أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها - الصفحة 9 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تعملها إزاي؟.. كيف تجهز iPhone الخاص بك لنظام التشغيل iOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          ما الذي يساهم فى إطالة عمر الكمبيوتر المحمول؟.. تقرير يجيب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          هكذا يمكنك الوصول إلى قائمة "البلوك" على حسابك بفيس بوك.. خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          كيفية توفير مساحة تخزين الهاتف الذكي دون حذف الصور؟.. تفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          كيفية قفل الخلايا فى Excel.. وما معناها فى خطوات؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          جوجل تستخدم الذكاء الاصطناعى لتحويل ملاحظاتك النصية إلى بودكاست: وإليك الطريقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          تعرف على طرق استعادة جهات الاتصال المحذوفة على جهاز آيفون الخاص بك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          كيفية العثور على التكرارات فى Excel وإزالتها فى خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          كيفية إعادة ضبط وحدة جهاز ps5 فى 6 خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          بضغطة واحدة.. Chrome يتيح الآن للمستخدمين "إلغاء الاشتراك" من تنبيهات المواقع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #81  
قديم 16-08-2015, 06:32 PM
! إنسان والقلم ! إنسان والقلم غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
مكان الإقامة: بين طيات الاوراق ، وفي الغربة أسيح
الجنس :
المشاركات: 399
افتراضي رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها

غربال الذاكرة : فؤاد التكرلي

فيصل الياسري

غربال ذاكرتي هذه المرة يختلف عن سابقاتها ، فقد كنت كل مرة اكتب عن معايشة ذاتية عن قرب لمبدع غادر الدنيا قبل سنوات او اشهر على الاقل ، هذه المرة اكتب عن مبدع عرفته عن قرب : الروائي فؤاد التكرلي (1927 ) وغادر الدنيا قبل ايام قليلة وما زال صوته يرن في اذني وذكرياتي الودودة معه ما زالت متجسدة في مخيلتي ، وقبل ساعات فقط من وفاته كانت هند كامل تجلس جوار سريره برفقة زوجته التونسية السيدة حياة !!
وعادت هند الى البيت لتنقل لي تحيات فؤاد التكرلي وتأكيده انه مستعد لتصوير البرنامج التلفزيوني الذي خططنا له ، في اقرب وقت ، وربما الاسبوع القادم ..
لم يعش فؤاد التكرلي حتى الاسبوع القادم .. فقد رن الهاتف في منزلنا صباح يوم الاثنين 11 شباط 2008 وكانت المتحدثة صديقة مشتركة ابلغت هند بان فؤاد قد غادر هذه الدنيا التي لم يمل منها ولم يكرهها ابدا بالرغم من كل الاحباطات وخيبات الامل الكثيرة ،!!
اسرعنا هند وانا لنكون بجانب زوجته حياة التي روت لنا كيف كانت ساعاته الاخيرة ، وكان حديثها مؤثرا ومتقطعا بسبب الدموع تارة والرد على الهاتف تارة اخرى بينما كان ولده الشاب عبد الرحمن يستقبل بعض الاشخاص الذين سيرتب معهم مراسيم الدفن في مقبرة سحاب في عمان !! كان عبد الرحمن يرغب في نقل جثمان ابيه الى بغداد ليدفن في مقبرة العائلة ولكن ظروف العراق الامنية الحالية تحول حتى دون دفن موتانا في تربة الوطن !!



التقيت فؤاد التكرلي اول مرة عام 1982 وكنت قد قرأت روايته ( الرجع البعيد) التي سحرتني بسردها المحكم واحداثها المتشابكة وبنائها المعماري ، وبحوارها الصادق والمتنامي باللهجة العراقية الرشيقة وكأنه مكتوب للمسرح اوالسينما ، وعرضت عليه ان نتعاون في تحويلها الى فيلم روائي او مسلسل تلفزيوني ، فطلب مني ان نتريث حتى يتفرغ من مهنة القاضي التى امضى فيها 27 عاما ( اصبح قاضيا عام 1956 ) .. وفعلا تمت احالته على التقاعد عام 1983
ولسبب ما ، لم يتحقق مشروعنا السينمائي ولم التق فؤاد التكرلي الا بعد عشر سنوات عندما زارني في منزلي بحي الجامعة في بغداد في امسية جمعت الكاتب جبرا ابراهيم جبرا والشعراء يوسف الصايغ وعبد الرزاق عبد الواحد وحميد سعيد واخرين ..
فاجأني فؤاد التكرلي بنسخة معه من روايته ( الرجع البعيد ) قدمها لي ليذكرني بمشروعنا القديم بتحويلها الى فيلم ، وتحمس الحاضرون للفكرة ، وشجعونا كثيرا ، وتطوع جبرا لتولي مهمة الدراماتورج ( المستشار الدرامي ) ...
ولم يتحقق المشروع هذه المرة ايضا ، فقد دفعت الاحباطات وخيبات الامل ، والانزعاج مما اصاب العراقيين جراء خطيئة اقتحام الكويت ، دفعت التكرلي الى النزوح الى تونس .. ليعيش ظروفاً نفسية واقتصادية صعبة،اثرت سليبيا على الكتابة والإبداع ، فقد كان يجدحسب قوله- صعوبة وعسرا في عملية الخلق بعيدا عن الوطن !!
ولكن هذا العسر تمخض عن عمل فني عملاق هو رواية (المسرات والأوجاع) عام 1998 التي تناول فيها بجرأة وادراك الوضع السياسي في العراقي ... من خلال تجسيد الهم الاجتماعي للمواطن العراقي – وقد اعتبر الناقد صبري حافظ رواية ( المسرات والاوجاع) من الروايات العربية النادرة التي نستطيع ان نضعها في مصاف الروايات العالمية الكبرى ..ويضيف (.. فالمسرات والاوجاع رواية انسانية كبيرة باي معيار من المعايير وهي في الوقت نفسه رواية عربية خالصة ، او بالاحرى رواية عراقية حتى النخاع )
قبل ايام من وفاة فؤاد التكرلي ، وفي موجة البرد والصقيع في عمان ، اتصل بي المخرج محمد شكري جميل وعرض علي ان نذهب لزيارة فؤاد التكرلي ، وعندما عرف انني كنت عنده قبل يومين طلب ان اكرر الزيارة اليوم ، وجوابا عن استفساري عن سبب الحاحه للقيام بالزيارة قال انه بحاجة الى ان يشكر التكرلي ويعبر له عن اعجابه بروايته الرائعة (المسرات والاوجاع ) فقد قضى معها ايام البرد الاربعة فشعر بدفئ المشاعر الانسانية ومتعة اكتشاف عمل فني كبير ..
كانت هند كامل قد سبقت محمد شكري جميل في اطراء الرواية عندما اعادت قرأتها في غمرة التحضير لبرنامج تلفزيوني كان سيجمعها مع فؤاد التكرلي في حوار فكري حول ملامح السرد الروائي عربيا وعالميا ، وتاثير وسائل المولتيميديا على الكتاب المقروء ورواج روايات حكايات الفنتازيا التي تجنح الى الخيال والغرابة وتجمع التاريخ بالحاضر والعلم بالخرافة .. وقد تحمس صديقنا فؤاد التكرلي للموضوع واغناه بافكاره وكان من المفروض ان نصور هذه الايام كاول حلقة من برنامج ( على ضفاف الفكر ) .. ولكن كان للموت حسابات اخرى فاقتلع فؤاد التكرلي من بيننا تاركا فراغا في دنيا الرواية العربية لن يعوض بسهولة .



==
اسمه : هو فؤاد عبد الرحمن محمد سعيد التكرلي ( 1927 – 2008 )

مولده :
ولد ببغداد سنة 1927

تعليمه :
وكان جده محمد سعيد التكرلي ، كما يقول الاستاذ حميد المطبعي في ( موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين) ، نقيبا لاشراف بغداد . وفي محلة باب الشيخ ( عبد القادر الكيلاني) المعروفة ببغداد ، بدأ يتلقى علومه فدخل المدرسة الابتدائية ، واكمل الاعدادية ، وتخرج في كلية الحقوق ( القانون حاليا) سنة 1949 . وبعد تخرجه عين ( كاتبا اولا) في محكمة بداءة بعقوبة .

ظهرت اهتمامات فؤاد التكرلي الادبية منذ وقت مبكر من حياته ، وراح يلتقي عددا من زملائه ومجايليه المعروفين بحبهم للادب والشعر والقصة امثال عبد الملك نوري ، وعبد الوهاب البياتي، وشقيقه نهاد التكرلي . وقد نشر اول قصة له سنة 1951 في مجلة الاديب ( البيروتية) بعنوان : ((همس مبهم)) .

كما ابتدأ سنة 1948 بكتابة روايته (بصقة في وجه الحياة) .. وقد سبق ان اشرنا آنفا انه اكملها سنة 1949 ، لكنه لم ينشرها قائلا فيما بعد ان مجتمع العراق آنذاك لم يكن يستوعب نشر مثل هذه الرواية لما تضمنته من افكار ورؤى وتفسيرات كانت تضر بسمعته هو قبل غيره ، وقد نشرت الرواية في بيروت بعد ربع قرن (1980) .

تولى مناصب قضائية كثيرة خاصة بعد عودته من بعقوبة ( محافظة ديالى) الى بغداد، ومن ذلك تعيينه قاضيا في محكمة بداءة بغداد سنة 1964 لكنه لم يلبث في هذا المنصب طويلا ، اذ حصل على اجازة دراسية لمدة سنتين وسافر الى فرنسا ثم عاد ليعين خبيرا قانونيا في وزارة العدل .

لم ينقطع فؤاد التكرلي عن نشر قصصه في الصحف والمجلات العراقية والعربية، فلقد استطاع سنة 1960 من اصدار مجموعة قصصية بعنوان : ( الوجه الاخر) . وفي سنة 1980 صدرت روايته (الرجع البعيد) ، وبعد ذلك بست سنوات أصدر مجموعة حواريات بعنوان : ( الصخرة) . كما صدرت له في تونس سنة 1991 مجموعة قصصية بعنوان : ( موعد النار). وفي سنة 1995 صدرت له رواية (خاتم الرمل)

محطات :
في مقابلة نشرتها مجلة المدى (البغدادية )يوم 16 اذار 2004 )) : كل اعمالي هي ضد السلطة ،ومع ذلك كتبت وانا في العراق وبقيت فيه ... ،ويضيف : كنت أعيش في العراق بشكل طبيعي ... ركزت في كتاباتي على المشاكل الحقيقية لدى الشعب العراقي ،ولم اكن أشتم أو احتج بطريقة فجة ،بل اخترت الكتابة العميقة ....

- والتكرلي، وهو ينهي السنة الثمانين من عمره لايزال صادقا في التعبير عن كل خلجة من خلجات الانسان العراقي ، وهو يواجه التحديات الجديدة ، ويصر على ان يوفق لفترة يحاول العالم ، كما قال ، محوها من تاريخ العراق مع انها من أقسى المراحل التي مر بها تلك هي مرحلة الحصار الظالم البشع ، والذي لم يقتصر على الجوانب الاقتصادية وحسب بل تعداها لتشمل الحصار العلمي والحصار النفسي ، لذلك جاءت روايته الجديدة الموسومة : ( اللاسؤال واللاجواب) لتعكس حالة الانسان العراقي وهو يواجه تلك السنوات القاسية، ومع انه يحس بوطأة الاحتلال ولا معقولية ما يشهده العراق من اوضاع راهنة ، الا ان التكرلي يعترف ، وهو في هذه السن ، بانه لايستطيع:التعبير عن فصول المأساة المستمرة ...فالوضع في العراق يستعصي على أي روائي مهما كانت عبقريته ، انه غير معقول ، ولا ينطبق عليه حتى وصف العبثية ، افكار السرياليين تبدو ساذجة تجاه ما يجري!!

- أن الأديب "فؤاد التكرلي" يفضل ألا تسمى كتاباته المسرحية بالمسرحيات بالمعنى الفعلي للكلمة، حيث يقول في تعريفه على غلاف كتاب المسرحيات الذي يضم تلك الأعمال ضمن سلسلة أعماله الكاملة : " هذه ليست مسرحيات بالمعنى الحرفي والمتفق عليه للكلمة، إنها بالأحرى محاولات في الحوار، استغلت بعض قابليات المسرح لتقديم الواقع منظوراً إليه من زاوية نظر مختلفة وغير مألوفة، إن فيها بحثاً مخلصاً عن الحقائق عبر طرائق ملتوية، ظهرت أحياناً، وكأنها تضمن الوصول إلى الهدف، إلا أنها، في أغلب الأحيان، تبدت غير جديرة بذلك وأشبه بمن ضيع هدفه قبل الخطوة الأخيرة.

من أقواله :
-عندما أتوصّل الى الشكل، أبدأ الكتابة فوراً. فكرة «الرجع البعيد» (1980) جاءتني عام 1963 وبقيت أفكر حتى عام 1969 في كيفية إخراجها فنياً. أنا نادم على الوقت الطويل الذي استغرقته في كتابتها. كان يُمكن اختصار الوقت لو بذلت جهداً أكبر. لا طقوس استثنائية لدي أثناء الكتابة، بضع أوراق وقلم حبر أخضر سيّال، وشيء من الموسيقى الكلاسيكية. أمّا القراءة فمسألة أخرى، قضية حياة… لا يمنعني عنها إلّا المرض.

- لقد أعطت الكتابة معنىً لحياتي… ولم تأخذ مني شيئاً. كانت حبل نجاة من بحيرة الحياة التافهة، وأنقذتني من طموحات الوظيفة. وجعلتني أؤمن بأنّ حياتي لم تكن عبثاً.

ما قاله النقاد :
يقول (ا.د.ابراهيم خليل العلاف) في موضوع أعده بمركز الدراسات الاقليمية -جامعة الموصل

قلة من الكتاب العراقيين ، هم من انصرفوا لتوثيق تاريخ العراق المعاصر ، قصصيا ، وروائيا ، ومسرحيا ،ولعل ذو النون ايوب ، وفؤاد التكرلي ، وعبد الخالق الركابي أبرزهم على الاطلاق .. فؤاد التكرلي ، كتب روايته الاولى (بصقة في وجه الحياة) سنة 1949 ، وكتب روايته الاخيرة (اللاسؤال واللاجواب) سنة2007 ، وبين 1949 و2007 ،وقعت في العراق الكثير من الاحداث .. في الرواية الاولى أرخ لاوضاع الحرب العالمية الثانية وانعكاساتها على نفسية المواطن العراقي وواقع مجتمعه . وفي الرواية الاخيرة أرخ لسنوات العراق الصعبة ايام الحصار القاسي الذي شهده العراق طيلة المدة من 1990 وحتى 2003 . ولم يتورع التكرلي من ان ينتقد السلطة في العراق ومشاكلها ايا كانت ..

وكل اعماله دعوة الى التمرد على سبئات المجتمع .

فعلى سبيل المثال كان التكرلي جريئا في روايته (المسرات والاوجاع) ، هذه الرواية التي صدرت سنة 1999 . والتكرلي في تشريحه للمجتمع العراقي ووضعه اليد على معايبه ومشكلاته ، كان أديبا واقعيا صادقا لهذا لم يتعرض لاي مضايقة او ملاحقة ، هذا فضلا عن ان السلطة في كل مراحل تاريخ العراق كانت تعرف بان التكرلي ، وهو قاض نبيل ومعروف ، واحد من رجالات القصة والرواية والابداع لذلك لم يكن من الصواب ان تتعرض له لأي سبب من الاسباب ،لابالعكس كانت تقدره وتضعه في المكان الذي يستحق.

وقد كتب عنه الناقد الادبي الكبير الاستاذ الدكتور (علي جواد الطاهر )فقال : ان التكرلي ليس قصاصا حسب ، انه مثقف في فن القصة ،وفي علمها : قواعدها ، قوانينها ، سماتها . أما القاص والروائي (محمد خضير)، فقد قال عند تكريم جريدة المدى (البغدادية) للتكرلي ، معقبا على بعض أحداث وشخوص روايته ( الوجه الاخر) نحن الان نشم فيه النسمات الاخيرة لشارع الرشيد . ولم ينس الروائي (علي بدر) ان يؤكد حقيقة مهمة في ما قدمه التكرلي حين قال : بأن الاجيال القادمة ستتذكر بأن ملامح الشخصية العراقية موجودة في اعمال فؤاد التكرلي. كما اشار الناقد والشاعر فاروق سلوم في مقال له منشور على موقع كتابات (الالكتروني) يوم 6 ايلول 2007 الى ان فؤاد التكرلي أصر على النزعة البغدادية المدينية.. مقابل أي اتجاه آخر، كان رهانه العالمي على هويته فشخصياته كلها من الواقع العراقي المعاصر الرافض لكل قيد .. فتوفيق بطل رواية ( المسرات والاوجاع) فاسد لكنه نتيجة حياة مرة ومجتمع صعب ، اما عدنان ومدحت بطلا روايته ( الرجع البعيد) فهما علامة فارقة لمجتمع متنوع ومتوافق يقبل الفساد .. ويقبل العفة . لقد عاصر التكرلي اجيالا من السياسيين ، وشهد تقلبات العراق السياسية ، لحقب ثكلى ومحملة بالاسى .. وكان مسؤولا في قاعة المحكمة عن الظلم والمظلومين ، لكنه ظل ، يقول سلوم ، يريد كشف جوهر الصراع ، وخباياه النفسية والاجتماعية والتربوية ، ويلتقط الباحث (كرم نعمة ) الخيط في موقع جريدة البينة (2005) ليقرأ بعضا مما جاء في ( المسرات والاوجاع) ، هذه الرواية التي وصفها الناقد (صبري حافظ )بانها (رواية العصر الكبرى) ، قائلا : انه عندما نستذكر بطل هذه الرواية في الخاتمة، وقد نزل عليه مبلغ هائل من المال ،وهو يتجول في الكرادة ، ويقتني قطعة حلوى ...نشعر ان المكان في ذاكرة التكرلي قائم ومخلص لعراقيته.

أما (اسماعيل زاير ) الناقد والصحفي المعروف ، فأكد في تقديمه لملف كامل عن التكرلي نشرته جريدة الصباح الجديد في عددها الصادر يوم (10 ايلول 2007) : ان التكرلي من أفضل وأجمل تعبيرات الذات العراقية الحرة والمنطلقة على هواها وبما تمليه سجيتها .

قال الناقد (ماجد السامرائي )في حوار له مع التكرلي نشرته الحياة (البيروتية) يوم 26 تشرين الاول 2003: ان الرؤية الاجتماعية الواقعية هي التي أطرت ادب التكرلي القصصي والروائي والمسرحي كما انها كانت دافعا لاحداث التنوع فيه.

أما الناقد( ناطق خلوصي )فكتب مقالة بعنوان : مدرسة التكرلي في الابداع منشورة على موقع قناة الشرقية ( الفضائية) جاء فيها ان التكرلي أول من تناول موضوعة الجنس في روايته تناولا مباشرا وصريحا احيانا ، مع ان الاقتراب من هذه الموضوعة كان يصطدم بالمحرمات الدينية والاخلاقية والاجتماعية .. ويقينا انه استفاد من عمله ، كقاض ومن هنا فان تعامله مع شخصياته ، كان تعاملا وفق منظور نفسي ـ اجتماعي ..

فهو يعطي للعوامل والظروف الاجتماعية والاقتصادية ما تستحقه من اهتمام ، ويسعى للتوغل في أعماق الشخصيات .. ويضيف( خلوصي )الى ذلك قوله ان التكرلي في مجمل أعماله الروائية كان يحرص على تقديم استقراء لتاريخ العراق المعاصر وخاصة في ال50 سنة الاخيرة .. ويبدو ان التكرلي ، وهو ابن الطبقة الوسطى ، مع أنه عد يساريا في افكاره ، كان على علم ببواطن وخفايا واسرار هذه الطبقة لهذا حرص على اختيار شخصياته منها مع رغبة متناهية في ادانة كل انواع الظلم الاجتماعي ، والسياسي ، والاقتصادي .كان التكرلي يعد كتابة الرواية عملية غامضة وممتعة ،ومحاطة بالمعاناة، والحرية الداخلية ،بنظره ،تطلق طاقة الابداع .

ويضع الناقد والشاعر (ياسين طه حافظ )، فؤاد التكرلي ضمن سياق زمنه وعصره ، فيقول : ( ان فؤادا ، وقد بلغ الثمانين من العمر طوى عصورا ثقافية ، وازمنة انسانية وهو يتابع حركة الانسان وعذاباته في طريق الشمس . ويضيف : فؤاد كاتب كبير فنا ، وفؤاد قبل هذا وبعده انسان اخلاقي كبير .

أما الناقد( جمال كريم ) :فيؤكد في الملف انف الذكر ان التكرلي وثق للمكان والاحداث في حقب جد مهمة وشائكة في تاريخ العراق المعاصر السياسي والاجتماعي ولكن من وجهة نظر روائي محايد ومتمكن من أدوات فنه السردي .ويضرب على ذلك مثلا فيضيف الى ذلك قوله انه في مرحلة ما بعد ثورة 14 تموز 1958 ،وما خلفت من تداعيات على صعد حياة المجتمع العراقي انذاك ،بل وما رافقها من صراعات سياسية على دفة الحكم وخزائن الثروة ،فالاحداث والشخصيات المحورية ،بمختلف انتمائاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية تتحرك على فضاءات مكانية عراقية وخاصة في بغداد العاصمة وضمن جغرافية الاحياء (المحلات ) الشعبية ومنها محلة باب الشيخ وما يتبعها من ازقة أو شارع الكفاح (غازي )وما يتماس أو يتقاطع معه من شوارع ،يحاول التكرلي ،تبعا لخصوصية هذه الامكنة، من حيث المشكلات الاجتماعية ومستويات الفقر، وعمق معاناتها ،وحدة صراعاتها ،ان يتعامل معها بمنتهى الواقعية.

مؤلفاته :

قصة :

-العيون الخضر

روايات :

- خاتم الرمل
- بصقة في وجه الحياة
- المسرات والأوجاع

مسرحيات :

- أوديب الملك السعيد / ملهاة مأسوية في منظر واحد
- مسرحية "الصخرة

وفاته :
توفي يوم الاثنين 11 شباط فبراير 2008 في العاصمة الأردنية عن عمر ناهز 81 عاما بعد صراع طويل مع السرطان
__________________





قمة آلحزن !
عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص ..
كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ !
عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب
[ گبير لہ
رد مع اقتباس
  #82  
قديم 16-08-2015, 06:33 PM
! إنسان والقلم ! إنسان والقلم غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
مكان الإقامة: بين طيات الاوراق ، وفي الغربة أسيح
الجنس :
المشاركات: 399
افتراضي رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها

The writer's novel "Tree Talk" was our readers' club selection for April 2009. Visit our Readers Club main page Find more information on our April 2009 selection: the book,the author and his work through our Readers Club Archives.
One of the pioneering writers of his generation, the Iraqi novelist Fuad al-Takarli was renowned as the authentic voice of modern Iraqi society. Informed by a long career within his country’s judiciary, al-Takarli broke with the literary conventions of Arabic fiction in the 1950s and 1960s to develop his own personal style. His journalism and fiction gained attention and accolades as much for his idiosyncratic writing as for his vivid evocations of a rich and articulate culture now teetering on the brink of civil war.

His literary career began in the 1950s with The Green Eyes, a collection of short stories, but it was with the publication of The Long Way Back (published in Arabic in 1980 as al-Rajea al-Baeed; in English in 2001) in the 1970s that he made his name. An ambitious and unusual novel for its time, it depicts, through the eyes of four generations of a Baghdad family, the tumultuous events within Iraq leading up to the overthrow of the republican regime of Abd al-Karim Qasim in 1963 by a group of Baathist civilians and soldiers. The book was particularly audacious in its criticism of the regimes, especially that of Saddam Hussein, that followed the political unrest provoked by Qasim’s assassination. Publication in Iraq was denied after al-Takarli refused the Iraqi censor’s request to remove a leading character who represented the Baath party. Consequently, the novel was published in Beirut, and only in 1980 was it finally brought out in Iraq.

Al-Takarli turned to writing full time after pursuing a highly successful legal career. He graduated in law from Baghdad University in 1949 and worked at the Iraqi Ministry of Justice for 35 years, where he was respected for his honesty. In 1956 he became a judge and went on to head Baghdad’s Court of Appeals before leaving for Paris in 1964 for postgraduate study. He continued in the legal field until 1983 when he decided to concentrate exclusively on writing, leaving for Tunis in 1990 with his second wife.

Within the canon of Iraqi literature, al-Takarli was the natural successor to Abdul Malik Nouri. Nouri, unlike his fellow authors in the 1940s, preferred to examine the role of the individual in society and the impacts of colonialism and class struggle on society rather than deliver the sociorealist fiction in vogue at the time which he and others dismissed as little more than creative reportage by a “katib maqala”, an essay writer. Nouri’s fiction reflected an interest in sociology and psychoanalysis, shared by al-Takarli, as both men also shared a deep admiration for the novels of Fyodor Dostoevsky.

Although this sociorealist style prevailed in the 1950s, al-Takarli placed himself beyond its limitations, concentrating on the development of his personal style, doubtless influenced also by his boyhood friend, the poet Abdul Wahab al-Bayati who was hailed by The New York Times as “a major innovator in his art form” in breaking with more than 15 centuries of Arabic poetic convention to write in free verse.

The publication and distribution in Iraq of The Long Way Back in 1980 came at a time when an interest in Arabic literature in translation was just beginning to emerge. Historically, few books by Arabic authors were translated into English, resulting in Western perceptions of Arabic culture and society as being shaped mainly by books written by Westerners, a subject addressed at length by the late Edward Said in Orientalism (1978), and elsewhere. The popularity of writers such as Naguib Mahfouz, Yusuf Idris, Tahar ben Jelloun and Tayeb Salih did not extend much beyond the Arab world until in 1988 Mahfouz became the first Arabic author to win the Nobel Prize for Literature.

This was the catalyst for a small boom in the publication of Arabic fiction in translation, with the field opening up for Mahfouz’s contemporaries, among them al-Takarli. He would later be awarded the United Arab Emirates Sultan bin Ali Owais Cultural Foundation Award for his contribution to modern Arab fiction.

In other works, among them The Other Face, The Sandy Ring and Spit in the Face of Life, al-Takarli continued to explore the social changes brought about under the Baathist regime, and contributed articles to London’s Arabic press, including al-Hayat and al-Sharq al-Awsat.

In 1985 The Long Way Back was translated into French: the English-******** edition appeared in September 2001. A Sunni with no particular political affiliation, al-Takarli was concerned about the power struggle between Sunni and Shia factions. Just as violence had given him the subject for the novel that brought about his literary success, so it was the backdrop (albeit at some remove) for his death from pancreatic cancer. “There is no place for me in Baghdad.” He said. “It is not my Baghdad, not my Iraq.” For the past three years he had been living in Amman, Jordan, where he was buried.

Al-Takarli is survived by his second wife and their son, and by three daughters from his first marriage.

Fuad al-Takarli was born in 1927. He died on February 11, 2008, aged 81
Source: The Times 28 February 2008.

فؤاد التكرلي
رواية االكاتب " حديث الأشجار" كانت اختيار شهر ابريل 2009 في نادي القراء
تجد ملفا كاملا عن الكتاب وكاتبه والحوار الذي دار حوله في صفحة كتاب شهر ابريل 2009
أنظر أرشيف نادي القراء
التكرلي روائي وقاص ومسرحي له الكثير من الأعمال الأدبية التي بدأ في نشرها منذ الخمسنيات.

ولد التكرلي في بغداد عام 1927، ودرس القانون في كلية الحقوق وتخرج عام 1949، وعمل في البداية كاتبا في إحدى محاكم بعقوبة، ثم محاميا وقاضيا ومستشارا قانونيا، وظل يتنقل بين عدد من الوظائف العامة إلى أن تقاعد.

وقد ظهرت اهتمامات التكرلي الأدبية في وقت مبكر من حياته ربما قبل تخرجه مباشرة في عام 1949 حينما أنهى كتابة روايته الأولى "بصقة في وجه الحياة".

إلا أنه لم يجرؤ، كما صرح فيما بعد، على نشر هذه الرواية لأنه اعتبرها "سابقة لعصرها" وأن جراتها كانت كفيلة بخلق الكثير من المتاعب له ولناشريها. وظلت تلك الرواية حبيسة الأدراج إلى أن نشرها عام 1980 عقب نشر روايته "الرجع البعيد".

أما مجموعته القصصية الأولى "الوجه الآخر" فقد نشرها عام 1960. وكانت قصته القصيرة الأولى قد نشرت في مجلة "الآداب" البيروتية عام 1951 بعنوان "همس مبهم".

وأصدر بعد ذلك عددا من الروايات والمجموعات القصصية والمسرحيات منها "خاتم الرمل" و"موعد النار" و"الصخرة" و"الكف" و"خزين اللامرئيات" المسرات والأوجاع".
أدب اجتماعي

ويتفق الكثير من النقاد على اعتبار أدب التكرلي أدبا اجتماعيا سياسيا يهتم بالإنسان في محيطه السياسي الاجتماعي، ويمنح الاهتمام لسيكولوجيته الاجتماعية، لكنه من زاوية أكثر شمولا، يعد ادبا تاريخيا لقسم من تاريخ العراق المعاصر.

وفي روايته "اللاسؤال واللاجواب" وهي آخر رواياته وقد صدرت عام 2007، يتناول التكرلي سنوات الحصار التي عاشها العراق من عام 1990 إلى 2003.

ويعتبره النقاد أحد أبرز كتاب "جيل الخمسنيات" أو ما يطلقون عليه جيل الريادة الحقيقية في القصة العراقية إلى جانب غائب طعمة فرمان (1927-1990) وعبد الملك نوري (1921-1998) ومهدي عيسى الصقر(1927-2006).

وقد حاول هؤلاء على اختلاف رؤاهم ومشاربهم الفكرية والسياسية تأسيس شكل جديد في النثر العراقي يوازي ما صنعه مجايلوهم في الرسم والنحت والشعر.
حزمة واحدة

عن هذا الجيل تحدث التكرلي ذات مرة فقال إنم يشكلون "حزمة واحدة متكاملة، يتشابهون في التعبير الواقعي عن المجتمع" لكنه يشعر أنه مختلف عنهم فيما يتعلق بالتعبير عن الفرد.

ويمضي موضحا: " نشترك برسم لوحة بانورامية واسعة لمجتمع تلك الفترة، ما أنجزه الخمسينيون في القصة يفوق ما أنجزه زملاؤهم الشعراء والذي كتب عنه الكثير، أما لماذا لم يتم الإهتمام به عربيا؟ فلأن للشعر سطوة أقوى من القصة القصيرة، الشاعر المجد هو الأعلى، بينما يأتي كاتب القصة خلفه بمراحل".

لم يتعرض التكرلي لبطش السلطة في عهد صدام حسين كما تعرض كتاب عراقيون غيره، بل حاول النظام السابق دائما استمالته و"تحييده".

وقد اشتغل طويلا بوظائف عامة في الدولة وعين في مناصب رسمية. وربما يكون هذا الموقف وراء ما تعرض له من انتقادات قبل وفاته بعدة أشهر عندما قبل العمل كمستشار للرئيس العراقي، جلال طالباني، لشؤون الثقافة والأدب.

هذا الموقف دفع بعض نقاد التكرلي إلى مهاجمته واتهامه بـ "التقاعس عن ابداء أي اشارة احتجاج على احتلال العراق" بل وحاولوا ايضا التقليل من شأن موهبته الأدبية.

وقد انتقل التكرلي بعد سقوط نظام صدام عام 2003، إلى سورية ومنها إلى تونس حتى استقر في عمان حتى وفاته
.

__________________





قمة آلحزن !
عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص ..
كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ !
عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب
[ گبير لہ
رد مع اقتباس
  #83  
قديم 16-08-2015, 06:33 PM
! إنسان والقلم ! إنسان والقلم غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
مكان الإقامة: بين طيات الاوراق ، وفي الغربة أسيح
الجنس :
المشاركات: 399
افتراضي رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها

حوار مع الروائي فؤاد التكرلي



أجرى الحوار : فراس عبد المجيد

بعض ما جاء في حوار سبق وأن أجريناه مع الكاتب الكبير ، وتحديدا في سنة 2003 في ندوة الرواية العربية التي عقدت في العاصمة المغربية في إطار الاحتفال بالرباط عاصمة للثقافة العربية

س : الأدب ( والرواية خصوصا ) كان يطمح إلى واقع أكثر جمالا و أكثر عدالة .. وثعرجات السياسة حالت دون تحقيق هذا الطموح. كيف تصف لنا هذه العلاقة ؟

ج : الأدباء دائما يحلمون ، والأدباء يعتبرون الأدب تعبيرا عن تمنيات وأحلام . الأديب يريد الخير لشعبه .. وكانت السلطة تتدخل باستمرار في إبداعه ، وخاصة في مرحلة الانقلابات العسكرية . في الخمسينات لم تكن الحكومات تتدخل إلا بشكل طفيف وبصورة غير مباشرة ، ونسبيا كانت لدينا حرية داخلية كنا نمتلكها . بعد ذلك جاءت الثورات ، وجاءت الأيديولوجيات ، صارت الرقابة صارمة . فقد زاد تدخل السلطات ، وهو ما أدى إلى انحرافات في الأدب بشكل من الأشكال . فالأديب الذي يريد أن يعبر عن بعض الأفكار التي يظنها مرفوضة من قبل السلطة ، يلجأ إما إلى الرموز ، أو إلى تبريرات أخرى . من هذه الناحية فأن الأدب في البلاد العربية خاصة ، لا يسير في الاتجاه الصحيح ، ولا يؤخذ وكأنه وسيلة من أجل الإصلاح ، بل كوسيلة من أجل مقاومة السلطة . وهذا خطأ .. فالأدب ينبغي أن يعامل بحسن نية . فالأدباء ليسوا ثوارا ، بل هم كتاب مسالمون
، وقصدهم هو لفت النظر الى المظالم التي تحصل في المجتمع .. لا أكثر ولا أقل .


ج : أنا لم يكن لي موقع في الستينات ، هذا الجيل الذي جاء بعد ثورة تموز 1958 والتطورات والمتاهات التي أعقبتها اضطرابات ، وكان بعض كتاب هذه المرحلة أنتجوا أعمالا مهمة تختلف عما أنتجه الخمسينيون ، وأمسكوا بشخصيتهم بسرعة ، مثل محمد خضير وموسى كريدي وعائد خصباك وعبد الستار ناصر الذي كانت بداياته جيدة . لقد أصبنا ، نحن الخمسينيين ،
بنوع من الذهول المستديم ن بحيث بقينا صامتين فترات طويلة ، ولم أكن أكتب خلال عام إلا قصة واحدة .. أو لا أكتب أصلا . وهذا بسبب تغير الجو الفكري . كنا نشعر بأن الجو أصبحت تسوده الفوضى .

س : وهل هذا الذهول بسبب التقلبات السياسية ؟

ج :
بالتأكيد بسبب التقلبات السياسية وما رافقها . بالنسبة إلي لا أشعر بأن الستينيين لهم علاقة بي بقدر ما كانت علاقتهم بعبد الملك نوري ومهدي عيسى الصقر . ولم يكمل أحد منهم الخط الذي بدأته في تجربتي .

س : هناك ملاحظة حول روايتك " الرجع البعيد " تقول أنها ، وبرغم دقة تصويرها الذي تضمنته ، لم تكن حاسمة في إدانتها ، مما يعكس شيئا من المهادنة . وقرأت مؤخرا نفس الملاحظة حول روايتك الأخيرة " الأوجاع والمسرات " .. كيف ترد على ذلك ؟

ج : أنا لست محاربا .. وحكاية المهادنة هذه في غير مكانها ، أنا كاتب وأديب ، وأعتبر نفسي فنانا بالدرجة الأولى أكثر مما أنا أديب ، فأكتب أشياء مرتبة فنيا . وللذين يعتبرونني مهادنا أقول : أنا ربما كنت الكاتب الوحيد الذي كتب ضد حزب البعث وهو في السلطة ، وكنت حينها في العراق . أما من يطلقون أحكامهم بالمهادنة وهم خارج العراق فهذه مسألة أخرى.. بالنسبة
لرواية " الرجع البعيد "" لا يوجد – حسب اعتقادي – أي عراقي قرأها ولم يفهم مقاصدها ، فالجميع فهموا ما أقصد إليه
. بل وزادوا من رموزها أكثر مما تحمل . المهم أنه لا مجال للمزايدة في مثل هذه المواضيع . إن ما قادني إلى كتابة الرواية هي الناحية الفنية ، وطبعا شعوري كأديب ، مثلها مثل " المسرات والأوجاع " ، ليست لدي حمولات سياسية بقدر ما أحمل من إدانة فنية . لقد فضحت الحكام واعتبرتهم مجرمين بطريقتي الخاصة . أما أن أظهر على شاشة التلفزيون وأشتم ، فهذه ليست مهمتي .

س : ولو أعدنا السؤال بشكل آخر ، وهو : هل أنك ، عندما تكتب ، تضع في اعتبارك أن ثمة سلطة تجب إدانتها ؟
ج : أنا لا أضع شيئا أمامي سوى أنني أملك حريتي الداخلية ، وهل أني أكتب ما أريد أم لا أستطيع ذلك ؟ كنت دائما أطمئن إلى أنني أكتب ما أريد دون زيادة أو نقصان . ولو افترضنا أنني ، في ظل هذه الظروف ، أكتب رواية " الرجع البعد " لكتبتها كما هي دون تغيير ، ودون اهتمام بالاتهام بالمهادنة .

س : ...إذن فشكل الرواية جاء متطابقا مع مضمونها . وهذا يحيلنا على منهجيتك في الكتابة ، فقد دعوت في مداخلتك ، في ملتقى الرواية العربية في الرباط إلى إقامة الصلة بين الكاتب والقارئ إلى جانب العمل على التأثير فيه . كيف توضح ذلك ؟ هل هي دعوة إلى تكريس الواقعية كمنهج في الرواية ؟

ج : لا .. أبدا . ليس ذلك تكريسا للواقعية . أنا تركت الموضوع لبصيرة الكاتب وكيف يجد قراءه . المهم انه يجب أن يشعر أن ثمة صلة تبقى حية بينه وبين القارئ . أما إذا كان ثمة كاتب عربي ( مغربي أو عراقي أو مصري مثلا ) يفكر في أن أمامه قارئا فرنسيا أو ألمانيا فهذه حماقة . فلهذا القارئ جو آخر وثقافة أخرى وماض آخر . هو يمكن أن يفهم منك بعض الأشياء ، إلا أن القارئ العربي لا يستسيغ ذلك ، لا يمكن أن يحتمل ذلك ولا يمكن أن يفهمه .
فالتواصل هو المهم ، والتأثير يأتي بالدرجة الثانية . فإذا أنت لم تستطع التواصل مع القارئ العربي ، ولا يمكنك التأثير فيه ، فمن الأفضل لك ألا تكتب
. فحدود التجديد ( وكنت في مداخلتي أتحدث عن التجديد و ليس عن مبدأ معين ينبغي التمسك به ) تتطلب الإتيان بقوالب جديدة ، أو بتغيير بعض القوالب الروائية ، أو باختراق بعض الحدود الروائية . هذه الأمور إذا تم التفكير فيها ، فينبغي أن يتم ذلك بالموازاة مع التفكير بالقارئ . لابد من المحافظة على الصلة بالقارئ ومحاولة التأثير فيه . ولا يمكن الحديث في أشياء لا يمكن أن يتواصل معها القارئ أو لا تؤثر فيه .

س : في الأخير : بم تنصح الكاتب الشاب ؟

ج : أهم شيء هو التواضع . فليس كل من كتب سطرين يتخيل أن على العالم أن ينحني له .. أغلب الأدباء الذين اشتهروا بدؤوا متواضعين . خاصة وإنهم يقدرون أعمالهم ، ويقيمونها قبل أن يتناولها النقاد ، ويعتبرونها وصلت حدا معينا من الجودة . الكاتب الشاب ينبغي أن يعمل على تطوير عمله ، فلا يمكن أن يصدر الكاتب مجموعة قصصية صغيرة ، ويريد من النقاد أن يصفقوا له ، وأن تقام له طقوس الاحتفال .. هذا غير ممكن . فالتواضع مطلوب ، وكذلك الانتظار والصبر. إضافة إلى أن الكاتب الشاب لابد أن يلتفت الى بيئته المحلية . فالمحلية مسألة أساسية ، وخاصة في موضوع الرواية . وأنا شخصيا أعتبر تجربتي قائمة على المحلية . فإذا كنت نحيا في بيئة تعرفها وتعايشها ، يمكنك أن تكتب عنها عملا ذا قيمة .
__________________





قمة آلحزن !
عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص ..
كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ !
عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب
[ گبير لہ
رد مع اقتباس
  #84  
قديم 16-08-2015, 06:33 PM
! إنسان والقلم ! إنسان والقلم غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
مكان الإقامة: بين طيات الاوراق ، وفي الغربة أسيح
الجنس :
المشاركات: 399
افتراضي رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها

المجتمع اللا اجتماعي..دراسة في أدب فؤاد التكرلي
عن دار التنويرفي بيروت صدرللناقد علي حاكم صالح كتاباً نقدياً جديداً بعنوان ( المجتمع اللا اجتماعي / دراسة في ادب فؤاد التكرلي ) وتضمن الكتاب قراءة نقدية في قصص وروايات الروائي العراقي الراحل فؤاد التكرلي وابتدأ الكتاب بمقدمة كتبها الناقد حسن ناظم جاء فيها “ الناقد الذي كتب هذا الكتاب والروائي الذي درست رواياته درسا خاصا يتشاركان هنا في رؤية واحدة ومزاجا واحدا.

ففي عصر يعج بالروايات العربية التي تعسر ملاحقتها كلها، ينتخب علي حاكم صالح روايات فؤاد التكرلي لغاية خاصة في نفسه. فهو يوجه عبرها، في كتابة تحليلية تليق بمجتمع لا اجتماعي، بصفة آخرى في وجه الحياة، بعد ان فعل ذلك فؤاد التكرلي نفسه قبل نصف قرن في رواياته (بصقة في وجه الحياة) المنشورة في العام 2000. ومن المؤكد ان بصقة الرواية غيرها بصقة الكتابة النقدية. لقد وجد علي حاكم صالح نفسه وعزلته (كتب الكتاب في الدنمارك)، وعجزه وغربته في مجتمعه اللا اجتماعي في بغداد الثمانينيات والتسعينيات، مثلما وجد فؤاد التكرلي نفسه غريبا على مجتمعه اللا اجتماعي في بغداد الخمسينيات ، فكتب تلك الرواية ولم ينشرها الا بعد خمسين عاما. هذا الوضع يثير سؤالين محددين: الاول: الم يتغير ذلك المجتمع اللا اجتماعي عبر نصف قرن من الزمان؟ والثاني: الم يكن نفي الكاتب نفسه، طوعا او كرها، نوعا من الحل للخلاص من المجتمع اللا اجتماعي؟ ان الكتابة الروائية التكرلية هي “كتابه انتهاكية” لكنها ايضا “ترياق” والكتابة النقديه لدى على حاكم صالح كتابة تحليلية، وهي ايضا ترياقا. وحين انقذت الكتابة الروائية صانعها الروائي من مجتمعه اللا اجتماعي في خمسينيات بغداد القاسيه، انقذت الكتابة النقدية صانعها الناقد من مجتمعين لا اجتماعيون في الواقع: الاول هو المجتمع اللا اجتماعي العراقي ابان الثمانينيات والتسعينيات، والثاني هو المجتمع اللا اجتماعي الدنماركي من العام 2000 حتى العام 2010؛ والعام الاخير هو عام عودة الكاتب الى العراق، وذلك بالانهماك بالبحث والقراءة والكتابة والترجمه، طاويا تحت كل ذلك احساسا فريدا بما يجري وقدرة على تحويله الى كتابه. وفي هذه العودة الى العراق، وضع علي حاكم صالح حداً لهذه الكتابة المعلق بوضع حد لذاته المعلقة، فوضع خلاصته وهو في خضم مجتمع العراق الغاطس في اللا اجتماعية حد الجنون، مجتمع تشظى نسيجه المتهرئ اشد التشظي، وتحول من مجتمع الارتياب الخائف والتفسخ المطلي بطلاء الانسجام الى مجتمع الكراهية الصارخة والعفونة البادية، مجتمع عراق ما بعد سقوط الدكتاتورية وكشف المكبوت والمكتوب من “طبيعة المجتمع العراقي”.
فالذي دفع الروائي التكرلي الى موقفه ذاك، والذي شكل ازمته الروحية هو عينه ما عاشه الناقد وشكل ازمته الروحية :”حرمان، واستلاب، وقهر، وكبت اجتماعي وسياسي” ، واذا كانت الثمرة الوحيدة التي جناها الروائي من كتابة عمله “بصقة في وجه الحياة” ابان الخمسينيات، حين قرر عدم نشره، هي “حفظ توازن شخصية كاتبه”، فان علي حاكم حفظ توازن شخصيته في كتابته النقدية ايضا “.

كما كتب مؤلف الكتاب مقدمة آخرى مهد من خلالها للكتاب جاء فيها “ بدأً بروايته بصقة في وجه الحياة المكتوبة بين عامي 1948 – 1949 وانتهاء بروايته اللا سؤال واللاجواب المكتوبة بين عامي 205 – 2006، تتوارت في ادب التكرلي بثبات بضع موضوع (تيمات).
ويأتي الجنس، السوي منه والشاذ (سفاح المحارم) في مقدمة هذه الموضوعات. وسأكتفي بالتنويه هنا الى ان حضور هذه الموضوعة لم يكن بنفس الدلالة. فدلالاتها، وابعادها الترميزية، تتغير من عمل الى آخر، ولكن مع ذلك يظل هناك خيطا دلاليا واحدا ينتضم بعض الاعمال التي ترد فيها. وهناك موضوعات آخرى، كموضوعة اثر التكوين الثقافي على الفرد، تحمل الدلالة نفسها تماما في كل ما كتبه التكرلي. اما موضوعة فساد العائلة كوحدة اجتماعية فهي الاكثر اثارة والاكثف دلالة على موضوعة الحياة الاجتماعية غير السوي، او غير الانسانية، او بحسب تعبير هذا الكتاب حياة لا اجتماعية. ان العائلة في جميع اعماله تقريبا عالما زائفا مبنيا على علاقات التواجد المكاني لا اكثر، لان اصل قيامها، الزواج، لم ينبن على علاقة حب حقيقية. والمفارقة التي تضعها امامنا اعماله هي ان شرط البناء السليم للعائلة اعني الحب، لم يتحقق في جميع اعماله الا خارج “مؤسسة العائلة” بالضبط. وهذا ما يسلمنا الى موضوعة مركزية آخرى في نتاجه؛ اعني اللذة الحسية الصرفة، التي تبلغ احيانا عند بعض شخصياته حد الانتهاك الصارخ لكل قيمة اجتماعية، حتى انها في الغالب تأتي في صورة منحرفة لا تكترث باي قيمة اجتماعية كافعال سفاح المحارم، او محاولة الشروع فيها
__________________





قمة آلحزن !
عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص ..
كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ !
عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب
[ گبير لہ
رد مع اقتباس
  #85  
قديم 16-08-2015, 06:34 PM
! إنسان والقلم ! إنسان والقلم غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
مكان الإقامة: بين طيات الاوراق ، وفي الغربة أسيح
الجنس :
المشاركات: 399
افتراضي رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها

تابع،،
اماالفصل الاول من الكتاب فقد تضمن دراسة بعنوان ( الكتابة والجنس المحرم ) وجاء فيهيستهل فؤاد التكرلي رحلته في الكتابة بنص انتهاكي للقيم الاجتماعية السائدة. وسيظلهذا النص محتفظا بانتهاكه لاخلاقيات المجتمع الذي ولد فيه. وبسبب من هذا الانتهاك،بالتأكيد، لم يقدم على نشر نص “بصقة في وجه الحياة” المكتوب في العام 1948 الا بعداكثر من خمسين عاما. وهو النص الوحيد الذي خصه الكاتب من بين جميع اعماله بمقدمةتناولت الشروط المتنوعة التي ولد فيها؛ وليس تأخير النشر السبب الوحيد الذي دفعهالى كتابة مقدمته هذه، فالرسالة الانتهاكية التي ينقلها النص جعلت من هذه المقدمةامرا ضروريا ايضا” ، ويعود ليؤكد المؤلف ان النص كان متكوناً من نصين حيث يقوليتكون النص “بصقة في وجه الحياة”، بهذا الحساب من نصين : النص التخييلي المكتوب عام 1948، والمقدمة التي تصدرته عندما نشر. ويجب ان نثبت اولا ان هذه المسافة الزمنيةمثلومة ان صح التعبير، لان النص المكتوب في العام 1948، لم ير “النور” الا في العام 2000؛ اي مثلومة من جهة تواصلها مع القارئ. فلقد ظل حبيس درج المؤلف وبعيدا عنتداول القراء، رغم ان بعض النقاد تسنى لهم الاطلاع عليه بحكم علاقاتهم الشخصيةبالمؤلف. ولكنه مع ذلك لم يعش زمان القراءة طوال تلك الفترة الطويلة التي هي عمرالثقافة العراقية الحديثة تقريبا “.
وفي الفصل الثاني من الكتاب والذي جاء تحتعنوان ( العائلة والمجتمع ) فقد قال فيه الناقد “ كانت العائلة الميدان الرئيسوالاثير الذي اراده التكرلي في كل مشواره الادبي، وبالنسبة لي ستكون هذه المؤسسةالاجتماعية من جهة علاقتها بالعالم الاجتماعي السياسي دليلا الى تقسيم مسيرة كتابةالتكرلي على مرحلتين، الاولى: مرحلة الكتابة الاجتماعية الخالصة، المنكبة على تناولالعلاقات الاجتماعية والعائلية دون الخوض، صراحة ام ضمنا، بالحاضنة التاريخيةالسياسية التي تنمو فيها شبكة العلاقاتهذه.
اما المرحلة الثانية فسوف تشهدكتابته انعطافة لترتيب علاقة قدرية بين السياسي والاجتماعي. ان للسلطة السياسية فيالمجتمع العراقي اثرها الكبير على طبيعة العلاقات الاجتماعية والعائلية وعلى كتابةنفسها.
حدث هذا التغير الجوهري في كتابته بعد العام 1966. ففي هذا العام سيبدأرائعته الرجع البعيد وسينهيها ببطء سلحفاتي في العام 1977، لتنشر في العام 1980. وسيكتب في غضون ذلك ثلاث قصص “الصمت واللصوص” (1968)، و”التنور” (1972)، و”سيمباثي” (1972)، وثلاث مسرحيات؛ وهي “الصخرة” و”هروب او متهمون سياسيون”، و”الطواف” وجميعهاكتبت في العام 1969. ومن حيث السبق الزمني ارى ان قصة “الصمت واللصوص” اول عمل يلمعالى بعد جديد لم نعهده في كتابته من قبل. وتحتاج هذه القصة وقفة خاصة هنا “.
فيما حمل الفصل الثالث قراءة آخرى لنصوص التكرلي وتحت عنوان ( القراءة ) حيثيقول المؤلف “ نوهت فيما تقدم الى ما يمكن ان تفعله القراءة في بعض شخصيات التكرلي،والنتيجة التي تنهض امامنا من كل ذلك هي ان القراءة، لا سيما قراءة الرواية والادبعموما، تجتث صلة الفرد القارئ بمن حوله، وبالمجتمع الذي يعيش فيه. كانت هذه موضوعةاساسية في معظم ما كتبه التكرلي، وستبلغ امثل صورة لها في رواية المسراتوالاوجاع.
تزخر هذه الرواية بمستويات عديدة، متداخلة، ومتناسجة، يفضي كل واحدمنها الى الآخر، يمنحه ابعادا ودلالات تنتثر عبر القراءة واعادة القراءة اكثر منمرة. ولعل فرز احد هذه المستويات، بعد ان تناولنا في الفصل السابق بعض اوجهها،وتسليط الضوء عليه، للكشف عن بعض الوسائل والاساليب الفنية التي تضمنتها هذهالرواية، يساعد على الكشف عن اسلوب جديد في الكتابه ينتهجه التكرلي في بناء الشخصيةالرئيسةز فكان بناء هذه الشخصية ثمرة تطور وتبلور لهذه الموضوعة نفسها توفر عليهماالتكرلي بمرور الزمن “.
اما خاتمة الكتاب فقد جاءت بتساؤل للمؤلف اتى تحت عنوان ( اللا سؤال واللا جواب ) حيث قال فيها “ لقد كان ادب التكرلي عن حال هذا الفردالمقهور سياسيا واجتماعيا كما جسدتها رواياته وبعض قصصه في ما اسميته بالمرحلةالثانية من كتابته الادبية. فجميع شخصياته لم تكن تريد اكثر من الاستمرار في العيشوالبقاء، مجرد البقاء، مكتفية بذلك من دون الدخول في مغامرة التفكر في نوع ومنزلةوجودها، لان تفكيرا كهذا سوف يورطها في سؤال وجواب في مجتمع متقلب لا يبعث علىالطمأنينة. وعلى الرغم من كل الحذر الذي تنشأ عليه هذه الشخصيات، فانها تذهب ضحيةهذه التقلبات الجذرية. بل يحاسب هذا الفرد حتى على احلامه.
ولهذا الغرض بالذاتكتب التكرلي مسرحيته: تتمة (خزعبلة في حوار) في العام 1992”. ويعد هذا الكتاب مهماًنظراً لما احتواه من تحليل نفسي وادبي لاغلب نصوص الناقد الراحل فؤاد التكرلي ، كماانه كتاب سيغني المكتبة العراقية ، التي افتقدت في الفترة الاخيرة الكتاب النقديالعراقي الحقيقي.

==

الرجع البعيد
في "الرجع البعيد" صدى يستدعيك لاجتياز تخدم الوجدان العراقي، التغلغل فيه عبارات، كلمات، ومشاهد تصبح من خلالها واحداً من الأسرة العراقية التي اختارها فؤاد التكرلي لتكون وقائع حياتها محور روائية، يصدر من خلالها الواقع الحياتي العراقي بكل أبعاده الاجتماعية السياسية الاقتصادية... رواية لم تقف على أعتاب الكلمات، بل تجاوزتها لتقف على أعتاب الإحساس الإنساني المتفاعل مع محيطه أينما كان وحيثما كان
__________________





قمة آلحزن !
عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص ..
كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ !
عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب
[ گبير لہ
رد مع اقتباس
  #86  
قديم 16-08-2015, 06:34 PM
! إنسان والقلم ! إنسان والقلم غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
مكان الإقامة: بين طيات الاوراق ، وفي الغربة أسيح
الجنس :
المشاركات: 399
افتراضي رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها

بصقة في وجه الحياة ----رواية فؤاد التكرلي
إنّ أولى الإشكاليات التي تثيرها رواية المبدع الراحل «فؤاد التكرلي»: «بصقة في وجه الحياة» – منشورات الجمل، 2006- هي مسألة الريادة الفنية في الرواية العراقية، فقد اتفق النقاد العراقيون على أن الريادة الفنية في مسيرة الرواية العراقية الناضجة قد رفع لواءها الروائي العراقي الراحل «غائب طعمة فرحان» عندما أصدر روايته: «النخلة والجيران» و«خمسة أصوات» ببغداد عامي 1965 و1967 على التوالي.. فقد وفرّ «غائب» الشروط الفنية لرواية عراقية مقتدرة تجاوزت السرد الحكائي الكلاسيكي الأولي الذي كان يقترب من السذاجة أحياناً، والذي تجسد في النماذج التي كتبها «جلال أحمد السيّد» و«ذنون أيوب» و«عبد الحق فاضل». ورغم أنني قد دعوت في دراسة سابقة إلى ضرورة التوقف عند رواية «الرسائل المنسية» لـ «ذنون أيوب» والتي تختلف عن كل ما كتبه الأخير من روايات بفنّيتها العالية وحبكتها المحكمة ومدخلها الجديد وتقدمها في الرؤية على الواقع وتكثيفها السردي وتخلصها من الاستطالات، إلاّ أنني أجد الآن – وبصورة لا تقبل اللبس – أنّ الريادة الفنية ينبغي أن تمنح للمبدع «فؤاد التكرلي» عن روايته هذه «بصقة في وجه الحياة» والتي بدأ بكتابتها في حزيران عام 1948 وانتهى منها في آب سنة 1949، أي قبل ما يقارب العقدين من صدور رواية «غائب» «النخلة والجيران». فرواية «التكرلي» رواية متكاملة فنياً تقريباً رغم أن «التكرلي» نفسه يعتبر نصّه هذا فجّاً فنياً وسوقياً وذا لغة ركيكة (ولا يوجد سند لأي من أحكام الكاتب هذه، وهو أمر لابدّ أن يتوقف عنده الناقد المحلل). نحن نقف الآن، أمام رواية نفسية مركبة غير مسبوقة في السرد العراقي حتى ذلك الحين، رواية يسيطر عليها تيار من صراعات اللاّشعور وتستكشف فيها أغوار المكبوت في أعماق الشخصية المركزيّة، التي يوظف الكاتب، من أجل تصعيد توتر الوقائع الدرامي، تقنيات فنّية متفردة آنذاك مثل المونولوج الداخلي والأحلام والاستعادات السريعة والمديدة وتداخل الأزمان وإهمال المكان (كان بلزاك يصف كل المقاهي والشوارع والمحلات التي يمر بها بطله حين يسير لشراء فرشاة أسنان مثلاً) وإثراء السرد الفكري وثانوية الحوار الذي كان يعتبر سرداً ووصفاً خارجياً بدلاً من أن يكون أداة في تنمية واستثارة صراع الإرادات وإضاءة العوالم الداخلية المعقدة بمركباتها المحتدمة، لكن الأهم من ذلك كلّه هو أنها تصدت وبجسارة لمعالجة واحدة من أخطر التابوات في مجتمعاتنا وهي عقدة السفاح بالمحارم. ومن يعالج تاريخ القصّة العراقية سيجد هذه المعالجات المبكرة، خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، للدوافع المحارميّة، ويتجلى ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، في قصص «يوسف متّى» قبل أن يعتزل النشاط الأدبي ويتفرغ للنشاط السياسي – بصورة عامة، وهذا الانهمام الواسع، نوعاً وكماً، من قبل «فؤاد التكرلي» في التناول المكثف ومتعدد المقتربات لموضوعة العلاقات الجنسية المحرّمة بصورة خاصّة.
ويمكننا القول إن «التكرلي» هو أكثر الكتّاب العراقيين والعرب اقتداراً وجرأة في طرح هذه المسألة الشائكة التي تعدّ من المحرمات الدينية والاجتماعية. في قصصه القصيرة هو أكثر مَنْ عالج هذا الأمر كما هـو الحال في قصص مثل: (همس مبهم، الدملة، المجرى، التنور، أمسية خريف، القنديل المنطفئ، الغراب…وغيرها). أمّا في مجال الرواية ففوق أنه صاحب الكم الأكبر في الإنتاج الروائي العراقي في هذا المجال: (الرجع البعيد، خاتم الرمل، المسرّات والأوجاع)، فإنه صاحب السبق في مجال الريادة على المستوى العربي، كما أشار إلى ذلك الناقد الراحل «د. عبد الإله أحمد» في كتابه «الأدب القصصي في العراق» وذلك في معرض حديثه عن رواية «التكرلي» هذه «بصقة في وجه الحياة»، حيث قال : (( إننا لا نعتقد أن عملا قصصيا يتناول هذه العلاقات الجنسية الشاذة على النحو الذي تناولتها قصة ( بصقة في وجه الحياة ) يمكن أن يتقبله واقع المجتمع العراقي، إن لم نقل واقع المجتمع العربي الحديث عامة، في الفترة التي كتب فيها. فنحن لم نجد عملاً قصصياً في أدبنا العربي الحديث، بجرأته في تناول هذه العلاقات ومحاولة إيجاد المبرّرات لها، حتى تاريخ كتابته، ولعل ذلك يكفي سبباً لدراسته (…) بالإضافة إلى ما أشرنا إليه من جرأتها على طرح مضمون يتناول الجنس بشكل لم يجرؤ عمل قصصي على طرحه في الأدب العربي الحديث حتى تاريخ كتابتها.. قد نجد ذلك في الشعر، في بعض قصائد «إلياس أبي شبكة» التي نشرها في ديوانه: «أفاعي الفردوس». لكن من الهام الإشارة إلى أن ريادة «التكرلي» العربية في طرح موضوعة المحارم لم تكن تاريخية وفنيّة حسب بل فكرية أيضاً حيث حاول تسريب قناعاته الفلسفية المسمومة التي تبغي تجاوز جسارة، بل شراسة كشف أغطية المكبوت المحرّم إلى وضع تأصيل نظري صادم ينسف القناعات القائمة ويؤسس لمقدّس جديد يبزغ بمخادعة تخديرية من رحم المدنّس. ويمكن القول إنّ «الـتـكرلي» قد رسم مسار روايته هذه لتكون الخطوة التنظيرية والمدخل الفلسفي لمشروعه التعرضي هذا، وهي خطوة لم يكررها بعد ذلك لا في قصصه ولا في رواياته وكأنه قد نفض يديه من مسؤولية (الإقناع) وتأسيـس ركـائز الـديانة المحارمية الجديدة إذا جاز التعبير، ففي جميع نتاجاته التي أعقبت هذا النصّ، وهذا ما لاحظه الناقد المبدع «عبد الإله أحمد»، نجد أن أبطاله يندفعون في تيار ممارسة العلاقات الآثمة أو الانحدار المذعن مع مجرى دوافعها حتى الخراب النهائي دون أن يناقشوا، ولو للحظة، ما تعنيه هذه العلاقات والدوافع من خرق لما هو قائم وتدنيس لما هو قابع في حياتهم وحياة المجتمع الذي يحيط بهم.
إنّه أي «التكرلي» يبدو وكأنه قد أنجز – وباقتدار كما يرى هو نفسه – بلورة الصيغة الفلسفية للديانة الجديدة وحدّة الملامح الدقيقة لقوانينها العلائقية في روايته هذه؛ وعليه فإنّ النصوص اللاّحقة ستكون تشخيصاً لسلوك (مؤمنيه) الجدد ووصفاً أميناً لحياة مريديه الذين كانوا أقوياء صلبي الإرادة في تنفيذ اختياراتهم المحارمية وممارستها بلا تردّد رغم معرفتهم بالنتائج الكارثية التي تترتب على ممارسة هذه الاختيارات الجحيمية لأنهم يستمدون أسباب قوتهم من معين قوة (خالقهم) الذي عبّر عن مشاعر (الانتصار) والقوّة التي تملكته عندما أنهى نصّه المحارمي هذا وذلك في المقدّمة التي كتبها له: «أنهيت هذا النصّ في آب سنة 1949، وكنت منتصراً قبل أن أدخل المعركة، نجحت في امتحاني العسير لأنني كنت قوياً خلاله. وكنت قوياً لأنني أكملت عملاً استثنائياً من أعمال تصفية الذات».
__________________





قمة آلحزن !
عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص ..
كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ !
عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب
[ گبير لہ
رد مع اقتباس
  #87  
قديم 16-08-2015, 06:34 PM
! إنسان والقلم ! إنسان والقلم غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
مكان الإقامة: بين طيات الاوراق ، وفي الغربة أسيح
الجنس :
المشاركات: 399
افتراضي رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها

في آخر لقاء صحفي قبل رحيله : فؤاد التكرلي يروي سيرته

عبد اللطيف السعدون


تاريخ النشر 22/02/2008 06:00 am

• مرحلة الخمسينيات في العراق تشبه النهضة الايطالية في القرون الوسطى

• على الكاتب أن يتفادى السقوط في هوة المباشرة !



يخطر بذهن المحاور وهو يجالس فؤاد التكرلي الروائي الذي أقترن اسمه في مطلع خمسينيات القرن الراحل بتيار التجديد في القصة العراقية المعاصرة , أن التكرلي لو لم يكن روائيا لكان شاعرا مع أنه لم يجرب كتابة الشعر , والذي يقربه من الشعر دائما تدفق أحاسيسه واكتمال رؤيته الفنية , واتضاح نوازعه وخلجاته الانسانية . وهو بهدوئه ومثابرته وصبره وتسامحه مع الذين يحاولون النيل منه , وكذا بجسده النحيف وطوله الفارع وعينيه الثاقبتين يصبح شاعرا في نظر من يجالسه أو يحاوره , وقد التقيناه في منزله في العاصمة الأردنية عمان في شهر آب ( أغسطس ) 2007 على مدى أكثر من ثلاث جلسات , وكان يستعد للاحتفال بعيد ميلاده الثمانين , اذ ولد في الثاني والعشرين من آب عام 1927 وقطع مسيرة طويلة قبل أن ينضم الى جيل الرواد في القصة والرواية العراقية والعربية , على حد سواء .

لكننا ونحن نعد هذا الحوار للنشر , وفي انتظار أن يرسل الينا التكرلي مجموعة من الصور والرسائل والوثائق الشخصية , حسب وعده لنا , صدمنا خبر رحيله الى مثواه الأخير فلم نجد سوى أن نستعين بالصبر وبالعزاء . وبتذكر الفقيد الراحل وآرائه وكتاباته .
* * *

محطات حياته شملت أماكن شتى في الشرق والغرب , لكنه ظل ملتصقا بمكانه الأول في محلة (باب الشيخ ) في بغداد , وهو في حواره معنا يبدأ من هذا المكان وينتهي اليه , لكن زمانه يظل مفتوحا على امتداد العقود الثمانية التي مرت :


* ماذا تعني محلة "باب الشيخ" بالنسبة إليك اليوم؟

- محلة "باب الشيخ" مسكونة في نفسي لحد اليوم، وقد تجاوز عمري الثمانين، مسكونة في حياتي كلها، بمعنى أني ما زلت عائشا فيها رغم مغادرتي لها، وقد كتبت عنها وأنا بعيد عنها، كانت هاجسي الأول والأخير في التعبير عما يشبه رمزها، وجذرها المعنوي في نفسي.
في هذه المحلة ولدت في 22/8/1927 ، وعشت فيها طفولتي، وقد صادف أن تركنا البيت الذي ولدت فيه وأنا في الخامسة أو السادسة، ولكن نفسي بقيت عالقة به، وما زلت أتذكر كل تفاصيله، حتى الصغيرة منها، كل حجارة من أحجاره .. كل محجر من محجراته العتيقة ، حتى " دلكاته " ، أعمدته والنقوش التي حملتها .

وحتى حديقته الصغيرة بقيت للآن جزءا من تاريخي الشخصي ، ولم يكن فيها سوى شجرة زيتون واحدة وشجرة رمان واحدة وشجرة ليمون واحدة ، ما زلت أتذكر كيف كنت أجري فيها ، أقلد فيها " طرزان " الذي شاهدته في السينما .. أتسلق أشجارها وأقفز بين شجرة وشجرة ، وأختفي فيها كما كان يفعل " طرزان " في أفلام السينما , ومازلت للآن أشعر بوجودها الحي في أعماقي !


* ظهر " البيت " الأول في أكثر من رواية وقصة لك ، كيف ترى " المكان " في الرواية؟

- المكان في الرواية والقصة هو الأساس ، اذا ما اعتبرناه يحدد " المحلية " ، أي الانطلاقة الحقيقية للجو الروائي أو للجو القصصي .

لقد كتبت " الرجع البعيد" بدءاً من مكان بيتنا القديم، أنك عندما تختار المكان فإنك تختار، ضمنه أو معه، عناصر كثيرة: الشخصيات ، المشاكل التي يعيشونها ، الأحداث التي تمر من خلالهم .. وهو يشكل أهم عناصر الرواية أوالقصة.


* تعددت الأمكنة بالنسبة إليك، حيث تنقلت بين بغداد ومدن أخرى في العراق، ثم مدن أخرى في العالم: باريس، تونس، ودمشق وأخيراً عمان، كيف تنظر إلى كل هذه الأماكن من ناحية ارتباطها برواياتك وقصصك؟

- في الحقيقة تختلف النظرة الى مكان وآخر، هناك مكان تعيش فيه ويدخل نفسك، مكان تنسجم معه وينسجم معك، مكان تتدمج فيه، وآخر لا تشعر برغبة في الاندماج فيه.

أما بالنسبة لي فاعتقد أن المكان الذي حملته دائماً، وعشت فيه مجازاً حتى اليوم هو محلة " باب الشيخ " ، فكل رواياتي وقصصي تقريباً تستند إليه، ولكن بعض الأماكن الأخرى التي أشرت إليها مرت بي، ومررت بها من دونما علامة فارقة تتركها علي، ربما اشعر أنني قضيت فيها وقتاً ممتعاً لا أكثر.. اذكر أنني عندما كنت في تونس مثلاً، على بعد آلاف الكيلومترات من " باب الشيخ " كنت استرجع " باب الشيخ " بكل تفاصيلها وادخلها في رواياتي.


* قضيت 20 عاماً تقريباً في "باب الشيخ" من الطفولة الى المراهقة وما بعدها، هل جعلت من معارفك فيها أبطالاً في قصصك؟


- في الحقيقة لا، رغم أن شخصياتهم ظلت في ذاكرتي واضحة الملامح، لكنني اخترت غيرهم من نفس المرحلة الزمنية ، وحسب حاجتي إليهم في رواياتي ، اخترتهم لضرورة التشكيل الفني للرواية.


* يقال إن الروائي ينتقي البطل، لكن يحدث أن البطل هو الذي ينتقي الروائي، هل واجهت هذا الصنف من الأبطال؟


- انني أنتقي أبطالي، كما قلت، حسب حاجتي إليهم، ولكن في "خاتم الرمل" البطل هو الذي انتقاني، وهو الذي طلب مني أن اكتب سيرته. كذلك في "المسرات والأوجاع" البطل هو الذي عرض علي حياته، أما في " الوجه الأخر" فأبطالها كانوا في دائرة الوسط ، هناك شخصية اخترتها من حادثة رواها أحد معارفي ، لأنها كانت توحي لي بأشياء كثيرة .


* كيف كان تأثير محيط الأسرة عليك؟


- عندما ولدت كان أبي في الرابعة والستين ، وحين أصبح عمري 6 سنوات كان قد اقترب أبي من السبعين ، تلك كانت مفارقة، وكان عندي خشية من المستقبل، فقد شعرت أن الحياة أوقعتني بين عجوزين : والدي الهرم وبيتنا القديم ، وقد كان والدي يدللني ويحبني كثيراً، وكان احساسي أن هذا الوضع لن يدوم لفترة طويلة.


كنت الأصغر في الأسرة، وأبي متزوج من اثنتين، أنجب من الأولى أخوين لي، ثم تزوج والدتي عام 1902 لكنها لم تنجب إلا بعد عشرين عاماً ، ولذلك فان الفارق بيننا نحن وبين أخوتنا من الأولى يصل لأكثر من 30 عاماً ، تلك كانت مفارقة أخرى ..


المفارقة الثالثة أنني وجدت نفسي وسط عائلة كبيرة ، أنا وأخي نهاد ، وشقيقتان وأمي، وجدتي وآخرون من أقارب قريبين ، بعبارة أخرى أن البيت كان مليئاً بالبشر، وكان والدي قد تقاعد من عمله كمأمور كمرك في العهد العثماني، وبراتب بسيط 5-6 دنانير شهرياً ، ومعيشتنا كانت أقل من متوسطة، لكنني لم أكن أشعر وأنا صغير بالمشاكل المالية التي تواجهها الأسرة ، على العكس كنت أحس أحياناً برفاهية غريبة .


لكن عندما بدأت الحرب العالمية الثانية أخذت حياتنا تضيق شيئا فشيئا , وحين توفي والدي عام 1942 ضربنا سيف الفقر والحرمان كثيرا .( توفي والده وعمره 15 سنة).



* ربما كان هذا هو السبب في أن تصبح في رواياتك صوتا للفقراء والمحرومين , حتى وأنت تتقدم صاعدا الى طبقة أعلى .



- لا أعتقد ان هذا هو وحده السبب فقد كانت مشاكل الفقراء تجذبني منذ بدايات عمري , وكنت أشعر بنوع من التعاطف معهم , ووفر لي عملي في سلك القضاء اطلاعا أكثر على تلك المشاكل ومعرفة مباشرة بها , وعندما بدأت أكتب الرواية كان لدي احساس بأنني لو كتبت عن أجواء الطبقات المترفة لما أمكنني أن أقدم شيئا ذا جدوى .




* متى بدأ اهتمامك بالقراءة ؟

- اهتمامي بالقراءة بدأ من السادس الابتدائي ، عام 1939 ، و بداية اهتمامي بالقراءة تؤشره حادثة طريقة فقد كان لنهاد صديق يقرأ " روايات الجيب" التي كانت تصدر آنذاك ويجمعها بعناية، ويهتم بها كثيراً ، وكان يسارع لاقتناء كل عدد يصدر منها ويصل إلى العراق من مصر .. لكنه مع قراءاته هذه كان لا يهتم بدروسه، كان كسولاً ونادراً ما ينجح في الامتحانات ، فاضطر والده أن يهدده بأنه إذا ما رسب فسيحرق كل هذه الروايات التي جمعها , وخوفاً من أن يقدم والده على تنفيذ تهديده نقل مجموعته من الروايات إلى أخي نهاد وطلب منه حفظها لديه إلى أن يجد حلاً للقضية مع أبيه .

وهكذا وضع نهاد مجموعة كتب صديقه في خزان صغير وحفظها فيه ، وشرعت من جانبي أختار يومياً أحد الكتب لاقرأه ، كان عمري 12 عاماً، وهكذا تملكتني وفي عمر مبكر، هواية القراءة .. قراءة الروايات بالذات ، وتعرفت إلى أرسين لوبين، واجاثا كريستي وستيفان زفايج وسومرست موم... وغيرهم.. كنت اقرأ أحياناً روايتين في اليوم الواحد.. وأكملت في فترة العطلة وما بعدها بشهور قليلة قراءة أكثر من 150 رواية .


* ربما كانت هذه القراءات العامل الذي شدك إلى التفكبر في كتابة الرواية ؟


- قراءاتي لتلك الروايات أعطتني القدرة على التمييز المبكر بين كتابات أجاثا كريستي مثلاً وديستويفسكي أو ستيفان زفايج أو سومرست موم أو غيرهم، كما أنها تركت تأثيرها علي، و شدتني أكثر لخوض مجال الكتابة .


* شهدت مرحلة الخمسينات تألقاً لك وظهوراً على صفحات الصحف والمجلات، كيف تراها اليوم؟

- مرحلة الخمسينات كانت مرحلة غنية بأشياء كثيرة ليس في القصة والشعر فحسب، إنما في الفنون التشكيلية ، وفن العمارة ، وفي المجالات الأخرى أيضاً .. كان ثمة نهضة غريبة تشبه النهضة الإيطالية في القرون الوسطى ، ولو أنها لم تستمر سوى فترة قصيرة ..
في تلك الفترة لم يكن يخطر ببالي أن أكون كاتباً كبيراً أو روائياً مشهوراً ، كل ما كنت أسعى اليه أن اكتب قصة مكتملة فنيا ومؤثرة ، كان شاغلي الوحيد هو التفكير في اختبار اللغة .. اختيار المضمون .. الحوار.. الشخصيات .. إلخ .

ولذلك كنت اكتب واكتب ثم أرمي في سلال المهملات ، وكتبت أكثر من 50 قصة قبل أن أشعر أن بإمكاني أن أقدم ما أكتبه إلى القارئ .


* هل كنت ترى أن ما تكتبه غير مكتمل فنيا ؟


- نعم .. وكنت أشعر أن قصصي التي اكتبها ضعيفة، لا تليق بأن تنشر، أو أن أضعها تحت أنظار الآخرين .. واستمر ذلك إلى أن كتبت رواية " العيون الخضر " عام 1950 .


* في تلك الفترة كنت ضمن شلة تكتب وتقرأ وكنتم تتبادلون الأفكار والحوارات.. إذا استعرضنا أسماء أفراد هذه الشلة كيف كنت ترى كل واحد منهم.. لنبدأ بعبد الملك نوري.

- عبد الملك نوري شخصية مهمة في حياتي ، كنت تعرفت إليه عام 1949 ربما بالصدفة ، فقد كنت في حينها قد أنجزت (10) قصص قصيرة وقدمتها إلى صديقي نزار سليم (الفنان والروائي ) لمعرفة رأيه فيها ، إلا أنه سلمها إلى صديقها المشترك ساطع عبد الرزاق لإعاداتها لي بعد أن قرر السفر إلى سوريا لإكمال دراسته اثر اخفاقه في الدراسة في بغداد ،
ومن الصدف أن يكون ساطع على معرفة بعبد الملك وأن تصل مجموعتي القصصية إلى يد عبد الملك عن هذا الطريق ، وعند اطلاعه عليها عرض أن يلتقيني في " كافيه سويس " في شارع الرشيد وقد نشأ بيننا منذ اللقاء الأول نوع من المودة، فقد أحببت صراحته وحبه للحياة رغم أنه كان خارجاً للتو من مأساة شخصية بعد افتراقه عن زوجته. وأصبحنا نتبادل قراءة كتابات أحدنا الآخر، وكان قد سبقني بالكتابة والنشر ، واشتهر في الأوساط الأدبية بقصصه التي كانت تنشرها له مجلة " الأديب" .
واستمرت علاقتنا على هذا النحو حتى وفاته رحمه الله، عام 1998 ، وكنت كلما نشرت رواية جديدة فإن النسخة الأولى منها تذهب لعبد الملك .
وآخر رسالة وردتني منه قبل أسبوع من وفاته ، كنت في حينها في تونس وقد شعرت أنني فقدت صديقاً حميماً قل أن يجد المرء مثيله .
والثاني الذي كان ضمن شلتنا هو الشاعر عبد الوهاب البياتي الذي ارتبطت به منذ زمالتنا في الصف الأول الابتدائي ، اذ كانت أسرته تسكن في نفس محلتنا " باب الشيخ " ، وبقينا سوية على مقاعد الدراسة حتى نهاية الإعدادية .
كان يبدو على عبد الوهاب ، منذ ذلك الوقت ، طابع الميل إلى العزلة والانطواء على النفس ، ولم يكن لديه أصدقاء ، وربما كنت صديقه من بين أصدقاء معدودين.
وأتذكر أن عبد الوهاب كتب أول قصيدة له عام 1943، وكانت عن بغداد، وهي من الشعر العمودي وقد عرضها علي، من باب المودة لقرائتها، وقد بقينا على علاقة عندما تخرج من كلية الآداب عام 1950 وعين مدرسا في مدرسة ثانوية بمدينة الرمادي، في حين كنت أنا أعمل قاضيا يمدينة بعقوبة، وواضبنا على التراسل فيما بيننا، وكلما كان يكتب قصيدة كان يبعثها لي، وفي حينها أصدر ديوانه الأول " أباريق مهشمة " .

وطيلة سنوات النصف الأول من عقد الخمسينات كنا، أنا وعبد الملك وعبد الوهاب وأخي نهاد ، نلتقي مساء كل خميس في " كافيه سويس " ومنها ننتقل إلى " مشرب غاردينيا " " المطل على شارع أبي نؤاس لنكمل السهرة ، التي كانت مفعمة بالحوار، والنقاش، وتبادل الآراء في الشعر والأدب والسياسة .


* هل كنتم تشعرون، في حينه، أنكم متجهون نحو حركة تجديد وريادة سواء في الشعر أو الرواية أو غيرهما ؟

- كان يسكنني هاجس أننا نحاول التجديد ، ونحاول أن نتغلب على ما يواجهنا من صعوبات.. اي أننا كنا في مرحلة تجريب لتقديم شيء مختلف عما ألفناه .

كان أخي نهاد يحدثنا باستمرار عن حركات التجديد على الساحة الفرنسية، حيث كان باستطاعته متابعتها بحكم قراءاته باللغة الفرنسية، آنذاك كانت الحركة الوجودية، طاغية سواء كأدب أو كفلسفة، وكان هناك تجديد ومراجعة داخل حركات اليسار كلها ..


* هل كنتم جزءاً من حركة يسار أو من تيار وجودي، أو كان لكل منكم اتجاهه الخاص؟


- كان لكل منا اتجاهه الخاص .. عبد الملك كان ماركسياً ، أما البياتي فأنا منذ ذلك الوقت لا أأخذ أفكاره ووجهات نظره مأخذ الجد فهو، كما عرفته دائما ، يسخر كل طاقته وعلاقاته الشخصية والسياسية لصالح إبرازه كشاعر، وللدعاية لشعره ، كان يريد أن ينسج من حوله أسطورة " الشاعر العظيم ، وقد نجح في ذلك .


* وحسين مردا ن ؟

- حسين مردان كان من أصدقاء عبد الملك ، ولم ارتح إليه في البداية وعاملته بجفاء عند تعارفنا ، وقد التقيت به للمرة الأولى بعد خروجه من السجن اثر الحكم عليه بسبب ديوانه " قصائد عارية" . بعد فترة ، أصبحنا أكثر معرفة، لكن علاقتنا ظلت فاترة .
لكنني أراه اليوم نمطاً آخر، كان متمرداً وشجاعاً حين نشر " قصائد عارية " فيما لم أمتلك أنا الشجاعة لنشر " بصقة في وجه الحياة " في حينه ، كنت أخشى أن أحاكم وأسجن ، وكنت أخاف أيضاً من الفضيحة !
+.. والآن بعد هذه السنوات الطويلة هل أنت راض عن كل ما كتبته ؟

- كنت راضياً عندما كتبته في حينه ، وأشعر الآن أن كل عمل كتبته يمثل إنجازاً فنياً، في مرحلة معينة ، والكاتب يتطلع إلى إنجاز جديد في كل مرحلة ، مختلف عما سبقه ، وهذا ما أحاوله باستمرار، فقد كتبت مثلاً " خاتم الرمل " و " المسرات والأوجاع " بسهولة كبيرة، وشعرت أنني نضجت فنياً أكثر، بينما كتابتي لرواية " الرجع البعيد " استغرقت 11 سنة، وكنت أشعر، اثناء كتابتها، أنني باستمرار أمام مشاكل وعقد علي حلها قبل أن انتقل إلى صفحات جديدة ..


* كيف تستقبل النقد بشكل عام ؟

- أغلب النقد الذي وجه لكتاباتي كان إلى جانبي ، وأنا شخصياً اشعر بالارتياح حينما أجد صدى لكتاباتي، لكنني أحياناً أواجه انتقادات جزئية صغيرة ، أو حكما مجردا بجملة واحدة ، ومن دون حيثيات على عمل بكامله ، كأن يقول شخص ما "إن هذه الرواية تافهة!"، أو أن يهاجمني شخصياً... وهذا طبعاً لا استسيغه ولا اعتبره نقداً بأي حال !.

والنقد بشكل عام يشجع الكاتب على مواصلة الكتابة وتجاوز أخطائه .


* إذا اعتبرنا كتاباتك صورة للوضع السياسي والاجتماعي العراقي، فيها خيبات وانكسارات واحباطات كتلك التي يعاني منها الوضع العراقي، ما الذين تحمله الآن بخصوص المستقبل.. أي مستقبل تراه للعراق ؟


- أرى ان الوضع الكارثي الماثل لا يمكن أن يدوم ، وهذا البلد مهم في المنطقة، لا يمكن أن يترك على حالة الحاضر، فهو اليوم أشبه بمساحة خضراء تلعب فيها الكلاب كما تشاء ... إنه أمر غير معقول، أنا أشعر بقدر من التفاؤل في أن الوضع لن يستمر هكذا!.


* هل ضمنت هذه الرؤية في عمل روائي جديد، أو ادخرت ذلك للمستقبل؟


- الواقع أنني نشرت ثلاث حواريات عن الوضع الماثل، واعتقد أن عملاً روائياً كبيراً بهذا الخصوص يحتاج زمناً أطول، لكي يتفادى الكاتب السقوط في هوة المباشرة. والكتابة بشكل وصفي عن العنف والقتل والدم... أن الروائي عليه أن يعثر على ثيمة كبيرة، وأن يخطط لعمل كبير ينجزه لاحقاً ..


* ما هي عاداتك الحميمة وطقوسك الخاصة في الكتابة .. كيف تكتب ومتى ؟

لا عادات كثيرة لدي أثناء الكتابة ولا طقوس ، وجدت دائما أن الفكرة الروائية او القصصية هي التي تقودني للجلوس والامساك بالقلم . ما يهمني غالبا ، ان أكون وحيدا وأن يكون بمقدوري الاستماع الى موسيقى هادئة ، كذلك أحب أن أكتب على ورق صقيل ، لا يهم ان كان مخططا أم لا ، وبقلم حبر رقيق الريشة .
أما وقتي المفضل فهو الليل ، منذ ساعاته المتأخرة قليلا حتى ما بعد منتصفه ، سكون الليل يمنحني هدوءا نفسيا وقابلية على التركيز .
---------------
* أجزاء مقتطعة من حوار مطول مع رائد الرواية العراقية الراحل فؤاد التكرلي , سينشر كاملا في كتاب ( حوارات ) المعد للطبع .


حسب آخر مقابلة له لقد كشف التكرلي بوضوح عن سر عبقريته الادبية فهو هذا الطفل الذي يولد لاب في عمر الرابعة والستين بعد عشرين عام زواج ، كان الموت ينتظر على الباب في تصور التكرلي الطفل يترصد والده، وكانت الحياة اقرب الى العدم وعندما سقط الوالد وعمر الولد 15 عاما ، اصبحت الحياة اكثر قساوة فصهره البؤس كما صهر غيره من المبدعين، وليس من الغريب والحال كذلك ان تكون اول رواياه " بصقه في وجه الحياة".


يتيم في سن الخامسة عشرة.
__________________





قمة آلحزن !
عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص ..
كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ !
عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب
[ گبير لہ
رد مع اقتباس
  #88  
قديم 16-08-2015, 06:35 PM
! إنسان والقلم ! إنسان والقلم غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
مكان الإقامة: بين طيات الاوراق ، وفي الغربة أسيح
الجنس :
المشاركات: 399
افتراضي رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها

والان مع سر الروعة والافضلية في رواية:
14- الشراع والعاصفة – حنا مينه سوريا
الشراع والعاصفة
هذه الرواية
الشراع والعاصفة، قصة مدينة سورية ساحلية أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث صور فيها حنا مينا ببراعة مدهشة اثر الحرب وما تركته من عواصف في بلاد يحتلها الفرنسيون وابرز التناقضات التي كانت تفترس مجتمعا غير متجانس ولكنها اولا قصة رجال البحر قصة الانتصار على الطبيعة القاسية قصة الارادة البشرية والمغامرة.
وهذه الرواية تعد من أفضل 105 روايات عربية، وتحديدا بالمرتبة ال 14.
حنا مينا
في الرواية العربية، لا يذكر البحر إلا ويذكر حنا مينه، وكأنهما توأمان بل هما كذلك، انبثقا من رحم الساحل السوري، ليبلورا معاً أدباً خالداً في الزمان
و عن البحر يقول اديبنا مــيــنا :
"إن البحر كان دائما مصدر إلهامي حتى إن معظم أعمالي مبللة بمياه موجه الصاخب، لحمي سمك البحر، دمي ماؤه المالح، صراعي مع القروش كان صراع حياة، أما العواصف فقد نقشت وشما على جلدي لا أدعي الفروسية، المغامرة نعم! أجدادي بحارة هذه مهنتهم، الابن يتعلم حرفة أهله، احترفت العمل في الميناء كحمّال، وكنت كذلك بحارا ورأيت الموت في اللجة الزرقاء ولم اهبه لأن الموت جبان فأنا ولدت وفي فمي هذا الماء المالح، لكنه هذه المرة كان ملح الشقاء وملح التجارب وملح العذاب جسديا وروحيا في سبيل الحرية المقدسة صبوة البشرية إلى الخلاص ولذلك كان بديهيا ان اطرح منذ وعيي الوجود اسئلتي على هذا الوجود وان اتعمد في البحر بماء العاصفة وان اعاني الموت كفاحا في البر والبحر معا وما الحياة قولة الطروسي بطل الشراع والعاصفة الا كفاح في البحر والبر وبغير انقطاع لأن ذلك قانونا من قوانين الطبيعة امنا جميعا "
==
نبذة النيل والفرات:
حنا مينه، كانت حياته أسطورة ملهية. لقد قرأ كثيراً، ولكنه عاش أكثر. وكانت الحياة على حد تعبير أحد الأدباء تنضح من جلده. هذا الرجل الذي عاش المأساة أكثر مما عاشها أي أديب سوري هو الأكثر فرحاً وانتصاراً وأملاً. وكان يقول أبداً: "يجب أن نفرح وإلا انهزم الإنسان فينا". على شاطئ "اللاذقية". المدينة السورية الخضراء التي تستحم في البحر، وتندي ضفائرها بصنوبر جبال العلويين، ولد حنا مينه. تعرف حنا مينه على دنيا النشر وهو حلاق، صار يرسل بعض القصص إلى الصحف الدمشقية، وصار اسمه معروفاً ومحبوباً لدى القرّاء الذين افتنوا بهذا النفس الجديد الحنون، وهذا الروح الشعبي الأخّاذ. وروايته الأولى "المصابيح الزرق" كانت شيئاً جديداً في الأدب السوري، خط فيها الأسس الواقعية للرواية السورية.
وقد أثارت مناقشات حامية في سورية ولبنان ومصر. لقد كانت روحها الشعبية الآسرة وأسلوبها الحي البسيط يعطيانها نكهة خاصة، ولكن ما فيها من انقطاع النفس حيناً، وتقصد السخرية أحياناً أخرى، والاندفاع في وصف الطبيعة بشكل يقطع حيوية الحادث، ثم بعض اللوحات التقريرية التي تأثر فيها حنا من عدائه لنظرية الفن للفن، فانصرف فيها إلى تأكيد التزامه السياسي دون كبير نجاح... كل هذه الأشياء كان انتقادها تجربة تنمية لحنا الذي اكتشف أبعاده بصورة أعمق.
لم تكن "المصابيح الزرق" لتمثل حنا الحقيقي، لم تكن لتجسد حقاً ما يعرفه عن اللاذقية: مجرها وأحلامها وصياديها وطبقاتها الشعبية، فانصرف لكتابة روايته التي بين يدي القارئ "الشراع والعاصفة".
التي هي قصة رجال البحر المردة، في صراعهم اليومي المرير مع الموت المتمثل في البحر الهائج، والعواصف الغادرة، يقابلونها بأشرعتهم الممزقة، وقواربهم العتيقة، وعزمهم المستمد من صخور الشطآن. إن فيها لروحاً أسطورياً حنوناً، ولكنه غائص الجذور بالأرض "البحر ملك" تلك هي صيحة الاحترام العميقة التي يطلقها كل بحار، والطروسي، بطل القصة الأول يؤمن بسلطنة البحر كما يؤمن بسلطنة المرأة، ولكنه، في عنفوان شعوره برجولته، يعرف كيف يكون ترويض النمور.
إن البحر، صديقه اللدود، ليجتذبه بعيونه الرمادية الباردة ليبحر نحو جزر مهجورة، يغتض عذريتها بفتوة الفارس، لقد اكتشف معنى حياته، ولذلك أحس بثقل وقع أقدامه على الأرض.
الشراع والعاصفة، قصة مدينة سورية ساحلية أثناء الحرب العالمية الثانية. لقد صور حنا مينه، وببراعة مدهشة، أثر هذه الحرب وما تركته من عواصف في بلاد يحتلها الفرنسيون، وأبرز التناقضات التي كانت تفترس مجتمعاً غير متجانس، ولكنها أولاً قصة رجال البحر، قصة الانتصار على عوامل الطبيعة القاسية، قصة الإرادة البشرية والمغامرة.
إن حنا مينه من رواد البحر في الأدب العربي، وفي رواياته كل فتوة الريادة، وكل تعجلها أيضاً وحسبه هذا العطاء الرائع.

__________________





قمة آلحزن !
عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص ..
كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ !
عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب
[ گبير لہ
رد مع اقتباس
  #89  
قديم 16-08-2015, 06:35 PM
! إنسان والقلم ! إنسان والقلم غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
مكان الإقامة: بين طيات الاوراق ، وفي الغربة أسيح
الجنس :
المشاركات: 399
افتراضي رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها

حنا مينه
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
حنا مينه روائي سوري ولد في مدينة اللاذقية في 9 اذار 1924. ساهم في تأسيس رابطة الكتاب السوريين واتحاد الكتاب العرب. يعد حنا مينه أحد كبار كتاب الرواية العربية.[1] وتتميز رواياته بالواقعية [2]
حياته

عاش حنا طفولته في إحدى قرى لواء الاسكندرون علي الساحل السوري. وفي عام 1939 عاد مع عائلته إلى مدينة اللاذقية وهي عشقه وملهمته بجبالها وبحرها. كافح كثيراً في بداية حياته وعمل حلاقاً وحمالاً في ميناء اللاذقية، ثم كبحار على السفن والمراكب. اشتغل في مهن كثيرة أخرى منها مصلّح دراجات، ومربّي أطفال في بيت سيد غني، إلى عامل في صيدلية إلى صحفي أحيانا، ثم إلى كاتب مسلسلات إذاعية للاذاعة السورية باللغة العامية، إلى موظف في الحكومة، إلى روائي.
بداياته مع الكتابة

البداية الادبية كانت متواضعة، تدرج في كتابة العرائض للحكومة ثم في كتابة المقالات والأخبار الصغيرة للصحف في سوريا ولبنان ثم تطور إلى كتابة المقالات الكبيرة والقصص القصيرة.
أرسل قصصه الأولى إلى الصحف السورية في دمشق بعد استقلال سوريا اخذ يبحث عن عمل وفي عام 1947 استقر به الحال بالعاصمة دمشق وعمل في جريدة الانشاء الدمشقية حتى أصبح رئيس تحريرها .
بدأت حياته الأدبية بكتابة مسرحية دونكيشوتية وللآسف ضاعت من مكتبته فتهيب من الكتابة للمسرح، كتب الروايات والقصص الكثيرة بعد ذلك والتي زادت على 30 رواية أدبية طويلة غير القصص القصيرة منها عدة روايات خصصها للبحر التي عشقة وأحبه، كتب القصص القصيرة في البداية في الاربعينات من القرن العشرين ونشرها في صحف دمشقية كان يراسلها، أولى رواياته الطويلة التي كتبتها كانت ( المصابيح الزرق ) في عام 1954 وتوالت إبداعاته وكتاباته بعد ذلك، ويذكر ان الكثير من روايات حنا مينه تحولت إلى أفلام سينمائية سورية ومسلسلات تلفزيونية.
مساهمته في رابطة الكتاب السوريين

ساهم حنا مينه مع لفيف من الكتاب اليساريين في سوريا عام (1951) بتأسيس رابطة الكتاب السوريين، نظمت الرابطة عام (1954) المؤتمر الأول للكتاب العرب بمشاركة عدد من الكتاب الوطنين والديمقراطيين في سوريا والبلاد العربية وكان لحنا مينه دوراا كبير في التواصل مع الكتاب العرب في كل أنحاء الوطن العربي.
تأسيس اتحاد الكتاب العرب

ساهم بشكل كبير في تأسيس اتحاد الكتاب العرب، وفي مؤتمر الاعداد للاتحاد العربي التي عقد في مصيف بلودان في سوريا عام 1956 كان لحنا مينه الدور الواضح في الدعوة إلى ايجاد وإنشاء اتحاد عربي للكتاب، وتم تأسيس اتحاد الكتاب العرب عام 1969 وكان حنا مينا أحد مؤسسيه.
حنا مينا أب لخمسة أولاد، بينهم صبيان، هما سليم، توفي في الخمسينيات، في ظروف النضال والحرمان والشقاء، والآخر سعد، أصغر أولاده، وهو ممثل ناجح ومعروف الآن. شارك في بطولة المسلسل التلفزيوني (نهاية رجل شجاع) المأخوذة عن رواية والده وبالمسلسل الشهير (الجوارح) و(الطير) وشارك في العديد من المسلسلات السورية، ولديه ثلاث بنات: سلوى (طبيبة)، سوسن ( وتحمل شهادة الأدب الفرنسي)، وأمل (مهندسة مدنية) .
من أقواله

يقول حنا مينا: أنا كاتب الكفاح والفرح الإنسانيين) فالكفاح له فرحه، له سعادته، له لذّته القصوى ، عندما تعرف أنك تمنح حياتك فداء لحياة الآخرين، هؤلاء الذين قد لا تعرف لبعضهم وجهاً، لكنك تؤمن في أعماقك، أن إنقاذهم من براثن الخوف والمرض والجوع والذل، جدير بأن يضحى في سبيله، ليس بالهناءة وحدها، بل بالمفاداة حتى الموت معها أيضاً.إن وعي الوجود عندي، ترافق مع تحويل التجربة إلى وعي، وكانت التجربة الأولى في حي (المستنقع) الذي نشأت فيه في اسكندرونة، مثل التجربة الأخيرة، حين أرحل عن هذه الدنيا ، ومثل تجربة الكفاح ما بينهما، منذورة كلها لمنح الرؤية للناس، لمساعدتهم على الخلاص من حمأة الجهل ، والسير بهم ومعهم نحو المعرفة، هذه التي هي الخطوة الأولى في (المسيرة الكبرى) نحو الغد الأفضل.
كما يقول عن مهنته الأخيرة: مهنة الكاتب ليست سواراً من ذهب، بل هي أقصر طريق إلى التعاسة الكاملة. لا تفهموني خطأ، الحياة أعطتني، وبسخاء، يقال إنني أوسع الكتّاب العرب انتشاراً، مع نجيب محفوظ بعد نوبل ، ومع نزار قباني وغزلياته التي أعطته أن يكون عمر بن أبي ربيعة القرن العشرين. يطالبونني، في الوقت الحاضر، بمحاولاتي الأدبية الأولى، التي تنفع الباحثين والنقاد والدارسين، لكنها، بالنسبة إلي، ورقة خريف اسقطت مصابيح زرق.
ويقول عن البحر: إن البحر كان دائماً مصدر إلهامي، حتى إن معظم أعمالي مبللة بمياه موجه الصاخب، وأسأل: هل قصدت ذلك متعمّدا؟ في الجواب أقول:في البدء لم أقصد شيئاً، لحمي سمك البحر، دمي ماؤه المالح، صراعي مع القروش كان صراع حياة،أما العواصف فقد نُقشت وشماً على جلدي، إذا نادوا: يا بحر أجبت أنا! البحر أنا، فيه وُلدت، وفيه أرغب أن أموت.. تعرفون معنى أن يكون المرء بحّاراً؟
إنه يتعمّد بماء اللجة لا بماء نهر الأردن، على طريقة يوحنا! أسألكم: أليس عجيباً، ونحن على شواطئ البحار،ألا نعرف البحر؟ ألا نكتب عنه؟ ألا نغامر والمغامرة احتجاج؟ أن يخلو أدبنا العربي، جديده والقديم، من صور هذا العالم الذي هو العالم، وما عداه، اليابسة، جزء منه؟! البحّار لا يصطاد من المقلاة! وكذلك لا يقعد على الشاطئ، بانتظار سمكة السردين التافهة. إنه أكبر، أكبر بكثير، وأنا هنا أتحدث عن البحّار لا عن فتى الميناء!
الأدباء العرب، أكثرهم لم يكتبوا عن البحر لأنهم خافوا معاينة الموت في جبهة الموج الصاخب. لا أدّعي الفروسية، المغامرة نعم! أجدادي بحّارة، هذه مهنتهم، الابن يتعلم حرفة أهله، احترفت العمل في الميناء كحمّال، واحترفت البحر كبحّار على المراكب.
كان ذلك في الماضي الشقي والماجد من حياتي ، هذه المسيرة الطويلة كانت مشياً ، وبأقدام حافية، في حقول من مسامير، دمي سال في مواقع خطواتي، أنظر الآن إلى الماضي، نظرة تأمل حيادية، فأرتعش. كيف، كيف؟!
أين، أين؟! هناك البحر وأنا على اليابسة؟! أمنيتي الدائمة أن تنتقل دمشق إلى البحر، أو ينتقل البحر إلى دمشق، أليس هذا حلماً جميلاً؟! السبب أنني مربوط بسلك خفي إلى الغوطة ، ومشدود بقلادة ياسمين إلى ليالي دمشق الصيفية الفاتنة، وحارس مؤتمن على جبل قاسيون ، ومغرم متيّم ببردى، لذلك أحب فيروز والشاميات.
الأديب والروائي

حنا مينه أحد عمالقة الرواية في سوريا والوطن العربي، وقف في وجه الاستعمار الفرنسي وعمره 12 عاما وعاش حياة قاسية، وتنقل بين عدة بلدان سافر إلى أوروبا ثم إلى الصين لسنوات لكنه عاد.
حنا مينه الروائي، أديب الحقيقة والصدق، عصامي ساهم في إغناء الرواية العربية وعمل باجتهاد حتى أجاد وأبدع. كتب الكثير من الروايات والقصص يتحدث في معظمها عن البحر ويصف حياة البحارة في مدينة اللاذقية وصراعهم على متن المراكب والسفن ومع اخطار البحر. لقد أبدع في الكتابة عن البحر بروايات فيها الكثير من الصدق والعمق والمعاناة والكفاح والواقعية والحب والجمال.
رواياته ومؤلفاته

معظم رواياته تدور حول البحر وأهله، دلالة على تأثره بحياة البحارة أثتاء حياته في اللاذقية.
  1. المصابيح الزرق
  2. الشراع والعاصفة
  3. الياطر
  4. الأبنوسة البيضاء
  5. حكاية بحار
  6. نهاية رجل شجاع
  7. الثلج يأتي من النافذه
  8. الشمس في يوم غائم
  9. بقايا صور
  10. المستنقع
  11. القطاف
  12. الربيع والخريف
  13. حمامة زرقاء في السحب
  14. الولاعة
  15. فوق الجبل وتحت الثلج
  16. حدث في بيتاخو
  17. النجوم تحاكي القمر
  18. القمر في المحاق
  19. عروس الموجة السوداء
  20. الرجل الذى يكره نفسه
  21. الفم الكرزى
  22. الذئب الاسود
  23. الاقرش والغجرية
  24. حين مات النهد
  25. صراع امرأتين
  26. حارة الشحادين
  27. البحر والسفينة وهي
  28. طفولة مغتصبة
  29. المرصد
  30. الدقل
  31. المرفأ البعيد
  32. مأساة ديمترو
  33. الرحيل عند الغروب
  34. المرأة ذات الثوب الأسود
  35. المغامرة الأخيرة
  36. هواجس في التجربة الرواءية
  37. كيف حملت القلم؟
  38. امرأة تجهل أنها امرأة
  39. النار بين أصابع امرأة
  40. عاهرة ونصف مجنون
  41. شرف قاطع طريق

__________________





قمة آلحزن !
عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص ..
كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ !
عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب
[ گبير لہ
رد مع اقتباس
  #90  
قديم 16-08-2015, 06:36 PM
! إنسان والقلم ! إنسان والقلم غير متصل
عضو متميز
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
مكان الإقامة: بين طيات الاوراق ، وفي الغربة أسيح
الجنس :
المشاركات: 399
افتراضي رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها

حنا مينه
- ولد في اللاذقية 1924 لعائلة فقيرة، وعاش طفولته في حي (المستنقع) في إحدى قرى لواء اسكندرون. بعد ضم اللواء لتركيا عام 1939، عاد مع عائلته إلى اللاذقية حيث عمل حلاقاً.
* احترف العمل بداية في الميناء كحمّال ثم احترف البحر كبحّار على المراكب.
* اشتغل في مهن كثيرة ، من أجير مصلّح دراجات، إلى مربّي أطفال في بيت سيد غني، إلى عامل في صيدلية، إلى حلاّق، إلى صحفي، إلى كاتب مسلسلات إذاعية باللغة العامية، إلى موظف في الحكومة ، إلى روائي، وهنا المحطة قبل الأخيرة،
* أرسل قصصه الأولى إلى الصحف الدمشقية.
* انتقل إلى بيروت عام 1946 بحثاً عن عمل ثم إلى دمشق عام 1947 حيث استقر فيها، وعمل في جريدة الإنشاء حتى أصبح رئيساً لتحريرها.
* البداية لأدبية الأولى كانت متواضعة جداً ، فقد أخذ بكتابة الرسائل للجيران، وكتابة العرائض للحكومة
* ثم تدرّج، من كتابة الأخبار والمقالات الصغيرة، في صحف سوريا ولبنان، إلى كتابة القصص القصيرة.
* بدأت حياته الأدبية بكتابة مسرحية دونكيشوتية ولما ضاعت تهيب من المسرح
* أولى رواياته التي كتبتها كانت (المصابيح الزرق)
*الأعمال الأدبية (30 رواية حتى الآن) منها حوالي الثمان خصصها للبحر الذي عشقه
* من روايته الشهيرة (النجوم تحاكم القمر)، و(القمر في المحاق ) ، ( نهاية رجل شجاع ) ، ( بقايا صور ) .. ومنها ما تحول إلى أعمال تلفزيونية .
*دخل المعترك السياسي الحزبي مبكرا وهو فتى في الثانية عشرة من عمره وناضل ضد الانتداب الفرنسي، ثم هجر الانتماء الحزبي في منتصف الستينيات، وكرّس حياته للأدب، وللرواية تخصيصاً

* عاش رحلة اغتراب قاسية بين المدن : انطلق من اللاذقية إلى سهل أرسوز قرب أنطاكية، مروراً باسكندرونة ، ثم اللاذقية من جديد، وبيروت، ودمشق، وبعد ذلك تزوج، وتشرد مع عائلته لظروف قاهرة، عبر أوربا وصولاً إلى الصين، حيث أقام خمس سنوات، وكان هذا هو المنفى الاضطراري الثالث، وقد دام العشرة من الأعوام..


من أشهر رواياته
"المصابيح الزرق" و"الشراع والعاصفة" و"الياطر" و"الأبنوسة البيضاء" و"حكاية بحار" و"نهاية رجل شجاع".

==
أضواء على السيرة الذاتية

لم أكن أتصور بأنني سأصبح كاتبا

لم أكن أتصور حتي في الأربعين من عمري أنني سأصبح كاتباً معروفاً، بدأت رحلة التشرد وأنا في الثالثة من عمري، وهذه الرحلة من حيث هي ترحال مأساوي في المكان، عمرها الآن ثمانون عاماً، أما رحلتي في الزمان فهي أبعد من ذلك وستبقي ما بقيت .

كان أبي رحمة الله رحالة من طراز خاص، لم ينفع ولم ينتفع برحلاته كلها، أراد الرحيل تلبية للمجهول، تاركاً العائلة أغلب الأحيان، وفي الأرياف للخوف والظلمة والجوع، ولطالما تساءلت وراء أي هدف كان يسعي؟ لا جواب طبعاً، انه بوهيمي بالفطرة .

كنت عليلاً، أمي وأخواتي الثلاث عملن خادمات، عملت أنا الصبي الوحيد، الناحل، أجيراً .

بداياتي الأدبية كانت متواضعة جداً، فقد أخذت منذ تركت المدرسة الابتدائية بكتابة الرسائل للجيران، وكتابة العرائض للحكومة، كنت لسان الحي الي ذويه، وسفيره المعتمد لدي الدوائر، أقدّم لها بدلاً من أوراق الاعتماد عرائض تتضمن شكاوي المدينة ومطالبها، هنا كنت صدامياً

ومنذ يفاعتي: اننا جياع، عاطلون عن العمل، مرضي، أميون، فماذا يريد أمثالنا؟ العمل، الخبز، المدرسة، المستشفي، رحيل الانتداب الفرنسي ومطالبة الحكومة في فجر الاستقلال أن تفي بوعودها المقطوعة لأمثالنا...

بدأت حياتي الأدبية بكتابة مسرحية دونكيشوتية، صرخت فيها علي كيفي، غيرت العالم علي كيفي، أقمت الدنيا ولم أقعدها، ضاعت المسرحية ومنذئذ تهيبت الكتابة للمسرح ولم أزل، القصص ضاعت أيضاً، لم اشعر بالأسف وكيف أشعر به وحياتي نفسها ضائعة؟

ثمّ انني لم أفكر وأنا حلاق وسياسي مطارد بأنني سأصبح كاتباً، كان هذا فوق طموحي رغم رحابة هذا الطموح صدقوني انني حتي الآن كاتب دخيل علي المهنة وأفكر بعد هذا العمر الطويل بتصحيح الوضع والكف عن الكتابة، فمهنة الكتابة ليست سواراً من ذهب بل أقصر طريق الي التعاسة الكاملة .

لقد كتبت عن مصادفات في حياتي كنت فيها قريباً من البحر وقادراً أن أكون بجواره، ولكنني لا أقبل أن أقيم الا في بيتي في دمشق التي أحبها جداً وأتغزل بها حيثما ذهبت.

حملت صليبي منذ ستين عاماً ولم أجد من يصلبني لعلني أستريح، لقد بت أكره الكتابة بت أكره هذه المهنة الحزينة التي لا فكاك منها الا بالموت وقد بت أخاف ألا أموت وكان ذلك عقابا لي علي اختراقي للمألوف، أعيش في قلق، وأبارك هذا القلق ثلاثاً وألعن الطمأنينة، دودة الفكر التي تنقب في دماغي لا تتركني أستريح والنفس تأبي أن تستريح، الروح المجروحة المدماة لا تشيخ بل تنزل مع صاحبها الي القبر، الجسد هو الذي يخون وقد خانني جسدي .

عشت عمري كلّه مع المغامرة، كنت علي موعد مع الموت ولم أهبه، الموت جبان لمن ينذر له نفسه. ثمانون عاماً تضعني علي مزلقها والموت الذي أسعي اليه يفرّ مني !

==
من أي جامعة تخرجت


الراحل الدكتور عادل العوا، استاذ الفلسفة في جامعة دمشق، سألني وأنا إلى جانبه في احدى المناسبات: "دكتور حنا، من أي جامعة تخرّجت؟" أجبته بغير قليل من الجدية "من جامعة الفقر الأسود!" قال: "عجيب، أنا لم اسمع بهذه الجامعة!".

الدكتور العوا كان طيباً، درس الفلسفة وعلّمها في جامعة دمشق، لكنه، كما يبدو، انصرف إلى قراءة الفلسفة، وتعليمها، وكتب بعض المؤلفات، ومنها كتابه المعروف "الكرامة"، ولم يكن لديه وقت لقراءة الأدب، وهذا مؤسف، إلا انه واقع، فالطبقة الليبرالية في سورية، وربما في الوطن العربي أيضاً، لا تقرأ الأدب، ولماذا تقرأه، وهي تسعى إلى ما هو أنفع، فمتاع الدنيا الغرور، ينفع كثيراً، سواء في الوجاهة، أو جمع ما يؤكد هذه الوجاهة، ويثبتها، ويجعلها بريقاً أصفر، يسطع كنور الشمس في أيام الصيف، وتبقى قراءة الأدب ترفاً، يمارسه من ليس له ترف، في الوجاهة أو السيادة، أو المكانة المرموقة في المجتمع، مثل بعض المثقفين، والطلاب الجامعيين، والشرائح التي تسعى إلى المعرفة، لإدراك ما يجري في العالم من حولها، عربياً ودولياً!

بالنسبة لي، أنا خريج جامعة الفقر الأسود، الفقر نوعان: أبيض كالذي اعيشه الآن، وأسود كالذي عشته في طفولتي، حين كنت جائعاً، حافياً، عارياً، حرصت أمي، على ادخالي المدرسة، كي يتعلم "فكّ الحرف"، وأن أصبح، بعد فكّه، كاهناً أو شرطياً، ولا توسط بينهما، وبعد ان كبرت، وألقيت بنفسي في التيار الهادر لمقاومة الاحتلال الفرنسي، تمنت الأم لو لم ترسلني إلى المدرسة، وان أكون راعياً، بدل ان أكون مكافحاً في سبيل الاستقلال،

وما عانيته في السجون الفرنسية، وحتى السجون الوطنية، على امتداد عهد الاقطاع، بعد الاستقلال، كان يؤرقها.

آمال الأم خابت كلها، فلم ارتسم كاهناً، ولا دخلت سلك الشرطة، أو قدّر لي ان أكون راعياً، مع انني مارست من المهن ما هو أبشع منها وأفظع،
فقد عملت، كما هو معروف من سيرة حياتي، أجيراً واجيراً وأجيراً،
وتطوعت في البحرية بعد دخول قوات فرنسا الحرة إلى سوريا، في الحرب العالمية الثانية، ولما لم يكن لي حظ التعبئة والتسويق إلى العلمين، لقتال جيش رومل، ذئب الصحراء،
فقد تركت الخدمة كجندي في البحرية، لأصبح بحاراً، لمدة قصيرة، على المراكب الشراعية، التي تنتقل بين مرافئ المتوسط العربية، وعلى هذه المراكب، خلال العواصف، عاينت الموت، في نظرات باردة، لأفعى اللجة، ومن هنا كان ولعي بالبحر، ثم الكتابة عنه، عندما تعاطيت مهنة الحرف الحزينة، القذرة واللذيذة، حسب تعبير ارنست همنغواي، والتي لا انفكاك منها سوى بالموت.

لقد قلت، صادقاً، انني ولدت بالخطأ، ونشأت بالخطأ، وكتبت بالخطأ، فالطفل العليل، الذي تنوس حياته كذبالة الشمعة الواهنة، لم تطفئ ريح المتون ذبالة شمعته، وبعد الابحار على المراكب، غدا الرغيف خيَّالاً، وعلي، سداً لجوع العائلة، ان اركض وراءه، ولا أزال، وفي مزدلف الشوط، لم يكن لي، بعدُ، شرف الفروسية، فقد اضطررت للعمل حمالاً في المرفأ، ثم حلاقاً على باب ثكنة في مدينة اللاذقية، ومن الحلاقة إلى الصحافة، ومن الصحافة إلى كتابة المسلسلات الاذاعية، بالفصحى والعامية، ومنها إلى الوظيفة في وزارة الثقافة، وقبل ذلك إلى المنافي، لأسباب قاهرة، حيث التشرد في أوروبا، والنوم تحت الجسور في سويسرا، وطلب العمل، لا العلم، في الصين، وكل هذا، أو أكثره، معروف من القراء الأعزاء، اذكره للشكر لا لعرض الحال، والشكر، هنا، لأن حياتي الحافلة بالتجارب القاسية، قد نفعتني "أنا الحديدة التي تفولذت بالنار" في المقبل من أيامي، عندما بدأت بالكتابة الفعلية في الأربعين من عمري.

إن العمل في البحر، افادني في كتابة الشراع والعاصفة" والعتالة في المرفأ، اتاحت لي ان اكتب "نهاية رجل شجاع" والاختباء في الغابات، أيام مطاردة الفرنسيين، وفر لي المادة لكتابة "الياطر" أي مرساة السفينة، التي ستغدو أشهر رواياتي، رغم اني لم اكتب الجزء الثاني منها، والناشر لأعمالي يلاحقني كي اكتب هذا الجزء، وأعد، ويتلو الوعد وعداً، والوفاء، منذ ثلاثين عاماً، في مطاوي السحب الأبيض، الارجوانية عند الغروب، حتى بلغت من العمر عتياً، وصار الجزء الثاني نسياً منسياً، ويئس القراء مني، فاسترحت كما لم استرح من قبل، وادرك من حولي، انني نصف عاقل نصف مجنون، وانني، كما أقول، أفضّل نصفي المجنون على نصفي العاقل!

المشكلة ان "من شبّ على شيء شاب عليه" كما يقول المثل، وقد شببت على حب المغامرة حتى صارت في دمي، وصرت على موعد معها، فحيث تكون أكون، ولأنها كائنة في حلق الردى، فإنني من هذا الحلق امرق، فارداً جناحي، في تحليق كتحليق المغامر عباس بن فرناس، دون ان اسقط أو تدق رقبتي، إلا ان هذا التحليق، بحثاً عن المغامرة وفيها، سيتكرر، فالمرء الذي اختاره القدر ليكون كاتباً، أمامه خياران: جنح عصفور أم جنح نسر، وفي الشعر لابد أن يختار الشاعر جنيح نسر، وإلا ظل خائباً كبعض الذين يرفرفون بأجنحتهم فوق مستنقع الكتابة، دون ان يطيروا، ان يحلقوا، فالتحليق في الابداع له شروطه، وفي رأسها ألا يخاف الموت، فالموت، رغم ارتهانه لمشيئة الله، جبان في رأيي، وهو يأتي الحذَر من مكمنه، وأكثر الذين يخافون الموت، ويحتاطون في أمره، في الطعام والشراب والتغامر، أو بحثاً عما يقتل رتابة العيش، يموتون في رتابة عيشهم، وقبلاً يموتون، في الخوف من الموت، في موت أشد إيلاماً، تماماً كالذين هم، في الخوف من الفقر، في فقر، رغم اكتنازهم المال، لأن ما يصرف منه، هو وحده ملك صاحبه، أما ما يتبقى فإنه ملك الورثة، يبعثرونه، غالباً، في وجوه غير مستقيمة، انتقاماً من المورّث الذي حرمهم، في حياته، بعض ما يجعل عيشهم هنيئاً، أو أقل قتامة وادقاعاً.

وإذا كان الشعر، في التوسط، لا شعر، وان الشاعر، بغير تحليق، بغير حلم في هذا التحليق، يسقط في العدم، فإن القاص، مثل تشيكوف، أو مثل يوسف ادريس، له ايضاً سبب، وحتى ضرورة، في ان يرتفع بفنه، ومعه، إلى أعلى، ودائماً إلى أعلى، فالغمام الابداعي في الأعالي يكون، ومنها ينهمر عطراً على شباك فيروز، سفيرتنا إلى النجوم حسب تسمية سعيد عقل، وما يقال عن القاص، يقال بقدر أكبر، عن الروائي، الذي دون تغامر في التجارب، ولو فيها هلاكه، لن يبلغ أن يكون روائياً من لحم ودم، أو حتى ان يتوصل إلى جعل شخوص رواياته من لحم ودم، وبذلك يفقد قارؤه نشوة الانجذاب إليه، أو التحليق معه في الفضاءات التي ينبغي أن يحلق فيها، انطلاقاً من الواقع، وفي صيرورة هذا الواقع واقعاً فنياً، من خلال الانعكاس، في الذات الابداعية، والصدور عنها في معالجة ابداعية، تتطلب الخلق والخيال والتخييل والابتكار في السرد والحوار معاً.
نعم! أنا خريج جامعة الفقر الأسود أو لم يكن لي خيار، في دخول جامعة سواها، أو حتى مدرسة اعدادية، كي اعرف ان اكتب عن الجامعات والمدارس!
الخميس 2003/08/28 م

__________________





قمة آلحزن !
عندمآ تجبرُ نفسّك على ڪره شخص ..
كآنَ يعني لك آلعالم بِآگملہ ؤآلأصعب منـہ !
عِندمآـآ تتصنّع آلڪره .. و بِدآخلڪ حنيين وحب
[ گبير لہ
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 203.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 197.25 كيلو بايت... تم توفير 5.92 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]