|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#721
|
||||
|
||||
![]() معنى قوله تعالى: (وجعل الظلمات والنور) (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ )[الأنعام:1]، أوجد الظلمات والنور أيضاً، هل تستطيع الخليقة أن توجد ظلمة؟ ما تستطيع. هل تستطيع أن توجد نوراً؟ ما تستطيع. من جعل الظلمات والنور؟ والحياة البشرية متوقفة على هذا، لولا الظلمة والنور لما استطاعت البشرية أن تعيش وتوجد، والظلمات والنور من الأجرام المحسوسة، وهناك ظلمات الجهل والكفر والظلم، ظلمات أشد حلوكة وظلاماً من ظلام الليل، وهناك أيضاً نور أشد من نور الشمس وأقوى وأصفى كثيراً، هو نور العلم والإيمان. فمن جعل الظلمات والنور؟ هل ثم من يرفع يده ويقول: فلان الفلاني، أو بنو فلان، أو بنو فلان؟ فاحمد يا ألله نفسك، فأنت أهل الحمد والثناء، ونحن نحمدك يا ربنا: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ )[الأنعام:1]. فالسموات السبع وما فيهن والأرضون السبع وما فيهن من مخلوقات الله عز وجل الله خالقها وموجدها، هذه الأجرام المحسوسة، وظلمات البر والبحر، الظلمات في الليل والنهار، والأنوار التي نعيش عليها في أيامنا من أوجدها؟ الله عز وجل. معنى قوله تعالى: (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ )[الأنعام:1]، ومع ذلك فالذين كفروا يعدلون بربهم، يا للعجب؟! يا للغرابة؟! مع هذا يعدلون بربهم أوثاناً وأصناماً، مخلوقات هابطة ساقطة، ( ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ )[الأنعام:1] به غيره من المخلوقات، هذا يعبد الملائكة، وهذا يعبد الشمس، وهذا يعبد القمر، وهذا يعبد النار، وهذا يعبد الظلام، هذا يعبد عبد القادر ، هذا يعبد عيسى، هذا يعبد أمه، لأنهم كفروا فلهذا عدلوا غير الله بالله، وأقبلوا على غير الله يتضرعون ويبكون ويسألون ويتمسحون، معرضين عن الله عز وجل، حالهم تستدعي التعجب لنا، ولهذا جيء بـ(ثم) للفصل والبعد: ( الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ )[الأنعام:1]، يعدلون به غيره، عدل بفلان فلان، عدل بفلانة امرأته الأخرى، فالذين أقبلوا على غير الله يركعون، يسجدون، يسبحون، يغنون، يصلون، يدعون، يتقربون بذبيحة بكذا ولو بشمعة يوقدونها، والله لقد عدلوا بربهم سواه، وسبب ذلك ظلمة الكفر، لو كانوا مؤمنين حق الإيمان، صادقين في إيمانهم لمعرفتهم بربهم وجلاله وعظمته وكماله، ولمعرفتهم بأن المخلوقات كلها مفتقرة إلى الله محتاجة إليه، لولا الله ما كانت ولن تكون، هؤلاء المؤمنون لا يعدلون بربهم، لكن ظلمة الكفر، وظلمة الجهل هي التي تجعل الإنسان يغمض عينيه عن خالق السموات والأرض وهذه المخلوقات، ويفتح عينيه في حجرة أو شجرة يستغيث بها ويدعوها، سواء كانت من الملائكة أو من البشر والرسل، أما عبدوا عيسى عليه السلام؟ أما استُشهِد يوم القيامة: ( أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ )[المائدة:116]، معنى هذا أنهم اتخذوه إلهاً، عبدوه، أعطوه قلوبهم، ونياتهم، وأقوالهم، وعكفوا على عبادته. الجهل وأثره على المسلمين في إيجاد مظاهر الشرك والبعد عن الهداية القرآنية (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ )[الأنعام:1]، يا عبد الله! ما معنى يعدلون؟ يعدلون به غيره. بدل أن يطرح بين يديه يطرح تحت صنم، بدل أن يرفع يديه إلى ربه يستغيث به يرفع يديه يستغيث بـعبد القادر ، بـمبروك ، يا مولاي إدريس ، يا سيدي البدوي ، يا عيدروس ، يا فلان يا فلان! هذا الجهل عم ديار الإسلام أكثر من ثمانمائة عام، وهذه اليقظة الجديدة لها عوامل وأسباب، وإلا فالقرية الواحدة تجد فيها كذا معبوداً يُعبد من دون الله، القرية الواحدة تجد فيها كذا طريقة، تجانيون وقادريون وعلوانيون وفلانيون، والقرية صغيرة، أصاب الأمة ظلام لا حد له، وعلة ذلك أن الثالوث الأسود -المجوس، واليهود، والنصارى- عرفوا سر حياة هذه الأمة وسر هدايتها، ألا وإنه القرآن العظيم، كتاب الله النور الإلهي، فصرفوهم عن الاجتماع عليه من تلاوته وتدبره، وفهم مراد الله وما يريد لهم في كتابه، وجعلوه موقوفاً على الموتى، لا يجتمع اثنان على قراءة القرآن إلا على الميت، من إندونيسيا إلى موريتانيا، حتى مدينة الرسول ومكة بلد الله، قبل هذه الدولة دولة عبد العزيز كانوا كغيرهم من العالم الإسلامي، لا يجتمعون على قراءة القرآن إلا ليلة الميت، وإياك أن تقول: قال الله، فإنك تكفَّر، وقالوا القاعدة: (تفسير القرآن صوابه خطأ، وخطؤه كفر)، فتقول: قال سيدي فلان، قال الشيخ، قال كذا، أما قال الله فلا! فكمموا هذه الأمة، وألجموها وأسكتوها، فانتظمها الجهل من الشرق إلى الغرب، وظهرت جاهلية أفظع من جاهلية الأولين، ورحم الله شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب الذي كانوا يكفرونه ويقولون: صاحب مذهب خامسي أيام الظلام العاتي، والآن خفَّ هذا، يقول رحمه الله تعالى: المشركون إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين. وهذا عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه سبب إسلامه أنه لما فتح رسول الله مكة بإذن الله هرب رؤساء الطواغيت وشردوا، ومن بينهم عكرمة هرب إلى البحر، ما يريد أن يرى وجه محمد بعد يومه، وصل إلى ميناء من الموانئ، فوجد سفينة تريد أن تقلع، وسفن ذاك الوقت بلا بنزين، فركب، وتعمقت السفينة في البحر كيلو متر أو كذا، قال ربان السفينة أو ملاحها: يا معشر الركاب! الحمولة ثقيلة، فانظروا ماذا تصنعون أو نرجع. قالوا: نرجع. سبحان الله! ربان السفينة غير ربانها مع يونس، سفينة يونس عليه السلام قال ربانها: يا إخواننا! الحمولة ثقيلة، ولا بد من إسقاط واحد، من منكم يتبرع ويحيي الآخرين فيلقي بنفسه في البحر، وينجو إخوانه. فما استطاع واحد أن يتبرع، قالوا: إذاً: القرعة، فمن خرجت القرعة عليه نرميه بالقوة، فاقترعوا، فوقعت على يونس بن متى، ( فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ )[الصافات:141]، جمعوا ثيابه عليه ودفعوا به في البحر، فأمر الله سمكة من عظام السمك ففتحت فاها فدخل يجري فيها، لا مضغته ولا آذته، ( فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ )[الصافات:142]، لأنه هرب من الدعوة، ما واصلها، ما كان من حقه أن يخرج من بلاد نينوى، هذه حادثة. والذي نريده شاهداً لما نقول ما ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، قال: يا للعجب: مشركو العرب كانوا يوحدون الله في الشدة، ويشركون به في الرخاء، أما مشركو اليوم ففي الرخاء والشدة على حد سواء! ومن ذلك خبر عكرمة ، فـعكرمة لما فتح الله على رسوله مكة هرب حتى لا يواجه الرسول ويؤمن به أو يذل، فوجد سفينة تريد أن تقلع فركب، لما ركب السفينة واضطربت بموج البحر قال الربان: يا قوم! ادعوا الله، ارفعوا أيديكم لينجيكم من الغرق، فعكرمة تفطَّن فقال: سبحان الله! أنا هربت من التوحيد، والآن يلحقني حتى في البحر! ارجع بي إلى الشاطئ حتى أذهب إلى محمد وأسلم، أنا ما هربت إلا من كلمة: لا إله إلا الله، والآن في حال البحر تقول: ادعوا الله ولا تدعوا غيره لينجيكم؟ فقال: والله لترجعن بي إلى الساحل. ورجع وأتى الرسول وبكى، وشهد إن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. قال تعالى: ( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ )[العنكبوت:65]، أيُّ حال أحسن: حال المشركين الأولين، أم حال المشركين المحمديين المنسوبين إلى الإسلام؟ الأولون على الأقل في حال الشدة يفزعون إلى الله وحده، هذا ما هو كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، هذا -والله- كلام الله: ( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )[العنكبوت:65]، لماذا دعوه؟ لأن السفينة تضطرب والأمواج تكاد تغرقها، ففزعوا إلى الله عز وجل فأنجاهم، فإذا نجاهم إلى البر رجعوا إلى الشرك والتبرك بالأحجار. ذكر قصة الحجيج المستغيثين بغير الله تعالى لاضطراب سفينتهم ورحم الله الشيخ رشيد رضا صاحب المنار، حقاً إن تفسير المنار منار هداية، يذكر أن شيخه محمد عبده قال: كنا أيام الدولة العثمانية، وكانت سفينة كبيرة تجمع الحجاج، تبدأ من طرابلس في الغرب، إلى الإسكندرية إلى اللاذقية أو أحد هذه الموانئ على البحر الأبيض، وتحمل الحجاج من كل إقليم خمسة أو عشرة في ذاك الزمان.قال: فلما مشت السفينة وتعرضت لهزة شديدة من الأمواج أخذ الحجاج يستغيثون: يا سيدي عبد القادر ، يا رسول الله، يا فاطمة ، يا حسين ، يا بدوي ! أنجنا.. أنقذنا، نحن بكم وبالله! وكان بينهم رجل، فرفع يديه إلى الله وقال: اللهم أغرقهم فإنهم ما عرفوك. كأنكم حاضرون، وجربنا هذا، أنا قلت لكم: كان سائق يسوق بي من أهل العلم، فالسيارة خرجت بنا عن الطريق، وإذا به: يا رسول الله.. يا رسول الله! ولو هلك لكان إلى جهنم، فلا عجب في هذا أبداً. أما قلت لكم -والله يشهد- الرجل يذكر الله بالألف وأكثر: لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله، ثم حين تأخذه سنة من نوم فتسقط المسبحة من يده إذ به يقول: يا رسول الله! أو يأتي بـعبد القادر ، فما معنى: لا إله إلا الله إذاً، لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله، وعند الحاجة: يا سيدي فلان! هذا هو معنى ظلمة الجهل، فالإيمان ليس مجرد أن تقول: أنا مؤمن، أو تكون ابن مؤمنين، الإيمان أن تسأل عن الله وتعرفه بأسمائه وصفاته، وجلاله وكماله، وعظمته ورحمته، فتمتلئ نفسك وقلبك بحبه والخوف منه، ثم حينئذ إذا قلت: الله لا تبالي بأي مخلوق من المخلوقات، هذا هو الإيمان وهذا هو المؤمن، لا مجرد مؤمن ما عرف من هو الله، ولا كيف الله، فتأتي أدنى محنة فينسى الله ويفزع إلى غير الله عز وجل. (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ )[الأنعام:1]، يا للعجب! يا للغرابة! ماذا نقول؟ هذا كلام الله، لكن نلفت النظر إلى العلة، قال: ( ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا )[الأنعام:1]، عرفت السبب أم لا؟ ظلمة الكفر هي التي رمت بهم في هذه المزبلة، فأصبحوا يعدلون بالرب العظيم مخلوقات لا تبدي ولا تعيد، ولا تحيي ولا تميت، ولا أوجدت ذرة من الكون، يسوونها بالله فيستغيثون بها وينادونها، كما نقول: يا الله! ويتقربون إليها بالقرب التي لا تكون إلا لله، من الذبح، والنذر، والحلف، وما إلى ذلك. تفسير قوله تعالى: (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون) ثم قال تعالى ( هُوَ )[الأنعام:2] لا غيره ( الَّذِي خَلَقَكُمْ )[الأنعام:2] يا بني آدم، أبيضكم كأسودكم، أولكم كآخركم، ( خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ )[الأنعام:2]، إذ خلق أبانا آدم من مادة الطين، تراب مبلل حتى يتغير ويصبح كالحمأة، ومنه صنع الله عز وجل بيديه آدم عليه السلام، ونفخ فيه من روحه، وخلق أنثاه حواء من ضلعه الأيسر، ونحن تناسلنا من آبائنا وأمهاتنا، أصلنا من طين، والفواكه.. الحبوب.. الثمار.. كلها من الطين، دماؤنا من الطين، أعصابنا وعظامنا مكونة من الطين. هذا الذي خلقنا من الطين نغمض أعيننا عنه، ولا نسأل عنه، ونلتفت إلى غيره ونعبده بالتمجيد والتعظيم والطاعة! المراد بالأجلين في الآية الكريمة (خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا )[الأنعام:2]، هذه أعظم من الأولى، قضى أجل الموت، هل استطاع الحزب الشيوعي لما شاب لينين وبعده ستالين هل استطاعوا أن يحتفظوا بحياة هذا الزعيم؟ وزعماء العرب الذين قدسناهم ورفعناهم إلى السماء حتى ضلوا هل استطعنا أن نحفظ حياتهم، ينقلونهم إلى روسيا للعلاج وما نفع.(ثُمَّ قَضَى )[الأنعام:2]، حكم وقدر، ( أَجَلًا )[الأنعام:2] ألا وهو أجل كل إنسان ذكر أو أنثى، محدد -والله- باللحظة، بأقل من الدقيقة والثانية، هل استطاعت البشرية أن تنقض هذا الحكم لو كان لها علم أو قدرة، أو لها آلهة تستطيع أن ترد على الله هذا القضاء وتحيي من تشاء، هل تم هذا أو وجد؟ ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ )[آل عمران:185]، هذا قضاء الله وحكمه، قضى أجلاً وأجل آخر مسمى عنده، وهو أجل نهاية هذه الحياة. آجالنا كما تشاهدون: توفي فلان، توفيت فلانة، آجال محدودة باللحظة، وقبل أن يخلق الله السموات والأرض كتب في كتاب المقادير. والأجلُ الآخر معروف لله تعالى ولم يطلع عليه أحد سواه، أجل نهاية الحياة وبداية الحياة الآخرة، هذا لا يعرفه إلا الله، ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً )[الأعراف:187]، هذا الأجل الثاني، ( قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ )[الأنعام:2]، ولو كان إنسان يستحي لذاب حياء من الله، ثم أنتم يا بني آدم تشكون في ربكم، وفي لقائه وقدرته، وفي رسله وشرعه وكتابه، أين يذهب بعقولكم؟ والامتراء: الشك والعصيان، فكل من عبد غير الله شك في الله وارتاب، كل من عصى الله وخرج عن طاعته وفسق عن أمره ما آمن الإيمان الحق، ما عرف الله معرفة تجلب حبه في قلبه والرهبة منه في نفسه فيخافه ولا يعصيه. تفسير قوله تعالى: (وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون) (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ )[الأنعام:3] المعبود في السموات كما هو المعبود في الأرض، إذ قال تعالى من سورة الزخرف: ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ )[الزخرف:84]، وهنا يقول: ( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ )[الأنعام:3]، سواء كنتم في السموات، في الجبال، في السحب، أو في أعماق الأرض، ( يَعْلَمُ سِرَّكُمْ )[الأنعام:3] أي: ما تخفونه من كلام، وما تجهرون به، وفوق ذلك: ( وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )[الأنعام:3].(وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )[الأنعام:3] من الكلمة، أو بعض الكلمة، من الحركة والخطوة ودونها، كل ما نكسبه بأسماعنا، بأبصارنا، بألسنتنا، بأيدينا، بفروجنا، ببطوننا، إذ هذا هو الكسب، كل ذلك معلوم عند الله عز وجل، ويجزي به، ويرحم من يشاء، ويعذب من يشاء، لكن رحمته قائمة على مبدأ عدله، وتعذيبه كذلك. فيا معشر المؤمنين! هيا نقبل على ربنا صادقين، نذكره، نمجده، نحمده، نعمل على طاعتنا له، حتى يتوفانا وهو راض عنا، اللهم حقق لنا ذلك، اللهم توفنا وأنت راض عنا، إنك ولينا وولي المؤمنين. وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
__________________
|
#722
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة المائدة - (2) الحلقة (369) تفسير سورة المائدة النبي صلى الله عليه وسلم ما هو إلا بشر، وتظهر بشريته في حزنه وتألمه حين يعرض عنه المشركون ويكذبونه، والله عز وجل يعزيه ويواسيه بإخباره أنهم إنما يكذبون بآيات الله ورسالاته، وحالهم هذا شبيه بحال من أنكروا الرسالات السابقة، وكذبوا الأنبياء الذين جاءوا من قبل، فما عليه إلا الصبر على ما يلاقي في سبيل دعوته؛ لأنه لا يمكنه أنه يأتيهم بغير ما آتاه الله من الآيات والبراهين، ولو شاء الله لهم الهداية جميعاً لهداهم، ولكنها حكمة بالغة منه سبحانه بأن يكون من عباده المؤمن والكافر، وهو الحكيم الخبير. تفسير قوله تعالى: (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة.من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلك السورة التي علمنا أنها زفت بسبعين ألف ملك من ملائكة الله، ولهم زجل وتسبيح، وعلمنا أنها تقرر تلك الأصول الثلاثة: أولاً: توحيد الله عز وجل بألا يعبد في الملكوت سواه. ثانياً: تقرير نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسالته. ثالثاً: تقرير مبدأ البعث الآخر أو الحياة الآخرة، البعث والجزاء. فهذه السورة على جلالتها تقرر هذه الأصول الثلاثة، وقد علمنا أن العبد إذا عرف الله ثم عبده وحده حيي وأصبح حياً يسمع ويبصر ويعطي ويأخذ، فإذا آمن بالله رباً لا رب غيره وإلهاً لا إله سواه، فكيف يعبده؟ لا بد من طريق محمد صلى الله عليه وسلم، فآمن بالرسالة، ولِمَ يعبده؟ يعبده لأن يكرمه يوم يلقاه، وينزله في منازل الأبرار، فهو -إذاً- مؤمن بهذه القواعد أو الأصول الثلاثة، وهنا هذه الآيات الثلاث قبل الشروع في تفسيرها نسمع تلاوتها من أبي بكر المدني تلميذ شيخكم فتح الله عليه وعليكم. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ )[الأنعام:33-35]. معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ )[الأنعام:33]، وفي قراءة سبعية: (ليُحزِنُك) من: أحزنه يحزنه، وقراءة (لَيحزُنَك) من: حزنه يحزنه. من القائل: ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ )[الأنعام:33]؟ إنه الله تعالى، والله إنه الله، إذ هذا كلامه في كتابه، من المخاطب بهذا؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. (قَدْ نَعْلَمُ )[الأنعام:33]، وعزتنا وجلالنا ( إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ )[الأنعام:33]، ومعنى يحزنك: يصيبك بالحزن والغم والكرب، لماذا؟ لأنهم يقولون: كذاب، ساحر، شاعر، مجنون، مفتر، ويأتون بالأباطيل والترهات وكلها يضفونها عليك، فنحن نعلم منك هذا. (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ )[الأنعام:33]، أي: يدخلونك في دائرة الحزن والغم والكرب، ونحن أرحم بك منك بنفسك، فاصبر يا رسولنا! وهذا يتفق -أيضاً- مع كل مؤمن يدعو إلى الله ليعبد وحده، فيجد من يسخر منه ويهزأ به، ويكذبه ويعترض طريقه، إذاً: فليذكر هذا فيجد فيه الأسوة والقدوة فيتحمل ويصبر على دعوة الله. تكذيب الكفار ليس لشخص النبي وإنما لما جاء به من دين (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ )[الأنعام:33]، وقرئ: ( فإنهم لا يَكْذِبونك )، والكل صحيح، ( لا يُكَذِّبُونَكَ )[الأنعام:33] عندما يردون عليك ويقولون كذا وكذا هم في نفس الوقت يعلمون أنك ذو الصدق وأنك أصدق الخلق، وأنك لا تكذب، وما جربوا عليك كذبة واحدة قط، فإذا اعترضك المعترضون وأخذوا يطعنون ويصفونك بتلك الصفات الباطلة فلا تفهم أنهم يعتقدون ذلك، بل يعلمون أنك رجل الصدق، وكبارهم كالأخنس بن شريق وأبو جهل وأبو سفيان كلهم يعرفون أنه صادق فيما يقول، وحاشاه أن يكذب، ولكن الدفاع عن المصلحة عن الموقف عن الشرف عن المركز أصحابه يقولون الباطل، لكن -يا عبد الله- لا تحزن ولا تكرب إذا هم وصفوك بما أنت بريء منه؛ لأنهم لا يعتقدون ذلك فيك أبداً، وإنما حملهم على ذلك أن يبقوا على ألهتهم وعبادتهم وعاداتهم، وأن تبقى الأمة مجتمعة عليهم، فيدفعون بهذا القول، وهذا فيه تسلية لرسول الله وتعزية له، فإذا لم يعزه الله ويصبره فكيف سيصبر؟ كيف سيثبت وهو فرد ضده العالم بأسره. عماية الظالمين عن الحق مكابرة وعناداً (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ )[الأنعام:33]، ماذا؟ ( وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ )[الأنعام:33]، هذه صفتهم، هذه شنشنتهم وعادتهم، الظالمون يكذبون، ولكن الظالمين يكذبون بآيات الله، ومنها أنت يا رسول الله، أنت آية من آيات الله، يكذبون بآيات الله المقررة للتوحيد والداعية إليه، الآيات المبطلة للشرك والمحاربة له، ظلمهم يحملهم على التكذيب، وهذه أيضاً سنة بشرية، فالظالم الذي يعيش على غير صراط الله المستقيم لا بد أن يجحد وينكر ويكذب، ديدنه: لا أعترف، لا أقول بهذا، هذا باطل، هذا كذا، دفاعاً عما يحميه ويذود عنه، هل تتبدل هذه السنة؟ لا تتبدل.إذا أصبح المرء ظالماً يضع الأمور في غير موضعها، وظلم نفسه وظلم غيره؛ فهذا الذي يدافع عن الباطل ويكذب بكل آية، لو شاهد الملائكة تنزل لقال: ما شاهدنا. كما قال تعالى في سورة الحجر: ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ )[الحجر:14]، رحلة إلى الملكوت الأعلى هذا صاعد وهذا هابط، نزهة يوم كامل، ففي المساء لن يعترفوا، ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ )[الحجر:14-15]، فقط أصاب أبصارنا السكر فهي فاقدة الشعور فظننا أننا نصعد إلى السماء ونهبط، أو لقالوا: سحرنا محمد صلى الله عليه وسلم، ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا )[الحجر:14] طول النهار ( فِيهِ يَعْرُجُونَ )[الحجر:14]، والذي يعرج يهبط، ( لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ )[الحجر:15]، من أخبر بهذا؟ إنه خالق قلوبهم وغارز غرائزهم وطبائعهم، وإلى يوم القيامة، هذا شأن المنكرين للحق المحاربين له ولأهله، لا ينفعهم آي ولا ينفعهم معجزة، ما يريدون أن يتبعوا. (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ )[الأنعام:33]، هذا يسليك، ما اتهموك بالكذب أبداً، بل يعرفون أنك صادق أمين، ما جربوا الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم أربعين سنة قبل النبوة، ويعترفون بهذا ويقررونه حتى أبو جهل ، ولكن العلة أن الظالمين يجحدون بآيات الله؛ لأنها تتنافى مع ظلمهم وما هم عليه. تفسير قوله تعالى: (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ...) الآية الثانية: يقول تعالى: ( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا )[الأنعام:34]، هذه هي التعزية والتسلية وحمل الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يثبت ويصبر؛ لأنه يعاني شدائد وآلاماً ما عرفناها، وأنت طول عمرك لو يكذبك أحد يوماً من الأيام ويتهمك تكرب وتحزن.(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ )[الأنعام:34]، كذب نوح، كذب هود، كذب صالح، كذب شعيب، كذب موسى، كذب هارون، كذب إبراهيم، رسل كذبوا من قبلك، ( فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا )[الأنعام:34]، فاصبر أنت يا رسولنا كما صبر إخوانك الذين سبقوك من الرسل، اصبر على دعوة الله لا تتركها أو تتنكر لها، أو تصبح تدعو يوماً وتغيب آخر تطلب إجازة وراحة، بل صبر متواصل. ذكر خبر نبي الله يونس عليه السلام وقد أعلمنا الله عن نبيه ذي النون، وقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( لا تفضلوني على يونس بن متى ) من باب إكرام الرسول له، فيونس عليه السلام ما أطاق وما اصطبر فترك القوم وهرب، وشاء الله أن يحدث له حادث في البحر، ثم يعود فيجدهم كلهم مؤمنين، ولا يوجد على سطح الأرض أمة آمنت كلها إلا قوم يونس، والقصة كما هي في سورة: ( وَالصَّافَّاتِ صَفًّا )[الصافات:1]، حين تألم وضاق وما أطاق، هذا يسب وهذا يكذب وهذا يشتم، يستجيب واحد وينكر مائة، فهرب إلى ساحل البحر -البحر الأحمر هذا أو الأسود- ووجد سفينة مبحرة أوشكت أن تبحر فركب، لما ركب السفينة صاح ربانها وقال: الحمولة ثقيلة ولا بد من غرق السفينة أو تسقطون واحد منها تخففون حملها. من يتطوع.. من يتبرع لإنقاذ الركاب؟ ما وجدوا أحداً، فاضطروا إلى الاستهام -أي: الاقتراع- فاستعملوا القرعة، فمن خرجت القرعة عليه كان هو الذي يلقى في البحر وتسلم السفينة بركابها، فاقترعوا فجاءت على يونس: ( فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )[الصافات:141-144] إلى يوم القيامة، ولكن كان في ظلمات البحر وبطن الحوت يسبح: لا إله إلا أنت سبحانك إنك كنت من الظالمين، كما قال تعالى: ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ )[الأنبياء:87-88].وورد أن من أصابه غم أو هم أو كرب ففزع إلى الله بهذا الذكر فرج الله ما به، لكن يصبر، ما هي ساعة أو ليلة، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فلما استجاب الله له ولفظه الحوت على ساحل البحر أنبت الله عليه شجرة اليقطين الدباء؛ لأن ورقها ناعم من جهة، ومن جهة أخرى لا يقع الذباب عليها، وهو قد نضج لحمه من الحرارة في بطن الحوت، فبقي حتى تماثل للشفاء وهو تحت تلك الشجرة، ومن أين يشرب ويأكل؟ سخر الله له وعلاً من الوعول تأتي من الجبل فتقرب منه وتدنو منه فيرتضع ثديها بفمه حتى تماثل للشفاء وعاد وإذا بأهل القرية كلهم مؤمنين، أسلم أهل القرية كلهم. والشاهد عندنا ماذا؟ ( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا )[الأنعام:34]، السخرية التي تلقاها نوح ألف سنة إلا خمسين عاماً، ما سخرت أمة برسولها كما سخرت أمة نوح بنوح، ومن أراد أن يرى فرعون يسخر من موسى فليقرأ القرآن. أهمية الصبر في حياة الأنبياء والدعاة الشاهد عندنا أن الله تعالى يوجه رسوله أن: اصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل، فقد كذبوا وأوذوا ( حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا )[الأنعام:34]، إذاً: فاصبر أنت فلا بد أن يأتي نصرنا، وهكذا دعاة الخير والحق إذا صبروا لا بد أن ينتصروا. أخشى أن يفهم هؤلاء المكفرون للمسلمين والمدعون للجهاد أنهم الذين سينتصرون، والله لا ينتصرون، ما هم بأولياء الله، ما هم بدعاة إلى الله، بل دعاة الفتنة والضلال. فقول ربنا جل ذكره وهو يخاطب مصطفاه وحبيبه: ( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا )[الأنعام:34]، ما هو بتكذيب فقط، الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي عند الكعبة لما سجد جاء عقبة بن أبي معيط بسلا جزور، والسلا: ما يخرج من بطن البهيمة عند الولادة، حيث نتجت ناقة عند الصفا وبقي سلاها، فجاء بالسلا ووضعه بين كتفي رسول الله وهو ساجد، هل هناك أعظم من هذا الأذى؟ أما في أحد فقد كسرت رباعيته وشج وجهه ودخل خوذتا المغفر في وجنتيه. والشاهد عندنا: ( وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا )[الأنعام:34]، اسمع! ( وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ )[الأنعام:34]، كلمات الله التي فيها الوعد والوعيد هل تتبدل؟ إذا وعد بالنصر تحقق النصر، وإذا أوعد بالعذاب نزل العذاب. يتبع
__________________
|
#723
|
||||
|
||||
![]() النصر نتيجة المسلك الصحيح في الدعوة لا مسلك العنف أقول: إن الدعاة الصالحين البررة دعاة الحق الذين يسلكون مسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان الحق والهدى، لا بالاغتيالات والسب والشتم والتكفير، هؤلاء لو صبروا ينصرهم الله، لهذا الوعد الإلهي: ( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا )[الأنعام:34]، إلى متى؟ ( حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا )[الأنعام:34]، وإن ارتبت أو شككت فالله يقول: ( وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ )[الأنعام:34]، إذا قضى الله تعالى أمراً فلن تستطيع دولة ولا أمة ولا شخص أن يمحوه ويستبدله بآخر، إذا قدر أمراً ينفذ كما أراد الله، وقد قضى أن ينصر أولياءه، ما وجد أولياء لله في صدق وحق يدعون إلى الله وإن أوذوا وإن كذبوا إلا نصرهم الله، ولا نشك في نصرة الله لهم، لكن الآن أين هؤلاء؟ أين هؤلاء الدعاة؟أما جماعة التكفير والتفجير فهؤلاء أبرأ إلى الله من أن يكونوا أولياء الله أو يكونوا مع الله حتى ينصرهم، ولن ينتصروا، هل فهمتم هذا التعقيب أم لا؟ هم يقولون: كذبت رسل قبلنا وأوذوا حتى نصرهم الله ولا مبدل لكلمات الله، وسينصرنا الله، ونقول: الذي يقول هذا القول هو الذي يدعو إلى الله بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرسول في مكة مكث ثلاث عشرة سنة، فهل أمر صلى الله عليه وسلم أن يغتال واحداً من المشركين؟ لقد أوذي وأوذي أصحابه، وكان يمر بهم وهم يعذبون ويقول: ( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة )، فلِمَ لم يوعز إلى حمزة البطل أو عمر أن: اغتل أبا جهل وأرحنا منه؟ فأين الاغتيالات؟ ولما جاء إلى المدينة ماذا فعل؟ صالح اليهود من بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة، وكتب عقداً عجباً لو تقرءون وتعرفون ما فيه، لكن لما نقضت كل قبيلة عقدها استحلت العقاب والعذاب، فأول من نقض بنو قينقاع فأجلاهم، وما قتلهم ولا صلبهم ولا سلب أموالهم، أجلاهم وأبعدهم عن المدينة، فالتحقوا بديار الكفر. وبنو النضير كذلك هموا بقتله وتآمروا عليه وأرادوا أن يقتلوه، وحاصروهم وانقادوا واستسلموا وأخذوا أموالهم وما يملكون والتحقوا بالشام. وبنو قريظة لما انضموا إلى المحاربين قتلهم، لكن ما قتل أطفالهم ولا قتل نساءهم، وإنما قتل مقاتلتهم من رجالهم، فهذا دين الله يشوهونه ويدوسونه بنعالهم ويقولون: هذا دين الله. معنى قوله تعالى: (ولقد جاءك من نبأ المرسلين) (وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ )[الأنعام:34]، ولقد جاءك -يا رسولنا- من نبأ المرسلين السابقين، قص عليه قصة موسى وهارون، فموسى دعا إلى الله أربعين عاماً، ونوح دعا تسعمائة وخمسين عاماً، وإبراهيم دعا ثمانين أو ومائة وعشرين سنة، وهكذا جاء من نبئهم، وكذلك يوسف عليه السلام، كل الأنبياء صبروا، فحين تجيئك أنباؤهم تحملك على الصبر والثبات كما صبروا وثبتوا. (وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ )[الأنعام:34]، جاءه بأي واسطة .. بأي طريق؟ بطريق القرآن والوحي الإلهي، مفرقاً في سور القرآن هنا وهناك. تفسير قوله تعالى: (وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية ...) وقوله تعالى: ( وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ )[الأنعام:35]، هل هذا فيه عتاب للرسول صلى الله عليه وسلم؟ لا. بل فيه حمل له على زيادة الصبر والثبات، وإن كان كبر عليك إعراض قومك وما استطعته وما أطقته، إعراضهم عن دينك وعما جئت به، يسمعون كلمة لا إله إلا الله فيلوون رءوسهم ويلتفتون إلى غيرك، إذا كبر عليك هذا الإعراض وما أطقته لضعفك لبشريتك؛ فماذا تصنع؟(فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ )[الأنعام:35]، أي: سرباً تحت الأرض وتغوص فيه وتبحث عن آية من الآيات، ( أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ )[الأنعام:35]، درجة بعد أخرى؛ حتى تصل إلى الملكوت الأعلى وتأتيهم بآية فافعل، لكن ما هو من شأنك وما ذلك في قدرتك ولا تستطيع، إذاً: ما عليك إلا الصبر. أرأيتم هذه المواجهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هذه لو قيلت لواحد منا لذاب؛ لأنه كان صلى الله عليه وسلم يعاني في مكة ما يعاني. وإن استطعت أن تبتغي تطلب لك نفقاً في الأرض سرباً من الأسراب فتأتي بآية، أو تتخذ سلماً إلى السماء فتأتيهم بآية فافعل، ولكن ما هو شأنك هذا ولا تستطيعه ولا تقدر عليه، فلم يبق -إذاً- إلا التحمل والصبر على الأذى، لكن وعد الله آت ونصرته حقيقية، فقد مكث ثلاث عشرة سنة، أضف إليها سنة في المدينة، وفي السنة الخامسة عشرة هزمهم في بدر، قتل فيها سبعون طاغوتاً من طواغيت المشركين وعلى رأسهم أبو جهل . هكذا يقول تعالى له: ( وَإِنْ كَانَ )[الأنعام:35]من باب الفرض ( كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ )[الأنعام:35]، وما أطقته، وما المراد من إعراضهم؟ إعطاؤه عرضهم، أي: لا يسمعون كلامه، ولا ينظرون إليه، إما أن يدخلوا أصابعهم في آذانهم، إما أن يستغشوا ثيابهم، إما أن يقولوا: اتركوه فإنه يقول الباطل، فهل هذا يؤلم أم لا يؤلم، أنا مقبل عليكم، أدعوكم إلى ربكم، إلى سعادتكم وأنتم إما تضحكون وإما تقولون: دعوه يصيح، سبحان الله! هذا يتكرر مع البشرية إلى يوم القيامة، والله لا يوجد داع بحق إلا وسيلحقه هذا الأذى، وما عليه إلا أن يصبر فينصره الله، فالعاقبة له، وإلى الآن ما ظهرت جماعة تدعو وتصبر، ما رأينا. (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ )[الأنعام:35]، النفق: هو السرب في الأرض، والجمع: أنفاق. (أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ )[الأنعام:35]، قالوا: السلم مأخوذ من السلامة؛ لأن الهابط لا يسلم، لكن الصاعد يسلم. (فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ )[الأنعام:35]، ما المراد من الآية؟ ما هي آية قرآنية، الآية هنا هي المعجزة، كأن ينزل ملك الموت ويميت عشرة أو عشرين منهم، أو ينشق القمر، أو يخرج ميت من المقبرة، أو ينزل الذهب من السماء وهم يشاهدون، فالآية: هي الخارقة للعادة التي ما جرت العادة بها، وهي المعجزة؛ من أجل أن يؤمنوا، وقد أعلمه الله أنهم لا يؤمنون ولو رأوا كل آية؛ لأن الله كتب عذابهم في جهنم. معنى قوله تعالى: (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى )[الأنعام:35]، فلهذا لا يكلفك الله ولا تكلف نفسك بما هو غير مطاق ولا مستطاع، لا تبحث في الأرض ولا في السماء، فوض الأمر إلى الله، فالله لو شاء هدايتهم لهداهم، ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى )[الأنعام:35]، وقد فعل؛ فما هي إلا ثلاث عشرة سنة وأضف إليها ثماني وإذا مكة كلها أنوار لله، ليس هناك من يقول: يا عزى ولا يا لات، كلهم يعبدون الله عز وجل، وقبل أن يقبض والجزيرة كلها على: لا إله إلا الله، فهل جاء النصر أم لا؟ ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى )[الأنعام:35]، وهم الآن مجتمعون على الباطل، والهدى متفرقون عنه معرضون، لكن لو أراد الله لصرف قلوبهم عن الباطل إلى الحق، ولأصبح كل من يسمع لا إله إلا الله يجيب، لو شاء تعالى ذلك، لكن لم لا يشاء؟ لقد عرفنا أن الله حكيم، أوجد عالم الشقاء وعالم السعادة، النار والجنة، الجنة فوقنا والنار تحتنا، أوجد هذين العالمين وأوجد لكل إنسي وجني منزلاً فيه، منزل في الجنة وآخر في النار، هذا ملكه وتدبيره، فهل إذا قمت تبني في دارك يقال لك: لماذا؟ أو تغرس فيه غرس يقال: لا تفعل هذا؟ فهكذا أراد الله هذا، فأعد الجنة والنار، ثم وضع القانون الذي يدخل الجنة والذي يدخل النار، هذا القانون أن يبعث الرسول في أمة من الأمم، في جماعة من الجماعات، يدعوهم إلى الله، يحببهم إلى ربهم، يعرفهم به، فإن استجابوا وأقبلوا وتابوا وطهروا فمنازلهم دار السلام، وإن استكبروا وأعرضوا وأدبروا وحاربوا فمآلهم دار البوار جهنم، أليس كذلك؟ إذاً: فلو شاء لهدى الناس أجمعين، لكن إذا هداهم فمن سيدخل النار؟ ولماذا أوجدهاسبحانه؟! لا بد من وجود الكافرين، فلو شاء الله لهداهم أجمعين، لكن تلك الهداية القسرية القهرية بأن يدخل الإيمان في قلوبهم لا تنفعهم، لكن لا بد من هداية يطلبونها، ويجرون وراءها؛ حتى يظفروا بها ويحصلون عليها. ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى )[الأنعام:35]، ومعنى هذا: خفف من كربك وحزنك وألمك يا رسولنا! وهذه الآيات ما نزلت إلا للتخفيف عن الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه الآيات الثلاث ما فيها إلا معنى التخفيف عن رسول الله؛ لما يعاني من الكرب والحزن والألم. معنى قوله تعالى: (فلا تكونن من الجاهلين) وقوله أخيراً: ( فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ )[الأنعام:35]، هذه صفعة على وجوهنا، هل الجهل محمود أم مذموم؟ والجواب: مذموم، لو كان محموداً لما قال الله لرسوله: ( فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ )[الأنعام:35]، ولقال: كن من الجاهلين، قال: إياك أن تكون من الجاهلين، وكل كافر جاهل، كل مشرك جاهل، كل ظالم فاسق فاجر -والله- جاهل، إذ لو علم لما فسق ولا فجر، ولما كذب ولما كفر. إذاً: هذه الآية تذم الجهل، فهيا نبتعد عنه، ووالله العظيم! للكروب والآلام والمصائب التي تنزل بالمسلمين اليوم وقبل اليوم منذ مئات السنين سببها الجهل، فهل قيل: العالم الفلاني عالم بحر وهو فاجر؟ والعالم الفلاني يقتل الناس؟ والعالم الفلاني يعذب امرأته؟ والله لأعلمنا أتقانا، قرر هذا الله في كتابه: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )[فاطر:28]، والرسول قال: ( أنا أعلمكم بالله وأتقاكم له )، لكن العلم خلاف الجهل، فالعلم بم يكون، بصنع البقلاوة والحلاوة؟ يكون بمعرفة الله معرفة يقينية، وبما يحب الله وبما يكره الله، وبوعده لأوليائه ووعيده لأعدائه، هذا العلم هو الذي تتم به سعادة الفرد والجماعة، أما الجهل فيقول الله لرسوله عنه: ( فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ )[الأنعام:35] الحمقى الذين فقدوا الحلم والبصيرة، الذين فقدوا المعرفة والطريق إلى الله، لا تكن منهم. ملخص لما جاء في تفسير الآيات مرة ثانية أسمعكم الآيات فتأملوا، وقد قلت لكم: إنها نزلت من أجل ماذا؟ تسلية رسول الله وتعزيته حتى يخف عليه الحمل الذي هو عليه.(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ )[الأنعام:33-34]، وقد يأتيك نصرنا إذ وعدك الله به، ( وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ )[الأنعام:34]، قصص تضمنها القرآن الكريم فيها العزاء وفيها الحمل على الصبر، فيها ما فيها من عجائب الدعوة، جاءته صورة القصص بما فيها، الشعراء، النمل، ثم قال له: ( وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ )[الأنعام:35] يا رسولنا وما أطقت وما استطعت، فماذا تفعل؟ ( فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ )[الأنعام:35] فافعل، وهل يستطيع؟ وحين يحفر في الأرض ألف كيلو هل يجد ما يريد؟ أيجد آية، أخرجها؟ ولو غاص في الأرض وجاءهم بعجيبة ما صدقوا، ما كانوا مستعدين لأن يؤمنوا، أو سلماً في السماء، فتصعد وتأتي بعجيبة من السماء ولا يؤمنون؛ لأنهم ظالمون وعارفون أنك على حق، لكن يريدون البقاء على حالهم ومركزهم وديانتهم. (وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ )[الأنعام:34-35]، فافعل ولكن لا تستطيع، ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى )[الأنعام:35]. إذاً: فلا تكرب ولا تحزن، وادع فقط، وبَيِّن، استجاب من استجاب فما أنت بمسئول، وهذه هي دعوة الله إلى اليوم، فإذا رأيت شخصاً على وسطه برنيطة فقل له: يا عبد الله! ما ينبغي هذا. فإن نزعها حمدت الله، وإن قال: ماذا فيها؟ فاسكت، وكذلك تقول: يا أمة الله! غطي وجهك، لا ترفعي صوتك، فإن سكنت ورضيت فالحمد لله، وإن قالت: ماذا في ذلك؟ فاسكت؛ لأن القلوب بيد الله عز وجل، واذكر قوله تعالى: ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى )[الأنعام:35]، إذاً: ( فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ )[الأنعام:35]. قراءة في كتاب أيسر التفاسير هداية الآيات هداية هذه الآيات نسمعكموها، أربع هدايات تأملوا فيها: [ أولاً: ثبوت بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم ]، فالرسول بشر، فكيف ثبتت بشريته؟ لأنه يكرب ويحزن، فهذا بشر أم ملك؟ ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ )[الأنعام:33]، يقع في الحزن. [ أولاً: ثبوت بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذا هو يحزن لفوت محبوب كما يحزن البشر لذلك ]، كما يحزن الناس لذلك. [ ثانياً: تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله على الصبر حتى يأتيه موعود ربه بالنصر ]، وصبر ثلاثاً وعشرين سنة وجاء النصر. [ ثالثاً: بيان سنة الله في الأمم السابقة ]، فالتكذيب والعناد والوقوف في وجه الدعوة هذا شأن الأمم السابقة، ( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا )[الأنعام:34]. [ رابعاً: إرشاد الرب تعالى رسوله إلى خير المقامات وأكمل الحالات بإبعاده عن ساحة الجاهلين ]، ( فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ )[الأنعام:35]، وعلى كل مؤمن ومؤمنة ألا يكون مع الجاهلين في فسقهم وظلمهم وفجورهم وخطئهم وباطلهم، وبهذا يجب أن نجتمع على كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم في بيوتنا وبيوت ربنا؛ حتى نخرج من هذه المحنة فتنة الجهل والعياذ بالله تعالى. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________________
|
#724
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة الانعام - (3) الحلقة (370) تفسير سورة المائدة يرسل الله عز وجل الرسل وينزل معهم الكتب لتبليغ شرعه سبحانه للناس، لكن سنة الله التي لا تتبدل أنه لا يقبل هذه الدعوة كل أحد، ولا يذعن لها كل المدعوين، فمن كان قلبه حياً قبلها وانتفع بها، أما من كان أصم لا يسمع وأبكم لا ينطق فإنما يعيش في ظلمات الكفر وحاله كحال الميت الذي لا ينتفع بدعوة ولا ذكرى، وهؤلاء وأولئك داخلون تحت مشيئة الله، فمن أراد له الله الهداية اهتدى، ومن أراد له الضلالة هلك في مهاوي الردى. تفسير قوله تعالى: (إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، وها نحن نستمع إلى تجويد الآيات الثلاث التي ندرسها إن شاء الله. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ * وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )[الأنعام:36-39]. الاستجابة للحق لا يكون إلا ممن يسمعون معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ )[الأنعام:36]، إي والله، إنما يستجيب لدعوة الحق ويقبلها ويأخذ بها الذين يسمعون، أما الذين لا يسمعون فأولئك الذين يدخلون أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا، أولئك الذين يستغشون ثيابهم حتى لا يسمعوا، أولئك الذين إذا سمعوا صوت الحق أو كلمته أدبروا وأعرضوا، ما يريدون أن يسمعوا، فهؤلاء لا يستجيبون، فلا تأسف يا رسولنا ولا تكرب ولا تحزن عليهم.(إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ )[الأنعام:36]، والسماع بواسطة هذه الحاسة أو الآلة: الأذنين، ولو شاء الله ما سمع أحد، ولكن وهبنا الله هذه الآلة التي نسمع بها، فإذا أراد المرء أن يسمع سمع، ولكن إذا أبى أن يسمع كره كلام المتكلم؛ لتعارضه مع مصالحه وفوائده، فهذا لا يستجيب أبداً، فادع أنت بأعلى صوتك: أيها الناس! توبوا إلى الله إلى ربكم. فالذين يسمعون النداء لأنهم متهيئون وليس هناك موانع ولا حجب تحجبهم سيستجيبون لك، والذين لا يسمعون لإعراضهم وكبرهم وعدم رغبتهم في الدعوة الإسلامية، هؤلاء لا يستجيبون، فلا تتألم ولا تحزن ولا تكرب. فحصر الله تعالى استجابة دعوة الداعي فيمن يسمعونه، أما الذين فقدوا حاسة السمع بمكرهم وكفرهم وخداعهم وباطلهم؛ فهؤلاء لا يستجيبون ولو ظللت يومك كاملاً تقول: أيها الناس! أنقذوا أنفسكم، زكوا أرواحكم، هذبوا عقولكم، لا يستجيبون. تشبيه حال المعرضين عن سماع الحق بالموتى فبهذا خفف الله تعالى عن رسوله ألم النفس الذي يلحقه من إعراض المتكبرين واستكبار المشركين: ( إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ )[الأنعام:36]، فالذين لا يسمعون في الحقيقة هم الموتى، ضع ميتاً بين يديك وناده: يا فلان ثلاثاً أو سبع مرات فإنه لا يستجيب؛ لأنه ميت.والذين أعرضوا عن الحق وتعمدوا الإعراض؛ لأنه تنافى مع ما هم عليه من الباطل والشر شأنهم شأن الموتى، فهم موتى وسوف يبعثهم الله ويحاسبهم ويجازيهم. (وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ )[الأنعام:36]، أي: يرجعهم الملائكة ويقودونهم إلى ساحة فصل القضاء، فالجملة -كما بينت لكم- فيها تخفيف عن رسول الله، وعن كل مؤمن يدعو إلى الله ويعارض، ولا يسمع له ولا يستجاب لدعوته، فليذكر هذا ليخف ألمه عن نفسه، إذ الذين يستجيبون هم أهل السمع المتهيئون لأن يسمعوا الحق والخير ويقبلوه، والموتى لا يستجيبون، ومصيرهم أن يحشرهم الله إليه ثم يجمعوا إلى ساحة فصل القضاء ليلقوا جزاءهم، فاتركهم لذلك. وقوله تعالى: ( وَالْمَوْتَى )[الأنعام:36] فيه لطيفة: هي أن الذي لا يسمع الحق ويعرض عنه كالميت؛ لأن الميت -والله- لا يسمع أبداً، أما الحي فالمفروض أنه يسمع، فإذا كان لا يسمع وأنت تصرخ في وجهه وتدعوه إلى الحق والخير والفضيلة وهو مكب على الباطل والرذيلة فإنه ميت. (وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ )[الأنعام:36] من قبورهم، ثم يساقون ويجمعون في ساحة فصل القضاء ليجزيهم الله عز وجل على كفرهم وشركهم وعنادهم، هكذا يسلي الله تعالى رسوله، ويبين للمؤمنين هذه الحقيقة، فالذي لا يسمع نداء الحق والخير اعتبره من الأموات؛ إذ لو كان حياً لكان يسمع، واتركه إلى الله فسوف يحشره الله عز وجل في ساحة فصل القضاء ويرجع إليه ويجزيه بما هو أهل له، هذا معنى قوله تعالى: ( إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ )[الأنعام:36]. تفسير قوله تعالى: (وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه...) ثم قال تعالى: ( وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ )[الأنعام:37]، من القائل هنا؟ المشركون، أبو جهل وعقبة بن أبي معيط والأخنس بن شريق ، أولئك الطغاة العتاة، ( وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ )[الأنعام:37]، وبذلك نؤمن ونتبعه ونمشي وراءه، أما إذا لم يعط الآية وما شاهدناها فلا نؤمن، والمراد من الآية كأن يحيي لهم ميتاً، أو أن يروا الملائكة ينزلون وهم يشاهدونهم، أو يأتيهم بخارقة من خوارق العادات التي تعجز الناس عادة، وبذلك يقولون: نؤمن، والله يعلم أنهم لا يؤمنون.(وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ )[الأنعام:37]، بمعنى: هلا أنزل عليه آية من ربه، كما كانت تنزل على أنبياء ورسل من قبله. معنى قوله تعالى: (قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون) فعلم الله تعالى رسوله الجواب كيف يرد عليهم، فقال لهم: ( قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً )[الأنعام:37]، ما هو بعاجز أبداً، ( إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً )[الأنعام:37]، ولو كانت كوكباً من السماء ينزل إلى الأرض، أو الملائكة يشاهدونهم، أو ينادي أهل القبور فيأتون أحياء يمشون، وقد طالبوا بانشقاق القمر فانشق القمر.(وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ )[الأنعام:37]، وهذا هو السر والحكمة في عدم استجابة الله لهم، ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ )[الأنعام:37]، لو كانوا يعلمون لعلموا أولاً: أنهم إذا نزلت الآية ولم يؤمنوا يهلكون ويدمرون كما هي سنة الله، فلو كانوا يعلمون الحكمة في عدم إنزال الآية ما طالبوا بها، ولكن جهلهم هو الذي حملهم على أن يطالبوا بهذه المطالب. ثانياً: لو كانوا يعلمون الحكمة والسر في عدم إنزال الآية لعلموا أن الله عز وجل يبعث رسوله وينزل عليه كتابه ويأمره بالبيان والبلاغة والدعوة إليه، فمن استجاب فزكى نفسه وطيبها وطهرها بالإيمان والعمل الصالح فاز بولاية الله وكرامته، وأسكنه الله فسيح جناته، ومن استكبر وآثر الدنيا والشهوة وأعرض اسودت نفسه وخبثت روحه وكان من أهل الجحيم والعياذ بالله. لكن هم لا يعلمون هذا، ولهذا قال تعالى: ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ )[الأنعام:37]، كلهم لا يعلمون، ولكن من باب الاحتراز قال: (أكثرهم)، فقد يكون بينهم من يعلم شيئاً من هذا. عظيم جهل المشركين في طلب الآيات الكونية وإعراضهم عن الآيات القرآنية (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ )[الأنعام:37]، هم يؤمنون بالله رب محمد والعالمين ورب البيت العتيق، وهذه المطالبة كانت ليصروا على كفرهم وشركهم وعنادهم، وحتى يصرفوا الجهلاء والعوام والأتباع عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ هذا الكلام يقوله بعضهم لبعض؛ حتى لا يؤمن أحدهم ولا يستجيب، فقالوا: ( لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ )[الأنعام:37]، لو كان كما يدعي أنه رسول الله وأنه لا إله إلا الله؛ فهلا أنزل عليه آية تدل على ما يقول؟ وسبحان الله! إن الآيات القرآنية النازلة أعظم من الآيات المطلوبة؛ لأن الآية المطلوبة أن تنشق السماء أو ينزل مطر أو ينطق ميت ثم تنتهي بعد ساعة، لكن آيات القرآن خالدة، كيف يكون لأمي لا يقرأ ولا يكتب أن يتكلم بهذا الكلام، ويتلقى هذه العلوم والمعارف؟ إنها ليست من عنده، بل من الله.فكيف لا يكون نبياً ورسولاً؟ كيف يطلب الحجة على أنه رسول الله وهو يتكلم بكلام والله يأمره ويقول: (قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ ) [الأنعام:109]، ولكن من كتب الله شقوتهم وضلالهم لا يستجيبون، بل يعاندون ويكابرون حتى يموتوا على كفرهم وعنادهم وشركهم. (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ )[الأنعام:37] يا رسولنا، قل لهم: ( إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً )[الأنعام:37]، ما هو بعاجز أبداً، الذي رفع السموات فوق بعضها، الذي أوجدهم وأطعمهم وسقاهم وجعل لهم أسماعاً وأبصاراً وقلوباً هل هو عاجز عن أن ينزل آية؟ وآياته في الكون كله ظاهرة، ليرفعوا رءوسهم إلى السماء فيشاهدوا الشمس والقمر والكواكب، ولكنه الجهل: ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ )[الأنعام:37]، فأكثر المعاندين والمجادلين والمخاصمين والمحافظين على الباطل وعلى الفساد والشر أكثرهم -والله- لا يعلمون العلم الحقيقي، العلم الذي هو أسرار وحكم الله عز وجل في خلقه وعباده. تفسير قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ...) ثم قال تعالى: ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ )[الأنعام:38]، هذا خبر من أخبار الله تعالى، يقول عز وجل: ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ )[الأنعام:38]، والدابة كل ما دب دبيباً على الأرض، أسرع في مشيه أو تباطأ، يدخل في هذا الإنسان والحيوانات التي تمشي على الأرض.(وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ )[الأنعام:38] في الملكوت الأعلى في السموات، في الكون كله ( بِجَنَاحَيْهِ )[الأنعام:38] احتراس؛ لأن العرب يقولون: طار فلان ويطير فلان مبالغة في سرعته، فأعلمهم أن الطائر الذي يطير بجناحيه، ويدخل فيه أنواع الطير على اختلافها، وهي أنواع وأمم، انظر إلى العصافير وانظر إلى الغربان والبازات، كل هذه الطائرة وكل هذه الدابة على الأرض ( أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ )[الأنعام:38]، والأمم: جمع أمة، والأمة ما يجمعها وقت واحد، أو يجمعها لسان واحد، أو يجمعها إقليم وأرض ومكان واحد، يقال فيه: أمة. فارفعوا رءوسكم وانظروا إلى الكون، افتحوا أعينكم وأبصاركم في هذا الخلق العظيم، ومن ثم تستحون أن تقولوا: لو أنزل الله عليه آية وهذه الآيات كلها بين أيديكم. (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ )[الأنعام:38] تدب وتمشي من إنسان أو حيوان، ( وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ )[الأنعام:38] في السماء ( إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ )[الأنعام:38]. يتبع
__________________
|
#725
|
||||
|
||||
![]() من تكون لها الرسالة من أمم الأرض وهنا سؤال: هل يرسل الله تعالى إلى تلك الأمم رسلاً يدعونهم إليه ويعرفونهم به ليعبدوه وحده؟ أما الإنس فهذا أمر مقطوع به، وهذا رسول الله وهذا كتاب الله، أما الجن فلم يرسل الله تعالى إليهم رسلاً بمعجزات، ولكن يرسل إليهم من ينذرونهم، وهم النذر، يفهمون عن عيسى وموسى أو نوح ويبلغون إخوانهم من الجن، ويعلمونهم ما يعمله الآدميون بواسطة نبيهم أو رسولهم، وهذا دل عليه القرآن الكريم في آخر سورة الأحقاف: ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ )[الأحقاف:29-32]. أقول: يجب أن نعلم أن عالم الإنس يرسل الله تعالى فيهم الرسل، وقد بلغت الرسل ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، والأنبياء عشرات الآلاف، والجن عالم وأمة من أمم خلق الله، هؤلاء يأتيهم الحديث والنبأ والخبر والعلم من طريق الرسول الذي يرسله الله في البشر، إخوانهم ينقلون عنه ويبلغونهم. وأما الدواب -الطير في السماء، والحيتان في الماء، وباقي الحيوانات على الأرض- فالذي نعلمه يقيناً أنها تسبح الله عز وجل: ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ )[الإسراء:44]، والتسبيح تنزيه الله وتقديسه عن كل النقائص وعن الإشراك به والعياذ بالله، ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ )[الإسراء:44]، فالحيوانات تسبح الله عز وجل. لكن كيف وصلها ذلك؟ هل هي غرائز غرزها الله فيها؟ هذا معقول، أن يكون فطرها على هذا، وإن شاء الله عَلََّم منها من شاء من جنسها وبلغها. جمع الله الحيوانات يوم القيامة وتصييره لها تراباً بعد القصاص بينها والذي يجب القطع به أن هذه الحيوانات أمة من أمم الخلق مثلنا، وسوف تجمع يوم القيامة ويقتص منها، ولهذا تحرم أذية الحيوان، لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يؤذي حيواناً من الحيوانات إلا ما أذن فيه الشارع مما هو ضار مؤذ، فهذا يقتل ولكن قتله لا يكون بصورة بشعة كالتمثيل به مثلاً أو قطع بعض أجزائه، بل بالقتل، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة )، وعلمنا أن الله تعالى: ( يقتص من الشاة القرناء للشاة الجماء ) التي ليس لها قرن، فكل هذه الدواب وهذه المخلوقات تحشر في ساحة فصل القضاء ويجزي الله تعالى المحسنين ويعاقب المسيئين.وهل تدخل الدواب الجنة دار النعيم أو النار دار العذاب؟ الجواب: بعدما يتم فصل القضاء ويقتص للضعيف من القوي يقول الله تعالى لتلك الأمم: كوني تراباً. فتتحول كلها إلى تراب، لا يبقى أسد ولا ثعلب ولا ذئب ولا طير ولا أحد، ودليل ذلك قول الله تعالى من آخر سورة النبأ: ( يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا )[النبأ:40]، حين يشاهد تحول تلك الحيوانات المخلوقات العظيمة إلى تراب يتمنى لو كان مثلها. أما الإنس والجن فهم يدخلون الجنة ويدخلون النار بأجسام عرفنا الرسول بها، أجسام خلقها الله لذلك العالم، عالم الخلد والبقاء. إذاً: ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ )[الأنعام:38] في السماء، ( إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ )[الأنعام:38]، في ماذا؟ في الأكل والشرب، في المرض في الصحة، في قبول الحق في الإعراض عنه أمثالكم. معنى قوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) ثم قال تعالى: ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ )[الأنعام:38]، والتفريط: الإهمال والترك وعدم المبالاة بالشيء، ما فرطنا في الكتاب الذي هو كتاب المقادير، الذي هو اللوح المحفوظ، الذي هو الإمام المبين، كتب فيه الشقاوة والسعادة، وكتب فيه الأشقياء والسعداء، وكتب فيه عوامل السعادة وعوامل الشقاء، أسباب الشقاء وأسباب السعادة، كل هذا مكتوب مدون محصى قبل أن يخلق الله الإنس والجن، وسوف يتم الجزاء بحسب ذلك الكتاب اللوح المحفوظ والإمام المبين.ثم هنا لطيفة أخرى: قد يراد بالكتاب القرآن العظيم، نعم ما فرط الله عز وجل في القرآن من شيء تحتاج إليه العقول أو الأفكار أو الفهوم أو الأبدان إلا وبينه تعالى، إما بالتنصيص عليه أو بالإشارة إليه أو بالقياس عليه، لا يوجد شيء تفتقر إليه البشرية من أجل تزكية نفوسها أو إصلاح أعمالها أو دنياها ولم يشر إليه تعالى في القرآن، وبالتتبع ظهر هذا، لا توجد عبادة من شأنها تنقية النفس ولا عمل من شأنه إصلاح البدن إلا وفي القرآن ما يشير إليه ويذكره، فلهذا صارت هذه الجملة صالحة لكون المراد اللوح المحفوظ الكتاب المبين، وللقرآن العظيم. ولك أن تقول: ما فرط الله في كتابه القرآن من شيء، كل ما تحتاج إليه الأمة موجود مبيّن يعرفه من عرفه ويجهله من جهله، وهذا فضل الله تعالى وإنعامه علينا والحمد لله. معنى قوله تعالى: (ثم إلى ربهم يحشرون) ثم قال تعالى: ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )[الأنعام:38]، ثم إلى خالقهم ومالك أمرهم ومدبر حالهم -وهو الله- يحشرون كلهم: الإنس، والجن، والحيوانات على اختلافها وتنوعها، الكل يحشر إلى الله، من يحشره ويجمعه؟ الملائكة المكلفون بالحشر والجمع، هم الذين يرجعون بالناس إلى ربهم، هذا الحشر، هذا الجمع في ساحة فصل القضاء ليتم القضاء والحكم العادل بين تلك الخلائق إنسها وجنها وحيواناتها.ولا تنسوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين هذا في غير حديث، من ذلك: أن الله يقتص للشاة القرناء من الشاة الجماء التي لا قرن لها، ثم يقول بعد ذلك لتلك العوالم من الحيوانات: كوني تراباً فتكون تراباً. دلالة حمل الكتاب في الآية الكريمة على القرآن الكريم فلنتأمل قوله تعالى: ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )[الأنعام:38].وهنا إذا قلنا: الكتاب هو القرآن فمعناه أنه لم تبق حجة لإنسان يحتج بها على الله يوم القيامة إذا هو قرأ القرآن وآمن به، ويقول: ربنا ما بينت لنا كذا، أو ما علمتنا كذا. فكل ما من شأنه تزكية النفس وتطهيرها موجود في القرآن، وكل ما من شأنه أن يحفظ الجسم الآدمي سليماً والعقل البشري كذلك في القرآن، فجميع محاب الله وما يأمر به هو لتزكية النفس والحفاظ على الجسم والعقل والبدن، وكل ما حرم الله من السحر، والغش، والخداع، والقتل.. كله من أجل الحفاظ على تزكية النفس وتطهيرها، فما فرط الرحمن في القرآن من شيء. تفسير قوله تعالى: (والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات ...) ثم قال تعالى: ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ )[الأنعام:39] يعني: بعد هذا البيان كله فالذين كذبوا بالآيات هم الصم الذين لا يسمعون، البكم الذين لا ينطقون، العمي الذين لا يبصرون؛ لأنهم يمشون في الظلام، والماشي في الظلام هل يهتدي إلى شيء؟ لا يهتدي. آية البقرة قالت: ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ )[البقرة:18]، وهنا قال: ( صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ )[الأنعام:39] من باب تلوين العبارة، فالماشي في الظلام لا يشاهد شيئاً، وقد فقد سمعه فهو لا يسمع ونطقه فهو لا ينطق، ويضاف إلى ذلك أنه لا يرى شيئاً، وإلا فكيف يكفر الإنسان بربه؟ هو يعلم أنه مخلوق، يعلم أن الله عز وجل هو الذي أوجد له هذه الأقوات التي يأكل ويشرب، هو الذي أوجد له هذه الأرض عليها يسكن، هو الذي رفع السماء فوقه، فكيف يجحده وينكره؟ كيف يتأتى؟ ولكن التكذيب الذي ينشأ أولاً عن الجهل، ثم عن الاغترار والتقليد الأعمى، واتباع أصحاب الهوى، فإذا كذب وعرف بين الناس بأنه ينكر هذا الدين أو هذه الملة أو هذا الخلق؛ فحينئذ يفقد سمعه، تتكلم معه طول الليل فلا يسمع صوتك، يفقد لسانه فلا ينطق بمعروف أبداً، أبكم لا يستطيع أن يقول: يا بني فلان، أو يا فلان! الحق كذا وكذا. ثم هو يمشي في الظلام لا يعرف الحق ولا يهدي إليه غيره؛ وذلك لتكذيبه. ماذا قال تعالى؟ قال: ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا )[الأنعام:39] القرآنية التنزيلية، وآيات الله الكونية العلوية والسفلية؛ إذ كل كائن آية على وجود الله، البعوضة دلالة على وجود خالقها، السمكة في بطن البحر وعمقه من خلقها؟ من أوجدها؟ من غذاها؟ لا بد أن تقول: الله، فالمحنة كما كانت أولاً في الجهل هي الآن في التكذيب، المكذب من هو؟ الذي يعرف الحق وينكره، هذا التكذيب، يعرف ما تقوله أنه حق، ويقول: هذا كذاب فلا تسمعوا له. فهذا المكذب هو بمثابة الأصم الذي لا يسمع كلمة، والأبكم الذي لا يقوى على النطق بحرف واحد، والأعمى الذي لا يبصر أو الماشي في الظلام الذي لا يشاهد شيئاً. عاقبة الجهل والتكذيب بالحق معاشر المستمعين والمستمعات! عرفتم الجهل والتكذيب، البلاء والشقاء كله من هاتين الفتنتين: الجهل: وهو عدم معرفة الأسرار والحقائق والأحكام، هذا من شأنه أن يجعل العبد يتكبر ويعرض ولا يسمع، ولكن التكذيب أعظم من ذلك، إذا كذّب الإنسان بالشيء فإنه لا يستجيب، ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ )[الأنعام:39] ظلمات الحياة، بمعنى إنهم عميان لا يبصرون.ومرة ثانية: لماذا يكذب الإنسان؟ أنا أخبركم أننا في المسجد النبوي، فهل هناك من يقول: لا؟ فالذي يكذب يقول: أنت تكذب، ما أنت في المسجد النبوي! لفائدة، لمصلحة، لغرض يتعلق به، هذا المكذب -والعياذ بالله تعالى- يفقد سمعه وبصره ولسانه، لا ينطق بالحق أبداً؛ لأنه كذب فكيف يعترف به؟ يفقد بصره فما يرى شيئاً كأنه في الظلام، ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ )[الأنعام:39]، فالتكذيب: هو إنكار الحق الثابت من أجل صرف الناس عنه، أو تحقيق فائدة ومصلحة للمكذّب. فهذا الذي يصاب بهذا الداء -داء التكذيب- مثله مثل الأصم الأعمى الأبكم، لا يقول كلمة الخير أبداً، ما يعرف أن ينطق بها، فاقد حاسة النطق، لا يبصر ولو عرض عليه الكون كله، لا يشاهد والعياذ بالله تعالى، هكذا يقول تعالى: ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ). معنى قوله تعالى: (من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) وأخيراً يقول تعالى: ( مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ )[الأنعام:39] رد الأمر إليه عز وجل، من يشأ الله إضلاله أضله، بيده الهداية وبيده الإضلال، ثق في هذا واطمئن، من يشأ الله أن يضله أضله، فيصبح لا يسمع ولا يبصر ولا يرى، في متاهات لا يسمع كلمة الحق ولا ينطق بها، ولا يبصر آية من آيات الله الدالة عليه؛ لأن الله أراد إضلاله: ( مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )[الأنعام:39].معاشر المستمعين! أريد أن أقول: الهداية والإضلال بيد الله، فهو الخالق المدبر للكون والحياة، من شاء إضلاله أضله، ومن شاء هدايته هداه إلى الصراط الموصل إلى سعادته ونجاته. وهنا ما الذي ينبغي أن ننتقل إليه بعدما علمنا أنه لا يملك الهداية والإضلال إلا هو؟ والله العظيم إنه لهو الذي بيده الهداية وبيده الإضلال، كما بيده أن الموت وبيده الحياة على حد سواء. ثانياً: إذا آمنا بهذا واطمأنت إليه نفوسنا يجب أن نطلب الهداية منه ونستعيذ به من الضلال، نطرح بين يديه في كل صلاة وفي كل سجود، نسأله هدايتنا ونستعيذ به من إضلالنا؛ لأنه يملك الإضلال ويملك الهداية، هذه الثانية، وهي بعد اعترافنا بأن الهداية والإضلال بيد الله، يجب أن نعرف أن للهداية أسبابها وللإضلال أسبابه. ويجب أن نطلب الهداية من الذي يملكها، وأن نستعيذ به من الإضلال الذي يملكه، ومعنى هذا: أنه لا بد من الافتقار اللازم للعبد، فلا تستغن أبداً عن الله. الهداية لها أسباب، فما أسبابها؟ أن تصغي، أن تسمع، أن تستخدم حواسك وتنظر، أن تجرب فتظهر لك النتيجة فتحصل على هدايته، تسأل فقط: أنا أريد مكة فدلوني على الطريق، فيقال لك: خذ كذا وكذا ولا تلتفت إلى كذا وكذا؛ لأنك راغب في الهداية. والذي يطلب الضلال ويعرض عن الهداية يسلك سبل الضلال: الكذب، والجهل، والعناد.. هذه كلها عوامل إضلاله، فلا تفهم أن الله عز وجل يضل مهتدياً أبداً، أو طالب هداية يحرمه لأنه قادر على إضلاله! ما قرع باب الله أحد يريد الهداية إلا هداه، ما طلب إنسان الهداية إلى الصراط المستقيم إلا هداه الله إلى ذلك، ومن أعرض واستكبر وعاند وأعرض ضل بسبب إعراضه واستكباره وعناده وتكذيبه. هكذا يقول تعالى: ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ) كيف يهتدون؟ ( مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )[الأنعام:39]. تسلية الرسل والدعاة إلى الله تعالى في حزنهم لإعراض المدعوين عن الحق أخيراً: هذه تعزي المؤمنين والدعاة وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يكربوا ويحزنوا؛ لعلمهم أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، من كتب الله ضلاله فلن يهديه، ومن كتب هدايته فلن يضله، ولكن لا بد من أن تقرع باب الله وتسأله الهداية، ولا بد أن تستعيذ به من الضلال.هذا والله تعالى أسأل أن ينفعنا دائماً وإياكم بما ندرس من كتاب الله ونسمع. وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________________
|
#726
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) الحلقة (371) تفسير سورة المائدة (4) كان العرب في الجاهلية يؤمنون بالله عز وجل رباً، ويلجئون إليه في الشدائد والملمات، أما حين يكونون في حال من اليسر والأمن انشغلوا بعبادة الأصنام والأوثان، وقد عاب الله عز وجل عليهم هذا الفعل، مخبراً إياهم أنه إنما يبتلي عباده ليتضرعوا إليه، ويتذللوا وينكسروا بين يديه، فمن تاب وآب قبله الله، ومن استبد به شيطانه، واستمر في طريق الغواية أملى له الله سبحانه وفتح عليه من خير الدنيا، حتى إذا فرح بها واطمأن إليها أخذه الله بغتة، ومن أخذه الله لم يفلته. تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). وها نحن مع سورة الأنعام المكية التي تعالج أصول العقيدة: التوحيد، النبوة المحمدية، البعث الآخر والجزاء على الكسب في الدنيا، إما بالجنة دار النعيم، وإما بالنار دار البوار والعذاب الأليم. وها نحن مع هذه الآيات فليتفضل الابن بتلاوتها ونحن مصغون مستمعون، نسأل الله أن ترق قلوبنا ونحصل على أجر ومثوبة. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )[الأنعام:40-45]. معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ )[الأنعام:40] من الآمر؟ الله جل جلاله، فالقائل الله عز وجل، والمأمور رسول الله صلى الله عليه وسلم، الله يأمره أن يقول حتى يقرر مبدأ لا إله إلا الله: ( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ )[الأنعام:40] أيها العادلون بربكم أصناماً وأحجاراً وتماثيل، أخبروني ) إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ )[الأنعام:40] بالقحط والجدب، بالأوبئة والأمراض، بالصواعق وألوان العذاب ( أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ )[الأنعام:40] ساعة الموت، حشرجت النفس وغرغرت، ساعة القيامة ونهاية الحياة، في هذه الحالة ( أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ )[الأنعام:40]؟ والله لا تدعون إلا الله. وهذه حال العرب المشركين، قد يختلفون مع بعض الأمم، فالعرب والمشركون سكان هذه الجزيرة كانوا يؤمنون بالله رباً لا رب غيره، وكانوا يلجئون إليه ويدعونه عند الشدائد، ولكن إذا كانوا في حال يسر وخير ينشغلون بالتماثيل والأصنام. فها هو تعالى يقول لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: ( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ )[الأنعام:40] أي: أخبروني ( إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ )[الأنعام:40] والعذاب ألوان وأنواع كما بينا: مرض عام، فقر، قحط، حرب، ( أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ )[الأنعام:40] الساعة هي ساعة القيامة أو ساعة الموت أيضاً، ( أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ )[الأنعام:40] وتستغيثون، وتبكون، وترفعون أيديكم (إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ )[الأنعام:40]؟ الجواب: لا يدعون مع الله يومها غير الله. ذكر خبر إسلام عكرمة بن أبي جهل لاستغاثة راكبي السفينة بالله خشية الغرق ولنذكر تلك اللطيفة التي رويت عن عكرمة بن أبي جهل ، ورضي الله عن عكرمة ولعن أبا جهل ، لما فتح الله على رسولنا مكة ودخلها بجيشه الغازي الفاتح فر غلاة الظلمة، ومن بينهم -كما تقول الرواية- عكرمة ، فنزل على ساحل البحر الأحمر يريد الخروج من الجزيرة، فوجد سفينة أوشكت على الإقلاع، فركب، ولما توسطت السفينة البحر قال الملاح: أيها الركاب! ادعوا ربكم، أخلصوا له الدعاء لينقذكم من الغرق، فأخذوا يدعون: يا ربنا! يا إلهنا! يا رب إبراهيم! يا رب العالمين! ولم يذكروا اللات ولا العزى ولا مناة ولا هبل، ففكر عكرمة وقال: هذا الذي هربت منه يلحقني حتى في البحر؟ والله لترجعن بنا إلى الساحل، وأمشي إلى محمد وأسلم بين يديه. صور وقصص من شرك بعض المسلمين في حال الشدة وهذه الحقيقة واضحة عندنا كالشمس، مشركونا لجهلهم لا يخلصون الدعاء لله وحده في الرخاء ولا في الشدة، والمشركون من العرب يخلصون لله الدعاء في الشدة ويشركون في الرخاء، وآيات القرآن في هذا كثيرة وواضحة، آيات القرآن المثبتة أن المشركين كانوا يستغيثون بالله ويفزعون إليه في حال الشدة، ولا يدعون اللات ولا هبل ولا إلهاً آخر، أما عوامنا وضلالنا في فترة سبعمائة سنة فكانوا يشركون في حال الشدة والرخاء على حد سواء، وقد قلت لكم: كانت المرأة تمسك بحبل الوضع في الولادة وهي تقول: الله يا سيدي فلان! فهل هناك موقف أصعب من هذا؟ وسفينة الحجاج التي ركب فيها الشيخ محمد عبده رحمة الله عليه مبحرة من طرابلس في طريقها إلى الإسكندرية، وهي تحمل الحجاج أيام الدولة العثمانية، يقول: اضطربت السفينة وخافوا الغرق، فأصبحوا يرفعون أصواتهم: يا رسول الله! يا بدوي ! يا سيدي فلان! يا سيدي فلان! وبينهم رجل معلم بصير، فما تمالك نفسه حتى قام ورفع يديه وقال: اللهم أغرقهم فإنهم ما عرفوك! وماذا يفعل غير هذا؟ في حال الموت ما عرفوا الله! وذكرت لكم حادثة السيارة التي خاف صاحبها أن تنقلب وهو من إخواننا الموحدين، لكن دخله التوحيد على كبر سنه، وإذا به يقول: يا ألله، يا رسول الله.. يا ألله، يا رسول الله؛ خشية أن تنقلب، هذه صورة ومثلها ملايين. أمة أبعدوها عن هذا الكتاب، هذه الآيات ما عرفوها ولا سألوا عنها قط، فكيف -إذاً- تهتدي بدون هذه؟ كيف تمشي بدون نور وتهتدي؟ لا يمكن. إذاً: فلنستمع إلى هذه الآيات الست تقرر أنه لا إله إلا الله، لا أحد يدعى ولا يستغاث به ولا يستعاذ بجنابه ولا يطلب منه إلا الله في حال الخير والشر، والرخاء والشدة، في البأساء والضراء. (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ )[الأنعام:40] قل لهم، حدثهم ( أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ )[الأنعام:40] وقد عرفنا العذاب ألوانا وأنواعاً: فقر، مجاعة، قحط، عدو يتسلط عليهم، وباء يجتاح بلادهم، ( عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ )[الأنعام:40] ساعة القيامة أو ساعة الموت، في هذه الحالة حالة الشدة ( أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ )[الأنعام:40] لا والله لا يدعون إلا الله. تفسير قوله تعالى: (بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون) قال تعالى: ( بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ )[الأنعام:41] اسبقهم إلى الجواب، بل إياه جل جلاله وعظم سلطانه تدعون لا تدعون غيره ولا سواه؛ لأنكم تعرفون أنه لا يكشف كربكم ولا يزيل همكم وغمكم إلا الله، أما هذه التماثيل فلا قيمة لها.إذاً: ( بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ )[الأنعام:41]، يكشف ما تدعون إليه من الغم والكرب إن شاء، ما هو بمقهور أو ملزم ولا بد؛ لأنه يعذب بحكمة ويرحم بحكمة، يعطي بحكمة ويمنع بحكمة، فلهذا كان التقييد من ألطف ما يكون ( فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ )[الأنعام:41] أي: ما تدعونه لكشفه وإبعاد ما نزل بكم ( إِنْ شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ )[الأنعام:41]، لا يبقى في ذهنهم اللات، ولا العزى، ولا مناة، ولا سيدي عبد القادر، ولا العيدروس ، كل هذا يزول من آذانهم، إلا عند ضلالنا نحن فلا يزول أبداً، ولعل من الحاضرين من يشك في هذا الكلام! هل تتصور أن شخصاً يكذب على المسلمين في مسجد رسول الله؟ من جرب علينا كذباً منذ أربعين سنة؟ انزعوه من أذهانكم، إن لم يكن هذا هو الحق فما هو الحق؟ (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنسَوْنَ )[الأنعام:41] أنتم ( مَا تُشْرِكُونَ )[الأنعام:41] به، فما تقولون: يا هبل، ولا يا إبراهيم، ولا إسماعيل.. هذه حقيقة واضحة أم لا؟ المشركون العرب بخلاف مشركي النصارى أو غيرهم؛ لأن بعضهم يتصور الله في الشمس أو في القمر ويعبدهما، ولا يستغيث بالله ولا يعرفه، هذه أمة أخرى تتصور أن الله حل في جسم عيسى، فهم يدعون عيسى كأنهم يدعون الله، وهذا شرك هابط، شرك العرب الذي نزلت الآيات فيه شرك معقول، يؤمنون بخالقهم ورازقهم، ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ )[الزخرف:87]، ما ينكرون هذا أبداً، يحلفون بالله وينذرون له أيضاً، فشركهم أخف من شرك الذين ألهوا عيسى والذين يؤلهون الشمس والقمر والمخلوقات. يتبع
__________________
|
#727
|
||||
|
||||
![]() تفسير قوله تعالى: (ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون) ثم قال تعالى: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ )[الأنعام:42] يا رسولنا ( فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ )[الأنعام:42]، البأساء مؤنث البؤس والشدة، كالحرب، كالجوع، والضراء ما يضر ويهلك الأجسام والعقول من أنواع العذاب، فعلنا بهم ذلك لحكمتنا العالية، هم عبيدنا، لكن ابتلاءهم وامتحانهم لأجل صالحهم، سنتنا أننا بلوناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون إلينا، والتضرع هو التذلل والانكسار أمام الجبار بالصوت المنهزم، والهيئة المنهزمة، وقد بينا أيضاً في يوم من الأيام حول قوله تعالى: ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[الأعراف:55] وقلنا: إن العنز ربيناها وعشنا معها في قرانا، حين تلد الجدي تراه بعينيك يأتي وله نغم خاص يطلب اللبن ليرضع، فالعنز تدنوا من الجدي، والجدي تسمع له نغماً ورعدة وصوتاً، هذا الذي بينه تعالى، هذا التضرع، فلهذا دعاء الله ما هو بالعنترية، ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا )[الأعراف:55] أي: متضرعين، متذللين، مرتعدين، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أنا إذا دعوت عرفت أنه استجيب دعائي أو لم يستجب، فقيل لها: كيف تعرفين؟ قالت: إذا أخذتني الرعدة وسالت الدموع عرفت أن دعوتي استجيب لها.وهذا ربنا يدعونا إلى هذا: ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )[الأعراف:55]. إذاً: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ )[الأنعام:42] يا رسولنا، أمة نوح، أمة هود، أمة صالح، أمة إبراهيم .. ( فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ )[الأنعام:42] أي: بالبلاء والشقاء وبالعذاب امتحاناً لهم ( لَعَلَّهُمْ )[الأنعام:42] أي: كي ( يَتَضَرَّعُونَ )[الأنعام:42]، رجاء أن يتضرعوا، فما تضرعوا، والمفروض أنهم يتضرعون، فإذا تضرعوا رفع الله عنهم العذاب والبلاء. تفسير قوله تعالى: (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) يقول تعالى: ( فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:43]. فالمفروض فينا نحن -أبناء الإسلام- إذا أصابنا كرب، هم، غم أن نفزع إلى الله عز وجل، وأن نتضرع ونبكي وترتعد فرائصنا، وتوجل قلوبنا حتى يفرج الله ما بنا، لكن هذا الباب ما فتح، أغلق عن المسلمين، هل بلغنا أن أهل إقليم مصابون بكذا وكذا فزعوا إلى الله وتضرعوا وبكوا؟ ما فعلوا، حصل عندنا في هزات اليهود حين يضربون العرب، حيث كان في الزمان الماضي يفزع العرب إلى الله، ومن مظاهر ذلك: ترك الغناء والمزامير في الإذاعات، وتبقى فقط تبث ذكر الله والكلام الطيب، وما إن يعلن عن وقوف الحرب والمصالحة حتى تعود حليمة إلى عادتها القديمة، وضع سيئ كأننا لا نعرف كلام الله ولا كتاب الله. فربنا سبحانه وتعالى يقول: ( فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:43]، أي: فهلا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا وبكوا واطرحوا بين أيدينا وسألونا العفو أو النجاة؟ ولكن العكس هو الذي كان، حيث قست قلوبهم، لهذا لم يبكوا بين أيدينا ولم يسألونا، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون من الشرك والمعاصي والفسوق والظلم والكفر، الشيطان زين لهم ما كانوا يعملونه، فلم يتخلوا عنه ولم يتركوه مع أنهم أصابهم ما أصابهم. تفسير قوله تعالى: (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ...) قال تعالى: ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ )[الأنعام:44] الذي ذكرتهم به أنبياؤهم ورسلهم من وعيد الله ووعده نسوه، ( فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ )[الأنعام:44]، فالمياه تدفقت والأمطار والنباتات والزروع والضروع؛ لأنهم ممتحنون.(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ )[الأنعام:44] مما هو معروف بين الناس من المال، والذرية، والسلطان.. وقل ما شئت، ( حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا ([الأنعام:44] وزغردوا وولولوا، وصفقوا وعقدوا حفلات الرقص ( أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ )[الأنعام:44]. الواجب على العبد حال تقلبه في الرخاء والبلاء هذه الآية يقول عنها الحبر وغيره: إنها تبين لنا امتحان الرب لنا. فيا أمة الله، يا عبد الله! إن كنت في خير وعافية فإنك مبتلى، وإن كنت في شر وبلاء فإنك مبتلى، فاعرف كيف تعيش، إذا كنت في عافية ونعمة فأكثر من العبادة والطاعة والتضرع لله عز وجل والدعاء، لا تصرف تلك النعم في معاصي الله، ولا تشتغل بها فتنسى ذكر الله؛ فإنك مهيأ لأن تسلب من يديك، ثم تيأس -والعياذ بالله* وتبلس، وينقطع رجاؤك، وإذا كنت في بلاء فاعلم أن هذا البلاء له سبب هو الذنب، إذاً: فاصبر على طاعة الله، وواصل البكاء بين يدي الله وكلك صدق حتى يفرج الله تعالى ما بك، أما أنك في ساعة الرخاء تشتغل باللهو والباطل والغناء وتنسى ذكر الله، وإذا جاءتك المحنة والبلاء تفزع إلى غير الله، أو تصاب باليأس والقنوط وتعرض عن ذكر الله؛ فهذا لا يليق بالمؤمن ولا يفعله مؤمن حق أبداً. الخيرية الكلية في حياة المؤمن في السراء والضراء والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: ( عجباً لأمر المؤمن ) المؤمن بحق وصدق ( إن أمره كله له خير )، سواء أكان شراً أو خيراً، كله خير ( وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء ) حالة مسرة مفرحة، غنى وراحة وأمن وطمأنينة ( شكر فكان خيراً له )؛ ليبقى ذلك الخير، ( وإن أصابته ضراء ) من الضر والأذى ( صبر فكان خيراً له ).( عجباً لأمر المؤمن ) عجباً لأمر من؟ المؤمن، و(أل) تدل على الوصف المتين العريق، ما قال: عجباً لأمر مؤمن، بل قال: المؤمن، أي: الحق الثابت الإيمان ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير )، بيان ذلك: ( إن أصابته سراء شكر ) ما السراء؟ الحالة المسرة المفرحة التي تفرح وتسر، سواء صحة في بدن، أو مال في الجيب، عز في البلاد، كرامة.. قل ما شئت من أنواع السراء. ففي هذه الحالة ماذا يصنع المؤمن؟ يغني، يرقص، يكثر من الطعام والشراب، يتنقل في عواصم الدنيا يتبجح؟ أهذا هو المؤمن؟ إن المؤمن حينئذ يشكر بقلبه ولسانه، لا يفتأ يحمد الله على كل لقمة يأكلها، على كل خطوة يخطوها، شكر الله فامتثل أوامره في صدق واجتنب نواهيه في صدق كذلك، وهو لا يبرح أن يحمد الله ويثني عليه طول يومه وطول عامه، هذا كان خيراً له، تلك النعمة من صحة بدن، أو مال، أو جاه أنفقها في مرضاة الله، أنفقها في سبيل الله، ليزيد رضا الله عنه، فهو في خير. حال غير المؤمن في تقلبه في السراء والضراء ( وليس ذلك إلا للمؤمن )، غير المؤمن إذا حصل له دولة صال وجال وظلم وفعل كما نشاهد ونسمع، وإذا أصابه ذل انكسر وتحطم؛ لأنه فاقد البصيرة أعمى، ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ )[البقرة:18]؛ لأن الإيمان الحق هو بمثابة الروح للإنسان، المؤمن الحق حي والحي لا يسلك إلا مسالك الخير والرحمة والهدى، ويتجنب مسالك الشر والباطل والفساد؛ لأنه حي، وغير المؤمن ومن كان إيمانه لا يساوي شيئاً، إيمان عن تقليد وجهل، ما عرف الله ولا سأل عنه ولا بكى يوماً بين يديه، هذه الصور كالجنسيات. أذكركم بحادثة مضت، وهذه الحوادث هي عظات وعبر لمن يعتبر، قال كاتب في مجلة أو صحيفة منذ حوالي ثلاثين سنة: إنه لقي فتاة في جدة، فسألها عن جنسيتها فقالت: مصرية، قال: والتدين؟ قالت: أظنني مسلمة! فهل هذه مؤمنة؟ أهذا هو المسلم؟ بل بأذني سمعت خارج البلاد من بين إخواننا هنا من يقول: إنما هي أوقات محدودة، وسوف ترتقي ديارنا، ويزول الحجاب والعمى ويقع ويقع ويقع! والله بأذني سمعته، انتبهتم؟ يقول: إنما هو زمن، ولن تستمر المملكة هابطة هكذا، سيأتي يوم ليس فيه هذا الحجاب وهذا التستر ، فهل هؤلاء مؤمنون مسلمون؟ ما عرفوا الإيمان ما هو ولا الإسلام. يقول صلى الله عليه وسلم: ( عجباً لأمر المؤمن ) بحق ( إن أمره كله له خير )، بيان ذلك: ( إن أصابته سراء شكر )، بينوا لنا الشكر يرحمكم الله؟ هو الاعتراف بالنعمة بالقلب، والنطق باللسان: الحمد لله.. الحمد لله، وتسخير تلك النعمة في مرضاة الله، أعطيت ملايين الريالات فلا تنفق ريالاً واحداً في معصية الله أبداً، أعطيت صحتك وبدنك وكل هذه الطاقة فلا تمش خطوة واحدة في سخط الله، أعطيت بصرك فلا تفتح عينيك مرة واحدة في غير ما يرضي الله.. هذا هو شكر الله على نعمه. معنى قوله تعالى: (حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) يقول تعالى: ( حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا )[الأنعام:44] والذي آتاهم هو الله تعالى، أعطاهم من الخير والأمن، ( أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ) بدون علامات سابقة ( فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ )[الأنعام:44] آيسون قانطون، لاصقون بالأرض كلهم كروب وهموم، يقال: أبلس الشيء: إذ أيس وانقطع أو تهشم وتحطم. تفسير قوله تعالى: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) وختم الله عز وجل بيانه لعباده المؤمنين بقوله: ( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )[الأنعام:45].(فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا )[الأنعام:45] الظالمون قطع دابرهم، فأخْذ من وراءهم ومن أمامهم من باب أولى، بمعنى: لم يبق منهم شيء، آخرهم أخذ فكيف بالوسط والأول؟ ( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ )[الأنعام:45] ماذا فعلوا؟ ( ظَلَمُوا )[الأنعام:45]، ماذا تقولون في الظلم؟ هل ينجون؟ الظلم أعلاه الشرك بالله عز وجل، كل من صرف عبادة الله لغير الله فقد ظلم ربه وأخذ حق مولاه وأعطاه لمن لا يستحقه، كل من عبد غير الله بعبادة ولو كانت الدعاء فقط، أو الذبح فقط، أو النذر فقط، أو الاستغاثة فقط.. كل من وضع عبادة الله التي تعبد بها عباده وأنزل بها كتابه وبعث بها رسوله وصرفها لولي من الأولياء، لصالح من الصلحاء، لملك من الملائكة فقد ظلم؛ إذ الظلم -كما علمنا وتقرر عندنا- وضع الشيء في غير موضعه. فالعبادة التي شرع الله لتزكية النفوس وتطهير الأرواح هذه ليس من حق أحد أن يصرفها لغير الله عز وجل، إن صرفها لغير الله أظلمت نفسه وخبثت، وأنتنت وتعفنت، ولكن لا يرضى الله تعالى بهذا، أيخلقه ويرزقه ويغدق عليه نعمه، ثم يلتفت إلى غيره يدعوه ويرفع إليه يديه هكذا ويترك ربه؟ هذا ينبغي أن يقطع دابره. بهذا لا يبقى بيننا من يفكر في الظلم أو يحاول أن يظلم، وإذا خطر بباله خاطر الظلم استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وفزع إلى الله ولجأ إليه. درسنا الليلة عرفنا أن الله يمتحن ويبتلي بالسراء والضراء، لا تقل: نحن في خير وعافية والأموال كذا وكذا..وهذا دليل أنه مرضي عنا! والله ما هو إلا اختبار، فإن شكرنا دامت مدة النعمة، واستمر زمانها، ويوم نكفرها قد نمتحن فترة من الزمن -السنة والسنوات والعشر-، فإذا لم نرجع سلبت من بين أيدينا ولا ترد، إلا أن هذه الأمة لا تؤخذ بعذاب الاستئصال والإبادة الكاملة، لكن تؤخذ بألوان من العذاب، ومن مظاهر ذلك العذاب أن أذلنا وسلط علينا الكفار قرناً من الزمان وهم يسوسوننا، أليس هذا من عذاب الله؟ بلى. لزوم المؤمن حمد الله تعالى في سائر أحواله وأخيراً يقول تعالى: ( وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )[الأنعام:45] هذه الجملة تقال عند كل خير وغيره، عندما تتجلى وتظهر آيات الله، إنعامه، عذابه، قل: الحمد لله رب العالمين، شبعت فقل: الحمد لله، نزلت من على دابتك سليماً فقل: الحمد لله رب العالمين، بلغك أن إسرائيل أخذتها العواصف وغرق اليهود فقل: الحمد لله رب العالمين.. وهكذا كلما تجددت نعمة أو ظهرت نقمة من الله لخصومه وأعدائه تقول: الحمد لله رب العالمين، علمنا الله هذا؛ إذ قال تعالى: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )[الأنعام:45] على قطع ذلك الدابر، وإنهاء أولئك المجرمين، وكم من ظالم وجبار ومفسد بين العرب عاشرناهم نحمد الله إذ قطع دابرهم. نتلو الآيات مرة أخرى: ( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ )[الأنعام:40] لا يدعون غير الله ( بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ )[الأنعام:41] دعوه لرفع المرض، أو لكذا فيكشفه إن شاء ( وَتَنسَوْنَ )[الأنعام:41] في تلك الحالة ( مَا تُشْرِكُونَ )[الأنعام:41]، ما يبقى من يقول: سيدي عبد القادر، ولا مبروك. وهذا حال المشركين الأولين، أما جماعتنا فيزدادون شركاً أكثر، لأنهم جهال ما عرفوا، لقد أضلوهم. هذا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لولا الحرس ولولا البوليس والهيئة لرأيتهم يركعون ويسجدون كأنهم ما هم بمؤمنين، أما الاستغاثات فحدث ولا حرج: يا رسول الله! يا أبا فاطمة ! يا كذا افعل وافعل، وينسون الله نهائياً، وذلك للجهل وظلمته، حرموا هداية القرآن وأبعدوا عنها. (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ )[الأنعام:42]، والبأساء والضراء أنواع من العذاب. ( فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:43]، إذاً: ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ )[الأنعام:44] من الخير ( حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )[الأنعام:44-45]. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
__________________
|
#728
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة الانعام - (5) الحلقة (372) تفسير سورة الانعام يذكر الله عز وجل عباده في هذه الآيات بالنعم التي أنعم بها عليهم في أنفسهم، سائلاً إياهم عمن يمكنه أن يعوضهم عنها من المخلوقات إن أخذها الله منهم وحرمهم منها، وإن انتقم الله من أهل قرية أو أمة من الأمم فإنه لا يهلك إلا الظالمين المكذبين، وينجي الله المؤمنين من عباده، المصدقين بآياته ورسالاته، ويأتون يوم القيامة آمنين، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، سورة التوحيد، تلكم السورة التي زفت من الملكوت الأعلى بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، هذه السورة التي تعالج أركان العقيدة الضرورية: أولاً: توحيد الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، فلا رب غيره ولا إله سواه، ولا يشبهه كائن من الكائنات لا في صفاته ولا في أفعاله. ثم تقرير النبوة المحمدية، وهي: أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العدناني من ذرية إسماعيل بن إبراهيم رسول الله حقاً وصدقاً. ثالثاً: عقيدة البعث والجزاء، البعث من تحت الأرض للوقوف في ساحة فصل القضاء من أجل الحساب الدقيق ثم الجزاء الأوفى: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه )[الزلزلة:7-8]، هذه السورة بآياتها تقرر هذه الحقيقة، وها نحن مع هذه الآيات بعد أن نسمع تلاوتها من الأستاذ أبي بكر. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ * قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ * وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ )[الأنعام:46-49]. معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ )[الأنعام:46] من الآمر لرسول الله أن يقول؟ إنه الله جل جلاله، والآن نحن نسمع كلام الله، إي والله، ما أسعدنا، ما أرفعنا وأسمانا، وصلنا إلى أن أصبحنا نجلس فنسمع كلام الرب! وأعجب من هذا أن ملايين الخلق لا يسمعون كلام الله ولا يعرفونه. خطاب المعرضين عن ربهم ببيان عجز الأوثان عن رد ما ذهب الله تعالى به من أبدانهم يقول تعالى لرسوله ومصطفاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ( قُلْ ) لقومك العادلين بنا أصناماً وأوثاناً، قل لهؤلاء المشركين المعرضين عن الله: ( أَرَأَيْتُمْ ): أي: أخبروني، ( إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ ) ففقدتم السمع فأصبحتم لا تسمعون، وفقدتم البصر فأصبحتم لا تبصرون، ( وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ) فأصبحتم لا تعقلون ولا تفهمون، ولا يصل إلى قلوبكم شيء، أصبحتم كالأصنام وكالحجارة، إن فعل الله بكم هذا هل هناك من إله غير الله يأتيكم بهذه التي أخذت منكم؟ والله لا أحد. خطاب يصل إلى أعماق النفس، ما فيه تهيج، ولا فيه تنطع، ولا فيه إهانة، ولا فيه إذلال، فقط أخبروني إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم هل يوجد إله غير الله يأتيكم بذلك؟ والله لا يقول أحد: نعم يوجد إله عندنا يفعل بنا هذا، وقل هذا اليوم وبعد اليوم ولكل إنسان في الحياة ممن يعرضون عن الله عز وجل فلا يذكرون ولا يشكرون، قل لهم: أخبرونا أيها المعرضون، أيها الملاحدة، أيها العلمانيون، أيها الشهوانيون، أيها الماديون الذين لا تذكرون الله ولا تدعونه، ولا تستغيثون به، أخبرونا إن أصابك الله بفقد بصرك، والله لو اجتمعت أطباء الدنيا كلها ما ردوا بصرك، أو أخذ سمعك فأصبت بالصمم، والله لا يوجد من يرد إليك سمعك أبداً، أرأيت إن فقدت العقل وأصبحت كالمجانين تهرف بما لا تعرف، وتعمل ما لا تريد أن تعمل، هل هناك من يرد عليك عقلك؟ والله ما كان إلا الله، إذاً: لم لا نؤمن به ونعبده، ونتحبب إليه ونتملقه بفعل محابه واجتناب مكارهه؟ لا تقل: هذه نزلت في كفار مكة! فهذا كتاب الله للإنس والجن، لهدايتهم ما داموا على سطح الأرض، ولن يفقد هذا النور تأثيره إلا يوم يرفعه الله. (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ )[الأنعام:46]؟ الجواب: لا أحد، أولاً: لا يوجد إله حق مع الله، لا إله إلا هو، والآلهة المدعاة المفتراة المكذوبة سواء كانت من الملائكة، أو الإنس، أو من الأنبياء والرسل، أو من الصالحين، أو من الجمادات.. كل هذه لا تملك أن ترد سمعكم وأبصاركم، ولا أن ترد إليكم وعيكم في قلوبكم. (مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ )[الأنعام:46]؟ والله لا أحد. معنى قوله تعالى: (انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون) ثم قال لرسوله ومصطفاه: ( انظُرْ )[الأنعام:46] يا رسولنا ( كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ )[الأنعام:46]، يا للعجب! انظر كيف نلون الأساليب والعبارات، ونضرب الأمثلة المتنوعة لعلهم يرجعون، لعلهم يفيقون، لعلهم يصحون، ومع هذا هم يصدفون، يغلقون آذانهم ولا يسمعون! حالة تدعو إلى العجب.ونقتبس من نور الله فنقول: ما لإخواننا الذين انغمسوا في المعاصي بيننا يسمعون المواعظ والهداية والآيات والسنة من إذاعة القرآن، ما لهم صادفين معرضين عن بيوت الله وذكر الله، منهمكين في اللهو واللعب والباطل والشهوات، ما لهم وقد صرف الله الآيات، وها نحن نسمعها ليل نهار، لم نصدف ونعرض ولا نلتفت؟ تفسير قوله تعالى: (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون) ثانياً: قل لهم: ( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ )[الأنعام:47] أي: أخبروني ( إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ )[الأنعام:47] أي: أخبروني إن جاءكم عذاب الله عز وجل سواء بالإبادة والاستئصال أو بفقد السمع والبصر، أو بفساد القلب ( إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً )[الأنعام:47] وأنتم غافلون لا شعور ولا تأمل ولا فكر في نفوسكم، فجأة يأتي العذاب، أو يأتيكم بعدما تلوح آياته في الآفاق وعلامته بينكم، أو يأتيكم ليلاً وأنتم نائمون، أو نهاراً وأنتم يقظون تعملون، لا فرق بين هذا وذاك.أخبروني ( إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ )[الأنعام:47]؟ الجواب: لا والله، لا يهلك إلا الظالمون؛ لأنهم ظالمون بأفحش الظلم وأقبحه، وهو أخذ حق الله عز وجل بالعبادة وصرفها للأصنام والأحجار، حق الله الذي ما خلق الإنسان إلا ليعبده بذكره وشكره، يسلب هذا الحق ويعطى لغير الله. الشرك أفحش الظلم وأقبحه ولهذا -كما علمتم- فلا ظلم أعظم من ظلم الشرك، ظلمك لأخيك الإنسان بأخذ دابته أو ضربه على وجهه ظلم، لكن أخذ حق الله وإعطاءه لمن ليس له بحق أي ظلم أعظم منه! ظلمك لنفسك ظلم، ظلمك لأخيك ظلم، ولكن أفحش وأقبح الظلم هو من يأخذ حق الله الذي أوجد الكون كله من أجله، بل أوجدك -أيها الظالم- من أجل أن تذكره وتشكره، فتعرض عن الله وتكفر، ولا تلتفت إليه وتعبد غيره.ولهذا لما نزلت آية الأنعام -وعما قريب نصل إليها إن شاء الله- في أي الفريقين أشد ظلماً: نحن الموحدون أم أنتم المشركون، كما في خطاب إبراهيم الخليل لقومه، فكان الجواب: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )[الأنعام:82]، فلما تليت هذه الآية على أصحاب رسول الله قالوا: وأينا لم يظلم نفسه؟ خافوا، لأنه لا يتحقق الأمن والنجاة والسلامة بالبعد عن عالم الشقاء ودخول الجنة إلا للذين آمنوا حق الإيمان ولم يخلطوا إيمانهم بأي ظلم، فكبر هذا على المؤمنين لما سمعوا هذه الآية، فوجههم رسول الله الحكيم إلى ما قال لقمان الحكيم لابنه وهو بين يديه يعظه ويقول له: ( يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ )[لقمان:13]، لم يا أبتاه؟ ( إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )[لقمان:13]. ونحن نقول: لا أعظم من الشرك، فظلمك لنفسك شيء، ظلمك للناس شيء، ظلمك للحيوان شيء، لكن ظلمك لخالقك واهب وجودك المنعم عليك تسلب حقه الذي من أجله أعطاك وجودك وتعطيه لغير الله! تصوروا هل هناك أبشع من هذا؟! شخص يكسوك، يطعمك، يسقيك، يسكنك، يؤويك ويحفظك يحرسك، فتترك خدمته وتخدم آخر تتملق إليه وتتزلف، كيف يقبل هذا؟ الذي يطعمك ويسقيك ويؤويك ويرعاك ويحفظك يقول لك: اخدمني ساعة أو ساعتين في اليوم، فتعرض عن ذلك ويزين لك الشيطان خدمة من يعاديه وتخدمه، فهل فينا من يقبل هذا؟ هذا هو عين الشرك، فلهذا كان أقبح أنواع الذنوب وأسوأها. الهلاك عاقبة الظالمين فماذا قال تعالى لرسوله؟ قال: ( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ )[الأنعام:47] عذاب الله بالاستئصال والإبادة، أو بفقد السمع والبصر، أو بالقحط أو بما شاء الله من أنواع العذاب، ( بَغْتَةً )[الأنعام:47] وأنتم غافلون، ( أَوْ جَهْرَةً )[الأنعام:47] وأنتم يقظون، ( هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ )[الأنعام:47]؟ اللهم لا، والله لا يهلك إلا القوم الظالمون.مجموعة على حصير قدم لهم طعام فيه سم، وقيل لهم: احذروا، من أكله مات، فأكل منهم البعض وترك البعض، فهل يهلك غير الآكل؟ والله ما يهلك إلا الآكل وإن كانوا على حصير واحد والطعام بين أيديهم، فلا يقتل السم إلا الذي شربه أو أكله فقط. يتبع
__________________
|
#729
|
||||
|
||||
![]() كثرة الخبث سبب للهلاك علمنا الله عز وجل أنه إذا جاء عذاب الاستئصال والإبادة للأمم السابقة ينجي الله المؤمنين مع نبيهم ورسولهم، يرحلون قبل نزول العذاب بيومين أو ثلاثة من تلك الديار وينزل العذاب بالآخرين، إلا أن عذاب هذه الأمة هو عذاب غير استئصال ولا إبادة كاملة، فإنه إذا كثر الفسق والفجور والشر والفساد وأنزل الله نقمته بهم يتأذى ويهلك بها الفاسق والبار والصالح، والفاسقون هذا جزاؤهم، والصالحون يثابون ويؤجرون على هذه المصيبة، وترتفع درجتهم يوم القيامة، قال تعالى: ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً )[الأنفال:25] من شأنها ( لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )[الأنفال:25]، وقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( نعم إذا كثر الخبث ) لأم المؤمنين زينب حين سألته: أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟ وذلك أنه قال: ( ويل للعرب من شر قد اقترب ثلاث مرات وهو فزع، لما شاهد الغيوم والسحاب والعواصف، فقالت: أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟ قال: نعم إذا كثر الخبث ). أهمية اتقاء نقمة الله تعالى بتوسيع دائرة الصلاح وتضييق دائرة الفسق في المجتمعات ولهذا نقول لأبناء هذه الديار فقط؛ لأن إخواننا في بلادنا الأخرى الفسق فيهم أكثر من الصلاح، لكن هذه البلاد التي فيها الصلاح أكثر، ويظهر فيها الفسق، نقول لهم: اعملوا ليل نهار على تقليل هذا الفسق وتقليل أصحابه وفاعليه بوعظهم، بإرشادهم، بالاتصال بهم، بكل وسيلة فيها رفق ورحمة وعطف، بإبعاد هذه الموجبات للفساد، يا عبد الله! لا تدخل الدخان في دكانك، من ألزمك يا بائع الفيديو، لم تبيع الفيديوهات في مدينة الرسول؟ يا بائع الأشرطة الباطلة! من حملك على هذا؟ يا عبد الله المؤمن! لم تفتح بنكاً ربوياً في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ عجل فحوله إلى مصرف إسلامي وارفع رأسك إلى السماء، ويغفر الله لك ذنبك ويرفع درجتك، ويغنيك بأكثر مما في يدك.على كل مواطن أن يعمل على إصلاح بيته، أولاده، أقربائه، حتى نعيش دائماً والفسق أقل نسبة من الصلاح، فما دام الصلاح أكثر فالأمن حاصل، لكن إذا كان جانب الفسق أكثر فإننا ننتظر الساعة لا محالة. من ألزمنا *-أيها المواطنون السعوديون- بمعصية الله؟ أنرغب فقط بواسطة الشياطين فنستجيب؟ لم لا نعمل على صيانة أنفسنا؟ يا رب البيت! احفظ بيتك، زوجتك وأولادك، أمك وأباك، لقنهم الهدى وعلمهم، اجتمع معهم على آية من كتاب الله يطهر بيتك من الخبث. أولادكم من حين يخرجون من المدرسة استقبلوهم في باب المدرسة وهم معكم ملازمون لكم، يصلون العصر معكم، يصلون المغرب والعشاء، يتعلمون في هذه الأوقات، لا يلعبون بالكرة ويعبثون في الشوارع ويصيحون ويتعلمون أوسخ الكلام وأفسده، فيصبح الجيل من أسوأ وشر جيل، لم لا نعرف هذا؟ (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ )[الأنعام:47]؟ والله ما يهلك إلا القوم الظالمون، هذا كلام الله أم لا؟ فالظالمون الذين خرجوا عن طاعة الله ورسوله، فبدل أن يطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر أطاعوا الشيطان والشهوات والهوى والدنيا، كيف لا يهلكون؟ قل لهم: أخبروني ( أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ )[الأنعام:47] والجواب: لا. لا يهلك إلا الظالمون كما بينا، الذي يحتسي السم هو الذي يموت. تفسير قوله تعالى: (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ...) ثم قال تعالى مسلياً رسوله: ( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ )[الأنعام:48]، ما نرسلهم لأجل أن يهدوا الخلق، ويصلحوا الفاسد، ما هذه مهمتهم، لا يقدرون، فرسول في مليون شخص ماذا يصنع؟ فالمرسلون نرسلهم مبشرين المستجيبين للدعوة، المقبلين عليها، العاملين بها، يبشرونهم بسعادة الدنيا والآخرة، ومنذرين الذين يستكبرون ويعرضون ويشتغلون بأهوائهم وشهواتهم ويعبدون الشياطين، ينذرونهم العذاب قبل أن يحل بهم وينزل بساحتهم، ما لهم مهمة سوى هذه.فالرسول يبشر قطعاً، ولا بد أن يبين كيف تتم البشارة، وينذر ولا بد أن يبين ما ينذر: الشرك، اللواط، الجرائم.. يحذر منها، هذه مهمة الرسل من نوح ومن بعده إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم. ما مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل هي عمارة الدنيا! إن مهمته التبشير للمقبلين على الله، والإنذار والتحذير ممن يعرضون عن الله عز وجل، فلا تكرب -يا رسولنا- ولا تحزن، وأنتم -أيها المشركون- لم تطالبونه بالآيات والخوارق والمعجزات؟ فما هذه مهمته، ما يستطيع أن يدخل يده في قلوبكم ويقلبها، هذا ليس له، إنما هو مبشر من أجاب الدعوة، ومنذر من أعرض عنها وكفر بها، هذا معنى قوله تعالى: ( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ )[الأنعام:48]. عدد الرسل وذكر بعض خبر من أشبههم في العدة من فئات المؤمنين كم عدد الرسل؟ ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً على عدة أهل بدر، وعلى عدة قوم طالوت الذين قاتلوا ومعهم داود وانتصروا على جالوت ، لما هبط بنو إسرائيل بسبب سفور النساء، حيث كشف النساء عن وجوههن وأصبحن يتجولن في الأسواق كنساء العالم الإسلامي اليوم إلا من رحم الله، ولبسن الكعب العالي، أتعرفون الكعب العالي؟ اذهبوا إلى الدكاكين التي هبط أصحابها، فهم يوردونه بشعور أو بدون شعور ليباع ويهلك به المؤمنون، الكعب العالي هذا أول من لبسه نساء بني إسرائيل، الكعب العالي: حذاء أسفله رقيق وطويل، فحين تمشي تصبح تتبختر وتتمايل، فيذوب قلب الحاضر وراءها، والشيطان هو الذي زين هذا.فلما فسقوا وأضاعوا الصلاة وتعاطوا الربا سلط الله عليهم البابليين فاجتاحوا ديارهم ومزقوهم وأبعدوهم، مضى قرنان أو ثلاثة فنشأت ناشئة جديدة وقالوا: هيا نعيد ملكنا وديننا وسيادتنا، فأتوا أحد أنبيائهم -والأنبياء فيهم بالآلاف- فقال: أنا أخاف ألا تستطيعوا أن تقاتلوا، شاهد فيهم الهبوط والخلاف والفرقة والفسق، فألحوا عليه، فعين لهم بأمر الله طالوت يقودهم، لما عين طالوت قالوا: كيف يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه، ولم يؤت سعة من المال؟ لا تول علينا قائداً من هذا النوع. فقال لهم نبيهم: الآية التي تدل على أن الله هو الذي اختاره لكم أن يأتيكم التابوت الذي فيه بقية من بقايا موسى وهارون من دار الكفر، من عاصمة البابليين، وجاءت فشاهدوها معجزة خارقة، فآمنوا ومشوا في أربعين ألفاً، امتحنهم في الطريق قبل وصولهم إلى نهر الأردن، فقال: إن نهراً سيأتي أمامكم ولم يأذن الله لكم بالشرب منه، إلا من اغترف غرفة بيده فقط، فإياكم. فلما وصلوا إلى النهر أكبوا عليه كالبهائم يشربون، فلما شربوا بقي منهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً، والباقون كلهم انهزموا، ما يستطيعون القتال، قالوا: كيف نقاتل هذه الأمة وكيف وكيف؟ وقاتل الموحدون المؤمنون ونصرهم الله عز وجل. معنى قوله تعالى: (فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) يقول تعالى: ( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[الأنعام:48]؛ لأن الإيمان والصلاح هما دعائم الولاية، كقول الله تعالى: ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[يونس:62] من هم؟ ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ )[يونس:63]، وهنا ذكر الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فكل مؤمن صادق الإيمان يعمل الصالحات تحققت له ولاية الله، فإذا والاه الله وأصبح وليه فمن يقوى على أذاه؟ فلا خوف عليهم في الدنيا ولا في القبر ولا يوم القيامة ولا حزن في كل ذلك.هكذا يقول تعالى في مكة: فمن آمن وعمل صالحاً مع أي نبي ومع أي رسول، ( فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[الأنعام:48]. وقد بينا أن أولياء الله بيننا لا يخافون عندما يخاف الناس، ولا يحزنون عندما يحزن الناس، إن جاءت فاقة فنفوسهم طيبة مرتاحة، والآخرون في حزن وكرب وألم، وإن جاءت حرب أو فتنة فأولياء الله مع الله نفوسهم طيبة، نفوسهم طاهرة، قلوبهم ساكنة يفزعون إلى الله، والآخرون ترتعد نفوسهم، وتتمزق قلوبهم، فهذا عام في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة، أولياء الله لا يخافون ولا يحزنون، وقد ذكرت لكم ولياً شاهدناه، ابتلاه الله بوفاة أبنائه وأطفاله، كانوا يدفنون الطفل وهو يبتسم والناس على القبر يبكون، ولا يبكي ولا يحزن، يخرج ماله كله فلا يبكي عليه ولا يحزن ولا يكرب، وهذا تحقيق قول الله تعالى: ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[يونس:62]. فالله تعالى يقول: ( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ )[الأنعام:48] ثم ( فَمَنْ آمَنَ )[الأنعام:48] بهم وبالله ووحد الله ( وَأَصْلَحَ )[الأنعام:48] نفسه وزكاها بطاعة الله ورسوله ( فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[الأنعام:48] في الدنيا ولا في الآخرة. تفسير قوله تعالى: (والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون) (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا )[الأنعام:49] جحدوا بها، لم يعترفوا بها أو لم يعملوا بما تدعو إليه وتأمر به أو تنهى عنه وتحذر منه، ليس بشرط أن يقول: لا أؤمن، قد يقول -كالمنافق-: أنا مؤمن، ثم لا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً، ولا ينهض بواجب، ولا يتخلى عن مكروه، فأين الإيمان؟ لا قيمة لدعوى الإيمان إذا لم تتحقق بالاستجابة لله والرسول في طاعتهما بفعل الأوامر وترك المناهي.(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا )[الأنعام:49]، ما قال: كفروا بالله، كذبوا بآياتنا الحاملة لشرائعنا وتعاليمنا وهدايتنا، فلهذا لم يعملوا بها، ( يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ )[الأنعام:49] أي: عذاب الدنيا والبرزخ والآخرة، لا بد أن يمسه ويذوق ألمه ومرارته. ثم قال تعالى مبيناً العلة: ( بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ )[الأنعام:49]، أي: بسبب فسقهم. فالباء سببية، ما معنى (يفسقون)؟ يرقصون ويغنون، يلهون ويلعبون، يشركون ولا يوحدون، يعصون ولا يطيعون، فالفسق: هو الخروج عن طاعة الله ورسوله. أتدرون ما الفويسقة؟ الفأرة، سماها الرسول الفويسقة؛ لأنها تفسق وتخرج على أهل البيت في الليل، فتفسد عليهم طعامهم أو تحرق عليهم بيتهم. إذاً: فكل من ترك واجباً متعمداً وهو قادر عليه، أو فعل محرماً بدون إكراه عليه فقد فسق، أي: خرج عن الطاعة، فإن فسق في الأمر كله والنهي كله فهو الفاسق بـ (أل) الدالة على الوصف العريق المتين، ففرق بين (فاسق) وبين الفاسق، فسق فلان فهو فاسق بترك واجب أو فعل معصية، لكن الفاسق ذاك الذي أعرض عن أحكام الله وشرعه وأخذ لا يلتفت إلى أمر يقوم به ولا إلى نهي ينتهي عنه ويجتنبه. إذاً: قال تعالى: ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ )[الأنعام:49]، هل بمجرد التكذيب؟ لا؛ لأن التكذيب يحول بينك وبين فعل مزكيات النفس، فالعبد إذا آمن أصبح قادراً على أن يزكي نفسه بأدوات التزكية والتطهير، لكن إذا كذب لا يستعمل أدوات التزكية، إذاً: فالذين كذبوا ما استعملوا أدوات التزكية أبداً، والله يقول: ( بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ )[الأنعام:49]، ما استعملوا أدوات التزكية والتطهير. معاشر المستمعين والمستمعات هل عرفتم أن زكاة النفس ضرورية؟ إن ربنا تبارك وتعالى يقول: ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )[الشمس:9-10]، فلنعمل على تزكية أنفسنا بالإيمان الصحيح والعمل الصالح بعد البعد الكامل عن الشرك والكفر والفسق والفجور، وبذلك يتحقق الهدف لمن طلب الله ومشى يطلب هدايته. قراءة في كتاب أيسر التفاسير هداية الآيات لهذه الآيات هداية فتأملوا هل تهتدون إليها:[ أولاً: افتقار العبد إلى الله في سمعه وبصره وقلبه ]، وهل نملك نحن أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا؟ [ وفي كل حياته]، هذا الافتقار وهذا العجز وهذا الضعف [موجب عليه عبادة الله وحده دون سواه]، فما دمت عاجزاً عن حفظ سمعك وبصرك وقلبك إذاً فاعبد الذي يحفظ لك ذلك ويهبه لك. فمن أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ )[الأنعام:46] لا أحد. [ ثانياً: هلاك الظالمين لا مناص منه عاجلاً أو آجلاً ]، والله العظيم! إن هلاك الظالمين لا بد منه، إما أن يكون عاجلاً أو يؤجل إلى أمد محدود، فالظالمون الآن الخارجون عن طاعة الله ورسوله هم تحت النظارة، يمهلهم الله ولكن لا يهملهم، يوم تدق الساعة تنزل المحنة وينزل العذاب. [ ثالثاً: بيان مهمة الرسل ]، ما هي؟ البشارة والنذارة، ما معنى البشارة؟ تبشير من أطاع بالمستقبل الحسن والسعادة في الدنيا والآخرة، والنذارة لمن عصى وكذب وأعرض، هذه مهمتهم. [ بيان مهمة الرسل، وهي البشارة لمن أطاع والنذارة لمن عصى، والهداية والجزاء على الله تعالى ]، فعلى الرسول البشارة والنذارة، أما الهداية فليست له، والذي يجازي العباد هو الله، ليس الرسول، فالرسل ليست مهمتهم الجزاء أبداً، وإنما مهمتهم البشارة والنذارة. [ رابعاً: الفسق عن طاعة الله ورسوله ثمرة التكذيب والطاعة ثمرة الإيمان ]، فمن شك في كتاب الله أو في سنة فإنه لا يعمل، هذه سنة الله، كل الذين لا يستقيمون سبب ذلك شكهم وعدم إيمانهم اليقيني في قلوبهم، ومن صدق واطمأن لا يستطيع أن يفسق، إن فسق الآن يتوب غداً ولا يستمر على فسقه. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________________
|
#730
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير القرآن الكريم - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) تفسير سورة الانعام - (6) الحلقة (373) تفسير سورة الأنعام النبي صلى الله عليه وسلم مرسل من ربه سبحانه وتعالى ليبلغ دينه للناس، وليتبع ما أوحى الله إليه دون زيادة أو نقصان، وما أعطاه الله عز وجل خزائنه، ولا أطلعه على الغيب الذي يختص به سبحانه، ولا جعله ملكاً، وإنما جعله بشراً يمشي بين الناس، ويتكلم بلسانهم، لينذرهم ويخوفهم من عذاب الله ونقمته إن هم أعرضوا وكذبوا، ويبشرهم بالجنة والنعيم إن هم أطاعوا وصدقوا. تفسير قوله تعالى: (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك ...) الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). هذا وما زلنا مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات التي نسمعها من مرتلها علينا ثم نأخذ في شرحها وبيان مراد ربنا منها: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ * وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ * وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ )[الأنعام:50-53] بلى. أمر الله تعالى رسوله بنفي اختصاصه بخزائن الله وعلم الغيب وكونه ملكاً معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات، هيا نتدارس هذه الآيات:أولاً: من القائل: ( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ )[الأنعام:50]؟ هذا كلام الله عز وجل، يأمر رسوله ونبيه ومصطفاه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا القول لخصومه لأعدائه لنفاة التوحيد والعادلين بربهم، لأولئك الذين كذبوا بنبوته ونفوها ونسبوه إلى السحر والشعر والأساطير التي مضت في الزمان السابق، هؤلاء هم رؤساء الشرك في مكة، والله ولي رسوله والمؤمنين، فها هو ذا تعالى يوجه رسوله ويبين له كيف يدحض حججهم الباطلة وكيف يبطل تخرصاتهم وأكاذيبهم التي لا وجه لها من الصحة. قل يا رسولنا: ( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ )[الأنعام:50]، تطالبونني بالأموال وتطالبونني بكذا وكذا وأنا ما عندي خزائن ذلك، ( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ )[الأنعام:50]، والخزائن مستودعات الأرزاق، خزانة وخزائن، فخزائن الله التي أودع فيها أرزاق العباد لا أملكها وما هي عندي. ثانياً: ( وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ )[الأنعام:50]. الغيب استأثر الله تعالى به، هو الذي يعلم ما ينزل بكم وما يصيبكم في المستقبل، وأنا لا أعلم الغيب، ومرده إلى الله، فلا تطالبوني بما لا قدرة لي عليه، بما ليس في طوقي ولا في استطاعتي، وقوفكم هذا وقوف المعرضين فقط، وإلا فليس من شأني أنني أملك خزائن الله وأفتحها على من أشاء وأحجبها عمن أشاء، ولست أنا أبداً بالذي يدعي علم الغيب فيقول: سيصيبكم كذا، سينزل بكم كذا. أنا لا أملك هذا وليس عندي منه شيء. ثالثاً: ( وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ )[الأنعام:50]، ما قال: أنا ملك أستطيع أن أزيل الجبال، أو أضرب الجبال برءوسكم، بل قال: أنا بشر ما أنا بملك من الملائكة. فعلمه ربه أن ينفي عنه هذه الثلاث الصفات: الأولى: أن ينفي عنه أنه يملك خزائن المال وغير ذلك، هذا استأثر الله به. ثانياً: أنه لا يعلم الغيب، ما غاب عن العيون لا يملكه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الغيب الحقيقي، وهو ما في الملكوت الأعلى وما تجري به أقضية الله وأقداره. ثالثاً: ( وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ )[الأنعام:50] حتى تطالبوني بأن أحول الجبال أو أن أفعل كذا وكذا، هذا ما هو بشأني. حصر مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم في اتباع ما يوحى إليه يقول تعالى له: انف هذه الثلاثة وقرر شيئاً واحداً، وهو: ( إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ )[الأنعام:50]، هذه مهمتي، أنا عبد الله ورسوله مهمتي أن أتبع ما يوحي الله إلي، فإن قال: اسكت سكت، وإن قال: تكلم تكلمت، إن قال: بلغ بلغت، إن قال: أنذر أنذرت، إن قال: اترك تركت، ما أنا إلا متبع لما يوحي ربي إلي من الأوامر والنواهي. وهذا لا ينفي أن يجتهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسائل أيام التشريع، فإن أصاب وأقره الله فذاك، وإن لم يصب فالله عز وجل يرشده إلى الصواب، لكن بالصورة العامة رسول الله لا يقول ولا يفعل، لا يأمر ولا ينهى إلا بما يوحي الله إليه، لا يتبع غير ما يوحي الله إليه، ومعنى هذا: أنه لا يتبع رأي ذي رأي ولا فكر ذي فكر، بل يتبع فقط ما أوحاه الله إليه وأذن له فيه، سواء قاله صلى الله عليه وسلم أم فعله أم أمر به أم نهى عنه، وهكذا.(إِنْ أَتَّبِعُ )[الأنعام:50] ما أتبع ( إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ )[الأنعام:50]، من الموحي إليه سوى الله؟ وقد عرفنا طريق الوحي: إما أن يلقي في روعه الكلمة فيفهمها عن الله، أو يخاطبه الله من وراء حجاب، أو يرسل إليه ملكاً يجلس إليه ويعلمه عن الله ويبلغه. معنى قوله تعالى: (قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون) ثم قال له أيضاً: ( قُلْ )[الأنعام:50] لهم، وهذه هي صور الحجاج وإبطال الباطل ودحض المنكر، قل لهم يا رسولنا: ( هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ )[الأنعام:50] هل يستوي الجاهل والعالم؟ هل يستوي الحي والميت؟ هل يستوي المهتدي والضال؟ هل يستوي الجائع والشبعان؟ من يقول بالاستواء؟ ومعنى هذا: أنكم ضلال وأنا مهتد فكيف نتفق معكم؟ إنكم عميان لا تبصرون الحق لعمى قلوبكم وأنا على بصيرة، أنا على نور من ربي وأنتم على ظلمة الشياطين، فكيف نستوي معكم؟ (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ )[الأنعام:50] يا عباد الله! لو تفكروا لقالوا: لا يستوي من يوحى إليه ويعلم ومن لا يوحى إليه شيء ولا يعلم شيئاً، أنت رسول ونحن عباد الله، آمنا برسالتك، آمنا بما جئت به. ومن ثم يهتدون ويدخلون في رحمة الله، ولا تظن أن هذا الكلام ما كان له أثر، بل كل من اهتدى في مكة اهتدى بهذه الآيات الربانية. (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ )[الأنعام:50] الجواب: لا. إذاً: ( أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ )[الأنعام:50]، تفكروا فمن استخدم فكره عرف الحق، أما من يريد ألا يتفكر ولا يتأمل ولا يتذكر فإنه يبقى أعمى ويبقى في الضلال. وهذه لفتة عندكم: هل يستوي الأعمى بينكم والبصير؟ الجواب: لا. هل يستوي الضال والمهتدي؟ لا. هل يستوي الحي والميت؟ لا. إذاً: كيف تهتدون وأنتم معرضون عن نور الله؟ كيف تهتدون وأنتم لا تؤمنون بوحي الله ولا برسول الله؟ فكروا. وهذه مظاهر رحمة الله بعباده، لو شاء الله لأنزل الهداية في قلوبهم، لو شاء لولدتهم أمهاتهم مؤمنين، ولكن هذه حكمته، يدخل في رحمته من يشاء، ولكن يعلم ويهدي ويبين، فمن أجاب الله واستجاب له هداه، ومن أدبر وأعرض أضله وأشقاه، وهذا إلى يوم القيامة. تفسير قوله تعالى: (وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون) ثم قال تعالى: ( وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )[الأنعام:51].هذه الآية تكون للمؤمنين، وكان مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة مؤمنون أقلاء، هؤلاء هم الذين تنذرهم بالقرآن الكريم وتخوفهم بما فيه من الأحكام والشرائع، وما يهدي إليهم من الهداية وما يبين من الضلال؛ لأن المؤمنين -كما علمتم- أحياء مبصرون، والحي المبصر السميع يستجيب، إذاً: اترك هؤلاء الضلال -يا رسولنا- وأنذر بالقرآن من هم مؤمنون أحياء غير أموات، كقوله تعالى من آخر سورة ق: ( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ )[ق:45]، هذا الذي إذا ذكرته ذكر، أما الذي قلبه ميت وهو في ظلمة فإنك تقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره فلا يسمع شيئاً ولا يستفيد، وهذه كرامة المؤمنين وإن كان منهم المذنبون، فإنظارهم يستفيدون منه، إذا خوفهم يوم القيامة وخوفهم بعذاب الله يتوبون إلى الله، من كان على معصية من تلك اللحظة أو الساعة يعزم على تركها فيستفيد بإنذارك بالقرآن يا رسولنا، أما الأموات المشركون الكفرة فكيف يستفيدون؟ وقد يدخل في هذا بعض اليهود والنصارى، إذ هم يؤمنون بالله وبلقائه، كذلك أنذرهم، وأنذر به ( وَأَنذِرْ بِهِ )[الأنعام:51] أي: بالقرآن العظيم، أو بيوم القيامة ( الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ )[الأنعام:51]، والحشر إلى الله هو السوق بواسطة الملائكة إلى ساحة فصل القضاء، واقرءوا لهذا: ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا )[الزمر:68-69]، إذا جاء الرب لفصل القضاء استنارت تلك الأرض كلها بنور الله، ( وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ )[الزمر:69-70]، ثم سيق أهل النار إلى النار وأهل الجنة إلى الجنة، كما في آخر سورة الزمر. (وَأَنذِرْ بِهِ )[الأنعام:51] أي: بالقرآن، أو بيوم القيامة، كل ذلك صالح، فالقرآن حمال الوجوه، الذين يؤمنون بيوم القيامة أنذرهم به حتى يقللوا من الشر والفساد ويقللوا من الباطل، فينتفعوا بهذا. يتبع
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |