط، فهذا مفرِط وهذا مفرَّط، فالغالي مفرط؛ لأنه متجاوز للحد، والجافي مفرَّط؛ لأنه متساهل ومتهاون وغافل وغير مقبل عليه، وغير مشتغل بقراءته. وقوله: (وإكرام ذي السلطان المقسط) المقسط هو العادل؛ لأن الإقساط هو العدل، وأما القسط فهو الجور، وهما ضدان متقابلان: القاسط والمقسط، فالقاسط مذموم، والمقسط محمود، قال الله عز وجل: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن:15] فالقاسطون هم الجائرون الظالمون، ويقابلهم المقسطون وهم العادلون. تراجم رجال إسناد حديث: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ...) قوله: [ حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف ]. إسحاق بن إبراهيم الصواف ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود . [ حدثنا عبد الله بن حمران ]. عبد الله بن حمران صدوق يخطئ قليلاً، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ أخبرنا عوف بن أبي جميلة ]. هو عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زياد بن مخراق ]. زياد بن مخراق ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود . [ عن أبي كنانة ]. هو أبو كنانة القرشي ، وهو مجهول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود . [ عن أبي موسى الأشعري ]. أبو موسى الأشعري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره. والحديث فيه هذا الرجل المجهول، وقد حسنه الألباني ، ولا أدري ما وجه تحسينه، ولعله جاء من طريق غير هذا الطريق، أما هذا الطريق ففيه هذا المجهول، وفي ترجمته في تهذيب التهذيب ما زاد على أن قال: قال عنه ابن القطان : مجهول، ولم يذكر أقوالاً أخرى فيه. الأسئلة كيفية التكلف في قراءة القرآن السؤال: كيف يكون التكلف في قراءة القرآن؟ الجواب: التكلف في قراءة القرآن يكون بزيادة الحد في تجويده وفي تمطيطه، وأن يأتي به الإنسان على وجه متكلف. بيان متى يقتصر في البسملة على قول: باسم الله ومتى تتم السؤال: هل يقتصر في مسألة البسملة على باسم الله أو بسم الله الرحمن الرحيم ؟ الجواب: فيه تفصيل: ففي المواضع التي ورد فيها باسم الله، مثل عند الذبح، فإنه لا يؤتى إلا بهذا المقدار، وأما المواضع التي ورد فيها بسم الله الرحمن الرحيم فإنه يؤتى بها، وهناك مواضع محتملة، كقوله عليه الصلاة والسلام: (يا غلام! سم الله) فإنها محتملة لأن يقول: باسم الله، وأن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وأما الأشياء التي وردت مثل: باسم الله والله أكبر، فيما يتعلق بالذبح، فإنه لا يؤتى إلا بهذا المقدار، ولا تكمل البسملة، فلا يقال: بسم الله الرحمن الرحيم، والله أكبر . وعند الأكل والشرب إذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم فلا بأس بذلك، وإن قال: بسم الله فيكفي. من حفظ القرآن بلا فهم هل يعد جافياً للقرآن؟ السؤال: الذي يحفظ القرآن دون معرفة لتفسيره هل يعتبر مفرطاً وجافياً فيه؟ الجواب: لا يعتبر مفرطاً ولا جافياً، ولكن عليه أن يعتني بمعرفة المعاني، ويمكنه أن يدرك شيئاً من ذلك بأن يكون عنده القرآن مع تفسير الشيخ ابن سعدي رحمه الله، فإنه مطبوع في مجلد، القرآن في وسط الصفحة، والتفسير في الحواشي، وعبارات الشيخ ابن سعدي رحمة الله عليه عبارات واضحة جلية سلسة، والإنسان إذا كان معه المصحف الذي في حواشيه التفسير فإنه يرجع إليه ويقف عنده ويجد الفائدة بنفس الصفحة التي يقرأ فيها، وهذا سهل ميسور بحمد الله لمن يريد الفائدة، وقد أنعم الله عليه بحفظ القرآن، فيشكر الله عز وجل على هذه النعمة، ويحافظ عليها، وفي نفس الوقت أيضاً يحرص على أن يتفقه، وأن يتدبر القرآن، وذلك بالرجوع إلى كلام المفسرين المعتبرين في التفسير، ومن أيسرها وأوضحها وأسهلها هذا التفسير الذي أشرت إليه، الذي يفهمه كل أحد: العوام والخواص؛ لأنه عبارات سلسة واضحة جلية، ليس فيها تعقيد ولا غموض، ولا ذكر أقوال، ولا ذكر اختلافات، ولا قال فلان كذا، ولا قال فلان كذا، وإنما يذكر التفسير بعبارات واضحة جلية. حكم تفدية أحد بالأب والأم غير النبي صلى الله عليه وسلم السؤال: هل يفدى بالأب والأم أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: لا أعرف هذا إلا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يأتي ذكر تفديته بالأب والأم، ومعلوم أن الأب والأم لهما حق عظيم على الإنسان، وهما اللذان كانا سبب وجوده، وقاما بالتعب عليه، والسهر عليه، وتربيته وتنشئته، فليس أحد حصل منه الإحسان مثل إحسانهما إليه حتى بلغ مبلغ الرجال، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جاء الحديث أن محبته يجب أن تفوق محبة الوالدين، ومحبة الناس أجمعين، ولا يقال هذا في حق أحد من الناس، فالإنسان يحترم والديه ويوقرهما، ولا أعلم شيئاً في التفدية بهما إلا في حق الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. من فضائل عبد الله بن سلام رضي الله عنه السؤال: هل عبد الله بن سلام رضي الله عنه من المؤلفة قلوبهم؟ الجواب: عبد الله بن سلام رضي الله عنه ممن تقدم إسلامه، وممن أقدم على الإسلام برغبة منه، وكان ذلك من أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. حكم التهنئة بحلول شهر رمضان السؤال: ما حكم التهنئة بحلول شهر رمضان؟ الجواب: لا أعلم بها بأساً، وهي مثل التهنئة بالعيد، والصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا لقي بعضهم بعضاً في العيد قالوا: تقبل الله منا ومنكم، ولا شك أن شهر رمضان مناسبة عظيمة يفرح بها، ويسر بها، ويحرص على اغتنامها؛ لأنها موسم من مواسم الآخرة، والناس يفرحون بهذا الموسم، ويدعو بعضهم لبعض، فينبغي أن تكون التهنئة بالدعاء، والكل يدعو بأن يوفق للصيام والقيام، وأن يأتي بما هو مشروع، سواء كان فرضاً كالصيام أو مستحباً كالقيام، فيدعو الكل بأن يوفق الله عز وجل الجميع لصيامه وقيامه على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى. حكم التهنئة بقول: كل عام وأنتم بخير السؤال: مما اعتاد عليه الناس كلمة: كل عام وأنتم بخير، فما حكمها؟ الجواب: الدعاء أولى من أن يقال هذه الكلمة، فيقول: أرجو أن نكون كل عام ونحن بخير، فلو قال هذا فلا بأس، وأما قول: كل عام وأنتم بخير فهي كلمة ليس فيها دعاء والدعاء أولى. حكم ختم الخطابات بقول: ولك خالص الشكر ونحوها السؤال: هناك ألفاظ تختم بها الخطابات والرسائل، كلفظ: ولك خالص الشكر، أو ولك خالص التحيات، فهل يجوز ذلك؟ الجواب: الذي ينبغي أن تختم الخطابات والرسائل بالسلام، فيقال: والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أو والسلام عليكم، هذا هو الذي ينبغي، وهذه هي التحية، وأما إذا قال: لك تحيتي، فتحيتي هي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لكن كونه يأتي بنص التحية أولى من أنه يأتي بلفظ التحية، أو لك تحيتي، فيقول: وعليكم السلام أو والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والكناية عن التحية لا أعلم شيئاً يمنعها، ولكن أن يأتي بالتحية نفسها، وهي نفس السلام الذي هو دعاء، هذا أولى من أن يأتي بهذا الخبر. وأما قول: التحيات المباركات الطيبات فلا يجوز؛ لأن هذه الصيغة إنما جاءت في حق الله سبحانه وتعالى. هل زوجات أبي الزوجة محارم؟ السؤال: والد أمي متزوج من أربع، فهل أبي محرم لزوجات جدي الأربع أم لأم أمي فقط؟ الجواب: أبوك محرم لأم زوجته فقط، أما النساء الأخريات فهن أجنبيات منه؛ ولهذا يجوز أن يجمع بين ابنة الرجل وبين زوجته المطلقة أو المتوفى عنها؛ لأن زوجة والد امرأته أجنبية منه. رفع السبابة في التشهد السؤال: هل ورد شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم في رفع السبابة في التشهد عند المرور بلفظ الجلالة الله؟ الجواب: ورد ذلك عند التشهد، ولكنه جاء أنه يدعو بها، ومعلوم أن الدعاء يكون عندما يقول الإنسان: اللهم كذا، اللهم كذا، هذا هو الدعاء. حكم غسل اليدين بعد القيام من النوم قبل غمسهما في الإناء السؤال: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في وضوئه حتى يغسلها ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) هل الأمر بغسل اليدين ثلاثاً للوجوب أم للندب؟ الجواب: الأمر للوجوب، ولهذا قال: (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) ؛ لأنه قد تقع يده في مكان فيه نجاسة. فضل الصلاة في المسجد النبوي السؤال: أتيت المدينة النبوية مسافراً، فهل تسقط عني صلاة النوافل ما دمت مسافراً وأنا أريد أن أحصل على فضل الصلاة في المسجد النبوي؟ الجواب: إذا كان الإنسان في المسجد النبوي فعليه أن يصلي الفرض، ويصلي ما أمكنه من النوافل؛ لأن هذه فرصة وغنيمة للإنسان؛ لأن الصلاة فيه بألف صلاة، وهو لا يتمكن من تحصيل هذه الغنيمة، فكونه يصلي ما أمكنه من النوافل، ليحصل بكل صلاة ألف صلاة ذلك خير كبير. حكم نقل زكاة الفطر من بلد إلى بلد السؤال: هل يجوز أن تنقل صدقة الفطر من بلد إلى بلد آخر؟ الجواب: الأصل أن تكون في البلد الذي فيه الإنسان، وكل يخرج زكاته في بلده الذي هو فيه، سواء كان المكان الذي هو فيه بلده الأصلي أو أنه مسافر فيه، ولكن إذا وكل أحداً بحيث يقوم بدفع تلك الزكاة طعاماً لوقتها، فذلك سائغ، ولكن الأولى هو ما ذكرته أولاً أن كل إنسان يخرج زكاة بدنه -التي هي زكاة الفطر- في البلد الذي جاء الفطر وهو فيه، أو حصل الفطر -أي: انتهاء الشهر- وهو فيه. حكم قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة السؤال: ما حكم قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة؟ الجواب: يستحب أن يقرأها هي و (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )) والمعوذات. حكم العمرة عن الوالدين وهما حيان السؤال: هل تجوز العمرة عن الوالدين وهم أحياء؟ الجواب: الأحياء لا يحج عنهم ولا يعتمر إلا في حالتين اثنتين: إحداهما: أن يكون المحجوج والمعتمر عنه هرماً كبيراً، لا يستطيع السفر والركوب، والثانية: أن يكون مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه، فإذا لم يكن من هذين الصنفين، فإنه لا يحج عنه ولا يعتمر ما دام على قيد الحياة، أما المتوفى فإنه يحج ويعتمر عنه مطلقاً. حكم العمرة في الشهر أكثر من مرة السؤال: هل تجوز العمرة في الشهر أكثر من مرة؟ الجواب: لا أعلم شيئاً يمنع من ذلك، والحديث جاء في المتابعة بين العمرة والحج، وأن المتابعة تنفي الذنوب، وكون العمرة تحصل في شهر واحد مكررة ليس هناك مانع يمنع منها، ولا نعلم شيئاً يمنع منها، والأصل هو الجواز. حكم المرور بين يدي المصلي في المسجد النبوي السؤال: يكثر الزحام في المسجد النبوي، ويصعب التحرز من المرور بين يدي المصلي فما الحكم؟ الجواب: من يصبر ولا يستعجل يتمكن من عدم المرور، وذلك أن الزحام ينفض في مدة لا تزيد عن عشر دقائق، ولكن بعض الناس يستعجل، فالأولى للإنسان أن يتريث، إلا إذا كان مضطراً لا يستطيع أن يصبر؛ كما لو كان سيذهب لقضاء الحاجة، ولو بقي لحصل ما لا تحمد عاقبته، فإنه على حسب حاله، ويكون معذوراً؛ لقوله عز وجل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]. حكم إعطاء الزكاة لمن لا يصلي السؤال: إذا كان في القرية فقراء أو مساكين غير ملتزمين بالدين، ولا يصلون ولا يصومون، وفيها طلاب علم شرعي يلتزمون بالدين، فأيهم أولى بالزكاة؟ الجواب: إذا كان طلاب العلم فقراء، فلا شك أنهم هم الأولى، بل هذا هو المتعين؛ لأن الذي لا يصلي لا يصح أن يعطى من الزكاة. حكم شرب الدخان السؤال: أريد قولاً فصلاً في الدخان أهو حرام أم مكروه؟ الجواب: الدخان حرام، والدخان كما هو معلوم إنما حصل في الأزمنة المتأخرة، وقد مضت قرون طويلة ولم يوجد فيها الدخان، والشريعة كما هو معلوم مستوعبة لكل ما يجد ويحصل من النوازل، وكذلك الأمور التي لا وجود لها في زمن التشريع هي مستوعبة لها، وذلك بعموماتها، وبقياسها، وقواعدها، فإنها تستوعب مثل هذه الأشياء التي تنزل وتقع ولم يكن لها وجود من قبل، ومن المعلوم أن الدخان فيه أدلة متعددة تدل على تحريمه منها: أولاً: أنه من الخبائث وليس من الطيبات، والله عز وجل ذكر من صفات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه يحل الطيبات ويحرم الخبائث، فإذا كان الدخان من الخبائث فهو محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الخبائث. ثانياً: الله عز وجل نهى عن قتل النفس فقال: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29]، ومعلوم أن الدخان سبب في قتل النفس، وأنه يجلب الأمراض التي تؤدي إلى الهلاك، وتؤدي إلى الوفاة، ولذا فهو يدخل تحت هذا العموم. ثالثاً: الشريعة جاءت بتحريم إضاعة المال، والنهي عن إضاعة المال، وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان ينهى عن ثلاث: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) ولا شك أن بذل المال في الدخان إضاعة له؛ لأنه إضاعة في غير طائل، بل إضاعة في مضرة، ويمكن أن نذكر مثلاً يوضح مدى كونه من أشد ما يكون إضاعة للمال: لو أنك رأيت إنساناً معه نقود يمزقها ويرميها في الهواء، ماذا تقول له؟ وعمله هذا كيف يوصف؟ يوصف بأنه عمل سيئ، بل يتهم في عقله، ولكن هذا أهون من الذي يصرف الأموال في الدخان؛ لأن هذا ضيع نقوده فقط، وجسده لم يضره شيء، فإذا اشترى بالنقود دخاناً واستعمله، فمعنى ذلك: أنه أضاعه في مضرة، إذاً: الذي مزقها أحسن حالاً من هذا، وهذا أسوأ حالاً من ذاك الذي يمزق ولا يشتري بها دخاناً؛ لأن الذي مزقها وأتلفها جسمه لم يضره شيء من تمزيقها، وأما الذي اشترى بها دخاناً، فإنه أتلفها في أمر يعود على جسمه بالمضرة، فالأمر واضح جلي. رابعاً: مما هو معلوم أن الدخان يسبب الأمراض؛ لأن الدخان يذهب إلى الجوف، والجهات التي يكون فيها دخان كيف يكون شكلها؟ فالمطابخ التي يطبخون فيها بالحطب، أو يطبخون في أشياء يظهر منها دخان تظهر مسودة، وملوثة غير نظيفة، وقذرة بسبب هذا الدخان، وإذا كانت الجدران وهي صلبة ويابسة يعلق فيها الدخان، فكيف بجوف الإنسان الذي فيه رطوبة؟! فمن باب أولى أن يعلق فيه الدخان، فيكون الإنسان قد جلب على نفسه المضرة من جهات كثيرة. وبالمناسبة من ابتلي بشرب الدخان فإن شهر رمضان مناسبة عظيمة له للتخلص من الدخان، وذلك بأن يعقد العزم على أن يتركه وأن يعمر نهاره بالصيام، ويسلم من الدخان فيه، وفي الليل يأكل مما أحل الله له، ويتقرب إلى الله عز وجل بالطاعات، ويصلي مع الناس، ويصبر عن الدخان، فمن فعل ذلك فإنه تمر عليه أيام وقد ترك الدخان، فمن ابتلي بالدخان فليحرص على التخلص منه في هذه المناسبة العظيمة، وذلك بأن يعقد العزم ويصمم، ويكون شجاعاً، وقوياً على نفسه الأمارة بالسوء، بحيث يجاهدها ويتخلص من هذا البلاء الذي يضره في ماله، وفي بدنه، ويؤذي الناس الآخرين برائحته الكريهة، وهذه أيضاً من جملة المضار التي فيه غير ما ذكرته سابقاً، وهي أنه يؤذي الناس. حكم قطرة العين للصائم السؤال: قطرة العين هل تفطر؟ الجواب: قطرة العين لا تفطر، ولكنه إذا وجد طعمها في حلقه، فالذي ينبغي له أن يقضي ذلك اليوم، ولكن على الإنسان ألا يقطر في النهار، وإنما يقطر في الليل. حكم توزيع صيام القضاء عن الغير على أكثر من واحد السؤال: أمي توفيت وعليها قضاء رمضان، وعندها خمسة أبناء، وكل منهم يريد القضاء عنها، فهل كل واحد يصوم بعض الأيام؟ الجواب: يجوز أن يصوم عنها شخص واحد، ويجوز أيضاً أن يقوم عدد بهذا الصيام على سبيل التوزيع بينهم، وهذا إنما هو في شهر رمضان أو في النذر أو في الأشياء الواجبة اللازمة على الإنسان، سواء بحكم الشرع كرمضان، أو بالنذر الذي أوجبه الإنسان على نفسه. حكم البخور للصائم السؤال: سألتني امرأة: أنها كانت صائمة قضاءً لرمضان، وقد بخرت البيت بالبخور، فقلت لها: إن العلماء يرون أن البخور من المفطرات، ويلزمك إعادة ذلك اليوم، ويمكن أن تستمري في الصوم على أن يكون نفلاً، فهل كلامي صحيح؟ الجواب: أولاً: البخور لا بأس باستعماله بشرط ألا يستنشقه الإنسان، وألا ينفذ إلى جوف الإنسان عن طريق أنفه، وعن طريق استنشاقه، وأما إذا كان مجرد أنها شمته ولم تستنشقه فهذا لا يؤثر، ولكنها إن استنشقته ووصل إلى جوفها فإنه يحصل به الإفطار، أما مجرد كونه بخر البيت، وشمت الرائحة، فهذا لا يؤثر؛ لأنه لم يدخل جرم مثلما يدخل الدخان الذي تستنشقه، ويذهب إلى جوفها. حكم القول بأن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أسطورة السؤال: هل يصح أن يقال عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بأنها أسطورة، فيقول القائل: وغدت سيرته أسطورة يتناقلها رواة عن رواة؟ الجواب: سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لا يقال عنها: أسطورة؛ لأن الأسطورة في الغالب ذم، وليست مدحاً، كقول: أساطير الأولين، فمثل هذا التعبير ليس بمحمود، فلا يصلح ولا يليق أن توصف سيرة الرسول بأنها أسطورة. حكم دخول الحائض المسجد السؤال: هل يجوز للمرأة أن تدخل المسجد وهي حائض؟ الجواب: لا يجوز للمرأة أن تدخل المسجد وهي حائض؛ ولهذا جاء في الحديث أن النساء يخرجن للعيدين حتى الحيض، ولكن قال: (ويعتزلن المصلى)، أي: المكان الذي يصلي فيه النساء، فلا تكون النساء الحيض مع النساء المصليات، وإنما يكن في مكان متأخر عن المكان الذي فيه صلاة العيد، وصلاة العيد كانت في العراء، فالحائض لا تدخل المسجد، وإذا دخلت المسجد مارة أو احتاجت إلى المرور وقد عملت شيئاً يمنع تساقط الدم منها فلا بأس، وأما أن تجلس وتمكث فلا يجوز لها ذلك. حكم أداء عمرتين في سفر واحد السؤال: هل يجوز أن أعتمر عمرتين في سفر واحد لأمي؟ الجواب: يمكن أن يأتي الإنسان بعمرتين: إحداهما حين يقدم من بلده إلى مكة يعتمر لنفسه، ثم إذا ذهب إلى المدينة ورجع إلى مكة مرة أخرى فإنه يعتمر لنفسه أو لأمه أو لمن شاء عمرة ثانية، وتكون تلك في سفرة واحدة. تحديد يوم الشك السؤال: هل يوم تسعة وعشرين من شبعان يقال عنه: يوم الشك؟ الجواب: إذا عرف اليوم الذي دخل فيه الشهر معرفة يقينية فإن يوم تسعة وعشرين ليس يوم الشك، وإنما يوم الشك هو يوم الثلاثين؛ لأن الشهر لا يزيد عن ثلاثين ولا ينقص عن تسعة وعشرين، أي: أن الأشهر العربية الإسلامية لا تقل عن تسعة وعشرين ولا تزيد عن ثلاثين، ولا يوجد شهر ثمانية وعشرين، ولا واحداً وثلاثين، فهي إما هذه، وإما هذه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نقرأ ولا نحسب، ثم قال: الشهر هكذا وهكذا وهكذا وعد ثلاث مرات بأصابعه -أي: يكون كاملاً- ثم قال: أو هكذا وهكذا وهكذا وقبض إبهامه) يريد تسعة وعشرين، فالشهر إما ثلاثين وإما تسعة وعشرين، وليس هناك شهر يكون ثمانية وعشرين ولا واحداً وثلاثين. حكم المسح مع التيمم لمن كان عليه جبيرة أو جرح السؤال: إذا كان هناك إنسان عليه جبيرة، وكان هناك جرح غير مغطى، فهل يمسح ويتيمم مع الوضوء؟ وكيف يتم الترتيب بين المسح والتيمم والوضوء بالماء؟ الجواب: الجبيرة كما هو معلوم يمسح عليها، ولا يحتاج إلى تيمم مع المسح عليها، وأما الجرح الذي لا يغسله الإنسان، وإنما يغسل ما حوله، فإنه يتيمم له."
__________________
|
#908
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [550] الحلقة (580) شرح سنن أبي داود [550] للمجالس أهمية في ديننا الإسلامي؛ ولذلك فقد سن النبي صلى الله عليه وسلم آداباً تتعلق بالمجالس والمجالسة والجلوس ينبغي أن تراعى ويلتزم بها، حتى تكون المجالس ذا صبغة إسلامية، وحتى ينتفع بها أصحابها. الرجل يجلس بين الرجلين بغير إذنهما) شرح حديث (لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يجلس بين الرجلين بغير إذنهما. حدثنا محمد بن عبيد و أحمد بن عبدة المعنى قالا: حدثنا حماد حدثنا عامر الأحول عن عمرو بن شعيب قال ابن عبدة : عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى هذه الترجمة بعنوان: باب الرجل يجلس بين الرجلين بغير إذنهما، أي: أنه إذا كان هناك اثنان جالسان وأراد أحد أن يجلس بينهما فعليه أن يستأذنهما، ولا يأتي ويجلس بينهما؛ لأنه قد يكون بينهما كلام، أو بينهما محبة ومودة، ويريد أحدهما أن يكون بجوار الآخر، وقد يكون بينهما حديث يريدان أن يستمرا فيه، فيأتي ويقطعه عليهما، فإذا أراد أن يجلس بينهما فليستأذنهما، فإن أذنا له وإلا فإنه يجلس في مكان آخر. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجلس بين الرجلين إلا بإذنهما)؛ أي: لا يجلس رجل بين رجلين إلا بإذنهما، ومثل ذلك المرأة لا تجلس بين المرأتين، فإن الحكم واحد، ولكنه ذكر الحديث فيما يتعلق بالرجال؛ لأن الغالب أن الكلام مع الرجال، وكذلك النساء لو كن جالسات، ثم جاءت واحدة تريد أن تجلس بين اثنتين، فإنها لا تجلس بينهما إلا بإذنهما؛ وذلك لما يترتب على ذلك من قطع ما يكونان قد اشتغلا به، أو يتحدثان فيه، أو أن كل منهما يريد أن يجلس بجوار الآخر؛ لأنه مرتاح إلى الجلوس معه، ولذا جاء النهي عن التفريق بينهما عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. ويدخل في الاستئذان ما إذا كانا ماشيين. تراجم رجال إسناد حديث (لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما) قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد ]. هو محمد بن عبيد بن حساب، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود والنسائي . [ وأحمد بن عبدة ]. هو أحمد بن عبدة الضبي، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ المعنى قالا: حدثنا حماد ]. هو حماد بن زيد بن درهم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عامر الأحول ]. هو عامر بن عبد الواحد، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. أبوه هو شعيب بن محمد وهو كذلك صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وجزء القراءة، وأصحاب السنن. [ عن جده ]. جده هو عبد الله بن عمرو بن العاص ؛ لأن جده الذي يروي عنه والذي يأتي في هذه السلسلة أو بهذا الإسناد هو عبد الله بن عمرو بن العاص فيكون الحديث متصلاً، وقد صحت رواية شعيب عن جده عبد الله بن عمرو . إذاً: قوله: عن أبيه عن جده، يعني: جده عبد الله بن عمرو بن العاص ، وليست روايته عن محمد الذي هو أبوه؛ لأنه لو كان الأمر كذلك فسيكون الحديث مرسلاً؛ لأن محمداً ليس بصحابي، ولكن صح سماع شعيب بن محمد من جده عبد الله ، ويأتي في بعض الأحاديث تسميته كما جاء في الحديث الذي بعد هذا؛ لأن الحديث الذي بعده قال: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو، فلم يقل: عن جده، بل قال: عن عبد الله بن عمرو . و عبد الله بن عمرو أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني أسامة بن زيد الليثي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما) ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو من طريق أخرى، وفيه أنه قال: (لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما) وهذا عام، يشمل ما إذا كانا جالسين أو ماشيين؛ لأن هذا يقال له: تفريق بين اثنين، وليس خاصاً بالجلوس، ومن المعلوم أن القيام والمشي حكمهما مثل حكم الجلوس، بل قد يكون القيام والمشي أشد من الجلوس، وذلك أنهما قد يكونان متلازمين في المسير، وقد يكون كل واحد منهما آخذاً بيد الآخر لقوة الصلة التي بينهما، فالحديث هذا عام يشمل ما إذا كانا جالسين أو ماشيين، فلا يفرق بينهما أحد إلا بإذنهما. تراجم رجال إسناد حديث (لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما) قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ]. سليمان بن داود المهري ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: أخبرني أسامة بن زيد الليثي ]. أسامة بن زيد الليثي صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ]. هنا صرح بأن الذي يروي عنه شعيب هو عبد الله الذي هو جده. حكم الجلوس بين اثنين في خطبة الجمعة أو في محاضرة الجلوس في المحاضرات أو في خطبة الجمعة إذا كان هناك مكان فيمكن أن يأتي ويجلس الإنسان فيه، ويستمع ولا بأس بذلك. جلوس الرجل شرح حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس احتبى بيده) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في جلوس الرجل. حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا عبد الله بن إبراهيم قال: حدثني إسحاق بن محمد الأنصاري عن ربيح بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده أبي سعيد الخدري : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس احتبى بيده) . قال أبو داود : عبد الله بن إبراهيم شيخ منكر الحديث ]. أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في جلوس الرجل، أي: كيفية جلوسه، وقد أورد أبو داود هذه الكيفية التي هي الاحتباء، أن يحتبى الإنسان بيده، والاحتباء هو أن يجلس على مقعدته ويجعل فخذه ملتصقاً ببطنه، وينصب ساقيه ثم يجمع يديه عليهما، سواء بالتشبيك، أو بأن يمسك يداً بالأخرى من وراء الساقين، هذا هو الاحتباء الذي يكون باليد، وهناك احتباء يكون بالثوب، وهو أن يشد عليه ثوباً يحيط بمؤخره وبساقيه، ولا يحتاج مع ذلك إلى استعمال اليدين، والرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه كان يجلس محتبياً بيديه، وفي بعض الروايات: أنه كان يشبك بينهما في الجلوس، وكل ذلك يقال له: احتباء باليدين، سواء شبك أو لم يشبك، بمعنى أنه مسك باليمنى ذراعه اليسرى أو العكس، وهذا كله يقال له: احتباء، فقد ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم هذه الجلسة وهي الاحتباء باليدين. وقد أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث، وهو حديث ضعيف جداً من ناحية الإسناد؛ لأن فيه متروكاً، ومجهولاً، ومقبولاً، ولكن الحديث ورد في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر ، وورد في صحيح مسلم عن ابن عباس ، وكلها في الاحتباء باليدين، فالحديث ثابت لما جاء في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمر وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عباس ، وأما الإسناد الذي هنا فهو ضعيف جداً؛ لأن فيه متروكاً ومجهولاً ومقبولاً، ولكن المتن صحيح لأنه جاء من طرق أخرى ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البخاري عن ابن عمر و في مسلم عن ابن عباس . تراجم رجال إسناد حديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس احتبى بيده) قوله: [ حدثنا سلمة بن شبيب ]. سلمة بن شبيب ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عبد الله بن إبراهيم ]. هو عبد الله بن إبراهيم الغفاري، وهو متروك، أخرج له أبو داود و الترمذي . [ حدثني إسحاق بن محمد الأنصاري ]. إسحاق بن محمد الأنصاري مجهول، أخرج له أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ عن ربيح بن عبد الرحمن ]. ربيح بن عبد الرحمن مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي في الشمائل وابن ماجة . [ عن أبيه ]. أبوه هو عبد الرحمن بن سعد بن مالك ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن جده أبي سعيد الخدري ] أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. [ قال أبو داود : عبد الله بن إبراهيم شيخ منكر الحديث ]. هذا تضعيف له، و الحافظ في التقريب قال: إنه متروك. شرح حديث قيلة بنت مخرمة أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد القرفصاء...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حفص بن عمر و موسى بن إسماعيل قالا: حدثنا عبد الله بن حسان العنبري قال: حدثتني جدتاي: صفية و دحيبة ابنتا عليبة قال موسى : بنت حرملة وكانتا ربيبتي قيلة بنت مخرمة وكانت جدة أبيهما أنها أخبرتهما: (أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد القرفصاء، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشع، وقال موسى: المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق) ]. أورد أبو داود حديث قيلة بنت مخرمة رضي الله عنها أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم جالساً القرفصاء، والقرفصاء فسرت بأنها الاحتباء، وهي الهيئة التي مرت في الحديث السابق، مع وضع رأسه أو صدره على ركبتيه، كأنه مائل أو متحامل عليهما، وفسرت بتفسير آخر: وهو أنه يضع قدميه وركبتيه على الأرض كهيئة السجود، إلا أنه يجعل بطنه على فخذيه، ولكنه لا يسجد على الأرض، ويجعل يديه تحت إبطيه، فهذه الهيئة أو هذه الجلسة هي القرفصاء، والتفسير الأول يطابق ما جاء في الحديث السابق الذي هو حديث الاحتباء. وقوله: [ (قالت: فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخشع، وقال موسى : المتخشع في الجلسة أرعدت من الفرق) ]. أي: أنها فزعت وخافت لما رأته، وكأنها خشيت عليه أنه متأثر أو ما إلى ذلك من الأسباب التي جعلتها تفرق وتحزن وتخاف. تراجم رجال إسناد حديث قيلة بنت مخرمة أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد القرفصاء...) قوله: [ حدثنا حفص بن عمر ]. هو حفص بن عمر النمري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي . [ و موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قالا: حدثنا عبد الله بن حسان العنبري ]. عبد الله بن حسان العنبري مقبول أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي . [ قال: حدثتني جدتاي: صفية و دحيبة ابنتا عليبة ]. صفية و دحيبة مقبولاتان، وكل منهما أخرج لها البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي . [ وكانتا ربيبتي قيلة بنت مخرمة ]. قيلة بنت مخرمة صحابية، أخرج حديثها البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي . والحديث في إسناده راوٍ مقبول، ولكن الأحاديث الأخرى التي دلت على ثبوت الحديث الأول شاهدة له. حكم الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب قال في عون المعبود: فالاحتباء باليدين غير منهي عنه، إلا إذا كان ينتظر الصلاة. وقد جاء النهي عن الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب، وذلك أنه قد يترتب على ذلك نعاس، فيترتب على ذلك نقض وضوء. الجلسة المكروهة شرح حديث (... أتقعد قعدة المغضوب عليهم؟!) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الجلسة المكروهة. حدثنا علي بن بحر حدثنا عيسى بن يونس حدثنا ابن جريج عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبيه الشريد بن سويد رضي الله عنه قال: (مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس هكذا، وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي، فقال: أتقعد قعدة المغضوب عليهم؟!) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في الجلسة المكروهة، والمكروه قد يراد به المحرم، وقد يراد به ما هو مكروه للتنزيه، ولكن كونه جاء في الحديث وصف هذه الجلسة بجلسة المغضوب عليهم هذا يدل على التحريم. وقد أورد أبو داود حديث الشريد بن سويد رضي الله عنه قال: (مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على ألية يدي) ذكر في عون المعبود تفسيره بأنه جعل يده اليسرى خلف ظهره، واتكأ على ألية يده اليمنى، والمقصود بالألية: الراحة من جهة الإبهام، فالراحة من جهة الإبهام يقال لها: ألية اليد، ويحتمل أن يكون المقصود أن كل ذلك يتعلق باليد اليسرى، وأنه جعلها وراء ظهره، وأتكأ على أليتها، أي: على الراحة التي من جهة الإبهام، وليست التي من جهة الخنصر، التي هي الجهة الأخرى. وقوله: (قال: أتقعد قعدة المغضوب عليهم؟!) هذا استفهام إنكار. تراجم رجال إسناد حديث (... أتقعد قعدة المغضوب عليهم؟!) قوله: [ حدثنا علي بن بحر ]. علي بن بحر ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي . [ حدثنا عيسى بن يونس ]. هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن جريج المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إبراهيم بن ميسرة ]. إبراهيم بن ميسرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن الشريد ]. عمرو بن الشريد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي فقد أخرج له في الشمائل. [ عن أبيه الشريد بن سويد ]. الشريد بن السويد رضي الله عنه صحابي، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . النهي عن السمر بعد العشاء شرح حديث (كان رسول الله ينهى عن النوم قبلها والحديث بعدها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن السمر بعد العشاء. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عوف قال: حدثني أبو المنهال عن أبي برزة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النوم قبلها، والحديث بعدها) ]. أورد أبو داود باب النهي عن السمر بعد العشاء، والسمر: هو الحديث، أي: أن يجلس الإنسان يتحدث بعد العشاء، هذا هو المراد بالسمر. وقد أورد أبو داود حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهي عن النوم قبلها والحديث بعدها) أي: قبل العشاء وبعدها، فكان ينهى عن النوم قبلها؛ لأن ذلك سبب في تفويت صلاة العشاء، وأن ينام عنها الإنسان، فقد يخرج وقتها، فيؤخرها عن وقتها، فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن النوم قبلها، وقد جاء أن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، أما صلاة العشاء فلأنها في أول الليل، والناس يكدحون في أعمالهم، فلا يبالون أن يتخلفوا عن العشاء، بل ينامون، ويهملونها، وأما الفجر فتكون في آخر الليل في الوقت الذي طاب فيه الفراش، وطاب فيه النوم. وقوله: (والحديث بعدها)؛ لأن ذلك يؤدي إلى الاستمرار، ثم إذا طال السمر يكون النوم سبباً في تفويت صلاة الفجر؛ لأن الاسترسال في الحديث والسمر بعد العشاء قد يؤدي إلى أن تفوته أو يتأخر أو ينام عن صلاة الفجر، فهذا هو السر في النهي عن السمر بعد العشاء، وهذا فيما إذا كان لغير مصلحة، وأما إذا كان للمصلحة، وهذا الذي يفعل المصلحة حريص على ألا تفوته صلاة الفجر، ويعمل الاحتياطات من أجل ألا تفوته صلاة الفجر، فإن ذلك لا بأس به؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه كان يسمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الليالي في مصالح المسلمين. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله ينهى عن النوم قبلها والحديث بعدها) قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو مسدد بن مسرهد البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عوف ] . هو عوف بن أبي جميلة الأعرابي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني أبو المنهال ]. هو أبو المنهال سيار بن سلامة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي برزة ]. هو أبو برزة نضلة بن عبيد الأسلمي رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. حكم السمر بعد العشاء والسمر إذا كان سيؤدي إلى تفويت صلاة الفجر فيكون حراماً. وإذا كان لا يترتب على ذلك فوات الصلاة فلا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك مع أبي بكر رضي الله عنه. ما جاء في الرجل يجلس متربعاً شرح حديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يجلس متربعاً. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو داود الحفري حدثنا سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء) ]. أورد أبو داود باب الجلوس متربعاً؛ وهو أن يجلس، ثم يجعل ركبته اليمني إلى الأمام ويرد رجله إلى تحته، واليسرى كذلك، وتتلاقى أطراف الرجلين، وتكون الركبتان كل واحدة ذهبت إلى جهة، هذا هو التربع بالجلوس. وقد أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر جلس متربعاً حتى تطلع الشمس حسناء) أي: حتى تظهر حسناء بيضاء، ومعناه: أنه قد زال الوقت الذي يكون فيه خروجها، والذي تكون فيه مصفرة عند الخروج، فهو يجلس حتى ترتفع ويظهر بياضها ونورها. تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا أبو داود الحفري ]. هو أبو داود الحفري عمر بن سعد، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن، والحفري نسبة إلى محلة وناحية من نواحي الكوفة يقال لها: الحفر. [ حدثنا سفيان الثوري ]. هو سفيان بن سعيد ين مسروق الثوري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سماك بن حرب ]. سماك بن حرب صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن جابر بن سمرة ]. جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. فضل الجلوس بعد الفجر حتى تطلع الشمس قوله: (في مجلسه) الذي يبدو أن المراد مكانه وقت الصلاة، ويكون حينئذٍ مستدبر القبلة لهذه الفترة الطويلة. وأما قوله في الحديث الثاني: (من صلى الفجر في جماعة ثم قعد في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ...) فلا يتفق مع هذا الحديث فيما يتعلق ببيان الأجر والثواب، وأنه يكون بهذا الأجر وكذا، وإنما فيه أن الرسول كان يجلس هذه الجلسة، لكن ذكر الثواب والأجر دل عليه الحديث الآخر الذي فيه: (كان كحجة وعمرة تامة تامة) ."
__________________
|
#909
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [551] الحلقة (581) شرح سنن أبي داود [551] إن من الآداب التي ينبغي أن تراعى في المجالس: أن لا يتناجى اثنان دون ثالث حفاظاً على سلامة الصدور، وأيضاً فإن للإنسان حق في مجلسه إذا قام منه غير مغادر له ثم عاد. ما جاء في التناجي شرح حديث (لا ينتجي اثنان دون الثالث فإن ذلك يحزنه) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في التناجي. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش (ح) وحدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن شقيق -يعني ابن سلمة - عن عبد الله رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ينتجي اثنان دون الثالث فإن ذلك يحزنه) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في التناجي، والتناجي: هو التحدث سراً بين بعض الجالسين، فإذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث؛ لأن ذلك يحزنه، ولكن إذا كانوا أربعة فتناجى اثنان فسوف يبقى اثنان، وفي هذه الحالة يمكن أن يتناجيا، أو يقرب بعضهما من بعض ويتحدثان، لكن إذا بقي واحد فقط وكان الاثنان يتحدثان، فذلك قد يحزنه، ولكن إذا استأذنوا منه بأن هناك أمراً يدعو إلى التناجي أو أن أحدهم يريد أن يتناجى مع كل واحد منهم فلا بأس، فقد يتناجى الشخص مع إنسان، ثم يتناجى مع الآخر الذي قد يكون مرجعاً، وقد يكون شخصاً مسئولاً، وقد يكون إنساناً يرجع إليه في فتوى أو في غيرها، ولا يراد أن يظهر الحديث، فيمكن أن يسأل هذا بينه وبينه، ثم يسأل هذا بينه وبينه، وقد يكون هو نفسه يريد أن يتحدث مع أحدهم على حدة، ومع الآخر على حدة، فإذا كان الأمر كذلك فإن هذا ليس فيه محذور، وأيضاً إذا استأذنوه وبينوا له أنهم بحاجة إلى أن يتحدثوا وأذن زال المحذور أيضاً. تراجم رجال إسناد حديث (لا ينتجي اثنان دون الثالث فإن ذلك يحزنه) قوله: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ]. أبو بكر بن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا أبو معاوية ]. هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس ]. (ح) معناها: التحول من الإسناد إلى إسناد آخر، و مسدد و عيسى بن يونس مر ذكرهما. [ حدثنا الأعمش عن شقيق يعني ابن سلمة ]. شقيق بن سلمة كنيته أبو وائل ، وهو ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي جليل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث (لا ينتجي اثنان دون الثالث فإن ذلك يحزنه) من طريق أخرى قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله، قال أبو صالح : فقلت لابن عمر رضي الله عنهما: فأربعة؟ قال: لا يضرك ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وهو مثل الذي قبله، وفيه أنه سئل: فإذا كانوا أربعة؟ قال: لا يضرك. لأنه إذا كان هناك اثنان جالسين واثنان يتناجيان مع بعضهما، فليس هذا مثل أن يتناجى اثنان ويبقى واحد. تراجم رجال إسناد حديث (لا ينتجي اثنان دون الثالث فإن ذلك يحزنه) من طريق أخرى قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن أبي صالح ]. أبو صالح هو ذكوان السمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. حكم تناجي ثلاثة فأكثر بحضرة واحد قال الخطابي سمعت ابن أبي هريرة يحكي عن أبي عبيد بن حرب أنه قال: هذا في السفر، وفي الموضع الذي لا يأمن فيه صاحبه على نفسه، فأما في الحضر، وبين ظهراني العمارة، فلا بأس به. والذي يبدو أنه عام. وفي هذه الأحاديث النهي عن تناجي اثنين في حضرة ثالث، وكذا ثلاثة وأكثر بحضرة واحد، فإذا كانوا أربعة وثلاثة يتناجون وواحد وحده، فهو مثل تناجي اثنين دون ثالث، فثلاثة مع واحد واثنان مع واحد كل ذلك سواء؛ لأنه شخص منفرد سوف يتأثر. وهو نهي تحريم، فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا أن يأذن، ومذهب ابن عمر رضي الله عنه و مالك وأصحابنا وجماهير العلماء أن النهي عام في كل الأزمان، وفي الحضر والسفر. وأما إذا كانوا أربعة فتناجى اثنان دون اثنين، فلا بأس بالإجماع؛ لأن الاثنين يمكن أن يتناجيا، فهذا يتحدث مع هذا، وهذا يتحدث مع هذا، فينقسمون إلى مجموعتين، وإذا كان الثالث لا يعرف اللغة التي يتكلم بها الاثنان، وهما يتكلمان بصوت مرتفع فهذا لا يؤثر؛ لأنهما لم ينفردا عنه؛ وسيترجمان له كلامهما حتى يفهم، لكن لو كانا يتكلمان بالعربية ثم صارا يتكلمان بلغة أخرى لا يفهمها فهذا مثل التناجي سراً؛ لأنه مادام لا يفهم اللغة، وهما يتحدثان بها فهي مثل المناجاة. إذا قام الرجل من مجلس ثم رجع شرح حديث (إذا قام الرجل من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا قام الرجل من مجلس ثم رجع. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سهيل بن أبي صالح قال: كنت عند أبي جالساً وعنده غلام فقام ثم رجع، فحدث أبي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام الرجل من مجلس ثم رجع إليه فهو أحق به) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب إذا قام الرجل من مجلس ثم رجع، أي: أنه أحق به من غيره؛ فمثلاً: إذا كان في المسجد وذهب ليشرب ماءً، أو ذهب ليأتي بمصحف، فهو أحق بمجلسه من غيره؛ لأن مثل هذه الأمور تدعو إليها الحاجة، فهو أحق به، وكذلك إذا كان في مجلس وقام ليأخذ شيئاً أو ليقضي حاجة فإنه أحق به، ولكنه إذا خرج وودع الناس، ثم جلس الناس، فإذا جاء فإنه كواحد من الذين يدخلون من جديد، وأما إذا كان قام من مجلسه ليستقبل إنساناً أو ليصافح إنساناً، أو ليقابل إنساناً في المجلس، ثم يأتي أحدهم ويجلس مكانه فهذا هو الذي جاء فيه النهي، ويكون الحق لهذا الجالس، أما إذا كان جالساً ثم خرج وغادر المكان وانتهى من المكان، وجلس الناس، فإن حقه قد سقط، ويكون كواحد من الذين يأتون من جديد. تراجم رجال إسناد حديث (إذا قام الرجل من مجلس ثم رجع إليه فهو أحق به) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره، و حماد هو ابن سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سهيل بن أبي صالح ]. سهيل بن أبي صالح صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، و البخاري روى له مقروناً. [ فحدث أبي عن أبي هريرة ]. أبوه ذكوان السمان مر ذكره، و أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. شرح حديث (كان رسول الله إذا جلس وجلسنا حوله فقام فأراد الرجوع نزع نعليه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي حدثنا مبشر الحلبي عن تمام بن نجيح عن كعب الإيادي قال: كنت أختلف إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال أبو الدرداء : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس وجلسنا حوله، فقام فأراد الرجوع نزع نعليه أو بعض ما يكون عليه، فيعرف ذلك أصحابه فيثبتون) ]. أورد أبو داود حديث أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان معهم في مجلس وقام وهو يريد أن يرجع فإنه يخلع نعليه أو يترك شيئاً مما كان عليه، فيعلم الناس أنه سيرجع، فيثبتون في أماكنهم ينتظرونه، وهذا أورده المصنف مستدلاً به على أن الإنسان لو قام وكان معروفاً أنه سيرجع، بمعنى أنه ترك شيئاً يدل على رجوعه، فإنهم يتركون له مكانه حتى يأتي، ومعلوم أن مكان الرسول صلى الله عليه وسلم لن يغلبه عليه أحد، ولكن المقصود من ذلك أنه لو حصل من إنسان غير الرسول صلى الله عليه وسلم أن قام، وترك نعليه، أو ترك شيئاً مما كان عليه كمشلح أو شيء يدل على أنه سيرجع، وأنه لن يغادر المكان نهائياً، فإن له الحق في ذلك المكان. ولكن الحديث في إسناده ضعف؛ لأن فيه تمام بن نجيح وهو ضعيف، وفيه شيخه وهو مقبول، ولكن الحديث الأول يدل على أن من قام من مكانه فهو أحق به، وهذا الحديث ضعيف، وهو يدل على أنه إذا فعل شيئاً يدل على رجوعه، وأنه غير مغادر للمكان نهائياً؛ لأنه ترك شيئاً يدل على رجوعه، كما لو ترك نعليه أو ترك شيئاً من ثيابه دالاً على أنه سيذهب إما ليقضي حاجة أو ليتحدث مع إنسان، ثم يرجع إلى مكانه فإنه أحق به. تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا جلس وجلسنا حوله فقام فأراد الرجوع نزع نعليه ...) قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ]. إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا مبشر الحلبي ]. مبشر الحلبي صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن تمام بن نجيح ]. تمام بن نجيح ضعيف، أخرج له البخاري في رفع اليدين، و أبو داود و الترمذي . [ عن كعب الإيادي ]. هو كعب بن ذهل الإيادي، وفيه لين، أخرج له أبو داود . [ قال: كنت أختلف إلى أبي الدرداء ]. أبو الدرداء هو عويمر رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة. الأسئلة حكم حجز المكان في الدرس وغيره السؤال: نأتي مبكرين ونضع كتاباً أو كرسياً في المكان الذي نريد الجلوس فيه، وعندما نأتي نجد من جلس فيه وقد حرك ما وضعناه، ويقول: هذا لا يجوز، فما حكم ذلك؟ الجواب: مثل هذا العمل لا ينبغي؛ لأن الإنسان يتعلق بالصف الأول، والصف الأول لا يأتي أحد ويحجز فيه مكاناً ويذهب، وإنما يصلي ثم يأتي إلى المكان ويجلس حيث ينتهي به المجلس، والحمد لله الصوت واضح، والكل يسمع الصوت، وليس فيه خفاء بحيث يحرص على القرب لكي يسمع؛ لأن القريب والبعيد كلهم يسمعون، والأسئلة كلها تأتي عن طريق الأوراق، والمتأخر والمتقدم كلهم يحققون ما يريدون، فمثل هذه الطريقة التي هي وضع شيء في مكان ليس فيه صفوف ولم تصل إليه الصفوف، هذا لا ينبغي، بل على الإنسان أن يترك هذا الأمر وإذا فرغ من الصلاة يأتي ويجلس حيث ينتهي به المجلس، وليس هناك أمر يدعو إلى التسابق؛ لأن الصوت يصل إلى الجميع. عدم إجزاء ركعة الوتر عن تحية المسجد السؤال: هل تجزئ صلاة الوتر ركعة واحدة عن تحية المسجد؟ الجواب: لا تجزئ؛ لأن نص الحديث: (لا يجلس حتى يصلي ركعتين) فلا يكتفى بركعة واحدة؛ وإنما يصلي ركعتين ثم يصلي الوتر. إجزاء الفريضة عن تحية المسجد السؤال: من دخل إلى المسجد بعد انقضاء الجماعة هل يصلي المكتوبة أم يصلي أولاً تحية المسجد؟ الجواب: يصلي المكتوبة، وتجزئ عن تحية المسجد؛ لأنه لم يجلس حتى صلى. حكم طوف الوداع في العمرة السؤال: هل يجب طواف الوداع على المعتمر؟ الجواب: فيه خلاف بين أهل العلم، والأقرب أنه غير واجب، ولكن ينبغي للإنسان أن يحرص عليه وأن يأتي به، وإن لم يأت به فإنه لا شيء عليه؛ لأنه ليس هناك شيء يدل على وجوبه على المعتمر. حكم التسمي بـ(سلام) السؤال: هل يجوز للإنسان أن يسمي ولده (سلام) بغير تشديد؟ الجواب: يجوز، وليس هناك مانع يمنع منه. حكم التربع عند الأكل السؤال: هل التربع منهي عنه عند الأكل؟ الجواب: جاء أن من الاتكاء عند الأكل التربع، وقالوا: إنه يدل على شدة الشهوة والنهم في الأكل. تقديم الغسل من الجنابة على صلاة الجماعة إذا ضاق الوقت السؤال: من استيقظ لصلاة الصبح وقد أقيمت الصلاة، وهو على جنابة، فهل له أن يدرك الصلاة بتيمم أم عليه أن يغتسل؟ الجواب: عليه أن يغتسل ولو فاتته صلاة الجماعة. حكم دفع التأمين لأجل الرخصة السؤال: هل يجوز لي أن أدفع التأمين للرخصة؟ الجواب: نعم، إذا ألزمت به فادفعه وإن كان التأمين غير جائز، ولكنك إذا ألزمت به فأدفعه؛ لأنك لا تستطيع أن تستعمل سيارتك بدون دفعه. مظان ذكر عدد أحاديث كل صحابي في الكتب الستة السؤال: هل عدد أحاديث السبعة المكثرين بناءً على عدد الأحاديث التي رووها في صحيح البخاري أم في عموم الكتب؟ الجواب: جاء ذكر كل صحابي له رواية في الكتب الستة في خلاصة تذهيب الكمال المسمى: تذهيب تهذيب الكمال للخزرجي ؛ فإنه ذكر عدد ما لكل راوٍ من الصحابة في الكتب الستة، وما كان متفقاً عليه بين البخاري و مسلم ، وما كان خارج البخاري ، وما كان خارج مسلم ، فيمكن أن يعرف عدد ما لهم في الكتب الستة بالرجوع إلى مثل هذا الكتاب الذي هو خلاصة تهذيب الكمال عند ترجمة كل واحد منهم؛ لأنه عند ترجمة كل صحابي يذكر عدد ما له من الأحاديث في الكتب الستة، ويذكر عدد المتفق عليه عند البخاري و مسلم وعدد ما انفرد به البخاري وعدد ما انفرد به مسلم . حكم حجز مكان في الصف أثناء الصلاة السؤال: بعض الناس يضعون شيئاً مثل الطاقية في وسط الصفوف أثناء الصلاة كما يحصل في صلاة التراويح والقيام فهل هذا جائز؟ الجواب: هذا غلط، وغير جائز، فإذا كان سيؤدي إلى أن يبقى المكان فاضياً والصف منقطعاً فإنه غير سائغ، لكن إذا كان سيذهب إلى مكان لوقت يسير يشرب ماءً، أو يأتي بشيء ولا يترتب عليه قطع الصف لفترة طويلة فلا بأس؛ لأن لا ذلك يؤثر. حكم إزالة شعر الفخذين للمحرم السؤال: رجل آذاه شعر في فخذيه وهو محرم فأخذه فماذا عليه؟ الجواب: لا يجوز أن يأخذ شيئاً من شعره في حال إحرامه، لا من فخذه ولا من غيره، وإذا كان قد أزال ذلك الشعر متعمداً فعليه الكفارة، وهي التخيير بين ثلاثة أشياء: ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو صيام ثلاثة أيام. حكم الزيت الكثير إذا سقط فيه فأر السؤال: سقط فأر في برميل فيه زيت سائل، فهل يجوز استعمال هذا الزيت بعد إخراج الفأر؟ الجواب: نعم يجوز؛ لأن البرميل كما هو معلوم كبير، وإخراج الفأر منه لا يؤثر فيه لكثرته. حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة السؤال: هل الاعتكاف خاص بالمساجد الثلاثة؟ الجواب: لا، ليس خاصاً، بل يكون في كل مسجد، كما قال الله عز وجل: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، وأما الحديث الذي جاء: (لا اعتكاف إلا في ثلاثة مساجد) فالمقصود به: لا اعتكاف أفضل، أو لا اعتكاف أهم وأعظم من الاعتكاف في المساجد الثلاثة، وهذا يسمونه قصراً إضافياً، وليس قصراً حقيقياً، وهذا مثلما جاء عن ابن عباس: (لا ربا إلا في النسيئة)، مع أن هناك ربا الفضل، والمعنى: أن هذا رباه أشد وأعظم. حكم إقامة الرجل من جلس في مكانه السؤال: إذا قام الرجل من مجلسه فوجد رجلاً قد جلس فيه، فهل عليه شيء إذا تركه له، أم السنة أن يقيمه؟ الجواب: ليس عليه شيء إذا تركه، بل قد يكون أولى من أن يقيمه. حكم رفع اليدين في تكبيرات صلاة الجنازة السؤال: هل ثبت رفع اليدين في كل تكبيرات الجنازة؟ الجواب: نعم، جاء ذلك عن عبد الله بن عمر موقوفاً ومرفوعاً، وذكر ذلك شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في تعليقه على فتح الباري في كتاب الجنائز، حيث قال: إنه جاء في علل الدارقطني مرفوعاً وموقوفاً، وجاء مرفوعاً من طريق عمر بن شبة . حكم حجز الأماكن المتقدمة في الدرس للقرب من الشيخ السؤال: هناك من يحجز في الدرس الأماكن المتقدمة للفائدة التي استنبطها العلماء من حديث جبريل: (فأسند ركبتيه إلى ركبتيه) حيث قال العلماء: الأفضل للمتعلم القرب من المعلم، فما قولكم في ذلك؟ الجواب: هذا لا بأس به، إذا كان الإنسان سيأتي وينتهي حيث ينتهي به المجلس، وأما أن يحجز له مكاناً ويذهب، ثم يأتي متأخراً، ويتخطى رقاب الناس حتى يصل إليه، فهذا لا ينبغي. حكم تأخير المسافر صلاة المغرب إلى وقت العشاء السؤال: إذا كنا في سفر وسنصل وقت العشاء، فهل يجوز لنا تأخير صلاة المغرب حتى الوصول؟ الجواب: نعم، يجوز، مادام أنكم في سفر وستصلون وقت العشاء، فإذا وصلتم فصلوا المغرب، ثم صلوا العشاء، لكن تكون العشاء تامة؛ لأن السفر قد انتهى. حكم استقبال الإمام للمأمومين بعد الصلاة السؤال: قلتم: يجوز للإمام أن يبقى مستقبل القبلة، وقد ثبت عن عمر أنه كان يقول: إن هذا العمل بدعة، وذكر هذا الشاطبي في الاعتصام، فما تعليقكم؟ الجواب: الذي أجبت عليه أنه يبقى في مكانه، ومعلوم أنه يكون مستقبل الناس، ولا يبقى مستقبل القبلة إلا عند قوله: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف إلى الناس، فيبقى في مكانه على الهيئة التي كان عليها، وهو مستقبل الناس، مستدبر القبلة، وليس معنى ذلك أنه يستمر مستقبلاً القبلة ويجعل الناس وراء ظهره، بل إذا فرغ من قوله: تباركت يا ذا الجلال والإكرام ينصرف إلى المأمومين. الواجب تجاه من يسب الله ورسوله السؤال: إذا رأى المسلم شيئاً منكراً كسب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فما الواجب عليه بعد إسداء النصيحة والبيان؟ الجواب: الواجب عليه أن يرفع أمره إلى المسئولين، ويشهد عليه، وإذا كان قد نصحه وبين له، ورجع عن ذلك وتاب، وإلا فإنه يبلغ أمره إلى المسئولين ليعاقب بالعقوبة التي يستحقها؛ لأن مثل هذا ردة عن الإسلام والعياذ بالله، فهو كفر بلا إشكال، ولكن قد يصدر ذلك من الإنسان لسبق لسان؛ لأنه قد لا يقصد ذلك، وقد يغضب غضباً شديداً بحيث لا يدري ما يصدر منه فيكون كالمجنون، ولكن إذا كان في صحته وعقله ووعيه، ويدرك ما يقول فهذا -والعياذ بالله- كفر بالله عز وجل. حكم لبس العقال لطالب العلم السؤال: هل لبس العقال لطالب العلم فيه شيء؟ الجواب: العقال لا بأس بلبسه، ولا مانع منه، ولكن لبسه ليس من سمات طلبة العلم في هذه البلاد. حكم أخذ التعويض من شركات التأمين السؤال: وقع لي حادث مروري، فهل يجوز لي أخذ التعويض عن طريق شركات التأمين الخاصة بالحوادث؟ الجواب: خذ منهم بقدر ما دفعته، فالمبالغ التي دفعتها إليهم خذها منهم، ولا تأخذ أكثر من ذلك. حكم دعاء ختم القرآن في الصلاة السؤال: ما حكم دعاء ختم القرآن في الصلاة؟ وهل من حضر الصلاة يصلي مع الإمام أم يجلس أم يخرج أم ماذا يفعل؟ الجواب: الذي يصلي مع الإمام يجب عليه أن يصلي مع الإمام حين يأتي بدعاء ختم القرآن، ولا يجوز له أن يتأخر عنه، ولا يجوز له أن يتخلف عنه؛ لأن هذا من المسائل الخلافية التي لا يجوز للإنسان أن يترك الصلاة بسببها، كما أن هناك أموراً أعظم من هذا، فلو أنك ترى الوضوء من لحم الإبل، وآخر لا يرى الوضوء، فلا تترك الصلاة وراءه؛ لأنه يرى أنه لا يتوضأ من لحم الإبل، وأنت ترى أنه يتوضأ من لحم الإبل، وكذلك القنوت في الفجر، والقنوت لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في النوازل في الفجر وغير الفجر، فإذا صليت وكان الإمام يقنت فلا تترك الصلاة وراءه؛ لأنه يقنت في الفجر، بل صل وراءه، وهذا من جنسه، وهذه المسألة لا أعلم دليلاً يدل عليها، ولكن بعض مشايخنا مثل الشيخ عبد العزيز بن باز يرى أن ذلك سائغ وجائز، وأنه قد جاء عن العلماء، وقد ذكر ذلك في فتاواه (11/354). حكم رفع اليدين عند الدعاء في الصلاة السؤال: إذا صلى الإمام ورفع يديه والمأمومون يؤمنون، فهل لمن يرى أنه لم يثبت في المسألة دليل ألا يتابعه حتى في رفع اليدين؟ الجواب: لا يرفع الإمام ولا المأموم يديه؛ لأن هذا لا نعرف أنه ثابت، وأما قضية التأمين فإذا أمن فلا بأس. شرط البخاري في الرواية عن المدلسين والمرسلين في صحيحه السؤال: هل اعتماد البخاري رحمه الله في رواية الإسناد المعنعن على السماع والمعاصرة خاص بصحيحه، أم هو منهجه في جميع الأحاديث؟ الجواب: هذا الشرط خاص بالصحيح، ولا يقال في غير الصحيح، وهذا الشرط فيما إذا كان يروي عن المدلسين أو المرسلين؛ لأن العنعنة في الصحيحين عن المدلسين أو المرسلين محمولة على الاتصال، وأما في غير الصحيحين سواء عند البخاري أو غيره فلا بد فيها من معرفة الاتصال؛ لأن الاشتراط في الصحة إنما هو في الصحيح وليس في خارج الصحيح، وأما إذا كان الشخص المعنعن ليس معروفاً بالتدليس ولا بالإرسال ففي الصحيحين وفي غير الصحيحين كله محمول على الاتصال، سواء في البخاري أو في غير البخاري، فإذا كان الشخص غير مدلس وغير مرسل، وروى عن شيخه بـ(عن)، فإنه محمول على الاتصال، وإنما الذي فيه إشكال هو من كان مدلساً أو مرسلاً، فمن كان معروفاً بالإرسال ومعروفاً بالتدليس، فهذا هو الذي يغتفر منه ما كان في الصحيحين، ولا يؤثر من ذلك ما كان في الصحيحين، ويؤثر ما كان في غير الصحيحين، سواء كان عند صاحبي الصحيحين أنفسهما أو غيرهما، وأما إذا كان الشخص الذي عنعن غير مدلس وغير مرسل فهذا محمول على الاتصال في الصحيحين وفي غير الصحيحين. فضل الصلاة في مسجد قباء السؤال: صلاة الركعتين بمسجد قباء بنية أجر العمرة، هل تجزي عن ركعتي السنة الراتبة إن كانت بعد صلاة المغرب؟ الجواب: الحديث الذي فيه ذكر العمرة ليس فيه ذكر ركعتين، وإنما جاء فيه: (من تطهر في بيته، ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان كأجر العمرة)، فيدخل في ذلك الفرض والنفل، فإذا جاء وصلى صلاة الفرض، فإنه صلى صلاة، ولو جاء ودخل المسجد وصلى صلاة سواء ركعتين أو أكثر، فيقال: إنه صلى صلاة، ولكن صلاة الركعتين جاءت في الحديث الذي في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى قباء كل سبت أحياناً راكباً وأحياناً ماشياً ويصلي فيه ركعتين)، وهذا غير هذا، فالحديث الذي فيه ذكر العمرة ليس فيه ذكر ركعتين، بل فيه ذكر الصلاة مطلقة؛ لأن قوله: (صلاة) يشمل الفرض والنفل. حكم تغطية المرأة وجهها عند الطواف السؤال: كيف تطوف المرأة بحضرة الرجال؟ وهل تغطي وجهها ولو لامس الغطاء وجهها؟ الجواب: المرأة تغطي وجهها عند الرجال سواء في الطواف أو في غير الطواف، ولو لامس الغطاء وجهها؛ لأنه ليس هناك مانع يمنع من ملامسة الغطاء لوجهها، وإنما هي ممنوعة من الانتقاب، وأما استعمال الخمار ولو لامس وجهها فليس به بأس. حكم أخذ المكافأة على الإجازة في القرآن السؤال: هل يجوز الاشتغال بإجازة القرآن الكريم علماً أن الحكومة عندنا في البلد سنت للمجاز في القرآن رفع درجته في عمله الوظيفي، فهل يجوز هذا؟ وما حكم أخذ الراتب الإضافي على هذه الدرجة؟ الجواب: السؤال غير واضح، وكون الإنسان يشتغل من أجل أن يحصل إجازة في القرآن في جودة قراءته، وأنه صار مجيداً للقراءة فيعطى مكافأة أكثر، هذا لا بأس به. كيف يعمل المسبوق في صلاة الجنازة السؤال: إذا كان الإنسان مسبوقاً في صلاة الجنازة بتكبيرتين أو ثلاث فكيف يقضي الصلاة وقد رفعت الجنازة؟ الجواب: إذا كان قد سبق في التكبيرات الثلاث فإنه يشتغل بالدعاء، ولا يشتغل بقراءة الفاتحة والصلاة على النبي ويترك الدعاء؛ لأن المقصود من صلاة الجنازة هو الدعاء، وإنما أتي بالحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن هذا من أسباب قبول الدعاء، فكون الدعاء يكون مسبوقاً بحمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا من أسباب قبوله، فقراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي تمهيداً للدعاء ليكون أرجى لقبوله، كما جاء في الحديث أن رجلاً دعا دعاءً لم يحمد الله ولم يصل على رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: (عجل هذا) أي: أنه ينبغي أن يسبق الدعاء شيء من الثناء على الله عز وجل والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا فاتته التكبيرات الثلاث، فإنه يشتغل بالدعاء ولا يشتغل بالوسيلة ويترك الغاية، وإنما يشتغل بالغاية التي هي المقصود من صلاة الجنازة للشفاعة للميت والدعاء له، وإذا سلم الإمام فيكون قد كبر معه تكبيرتين: التكبيرة الأولى التي أدركها، والتكبيرة التي قبل سلامه، ويبقى عليه تكبيرتان، فيكبرهما ولا يطيل، وإنما يقول: الله أكبر، اللهم اغفر له، ويسلم؛ لأن الجنازة لن تبقى أمامه حتى يقف للدعاء. حكم إخفاء الابن ماله عن والده السؤال: هل يجوز للابن أن يخفي ماله عن أبيه؟ الجواب: إذا كان والده قد سأله فلا ينبغي له أن يخفيه عنه، وأما إذا لم يسأله فليس بلازم أن يحدثه ويقول: عندي كذا أو دخل علي كذا، وأما إذا كان يسأله ويرغب أن يكون على علم، فينبغي له أن يخبره، إلا إذا كان هذا الوالد عنده تصرف ليس جيداً، بمعنى أنه يريد أن يستحوذ على ماله أو يريد أن يشغله عن ماله، فهذا ينبغي له أن يوري، ولا يأتي بشيء فيه كذب، ولا بشيء يغضب أباه، وإنما ينبغي له أن يطيب خاطره وأن يتكلم معه بالكلام الطيب وأن يوري، هذا إذا كان يخشى منه أن يشغله عن التصرف في ماله أو يأخذ ماله، وأما إذا لم يوجد هذا المحذور وسأله فينبغي له أن يخبره؛ لأنه قد يسره ذلك، ويفرح أنه يوجد عنده شيء من المال. حكم التصرف في الوقف السؤال: مجموعة من الشباب أوصوا واحداً من إخوانهم المسافرين للعمرة أن يأتي لهم بعدد من الأشرطة الدعوية، ففعل ذلك، ثم أراد هؤلاء الإخوة أن يسجلوا على هذه الأشرطة عدداً من الدروس العلمية والمحاضرات والشروحات، فهل لهم ذلك أم أن هذا يعد من الوقف الذي لا يتصرف فيه إلا بإذن من الواقف؟ الجواب: إذا كان صاحبها أوقفها وقال: إنه لا يتصرف فيها إلا بإذنه فيستأذن، وأما إذا كان لا يُعلم عنه أنه يمنع ذلك أو أنه يحتفظ بذلك فإنه لا بأس بذلك. حكم الاحتباء قبل الصلاة السؤال: هل النهي عن الاحتباء خاص بانتظار الصلاة يوم الجمعة أم أنه عام في انتظار كل صلاة؟ الجواب: الذي يبدو أنه يشمل الصلوات الأخرى؛ لأنه قد يكون سبباً في نقض الوضوء."
__________________
|
#910
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب الإمارة شرح سنن أبي داود [552] الحلقة (582) شرح سنن أبي داود [552] من الآداب التي ينبغي مراعاتها في المجالس: أن تعمر بذكر الله عز وجل والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، وعدم اغتياب الناس، وبعد انتهاء المجلس يستحب أن تقال كفارة المجلس لأجل ما قد يقع فيه من اللغو والكلام الباطل. كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله شرح حديث (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله. حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا إسماعيل بن زكريا عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله، أي: أن يكون ذلك المجلس الذي قام منه خالياً من ذكر الله، ولم يذكر الله عز وجل فيه، والمقصود من هذا: أن المجالس ينبغي ألا تكون خالية من ذكر الله، وينبغي أن تكون معمورة بذكر الله عز وجل، وألا تكون مجالس لهو وغفلة وسهو وليس فيها ذكر لله سبحانه وتعالى. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله عز وجل فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة). يعني: أن هذا الذي حصل في هذا المجلس وقاموا منه إنما مثلهم كمثل الذي قام عن جيفة حمار، أي: عن شيء منتن، وحصل في ذلك المجلس شيء خبيث غير طيب، وصار قيامهم عن ذلك المجلس كهذه الهيئة السيئة الخبيثة التي قاموا فيها عن مثل جيفة حمار. وقوله: (وكان عليهم حسرة) أي: ندامة، يعني: أنهم يندمون على ما حصل منهم في ذلك المجلس الذي عمر باللهو والغفلة، ولاسيما إذا عمر بالخوض والاشتغال والطعن في أعراض الناس، فإن ذلك يكون عليهم حسرة وندامة، ويكون شأنهم يوم القيامة أن يؤخذ من حسناتهم للذين أساءوا إليهم وتكلموا في أعراضهم، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المفلس: (المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وسفك دم هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم طرح في النار). فهذا يدل على أن المجالس لا يجوز أن تعمر وأن تشغل بالغيبة والنميمة والكلام الفاحش الساقط الهابط الذي ليس بشيء، وإنما تعمر المجالس بذكر الله عز وجل؛ لأنها إذا عمرت بذكر الله حضرتها الملائكة، وإذا عمرت بغير ذلك حضرتها الشياطين، وفرق بين حضور الملائكة وحضور الشياطين، فهذا في غاية الحسن وهذا في غاية السوء. تراجم رجال إسناد حديث (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه ...) قوله: [ حدثنا محمد بن الصباح البزاز ]. محمد بن الصباح البزاز ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا إسماعيل بن زكريا ]. هو إسماعيل بن زكريا الخلقاني ، وهو صدوق يخطئ قليلاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه ]. سهيل بن أبي صالح صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة، وروايته عند البخاري مقرونة، وأبوه أبو صالح ذكوان السمان ويقال: الزيات، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق فرضي الله عنه وأرضاه. وجه تشبيه المجلس الذي ليس فيه ذكر الله عز وجل بجيفة الحمار ووجه التشبيه بجيفة الحمار هو الخبث والنتن، وأن الذين لم يعمروا مجالسهم بذكر الله عز وجل، وعمروها بشيء آخر، شأنهم كشأن الذين قاموا عن جيفة حمار، أي: أن هذا مذموم وهذا مذموم، وإذا كان مجلسهم يتعلق بأعراض الناس فيكون معنى ذلك أنهم أكلوا لحوم الناس ونهشوا أعراضهم، وقاموا عن هذه الصورة السيئة الخبيثة وهي أنهم قاموا عن جيفة أو نتن جيفة حمار. وهذا الحديث يدل على أن المجالس المطلوب فيها والذي ينبغي فيها أن تعمر بذكر الله عز وجل وبما يناسب مما هو مباح، أما إذا عمرت بما هو محرم فإن ذلك يكون بهذه الصورة الذميمة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مشابهة تلك الجلسة أو ذلك الاجتماع بجيفة حمار، فالجيفة هي في حد ذاتها خبيثة، وإذا كانت جيفة حمار فهي أسوأ وأسوأ، وهذا يعني: أن هذا سوء فوق سوء، فهي جيفة، وجيفة حمار، كما يقال: حشف وسوء كيلة. شرح حديث (من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قعد مقعدا ًلم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة، ومن اضطجع مضجعاً لا يذكر الله فيه كان عليه من الله ترة) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من جلس مجلساً لا يذكر الله فيه كان عليه من الله ترة) ، والترة: هي النقص، أي: أنه يكون عليه نقص، كما قال الله عز وجل: وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد:35]، أي: لن ينقصكم؛ لأن الترة هي النقص، ومعنى ذلك: أنهم حصلوا على نقص، وحصلوا على ضرر، وكذلك أيضاً من اضطجع مضجعاً لا يذكر الله تعالى فيه كان عليه من الله ترة، أي: نقص، وهذا ذم وبيان لوء هذا الصنيع، وأن الإنسان في مجلسه يشتغل بذكر الله، أو لا يخلو مجلسه من ذكر الله عز وجل مع وجوب أن يخلو من الأمور المحرمة، وكذلك على الإنسان عندما يضطجع أن يذكر الله عز وجل، ولا يخلو ذلك الاضطجاع من ذكره لله سبحانه وتعالى حتى يكون له ذلك كمالاً وزيادةً في درجاته وحسناته، وإلا فإنه يكون نقصاً عليه. وقوله: (ومن اضطجع مضجعاً لا يذكر الله فيه كان عليه من الله ترة) أي: من اضطجع لأجل النوم، هذا هو المقصود، ويقصد به أيضاً الجلوس، فسواء كان مضطجعاً أو جالساً كل هذا يقال له: جلوس، ولكن الاضطجاع في الغالب يكون معه النوم، والمعنى: أن الإنسان حين يريد أن ينام ويضطجع لا يخلو ذلك الاضطجاع من ذكر الله سبحانه وتعالى. تراجم رجال إسناد حديث (من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة ...) قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عجلان ]. هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن، وقد ذكر في ترجمته أنه بقي في بطن أمه أربع سنوات، أي: حملت به أمه أربع سنين. [ عن سعيد المقبري ]. هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة قد مر ذكره. أهمية ذكر الله عز وجل في المجالس إذا كان هناك أناس جالسين في المجلس وأحدهم يقول: أستغفر الله وهم يسمعون، فإنهم يكونون مشتركين في هذا، ولكن لا ينبغي أن يكون الذي يذكر الله واحداً منهم وهم يغفلون عن الذكر؛ لأنه قد يكون هناك مجلس يجتمع فيه أناس وواحد منهم يذكر الله عز وجل والباقون ساهون لاهون، فكونه ذكر الله عز وجل لا يكفي عن سهوهم وعن غفلتهم ولهوهم، بل يذكرون الله عز وجل جميعاً. وإذا كان المجلس في أمر مباح فليس فيه شيء ولكن عند قيامهم يأتون بالذكر المشروع الذي هو كفارة المجلس، هذا هو الذي ينبغي أن يكون. كفارة المجلس شرح أثر عبد الله بن عمرو (كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كفارة المجلس. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو أن سعيد بن أبي هلال حدثه أن سعيد بن أبي سعيد المقبري حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: (كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلاث مرات إلا كفر بهن عنه، ولا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر إلا ختم له بهن عليه كما يختم بالخاتم على الصحيفة: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك) ]. أورد أبو داود باب كفارة المجلس، أي: الكلمات أو الذكر الذي يقال عند انتهاء المجلس ليكون ختاماً له، ليكون ختامه مسكاً، ويكون ختامه على وجه مشروع فيه اتباع للسنة التي أرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي الإتيان بهذا الذكر عند انتهاء المجلس، فإذا حصل فيه شيء من اللغو أو شيء مما لا ينبغي فيكون ذلك كفارة لما حصل. وأما إذا كان المجلس فيه كلام في أعراض الناس، فهذه حقوق للناس لا يكفي فيها أن يقول الإنسان هذا الذكر ويظن أن تلك الحقوق قد سقطت، وإنما هذا الذكر في الأمور التي يمكن أن تكون مكفرة لما يحصل من لغو في ذلك المجلس، وأما حقوق الناس فهذه بينه وبين الناس، فإذا طلب منهم المسامحة والعفو وعفوا عنه فإنه يكون بذلك قد سلم من التبعة؛ لكونهم سامحوه وأعفوه من ذلك الذي حصل، وإلا فإن مجرد القيام بكونه يأتي بهذا الذكر لا يسقط عنه حقوق الناس الذين ألحق بهم الأذى والذين نال منهم، بل هذا لا بد أن يكون بطلب المسامحة منهم. وقد أورد أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلاث مرات إلا كفر بهن عنه). الأحاديث وردت في الإتيان بهذا الذكر مرة واحدة، وهذا الحديث جاء فيه أنه يقولها ثلاث مرات، لكن الأحاديث الكثيرة والروايات المتعددة جاءت بأن الذكر يقال مرة واحدة، وقد صح الحديث بدون ذكر الثلاث، ولم يأت ذكر العدد إلا في هذا الموضع. وقوله: (أو لا يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر إلا ختم له بهن عليه كما يختم بالخاتم على الصحيفة). معنى ذلك: أن الصحيفة كلها خير، وأن المجلس معمور بالخير ثم جاءت هذه ختاماً له وصارت خيراً على خير، فإذا كان هناك مجلس حصل فيه لغو، وحصل فيه أمور لا تنبغي فإن هذا الذكر يكفرها، وإذا كان المجلس كله ذكر وخير، وليس فيه خطأ ولا سوء، فيكون هذا الذكر خيراً على خير، وتكون ختاماً لذلك الخير، وطابعاً على ذلك الخير. وقوله: (سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك). هذا ثناء على الله عز وجل وذكر له سبحانه وتعالى، ودعاء واستغفار؛ لأن الاستغفار دعاء، فجمع فيه بين الثناء عليه وتنزيهه سبحانه وتعالى، وبين توحيده والاعتراف بألوهيته، وبين الاستغفار الذي هو طلب المغفرة من الله عز وجل، فجمع بين هذه الأمور كلها في هذا الذكر المختصر الذي هو ذكر ودعاء. تراجم أثر عبد الله بن عمرو (كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه ...) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. أحمد بن صالح ثقة أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا ابن وهب ]. ابن وهب مر ذكره. [ قال: أخبرني عمرو ]. هو ابن الحارث المصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن سعيد بن أبي هلال ]. سعيد بن أبي هلال صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثه أن سعيد بن أبي سعيد المقبري حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]. سعيد بن أبي سعيد المقبري مر ذكره، و عبد الله بن عمرو بن العاص صحابي جليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وما ذكره عبد الله بن عمرو هنا ليس مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن له حكم الرفع؛ لأن مثل هذا لا يقال بالرأي. شرح حديث أبي هريرة في كفارة المجلس وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: قال عمرو : وحدثني بنحو ذلك عبد الرحمن بن أبي عمرو عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ]. أورد أبو داود هذا الحديث من طريق أخرى مرفوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مثل الذي قبله، والذي قبله له حكم الرفع، ولكن هذا فيه الرفع تصريحاً؛ لأنه أضافه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: مثله، يعني: المماثلة والمطابقة. قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: قال عمرو: وحدثني بنحو ذلك عبد الرحمن بن أبي عمرو ]. عبد الرحمن بن أبي عمرو مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي. [ عن المقبري عن أبي هريرة ]. المقبري وأبو هريرة تقدم ذكرهما. الإتيان بكفارة المجلس بعد مجالس الخير وغيرها البعض ينكر كفارة المجلس في مجالس العلم، بدليل أنهم لم يذنبوا حتى يستغفروا، وهذا غير صحيح؛ فإن الحديث الذي مر فيه أنه إذا أتي بكفارة المجلس في مجلس خير تكون خيراً على خير، وتكون كالطابع على الصحيفة، وعلى هذا فيؤتى بها في المجلس الذي هو مجلس ذكر وخير، ويؤتى بها في المجلس الذي هو مشوب بأمور أخرى. والذي يبدو أن كفارة المجلس يقولها كل من كان جالساً في المجلس. حكم كتابة كفارة المجلس على جدران المجالس كتابة كفارة المجلس في جدران المجالس ليتذكر الجالسون عند ختم المجلس هذا قد يكون فيه زيادة حجة على الإنسان؛ لأن هذا أمر موجود والناس مع ذلك يرونه ثم لا يطبقونه، فيكون ذلك أشد عليهم، ولكن على الناس أن يتفقهوا في الدين وأن يعرفوا الأحكام الشرعية وأن يتأدبوا بالآداب، ولا يكون الشأن أن تعلق تلك الأشياء ثم قد يراها الإنسان ويغفل عنها، فيكون ذلك زيادة حجة عليه. شرح حديث أبي برزة في كفارة المجلس قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن حاتم الجرجرائي و عثمان بن أبي شيبة المعنى أن عبدة بن سليمان أخبرهم عن الحجاج بن دينار عن أبي هاشم عن أبي العالية عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. فقال رجل: يا رسول الله! إنك لتقول قولاً ما كنت تقوله فيما مضى؟ فقال: كفارة لما يكون في المجلس) ]. أورد أبو داود حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه في كفارة المجلس، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في آخر أمره، ويدل هذا على أن ذلك إنما حصل من الرسول صلى الله عليه وسلم في أواخر أيامه، أو آخر أمره عليه الصلاة والسلام، وأن على الإنسان أن يحرص على اتباع هذا الأمر، وعلى الإتيان بهذا الذكر ليكون كفارة لما يحصل، ويكون زيادة خير فيما إذا كان ليس هناك شيء مكفر وإنما المجالس مجالس خير مثل مجالس ذكر العلم، فيكون ذلك زيادة خير على خير، ونور على نور. تراجم رجال إسناد حديث أبي برزة في كفارة المجلس قوله: [ حدثنا محمد بن حاتم الجرجرائي ]. محمد بن حاتم الجرجرائي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي. [ و عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ أن عبدة بن سليمان ]. عبدة بن سليمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرهم عن الحجاج بن دينار ]. الحجاج بن دينار لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج له أصحاب السنن. [ عن أبي هاشم ]. هو أبو هاشم الرماني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي العالية ]. هو أبو العالية رفيع الرياحي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي برزة الأسلمي ]. أبو برزة الأسلمي اسمه نضلة بن عبيد رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. حكم الإتيان بكفارة المجلس ذكر كفارة المجلس من الآداب ومن الأمور المستحبة، ولو لم يأت بها الإنسان فلا يقال: إنه يأثم أو إنه ترك أمراً واجباً. الإتيان بقول (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت ...) بعد الوضوء يقول الحافظ في تلخيص الحبير: روى النسائي في عمل اليوم والليلة و الحاكم في المستدرك من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ: (من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة) ، واختلف في وقفه ورفعه، وصحح النسائي الموقوف وضعف الحازمي الرواية المرفوعة.ا.هـ كلام الحافظ، وقال الألباني في إرواء الغليل (1/135): فائدة: يستحب أن يقول عقب الوضوء أيضاً: (سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك) وصححه في صحيح الجامع الصغير (6170-2059) وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة (5/438-440) رقم الحديث (2333). وسواء كان مرفوعاً أو موقوفاً فإنه يؤتى به، وما دام بهذا الوصف فله حكم الرفع؛ لأن مثل ذلك هذا لا يقال من قبل الرأي، فإذا كان الإسناد صحيحاً وأنه انتهى إلى الصحابي فسواء كان موقوفاً أو مرفوعاً فيؤُتى به؛ لأن هذا الموقوف له حكم الرفع، وعلى هذا يؤتى بهذا الذكر مع الذكر الآخر الذي ورد وهو الشهادة وقول: ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ). رفع الحديث من المجلس شرح حديث (لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئاً ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب رفع الحديث من المجلس. حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا الفريابي عن إسرائيل عن الوليد قال أبو داود: ونسبه لنا زهير بن حرب عن حسين بن محمد عن إسرائيل في هذا الحديث قال الوليد بن أبي هشام عن زيد بن زائد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئاً؛ فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة: باب رفع الحديث من المجلس، والمقصود من ذلك رفع الحديث عن الغير، وأن تكون المجالس خالية من الكلام في الغير بنميمة أو بغيبة أو ما إلى ذلك، هذا هو المقصود من رفع الحديث من المجلس. وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئاً)، بمعنى: أنه يتكلم فيه بشيء يسيء إليه، ويسيء رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الإبلاغ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام يحب أن يخرج وقلبه ليس فيه شيء على أحد من أصحابه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، لكن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده من هو متكلم فيه، وهو الوليد بن أبي هشام . تراجم رجال إسناد حديث ( لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئاً ...) قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ]. محمد بن يحيى بن فارس ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ حدثنا الفريابي ]. هو محمد بن يوسف الفريابي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن إسرائيل ]. هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الوليد قال أبو داود ونسبه لنا زهير بن حرب عن حسين بن محمد عن إسرائيل في هذا الحديث، قال الوليد بن أبي هشام ]. أي: أنه جاء في إسناد شيخه الأول بدون نسبة، أي: الوليد فقط، ولكن زهير بن حرب الذي هو أحد شيوخ أبي داود هو الذي نسبه، ثم ذكر الإسناد إلى إسرائيل وقال: إنه الوليد بن أبي هشام، و الوليد بن أبي هشام مستور، والمستور بمعنى مجهول الحال، أخرج له أبو داود و الترمذي . وزهير بن حرب أبو خيثمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي. [ عن حسين بن محمد ]. هو حسين بن محمد بن بهرام التميمي المروذي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن زيد بن زائد ]. زيد بن زائد مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي. [ عن عبد الله بن مسعود ]. هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه مقبول، والمقبول هو الذي يقبل حديثه إذا توبع وحصل له ما يعضده، وفيه أيضاً ذلك المستور الذي هو مجهول الحال؛ لأن المستور بمعنى مجهول الحال، وعلى هذا فالحديث ضعيف، ولكن كون المجالس تسلم من الكلام في الناس والاشتغال في أعراض الناس هذا أمر مطلوب. ونقل الحديث على وجه يكون فيه الإفساد هذا هو النميمة، وأما الغيبة فهي ذكر الإنسان في غيبته بما يكره، وكل منهما مذموم، النميمة والغيبة."
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 0 والزوار 8) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |