سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله - الصفحة 9 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 899 - عددالزوار : 204609 )           »          من أسباب الثراء الخفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          قبسات من علوم القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          ﴿ ولقد صدقكم الله وعده ﴾ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          تفسير سورة يونس (الحلقة الحادية عشرة) مسيرة بني إسرائيل عظة لأمة الإسلام فهل تتعظ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة الصالح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: الغني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          الدرس التاسع والعشرون فضل ذكر الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          دعاء الاستخارة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #81  
قديم 19-09-2021, 05:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,006
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود





تفسير الربع السابع من سورة التوبة كاملا بأسلوب بسيط


الآية 93: ﴿ إِنَّمَا السَّبِيلُ ﴾: يعني إنما الطريق إلى المعاقبة، (والمعنى: إنما الإثم والعقاب) ﴿ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ في التخلف عن الجهاد ﴿ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ أيقادرون على الجهاد بأموالهم وأنفسهم، ومع ذلك فقد ﴿ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ من النساء وأهلالأعذار، ﴿ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ بالنفاق فلا يَدخلها إيمان، لذلك ﴿ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ سُوءَعاقبة تخلفهم عن الجهاد.


الآية 94: ﴿ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ أي يعتذر لكم هؤلاء المتخلفون عن الجهاد بالأعذار الكاذبة ﴿ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ مِن غزوة "تَبُوك"، ﴿ قُلْ لهم - أيها الرسول -: ﴿ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ أي لن نُصَدِّقكم فيما تقولون، فـ ﴿ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ ﴾: أي قد أخبَرَنا اللهُ مِن أمْركم ما أكَّدَ لنا كذبكم، ﴿ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ إن كنتم تتوبون مِن نفاقكم، أو تُصِرُّون عليه، وسيُظهِرُ سبحانه للناسأعمالكم في الدنيا ﴿ ثُمَّ تُرَدُّونَ بعد مماتكم ﴿ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾: أي إلى الذي لا تَخفى عليه بَواطن أموركموظَواهرها ﴿ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ثم يُجازيكم على أعمالكم.

الآية 95: ﴿ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ كاذبينَ مُعتذرينَ ﴿ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ ﴾: أي إذا رجعتم إليهم مِن جهادكم، وسبب هذا الحَلِف الكاذب: ﴿ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ﴾: أي لِتتركوهم ولا تعاقبوهم، ﴿ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ احتقارًا لهم، ولا تهتموا بشأنهم، ولا تُعاتبوهم على تَخلفهم، ﴿ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ﴾: يعني إنهم خُبَثاءالبَواطن ﴿ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ من الكُفر والنفاق.


الآية 96، والآية 97: ﴿ يَحْلِفُونَ لَكُمْ كَذِبًا ﴿ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ ﴿ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ - لأنكم لا تعلمون كَذِبَهم - ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾: أي فإنّ اللهَ لا يَرضى عن هؤلاء - ولا عن غيرهم - مِمّن استمرواعلى الخروج عن طاعة الله.

ولَمَّا ذَكَرَ تعالى حال مُنافِقي المدينة، ذَكَرَ هنا حال مُنافِقي البادية (الصحراء) وذلك ليُعرَفَ المنافقون جميعاً، فقال: ﴿ الْأَعْرَابُ أي مُنافِقوا الأعراب هم ﴿ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا مِن مُنافِقي أهل المُدُن، وذلك لِجَفاء الأعراب وغِلظتهم، ﴿ وَأَجْدَرُ ﴾: أي وهم أحَقّ وأقرَب ﴿ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ من الأحكام والشرائع، فقد استحقوا ذلك الجَهل لِبُعدهم عن العلم والعلماء وعن مجالس الوعظ والذِكر (عِلماً بأنهم لا يُعذَرونَ بِجَهْلِهم في ذلك، لأنّ عليهم أن يَتركوا البادية ويَنتقلوا إلى الحَضَر)، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بحالالمنافقين جميعًا، ﴿ حَكِيمٌ في تشريعه وفي تدبير أمور عباده.

الآية 98: ﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا ﴾: يعني: مِن الأعراب مَن يَرى أنّ ما يَتصدق به أمام الناس يَعودُ عليه بالغَرامة والخُسارة، لأنه لا يرجو بصدقته ثوابًا،ولا يَدفع بها عن نفسه عقابًا، ﴿ وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ﴾: أي ويَنتظر نزول المَصائب والبَلايا بالمسلمين لِيَتخلص منهم ومن الإنفاق لهم، ﴿ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ﴾: يعني ولكنّ الهلاك والشقاء دائرٌ عليهملا على المسلمين، ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ لِمَا يقولون ﴿ عَلِيمٌ بنِيَّاتهم الفاسدة وبِبُغضهم للمسلمين.

الآية 99: ﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وما فيه من الثوابوالعقاب ﴿ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ﴾: يعني ويَنوي بنفقته الوصول إلى رضا اللهِتعالى، ويَجعل صدقته وسيلة للحصول على دعاء الرسول له، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه المؤمن بزكاته أو صدقته: يَدعو له بخير (واعلم أن القُرُبات: جمع قُرْبة، وهي المَنزلة المحمودة)، ﴿ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ ﴾: يعني ألاَ إنّ هذهالصدقات تُقرِّبهم إلى اللهِ تعالى، و﴿ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ أي في جنته ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لِمَافعلوا من السيئات، ﴿ رَحِيمٌ بهم.

الآية 100: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ﴾: يعني: والذين سَبَقوا الناسَ أولاً إلى الإيمان والنُصرة والجهاد ﴿ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الذين هجرواقومهم الكُفار، وانتقلوا إلى دار الإسلام، ﴿ وَالْأَنْصَارِ الذين نصروا رسول اللهصلى الله عليه وسلم على أعدائه، ﴿ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ - في العقيدةوالأقوال والأعمال وفَهم الدين -، أولئك ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بسبب طاعتهم لله ورسوله، ﴿ وَرَضُوا عَنْهُ سبحانه لِمَا أعطاهم من الثواب العظيم، ﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (ولعل نَزْع حرف الجر: (مِن) - وذلك في قوله تعالى: ﴿ تجري تَحْتَهَا ﴾ - خِلافاً لباقي مواضع القرآن الكريم: للدلالة على كثرة ماء هذه الأنهار، ولأنه سبحانه خَصَّ هذه الطائفة المذكورة في الآية بجنةٍ هي أعظم الجَنَّات ريَّاً وحُسنًا، واللهُ أعلم)، (وفي هذه الآية ثناءٌ على الصحابة رضي الله عنهم،وتَزكيةٌ لهم، ولهذا فإنّ توقيرهم من أصول الإيمان).

فَيَا مَن تسُبُّون أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، باللهِ عليكم أخبرونا: (هل تزعمون كَذِباً أن الله تعالى لم يُحسِن اختيار أصحاب نَبِيِّهِ الخاتم صلى الله عليه وسلم، معَ عِلمهِ سبحانه أنّ هؤلاء الصحابة هم الذين سيَحملون دينه - الذي ارتضاهُ للناس - ويُوصلونه لجميع الخلق إلى قيام الساعة؟!)، وقد خالفتم إجماع المسلمين - واخترعتم ديناً جديداً ما أنزل اللهُ به من سلطان - وكل ذلك بسبب اتِّباعكم لأهوائكم، وبسبب إضلال اليهود لكم، كما أضلوا النَصارَى.


ومِن لطيف ما يُذكَر أن أحد علماء المسلمين كان على مَوعد مع علماء الشيعة لِيُناظرهم، فجاء إلى المُناظرة وهو يضع حذائه تحت إبِطِه، فسألوه: (لماذا تدخل المُناظرة وأنت تحمل حذائك؟!)، فقال لهم: (لقد سمعتُ أن الشيعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يَسرقون الأحذية)، فقالوا له: (لم يكن هناك شيعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم)، فقال لهم: (إذَن انتهت المُناظرة، مِن أين أتيتم بدينكم ومَذهبكم؟!)، فهَدَمَ دينهم - الذي اخترعوه - بهذه الكلمة.


الآية 101: ﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أيضاً منافقونَ ﴿ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾: أي اعتادوا على النفاق، وتدرَّبوا عليه.


وأنت أيها الرسول ﴿ لَا تَعْلَمُهُمْ لأنهم تَفَنَّنوا في إخفاء نفاقهم حتى صَعُبَ عليك تمييزهم مِن بين المسلمين، ولكننا ﴿ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْو﴿ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ مرة بالقتل والأسر والفضيحة في الدنيا، ومرة بعذابالقبر بعد الموت، ﴿ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ في نار جهنم يوم القيامة.

الآية 102، والآية 103: ﴿ وَآَخَرُونَ يعني وهناك أُناسٌ آخرون ﴿ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ونَدِموا عليها، وهؤلاء قد ﴿ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا - وهو توبتهم واعترافهم بالذنب وغير ذلك منالأعمال الصالحة - ﴿ وَآَخَرَ سَيِّئًا - وهو تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلموغير ذلك من الأعمال السيئة - ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ (هذا إعلامٌ من الله تعالى بقبول توبتهم، لأنّ كلمة (عسى) إذاجاءت من اللهِ تعالى، فإنها تفيد التأكيد ووجوب الوقوع)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لذنوب التائبين، ﴿ رَحِيمٌ بهم، حيث وفقهم للتوبة وقَبِلَها منهم.

ثم جاء هؤلاء التائبون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأموالهم وقالوا له: (هذه أموالنا التي تَخَلَّفنا بسببها صدقةً، فخُذها يا رسول الله)، فقال لهم: (إني لم أُؤْمَر بذلك)، فأنزلَ اللهُ تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ مِن ذنوبهم ﴿ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾: أي وتَرفعهم عن منازل المنافقين إلى منازل المُخلِصين،﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ﴾: أي وادعُ اللهَ أن يَغفر ذنوبهم ﴿ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾: يعني إنّ دعاءك واستغفارك رحمةٌوطمأنينةًٌ لهم، ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ لكل دعاءٍ وقول، ﴿ عَلِيمٌ بأحوال العباد ونِيَّاتهم،وسيُجازي كلَّ عاملٍ بعمله.

الآية 104: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا ﴾: يعني ألم يعلم هؤلاء التائبون ﴿ أَنَّ اللَّهَ هُوَ وحده الذي ﴿ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ إذا صَدَقوا في توبتهم ﴿ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ منهم، فيَقبلها ويُضاعِف ثوابها لهم حتى تكون أعظم من الجبل (كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم)، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ أي كثير قَبول التوبة من التائبين، ﴿ الرَّحِيمُ بعباده المؤمنين.


الآية 105: ﴿ وَقُلِ - أيها النبي - لهؤلاء التائبين: ﴿ اعْمَلُوا الأعمال التي تُرضِي اللهَ تعالى من أداء الفرائض واجتناب المعاصي، تطهيراً لكم وتزكيةً لنفوسكم ﴿ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وسوف يُثنون عليكم بعملكم في الدنيا ﴿ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾: أي وستُرجَعون يوم القيامة إلى مَن يَعلمُ سِرَّكُم وجَهْرَكم ﴿ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ويُجازيكم على أعمالكم الصالحة أحسنَ الجزاء.


الآية 106: ﴿ وَآَخَرُونَ ﴾: يعني ومِن هؤلاء المتخلفين عن غزوة "تَبُوك" آخرونَ ﴿ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ ﴾: أي مُؤَخَّرونلِحُكم الله وقضائه فيهم: ﴿ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ويَعفوعنهم.


وهؤلاء هم الذين ندموا على ما فعلوا، وهم: (مُرارةبن الربيع، وكَعْب بن مالك، وهلال بن أُميَّة)، فهؤلاء الثلاثة قد تأخروا في توبتهم، فأمَرَ الرسول صلى الله عليه وسلم بهَجْرهم (أي بمقاطعتهم) حتى يَحكم اللهُ فيهم ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بمن يَستحق العقوبة أو العفو، ﴿ حَكِيمٌ في قضائه وشرعه.

الآية 107: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا ﴾: يعني وهناك منافقون قد بَنوا مَسجدًا مِن أجل الإضرار بالمسلمين وإيجاد عداوات بينهم، وتشكيكاً لهم في دينهم، ﴿ وَكُفْرًا بالله ورسوله ﴿ وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ لِيُصلي فيه بعضهم ويَترك مسجد "قِباء" الذي يصلي فيه النبي والمسلمون، فحينئذٍ يَخْتلفالمسلمون ويَتفرقوا، ﴿ وَإِرْصَادًا أي وانتظاراً ﴿ لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ - وهو أبوعامر - ذلك الراهب الفاسق الذي ذهب إلى الروم لِيُحَرِّضهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فانتظره المنافقون ليأتي إليهم في ذلك المسجد، ليكون مكانًا للكيد للمسلمين، ﴿ وَلَيَحْلِفُنَّ هؤلاء المنافقون كذباً ويقولون: ﴿ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى أي ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا الخير للمسلمين، والرِّفق بالعاجزين عن السير إلى مسجد "قِباء"، ﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ فيما يَحلفونعليه.


الآية 108: ﴿ لَا تَقُمْ فِيهِ ﴾: أي لا تقم - أيها النبي - للصلاة في ذلك المسجد ﴿ أَبَدًا، إذ إنّه ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ - وهو مسجد "قِباء" - ﴿ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ للصلاة، فإنّ مسجد "قِباء" ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا بالماء من النجاسات والأقذار، كما يتطهرون من ذنوبهمبالتوبة والاستغفار، ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ أي المتطهرين، (ولكنْ أُدغِمَت التاء في الطاء فصارت: ﴿ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾)، (واعلم أن هذا المسجد الذي بناه المنافقون قد هَدَمَهُ المسلمون وأحرقوه، بأمْرٍ من النبي صلى الله عليه وسلم).

الآية 109: ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَه أي مَسجده ﴿ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ أي على خوفٍ من اللهِ وطلباً لرضاه ﴿ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ أي مسجده (عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ) أي على طرف حفرة قاربتْ على السقوط ﴿ فَانْهَارَ بِهِ ذلك البُنيان الخبيث ﴿ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ليُعَذَبَ فيها؟ لا يستويان أبداً، ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ المتجاوزينَ لحدوده.

الآية 110: ﴿ لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ والمعنى: أنّ المنافقين عندما بَنوا ذلك المسجد لغرضٍ فاسد، جعل اللهُ ذلك المسجد سبباً لبقاء النفاق في قلوبهم ﴿ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ يعني إلا أن تتقطع قلوبهم، وذلك بقتلهم أو موتهم، أو بندمهم غاية الندم،وخوفهم من ربهم غاية الخوف، حتى َيقبل اللهُ توبتهم، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بما في صدور هؤلاءالمنافقين، ﴿ حَكِيمٌ في تدبيره وقضائه، وفي فتح باب التوبةِ لعباده.


* وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #82  
قديم 19-09-2021, 05:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,006
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود





تفسير الربع الاخير من سورة التوبة كاملا بأسلوب بسيط



الآية 111، والآية 112: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ في مُقابل ذلك: ﴿ الْجَنَّةَ وما أعَدَّ اللهُ لهم فيها من النعيم، فهُم ﴿ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ويُقَدِّمون أرواحهم وأموالهم قرباناً إلى ربهم لإعلاء كلمته، بأنْ يُعبَدَ وحده ولا يُعبَد غيره، ﴿ فَيَقْتُلُونَ الكفار والمشركين ﴿ وَيُقْتَلُونَ أي يَموتون شهداء في سبيل الله.


فبهذا وَعَدَهم ربهم بالجنةِ ﴿ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا الوفاءَ به، ثم أخبر تعالى بأنّ هذا الوعد موجودٌ في أشرف كُتُبِهِ المُنَزَّلة، فهو مَذكورٌ ﴿ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ التي جاء بها أكْمَل الرسل ﴿ أولو العَزم ﴾، وكلها اتفقتْ على هذا الوعد الصادق، ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾: يعني ولا أحد أصْدَق - ولا أقدَر - مِن اللهِ تعالى في الوفاء بما وَعَدَ به، ﴿ فَاسْتَبْشِرُوا أي فافرَحوا - أيها المؤمنون - ﴿ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ اللهَ ﴿ بِهِ ، وبما وَعَدَكم به تعالى من النعيم الأبدي، ﴿ وَذَلِكَ البيع ﴿ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾.

ومن صفات هؤلاء المؤمنين الذين بَشَّرَهم اللهُ بالجنة أنهم هم ﴿ التَّائِبُونَ الذين رجعوا عَمَّا كَرِهَهُ الله إلى ما يحبه ويرضاه، ﴿ الْعَابِدُونَ الذين أخلصوا العبادةَ للهِ وحده،واجتهدوا في طاعته (بِحُبٍّ كامل مع ذلٍ تام، وذلك باستشعار نِعَمِهِ وذنوبهم)، ﴿ الْحَامِدُونَ الذين يَحمدون اللهَ على كل ما امتحنهم به من خيرٍ أو شر، قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم -: (عَجَباً لأمْر المؤمن، إنّ أمْرَهُ كله خير، وليس ذاكَ لأحدٍ إلا للمؤمن، إنْ أصابتْهُ سَرَّاءُ شَكَر، فكان خيراً له، وإنْ أصابتْهُ ضَرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له).

وهم﴿ السَّائِحُونَ أي الصائمون، ﴿ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ أي المقيمون الصلاة، المُكثِرون من نوافلها (فكأنهم دائماً في ركوع وسجود)، وهم ﴿ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ بالحكمة والموعظة الحسنة ﴿ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ بشرط ألاَّ يتسبب إنكارهم للمُنكَر في مُنكرٍ أكبر منه، ﴿ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ أي القائمون على طاعة الله، الواقفون عند حدوده، ﴿ وَبَشِّرِ - أيها النبي - هؤلاء ﴿ الْمُؤْمِنِينَ المتصفين بهذه الصفات بالنصر والتأييد في الدنيا، وبدخول الجنة في الآخرة.

الآية 113: ﴿ مَا كَانَ ينبغي ﴿ لِلنَّبِيِّ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا معه ﴿ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى أي ولو كانوا أصحابَ قرابةٍ لهم ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا ماتوا على الشِرك، و﴿ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ، فقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ .

الآية 114: ﴿ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ المُشرك ﴿ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ وهي قوله له: ﴿ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾، ﴿ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ ﴾: أي فلماتبيَّن لإبراهيم أنَّ أباه يُعادِي اللهَ تعالى، وأنه لن ينفع معه الوعظ والتذكير، وأنه سيموتُكافرًا: ﴿ تَبَرَّأَ مِنْهُ وتَرَك الاستغفار له، ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ أي كثيرالتضرع إلى اللهِ تعالى، فلذلك وَعَدَ أباه بالاستغفار له، ﴿ حَلِيمٌ أي كثير العفو عن أذى الناس وأخطائهم.

الآية 115: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ ولا يُعذبهم بأفعالهم ﴿ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ أي حتى يُبيِّنلهم الحلال والحرام لكي يتقوه، فإذا لم يتقوه - بعد أن عَلَّمَهم وأقامَ الحُجَّة عليهم- أضَلَّهم سبحانه بِعَدْلِهِ وحِكمته، ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فلا يُضِلُّ سبحانه إلا مَن عَلِمَ أنه يَستحق الضلال، كما أنه لا يَهدي إلا مَن عَلِمَ أنه يَستحق الهداية.

الآية 116: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وما فيهنّ، لا شريك له في الخلق والتدبير والعبادةوالتشريع، ﴿ يُحْيِي مَن يشاء ﴿ وَيُمِيتُ مَن يشاء، وذلك لِكَمَال قدرته وعظيمِ سُلطانه ﴿ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يتولىأموركم ﴿ وَلَا نَصِيرٍ يَنصركم على عَدُوِّكم، فلِذا وَجَبَتْ طاعته والتوكل عليه وحده، وحَرُمَ تَعَلُّق القلب بغيرهِ مِن سائر خَلقه.

الآية 117: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ أي الذين خرجوا معه لقتال الأعداء في غزوة "تَبُوك" في شدة الحر والجوع والعطش، فلقد تاب سبحانه على هؤلاء المؤمنين ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ﴾: أي مِن بعد ماكاد يَميل قلوب بعضهم إلى التكاسل عن الجهاد والتخلف عنه، وذلك لشدة الحال وصعوبة الموقف، ولكنّ اللهَ ثبَّتهموقوَّاهم، ووفقهم للتوبة والرجوع عن ذلك.

قال ابن عباس رضي الله عنهما - ما مُختَصَره -: (كانت التوبة على النبي صلى الله عليه وسلم بسبب إذنه للمنافقين في القعود، ودليل ذلك قوله تعالى:﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾؟، وكانت التوبة على المؤمنين مِن مَيل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه ﴾،﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ أي ثم قَبِلَ سبحانه توبتهم بعد أن وفقهم إليها وأعانهم عليها ﴿ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾.

الآية 118، والآية 119: ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ ﴾: يعني وكذلك تاب سبحانه على الثلاثة ﴿ الَّذِينَ خُلِّفُوا ﴾: أي الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليهوسلم بغير عُذر - وهم كعب بن مالكوهلال بن أُميَّة ومُرَارة بن الربيع - وقد تأخر هؤلاء الثلاثة في توبتهم ﴿ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ﴾: أي حتى إذا ضاقت عليهم الأرض رغم اتِّساعها، وذلك بسبب هَجْر الناس لهم (حتى زوجاتهم)، وذلك بأمْرٍ من النبي صلى الله عليه وسلم حتى يَحكم اللهُ فيهم، ﴿ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ ﴾: أي وضاقت صدورهم لِمَا أصابها من الحُزن والغمًّ بسبب تخلفهم عن الجهاد، ﴿ وَظَنُّوا يعني وأيْقَنوا ﴿ أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ فحينئذٍ تعلقتْ قلوبهم بخالقهم وحده، وظلوا على هذه الشِدَّة نَحْوَ خمسين ليلة، ﴿ ثُمَّ تَابَ سبحانه ﴿ عَلَيْهِمْ أي أَذِنَ لهم بالتوبة ووفقهم لها ﴿ لِيَتُوبُوا أي لِتَقَع منهم فيَقبلها ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾.

إذ التوبة مِن اللهِ على العبد تتضمن إذنَهُ له بالتوبة، وأن يُوَفقه إلى فِعلها على الوجه الذي يحبه سبحانه، وأن يُعينه عليها ويُثبته، وأن يُكَرِّهَ إليه المعاصي ويُحَبِّبَ إليه الطاعات، ثم يَقبلها منه (فاللهم تُب علينا توبةً نَصوحاً تُرضيك عنا).

واعلم أنّ هؤلاء الثلاثة لم يَعتذروا للنبي صلى الله عليه وسلم عن تخلفهم خوفاً من الكذب، فلَمَّا تابَ اللهُ عليهم: جعلهم مثلاً للصِدق، ودعا المؤمنين أن يكونوا معهم فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴿ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ في توبتهم ونيَّاتهم وأقوالهم وأعمالهم، لتكونوا معهم في جنات النعيم.

الآية 120: ﴿ مَا كَانَ ينبغي ﴿ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا في أهلهم وديارهم ﴿ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﴿ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ﴾: يعني ولاينبغي أن يَرضوا لأنفسهم بالراحة والرسول في تعبٍ ومَشَقة؛ ﴿ ذَلِكَ - أي نَهْي المؤمنين عن التخلف والراحة - ﴿ بِأَنَّهُمْ أي بسبب أنهم ﴿ لَا يُصِيبُهُمْ في سَفرهم وجهادهم ﴿ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ ﴾: أي عطش ولا تعب ولا جُوع ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴿ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ ﴾: أي ولا يَنزلونأرضًاً من أرض العدو يَغتاظ الكفارُ لنزولهم فيها، ﴿ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا ﴾: أي ولا يُصيبون مِن عَدُوّ اللهِ قتلاً أو أَسْراً أوهزيمةً ﴿ إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ فلهذا لا ينبغي لهم أن يَتخلفوا حتى لا يَفوتهم هذا الأجر العظيم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾.

الآية 121: ﴿ وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً في سبيل الله، ﴿ وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا في سَيْرِهِممع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جهاده (ذاهبين إلى العدو أو راجعين): ﴿ إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ أجْرُ عملهم ﴿ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ في الآخرة - على نفقتهم وتعبهم في جهادهم - ﴿ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أي بمِثل جزاء أحسن عمل كانوا يعملونه قبل خروجهم في سبيل الله.

الآية 122: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ﴾: يعني وما كان ينبغي للمؤمنين أن يَخرجوا جميعًا لقتال عدوِّهم، كما لا يَصِحّ لهمأن يقعدوا جميعًا، ﴿ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ﴾: يعني أفلا يَخْرُج مِن كل قبيلةٍ منهم جماعة واحدة تحصل بها الكفاية والمقصود؟،و﴿ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ﴾: أي ولِيَتعلم هؤلاء المجاهدون أحكام الدين من رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء جهادهم معه، ﴿ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ عَواقب الشِرك والمعاصي ﴿ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ من الجهاد ﴿ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ عذابَ الله بامتثال أوامره واجتنابنواهيه (فهذا خيرٌ للمسلمين مِن أن يَخرجوا جميعاً ).

واعلم أن هذه الآية نزلت عندما عَلِمَ المسلمون نتائج التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: (لن نتخلف بعد اليوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً)، فأنزل اللهُ تعالى هذه الآية يُرشدهم إلى ما هو خيرٌ لهم في دينهم ودُنياهم.

الآية 123: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ أي ابدؤوا بقتال الأقربفالأقرب إلى دار الإسلام من الكفار، ﴿ وَلْيَجِدُوا يعني ولْيَجِد الكفار ﴿ فِيكُمْ غِلْظَةً وشدة، حتى تُدخِلوا بذلك الرعبفي قلوب المشركين في أنحاء الأرض، لِيَكُفوا عن شَرِّهم وفسادهم وتضعف قوتهم ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ بنصره وتأييده، ألاَ فاتقوهُ سبحانه لِيَنصركم على أعدائكم.

الآية 124، والآية 125: ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ على الرسول صلى الله عليه وسلم، ﴿ فَمِنْهُمْ ﴾: يعني فمِن هؤلاء المنافقين ﴿ مَنْ يَقُولُ - إنكارًا واستهزاءً -: ﴿ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ السورة ﴿ إِيمَانًا باللهِ وآياته؟﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا بتعَلُّمِهاوتَدَبُّرها وتلاوتها والعمل بها، ﴿ وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾: أي وهم يَفرحون بما أعطاهم اللهُ من الإيمانواليقين، ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي نفاق وشك في دين الله ﴿ فَزَادَتْهُمْ هذه السورة ﴿ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ أي نفاقًاوشَكّاً إلى ما هم عليه من النفاق والشك، ﴿ وَ طبع اللهُ على قلوبهم حتى ﴿ مَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾.

الآية 126: ﴿ أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ ﴾: يعني أوَلاَ يرى هؤلاء المنافقون أنّ اللهَ يَمتحنهم بالجهاد، ويَبتليهم بالفتن، ويَفضح نفاقهم ﴿ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ؟ ﴿ ثُمَّ هم مع ذلك ﴿ لَا يَتُوبُونَ مِن كُفرهم ونفاقهم،﴿ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾: أي ولا هم يَتعظون بما يُشاهدونه من آيات الله تعالى، وبما يَرونه من تحقيق وَعْدِ اللهِ بالنصر للمسلمين على أعدائهم.

الآية 127: ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ أي تغَامَزَ المنافقون بالعيون سُخريَةً بنزولها، وغيظًاً مِمَا نزل فيها مِن ذِكْر عيوبهم وأفعالهم، ثم يقولون لبعضهم: ﴿ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ إن قمتم مِن عند محمد؟ فإن لم يَرَهم أحد: قاموا ﴿ ثُمَّ انْصَرَفُوا مِن عِنده عليهالصلاة والسلام خوفاً من الفضيحة، فكانَ جزاؤهم أنْ ﴿ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ عن الهدى؛ ﴿ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾: أي بسبب أنهم لايريدون أن يَفهموا آيات القرآن وما تهدي إليه، وذلك لِظُلمة قلوبهم وخُبث نفوسهم.

الآية 128: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ أيها المؤمنون ﴿ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أي عَرَبيٌ مِن جِنسِكُم، ﴿ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾: أي يَشُقّ عليه ما تَلقَوْنَ مِن المَكروهوالمَشقة، ﴿ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ﴾: أي حريصٌ على هِدايتكم وصَلاح شأنكم في الدنيا والآخرة، وهو ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾.

الآية 129: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾: يعني فإن أعرض المشركون والمنافقون عن الإيمان بك - أيها الرسول - ﴿ فَقُلْ لهم: ﴿ حَسْبِيَ اللَّهُ ﴾: أي يَكفيني سبحانه جميع ما أهمَّني، ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾: أي لا معبود بحقٍ إلا هو، ﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ يعني عليه وحده اعتمدت، وإليهفَوَّضْتُ جميع أموري، فإنه ناصري ومُعيني ﴿ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾.


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (إشراف التركي )، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (َعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #83  
قديم 19-09-2021, 05:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,006
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود





تفسير الربع الأول من سورة يونس كاملا بأسلوب بسيط



الآية 1: ﴿ الر ﴾: سَبَقَ الكلام عن الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة، فراجِعْها إنْ شِئت.
﴿ تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ يعني: هذه هي آيات الكتاب المُشتمِل على الحِكَم العظيمة، المُحكَم الذي لا يَأتيه الباطل.


الآية 2: ﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ أمْرًا ﴿ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ وهو محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أوحينا إليه ﴿ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ عقابَ اللهِ تعالى ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ يعني إنّ لهم أجرًا حسنًاً - بما قدَّموه من الإيمان والعمل الصالح -، يَلقونه ﴿ عِنْدَ رَبِّهِمْ في الدار الآخرة؟


فلَمَّا جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الوَحْي وتَلاهُ عليهم: ﴿ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ ﴾: أي قال المُنكِرون: إنَّ محمدًا ساحر، وما جاء به سِحرٌ واضح، وقد كَذَبوا في ذلك، فإنه لو كانَ ساحراً، لَسَحَرَهم لِيؤمنوا به، حتى يستريحَ هو وأصحابه من ذلك الإيذاء والتعذيب الذي يَلقونه منهم، وحتى لا يُخرجوهم مِن بلدهم وديارهم وأموالهم كما فعلوا.


وكذلك فإنه لو كانَ ساحراً، لَعَلِمَ السَحَرة على عهده أنه ساحر (كَلَبِيد بن الأعصم اليهودي وغيره)، ولَفَضَحوا حقيقته أمام الناس، فلَمَّا لم يفعلوا - رغم ما يَحدث للنبي من معجزاتٍ عظيمة (كانشقاق القمر وغيرها)، ورغم ما للقرآن من بلاغةٍ وقوةٍ في البيان، ورغم عَجْز السَحَرة والمشركين في أن يَأتوا بمِثل ما أتى به - عُلِمَ أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسولٌ من عند الله يُوحَى إليه.


الآية 3: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ أيها الناس هو ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى - أي عَلا وارتفع - ﴿ عَلَى الْعَرْشِ استواءً يَليقُ بجلاله وعظمته، ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ﴾: أي يُدَبِّر أمورَ خلقه، ولا يُعارضه في قضائه أحد، ﴿ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ﴾: أي لا يَشفع عنده شافع يوم القيامة إلا مِن بعد أن يَأذن له بالشفاعة (وذلك لِعَظَمته وعزة سلطانه)، فكيف إذاً تعبدونَ - أيها المشركون - هذه الأصنام وتنتظرون شفاعتِها لكم؟!



﴿ ذَلِكُمُ أي المُتصِّف بهذه الصفات - الخَلق والتدبير والعُلُوّ والعظمة - هو ﴿ اللَّهُ رَبُّكُمْ المستحق وحده للعبادة ﴿ فَاعْبُدُوهُ ولا تُشرِكوا به شيئاً من مخلوقاته، ﴿ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾: يعني أفلا تتعظون وتتفكَّرونَ فيما ينفعكم؟


الآية 4: ﴿ إِلَيْهِ سبحانه ﴿ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا يوم القيامة للحساب والجزاء ﴿ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ﴾: أي وبهذا وَعَدَكُم اللهُ وعداً حقاً، لابد مِن إتمامه، إذ ﴿ إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ﴾: أي هو وحده الذي يستطيعُ أن يَبدأ إيجاد الخلق من العدم ﴿ ثُمَّ يُعِيدُهُ - كهيئته الأولى - بعد الموت (فالقادرُ على ابتداء الخلق: قادرٌ على إعادته).


ثم وَضَّحَ سبحانه الحِكمة من البَعث يوم القيامة، فقال: ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ أي لِيَجزيهم - على إيمانهم وأعمالهم الصالحة - جزاءً قد بَيَّنَهُ سبحانه لعباده، وأخبَرَهم أنه قد أَخفَى لهم من النعيم ما بِهِ تقِرُّ أعينهم وتَسعَدُ قلوبهم)، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ أي شرابٌ مِن ماءٍ شديد الحرارة، يَشوي الوجوه ويُقَطِّع الأمعاء، ﴿ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ من مُختلَف أصناف العذاب، جزاءً ﴿ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (وهذا من تمام عَدْلِهِ سبحانه، إذ إنه لو تَرَكَ الناسَ بغير جزاء، لاستوى العاصي والمُطيع، وربما كان بعضُ العاصين - في هذه الدنيا - أحسنَ حالاً من المُطيعين، فكانَ من الحِكمة أن يَلقى كُلُّ عاملٍ جزاءَ عمله).


وقد خَصَّ سبحانه جزاء المؤمنين بقوله: ﴿ بالقِسط ﴾ أي بالعدل، مع أن الجزاء كله عدل - بل ربما كانت الزيادة في ثواب المؤمنين فضلاً زائداً على العدل - وذلك لإشعار المؤمنين بأنّ جزاءهم قد استحقوه بما عملوا، وليس تفَضُّلاً منه سبحانه عليهم، وهذا مِن أعظم الكرم.


واعلم أنه سبحانه قد خَصَّ شراب الحميم بالذِكر - من بين أنواع العذاب - لأنه أكْرَه أنواع العذاب على النفوس، ولأنهم سيكونون - لِشِدَّة عطشهم - في أشد الحاجة إلى الماء، فيضطرون إلى شُربه رغم سخونته وغليانه، فيكونُ ذلك ذلاً وإهانةً لهم، واللهُ أعلم.


الآية 5: ﴿ هُوَ سبحانه ﴿ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا (والفرق بين الضياء والنور: أن الضياء هو الضوء الصادر مِن مصدره مُباشرَةً، فيكون الجسم مُضِيء بذاته، وأما النور: فهو الضوء المنعكس عن مصدر معين، فالقمر ليس مُنيراً بذاته، بل بانعكاس ضوء الشمس عليه، ولعل هذا يُفسر قوله تعالى: ﴿ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً ﴾، فآية الليل هي القمر، فجعله اللهُ تعالى مُظلماً، وجعل آية النهار - وهي الشمس - مضيئة، فاستفاد القمر من ضيائها فأصبح مُنيراً، واللهُ أعلم. ﴿ وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ ﴾: أي وجعل للقمر منازل يَسيرُ فيها، (والمراد بالمنازل هنا: المواقع التي يَظهر فيها القمر في كل ليلة من الشهر، وهي ثمانية وعشرون مَنزلة، يَنتقل فيها القمر مِن هلال إلى بدر، ثم يعودُ إلى هلال مرة أخرى، وهكذا).


وقد فعل سبحانه ذلك ﴿ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ إذ إنه بالقمر تُعرَفُ الأيام والشهور، ﴿ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾: أي ما خَلَقَ اللهُ تعالى الشمس والقمر إلا لِحِكمةٍ عظيمة (لأنّ عظمة هذه المخلوقات تدل على عظمة خالقها وكمال قدرته)، (وما فيها من الانتظام والإتقان والإحكام يدل على كمال حِكمته)، (وما فيها من المنافع الضرورية لِخَلقه يدل على سِعَة رحمته بالخلق، وعلى سِعَة عِلمه بمصالحهم، وأنه الإله الحق الذي يَجب أن يُعبَد ولا يُعبَد سواه)، ﴿ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ أي يُبَيِّن سبحانه الحُجَج والأدلة ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ أي يَعلمونَ الحِكمة من إبداع الخلق، فلذلك يَتَّبعون الحق - بمجرد ظهوره - ولا يَتَّبعونَ أهوائهم.


الآية 6: ﴿ إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِن الطُول والقِصَر، والظلمة والنور، وتعاقبهما بأن يَخلُف كلٌّ منهما الآخر، ﴿ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ من عجائب المخلوقات، وما فيهما أيضاً من إبداعٍ ونظام: ﴿ لَآَيَاتٍ أي علامات واضحة تدل على عظمة الخالق سبحانه، وعلى كماله وجماله وقوة سلطانه، فلذلك يَجب أن يُعبَدَ سبحانه بِحُبِّه غاية الحب، وبالخوف منه غاية الخوف، وبالرجاء - في رحمته - غاية الرجاء، وأن يُذكَرَ فلا يُنسَى، وأن يُشكَرَ فلا يُكفَر، وأن يُطاعَ فلا يُعصَى، ولذلك قال بعدها: ﴿ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ يعني إنَّ الذين يَنتفعونَ بهذه الآيات هم الذين يَتقون عذابَ اللهِ وسخطه، فيفعلون أوامره ويجتنبونَ مَعاصيه.


الآية 7، والآية 8: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ﴾: أي لا يَنتظرون لقائنا في الآخرة للحساب والجزاء لأنهم لا يؤمنون بذلك، ﴿ وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا عِوَضًا عن الآخرة ﴿ وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وأحَبُّوها ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ أي لا يَلتفتون إلى آيات القرآن وحُجَجه، ولا يَتفكرون في آيات اللهِ الكونية ﴿ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ أي مَقرُّهم نارُ جهنم; جزاءً ﴿ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ في حياتهم من الشرك والمعاصي.


الآية 9، والآية 10: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ أي يُوفقهم ربهم إلى العمل المُوصِل إلى جَنَّته بسبب إيمانهم، ثم يُثِيبهم بدخول الجنة، ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ أي تجري الأنهار مِن تحت بَساتينهم وقصورهم ﴿ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا أي يَطلبون ما يَشاءونه فيها بكلمة: ﴿ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وهو ثناءٌ على اللهِ تعالى، والغرض منه: طلب إفاضة النعيم من الطعام والشراب وغيره، ﴿ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا أي وتحية اللهِ وملائكته لهم - وكذلك تحية بعضهم لبعضٍ في الجنة - هي قولهم: ﴿ سَلَامٌ ﴾، ﴿ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ يعني: وآخر دعائهم - بعد انتهائهم من الطعام والشراب الذي طلبوه - هو قولهم: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ أي الشُكر والثناء للهِ ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #84  
قديم 19-09-2021, 05:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,006
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود





تفسير الربع الثاني من سورة يونس كاملا بأسلوب بسيط



الآية 11: ﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ ﴾: يعني ولو يُعَجِّلُ اللهُ للناس إجابة دعائهم على أنفسهم بالشر كتعجيله لهم في إجابة دعائهم بالخير: ﴿ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْأي لَهَلَكوا وماتوا، ولكنه سبحانه رؤوفٌ حليم، (واعلم أنه يَدخل في ذلك أيضاً: أفعال العباد التي تقتضي تعجيل العقوبة لهم في الدنيا قبل الآخرة، ولكنه سبحانه يُمهلهم ولا يُهملهم، ويَعفو عن كثيرٍ من حقوقه، فلو يُؤاخذهم سبحانه بما كسبوا، ما ترَكَ على الأرض مِن دابَّة).


ومِن ذلكَ أيضاً: استعجالُ بعض المشركين بالعذاب في الدنيا، كما قال تعالى: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ ﴾، فهو سبحانه لم يُعَجِّل للمشركين العذاب والشر في الدنيا استدراجاً لهم، لِيَزدادوا ضلالاً، فيَستحقوا بذلك عذاب الآخرة، ولذلك قال بعدها: ﴿ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ ﴾: أي فنترك الذين لا يؤمنون بلقائنا في تمرُّدهم وظلمهم وكُفرهم ﴿ يَعْمَهُونَأي يَترددون حائرين كالعُميان، لا يَجدون مَخرجاً مما هم فيه من الضلال والعَمَى.


واعلم أنّ لفظ (الناس) الموجود في الآية هو اسمٌ عام لجميع الناس، ولكنْ لَمَّا كان الكلام على المشركين في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ ﴾، ولَمَّا كانوا هم أول المستحقين للشر من الناس: قال تعالى بعدها: ﴿ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾.


الآية 12: ﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِأي استغاثَ بنا - لِنَكشف عنه شِدَّتَه - سواء كانَ مُضطجعًا على جنبه ﴿ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًاوذلك على حسب الحال التي يكونُ بها عند نزول البلاء به، ﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُأي استمرَّ على ما كانَ عليه من الغفلة والجحود قبل أن يُصيبه الضر، ونَسِيَ ما كان فيه من الشدة والبلاء، وترَكَ الشُكر لربه الذي فرَّج عنه كَرْبَه، كأنه لم يَكن هو ذاكَ الذي دعا بكَشْف ضُرِّه، ﴿ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾: يعني وكما زُيِّن لهذا الإنسان استمراره على جُحوده وعِناده بعد أن كَشَفَ اللهُ الضُرَّ عنه، فكذلك زُيِّنَتْ أعمال المُسرِفينَ على أنفسهم بالشِرك والمعاصي، فرأوها حسنة ﴿ فإنهم يَدعون اللهَ وحده وقت الشدة، ويُشركون به وقت الرخاء ﴾.


الآية 13: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَأي الأمم التي كانت ﴿ مِنْ قَبْلِكُمْ- أيها المشركون - ﴿ لَمَّا ظَلَمُوايعني لمَّا أشركوا، ﴿ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِأي بالمعجزات الواضحات من عند اللهِ تعالى، وبالحُجَج التي تبَيِّن صِدق مَن جاء بها ﴿ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ﴾: أي فلم تكن هذه الأمم التي أهلكناها لِتُصَدِّقَ رُسُلها وتنقاد لها، فاستحقوا الهلاك، و ﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾: يعني وبِمِثل ذلك الإهلاك نَجزي كل مُجرم مُتجاوز لحدود اللهِ تعالى.


الآية 14: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ- أيها الناس - ﴿ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْأي تَخلُفونهم بعد هَلاكهم ﴿ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَثم نُجازيكم على أعمالكم.


الآية 15: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَاالقرآنية ﴿ بَيِّنَاتٍأي واضحات: ﴿ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ﴾: أي قال المُنكِرون للبعث: ﴿ ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا﴿ أَوْ بَدِّلْهُبأن تجعل الحلال حرامًا، والحرام حلالاً، وألاّ تَذكُر ما في القرآن مِن عيبٍ لآلهتنا واتِّهامٍ لنا بضَعف العقول، ﴿ قُلْلهم - أيها الرسول -: ﴿ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِيأي مِن عند نفسي ﴿ إِنْ أَتَّبِعُيعني وما أتَّبع في كل ما آمُرُكم به وأنهاكم عنه ﴿ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّمن ربي، ﴿ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّيبتبديل كلامه ﴿ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍوهو عذابُ يوم القيامة.


الآية 16: ﴿ قُلْلهم - أيها الرسول -: ﴿ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِأي لو شاء اللهُ ألاَّ أتلو عليكم هذا القرآن، لَمَا أرسلني به إليكم، ولَبَقِيتُ على الحالة التي كنتُ عليها مِن أول عمري ﴿ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ ﴾: أي فإنكم تعلمون أنني مَكثتُ فيكم مدة طويلة - وهي أربعون سنة - قبل أن يُوحيه إليَّ ربي، ويأمرني بإبلاغه.


وأنتم تعلمونَ أيضاً أنني عِشتُ بينكم أُمِّياً، لا أقرأ ولا أكتب، ولم أشتهر يوماً ما بالبلاغة أو الخطابة أو الحِكمة أو قوة البيان، فدَلّ ذلك على أنّ هذا القرآن الذي تلوتُهُ عليكم، والذي أعْجَزَ أهل اللغة كلهم - رغم براعتهم في الفصاحة والبلاغة - هو وَحْيٌ من عند الله.


﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾: يعني أفلا تستعملون عقولكم لِتعلموا أنّ تلاوته صلى الله عليه وسلم للقرآن هي دليل رسالته؟، إذ لو كان قد اشتهر قبل الوحي بالعِلم والبلاغة، لكانت حالته بعد الوحي معتادة، ولم يكن فيها إعجاز، فدَلَّ عدم تشابه الحالين على أنّ هذا الحال الأخير هو حال رباني خالِص، وأنّ هذا القرآن هو كلامُ اللهِ تعالى.


الآية 17: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ ﴾: يعني فلا أحد أشد ظلمًا ﴿ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا - بأنْ زَعَمَ أنّ له ولدٌ أو شركاء - ﴿ أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ الواضحة، ﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ﴾: يعني إنّ الذين أجرموا على أنفسهم بالشِرك والمعاصي لا يَنالون الفوز والفلاح في الدنيا ولا في الآخرة.


الآية 18: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ إن لم يَعبدوه، ﴿ وَلَا يَنْفَعُهُمْ في الدنيا والآخرةِ إنْ عَبَدوه، ﴿ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ يعني إنما نَعبدهم ليَشفعوا لنا عند الله، ﴿ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾: يعني أتُخبِرون اللهَ تعالى - مِن أمر هؤلاء الشفعاء - بشيءٍ لا يَعلمه في السماوات أو في الأرض؟ فإنه لو كان فيهما شفعاء يَشفعون لكم عنده، لَكانَ أعلم بهم منكم، ولَأمَرَكم بعبادتهم ليُقرِّبوكم إليه، ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾.


الآية 19: ﴿ وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً أي جماعة واحدة مُتفقين على التوحيد الذي فَطَرَهم اللهُ عليه، ﴿ فَاخْتَلَفُوا ﴾: أي فتفرَّقوا، بأنْ ثَبَتَ بعضهم على التوحيد، وأصَرّ بعضهم على الشِرك، ﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ بإمهال العاصين وعدم معاجلتهم بالعقوبة: ﴿ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي لَقَضى اللهُ بين الناس ﴿ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ بأن يُهْلك أهل الباطل في الدنيا، ويُنَجِّي أهل الحق.


الآية 20: ﴿ وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ﴾: يعني أفلا تنزِل على محمد معجزة حِسِّيَّة مِن عند ربه لِنَعلم بها صِدقه فيما يقول؟، ﴿ فَقُلْ لهم - أيها الرسول -: ﴿ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ ﴾: أي لا يَعلم الغيب إلا الله، فلو شاءَ سبحانه أن يَفعل ما طلبتم لَفعَلَ، وإن لم يَشأ لم يَفعل، ﴿ فَانْتَظِرُوا - أيها المُعانِدون - قضاءَ اللهِ تعالى بنَصْر مَن على الحق مِنّا ﴿ إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ وعلى يقينٍ مِن أنّ اللهَ سينصرني عليكم.


الآية 21: ﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ ﴾: يعني وإذا أذقنا المشركين فرجًا ورخاءً بعد كربٍ وشدةٍ أصابتهم: ﴿ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا ﴾:يعني إذا هم يُكَذِّبون، ويَستهزئون بآياتنا، ﴿ قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا بكم وأسرع استدراجًا لكم، فـ ﴿ إِنَّ رُسُلَنَا أي ملائكتنا الحافظين ﴿ يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ أي يَكتبون عليكم تكذيبكم واستهزائكم وأنتم لا تشعرون ﴿ فكتابة الملائكة لِمَكْرهم: دليلٌ على مَكْر اللهِ تعالى بهم، إذ يُبَيِّتُ لهم المَكْر الذي يريد أن يُجازيهم به على مَكْرِهم ﴾.


الآية 22: ﴿ هُوَ سبحانه ﴿ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ - أيها الناس - ﴿ فِي الْبَرِّ على الدَوَابّ وغيرها، ﴿ وَالْبَحْرِيعني ويُسَيِّرُكم في البحر في السُّفُن، ﴿ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِأي في السُفن ﴿ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا ﴾:أي وجَرَتْ السُفن بريحٍ طيبة، وفرح رُكَّابها بهذه الريح الطيبة: ﴿ جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ أي جاءت هذه السُفن ريحٌ شديدة ﴿ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ﴿ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ﴾: أي وأيقنوا أنّ الهلاك قد أحاط بهم: ﴿ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾: أي أخلصوا الدعاءَ للهِ وحده، ونَسوا ما كانوا يَعبدون من دونه، فقالوا: ﴿ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا يارب ﴿ مِنْ هَذِهِ الشدة التي نحن فيها ﴿ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾: أي سنكونُ مِن الشاكرينَ لك على نِعَمك، فلا نُشرِك بك ولا نَعصيك.


الآية 23: ﴿ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْاللهُ من الأهوال والشدائد: ﴿ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّيعني إذا هم يُفسدون في الأرض بالظلم وبالمعاصي، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْيعني إنما عاقبة ظُلمكم ومَعاصيكم راجعةٌ على أنفسكم، فإنكم تُمَتَّعون ﴿ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الزائلة ﴿ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ ﴾ ﴿ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾، ثم نحاسبكم على أعمالكم.


فالعبدُ لابد أن يَعلم أنه مهما طالَ عُمره، فإنه سيَرجع يوماً إلى ربه، ليَسأله على الصغير والكبير، على كل نعمةٍ وكل ذنب، ألاَ فلْيُعِدّ جواباً لسؤال الملك القهار، وذلك بكثرة الحمد والاستغفار، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾.


الآية 24: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَاوما فيها مِن زينةٍ وأموال وغير ذلك: ﴿ كَمَاءٍأي كَمَثَل مطر ﴿ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ﴾ ﴿ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِأي فنَبتتْ بهذا المطر أنواع كثيرة من النباتات التي نَمَتْ وازدهرتْ حتى اشتبك بعضها ببعض، وأثمرتْ الكثير مِن مُختلَف الحبوب والثمار ﴿ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ ﴾.


﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ ﴾: أي حتى إذا ظهر حُسْنُ وبهاء هذه الأرض (المزروعة)، ونضجتْ ثمارها ﴿ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴾: أي وظن أهل هذه الأرض أنهم قادرون على حصادها والانتفاع بها: ﴿ أَتَاهَا أَمْرُنَا ﴾: أي جاءها قضاؤنا بهلاك ما عليها من النبات والثمار ﴿ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا﴿ فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا ﴾: أي فجعلنا هذه النباتات والأشجار محصودة مقطوعة لا شيءَ فيها ﴿ كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾: أي كأنها لم تكن قائمة على وجه الأرض بالأمس ﴿ فكذلك يأتي الفناء على دُنياكم، فيُهلِكها اللهُ تعالى في لحظةٍ خاطفةٍ من ليلٍ أو نهار ﴾.


﴿ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ ﴾: يعني وَكَما بَيَّنا لكم - أيها الناس - مَثَل هذه الدنيا وعرَّفناكم بحقيقتها، فكذلك نُبيِّن أدلتنا ﴿ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَفي آيات اللهِ تعالى، فيَجتهدوا في فِعل ما يَنفعهم في الدنيا والآخرة.


الآية 25: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ﴾: يعني واللهُ يَدعوكم إلى جناته التي أعَدَّها لأوليائه، ﴿ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُمِن خَلْقه فيُوفقه ﴿ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍأي إلى الطريق الواضح الذي لا عِوَجَ فيه، وهو الإسلام.


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري ) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #85  
قديم 19-09-2021, 05:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,006
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود
تفسير الربع الثالث من سورة يونس كاملا بأسلوب بسيط

الآية 26: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ﴾: يعني إنّ المحسنين - الذين اتقوا ربهم، وعَبَدوه بما شَرَع، وأحسَنوا معاملة خَلقِه - أولئك لهم ﴿ الْحُسْنَى أي الجنة ﴿ وَزِيَادَةٌ عليها (وهي النظر إلى وجه اللهِ تعالى في الجنة)، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - كما في صحيح مسلم -: (إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ، يقول اللهُ تعالى: تريدون شيئاً أَزِيدُكُم؟، فيقولون: ألم تُبَيِّض وجوهنا؟ ألم تُدخِلنا الجنة وتنجنا من النار؟، قال: فيُرفَعُ الحجاب، فيَنظرون إلى وجه الله، فما أُعْطُوا شيئاً أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم)، ثم تَلا صلى الله عليه وسلم: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾.

﴿ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ ﴾: أي ولا يُغَطي وجوههم حُزنٌ ولا كآبة ﴿ وَلَا ذِلَّةٌ، بل يَملأها الفرح والسرور، ﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.

الآية 27: ﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ - مِن ذنوب الشِرك والمعاصي - فـ ﴿ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا أي لهم جزاءٌ يَسُوؤهم في جهنم بحسب السيئات التي عملوها، ﴿ وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾: أي ويُغطي وجوههم ذلٌ ومَهانة، ﴿ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ﴾: أي ليس لهم مِن مانعٍ يَمنعهم مِن عذاب اللهِ تعالى، ﴿ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ﴾: أي كأنَّ وجوههم قد أُلْبِسَتْ قِطَعاً مِن سَواد الليل المُظلِم ﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ بسبب شِركهم وكُفرهم.

الآية 28، والآية 29: ﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا﴾: أي واذكُر - أيها الرسول - يومَ نَحشر الخلق جميعاً للحساب والجزاء، ﴿ ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أي الزَموا مكانكم ﴿ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ الذين كنتم تعبدونهم من دون اللهِ لِترَوا ما يُفْعَلُ بكم، ﴿ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ﴾: أي فَفَرَّقْنا بين المشركين ومَعبوديهم، حيثُ يقول المشركون: (ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كُنَّا ندعو من دونك)، ﴿ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ: ﴿ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴿ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ يعني: فاللهُ وحده يَشهد بأننا لم نكن نعلم ما كنتم تقولون وتفعلون، و ﴿ إِنْ كُنَّا أي ولقد كنَّا ﴿ عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ لا نشعر بها (وبهذا تبرَّأ شركاؤهم منهم، فلم يَدفعوا عنهم من عذاب اللهِ شيئًا، بل حصلَ لهم الضررُ منهم، بعدَ ما ظنوا أنهم سيَشفعون لهم عند ربهم).

الآية 30: ﴿ هُنَالِكَ أي في موقف الحساب: ﴿ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ ﴾: أي تتذكر كل نفس أعمالها السابقة، وتَختبرها: هل هي ضارةٌ بها أو نافعةٌ لها؟، ثم تُجازَى بحَسبها، ﴿ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ﴾: أي ورَجَعَ الجميع إلى اللهِ سَيِّدُهُم الحق ليَحكم بينهم، ﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾: أي وغابَ عن المشركين ما كانوا يَعبدون مِن دون اللهِ افتراءً عليه.

• الآية 31، والآية 32: ﴿ قُلْ - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: ﴿ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ بالمطر، ﴿ وَالْأَرْضِ أي ومَن يَرزقكم من الأرض بما يُنبته فيها من أنواع النبات والشجر الذي تأكلون منه أنتم وأنعامكم؟، ﴿ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ يعني وَمَن يَملك أسماعكم وأبصاركم، إن شاء أبقاها لكم وإن شاء سَلَبَها منكم؟، ﴿ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ﴾: يعني ومَن الذي يَملِك الحياة والموت في الكون كلِّه؟، فيُخرِجُ الجسمَ الحي من الجسم ميت، كإخراج الأشجار والنباتات من الحبوب والنَوَى، ﴿ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ كإخراج البيضة من الطائر، ﴿ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ﴾: يعني ومَن يُدبِّر أمْر السماء والأرض وما فيهما من المخلوقات؟ ﴿ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ﴾: يعني فسوف يُجيبونك بأنّ الذي يَفعل ذلك كله هو اللهُ وحده، لأنهم يَعترفون بأنّ اللهَ تعالى ليس له شريكٌ في تلك الأفعال، ﴿ فَقُلْ لهم إلزامًا بالحُجَّة: ﴿ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾: يعني أفلا تخافون عقاب اللهِ إن عبدتم معه غيره؟!

• ثم قل لهم: ﴿ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ أي المستَحِق وحده للعبادة ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾: يعني فأيّ شيء غير الحق إلا الضلال؟، ﴿ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾: يعني فكيف تَنصَرِفون عن عبادته إلى عبادة غيره من المخلوقين؟!

• الآية 33: ﴿ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ﴾: يعني وَكَما صَرَفَ اللهُ قلوب هؤلاء المشركين عن الحق - بعد معرفته - إلى الضلال، فكذلك وَجَبَ حُكم اللهِ وقضاؤه ﴿ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا وهم الذين خرجوا عن طاعة ربهم إلى مَعصيته والكفر به واستمروا على ذلك ﴿ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بوحدانية اللهِ تعالى، ولا بنُبُوَّة محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك بسبب إصرارهم وِعِنادهم من بعد ما تَبَيَّن لهم الحق.

• الآية 34: ﴿ قُلْ لهم - أيها الرسول -: ﴿ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾: يعني هل مِن مَعبوداتكم مَن يَبدأ خَلْقَ أيّ شيءٍ من العدم، ثم يُميته، ثم يُعيده كهيئته قبل أن يُميته؟، ﴿ قُلِ لهم: ﴿ اللَّهُ وحده الذي ﴿ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، ﴿ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾: يعني فكيف تنحرفون عن عبادة المُتَفرِّد بالخَلق إلى عبادة مَن لا يَخلق شيئًا وهم يُخلَقون؟!

• الآية 35: ﴿ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي الناسَ ﴿ إِلَى الْحَقِّ بالبيان والحُجَّة؟، ﴿ قُلِ اللَّهُ وحده الذي ﴿ يَهْدِي الضالَّ ﴿ لِلْحَقِّ بالأدلة والبراهين، والإلهام والتوفيق، ﴿ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وهو اللهُ سبحانه وتعالى ﴿ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أي يُعبَد ويُطاع ﴿ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي ﴾: يعني: أم تُتَّبَع هذه الأصنام التي لا تهتدي إلى شيءٍ لِعَجْزِها، كما قال إبراهيم عليه السلام لأبيه: ﴿ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾، وبالطبع لا تستطيع أن تهدي عابديها إلى ما فيه تحصيل مقاصدهم، كالنصر على الأعداء وغير ذلك.

• وأما الاستثناء في قوله: ﴿ إِلَّا أَنْ يُهْدَى فهو استهزاءٌ بهذه الآلهة التي لا تهتدي إلى الوصول إلى مكان، إلا إذا نقلها الناس ووضعوها في المكان الذي يُريدونه لها، ﴿ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ بهذا الحكم الباطل فتُسَوُّونَ بين اللهِ وخلقه؟

• ويُذَكِّرُني قوله تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ﴾ بقصة فتاة - كانت على النصرانية - وكان عندهم نشيد في الإنجيل يحتوي على كثير من الألفاظ الخارجة عن الأدب والحياء، فكانت هذه الفتاة تستنكر أن يكون هذا كلام الله، وكانت تتألم كثيراً عندما تجد فتاة مُسلِمة تتلو القرآن في المواصلات بصوتٍ مرتفع، ولا تستحي من ذلك، بل تجد ثناءً من الناس عليها، أمَّا هي فكانت تستحي أن تقرأ هذا النشيد أمام الناس حتى لا يُظَنّ بها سُوء.

• وفي أحد المرات دخلتْ حُجرتها ليلاً، وأخذتْ تُحَدِّث الصور (التي يَرسمونها ويَظنون أنها للمسيح عليه السلام وأمه)، فقالت لهم: (هل هذا النشيد هو كلام الله؟) - وبالطبع لم ترُدّ عليها الصور - ثم صعدتْ إلى سطح العَقار الذي تسكن فيه، ثم نظرتْ إلى السماء وقالت: (يا ربّ يا حقيقي، هل هذا النشيد هو كلامك؟)، فلما قالت ذلك، سمعتْ أذان الفجر يقول: (اللهُ أكبر اللهُ أكبر)، فكرَّرتْ السؤال: (يا ربّ يا حقيقي، هل هذا النشيد هو كلامك؟)، فارتفع النداء من مسجد آخر: (اللهُ أكبر اللهُ أكبر)، فبَكَتْ وقالت: (نعم يارب، أنت أكبر وأعظم مِن أن تقول هذا الكلام).

• ثم نزلتْ بعد ذلك إلى حُجرتها حتى تنام، فسمعتْ إقامة الصلاة، وكانَ المسجد الذي بجوارهم يصلي فيه رجل كبير في السن، وكانَ دائماً يقرأ في صلاة الفجر بسورتَي الأعلى والإخلاص، أمَّا في هذا اليوم، فوجدتْ شابّاً يُصلي بقوْل اللهِ تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ﴾ إلى آخر سورة المائدة.

• فعندئذٍ علمتْ أنّ اللهَ تعالى هو الذي أرسل لها هذا الشاب لِيُجيبها على سؤالها، وليُبطِلَ لها ألوهية عيسى عليه السلام ، فبهذا هَداها اللهُ تعالى إلى الإسلام عندما لجأتْ إليه سبحانه بصِدق.

• الآية 36: ﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ﴾: أي وما يَتَّبع أكثر هؤلاء المشركين - في تَسمِيَتِهم للأصنام بالآلهة واعتقادهم بأنها تقرِّبهم إلى اللهِ تعالى - إلا تخميناً وتقليداً لآبائهم بغير دليل، حتى اعتادوا على ذلك وظنوه حقًاً وهو لا شيء، فـ﴿ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا أي لا يُغني عن العِلم شيئاً، والمطلوب في العقيدة: العِلم لا الظن، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ من الكفر والتكذيب، وسيُعاقبهم على ذلك أشد العقوبة.

• الآية 37: ﴿ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني: وما كان لأحدٍ أن يأتي بهذا القرآن غير اللهِ تعالى، لأنه لا يَقدِرُ على ذلك أحدٌ من الخَلق، ﴿ وَلَكِنْ أنزله اللهُ رحمةً للعالمين، وحُجَّةً على العباد أجمعين، فكانَ هذا القرآنُ ﴿ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ أي موافقاً للكتب السماوية السابقة (مُصدقًا لما فيها مِن صِحَّة، ومبيِّنًا لِما فيها من تحريف)، ﴿ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لأحكام الحلال والحرام وجميع الإخبارات الصادقة ﴿ لَا رَيْبَ فِيهِأي لا شك في أنه تنزيلٌ ﴿ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.

• الآية 38: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ﴾: يعني بل يقولون: (إنّ هذا القرآن قد افتراه محمد مِن عند نفسه)، مع أنهم يعلمون أنه بشر مثلهم!! إذاً ﴿ قُلْ لهم - أيها الرسول -: إذا كانَ هذا من كلام البشر ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ أي مِثل هذا القرآن في أسلوبه وهدايته، ﴿ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾: أي واستعينوا على ذلك بكل مَن قَدَرْتم عليه مِن إنسٍ وجن ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ في دعواكم (ولو كان ذلك مُمكِنًا: لادَّعَوا قدرتهم على فِعله، ولأتَوْا بمِثله، ولكنْ لَمَّا ظَهَرَ عَجْزُهُم: تبيَّنَ أنَّ ما زعموه باطل).

• الآية 39: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ﴾: يعني بل سارَعوا إلى التكذيب بالقرآن وما فيه من الوعد والوعيد قبل أن يَتدبروا آياته، وقبل أن يفهموه حق فهمه، ﴿ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾: أي وسوف يأتيهم ما وُعِدوا به في القرآن (من العذاب الذي يَؤول إليه أمْرهم يوم القيامة)، وسيَعلمون حينها مَن على الحق ومن على الباطل، ﴿ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ بعذاب اللهِ حتى ذاقوا بأسَه، ﴿ فَانْظُرْ أيها الرسول ﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾.

• وفي هذا إرشادٌ إلى التثبت في الأمور، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يُسارع بقبول شيءٍ أو رَدِّه، قبل أن يُحِيطَ به عِلمًا.

• الآية 40، والآية 41: ﴿ وَمِنْهُمْ يعني: ومِن قومك - أيها الرسول - ﴿ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ أي يُصَدِّق بالقرآن, ولكنه يُخفِي إيمانه خوفاً مِن أذى المشركين، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ كِبراً وعِناداً.

• ويُحتمَل أن يكون المعنى: أنّ اللهَ تعالى أرادَ أن يُصَبِّر رسوله على عدم إيمان قومه - رغم ظهور الأدلة وقوة البراهين -، فقال له: (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) أي من المشركين مَن سيُؤمن بالقرآن مُستقبَلاً، (وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ) فيَموت على كُفره، (وبالفِعل، فقد آمَنَ عددٌ كبير من المشركين ولم يُؤمن عددٌ آخر).

﴿ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ الذين لا يؤمنونَ بسبب اتِّباعهم لأهوائهم، فهؤلاء هم الذين يُفسدون عقول الناس ويَصدونهم عن الإيمان والتوحيد, فسيُجازيهم ربهم على ذلك بأشد العذاب، ﴿ وَإِنْ كَذَّبُوكَ أي استمَرُّوا على تكذيبك ﴿ فَقُلْ لهم: ﴿ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ يعني: لي ثواب عملي (على تبليغي وطاعتي للهِ تعالى)، ولكم جزاء عملكم (على شِرككم وتكذيبكم)، ﴿ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ﴾: يعني فأنتم لا تُسألون عن عملي، وأنا لا أُسأل عن عملكم.

• الآية 42، والآية 43، والآية 44: ﴿ وَمِنْهُمْ يعني: ومِنَ هؤلاء المشركين ﴿ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أي يَسمعون تلاوتك للقرآن ولكنهم لا يَهتدون، ﴿ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ ﴾: يعني أفأنت - أيها الرسول - تَقْدر على إسماع الصُمّ؟ والجوابُ: لا، فكذلك أنت لا تقدر على هداية هؤلاء المشركين، لأنهم كالصمٌّ، حيثُ لا يَسمعونك سماع تدبُّر وانتفاع، ﴿ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ يعني: وخصوصًا إذا كان عقلهم مَعدومًا، لأنهم قد سمعوا ما بِهِ تقومُ الحُجَّة عليهم.

﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أي يَنظر إلى هَدْيِكَ وأخلاقك وإلى أدلة نُبُوَّتك الصادقة، ومع هذا فهم لا يَهتدون، بسبب تكَبُّرهم عن الانقياد للحق، ﴿ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ ﴾: يعني أفأنت تقدر على أن تَخلق للعُمْي أبصارًا يَهتدون بها؟! فكذلك أنت لا تقدر على هدايتهم، ﴿ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ يعني: وخصوصًا إذا كانوا فاقدي البَصيرة، وإنما هدايتهم بإذن اللهِ وحده، فلا تحزن عليهم.

• وفي هذا إشارة إلى أنّ عدم هدايتهم كان بسبب استحبابهم العَمَى على الهُدَى وإيثارهم للدنيا على الآخرة، ولذلك قال تعالى بعدها: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا ﴿ وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَأي يظلمون أنفسهم بالشِرك والمعاصي، لأنهم بذلك يُعَرِّضونها لغضب اللهِ وعقابه، (إذ يأتيهم الحق فلا يَقبلونه، فيُعاقبهم اللهُ بالطبع على قلوبهم، والخَتم على أسماعهم وأبصارهم).

•الآية 45: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ أي واذكر أيها الرسول يومَ يَجمعهم اللهُ تعالى للبعث والحساب، فيَكونونَ ﴿ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا أي كأنهم لم يَمكثوا في الدنيا (وهم أحياء) ولا في قبورهم (وهم أموات) ﴿ إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ، فكأنهم قد نسوا في تلك اللحظة كل ما مَرَّ بهم في الدنيا وكل ما مَرَّ بهم في القبر، وذلك لِمَا شاهَدوه من أهوال القيامة، ولِطُولِ وقوفهم في حر الشمس، ولِتَغطية العرق لجميع جسدهم، وبسبب رؤيتهم لجهنم التي سيُعذبون فيها (والإنسان إذا عَظُمَ خوفه: نَسِيَ كل ما مَرَّ به مِن نعيمٍ أو عذاب، خاصةً إذا قارَنَ ذلك بعذاب الآخرة الأبدي).

• وهم في هذا الموقف ﴿ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ﴾: أي يَعرف بعضهم بعضًا كحالهم في الدنيا (واعلم أن هذا التعارف إنما هو تعارف توبيخ، حيث يقول بعضهم لبعض: (أنت أضللتَني وأعَنتَني على الكفر والشرك)، ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حيث استبدلوا النعيم المقيم بالعذاب الأليم، ﴿ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ أي وما كانوا مُوَفَّقين لإصابة الرشد فيما فعلوا في الدنيا.

• الآية 46: ﴿ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ يعني: وإمَّا أن نُرِيَكَ - أيها الرسول - في حياتك ﴿ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ من العقاب (كما حدثَ في بدر) ﴿ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل أن نُرِيَكَ ذلك فيهم: ﴿ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ في الحالتين بعد موتهم ﴿ ثُمَّ نُصيبهم بالعذاب الذي نَعِدهم، والذي استحقوه بأفعالهم، فقد كانَ ﴿ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ في الدنيا، لم يَخْفَ عليه شيءٌ من أفعالهم.

• الآية 47: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ ﴾: أي وقد كانَ لكل أمّةٍ - مَضَتْ - رسولٌ أرسله اللهُ إليهم لِيُوَحِّدوهُ تعالى ويُطيعوه، ﴿ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ في الآخرة لِيَشهد عليهم: ﴿ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ أي بالعدل ﴿ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾.

• الآية 48، والآية 49: ﴿ وَيَقُولُونَ ﴾: أي ويقول لك المشركون - أيها الرسول -: ﴿ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ أي متى تقوم هذه القيامة التي تَعِدوننا بها أنت ومَن اتَّبَعك ﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ؟ ﴿ قُلْ لهم: ﴿ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾: أي لا أستطيع أن أدفع عن نفسي ضَرًا، ولا أجلب لها نفعًا ﴿ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ أن يَدفع عني مِن ضرٍّ أو يَجلب لي مِن نفع، إذاً فكيف لي أن أُعَجِّلَ لكم العذاب، إذا كانَ اللهُ يريدُ تأجيله؟! وكيف لي أن أحدِّدَ لكم موعده؟! ﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ﴾: أي لكل قومٍ وقتٌ لانتهاء أجلهم، فـ ﴿ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ عنه ﴿ سَاعَةً ليَعتذروا ويتوبوا، ﴿ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ أي ولا يَتقدم أجلهم عن الوقت المعلوم.

• الآية 50، والآية 51: ﴿ قُلْ - أيها الرسول - لهؤلاء الذين يَستعجلونك بعذاب الله: ﴿ أَرَأَيْتُمْ أي أخبِروني ﴿ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أي وقت نومكم بالليل ﴿ أَوْ نَهَارًا في وقت غفلتكم: أتطيقونه وتقدرون تحَمُّلَه؟! إذاً فـ ﴿ مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُون ﴾: يعني فما الذي يَدفعكم أيها المشركون حتى تستعجلوا بنزول العذاب؟!، فإنه لا يَعودُ عليكم إلا بالهلاك.

• وقد كان المتوقَّع أن يقول لهم سبحانه: (ماذا تستعجلون منه؟)، أي بصيغة المُخاطَب، لأنّ الخطاب كانَ موجهاً إليهم في قوله: ﴿ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا ﴾، ولكنه قال لهم: ﴿ مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُون ﴾، أي بضمير الغائب، وذلك تهميشاً لهم واحتقاراً لشأنهم، واللهُ أعلم.

• ثم قال تعالى: ﴿ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آَمَنْتُمْ بِهِ ﴾: يعني أبَعدَما وقع العذاب بكم: آمنتم به في وقتٍ لا يَنفعكم فيه الإيمان؟، وقيل لكم حينئذ: ﴿ آَلْآَنَ تؤمنون به ﴿ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ إنكاراً له واستخفافاً به؟!

• الآية 52: ﴿ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بالكفر والمعاصي: ﴿ ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ أي العذاب الدائم، فـ ﴿ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ في حياتكم من الشرك والمعاصي؟ (والسؤال للتقرير والتوبيخ، وجوابه: نعم).

[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #86  
قديم 29-09-2021, 05:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,006
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود







تفسير الربع الرابع من سورة يونس كاملا بأسلوب بسيط















الآية 53: ﴿ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ : يعني ويَسألك مُشرِكو قومك - أيها الرسول - عن العذاب يوم القيامة: ﴿ أَحَقٌّ هُوَ ؟ ﴿ قُلْ لهم:﴿ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ يعني: نعم وربي إنه لَحَقٌّ لا شك فيه، ﴿ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ أي ولن تُعجِزوا اللهَ تعالى في أن يَبعثكم ويُجازيكم، فأنتم في قبضته وسلطانه.










الآية 54: ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ - أي أشركَتْ بالله تعالى - ﴿ مَا فِي الْأَرْضِ يعني لو أنها امتلكتْ جميع ما في الأرض وكانَ في إمكانها أن تجعله فداءً لها من عذاب يوم القيامة:﴿ لَافْتَدَتْ بِهِ ، وإن فعلتْ ذلك، فلن يُقبَلَ منها، لأنه يومٌ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، إلا مَن أتى اللهَ بقلبٍ سليم.










﴿ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ : يعني وأخفى الذين ظلموا حسرتهم ﴿ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ واقعٌ بهم يوم القيامة، ﴿ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ : أي وقضى اللهُ بينهم بالعدل، ﴿ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ؛ لأن اللهَ تعالى لا يُعاقِب أحداً بذنب أحد ﴿ إلا مَن كانَ سبباً في إضلال الناس ولم يَتُب عن ذلك الإضلال ﴾.










الآية 55، والآية 56: ﴿ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ وحده جميع﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فهو سبحانه المُتفرِّد بالمُلك والإحاطة والتدبير، فيَفعل سبحانه ما يشاء في الوقت الذي يشاء، لا يَمنعه من ذلك مانع، ولهذا قال بعدها: ﴿ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ : يعني ألاَ إنّ لقاءَ اللهِ تعالى وعذابه للمشركين كائِنٌ يوم القيامة لا مَحالة، لأنه سبحانه لا يُعارضه أحد في تحقيق ما يريد، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ، ( واعلم أنّ كلمة: ( ألاَ ) هي كلمة تأتي في أوّل الكلام للتنبيه، ومعناها: ( انتبهوا لِما أقوله لكم ) ).




ثم ذكَرَ سبحانه الدليل على قدرته على البعث والإحياء، فقال: ﴿ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ أي هو وحده المُتفرِّد بالإحياء والإماتة، وأنتم تعلمون ذلك أيها المشركون، فلقد كنتم أمواتًا - وأنتم في العَدم - فأوجدكم سبحانه ونَفَخَ فيكم الحياة، فكذلك لا يُعجزه إحياء الناس بعد موتهم، ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بعد موتكم للحساب والجزاء.










الآية 57: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ تذكِّركم عقابَ اللهِ وتُخوِّفكم وعيده، وهي هذا القرآن وما اشتمل عليه من الآيات والعِظات لإصلاح أخلاقكم وأعمالكم، ﴿ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ : أي وهذا القرآن دواءٌ لِمَا في القلوب من الجهل والشرك وسائر الأمراض، ﴿ وَهُدًى أي ورُشدٌ لِمَن اتَّبعه مِن الخَلق، فيُنَجيه من الهلاك، ﴿ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ : أي وجعله سبحانه رحمةً للمؤمنين - وخَصَّهم بتلك الرحمة لأنهم المنتفعون به، وأما الكافرون فلا يَزيدهم القرآن إلا هلاكاً، لأنه قد أقام الحُجَّة عليهم -، فآمِنوا أيها الناس بهذا القرآن وتداووا به وتعَلَّموه واعملوا به: تَشْفوا وتَسعَدوا في الدنيا والآخرة.










الآية 58: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا أي بَلِّغْ أيها الرسول جميع الناس أنْ يَفرحوا بالقرآن وعلومه وبالإسلام وشرائعه، فإنّ ذلك ﴿ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ مِن متاع الدنيا الزائل (قال أبو سعيد الخُدري وعبد الله ابن عباس رضي الله عنهم: (فضْلُ الله: القرآن، ورحمته: الإسلام).










فالقرآن هو أعظم فضل تفضَّلَ اللهُ به على عباده، والإسلام - وما يَحتوي عليه من عبادة اللهِ تعالى ومَعرفته ومَحَبَّته - هو أعظم رحمة للناس، لأنه المُنَجِّي لهم من عذاب جهنم، المؤَدِّي بهم إلى السعادة والسرور في جنات النعيم.










الآية 59: ﴿ قُلْ - أيها الرسول - لهؤلاء المُعاندين: ﴿ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ : يعني أخبِروني عن هذا الرزق الذي خلقه اللهُ لكم من الحيوان والنبات وغير ذلك ﴿ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا أي فحَلَّلتم بعضه لأنفسكم وحَرَّمتم بعضه، ﴿ قُلْ لهم: ﴿ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ بذلك التحليل والتحريم؟! ﴿ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ : يعني أم تكذبونَ على اللهِ تعالى فيما تقولون؟ ﴿ والغرض من هذا الاستفهام: هو تقريرهم بذلك الإثم العظيم وتوبيخهم عليه ﴾.










الآية 60: ﴿ وَمَا ظَنُّ هؤلاء ﴿ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ - بتحريم ما أحَلَّهُ الله وتحليل ما حَرَّمَه الله - فما ظنهم أنّ اللهَ فاعلٌ بهم ﴿ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ أيَحسبون أنه يَصفح عنهم ويَغفر لهم؟! ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ بترْكِهِ مُعاجلة مَن افترى عليه الكذب بالعقوبة في الدنيا وإمهاله إياه، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ أي لا يشكرونَ اللهَ على ذلك الإمهال - بأن يتوبوا ويَنتهوا عَمّا هم فيه -، بل يَزيدهم هذا الإمهال طغياناً.










الآية 61: ﴿ وَمَا تَكُونُ - أيها الرسول - ﴿ فِي شَأْنٍ مِن شئونك﴿ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ أي وما تتلو مِن كتاب اللهِ مِن آيات ﴿ وَلَا تَعْمَلُونَ يا أمّة محمد ﴿ مِنْ عَمَلٍ خيراً كانَ أو شراً:﴿ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا أي حُضوراً مُطَّلِعين عليكم ﴿ إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ أي وقت ابتدائكم في ذلك العمل واستمراركم عليه، فنحفظه عليكم ونَجزيكم به.










فراقِبوا الله في أعمالكم، وأدُّوها بإخلاصٍ وإتقان، وجدٍّ واجتهاد، وإياكم وما يُغضِبُ اللهَ تعالى، فإنه مُطَّلِعٌ عليكم، عالِمٌ بظَواهركم وبَواطنكم، ﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ : أي وما يَغيبُ عن عِلم ربك ﴿ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ أي ما يُعادل وزن ذرةٍ ﴿ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ ﴿ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا مُثبَتٌ ﴿ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ أي في كتابٍ عند اللهِ واضح، أحاطَ به عِلمه وكَتبه قلمه (وهو اللوح المحفوظ).










الآية 62، والآية 63، والآية 64: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ في الآخرة مِن عقاب اللهِ تعالى: ﴿ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.










ثم وضَّحَ سبحانه صفات هؤلاء الأولياء، فقال: ﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا أي باللهِ ورسوله وعملوا بشرعه﴿ وَكَانُوا يَتَّقُونَ اللهَ بامتثال أوامره، واجتناب معاصيه، فأولئك ﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى مِن الله تعالى ﴿ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بما يَسُرُّهم، ﴿ وَفِي الْآَخِرَةِ بالجنة، ﴿ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ : أي لا يُخلِفُ اللهُ وَعْدَهُ ولا يُغَيِّرُه، ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لأنه اشتمل على النجاة مِن كل مَحذور، والفوز بكل مطلوبٍ ومحبوب (وعلى هذا فكُلُّ مؤمنٍ تقيٍّ هو وليٌّ للهِ تعالى، ولكنْ تختلف درجة ولايته بحسب إيمانه وتقواه).










الآية 65: ﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ : أي ولا يَحزُنك - أيها الرسول - قول المشركين في ربهم بأنّ له شركاء؛ ﴿ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا : يعني فإنّ اللهَ تعالى هو المُتفرِّد بالقوة الكاملة والقدرة التامة في الدنيا والآخرة، فلن يَضُرَّه سبحانه قولهم وافتراؤهم، و ﴿ هُوَ السَّمِيعُ لأقوالهم، ﴿ الْعَلِيمُ بأفعالهم ونيَّاتهم، وسيُجازيهم عليها.










ويُحتمَل أن يكون المعنى: (ولا يَحزُنك أيها الرسول قول المُكَذِّبين فيك بأنك تفتري الكذب على ربك، فإنَّ أقوالهم لا تضرك شيئًا، وإذا كنتَ تظن أنهم أهْلُ عزة، فاعلم أنّ عِزَّتهم محدودة وزائلة، والْعِزَّةَ الحق للهِ تعالى وحده، يُعطِيها مَن يشاء، ويَمنعها عَمَّن يشاء، وسوف يُعطيها لك وللمؤمنين ويَنصركم عليهم، وهو سبحانه السميع العليم، فاكتَفِ بعِلم اللهِ وكفايته، فإنّ مَن يتوكل على اللهِ فهو حَسْبُه).










الآية 66: ﴿ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ وحده جميع ﴿ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ من الملائكة والإنس والجن وغير ذلك من المخلوقات، فليس لأحدٍ غيره في هذا الكون شيئاً،﴿ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ يعني: وما يَتَّبع المشركون في الحقيقة شركاءَ للهِ تعالى، فإنه ليس له شريكٌ أصلاً، و ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ يعني وما يَتَّبعون ﴿ إِلَّا الظَّنَّ الناتج عن التخمين واتباع الآباء بغير دليل، ﴿ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ يعني: وما هم إلا يَكذبون فيما يَنسبونه إليه سبحانه.










الآية 67: ﴿ هُوَ سبحانه ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ أيها الناس، وتستريحوا من التعب في طلب الرزق، ﴿ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا : أي وجعل سبحانهالنهار؛ لِتُبصِروا فيه، ولِتسعَوْا في طلب رزقكم، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ : يعني إنَّ في اختلاف حال الناس في الليل والنهار، وفي عناية اللهِ تعالى بمصالح خلقه: ﴿ لَآَيَاتٍ على أنّ اللهَ وحده هو المستحق للعبادة.










ثم خَصَّ سبحانه الذين يَنتفعون بهذه الآيات بقوله: ﴿ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ أي يَسمعون هذه الحجج، ويَتفكرون فيها.










ومِن لطيف ما يُذكَر أنّ اللهَ تعالى شاءَ أن يأتي بالأسلوب القرآني المُعجِز في قوله: ﴿ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ﴾، فقد أثبت العلم الحديث أنّ العين لا تُبصِرُ بذاتها، وإنما تُبصِرُ بعد انعكاس الضوء عليها (بدليل أنه إذا كانَ هناك شخصٌ يقف في حجرةٍ بها مصباح مُضيء، وأنت تقف في الظلام فإنك تراه، وإذا كان نفس الشخص يقف في الظلام فأنت لا تراه، إذن: فإنّ ضوء المصباح هو الذي عَكَسَ الرؤية إلى عينك فأبْصَرَتْ)، وكذلك فإنّ النهار هو المُبصِر؛ لأنه جاء بالضوء اللازم لِيَنعكس إلى العيون حتى تستطيع الإبصار، فسبحان مَن عَلَّمَ محمداً صلى الله عليه وسلم - النبي الأُمِّي - هذه الحقيقة.










الآية 68: ﴿ قَالُوا أي قال المشركون: ﴿ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا - وذلك كقولهم: الملائكة بنات الله، أو المسيح ابن الله، أو عزيرٌ ابن الله - ﴿ سُبْحَانَهُ أي تقدَّسَ اللهُ عن ذلك كله وتنزَّه، فـ ﴿ هُوَ الْغَنِيُّ عن كل ما سواه، لأنه سبحانه ليس مُحتاجًا إلى ولدٍ كما يحتاجُ البشر، فإنَّ البشر يحتاجون إلى ولدٍ يَخدمهم ويَرعاهم في كِبَرهم، وعند مرضهم، وحالَ ضَعفِهم، أما اللهُ تعالى فهو القوي الغني الذي لا يحتاجُ إلى شيءٍ مما يحتاجُه البشر، ولأنه سبحانه ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ فكل ما في السماوات والأرض ملْكُه وعبيده، فكيف يكونُ له ولدٌ مِمَّن خَلَق، وكُلُّ شيءٍ مملوكٌ له؟!










فهذا أكبر دليل على بُطلان نسبة الولد للهِ تعالى، إذ هو خالقُ كل شيء، فهل يُقالُ لِمَن خَلَقَ شيئاً أنه وَلَدَهُ؟! لو صَحَّ هذا لقالوا لِكُلّ مَن صَنَعَ شيئاً إنه أبو المصنوع، ولا يوجد قائلٌ بهذا أبداً، إذَن فأيُّ معنى لِنسبة الولد إليه سبحانه، إلا تزيين الشياطين للباطل حتى يَقبله أولياؤهم من الإنس؟!، ﴿ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا : أي وليس عندكم دليلٌ على ما تفترونه من الكذب، ﴿ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ؟!










الآية 69، والآية 70: ﴿ قُلْ - أيها الرسول - لقومك: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ - بأن يَنسبوا له الولد أو الشريك - ﴿ لَا يُفْلِحُونَ أي لا يَنالون الفوز والفلاح في الدنيا ولا في الآخرة، إنما هو﴿ مَتَاعٌ قصير يُمَتَّعونه﴿ فِي الدُّنْيَا ﴾ ﴿ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ بعد انتهاء آجالهم﴿ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ في جهنم، جزاءً﴿ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ .







[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" ( بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) ( بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية )، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #87  
قديم 29-09-2021, 05:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,006
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود





تفسير الربع الخامس من سورة يونس كاملا بأسلوب بسيط


الآية 71: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ ﴾: أي واقصُص - أيها الرسول - على كفار "مكة" خبر نوح عليه السلام ﴿ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي يعني إنْ كانَ ثَقُلَ عليكم وجودي بينكم، وضاقت أنفسكم من دَعْوَتي لكم إلى توحيد ربكم ﴿ وَتَذْكِيرِي لكم ﴿ بِآَيَاتِ اللَّهِ وحُجَجِه: ﴿ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ أي فعلى اللهِ وحده اعتمادي، وبه ثقتي في أن يَحفظني مِن شَرِّكم، ﴿ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ﴾: أي فأعِدُّوا لي ما استطعتم مِن مَكرٍ وقوة حتى تؤذوني، وادعوا أيضاً شركاءكم المزعومين، ﴿ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ﴾: أي ولا تجعلوا كيدكم لي في الخفاء، بل اجعلوه ظاهرًا منكشفًا، ﴿ ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ ﴾: أي ثم اقضوا عليَّ بالعقوبة وأَصِيبوني بالسُوء الذي في إمكانكم ﴿ وَلَا تُنْظِرُونِ ﴾: أي ولا تُمهِلوني، بل عَجِّلوا بعقوبتي، فإني لا أهتم بآلهتكم، لاعتمادي على حِفظ اللهِ وحده.


الآية 72، والآية 73: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ ﴾: أي فإن أعرضتم عن دَعْوَتي: ﴿ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ ﴾: يعني فإنني لم أطلب منكم أجرًا على دَعْوَتي لكم حتى تُعرِضوا؛ ﴿ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ﴾: أي فثَوَابي عند ربي وأجري عليه سبحانه، ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أي المُنقادين لِحُكم اللهِ تعالى وأوامره.


﴿ فَكَذَّبُوهُ أي فاستمَرُّوا على تكذيبه، فدعانا لِنُصْرَتِه ﴿ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ من المؤمنين ﴿فِي الْفُلْكِ أي في السفينة، ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ أي يَخْلُفون هؤلاء المكذبين، ويَسكنون الأرض مِن بعدهم جِيلاً بعدَ جِيل، ﴿ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا ﴿ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ: أي فتأمل -أيها الرسول - كيف كان عاقبة القوم الذين أنذَرَهم رسولهم بعذاب اللهِ فكذَّبوه.


واعلم أنّ في تلاوة هذا القَصَص فائدتان: (الأولى: تصبير الرسول صلى الله عليه وسلم على ما يَلقاه مِن أذى قومه، والثانية: تنبيه المشركين وتحذيرهم من الاستمرار على الشِرك والعصيان حتى لا يَحِلّ بهم مِن العذاب ما حَلّ بغيرهم).


الآية 74: ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ أي أرسلنا من بعد نوحٍ ﴿ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ (كصالح وهود وإبراهيم ولوط وشعيب وغيرهم) ﴿ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾: أي فجاء كُلُّ رسولٍ قومه بالمعجزات الدالَّة على صِدق رسالته، ﴿ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ ﴾: يعني فلم يُقِرّ أقوامهم بالتوحيد، كما لم يُقِرّ به قومُ نوحٍ ﴿ مِنْ قَبْلُ، ﴿ كَذَلِكَ نَطْبَعُ ﴾: يعني وكما ختمنا على قلوب هؤلاء الأقوام لإصرارهم على الشرك وعدم توبتهم منه، فكذلك نَختم ﴿ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ الذين تجاوزوا حدود اللهِ تعالى في كل زمان، عقوبةً لهم على شِركهم وعلى مخالفتهم لرسلهم.


ويُحتمَل أن يكون معنى قوله تعالى: ﴿ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ﴾ أي: فما كان اللهُ لِيَهديهم للإيمانِ ﴿ بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ﴾ أي بسبب تكذيبهم بهذه الآيات الواضحة عندما جاءتهم أول مرة (جزاءً لهم على رَدِّهم الحق)، كما قال تعالى: ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾، واللهُ أعلم.


الآية 75، والآية 76: ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ - أي مِن بعد هؤلاء الرسل - أرسلنا ﴿ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ - وهم أشراف قومه - ﴿ بِآَيَاتِنَا أي بالمعجزات الدالّة على صِدقهما، ﴿ فَاسْتَكْبَرُوا ﴾: أي فاستكبر فرعون وأشراف قومه عن قَبول الحق ﴿ وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ حيث أفسدوا القلوب والعقول، وسفكوا الدماء وعذبوا الضعفاء، ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا وهي الآيات التي جاء بها موسى عليه السلام وعددها تسع، ﴿ قَالُوا أي قال فرعونَ وقومَه - ليتخلصوا من الهزيمة التي أصابتهم أمام قومهم -: ﴿ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ أي إنَّ هذا لَسِحرٌ ظاهر.


الآية 77: ﴿ قَالَ لهم ﴿ مُوسَى مُتعجبًا: ﴿ أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ إنه سِحر؟! ﴿ أَسِحْرٌ هَذَا ؟! أي انظروا إلى وَصْف ما جئتكم به، تجدوه الحق، ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ يعني: واعلموا أنّ الساحرين لا يُفلحون ولا يَنتصرون، لأنّ صَنِيعهم ما هو إلا تخييل وتمويه لأعين الناس، (وقد عَلِموا بعد ذلك - وظَهَرَ لكل أحد - مَن الذي سَحَرَ أعين الناس، ومَن الذي أبْطَلَ السِحر بما معه من الحق فأفلح وانتصر).


الآية 78: ﴿ قَالُوا أي قال فرعون ومَلؤه لموسى عليه السلام: ﴿ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا أي لِتَصْرفنا ﴿ عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا؟، ﴿ وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ أي وحتى يَكونُ لكما - أنت وهارون - العظمة والسلطان في أرض "مصر"؟، ﴿ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ﴾: يعني وما نحن بمقرِّين لكما بأنكما رسولان أرسلكما اللهُ إلينا لنعبده وحده ولا نُشرك به.


الآية 79: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ لجنوده: ﴿ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ أي مُتقِن للسحر.


الآية 80، والآية 81، والآية 82: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى: ﴿ أَلْقُوا على الأرض ﴿ مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ مِن الحبال والعِصِيِّ التي معكم، ﴿ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى لهم: إنَّ ﴿ مَا جِئْتُمْ بِهِ وألقيتموه هو ﴿ السِّحْرُ، و ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ويَفضحكم أمام الناس ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ الذين أفسدوا في الأرض بالشِرك والمعاصي، ﴿ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ ﴾: أي وسوف يُظهِرُ اللهُ الحقَّ الذي جئتُكُم به، وسَيُعلِيهِ على باطلكم ﴿ بِكَلِمَاتِهِ أي بأمره، إذ يقولُ سبحانه للشيء كُن فيكون ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾.

الآية 83: ﴿ فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ أي بعض الشباب من بني إسرائيل، آمَنوا بموسى عندما انتصر على السَحَرة، وكذلك آمَنَ عدد قليل من آل فرعون (كامرأة فرعون ومُؤمن آل فرعون)، ولكنهم كتموا إيمانهم، وهم ﴿ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ أي وهم خائفون من فرعون أن يَفتنهم بالعذاب، وخائفونَ أيضاً من سادة قومهم أن يُحَرِّضوا فرعون عليهم لِيُعَذبهم، وهذا التحريض كقول الملأ لفرعون: ﴿ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ ﴾، فقال لهم فرعون: ﴿ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾، إذ كانَ أمْرُ العذاب بيد فرعون لا بيد الملأ، ولعل هذا هو السبب في أنّ اللهَ تعالى قال: ﴿ أَنْ يَفْتِنَهُمْ ﴾ بضمير المُفرَد، ولم يقل: ﴿ أَنْ يَفْتِنَوهُمْ ﴾، ولأنّ إنكار الملأ عليهم إنما هو لِخَوفهم من فرعون أن يَسلبهم رئاستهم، فلذلك انحصر الخوف في فرعون، واللهُ أعلم).


﴿ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ أي ظالمٌ مستكبر ﴿ فِي الْأَرْضِ أي في أرض مصر المليئة بالخيرات والنعم، ﴿ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ المتجاوزين الحد في الكفر والفساد.


الآية 84، والآية 85، والآية 86: ﴿ وَقَالَ مُوسَى لقومه: ﴿ يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا أي فثِقوا بنصره، وسَلِّموا لأمْره ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ يعني إن كنتم خاضعين له بالطاعة والانقياد، ﴿ فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا أي عليه اعتمدنا وإليه فوَّضنا أمْرَنا، ﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي لا تنصر الكافرين علينا، فيكون ذلك فتنةً لنا عن الدين، أو يُفتَن الكفارُ بنَصْرهم، فيقولوا: (لو كان هؤلاء على الحق، ما غُلِبوا)، ﴿ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ وهم فرعون ومَلَئِه؛ لأنهم كانوا يُكَلِّفون بني إسرائيل بالأعمال الشاقة.


الآية 87: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ هارون ﴿ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا أي اتَّخِذا لقومكما بيوتًا في "مصر" تكونُ مَساكن ومَلاجئ تحتمون بها مِن بطش فرعون وقومه، ﴿ وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً أي أماكن تُصَلُّون فيها عند الخوف ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ أي أدُّوها في أوقاتها على الوجه الذي شُرِعَ لكم، ﴿ وَبَشِّرِ يا موسى ﴿ الْمُؤْمِنِينَ بالنصر في الدنيا وبالجنة في الآخرة.


الآية 88: ﴿ وَقَالَ مُوسَى - وهو يدعو ربه -: ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فلم يَشكروا نِعَمَكَ ﴿ رَبَّنَا، وإنما استعانوا بهذه الأموال ﴿ لِيُضِلُّوا الناس ﴿ عَنْ سَبِيلِكَ، ﴿ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ أي أتلِفها عليهم (إمَّا بالهلاك، وإمَّا بجَعْلها حجارة)، حتى لا يَنتفعوا بها، ﴿ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ أي اختم على قلوبهم حتى لا تنشرح للإيمان ﴿ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾.

الآية 89: ﴿ قَالَ اللهُ تعالى لهما: ﴿ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا في فرعون وملئه وأموالهم (وقد كان موسى يدعو، وهارون يُؤَمِّن على دعائه، ومِن هنا نُسِبَتْ الدعوة إلى الاثنين في قوله تعالى: ﴿ دَعْوَتُكُمَا ﴾).
﴿ فَاسْتَقِيمَا على دينكما، واستمِرَّا على دعوة فرعون وقومه إلى توحيد اللهِ وطاعته ﴿ وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾: أي ولا تسلكا طريق مَن لا يَعلم حقيقة وعدي ووعيدي، (واعلم أن النون التي في قوله: ﴿ ولا تَتَّبِعَانِّ ﴾ تُسَمَّى نون التوكيد).



[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: "أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #88  
قديم 29-09-2021, 05:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,006
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود





تفسير الربع الأخير من سورة يونس كاملا بأسلوب بسيط



الآية 90، والآية 91، والآية 92: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ ﴾: أي وقطعنا ببني إسرائيل البحر حتى جاوَزوه إلى شاطئه سالِمين، ﴿ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ أي مَشوا في البحر وراءهم ﴿ بَغْيًا وَعَدْوًا أي ظلمًاواعتداءً بغير حق، لأنه ليس له أيّ حق في أن يَمنعهم من الخروج مِن بلده إلى بلدهم.


﴿ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ ﴾: أي حتى إذا أحاط الغرق بفرعون: ﴿ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴿ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أي وأنا من المستسلمين لهذا الإله بالانقيادوالطاعة، ﴿ آَلْآَنَ يا فرعون عندما نزل بك الموت تقرُّ للهِ بالعبودية ﴿ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ﴾: أي وقد عصيته قبل نزولعذابه بك ﴿ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ الصادِّين عن سبيله! فلا تنفعك التوبة ساعةالاحتضار، ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ أي سنُنَجِّي جسدك من الغرق، ليَنظر إليك مَن كَذَّبَ بهلاكك، و ﴿ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً ﴾: أي لتكونلِمن بعدك من الناس عِبرةً يَعتبرون بك، ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ فلا يَتفكرون فيها ولا يَعتبرون.

الآية 93: ﴿ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ ﴾: أي ولقد أنزلنا بني إسرائيل منزلاً صالحًا طيباً في أرض فلسطين وبلاد الشام،﴿ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ﴾: أي ورزقناهم الرزق الحلال الطيب من خيرات هذه الأراضي المباركة، ﴿ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ﴾: أي فما اختلف اليهود في أمْردينهم إلا مِن بعد ما جاءهم العلم المُوجِب لاجتماعهم (ومِن ذلك مااشتملت عليه التوراة من الإخبار بنُبُوَّة محمد صلى الله عليه وسلم)، ﴿ إِنَّ رَبَّكَ - أيها الرسول - سوف ﴿ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ مِن أمرك،فيُدخِل المُكذبين بك النار، ويُدخِل المؤمنين بك الجنة (كعبد الله بن سلام وغيره).


الآية 94، والآية 95: ﴿ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ في شأن بني إسرائيل مِن أنهم يَعلمون أنك رسول الله: ﴿ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ مِمَّن آمَنَ بك من علماء التوراة والإنجيل المُنصِفين - كعبد الله بن سَلام وغيره - فإنّ ذلك ثابتٌ في كُتبهم، ﴿ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ بأنك رسول الله، وأنّ هؤلاء اليهود والنصارى يَعلمون صحةذلك، ويجدون صفتك في كُتبهم، ولكنهم يُنكرون ذلك كِبراً وحسداً، لأنهم كانوا يرجونَ أن يكون الرسول الخاتَم مِن بني إسرائيل وليس من العرب.


﴿ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾: أي فلا تكونن من الشاكِّين في صحة ذلك، (واعلم أنّ هذا الخطاب من باب الفرض، فقد ثبت عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال - في هذه الآية -: (لم يَشُكّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسأل)، وكذلك فإنّ هذه الجملة: (فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ) تُعَدُّ دافعاً لأهل الكتاب أن يَسألوا علمائهم الصادقين ويؤمنوا.


﴿ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ(فهذه الآيات - وإن كانت خطابًا للرسول صلى الله عليهوسلَّم - فإنها موجَّهة للأمَّةِ عموماً، وإلاَّ، فكيف يَشُكّ الرسول صلى الله عليه وسلم وقد صعد به جبريل عليه السلام إلى سِدرة المنتهى - بعد السماء السابعة - وكَلَّمَ ربه سبحانه وتعالى ورأى الجنة والنار بعينيه؟!).


واعلم أنّ كل خطاب من اللهِ تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، هو خطاب لجميع الأمة، إلا ما كان خاصّاً بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، كقول اللهِ تعالى له: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ).


الآية 96، والآية 97: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ بطَرْدهم من رحمته بسبب إصرارهم وعنادهم: ﴿ لَا يُؤْمِنُونَ بحُجَج اللهِ تعالى، ولا يُقرُّون بوحدانيته، ﴿ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ، فلا تزيدهم الآيات إلا طغياناً، ثم يَستمرون على ذلك ﴿ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ واقعاً بهم، فحينئذٍ يؤمنون، ولكنْ لايَنفعهم إيمانهم.


الآية 98: ﴿ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا ﴾: يعني إنه لم ينفع أهلَ قريةٍ إيمانُهُم عند نزول العذاب بهم ﴿ إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ عليه السلام، فإنهم ﴿ لَمَّا آَمَنُوا وصَدَقوا في توبتهم - عندما أيقنوا أن العذاب نازلٌ بهم ورأوا علاماته -: ﴿ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ - أي عذابَ الذل والمَهانة - ﴿ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وذلك بعد أنكانَ العذابُ قريباً منهم، ﴿ وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾: أي وتركناهم في الدنيا يتمتعون بالحلال الطيب إلى وقت انتهاء آجالهم، (فلماذا لا يَتوبُ أهل مكة كما تابَ قوم يونس؟!).


ولعل الحِكمة مِن رفع العذاب عن قوم يونس دونَ باقي الأمم: أنّ اللهَ تعالى عَلِمَ أنَّ غيرهم من المُهلَكين لو رُفِعَ عنهم العذاب: لَعَادوا لِمَا نُهُوا عنه، وأما قوم يونس، فإنه سبحانه عَلِمَ أنّ إيمانهم سيَستمر، وقد استمر فعلاً وثبتوا عليه.


الآية 99: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا بما جئتَهمبه - أيها الرسول -، فهو قادرٌ على ذلك، ولكنه سبحانه يَهدي مَن يشاء ويُضِلّ مَن يشاء وَفْق عدله وحِكمته، ﴿ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ أي وليسفي استطاعتك أن تفعل ذلك، ولم يُكَلِّفك اللهُ به، (واعلم أنّ هذا الاستفهام: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ)؟ يُسَمَّى استفهام إنكاري، أي يُنكِرُ تعالى على رسوله شدّة حِرصه على إيمان قومه، حتى كأنه يريد إكراههم على الإيمان بما جاء به من التوحيد).


الآية 100: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وتوفيقه، فلا تُهلِكْ نفسك حُزناً عليهم فما عليك إلا البلاغ، وأنْ تَعرِض الإيمان على الناس عَرْضاً لا إجبارَ معه، فمَن آمَن: نجا، ومَن لم يؤمن: هَلَك، ﴿ وَيَجْعَلُ سبحانه ﴿ الرِّجْسَ أي العذاب ﴿ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ إذ لو عَقِلوا لَمَا كفروا بربهم وعصوه وهو خالقهم ورازقهم ومالِكُ أمْرِهم، ولأنَّ مَن يُشرِك بربه صَنَماً في عبادته: لا يُعَدُّ من العاقلين.


الآية 101:، والآية 102: ﴿ قُلِ - أيها الرسول - لقومك: ﴿ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾: أي تفكَّروا واعتبِروا بما في السماوات والأرض من آيات اللهِ الدالّة على وحدانيته، ﴿ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ يعني: ولكنّ الآيات المُنذِرة بعقاب اللهِ لا تنفع قومًايُصِرُّونَ على الكفر بها؛ وذلك لِعِنادهم واتِّباعهم لأهوائهم، ﴿ فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا يَومًا يَرون فيه العذاب ﴿ مِثْلَ أَيَّامِ المكذبين ﴿ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ أي الذين مَضَوا قبلهم؟ ﴿ قُلْ لهم: ﴿ فَانْتَظِرُوا ما كَتَبَ اللهُ عليكم من العذاب إن لم تتوبوا إليه وتُسلِموا، فـ ﴿ إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ وعلى يقينٍ بمجيئ ذلك العذاب في الدنيا أو في الآخرة، وذلك بحسب إرادة اللهِ تعالى بكم.


الآية 103: ﴿ ثُمَّ إذا جاءهم ذلك العذاب في الدنيا: ﴿ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا بهم، ﴿ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾: أي وكما نجينا المؤمنين السابقين من العذاب، فكذلك نُنَجِّيك - أيها الرسول - ومَن آمَنَ بك، إذا أراد اللهُ إنزال العذاب بقومك.


الآية 104، والآية 105: ﴿ قُلْ - أيها الرسول - لقومك: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي الذي دَعَوتُكُم إليه،وهو الإسلام، وترجون تحويلي عنه: ﴿ فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ ﴾: أي فاعلموا أنني لن أعبد الأصنام التي تعبدونها ﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ، ﴿ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ﴾: أي ولكن أعبد اللهَ وحده، فهو الذي خلقكم، وهو الذي يُميتكم ويَقبض أرواحكم (فهو المستحق وحده للعبادة، إذ هو الذي بيده الإحياء والإماتة)، ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي مِن المُقِرِّينَ بوحدانيته، العاملين بشَرعه،﴿ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴾: أي وأُمِرْتُ أن أستقيمَ على دين الإسلام وألاَّ أميلَ عنه أبداً، وقيل لي: ﴿ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾.

وإنما خَصَّ تعالى الوجه بالاستقامة، وذلك في قوله: (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ) لأنه أكرم الجوارح وأشرفها، وبه يَحصُل التوجُّه إلى كل شيء، فإذا خضعوجه العبد لله: خضعتْ له جميع جوارحِه، فلا يُشرك بعبادته أحدًا.


الآية 106: ﴿ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ﴿ فَإِنْ فَعَلْتَ ذلك ﴿ فَإِنَّكَ إِذًا تكونُ ﴿ مِنَ الظَّالِمِينَ لأنفسهم بالشِرك والمعصية.


الآية 107: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ ﴾: يعني وإن يُصِبْكَ اللهُ بشدةٍ أو بلاء: ﴿ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ جلَّ وعلا، ﴿ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾: يعني وإن يُرِدْ أن يُنزلَ عليك نعمةً - مِن رزقٍ أو رخاء أو نصرٍ أو صحة - فلن يَمنعها أحدٌ عنك، ﴿ يُصِيبُ بِهِ ﴾: أي يُصِيبُ سبحانه بالسَرّاءوالضَرّاء ﴿ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (وقد كانَ المُتوَقَّع بعد أنْ ذَكَرَاللهُ تعالى قدرته على الإصابة بالخير والضُرّ، أن يقول بعدها: (وهو على كل شيءٍ قدير)، ولكنه تعالى قال: (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، وذلك لأنّ إعطاءه للخير هو فضلٌ منه سبحانه ورحمة لعباده، إذ لولا غفرانه لسيئاتهم وتقصيرهموغفلاتهم، لَمَا كانوا أهلاً لهذا الخير، ولَمَسَّهم اللهُ بضرٍ شديد في الدنيا والآخرة).


الآية 108: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ أي قد جاءكم الرسول بالقرآن الذي فيه هدايتكم، ﴿ فَمَنِ اهْتَدَى أي استمسك بهُدى اللهِ تعالى: ﴿ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ يعني فإنما ثمرة عمله راجعةٌ إليه، ﴿ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ﴾: يعني ومَن انحرف عن الحقوأصرَّ على الضلال، فإنما ضلاله وضرره يعود على نفسه، ﴿ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾: أي وما أنا عليكم بحفيظ ولا رَقيب حتىتكونوا مؤمنين، وإنما أنا رسولٌ أبلِّغكم ما أُرْسِلْتُ به إليكم (واعلم أنّ الوكيل هو مَن يُوَكَّل إليه الأمر لِيُدَبِّرَه).


الآية 109: ﴿ وَاتَّبِعْ أيها الرسول ﴿ مَا يُوحَى إِلَيْكَ من ربك، فاعمل بِهِ ﴿ وَاصْبِرْ على طاعة اللهِتعالى، واصبر على أذى من آذاك في تبليغ رسالته ﴿ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ أي حتى يَقضي اللهُ أمْرَهُ فيهموفيك، ﴿ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ؛ لأنّ حُكمه سبحانه مُشتمِلٌ على العدل التام، أمّا غَيره تعالى فقد يُصِيبُ في قوله ويُخطئ، وقد يَعدِلُ في حُكْمِهِ ويَظلم.


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #89  
قديم 29-09-2021, 05:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,006
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود





تفسير الربع الأول من سورة هود كاملا بأسلوب بسيط






الآية 1، والآية 2: ﴿ الر ﴾ سَبَقَ الكلام عن الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة.



إنَّ هذا القرآنَ هو ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ أي أُتقِنَت آياته، ﴿ ثُمَّ فُصِّلَتْ ﴾ أي: ثم بُيِّنَتْ آياته للناس - بَياناً في أعلى أنواع البَيان - وذلك بتوضيح الحلال والحرام، والقصص والمواعظ، والآداب والأخلاق، والعقائد والبراهين، بما لا مَثِيل له في أيّ كتابٍ سابق.



وقد كان ذلك التفصيل ﴿ مِنْ لَدُنْ ﴾ أي مِن عند﴿ حَكِيمٍ خَبِيرٍ وهو اللهُ سبحانه وتعالى، الحكيمُ في تدبيره وتصَرُّفه وشَرْعه وقضائه، الذي يَضع الأمور في مَواضعها، الخبيرُ بأحوال عباده وما يُصلح خَلقه (فلذلك لا يكونُ كتابه إلا المَثَل الأعلى في كل شيء)، وقد أنزله اللهُ تعالى وبَيَّنَ أحكامه لأجْل ﴿ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إذ لا مَعبودَ بحقٍّ إلا هو، ولا عبادة تنفع إلا عبادته.



وقل أيها النبي للناس: ﴿ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ يعني: إنني رسولٌ لكم مِن عند اللهِ تعالى،﴿ نَذِيرٌ أُنذِرُكم عقابهُ إنْ أشركتم به وعصيتموه ﴿ وَبَشِيرٌ ﴾ أُبَشِّركم بثوابه إنْ وَحَّدتموهُ وأطعمتموه.



الآية 3، والآية 4: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ﴾ أي اطلبوا منه أن يَغفر لكم ما صَدَرَ منكم من الشرك والذنوب، ﴿ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ﴾ أي: ثم ارجِعوا إليه بالإيمان والعمل الصالح: ﴿ يُمَتِّعْكُمْ في دُنياكم ﴿ مَتَاعًا حَسَنًا بطِيب العَيش وسعة الرزق ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾: يعني إلى وقت انتهاء آجالكم،﴿ وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ يعني: ويُعطِ سبحانه أهلَ الإحسان والبِرّ مِن فضله ونعيمه في الجنة، ما تقِرّ به أعْيُنُهم، (فالفضل المذكور أوّلاً: هو العمل الصالح، والفضل المذكور ثانياً: هو دخول الجنة)، وهذا كقوله تعالى: ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ ﴾.



﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾: يعني وإن تتولوا (والمعنى: وإن تُعرِضوا عمَّا أدعوكم إليه) ﴿ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (وهو يوم القيامة) الذي يَجمع اللهُ فيه الأولين والآخِرين.



واعلموا أنّما ﴿ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جميعًا بعد موتكم فاحذروا عقابه، ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي: وهو سبحانه قادرٌ على بَعثكم وحَشركم وجَزائكم.



الآية 5: ﴿ أَلَا إِنَّهُمْ ﴾ - أي المشركين -﴿ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ﴾: أي يُخفونَ الكُفر في صدورهم ﴿ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ يعني: وذلك ظنًاً منهم أنه يَخفَى على اللهِ تعالى ما تُخفيه نفوسهم.



فرَدَّ اللهُ على ذلك الظن الفاسد بقوله: ﴿ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ ﴾: يعني ألاَ يَعلمون أنَّهم- حين يُغَطُّونَ أجسادهم بثيابهم - فإنه تعالى ﴿ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ أي لا يَخفَى عليه سِرُّهم وعَلانيتهم، بل ﴿ إِنَّهُ سبحانه ﴿ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أي عليمٌ بكل ما تُخفِيهِ صدورهم من النِيَّات والخواطر.



الآية 6: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ ﴾ - أي تدبّ على وجه الأرض - ﴿ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ، ﴿ وَيَعْلَمُ سبحانه﴿ مُسْتَقَرَّهَا أي مكان استقرارها في حياتها وبعد موتها، ﴿ وَمُسْتَوْدَعَهَا أي: ويَعلم الموضع الذي تموت فيه (واعلمأنّ اللفظ "مُستَودَعَها": يُوحِي بأنها تُوَدِّع الدنيا في هذا المكان)، ﴿ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾: أي كل ذلك مكتوبٌ في كتابٍ واضح عند اللهِ تعالى، وهو اللوح المحفوظ.



ومِن لطيفِ ما يُذكَر أنّ حاتم الأصَمّ سُئِلَ يَوماً: (مِن أين تأكل يا حاتم؟)، فقال: (مِن عند الله)، فقيل له: (اللهُ يُنزلُ لك دنانير ودَراهِم من السماء؟)، فقال: (كأنّ ما لَهُ إلاّ السماء! يا هذا: الأرض له، والسماء له، فإن لم يُؤتني رزقي من السماء، ساقَهُ لي من الأرض).



الآية 7: ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ﴾ - قبل أن يَخلقالسماوات والأرض -، فلمَّا خلق سبحانه السماوات والأرض: استوَى على عرشه فوق السماء السابعة، قال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾، وقد كانت أمُّ المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها تقول: (زَوّجَني اللهُ تعالى من فوق سبع سماوات)، وذلك في قوله تعالى لنَبِيِّهِ محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ﴾، (ولك أن تُراجِع - في إثبات استواء اللهِ تعالى على عرشه فوق السماء السابعة - تفسير قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ﴾، في الآية الثالثة من سورة الأنعام مِن هذا التفسير، فإنّ فيه بَياناً شافياً، وللهِ الحمدُ والمِنَّة).



وقد خَلَقَ سبحانه كلَّ شيءٍ لأجْلِكُم، ثم خَلَقَكم ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾: أي لِيَختبركم أيُّكُم أتقنُ في الطاعةً وأحسنُ في العمل الصالح (وهو كلّ ما كانَ خالصًا للهِ تعالى، وموافقًا لِمَا كان عليه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم).



﴿ وَلَئِنْ قُلْتَ ﴾ - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: ﴿ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ يعني إنكم ستُبعَثون أحياءً بعد موتكم: ﴿ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا - مُسارِعينَ إلى التكذيب مِن غير تدَبُّرٍ وتثَبُّت -: ﴿ إِنْ هَذَا أي: ما هذا القرآن الذي تتلوه علينا﴿ إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ أي سحرٌ ظاهر، وهم يَعلمون أنهم كاذبونَ في ذلك، فلقد اعترف لهم أحد رؤسائهم - وهو الوليدُ بن المُغِيرة - أنّ ما يَقوله السَحَرةُ شيئ، وأنَّ هذا القرآن شيئٌ آخر، وأنه ليس بكلامِ بَشَر (وذلك عندما سمع القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أجْبَره المشركون بعد ذلك أن يقولَ للناس إنه سِحر).



واعلم أنهم عندما يقولون عن القرآن إنه سِحر، فإنهم في حقيقة الأمر يَعترفون بهزيمتهم في أنهم لا يستطيعون أن يأتوا بمثله، فيَضطروا إلى اللجوء إلى هذا القول الباطل.



الآية 8: ﴿ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ ﴾ يعني إلى أجَلٍ معلوم، فاستبطؤا نزوله: ﴿ لَيَقُولُنَّ - يعني حينئذٍ سيقول المشركون - استهزاءً وتكذيبًا: ﴿ مَا يَحْبِسُهُ ﴾: يعني أيّ شيء يَمنع نزول هذا العذاب إن كانَ حقًا؟ ﴿ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ ذلك العذاب، فإنه ﴿ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ ﴾: أي لا يستطيعُ أحدٌ أن يَدفعه عنهم، ﴿ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾: يعني وحينئذٍ سيُحِيطُ بهم العذاب الذي كانوا به يَستهزئون.



واعلم أنّ لفظ "أمَّة" يأتي أحياناً بمعنى: (جماعة من الناس)، وأحياناً بمعنى: (فترة من الزمن)، واعلم أيضاً أنّ اللهَ تعالى قد ذكَرَ لفظ: (حاقَ) بصيغة الماضي - مع أنّ العذاب لم يأتِ بعد - وذلك لتأكيد وقوعه في عِلم اللهِ تعالى.



الآية 9، والآية 10، والآية 11: ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ﴾ يعني: ولئن أعطينا الإنسان نعمةً مُعَيَّنة - مِن صحةٍ أو رزقٍ أو أمْنٍ أو غير ذلك - ﴿ ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ بسبب عِصيانه وغفلته واغتراره بتلك النعمة وعدم شُكره عليها: ﴿ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ ﴾: يعني إنه - حينما تُسلَب منه تلك النعمة - لَشديد اليأس مِن رحمة اللهِ تعالى، ساخطٌ على قضائه، و ﴿ كَفُورٌ ﴾: أي جَحود بالنعم التي أنعمَ اللهُ بها عليه قبل ذلك السَّلب.



﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ ﴾ - وذلك كأنْ يُوَسِّعَ اللهُ عليه في رزقه بعد أن كانَ في ضِيقٍ من العَيش -﴿ لَيَقُولَنَّ عند ذلك: ﴿ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ﴾: أي ذهب الضِيقُ عني وزالت الشدائد، ﴿ إِنَّهُ حينئذٍ﴿ لَفَرِحٌ أي مُتكبر بالنعم،﴿ فَخُورٌ أي مُبالغ في الفخر والتعالِي على الناس بما أعطاهُ اللهُ له.



ثم استثنى اللهُ الصابرينَ الشاكرين - مِمَّن سبق - فقال: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا على ما أصابهم من الضُرّ (احتسابًا للأجر عند اللهِ تعالى)، ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ شُكراً للهِ على نِعَمِه ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم﴿ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ في الآخرة.



الآية 12: ﴿ فَلَعَلَّكَ ﴾ - أيها الرسول لِعِظَم ما تراه مِن تكذيب قومك - ﴿ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِمّا أنزله اللهُ عليك وأمَرك بتبليغه، (وهذا الكلام غرضه: النهي والاستنكار، يعني: (لا تترك تبليغ ما فيهِ سَبٌّ لآلهتهم كما طلبوا منك)، وذلك لأنهم قالوا له: لو أتَيْتَنا بكتابٍ ليس فيه سَبُّ آلهتنا لاتَّبعناك).



وقد بَلَّغَ الرسول صلى اللهعليه وسلم رسالة ربه كاملة، تقول السيدة عائشة رضي اللهُ عنها: (لو كانَ النبي صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً من الوحي، لَكَتَمَ هذه الآية: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ﴾.



﴿ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ﴾ أي مِن تلاوة القرآن عليهم خشية أن يَطلبوا منك بعض المَطالب على وجه العِناد، كـ﴿ أَنْ يَقُولُوا : ﴿ لَوْلَا أُنْزِلَ - أي هَلاَّ أُنزِلَ -﴿ عَلَيْهِ كَنْزٌ أي مالٌ كثير يَعيشُ عليه فيَدُلّ ذلك على إرسال اللهِ له وعنايته به، ﴿ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ لِيَشهد له بصِدقه في رسالته.



فلا يَضرك قولهم أيها الرسول، ولا يَضِق صدرك بمَطالبهم فـ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ أي ليس عليك إلا الإنذار بما أوحاه اللهُ إليك،وقد أنذرتَهم، فلا تحزن إذاً على إعراضهم، ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ فيَحفظ سبحانه أعمالهم ويُحاسبهم عليها، (واعلم أنّ الوكيل هو مَن يُوَكَّل إليه الأمر لِيُدَبِّرَه).



الآية 13، والآية 14: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ﴾ يعني: بل يقولون: (إنّ هذا القرآن قد افتراه محمد مِن عند نفسه)، مع أنهم يَعلمون أنه بَشَرٌ مِثلهم!! إذاً ﴿ قُلْ لهم - أيها الرسول -: إذا كانَ هذا مِن كلام البشر ﴿ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ مِن عندكم﴿ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي: واستعينوا على ذلك بكل مَن تقدرون عليه مِن إنسٍ وجن، ليساعدوكم على الإتيان بهذه السور العشر﴿ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ في دَعواكم، (ولو كانَ ذلك مُمْكِنًا: لادَّعَوا قدرتهم على فِعله، ولكنْ لَمَّا ظهر عَجْزُهُم: تبيَّنَ أنَّ ما زعموه باطل)، ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ ﴾ أي: فإن لم يَستجب لكم أعوانكم في الإتيان بمثله - لِعَجْز جميع الخلق عن ذلك - ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ ﴾: أي فاعلموا أيها المشركون أنّ هذا القرآن قد أنزله اللهُ على رسوله محمد، بعلمٍ منه سبحانه بأحوال عباده في كل زمان ومكان، وبما يَصلح لهم وما لا يَصلح (فهو تنزيلُ مَن أحاطَ عِلمُهُ بكل شيء، وَوَسِعَتْ رحمته كل شيء)،﴿ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أي: واعلموا أنه لا معبود بحقٍ إلا الله، ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾: أي فهل أنتم - بعد عَجْزِكم وقيام الحُجَّةِ عليكم - مُسلمونَ مُنقادونَ للهِ تعالى؟



الآية 15، والآية 16: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ ﴾ - مُقابل أعمالِهِ الحَسَنة -: ﴿ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا - كالمُرائين الذين يريدون بأعمالهم الثناء من الناس -: ﴿ نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا ﴾: أي نُعطِهم - مُقابل ثواب أعمالهم - مِن متاع الدنياوزينتها﴿ وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أي لا يُنقَصون من أعمالهم شيئاً في الدنيا، لأنّ اللهَ تعالى لا يريد أن يَجعل لهم نصيباً في الجنة، ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ﴿ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا أي: وذهب عنهم ثوابُ ما عملوه في الدنيا، ﴿ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ أي: وكانَ عملهم باطلاً، لأنه لم يكن خالصاً لوجه اللهِ تعالى.



الآية 17: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ أي على حُجَّةٍ مِن ربه، (والمقصود بهذه الحُجَّة: القرآن الكريم، الذي أنزل اللهُ فيه البراهين، وتَحَدَّى به المشركين)، ﴿ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ أي: ويَتْبَعُ هذا القرآن دليلٌ آخر يَنطق به ويَشهد بصِدقه، وهو محمد عليه الصلاة والسلام (لسانُ الصِدق، وصاحبُ الخُلُق العظيم)، حيثُ نَظَرَ إليه أعرابي يَوماً فقال: (واللهِ ما هو بوجه كذّاب)، ﴿ وَمِنْ قَبْلِهِ يعني: ويَشهد بصِدق القرآن دليلٌ ثالث نَزَلَ قَبله، وهو التوراة﴿ كِتَابُ مُوسَى الذي أنزله اللهُ عليه ليكونَ﴿ إِمَامًا يُهتَدَى به ﴿ وَرَحْمَةً ﴾ لمن آمَنَ به (وذلك قبل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام)، فهذا الكتاب يَشهد بصدقه صلى الله عليه وسلم، حيثُ ذَكَرَ صفاته وصِفات أُمَّته في أكثر مِن مَوضع.



أفمَن هو على هذه البينات والبراهين مِن صِحَّة دينه - والمقصود به النبي صلى الله عليه وسلم - كمن لا دليلَ له إلا التقليد الأعمى؟! لا يَستويان أبداً، ﴿ أُولَئِكَ ﴾ أي الذين جاءتهم تلك البيّنات والحُجَج ﴿ يُؤْمِنُونَ بِهِ أي يُصدِّقون بهذا القرآن ويَعملون بأحكامه، ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ (وهم الذين تَحَزَّبوا - أي اجتمعوا - على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم مِن جميع الأمم، وأوّلهم: المشركون واليهود، والنصارى والمَجوس) ﴿ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ أي قد جعلها اللهُ جزاءً لمن كَفر بالقرآن الكريم، على الرغم مِن وضوحه وقوة حُجَته.



﴿ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ﴾: أي فلا تكن - أيها الرسول - في شَكٍّ من القرآن، بعد ما شَهِدَتْ الأدلة على أنه مِن عند اللهِ تعالى ﴿ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ (واعلم أنَّ هذا - وإنْ كان خطابًا للرسول صلى الله عليه وسلَّم - فإنه مُوَجَّه للأمَّةِ عموماً)،﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (لِعِنادهم واتِّباعهم لأهوائهم).



الآية 18، والآية 19: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ ﴾ يعني: ولا أحد أشد ظلماً﴿ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فزَعَمَ أنّ له شريكٌ أو ولد﴿ أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ أي سيُعرَضون﴿ عَلَى رَبِّهِمْ يوم القيامة ليُحاسبهم على أعمالهم، ﴿ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ (والأشهاد: جَمْع شاهد، وهم: الملائكة والنبيون وأعضاء الإنسان، والأرض (التي فُعِلتْ عليها الطاعات والمعاصي)، وغير ذلك).



فهؤلاء يَشهدون على الكاذبين يوم القيامة، ويقولون: ﴿ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ فغَضِبَ عليهم، وطَرَدَهم من رحمته﴿ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (أي بُعداً لهم مِن رحمة اللهِ تعالى)، وهؤلاء الظالمون هم ﴿ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي يَمنعون الناس عن الدخول في سبيل اللهِ المُوَصِّلة إلى جَنَّته (وهي الإسلام) ﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أي يريدون أن تكون هذه السبيل عَوجاء لِتُوافِق أهوائهم، ﴿ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ فلا يُؤمنون ببَعثٍ ولا جزاء.



الآية 20، والآية 21، والآية 22: ﴿ أُولَئِكَ ﴾ الكافرون﴿ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ﴾: أي لم يكونوا لِيَهربوا من عذاب اللهِ في الدنيا، بل هو قادرٌ على أنْ يُنزل بهم عذابه مَتَى أرادَ ذلك، ﴿ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ﴾ أي: وما كان لهم مِن أنصارٍ يَمنعونهم مِن عقابه سبحانه،﴿ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ في جهنم، لأنهم﴿ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ ﴾: أي كانوا لا يَستطيعون أن يَسمعوا القرآن سَماعَ تَدَبُّر وانتفاع ﴿ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ أي: وما استطاعوا أن يُبصِروا آيات اللهِ - في هذا الكون - إبصارَ تَفَكُّر واهتداء (وذلك لاشتغالهم بالباطل الذي كانوا مُقيمين عليه)، ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أي أهلكوا أنفسهم بدخولهم النار وخلودهم فيها، (إذ معنى خُسران النفس: عدم الانتفاع بها في الدنيا، حين كان في إمكانهم أن يَجعلوها تفعل الخير الذي يُؤدي بهم إلى الجنة)، ﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾: أي ذهب وغاب عنهم ما كانوا يَزعمونه كَذِباً مِن شفاعة آلهتهم لهم يوم القيامة، ﴿ لَا جَرَمَ أي حَقًا، ولا شَكَّ﴿ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ أي أخْسَرُ الناسِ صَفَقةً، لأنهم استبدلوا النعيم المُقيم بالعذاب الأليم.



الآية 23: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ ﴾ أي انقادوا للهِ تعالى وخَشَعوا له: ﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، (واعلم أنّ الخُشوع هو الذل والخوف من اللهِ تبارك وتعالى، فالخاشعون ذليلون مِن كَثرة النِعَم، وذليلون أيضاً من كثرة الذنوب، وهم الخائفون من المَلِك الجبار، الذي سيَحكم عليهم بجنةٍ أو بنار).



الآية 24: ﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ ﴾ يعني: مَثَل فريقَي الكفر والإيمان: ﴿ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ ﴿ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ففريق الكفر لا يُبصِر الحق ولا يَسمع داعيَ الله، أمّا فريق الإيمان فقد أبصر حُجَجَ اللهِ فآمَنَ بها، وسَمِعَ داعيَ اللهِ فأجابه،﴿ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أي: هل يَستوي هذان الفريقان؟ والجواب: لا، ﴿ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾: يعني أفلا تتفكرون أيها المشركون بعقولكم، فتعلموا أنَّ ما أنتم عليه هو الباطل، وأنّ اللهَ تعالى هو وحده المُستحق للعبودية؟!






[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #90  
قديم 29-09-2021, 05:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,006
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*]

رامي حنفي محمود





تفسير الربع الثاني من سورة هود كاملا بأسلوب بسيط




الآية 25، والآية 26: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فقال لهم: ﴿ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مِن عذاب اللهِ تعالى، ﴿ مُبِينٌ : أي أُوَضِّح لكم ما أُرْسِلتُ به إليكم (توضيحاً يَزولُ به الإشكال)، ولِآمُرَكُم ﴿ أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ﴾ ﴿ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ - إنْ أشْرَكتم به - ﴿ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ .


الآية 27: ﴿ فَقَالَ له ﴿ الْمَلَأُ وهم السادة والرؤساءُ ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ : ﴿ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا : يعني إنك لستَ مَلَكاً، ولكنك بَشَرٌ مِثلنا، فكيف أُوحِيَ إليك مِن دُوننا؟ (فجعلوا ذلك مانعاً لهم عن اتِّباعه، مع أنّ هذا هو الصواب الذي لا يَنبغي غيره، وذلك حتى يَستطيعوا السَماعَ منه ومُخاطبته)، وكذلك فإنّ المَلَك ليس له شهوة، فإذا جاءهم يوماً وأمَرَهم بالانتهاء عن الشهوات المُحَرَّمة، فإنهم سيَحتجون عليه بقولهم: (نحن لنا شهوة وأنت لستَ مِثلنا، فاتركنا وشأننا)، بخِلاف ما لو كانَ الرسولُ بَشَراً مِثلهم، فإنهم لن يَستطيعوا الاحتجاج عليه بذلك.

ثم قالوا له - عندما رأوا أنّ أتْباعه من الفقراء وأصحاب المِهَن الحِرَفيّة البسيطة -: ﴿ وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا أي سَفَلَة القوم وضُعفائهم (وهذا بِزَعْمهم الباطل، وإلاَّ، فإنهم في الحقيقة هم الأشراف وأهل العقول، الذين انقادوا للحق بمجرد ظهوره، ولم يكونوا كالسَفَلَة - الذين يُقال لهم المَلأ - الذين اتَّبعوا شهواتهم ومَلَذّاتهم، وعانَدوا مِن أجل الحفاظ على مَناصبهم الفانية، ورضوا بأن يَتَّخذوا آلهةً من الحَجَر والشجر، يَتقربون إليها ويَسجدون لها).

ثم وَصَفوا أتْباعه بقولهم: ﴿ بَادِيَ الرَّأْيِ : أي ظاهر الرأي، يعني: الذين ليس عندهم عُمق في التفكير وتَصَوُّر الأمور، فقد اتَّبعوك مِن غير تَفَكُّر ولا تَمَهُّل، بل بمجرد ما دَعَوْتَهم اتَّبعوك (ولم يَعلم هؤلاء أنّ الحق الواضح تدعو إليه العقول الصحيحة والفِطَر السليمة، وتَعرِفُه بمجرد ظهوره، لا كالأمور الخَفِيّة، التي تحتاجُ إلى تأمُّل وفِكرٍ طويل)، ثم قالوا له: ﴿ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ يعني: وما نَراكم أفضل مِنَّا في رِزقٍ أو مال (بعدما دخلتم في دينكم هذا)، ولستم أفضل مِنّا لِنَنقادَ لكم ﴿ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ فيما تَدْعوننا إليه.

الآية 28: ﴿ قَالَ نوح: ﴿ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ يعني أخبِروني﴿ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي أي على عِلمٍ يَقيني أَوحاه إليَّ ربي وأمَرَني أن أدعو الناس إليه (وهو عبادته وحده لا شريك له) لأنه الخالق الرازق المُستحِق وحده للعبادة، (واعلم أن البَيِّنة: هي الحُجَّة الواضحة، وتُطلَق أيضاً على المُعجزة، فيَجوز أن تكون له مُعجزة لم يَذكرها اللهُ تعالى، فإنّ بعثة الرُسُل عليهم السلام لا تَخلو من المعجزات الدالّة على صِدقهم)، ﴿ وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ - وهي النُبُوّة والرسالة - ﴿ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ : أي فأخفاها سبحانه عليكم، وصَرَفَكم عن فَهْمها وقبولها، بسبب غروركم واتِّباعكم لأهوائكم، فأخبِروني إذاً: ماذا أصنع معكم أنا والمؤمنونَ بي؟ ﴿ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ يعني:فهل يَصِحّ أن نُلْزمكم باتِّباع هذه الرسالة بالإكراه؟ لا نفعل ذلك أبداً، ولكننا نُفوض أمْرَكم إلى اللهِ تعالى، حتى يَقضي فيكم - بعدله وحِكمته - ما يَشاء.

الآية 29، والآية 30: ﴿ وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا أي لا أطلب منكم مالاً تؤدونه إليَّ بعد إيمانكم (حتى لا يكون ذلك مانعاً لكم عن اتِّباعي)، ﴿ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ يعني: ولكنّ ثوابَ دَعْوَتي لكم على اللهِ وحده، ﴿ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آَمَنُوا يعني: وليس لي أن أطرد المؤمنين مِن حَولي - كما اقترحتم عليّ - بحُجَّة أنهم فقراء ضعفاء، حتى أُرضِيكم فتَقبلوا الاستماعَ مِنِّي، فـ ﴿ إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ يوم القيامة، وسيَشهدون على مَن ظَلمهم، فكيف يَصِحّ مِنِّي إبعادهم عن سَماع الهُدى وتَعَلُّم الخير؟! ﴿ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ أي تَجهلونَ أنّ العِبرة بزكاة النفوس وطهارة الأرواح، لا بالمال والجاه كما تتصورون، ﴿ وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ يعني مَن يَمنع عني عقابَ اللهِ إنْ طردتُ عباده المؤمنين (الذين تحتقرهم عيونكم المريضة، التي لا تَقدر على رؤية الحق وأهله)؟ ﴿ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ :يعني أفلا تتدبرون الأمور، فتعلموا ما هو الأنفع لكم والأصلح؟!

واعلم أنّ هذا قد حدث أيضاً مع بعض المشركين في مكة، حيثُ اقترحوا على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يُبعِد عن مَجلسه فقراء المؤمنين - مثل بلال وعَمّار وصُهَيْب - حتى يَجلسوا إليه ويَسمعوا عنه، فقالوا له: (اطرد هؤلاء عنك حتى لا يَجْترئوا علينا)، فهَمَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يَفعل ذلك (رجاء هِداية أولئك المشركين)، فنَهاه اللهُ تعالى عن ذلك بقوله: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾.

الآية 31: ﴿ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ يعني: ولا أزعُم أنني أملك التصرف في خزائن اللهِ تعالى، (وقد قال هذا رَدَّاً على قولهم: وما نَرَى لكم علينا مِن فضل)، ﴿ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ فأعرف ما تُخفيه صدور الناس فأطرد هذا وأُبقي هذا،﴿ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ (وذلك رَدَّاً على قولهم: ما نَراك إلا بشراً مِثلنا)، ﴿ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ يعني: ولن أقول لهؤلاء الذين تحتقرونهم من المؤمنين أنهم ﴿ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا لأنهم فقراء ضعفاء، فـ ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ من الخير الذي كان سبباً في هِداية اللهِ لهم - كما قال تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ - فإنْ كانوا صادقين في إيمانهم، فلهم الخير الكثير، وإنْ كانوا غير ذلك، فحسابهم على اللهِ تعالى، ولئن حَكَمتُ عليهم بغير عِلم﴿ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ .


الآية 32، والآية 33، والآية 34: ﴿ قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا ﴾ ﴿ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا من العذاب﴿ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ، فـ ﴿ قَالَ لهم:﴿ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ : يعني إنّ اللهَ وحده هو الذي يأتيكم بالعذاب إذا شاء ذلك، ﴿ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ أي: واعلموا أنكم لن تُفلِتوا مِن عذابِ اللهِ تعالى (إذا أراد أن يُعَذبكم)، ﴿ وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ يعني: إنّ نصيحتي لكم لن تَنفعكم شيئاً، مَهما أرَدْتُ ذلك واجتهدتُ فيهِ ﴿ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ أي يُبقِيكم في الضلال بسبب عِنادكم وتكَبُّرِكم عن الانقياد للحق، ﴿ هُوَ رَبُّكُمْ : أي هو مالِكُكُم ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ في الآخرة للحساب والجزاء (وحِكمَتُهُ سبحانه تَقتضي أن يَرحم الصالحين ويُعَذب الظالمين).

الآية 35: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ - هذه الجُملة يُحتمَل أنها تتحدث عن نوح عليه السلام (كما كانَ السِيَاقُ في قصته مع قومه)، فيكون المعنى: بل يقول هؤلاء المشركونَ مِن قوم نوح: (لقد افترى نوحٌ هذا القول مِن عند نفسه، وزعم أنه مِن عند الله)، فقال اللهُ له: ﴿ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي : يعني إنْ كنتُ قد افتريتُ ذلك على الله: فعليَّ وحدي إثم ذلك، وإذا كنتُ صادقًاً: فأنتم المُجرمون الآثمون ﴿ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ يعني: وأنا بريءٌ مِن كُفركم وتكذيبكم وإجرامكم.

ويُحتمَل أنها تتحدث عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وحينئذٍ تكون هذه الآية مُعترضة في أثناء قصة نوح وقومه، لأنّ هذه القصص لا يَعلمها إلا الأنبياء (وذلك لِبُعد تاريخها)، فلما قصَّها اللهُ على رسوله - وكانت من الآيات الدالة على صِدقه - ذَكَرَ تعالى تكذيبَ قومه له، فقال: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ﴾ أي اختلق هذا القرآن مِن عند نفسه، (وهذا مِن أعْجَب الأقوال وأبْطَلها، فإنهم يَعلمون أنه لم يَقرأ ولم يَكتب، ولم يَرحل عنهم ليَدرس على أهل الكتاب).

فلمَّا جاءهم صلى الله عليه وسلم بهذا الكتاب، تَحَدَّاهم بأن يأتوا بسورةٍ مِن مِثله فلم يستطيعوا، فإذا زعموا بعد ذلك أنه افتراه، عُلِمَ أنهم مُعانِدون، ولم يَبقَ فائدة في جدالهم، بل اللائق في هذه الحال: (الإعراض عنهم)، ولهذا قال تعالى له: ﴿ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ ﴾ كما زعمتم ﴿ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي ﴾ أي ذنبي وكذبي، ﴿ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ ﴾، إذ لا فائدة مِن جدالكم.

وفي هذا دليل على جَواز الاعتراض أثناء الكلام إذا حَسُنَ مَوقعه (كإقامة حُجَّة، أو إبطال باطل، أو تنبيه على أمْرٍ مُهِمّ).

الآية 36، والآية 37: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ - لمَّا حَقَّ العذابُ على قومه - ﴿ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ ﴿ فَلَا تَبْتَئِسْ : أي فلا تَحزن يا نوح﴿ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ من التكذيب والفساد، فإني مُنَجِّيك ومَن معك من المؤمنين، ومُهلِكُ المُكَذِبينَ بالغَرَق، ﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا : أي اصنع السفينة تحت بَصَرِنا وتحت رعايتنا، ﴿ وَوَحْيِنَا يعني: وبتوجيهنا وتعليمنا (إذ لم يكن يَعرف السُفُن ولا كيفية صُنعها)، ﴿ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا أي: ولا تطلب مِنِّي صَرْفَ العذاب عن هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، ولا تَشفع لهم في تخفيفه عنهم، فـ ﴿ إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ بالطوفان لا مَحالة.

الآية 38، والآية 39، والآية 40: ﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ أي: ويَصنع نوحٌ السفينة ﴿ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ لأنه كان يَصنع السفينة على الرمال، وليس هناك بَحْرٌ تمشي عليه، فقالوا له: (تَحمل هذا الفُلك إلى البحر، أو تَحمل البحر إليه)، فـ﴿ قَالَ لهم:﴿ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا اليوم لِجَهلكم بصِدق وَعْد الله: ﴿ فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ غدًا عند غَرَقكم﴿ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴾ ﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ - إذا جاء أمْرُ اللهِ تعالى -: ﴿ مَنْ مِنَّا الذي ﴿ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ أي يُذِلُّه ويُهينه ويَكسر كبريائه (هذا في الدنيا)،﴿ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ أي: ويَنزل به في الآخرة عذابٌ دائم، لا يَنتهى أبداً، ولا يفارقه لحظة.

ثم واصل نوح صُنع السفينة ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا بإهلاكهم كما وَعَدْنا نوحًا بذلك، ﴿ وَفَارَ التَّنُّورُ أي: ونبع الماء بقوة من الفرن - الذي يُخبز فيه - (وكانَ هذا علامة على مجيء العذاب، لأنّ الله تعالى قد فجَّرَ الأرض عُيوناً من الماء، حتى نبع الماء من الفرن)، وحينئذٍ ﴿ قُلْنَا لنوح: ﴿ احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ : أي احمل في السفينة مِن كل نَوعٍ من أنواع الحيوانات (ذكر وأنثى)، واحمل فيها أهل بيتك﴿ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِمَّن لم يُؤمن من أهلك - كامرأتك وابنك -، ﴿ وَمَنْ آَمَنَ أي: واحمل فيها مَن آمَنَ معك مِن قومك، ﴿ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ على الرغم مِن طول مُدّة رسالته.


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 320.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 314.18 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.83%)]