تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 91 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ألا إن سلعة الله غالية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          المولد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          النهي عن التشاؤم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          التقوى خير زاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          الحمد لله (3) حمد الله تعالى نفسه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          المؤمنون حقا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          عام دراسي أطل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          مواسمنا الإيمانية منهج استقامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          من أسباب النصر والتمكين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          اتق المحارم تكن أعبد الناس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #901  
قديم 22-02-2022, 10:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,292
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ (50) قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ (52)
شرح الكلمات:
ومنهم: أي من المنافقين وهو الجد بن قيس.
إئذن لي: أي في التخلف عن الجهاد.
ولا تفتني: أي لا توقعني في الفتنة بدعوى أنه إذا رأي نساء الروم لا يملك نفسه.
حسنة تسؤهم: الحسنة كل ما يحسن من نصر وغنيمة وعافية ومعنى تسؤهم أي يكربون لها ويحزنون.
قد أخذنا أمرنا من قبل: أي احتطنا للأمر ولذا لم نخرج معهم.
إحدى الحسنين: الأولى الظفر بالعدو والانتصار عليه والثانية الشهادة المورثة للجنة.
فتربصوا: أي انتظروا فإنا معكم من المنتظرين.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن المنافقين المتخلفين عن غزوة تبوك فيقول تعالى {ومنهم من يقول ائذن لي} أي في التخلف عن الجهاد، {ولا تفتني} بإلزامك لي بالخروج أي لا توقعني في الفتنة، فقد روى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له. هل لك في1 بلاد بني الأصفر؟ فقال إني مغرم بالنساء وأخشى إن رأيت نساء بني الأصفر2 (وهم الروم) لا أصبر عنهن فأفتن، والقائل هذا هو الجد بن قيس أحد زعماء المنافقين في المدينة فقال تعالى دعاء عليه ورداً لباطله: {ألا في الفتنة سقطوا} وأي فتنة أعظم من الشرك والنفاق؟ {وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} به وبأمثاله من أهل الكفر والنفاق، هذا ما دلت عليه الآية الأولى أما الآية الثانية (50) فقد تضمنت الكشف عما يقوله المنافقون في أنفسهم أنه إن تصب الرسول والمؤمنين حسنة من نصر أو غنيمة وكل حال حسنة يسؤهم ذلك أي يكربهم ويحزنهم، وإن تصبهم سيئة من هزيمة أو قتل وموت يقولوا فيما بينهم {قد أخذنا أمرنا} أي احتطنا للأمر فلم نخرج معهم {ويتولوا} راجعين إلى بيوتهم وأهليهم {وهم فرحون} . هذا ما تضمنته الآية التي هي قوله تعالى {إن تصبك حسنة3 تسؤهم، وان تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون} 4 أما الآيتان الثالثة والرابعة (51- 52) فقد علم الله سبحانه وتعالى رسوله ما يقوله إغاظة لأولئك المنافقين وإخباراً لهم بما يسؤهم فقال {قل لن يصيبنا} أي من حسنة أو سيئة إلا ما كتب الله5 لنا وما يكتبه ربنا لنا لن يكون إلا خيراً لأنه مولانا {وعلى الله فيلتوكل المؤمنون} ونحن مؤمنون وعلى
ربنا متوكلون، وقال له: {قل هل تربصون بنا} 6 أي هل تنتظرون بنا إلا إحدى الحسنيين: 7 النصر والظهور على أهل الشرك والكفر والنفاق أو الاستشهاد في سبيل الله، ثم النعيم المقيم في جوار رب العالمين وعليه {فتربصوا إنا معكم متربصون} 8، وسوف لا نشاهد إلا ما يسرنا ويسوءكم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- فضيحة الجد بن قيس وتسجيل اللعنة عليه وتبشيره بجهنم.
2- بيان فرح المنافقين والكافرين بما يسوء المسلمين، وبيان استيائهم لما يفرح المسلمين وهي علامة النفاق البارزة في كل منافق.
3- وجوب التوكل على الله وعدم الاهتمام بأقوال المنافقين.
4- بيان أن المؤمنين بين خيارين في جهادهم: النصر أو الشهادة.
5- مشروعية القول الذي يغيط العدو ويحزنه.
__________

1 في رواية ياجَدُّ هل لك في جلاد بني الأصفر لتتخذ منهم سراري ووصفاء فقال الجد الخ.
2 قيل: سمي الروم بني الأصفر: لأن الحبشة غزتهم وسبتهم فنشأ جيل أصفر اللون بين البياض والسواد، وهو اللون الأصفر.
3 {إن تصبك حسنة} جملة شرطية وجملة {تسؤهم} جواب وجزاء لها كما أن جملة {وإن تصبهم} شرط، والجزاء {يقولوا} الخ.
4 {ويتولوا} أي: راجعين إلى بيوتهم ومجالسهم وهم كافرون، فهم متولون في الحقيقة عن الإيمان {فرحون} أي: معجبون بنجاحهم المؤقت.
5 أي: في اللوح المحفوظ الذي هو كتاب المقادير، أو هو ما أخبرنا به كتابه القرآن الكريم مِن أنّا إمّا نظفر فيكون الظفر حسنى لنا وإمّا أن نقتل فتكون الشهادة حسنى لنا.
6 التربص: الانتظار، والاستفهام للتوبيخ.
7 الحسنيان: هما الغنيمة والشهادة.
8 {فتربصوا} هذا الأمر للتهديد والوعيد، كأنما يقول لهم: انتظروا مواعد الشيطان فإنا مُنتظرون مواعد الرحمن، وشتان بين ما ننتظر وما تنتظرون!!



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #902  
قديم 22-02-2022, 10:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,292
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (9)
الحلقة (459)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 379الى صــــ 384)


قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)
شرح الكلمات:
طوعاً أو كرهاً.: أي وأنتم طائعون أو أنتم مكرهون على الإنفاق.
إنكم كنتم قوماً فاسقين: الجملة علة لعدم قبول نفقاتهم.
كسالى: متثاقلون لعدم إيمانهم في الباطن بفائدة الصلاة.
فلا تعجبك أموالهم: أي لا تستحسنوا أيها المسلمون ما عند المنافقين من مال وولد.
وتزهق أنفسهم: أي تفيض وتخرج من أجسامهم.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تعليم الله تعالى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف يرد على المنافقين فقال له قل لهم أيها الرسول {انفقوا} 1 حال كونكم طائعين أو مكرهين {لن يتقبل منكم} ، أي أخبرهم أن ما ينفقونه في هذا الخروج إلى تبوك وفي غيره سواء أنفقوه باختيارهم أو كانوا مكرهين عليه لن يتقبله الله منهم لأنهم2 كانوا قوماً فاسقين بكفرهم بالله وبرسوله وخروجهم عن طاعتهما. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (53) أما الآية الثانية (54) فقد أخبر تعالى عن الأسباب الرئيسية التي حالت دون قبول نفقاتهم وهى أولاً الكفر بالله وبرسوله، وثانياً إتيانهم الصلاة وهم كسالى كارهون، وثالثاً كراهيتهم الشديدة لما ينفقونه قال تعالى {وما منعهم3 أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى4 ولا ينفقون إلا وهم كارهون} 5 هذا ما تضمنته الآية الثانية أما الآية الثالثة (55) فإن الله تعالى ينهى رسوله والمؤمنين عن أن تعجبهم أموالهم وأولادهم مهما بلغت في الكثرة والحسن فيقول {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم} أي لا تستحسنوها ولا تخبروهم بذلك. وبين تعالى لرسوله علة إعطائهم ذلك وتكثيره لهم فقال {إنما يريد الله ليعذبهم6 بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون} ووجه تعذيبهم بها في الحياة الدنيا أن ما ينفقونه من المال في الزكاة والجهاد يشعرون معه بألم لا نظير له لأنه إنفاق يعتبرونه ضدهم وليس في صالحهم إذ لا يريدون نصر الإسلام ولا ظهوره، وأما أولادهم فالتعذيب بهم هو أنهم يشاهدونهم يدخلون في الإسلام ويعملون به ولا يستطيعون أن يردوهم عن ذلك، أيّ ألَمٌ نفسي أكبر من أن يكفر ولد الرجل بدينه ويدين بآخر من شروطه أن يبغض الكافر به ولو كان أباً أو أماً أو أخاً أو أختاً أو أقرب قريب؟ وزيادة على هذا يموتون وهم كافرون فينتقلون من عذاب إلى عذاب أشد، وبهذا سلى الرب تعالى رسوله والمؤمنين بيان علة ما أعطى المنافقين من مال وولد ليعذبهم بذلك لا ليسعدهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير مبدأ أن الرياء مبطلة للعمل كالشرك محبط للعمل7.
2- إطلاق الفسق على الكفر فكل كافر فاسق على الإطلاق.
3- حرمة التكاسل في الصلاة وأن ذلك من صفات المنافقين.
4- وجوب رضا النفس بما ينفق العبد في سبيل الله زكاة أو غيرها.
5- كراهية استحسان المسلم لِمَا عند أهل الفسق والنفاق من مال ومتاع.
__________

1 روي أن هذه الآية نزلت في الجد بن قيس إذ هو الذي قال للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إئذن لي في القعود عن الخروج إلى قتال الروم وهذا مالي أعينك به والأمر في قوله: {انفقوا} للتسوية أي: انفقوا أولا تنفقوا فكلا الأمرين سواء، في عدم قبول ما تنفقون.
2 الجملة تعليلية أي: قوله: {لن يتقبل منكم} الخ ذكرت تعليلاً لعدم قبول ما ينفقون.
3 هذا بيان للتعليل السابق في عدم قبول نفقاتهم مع ذكر أسباب أخرى حالت دون قبول ما ينفقون.
4 قال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا كان في جماعة صلى وإذا انفرد لم يصل. أي: المنافق لأنه لا يرجو على الصلاة ثواباً، ولا يخشى على تركها عقاباً وهذا منشأ الكسل في الصلاة وغيرها من سائر العبادات.
5 هنا مسألتان: الأولى: أنّ من مات على الكفر لا ينفعه ما عمله في الدنيا من خير إلاّ انه يخفف عنه العذاب لحديث أبي طالب، وأنه في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه. كما أنه قد يكون سبباً في سعة رزقه في الدنيا للحديث، وأما الكافر فيطعم. الثانية أن من أسلم منهم يثاب على ما عمله من الخير أيام كفره.
6 فعل الإرادة يعني بنفسه تقول: أردت خيراً، وعدي هنا بللام لأجل التعليل كقول الشاعر:
أريد لأنسي حبها فكأنما ... تمثل لي ليلي بكل مكان
7 لقوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك} الآية، وقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عبد الله بن جدعان وقد قالت له عائشة رضي الله عنها يا رسول الله أن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال: "لا ينفعه لأنه لم يقل يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين" رواه مسلم.

****************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #903  
قديم 22-02-2022, 10:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,292
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)
شرح الكلمات:
وما هم منكم: أي في باطن الأمر لأنهم كافرون ووجوههم وقلوبهم مع الكافرين.
يفرقون: أي يخافون خوفاً شديداً منكم.
ملجأ: أي مكانا ًحصيناً يلجأون إليه.
أو مغارات: جمع مغارة وهي الغار في الجبل.
أو مدخلاً: أي سرباً في الأرض يستتر فيه الخائف الهارب.
يجمحون: يسرعون سرعة تتعذر مقاومتها وإيقافها.
يلمزك: أي يعيبك في شأن توزيعها ويطعن فيك.
إذا هم يسخطون: أي غير راضين.
حسبنا الله: أي كافينا الله كل ما يهمنا.
إلى الله راغبون: إلى الله وحده راغبون أي طامعون راجون.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في هتك أستار المنافقين وإظهار عيوبهم وكشف عوراتهم ليتوب منهم من أكرمه الله بالتوبة فقال تعالى عنهم {ويحلفون بالله إنهم لمنكم} 1 أي من أهل ملتكم ودينكم، {وما هم منكم} أي في واقع الأمر إذ هم كفار منافقون {ولكنهم قوم يفرقون} أي يخافون منكم خوفاً شديداً فلذا يحلفون لكم إنهم منكم لتؤمنوهم على أرواحهم وأموالهم، ولبيان شدة فرقهم منكم وخوفهم من سيوفكم قال تعالى: {لو يجدون ملجأ} 2 أي حصناً {أو مغارات} أي غيراناً في جبال {أو مدخلاً} 3 أي سرباً في الأرض {لولوا} أي أدبروا إليها {وهم يجمحون} 4 أي مسرعين ليتمنعوا منكم. هذا ما دلت عليه الآية الأولى والثانية أما الآية الثالثة والرابعة (58- 59) فقد أخبر تعالى أن من المنافقين من يلمز الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي يطعن فيه ويعيبه في شأن قسمة الصادقات وتوزيعها فيتهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه لا يعدل في القسمة فقال تعالى {ومنهم من يلمزك5 في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا} أي عن الرسول وقسمته {وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} هذا ما تضمنته الآية (58) وأما الآية الأخيرة (59) فقد أرشدهم الله تعالى إلى ما كان ينبغي أن يكونوا عليه فقال عز وجل {ولو أنهم رضوا6 ما أتاهم الله ورسوله} ، أي من الصدقات {وقالوا حسبنا الله} أي كافينا الله {سيؤتينا الله من فضله} الواسع العظيم ورسوله بما يقسم علينا ويوزعه بيننا {إنا إلى الله} وحده {راغبون} طامعون راجعون أي لكان خيراً لهم وأدْرَكَ لحاجتهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:.
1- الأَيمان الكاذب شعار المنافقين وفي الحديث آية المنافق ثلاث: (إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أتمن خان) .
2- الجبن والخور والضعف والخوف من لوازم الكفر والنفاق.
3- عيب الصالحين والطعن فيهم ظاهرة دالة على فساد قلوب ونيات من يفعل ذلك.
4- مظاهر الرحمة الإلهية تتجلى في إرشاد المنافقين إلى أحسن ما يكونوا عليه ليكملوا ويسعدوا في الدارين.
5- لا كافي إلا الله، ووجوب انحصار الرغبة فيه تعالى وحده دون سواه.
__________

1 لأنهم يتخذون أيمانهم الكاذبة وقاية يتقون بها ما يخافونه من بطش المؤمنين بهم إذا عرفوا أنهم كافرون كما قال تعالى من سورتهم {اتخذوا أيمانهم جنّة} .
2 الملجأ مكان اللجأ يقال لجأت إلى كذا: إذا أويت إليه واعتصمت به وألجأت أمري إليه أي: أسندته.
3 المدخل: مفتعل اسم كان للإدّخال الذي هو افتعال من الدخول قلبت فيه تاء الافتعال دالاً لوقوعها بعد الدال فصارت مدخلاً بدل متدخل، ونظيره. إدّان أصلها إتدان، وقرأها يعقوب وحده أو مدخلاً بفتح الميم وإسكان الدال اسم مكان هي دخل.
4 الجموح: نفور في إسراع.
5 روي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطى بعض رعاة الغنم شيئاً لفقرهم فطعن أبو الحواظ المنافق فقال: ما هو بالعدل كيف يضع صدقاتكم في رعاء الغنم إعانة لهم. كما أنّ ذا الخويصرة التميمي واسمه حرفوص بن زهير وهو أصل الخوارج قال للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اعدل يا رسول الله فقال له: "ويلك ومَن يعدل إذا لم اعدل" فنزلت الآية وقال عمر دعني أضرب عنقه يا رسول الله فقال رسول الله: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي".
6 جواب لو محذوف تقديره: لكان خيراً لهم، وهو مذكور في التسفير في آخر الحديث.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #904  
قديم 22-02-2022, 10:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,292
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (10)
الحلقة (460)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 384الى صــــ 389)


إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)
شرح الكلمات:
الصدقات: جمع صدقة وهي هنا الزكاة المفروضة في الأموال.
للفقراء: جمع فقير وهو من ليس له ما يكفيه من القوت ولا يسأل الناس.
والمساكين: جمع مسكين وهو فقير ليس له ما يكفيه ويسأل الناس ويذل نفسه السؤال.
والعاملين عليها: أي على جمعها وجابتها وهم الموظفون لها.
والمؤلفة قلوبهم: هم أناس يرجى إسلامهم أو بقاؤهم عليه إن كانوا قد أسلموا وهم ذوو شأن وخطر ينفع الله بهم إن أسلموا وحسن إسلامهم.
وفي الرقاب: أي في فك الرقاب أي تحريرها من الرق، فيعطى المكاتبون ما يسددون به نجوم أو أقساط كتابتهم.
وفي سبيل الله: أي الجهاد لإعداد العدة وتزويد المجاهدين بما يلزمهم من نفقة.
وابن السبيل: أي المسافر المنقطع عن بلاده ولو كان غنياً ببلاده.
فريضة من الله: أي فرضها أدته تعالى فريضة على عباده المؤمنين.
معنى الآية الكريمة:
بمناسبة لمز المنافقين الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والطعن في قسمته الصدقات بين تعالى في هذه الآية الكريمة أهل الصدقات المختصين بها والمراد بالصدقات الزكوات وصدقة التطوع
فقال عز وجل {إنما الصدقات} محصورة في الأصناف الثمانية التي تذكر وهم:
(1) الفقراء1 وهم المؤمنون الذين لا يجدون ما يسد حاجتهم الضرورية من طعام وشراب وكساء ومأوى.
(2) المساكين2 وهم الفقراء الذين لا يجدون ما يسد حاجتهم ولم يتعففوا3 فكانوا يسألون الناس ويظهرون المسكنة4 لهم والحاجة.
(3) الموظفين فيها من سعاة جباة وأمناء وكتاب وموزعين يعطون على عملهم فيها أجرة أمثالهم في العمل الحكومي.
(4) المؤلفة قلوبهم وهم من يرجى نفعهم للإسلام والمسلمين لمناصبهم وشوكتهم في أقوامهم، فيعطون من الزكاة تأليفاً أي جمعاً لقلوبهم على الإسلام ومحبته ونصرته ونصرة أهله، وقد يكون أحدهم يسلم بعد فيعطى ترغيباً له في الإسلام، وقد يكون مسلماً لكنه ضعيف الإسلام فيعطى تثبيتاً له وتقوية على الإسلام.
(5) في الرقاب وهو مساعدة المكاتبين على تسديد أقساطهم ليتحرروا أما شراء عبد بالزكاة وتحريره فلا يجوز لأنه يعود بالنفع على دافع الزكاة لأن ولاء المعتوق له.
(6) الغارمين جمع غارم وهو من ترتبت عليه ديون بسبب ما أنفقه في طاعة الله تعالى على نفسه وعائلته، ولم يكن لديه مال لا نقد ولا عرض يسدد به ديونه.
(7) في سبيل الله وهو تجهيز الغزاة والإنفاق عليهم تسليحاً وإركاباً وطعاماً ولباساً.
(8) ابن السبيل وهم المسافرون ينزلون ببلد وتنتهي نفقتهم فيحتاجون فيعطون من الزكاة ولو كانوا أغنياء ببلادهم.
وقوله تعالى {فريضة من الله} 5 أي هذه الصدقات وقسمتها على هذا النحو جعله الله تعالى فريضة لازمة على عباده المؤمنين. وقوله {والله عليم} أي بخلقه وأحوالهم {حكيم} في شرعه وقسمته، فلذا لا يجوز أبداً مخالفة هذه القسمة فلا يدخل أحد فيعطى من الزكاة وهو غير مذكور في هذه الآية وليس شرطاً أن يعطى كل الأصناف فقد يعطى المرء زكاته كلها في الجهاد أو في الفقراء والمساكين، أو في الغارمين أو المكاتبين وتجزئة وإن كان الأولى أن يقسمها بين الأصناف المذكورة من وجد منها، إذ قد لا توجد كلها في وقت واحد.
هداية الآية
من هداية الآية.:
1- تقرير فرضية الزكاة.
2- بيان مصارف الزكاة.
3- وجوب التسليم لله تعالى في قسمته بعدم محاولة الخروج عنها.
4- إثبات صفات الله تعالى وهي هنا: العلم والحكمة، ومتى كان الله تعالى عليماً بخلقه وحاجاتهم حكيماً في تصرفه وشرعه وجب التسليم لأمره والخضوع له بالطاعة والانقياد.
__________

1 قيل: الفقير هو صفة مشبهة من الفقر أي المتصف بالفقر وهو: عدم امتلاك ما به الكفافة لحاجته المعاشية وضده الغنى، والمسكين: ذو المسكنة وهي المذلة التي تحصل بسبب الفقر، والفقير والمسكين يغني ذكر أحدهما عن الآخر، أمّا إذا ذكراً معاً فلكلّ واحد حقيقة كما تقدم، وفي أيّهما أشدّ فقراً خلاف، وأحسن ما قيل هو أن الفقير هو الذي له بعض ما يكفيه ويقيمه، والمسكين: الذي لا شيء له.
2 قال القرطبي: فائدة الخلاف في الفقراء والمساكين تظهر فيمن أوصى بثلث ماله لفلان وللفقراء والمساكين فمن قال هما صنف واحد يكون الثلث الموصى به نصفه لفلان ونصفه الآخر للفقراء، ومن قال: هما صنفان يقسم الثلث الموصى به بينهم أثلاثاً.
3 اختلف في حالة الفقر التي يصح للفقير أن يأخذ معها الزكاة، فمن قائل إن لم يكن له مائتا درهم جاز له أخذ الزكاة، ومن قائل: خمسون درهماً ومن قائل: أربعون درهماً. ومن قائل: من كان قوياً على الكسب لقوة بدنه فلا يعطى الزكاة لحديث: "لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرّة سوي".
4 ورد الوعيد الشديد فيمن يطلب الصدقة وهو غني عنها من ذلك قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار" رواه أبو داود. قالت العلماء: إن الذي له شبع يوم وليلة لا يحل له أن يسأل. اختلف في نقل الزكاة من بلد إلى بلد، والراجح: الجواز لضرورة الفقر وشدته.
5 {فريضة} منصوب على المصدر المؤكد إذ تقدير الكلام: إنما فرض الله الصدقات للفقراء والمساكين الخ.. فريضة منه تعالى وهو العليم بخلقه الحكيم في تدبيره وصنعه.

*************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #905  
قديم 22-02-2022, 10:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,292
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)
شرح الكلمات.
يؤذون النبي: أي الرسول محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والأذى المكروه يصيب الإنسان كثيراً أو يسيراً.
هو أذن: أي يسمع من كل من يقول له ويحدثه وهذا من الأذى.
قل أذن خير لكم: أي هو يسمع من كل من يقول له لا يتكبر ولكن لا يقر إلا الحق ولا يقبل إلا الخير والمعروف فهو إذن خير لكم لا إذن شر مثلكم أيها المنافقون.
ويؤمن للمؤمنين: أي يصدق المؤمنين الصادقين من المهاجرين والأنصار أما غيرهم فإنه وإن يسمع منهم لا يصدقهم لأنهم كذبة فجرة.
والله.: أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه.
من يُحادد الله ورسوله: أي يعاديهما، ويقف دائماً في حدّ وهما في حد فلا ولاء ولا موالاة أي لا محبة ولا نصرة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في هتك أستار المنافقين وبيان فضائحهم قال تعالى: {ومنهم 1 الذين يؤذون النبي} أي من المنافقين أفراد يؤذون النبي بالطعن فيه وعيبه بما هو براء منه، ويبين تعالى بعض ذلك الأذى فقال {ويقولون هو أذن} أي يسمع كل ما يقال له، وحاشاه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقر سماع الباطل أو الشر أو الفساد، وإنما يسمع ما كان خيراً ولو كان من منافق يكذب ويحسن القول. وأمر الله تعالى رسوله أن يرد عليهم بقوله {قل أذن خير2 لكم} يسمع ما فيه خير لكم، ولا يسمع ما هو شر لكم. إنه لما كان لا يواجههم بسوء صنيعهم، وقبح أعمالهم حملهم هذا الجميل والإحسان على أن قالوا: {هو أذن} طعناً فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعيباً له. وقوله تعالى {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} هذا من جملة ما أمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول للمنافقين رداً على باطلهم. أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤمن بالله رباً وإلهاً، {ويؤمن للمؤمنين} أي بصدقهم فيما يقولون وهذا من خيريّته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله {ورحمة3 للذين آمنوا منكم} أيضاً من خيريّته فهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمة لمن آمن به واتبع النور الذي جاء به فكمل عليه وسعد به في حياتيه. وقوله تعالى {والذين يؤذون رسول الله} أي بأي نوع من الأذى قل أو كثر توعدهم الله تعالى بقوله {لهم عذاب أليم} وهو لا محالة نازل بهم وهم ذائقوه حتماً هذا ما دلت عليه الآية الأولى (61) أما الآية الثانية (62) فقد أخبر تعالى عن المنافقين أنهم يحلفون للمؤمنين بأنهم ما طعنوا في الرسول ولا قالوا فيه شيئاً يريدون بذلك إرضاء المؤمنين حتى لا يبطشوا بهم انتقاماً لكرامة نبيهم قال تعالى {يحلفون بالله4 لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق5 أن يرضوه إن كانوا مؤمنين} أي فبدل أن يرضوا المؤمنين كان الواجب أن يرضوا الله تعالى بالتوبة إليه ويرضوا الرسول بالإيمان ومتابعته إن كانوا كما يزعمون أنهم مؤمنون.
وقوله في الآية الثالثة (63) {ألم يعلموا6 أنه من يحادد الله ورسوله} أي يشاقهما ويعاديهما فإن له جزاء عدائه ومحاربته نار جهنم خالداً فيها {ذلك الخزي العظيم} أي كونه في نار جهنم خالداً فيها لا يخرج منها هو الخزي العظيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- حرمة أذية رسول الله بأي وجه من الوجوه.
2- كون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رحمة للمؤمنين دعوة للإيمان والإسلام.
3- توعد الله تعالى من يؤذى رسوله بالعذاب الأليم دليل على كفر من يؤذي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
4- بيان كذب المنافقين وجبنهم حيث يحلفون7 للمؤمنين أنهم ما طعنوا في الرسول وقد طعنوا بالفعل، وإنما حلفهم الكاذب يدفعون به غضب المؤمنين والانتقام منهم.
5- وجوب طلب رضا الله تعالى بفعل محابه وترك مساخطه.
6- ترعد من يحادد الله ورسوله بالعذاب الأليم.
__________

1 قيل هذه الآية نزلت في عتاب بن قشير إذ قال: إنما محمد أذن يقبل كل ما قيل له. وقيل: نزلت في نبتل بن الحارث الذي قال فيه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أراد أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث" وكان ماكراً خبيثاً مشوّه الخلقة.
2 قرىء بالرفع والتنوين {أذنٌ خيرٌ لكم} قرأ الجمهور بالإضافة {أذن خيرٍ} .
3 أي: وهو رحمة. على أنّ رحمة: خبر لمبتدأ محذوف وقرىء: ورحمةٍ بالجر عطفا على {خيرٍ لكم} وفيه بُعدٌ كبير.
4 روي أنّ نفراً من المنافقين منهم الجلاس بين سويد ووديعة بن ثابت فقالوا: إن كان ما يقول محمد حقاً لنحن شرّ من الحمير وبينهم غلام فغضب لقولهم هذا وأخبر به الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكذبوه في قوله فأنزل الله تعالى هذه الآية: {سيحلفون بالله لكم..} الخ.
5 قال سيبويه: تقدير الكلام، والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه ثم حذف طلباً للإيجاز كما قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف
والحامل على هذا التقدير لأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يرض بقول الرجل: ما شاء الله وشئت فقال له: "قل ما شاء الله وحده" لأنّ العطف بالواو لا يقتضي الترتيب.
6 الاستفهام للإنكار والتوبيخ والمعنى: ألم يعلموا شأناً عظيماً هو من يجادل الله ورسوله له نار جهنم، والسحادة، المعاداة والمشاقة كأنّ كل واحد واقف في حدّ لا يتصل بالآخر، والفاء في {فأن له} لربط جواب شرط {من} وأعيدت أنّ في الجواب لتوكيد أنّ المذكورة قبل الشرط توكيداً لفظياً.
7 في الآية دليل جواز الحلف بالله وعدم جواز الحلف بغيره لقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "من حلف فليحلف بالله أو ليصمت ومن حلف له فليصدق".

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #906  
قديم 22-02-2022, 10:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,292
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (11)
الحلقة (461)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 389الى صــــ 395)


يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ (66)
شرح الكلمات:
يحذر المنافقون: أي يخافون ويحترسون.
تنزَّل عليهم سورة: أي في شأنهم فتفضحهم بإظهار عيبهم.
تنبّئهم بما في قلوبهم: أي تخبرهم بما يضمرونه في نفوسهم.
قل استهزئوا: الأمر هنا للتهديد.
مخرج ما تحذرون: أي مخرجه من نفوسكم مظهره للناس أجمعين.
نخوض ونلعب: أي نخوض في الحديث على عادتنا ونلعب لا نريد سباً ولا طعناً.
تستهزئون: أي تسخرون وتحتقرون.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن المنافقين لكشف الستار عنهم وإظهارهم على حقيقتهم ليتوب منهم من تاب الله عليه قال تعالى مخبراً عنهم {يحذر1 المنافقون أن تنزّل عليهم2 سورة تنبئّهم بما في قلوبهم} أي يخشى المنافقون أن تنزل في شأنهم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {سورة تنبئههم} أي تخبرهم بما في قلوبهم فتفضحهم، ولذا سميت هذه السورة بالفاضحة3 وقوله تعالى لرسوله {قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون} يهددهم تعالى بأن الله مخرج ما يحذرون إخراجه وظهوره مما يقولونه في خلواتهم من الطعن في الإسلام وأهله. وقوله تعالى {ولئن سألتهم} أي عما قالوا من الباطل. لقالوا {إنما كنا نخوض ونلعب4} لا غير. قل لهم يا رسولنا {أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون} وذلك أن نفراً من المنافقين في غزوة تبوك قالوا في مجلس لهم: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أحذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء! فبلغ ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونزلت هذه الآيات: وجاءوا يعتذرون لرسوله الله فأنزل الله {لا تعتذروا5 قد كفرتم بعد إيمانكم} أي الذي كنتم تدعونه، لأن الاستهزاء بالله والرسول والكتاب كفر مخرج من الملة، وقوله تعالى {إن
نعف عن طائفة منكم} لأنهم يتوبون كمخشي بن حمير6، {نعذب طائفة} أخرى لأنهم لا يتوبون وقوله تعالى {بأنهم كانوا مجرمين} علة للحكم بعذابهم وهو إجرامهم بالكفر والاستهزاء بالمؤمنين إذ من جملة ما قالوه: قولهم في الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يظن هذا يشيرون إلى النبي وهم سائرون يفتح قصور الشام وحصونها فأطلع الله نبيه عليهم فدعاهم فجاءوا واعتذروا بقولهم إنا كنا نخوض7 أي في الحديث ونلعب تقصيراً للوقت، ودفعاً للملل عنا والسآمة فأنزل تعالى {قل أبالله} الآية.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- الكشف عن مدى ما كان يعيش عليه المنافقون من الحذر والخوف.
2- كفر من استهزأ بالله أو آياته أو رسوله.
3- لا يقبل اعتذار 8من كفر بأي وجه وإنما التوبة أو السيف فيقتل كفراً.
4- مصداق ما أخبر به تعالى من أنه سيعذب طائفة فقد هلك عشرة بداء الدبيلة "خراج يخرج من الظهر وينفذ ألمه إلى الصدر فيهلك صاحبه حتماً".
__________

1 يروى أن أحد المنافقين قال: والله وددت لو أني قُدّمت فجُلدت مائة ولا ينزل فينا شيء يفضحنا فنزلت الآية: {يحذر المنافقون..} وهي خبر وإن قال بعضهم هي إنشاء بمعنى: ليحذر المنافقون.
2 معلوم أن القرآن ينزل على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله: {عليهم} بمعنى المؤمنين لأنهم والرسول في جانب والمنافقون في آخر، فصحّ أن يقال: تنزل على المؤمنين، والرسول معهم، وهو المختص بالوحي.
3 وسميت أيضاً: المثيرة، والمبعثرة، والحفارة لأنها أثارت كامن المنافقين وبعثرته وحفرت ما في قلوبهم وأخرجته.
4 ذكر الطبري أنّ قائل هذه المقالة: وديعة بن ثابت قال ابن عمر: رأيته معلقاً بحقب ناقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يماشيها والحجارة تنكبه وهو يقول: إنّما كنّا نخوض ونلعب والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون.
5 {لا تعتذروا} نهاهم عن الاعتذار لأنه غير نافع لهم ولا مجدٍ واعتذر بمعنى: أعذر أي صار ذا عذر، والاعتذار محو أثر الموجدة أو هو القطع، أي قطع ما في القلب من الموجدة، ومنه قيل: عدرة الغلام: وهو ما يقطع منه عند الختان.
6 هو مخشي بن حمير الأشجعي وقد تاب عند سماعه هذه الآية وحسن إسلامه.
7 الخوص: الدخول في الماء، نم استعمل في كل دخول فيه تلويث وأذى.
8 اختلف العلماء في الهزل في سائر الأحكام كالبيع والنكاح والطلاق على ثلاثة أقوال لا يلزم مطلقاً، يلزم مطلقاً، التفرقة بين البيع وغيره، وهدا الراجح، لأنّ النكاح والطلاق والعتاق ورد فيها النص من السنة لحديث الترمذي وحسنه مع وصفه بالغرابة وبه العمل عد جماهير الصحابة والتابعين والفقهاء وهو: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة" وحديث الموطأ: "ثلاث ليس فيهن لعب: النكاح والطلاق والعتق".

******************************


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #907  
قديم 22-02-2022, 10:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,292
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)

شرح الكلمات:
المنافقون: أي الذين يظهرون للمؤمنين الإيمان بألسنتهم ويسترون الكفر في قلوبهم.
بعضهم هن بعض1: أي متشابهون في اعتقادهم وقولهم وعملهم فأمرهم واحد.
بالمنكر: أي ما ينكره الشرع لضرره أو قبحه وهو الكفر بالله ورسوله.
عن المعروف: أي ما عرفه الشرع نافعاً فأمر به من الإيمان والعمل الصالح.
يقبضون أيديهم: أي يمسكونها عن الإنفاق في سبيل الله.
نسوا الله فنسيهم: أي تركوا الله فلم يؤمنوا به وبرسوله فتركهم وحرمهم من توفيقه وهدايته.
عذاب مقيم: أي دائم لا يزول ولا يبيد.
بخلاقهم: أي بنصيبهم وحظهم من الدنيا.
وخضتم: أي في الكذب والباطل.
والمؤتفكات: أي المنقلبات حيث صار عاليها سافلها وهي ثلاث مدن1.
بالبينات: الآيات الدالة على صدقهم في رسالاتهم إليهم.
معنى الآيات:
ما زال السياق في هتك استار المنافقين وبيان فضائحهم لعلهم يتوبون. قال تعالى {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض} أي كأبعاض الشيء الواحد وذلك لأن أمرهم واحد لا يختلف بعضهم عن بعض في المعتقد والقول والعمل بيّن تعالى حالهم بقوله {يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف} وهذا دليل على انتكاسهم وفساد قلوبهم وعقولهم، إذ هذا عكس ما يأمر به العقلاء، والمراد من المنكر الذي يأمرون به هو الكفر والعصيان، والمعروف الذي ينهون عنه هو الإيمان بالله ورسوله وطاعتهما. وقوله تعالى {ويقبضون أيديهم} كناية عن الإمساك وعدم البذل في الإنفاق في سبيل الله 2. وقوله {نسوا الله} فلم يؤمنوا به ولم يؤمنوا برسوله ولم يطيعوا الله ورسوله {فنسيهم} الله بأن تركهم محرومين من كل هداية ورحمة ولطف. وقوله {إن المنافقين هم الفاسقون} نقرير لمعنى {نسوا الله فنسيهم} ، إذ كفرهم بالله وبرسوله هو الذي حرمهم هداية الله تعالى ففسقوا سائر أنواع الفسق فكانوا هم الفاسقين الجديرين بهذا الوصف وهو الفسق والتوغل فيه. وقوله تعالى في الآية (68) {وعد3 الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم} 4 أي كافيهم {ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم} أي دائم لا يزول ولا يبيد ولا يفنى فقد حملت هذه الآية أشد وعيد لأهل النفاق والكفر إذ توعدهم الرب تعالى بنار جهنم خالدين فيها وبالعذاب المقيم الذي لا يبارحهم ولا يتركهم لحظة أبد الأبد وذلك بعد أن لعنهم الله فأبعدهم وأسحقهم من كل رحمة وخير. وفي الآية الثالثة (69) يأمر تعالى رسوله أن يقول للمنافقين المستهزئين بالله وآياته ورسوله؟ أنتم أيها المنافقون كأولئك الذين كانوا من قبلكم في الاغترار بالمال والولد والكفر بالله والتكذيب لرسله حتى نزل بهم عذاب الله ومضت فيهم سنته في إهلاكهم هذا ما تضمنته الآية الكريمة إذ قال تعالى {كالذين من قبلكم6 كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا بخلاقهم} أي بنصيبهم الذي كتب لهم في الدنيا {فأستمتعتم بخلاقكم} أي بما كتب لكم في هذه الحياة الدنيا {كما استمتع الذين من قبلكم} أي سواء بسواء {وخضتم} في الباطل والشر وبالكفر والتكذيب {كالذي خاضوا7} أي كخوضهم سواء بسواء أولئك الهالكون {حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة} أي تلاشت وذهبت ولم ينتفعوا منها بشيء، {وأولئك هم الخاسرون} . وبما أنكم أيها المنافقون تسيرون على منهجهم في الكفر والتكذيب والاغترار بالمال والولد فسوف يكون مصيركم كمصيرهم وهو الخسران المبين. وقوله تعالى في الآية الرابعة (70) {ألم يأتهم8 نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم9 رسلهم بالبينات} أي الآيات الدالة على توحيد الله وصدق رسوله وسلامة دعوتهم كما جاءكم أيها المنافقون رسولنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبينات فكذبتم كما كذب الذين من قبلكم فنزل بهم عذاب الله فهلك قوم نوح بالطوفان وعاد بالريح العاتية، وثمود بالصاعقة، وقوم إبراهيم10 بسلب النعم وحلول النقم، وأصحاب مدين بالرجفة وعذاب الظلمة، والمؤتفكات11 بالمطر والإئتفاك أي القلب بأن أصبح أعالي مدنهم الثلاث12 أسافلها، وأسافلها أعاليها، وما ظلمهم الله تعالى بما أنزل عليهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، وأنتم أيها المنافقون إن لم تتوبوا إلى ربكم سيحل بكم ما حل بمن قبلكم أو أشد لأنكم لم تعتبروا بما سبق.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- إن المنافقين لما كان مرضهم واحد وهو الكفر الباطني كان سلوكهم متشابها.
2- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف علامة النفاق وظاهرة الكفر وانتكاس الفطرة.
3- الاغترار بالمال والولد من عوامل عدم قبول الحق والإذعان له والتسليم به.
4- تشابه حال البشر وإتباع بعضهم لبعض في الباطل والفساد والشر.
5- حبوط الأعمال بالباطل وهلاك أهلها أمر مقضى به لا يتخلف.
6- وجوب الاعتبار بأحوال السابقين والاتعاظ بما لاقاه أهل الكفر منهم من عذاب.
__________

1 {بعضهم من بعض} : أي: هم كالشيء الواحد في الخروج عن الدين، أو هم متشابهون في الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.
2 هي: سدوم، وعمورة، وأرمة، وكانت مدناً متتاخمة بعضها قريب من بعض.
3 أي: وصفهم بالبخل والشح كما قال تعالى: {أشحة على الخير} كما أن امتناعهم عن الخروج إلى الجهاد يعتبر قبضاً لأيديهم.
4 الأصل أن الوعد يكون في الخير والإيعاد يكون في الشر، وإطلاق الوعد على الوعيد كما هو هنا تهكم بهم.
5 {هي حسبهم} مبتدأ وخبر ومعناه: أنها كافية ووفاء لجزاء أعمالهم.
6 الكاف: في محل نصب أي: وعدكم الله أيها المنافقون والمنافقات كما وعد الذين من قبلكم نار جهنم تخلدون فيها.
7 الكاف: في محل نصب نعت لمصدر محذوف أي: وخضتم خوضاً كالذي خاضوا أي: في الباطل والشر والفساد. والذي بمعنى الجمع، ويحوز أن يكون الذين محذوف النون على لغةٍ هذيل قال شاعرهم:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد
8 الاستفهام للتقرير، والتحذير بمعنى: ألم يسمعوا بإهلاكنا الكفار من قبلهم؟
9 أي بدلائل الحق والصدق، والجملة تعليلية.
10 هم نمرود بن كنعان وقومه.
11 قوم لوط عليه السلام.
12 تقدمت أسماء هذه المدن قريباً.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #908  
قديم 22-02-2022, 10:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,292
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (12)
الحلقة (462)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 395الى صــــ 400)


وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)

شرح الكلمات:
والمؤمنون: أي الصادقون في إيمانهم بالله ورسوله ووعد الله ووعيده.
أولياء بعض: أيما يتولىّ بعضهم بعضاً في النّضرة والحماية والمحبة والتأييد.
ويقيمون الصلاة". أي يؤدونها في خشوع وافية الشروط والأركان والسنن والآداب.
ويؤتون الزكاة: أي يخرجون زكاة أموالهم الصامتة كالدراهم والدنانير والمعشرات، والناطقة كالأنعام: الإبل والبقر والغنم.
في جنات عدن: أي إقامة دائمة لا يخرجون منها ولا يتحولون1 عنها.
ورضوان من الله أكبر: أي رضوان الله الذي يحله عليهم أكبر من كل نعيم في الجنة.
معنى الآيتين:
بمناسبة ذكر المنافقين وبيان سلوكهم ونهاية أمرهم ذكر تعالى المؤمنين وسلوكهم الحسن ومصيرهم السعيد فقال {والمؤمنون والمؤمنات} أي المؤمنون بالله ورسوله ووعده ووعيده والمؤمنات بذلك {بعضهم أولياء بعض} أي يوالي بعضهم بعضاً محبة2 ونصرة وتعاوناً وتأييداً {يأمرون بالمعروف} وهو ما عرفه الشرع حقاً وخيراً من الإيمان وصالح الأعمال، {وينهون عن المنكر} وهو ما عرفه الشرع باطلاً ضاراً فاسداً من الشرك وسائر الجرائم فالمؤمنون والمؤمنات على عكس المنافقين والمنافقات في هذا الأمر وقوله تعالى {ويقيمون3 الصلاة ويؤتون الزكاة} والمنافقون لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى فهم مضيعون لها غير مقيمين لها، ويقبضون أيديهم فلا ينفقون، والمؤمنون يطيعون الله ورسوله4، والمنافقون يعصون الله ورسوله، المؤمنون سيرحمهم الله 5، والمنافقون سيعذبهم الله، {إن الله عزيز} غالب سينجز وعده ووعيده {حكيم} يضع كل شيء في موضعه اللائق به فلا يعذب المؤمنين وينعّم المنافقين بل ينعّم المؤمنين ويعذب المنافقين.
وقوله تعالى في الآية الثانية (72) {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار} أي من خلال قصورها وأشجارها {خالدين فيها ومساكن} أي قصوراً طيبة في غاية النظافة وطيب الرائحة {في جنات عدن6} أي إقامة، وقوله {ورضوان من الله}أي يحله عليهم أكبر من الجنات والقصور وسائر أنواع النعيم. وقوله {ذلك هو الفوز العظيم} ذلك المذكور من الجنة ونعيمها ورضوان الله فيها هو الفوز العظيم. والفوز هو السلامة من المرهوب والظفر بالمرغوب. هذا الوعد الإلهي الصادق للمؤمنين والمؤمنات يقابله وعيد الله تعالى للمنافقين والكفار في الآيات السابقة، ونصه {وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم} .
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1- بيان صفات المؤمنين والمؤمنات والتي هي مظاهر إيمانهم وأدلته.
2- أهمية صفات أهل الإيمان وهي الولاء لبعضهم بعضاً، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، طاعة الله ورسوله.
3- بيان جزاء أهل الإيمان في الدار الآخرة وهو النعيم المقيم في دار الإسلام.
4- أفضلية رضا7 الله تعالى على سائر النعيم.
5- بيان معنى الفوز وهو النجاة من النار، ودخول الجنة.

__________
1 قال تعالى من سورة الكهف: {لا يبغون عنها حولاً} أي: تحولاً لأنّ نعيمها لا يُمل ولا تثشوق النفس لغيره أبداً.
2 شاهده من السنة قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" وشبّك بين أصابعه وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".
3 يشمل اللفظ: الصلوات الخمس والنوافل كما شمل الزكوات المفروضة والصدقات إذ المدح يحصل بهما معاً فرضا ونفلا.
4 أي: يؤدون الفرائض والسنن فعلا ويجتنبون المنهيات والمكروهات تركاً.
5 السين في {سيرحمهم} للتأكيد وتحمل معنى الخوف والرجاء وهما جناحا المؤمنين لا يطيرون في سماء الكمالات إلا بهما.
6 شاهدهُ في الصحيح قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلاّ رداء الكبر على وجهه في جنة عدن" وقوله أيضاً في الصحيح: "إنّ للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا في السماء، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهن لا يرى بعضهم بعضاً".
7 أخرج الشيخان البخاري ومسلم، ومالك في الموطأ عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنّ الله عزّ وجلّ يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير بين يديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً"

**************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #909  
قديم 22-02-2022, 10:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,292
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)

شرح الكلمات:
جاهد الكفار: ابذل غاية جهدك في قتال الكفار والمنافقين.
واغلظ عليهم: أي في القول والفعل أي شدد عليهم ولا تلن لهم.
كلمة الكفر: أي كلمة يكفر بها من قالها وهي قول الجلاس بن سويد: إن كان ما جاء به محمد حقاً لنحن شرّ من الحمير.
وهموا بما لم ينالوا: أي هموا بقتل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مؤامرة دنيئة1 وهم عائدون من تبوك.
وما نقموا إلا أن أغناهم: أي ما أنكروا أو كرهوا من الإسلام ورسوله إلا أن أغناهم الله بعد فقر أعلى مثل هذا يهمون بقتل رسول الله؟
معنى الآيتين:
يأمر تعالى رسوله محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجهاد الكفار والمنافقين فيقول {يا أيها النبي2 جاهد الكفار والمنافقين} وجهاد الكفار يكون بالسلاح وجهاد المنافقين يكون باللسان، 3 وقوله تعالى {واغلظ عليهم4} أي شدد عملك وقولك، فلا هوادة مع من كفر بالله ورسوله، ومع من نافق الرسول والمؤمنين فأظهر الإيمان وأسر الكفر وقوله تعالى {ومأواهم جهنم وبئس المصير} أي جهنم يريد ابذل ما في وسعك في جهادهم قتلاً وتأديياً هذا لهم في الدنيا، وفي الآخرة مأواهم جهنم وبئس المصير، وقوله تعالى في الآية الثانية (74) {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا} هذا الكلام علّة للأمر بجهادهم والإغلاظ عليهم لقول الجلاس بن سويد المنافق: لئن كان ما جاء به محمد حقاً لنحن شر من الحمير سمعه منه أحد المؤمنين فبلغه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاء
الجلاس يعتذر ويحلف بالله ما قال الذي قال فأكذبه الله تعالى في قوله في هذه الآية {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} والسياق دال على تكرر مثل هذا القول الخبيث وهو كذلك. وقوله تعالى {وهموا بما لم ينالوا5} يعني المنافقين الذين تآمروا على قتل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند عودته من تبوك في عقبة في الطريق إلا أن الله فضحهم وخيّب مسعاهم ونجى رسوله منهم حيث بعث عمار بن ياسر يضرب وجوه الرواحل لما غشوه فردوا وتفرقوا بعد أن عزموا على أن لزاحموا رسول الله وهو على ناقته بنوقهم حتى يسقط منها فيهلك أهلكهم الله. وقوله تعالى {وما نقموا} 6 أي وما كرهوا من رسول الله ولا من الإسلام شيئاً إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله وهل الغنى بعد الفقر مما ينقم منه، والجواب لا ولكنه الكفر والنفاق يفسد الذوق والفطرة والعقل أيضاً.
ومع هذا الذي قاموا به من الكفر والشر والفساد يفتح الرب الرحيم تبارك وتعالى باب التوبة في وجوههم ويقول {فإن يتوبوا} 7 من هذا الكفر والنفاق والشر والفساد8 يك ذلك {خيراً لهم} حالاً ومآلاً أي في الدنيا والآخرة، {وإن يتولوا} عن هذا العرض ويرفضوه فيصرون على الكفر والنفاق {يعذبهم الله عذاباً أليماً} أي موجعاً في الدنيا بالقتل والخزي، وفي الآخرة بعذاب النار، {ومالهم في الأرض من ولي} 9 يتولاهم ولا ناصر ينصرهم، أي وليس لهم في الدنيا من ولي يدفع عنهم ما أراد الله أن ينزله بهم من الخزي والعذاب وما لهم من ناصر ينصرهم بعد أن يخذلهم الله سبحانه وتعالى.
هداية الآيتين.
من هداية الآيتين:
1- بيان آية السيف10 وهي {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين} .
2- تقرير مبدأ الردة وهي أن يقول المسلم كلمة الكفر فيكفر بها وذلك كالطعن في الإسلام أو سب الله أو رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو التكذيب بما أمر الله تعالى بالإيمان به والتصديق بضده أي بما أمر الله بتكذيبه.
3- تقرير مبدأ التوبة من كل الذنوب، وأن من تاب تقبل توبته.
4- الوعيد الشديد لمن يصر على الكفر ويموت عليه.
__________

1 اقرأ نصها في التفسير فإنها واضحة ومختصرة.
2 يدخل في هذا الخطاب أمته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3 بأن يقول لهم الكدمة الغليظة الشديدة ويكفهر في وجوههم أي: يعبس ولا يبسط وجهه فيهم.
4 هذه الآية نسخت كل شيء من العفو، والصفح الذين كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤمر بهما إزاء المشركين والمنافقين.
5 أخرج مسلم عن حذيفة: "أن اثني عشر رجلاً سمّاهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعدهم حذيفة واحدا واحدا قال قلت: يا رسول الله ألا تبعث إليهم فتقتلهم؟ فقال: أكره أن يقول العرب لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم، بل يكفيهم الله بالدّبلة" وهي خراج يظهر في الظهر وينصب على الصدر يقتل صاحبه فوراً.
6 أي: ليس بنقمون شيئا إلا أنهم كانوا فقراء فأغناهم الله بما كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعطيهم من الغنائم، قيل لأحدهم: هل تجد في القرآن نظير قولهم اتق شر من أحسنت إليه؟ قال: نعم هو قوله تعالى: {وما نقموا إلاّ أن أغناهم الله ورسوله من فضله} .
7 هذه الجملة متفرعة عن الكلام السابق وهي باب ذكر الوعد بعد الوعيد والترغيب بعد الترهيب، وهو أسلوب القرآن الكريم.
8 حذفت نون {يك} تخفيفاً إذ الأصل يكن.
9 هذه الجملة معطوفة على جملة: {يعذلهم الله} وهي وإن كانت اسمية لا يمتنع أن تكون جواباً ثانياً معطوفاً على جملة الجزاء، لأنه يغتفر في التابع مالا يغتفر في المتبوع، فالجزاء جزاءان، الأول: تعذيبهم والثاني: انعدام الولي والنصير لهم في الأرض كلها.
10 يروى عن علي رضي الله عنه أنه قال: سيوف الله أربعة: واحد على المشركين قال تعالى: {فاقتلوا المشركين..} وثان على الكافرين قال تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر..} وثالث على المنافقين: قال تعالى: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين..} ورابع على البغاة. قال تعالى: {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيىء إلى أمر الله} .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #910  
قديم 22-02-2022, 10:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,292
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة التوبة - (13)
الحلقة (463)
تفسير سورة التوبة مدنية
المجلد الثانى (صـــــــ 400الى صــــ 404)

وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (78)
شرح الكلمات:
ومنهم: أي من المنافقين.
لئن آتانا من فضله: أي مالاً كثيراً.
بخلوا به: أي منعوه فلم يؤدوا حقه من زكاة وغيرها.
فأعقبهم نفاقاً: أي فأورثهم البخل نفاقاً ملازماً لقلوبهم لا يفارقها إلى يوم يلقون
الله تعالى.
بما أخلفوا الله.: أي بسبب إخلافهم ما وعدوا الله تعالى به.
سرهم ونجواهم: أي ما يسرونه في نفوسهم ويخفونه، وما يتناجون به فيما بينهم.
علام الغيوب: يعلم كل غيب في الأرض أو في السماء.
معنى الآيات:
ما زال السياق في المنافقين وهم أصناف وهذا صنف1 آخر منهم قد عاهد الله تعالى لئن أغناهم من فضله وأصبحوا ذوي ثروة ومال كثير ليصدقن منه ولينفقنّه في طريق البر والخير، فلما أعطاهم الله ما سألوا وكثر مالهم شحوا به وبخلوا، وتولوا عما تعهدوا به وما كانوا عليه من تقوى وصلاح، وهم معرضون. فأورثهم هذا البخل وخلف الوعد والكذب {نفاقاً في قلوبهم2} لا يفارقهم حتى يلقوا ربهم. هذا ما دل عليه قوله تعالى {ومنهم من3 عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم4 من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} . أما الآية الأخيرة (78) وهي قوله تعالى {ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب؟؟} فإنها تضمنت توبيخ الله تعالى للمنافقين الذين عاهدوا الله وأخلفوه بموقفهم الشائن كأنهم لا يعلمون أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأنه تعالى علام الغيوب، وإلا كيف يعدونه ويحلفون له أم يحسبون أن الله لا يسمع سرهم ونجواهم فموقفهم هذا موقف مخز لهم شائن، وويل لهم حيث لازمهم ثمرته وهو النفاق حتى الموت وبهذا أغلق باب التوبة في وجوههم وهلكوا مع الهالكين.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:

1- وجوب الوفاء بالعهود وخاصة عهود5 الله تعالى.
2- ذم البخل وأهله.
3- تقرير مبدأ أن السيئة يتولد عنها سيئة.
4- جواز تقريع وتأنيب أهل الباطل.
5- وجوب مراقبة الله تعالى إذ لو راقب هؤلاء المنافقون6 الله تعالى لما خرجوا عن طاعته.
__________

1 قال قتادة: هذا رجل من الأنصار قال: لئن رزقني الله شيئاً لأدين فيه حقه ولأتصدقن فلما آتاه الله ذلك فعل ما قُصّ عليكم فاحذروا الكذب فإنه يؤدي إلى الفجور.
2 {نفاقاً} نكرة أي: نفاقاً ما من نوع من أنواع النفاق وليس هو نفاق الكفر إنما هو نفاق العمل.
3 الآية صريحة ودلالتها واضحة في أن أحد أفراد المؤمنين سأل الله المال سواء بواسطة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأن قال له ادع الله لي، أو سأل بنفسه وقطع عهداً لربه بما ذكر في الآية، ولما أخلف ما عاهد الله عليه أصيب بمرض النفاق في قلبه- والعياذ بالله تعالى- وهل هو ثعلبة بن حاطب أو غيره أما ثعلبة فقد شهد بدراً، وأهل بدر ذُكر لهم وعد عظيم، فلا يصح أن يكون أحدهم وتع في هذه الفتة وان كان غيره فهو حق، وجائز أن يكون هذا الغير اسمه ثعلبة فتشابه الاسم بالاسم فطُن أنه البدري وليس هو والله اعلم. هذا والله إني لخائف من هذه الآية أن تنطبق عليّ فاللهم عفوك وغفرانك لي.
4 صيغة الجمع تدل على أن من عاهد الله لم يكن فرداً واحداً بل كان جماعة ولذا قال الضحاك: إنّ الآية نزلت في رجال من المنافقين: نبتل بن الحارث والجد بن قيس ومتعب بن قشير إلاّ أن قوله تعالى: {فأعقبهم نفاقاً} يتنافى مع كونهم منافقين، إلاّ أن يقال: زادهم نفاقاً خُلْفهم هذا على نفاقهم الأول. والله أعلم.
5 اختلف في نية الطلاق أو الصدقة بدون أن يلفظ هل يلزمه ما نواه بقلبه أو لا يلزمه، الراجح: أنه لا يلزمه ما لم يتلفظ به والدليل في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إنّ الله تجاوز لأمتى عمّا حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به" رواه الترمذي وقال فيه حسن صحيح، والشاهد في قوله: "أو تتكلم به" والعمل بهذا عند أهل العلم.
6 جاء في الصحيح قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان" ولي حديث آخر: "أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر" واختلف العلماء في تأويل هذين الحديثين، وقسموا النفاق إلى اعتقادي وعملي، فالاعتقادي: ما كان صاحبه كافراً بالله ورسوله مكذباً لهما، والعملي: ما كان صاحبه مؤمناً مصدقاً ولكن يأتي منه المحظورات جهلاً وفسقاً. وهذا صحيح. ولكن يتأتى لعبد يؤمن بالله ورسوله أن يتعمد الكذب على المسلمين وإخلاف الوعد لهم، والغدر بهم، وخيانتهم في أماناتهم والفجور في التخاصم معهم، ومن هنا كان المطلوب اجراء الخبر على ظاهره ما دام العبد يتعمد هذه المحظورات نكاية بالمسلمين وبغضا لهم وعدم اعتراف بحقوقهم وظلماً واعتداء عليهم، إذ مثل هذا لا يكون معه إيمان بالله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

******************************

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 223.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 217.41 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (2.62%)]