المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد - الصفحة 7 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أنواع الذهان: ماذا تعرف عنها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الوقاية من بلع اللسان: 5 نصائح ضرورية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          7 مشروبات لعلاج الإمساك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          ما هي أسباب الإسهال المستمر بعد الأكل؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          بخاخ النيكوتين: ما عليك معرفته للإقلاع عن التدخين! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          أفضل وأسوأ الأطعمة للمرضعات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          هل تظهر عليك علامات سوء التغذية؟ اكتشف الأعراض بسرعة! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أعراض تليف الكبد: لا تتجاهل هذه العلامات! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          أخطر أنواع السرطان حول العالم، ولماذا يصعب علاجها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          فواصل للمواضيع . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 21 - عددالزوار : 95 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #61  
قديم 25-05-2022, 11:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة آل عمران
من صــ 325 الى صـ 329
الحلقة (61)

35 - قال اللَّه تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج أبو داود والترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: نزلت هذه الآية (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) في قطيفة حمراء فُقدت يوم بدر، فقال بعض الناس لعل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذها، فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: ((وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) إلى آخر الآية.
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول الآية وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسير الآية منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور، لكن منهم من تعقبه كالطبري وابن عاشور ومنهم من سكت عنه وهم الباقون.
وقد قال الطبري معقبا: (وما كان لنبي أن يغل) بمعنى: ما الغلول من صفات الأنبياء ولا يكون نبيا من غل، وإنما اخترنا ذلك لأن الله - عز وجل - أوعد عقيب قوله: (وما كان لنبي أن يغل) أهل الغلول، فقال: (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ... ) الآية والتي بعدها، فكان في وعيده عقيب ذلك أهل الغلول، الدليل الواضح على أنه إنما نهى بذلك عن الغلول، وأخبر عباده أن الغلول ليس من صفات أنبيائه بقوله: (وما كان لنبي أن يغل) لأنه لو كان إنما نهى بذلك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتهموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغلول لعقب ذلك بالوعيد على التهمة وسوء الظن برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا بالوعيد على الغلول، وفي تعقيبه ذلك بالوعيد على الغلول بيان بين، أنه إنما عرف المؤمنين وغيرهم من عباده أن الغلول منتف من صفة الأنبياء وأخلاقهم؛ لأن ذلك جرم عظيم والأنبياء لا تأتي مثله).
وقد أجاد وأفاد الطاهر بن عاشور حين أشار إلى أن هذا الحديث لا يصح أن يكون سببا لنزول الآية إذ كيف تفقد القطيفة يوم بدر ولا تنزل الآية لأجل هذا إلا يوم أحد مع أن بين الغزوتين سنة وشهرا إذ كانت بدر في رمضان من السنة الثانية، وأحد في شوال من الثالثة، والآية إنما جاءت في سياق الحديث عن غزوة أحد، فهل يمكن أن يتأخر الجواب عن الحدث هذه المدة؟ هذا ما لم يقع والعلم عند الله تعالى.
فإن قال قائل: إن فقد القطيفة إنما كان يوم أحد فنزلت الآية جوابا لهذا.
فالجواب: أن هذا لا يستقيم أيضا لأن غزوة أحد لم يقع فيها غلول ولم يكن للمسلمين فيها غنيمة. اهـ بتصرف.
وهذا القول هو الراجح ويعضده من جهة السند أنه مضطرب، فهاتان علتان في المتن والإسناد.

* النتيجة:

أن هذا الحديث المذكور لا يصح أن يكون سببا لنزول الآية الكريمة لما تقدم فإما أن تكون الآية لم تنزل على سبب أصلا، أو كان لها سبب لا يندرج ضمن نطاق البحث فالله أعلم.
* * * * *

36 - قال الله تعالى: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير (165)
* سبب النزول:

أخرج الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم بدر قال: نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه وهم ثلاث مائة ونيف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة فاستقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - القبلة، ثم مد يديه، وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال: (اللهم أين ما وعدتني؟ اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا) قال:
فما زال يستغيث ربه - عز وجل -، ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه فرداه ثم التزمه من ورائه ثم قال: يا نبي الله، كذاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك وأنزل الله - عز وجل -: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين).
فلما كان يومئذ والتقوا فهزم الله - عز وجل - المشركين فقتل منهم سبعون رجلا وأسر منهم سبعون رجلا فاستشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وعليا وعمر فقال أبو بكر: يا نبي الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، فإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار وعسى الله أن يهديهم فيكونون لنا عضدا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
(ما ترى يا ابن الخطاب؟) قال: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنني من فلان - قريبا لعمر - فأضرب عنقه وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان، أخيه فيضرب عنقه حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم فهوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد، قال عمر: غدوت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو قاعد وأبو بكر وإذا هما يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال
: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الذي عرض علي أصحابك من الفداء، لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة) - لشجرة قريبة - وأنزل الله - عز وجل -: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) إلى: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم) من الفداء ثم أحل لهم الغنائم فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، وفر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسأل الدم على وجهه وأنزل الله تعالى: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير) بأخذكم الفداء.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #62  
قديم 25-05-2022, 11:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة آل عمران
من صــ 330 الى صـ 334
الحلقة (62)

* دراسة السبب:

هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة وقد أورد ابن كثير - رحمه الله - هذا في تفسيره لكنه لم يتعقبه.
والصحيح والله أعلم أن هذا لا يصح سببا لنزول الآية الكريمة، لأمرين:
الأول: أنه قد تبين أن هذه الزيادة في قصة أحد مما انفرد بها عبد الرحمن بن غزوان الملقب (بقراد) وخالف فيها الثقات فهي شاذة لا تصح.
الثاني: قوله: فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فيقال: سبحان الله وهل يمكن أن يؤاخذ الله أحدا بذنب قد عفا عنه وغفر لصاحبه؟ فإن قيل: وكيف كان هذا؟
فالجواب: ما أنزله الله تعالى في سورة الأنفال في قوله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم (67) لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم (68) فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم (69). فانظر قوله: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم (68). فالكتاب الذي سبق من الله منع من عذابهم وحال دونه.
وانظر قوله: (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) فقد أحل ذلك لهم وأذن لهم فيه، وختم ذلك بالمغفرة والرحمة. فهل يصح أن يقال بعد ذلك إن ما أصابكم يوم أحد عقوبة على أخذكم الفداء يوم بدر؟
* النتيجة:
أن ما ذكر هنا واعتبر سببا لنزول الآية لا يصح لشذوذ الزيادة وخلو الأحاديث الصحيحة منها مع ما فيها من مخالفة سياق القرآن، والآية إنما نزلت تتحدث عن قصة أحد وما جرى فيها من هزيمة المسلمين وأسباب ذلك ودواعيه ...
* * * * *

37 - قال الله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169)
* سبب النزول:

1 - أخرج الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله - عز وجل - أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم، قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا، لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله - عز وجل -: (أنا أبلغهم عنكم) فأنزل الله - عز وجل - هؤلاء الآيات على رسوله: (ولا تحسبن الذين قتلوا).
2 - أخرج الترمذي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لي: (يا جابر ما لي أراك منكسرا)؟ قلت: يا رسول الله استشهد أبي، وترك عيالا ودينا، قال: (أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك)؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: (ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجابه، وأحيا أباك فكلمه كفاحا. فقال: يا عبدي تمن عليك أعطك. قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية. قال الرب - عز وجل -: إنه قد سبق مني أنهم لا يرجعون وأنزلت هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون).
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة وقد أورد المفسرون هذين السببين وغيرهما وجعلوها سببا لنزول الآية منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وغيرهم.
قال ابن عطية بعد أن ساق الأسباب المذكورة في نزول الآية: (كثرت الأحاديث في هذا المعنى واختلفت الروايات، وجميع ذلك جائز على ما اقتضته من هذه المعاني) اهـ.
وقال القرطبي بعد ذكر الأسباب: (وبالجملة وإن كان يحتمل أن يكون النزول بسبب المجموع فقد أخبر الله تعالى فيها عن الشهداء أنهم أحياء في الجنة يرزقون ولا محالة أنهم ماتوا وأن أجسادهم في التراب وأرواحهم حية كأرواح سائر المؤمنين، وفضلوا بالرزق في الجنة من وقت القتل حتى كأن حياة الدنيا دائمة لهم) اهـ.
والظاهر والله تعالى أعلم أن حديث جابر في قصة والده عبد الله بن عمرو بن حرام لا تصح سببا لنزول الآية:

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #63  
قديم 25-05-2022, 11:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة آل عمران
من صــ 335 الى صـ 339
الحلقة (63)

أولا: لما تبين من لا اعتلال إسناده وضعفه.

ثانيا: أن سياق الآيات لا يعين على ذلك لأن الله يتحدث عن هؤلاء الشهداء بصيغة الجمع فقال: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169) فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (170) يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين (171). وهذا يصدق على الجماعة دون الواحد، فضمائر الجمع كثيرة في الآيات المتقدمة مما يبعد إرادة الواحد.
أما حديث ابن عباس: فهو وإن كان فيه انقطاع بين أبي الزبير وابن عباس إلا أنه مؤيد بما روى مسلم عن ابن مسعود - رضي الله عنه - وبما روى عبد الرزاق بإسناد صحيح إلى ابن عباس موقوفا عليه.
وسياق الآيات يدل على ذلك فإن الشهداء في حديث ابن عباس قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ... ) مرغبا لهم في الجهاد مبينا لهم عاقبته وأثره مخبرا لهم عن حياة وسعادة من ماتوا عليه، بخلاف حديث عبد الله بن حرام الذي ليس فيه إلا سؤاله أن يعيده الله ثانية لأجل الجهاد، على أن هذا لا يمنع أن يكون عبد الله بن حرام أحد الشهداء الذين نزلت فيهم الآية بل هو منهم - رضي الله عنهم - جميعا.
* النتيجة:
أن حديث جابر - رضي الله عنه - ليس سببا لنزول الآية لما في سنده من الضعف وعدم موافقته لسياق الآيات، أما حديث ابن عباس فهو وإن تكلم في سنده إلا أن له شواهد تجبره ومع هذا فلفظ الآيات يوافقه وأقوال المفسرين تؤيده والله أعلم.
* * * * *

38 - قال الله تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم (172)
* سبب النزول:

1 - أخرج النسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما انصرف المشركون عن أحد وبلغوا. الروحاء قالوا لا محمدا قتلتموه ولا الكواعب أردفتم وبئس ما صنعتم ارجعوا، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فندب الناس، فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد وبئر أبي عتبة فأنزل الله تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح) وقد كان أبو سفيان قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: موعدك موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا فأما الجبان فرجع، وأما الشجاع فأخذ أهبة القتال والتجارة فلم يجدوا بها أحدا وتسوقوا فأنزل الله تعالىفانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء).
2 - وأخرج البخاري عن عائشة - رضي الله عنها -: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم). قالت لعروة: يا ابن أختي، كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر، لما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أصاب يوم أحد، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا، قال: (من يذهب في إثرهم) فانتدب منهم سبعون رجلا، قال: كان فيهم أبو بكر والزبير.

* دراسة السبب:

هكذا جاء في سبب نزول الآية وقد أورد المفسرون ما تقدم وجعلوه سبب نزولها منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وغيرهم، وحجتهم في ذلك حديث عائشة - رضي الله عنها - المتقدم عند البخاري.
قال الطبري: (إنما عنى الله تعالى ذكره بذلك الذين اتبعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حمراء الأسد في طلب العدو أبي سفيان ومن كان معه من مشركي قريش منصرفهم عن أحد وذلك أن أبا سفيان لما انصرف عن أحد خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أثره حتى بلغ حمراء الأسد وهي على ثمانية أميال من المدينة ليرى الناس أن به وأصحابه قوة على عدوهم). اهـ.
وقال ابن عطية: (والمستجيبون لله والرسول هم الذين خرجوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى حمراء الأسد في طلب قريش وانتظارهم لهم وذلك أنه لما كان في يوم الأحد وهو الثاني من يوم أحد نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس باتباع المشركين وقال: لا يخرج معنا إلا من شاهدنا بالأمس وكانت بالناس جراحة وقرح عظيم ولكن تجلدوا ... إلى أن قال فأنزل الله تعالى في شأن أولئك المستجيبين هذه الآية ومدحهم لصبرهم) اهـ بتصرف.
ومما يؤيد القول بأنها نزلت في هذه القصة قول الحافظ ابن حجر - رحمه الله - عند شرحه لحديث عائشة حيث قال: (قوله باب: (الذين استجابوا لله والرسول) أي سبب نزولها وأنها تتعلق بأحد) اهـ.
أما ما أخرجه النسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - فقد تقدم أن الصحيح فيه أنه من مرسل عكرمة لكنه يعتضد ويقوى بحديث عائشة.
وإذا نظرت في حديث عائشة وصحة سنده وضممت إليه حديث ابن عباس وما فيه من التصريح بنزول الآية وجمعت الحديثين إلى سياق القرآن تبين لك أن سبب نزولها ما جرى من استجابة الصحابة لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في اتباع المشركين من بعد ما أصابهم القرح وعلى هذا جرى المفسرون.
أما سبب نزول قوله تعالى: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء .. ) الآية فستأتي دراسته إن شاء الله تعالى في النص الذي يليه.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة ثناء الله سبحانه على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أجابوه لما ندبهم للحاق المشركين مع ما فيهم من الجراح والآلام إظهارا للجلد والقوة وإرهابا لأعداء الله وذلك لدلالة سياق القرآن، واتفاق المفسرين، مع ما في الحديثين مجتمعين من صحة السند والتصريح بالنزول والله أعلم.
* * * * *

39 - قال الله تعالى: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم (174)
* سبب النزول:

أخرج النسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما انصرف المشركون عن أحد وبلغوا الروحاء قالوا: لا محمدا قتلتموه ولا الكواعب أردفتم وبئس ما صنعتم، ارجعوا فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فندب الناس فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد وبنو أبي عتبة فأنزل الله تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح) وقد كان أبو سفيان قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - موعدك موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا فأما الجبان فرجع، وأما الشجاع، فأخذ أهبة القتال والتجارة فلم يجدوا بها أحدا وتسوقوا فأنزل الله تعالى: فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء).

* دراسة السبب:

هكذا جاء عن عكرمة في سبب نزول قوله تعالى: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل) .. الآية وبهذا قال مجاهد أيضا، لكن هذا مخالف لقول جمهور المفسرين وغيرهم من العلماء ولهذا قال ابن عطية: (وشذ مجاهد - رحمه الله - فقال: إن هذه الآية من قوله: (الذين قال لهم الناس) إلى قوله (فضل عظيم) إنما نزلت في خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر الصغرى، وذلك أنه خرج لميعاد أبي سفيان في أحد إذ قال: موعدنا بدر من العام المقبل فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: قولوا: نعم. فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل بدر وكان بها سوق عظيم، فأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه دراهم وقرب من بدر فجاءه نعيم بن مسعود الأشجعي فأخبره أن قريشا قد اجتمعت وأقبلت لحربه هي ومن انضاف إليها، فأشفق المسلمون من ذلك لكنهم قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، وصمموا حتى أتوا بدرا فلم يجدوا عدوا ووجدوا السوق فاشتروا بدراهمهم أدما وتجارة وانقلبوا ولم يلقوا كيدا وربحوا في تجارتهم فذلك قوله تعالى: (بنعمة من الله وفضل) أي فضل في تلك التجارة، والصواب ما قاله الجمهور أن هذه الآية نزلت في غزوة حمراء الأسد) اهـ.
وقال القرطبي: (وشذ مجاهد وعكرمة رحمهما الله تعالى فقالا: إن هذه الآية من قوله: (الذين قال لهم الناس) إلى قوله (عظيم) إنما نزلت في خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر الصغرى) ثم ذكر ما تقدم عن ابن عطية.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #64  
قديم 25-05-2022, 11:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة آل عمران
من صــ 340 الى صـ 344
الحلقة (64)


وقد ساق ابن القيم - رحمه الله - ما جرى سياقا جميلا مرتبا فقال: (ولما انقضت الحرب انكفأ المشركون، فظن المسلمون أنهم قصدوا المدينة لإحراز الذراري والأموال فشق ذلك عليهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه -: (اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون، فإن هم جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة فوالذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم ثم لأناجزنهم فيها). قال علي: فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون، فجنبوا الخيل، وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة، ولما عزموا على الرجوع إلى مكة أشرف على المسلمين أبو سفيان، ثم ناداهم: موعدكبم الموسم ببدر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قولوا نعم قد فعلنا) قال أبو سفيان: (فذلكم الموعد) ثم انصرف هو وأصحابه فلما كان في بعض الطريق، تلاوموا فيما بينهم، وقال بعضهم لبعض: لم تصنعوا شيئا، أصبتم شوكتهم وحدهم، ثم تركتموهم وقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنادى في الناس، وندبهم إلى المسير إلى لقاء عدوهم وقال:
(لا يخرج معنا إلا من شهد القتال) فقال له عبد الله بن أبي: أركب معك؟ قال: (لا) فاستجاب له المسلمون على ما بهم من القرح الشديد والخوف، وقالوا: سمعا وطاعة. واستأذنه جابر بن عبد الله وقال: يا رسول الله إني أحب ألا تشهد مشهدا إلا كنت معك وإنما خلفني أبي على بناته فأذن لي أسير معك فأذن له فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد) وأقبل معبد بن أبي معبد الخزاعي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم فأمره أن يلحق بأبي سفيان فيخذله، فلحقه بالروحاء ولم يعلم بإسلامه، فقال: ما وراءك يا معبد؟ فقال: محمد وأصحابه، قد تحرقوا عليكم وخرجوا في جمع لم يخرجوا في مثله. وقد ندم من كان تخلف عنهم من أصحابهم، فقال: ما تقول؟ فقال: ما أرى أن ترتحل حتى يطلع أول الجيش من وراء هذه الأكمة. فقال أبو سفيان: والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم.
قال: فلا تفعل، فإني لك ناصح، فرجعوا على أعقابهم إلى مكة، ولقي أبو سفيان بعض المشركين يريد المدينة، فقال: هل لك أن تبلغ محمدا رسالة، وأوقر لك راحلتك زبيبا إذا أتيت إلى مكة؟ قال: نعم. قال: أبلغ محمدا أنا قد أجمعنا الكرة لنستأصله ونستأصل أصحابه، فلما بلغهم قوله قالوا: (حسبنا الله ونعم الوكيل (173) فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم (174).
فتبين بما ذكره ابن عطية والقرطبي، شذوذ ما ذكراه عن مجاهد وعكرمة رحمهما الله تعالى، من أن السبب خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر الصغرى.
وتبين بما ذكره ابن القيم أن ذلك حصل عند خروجهم إلى حمراء الأسد، وإن كان قد ذكر أن أبا سفيان قد ناداهم فقال: موعدكم الموسم ببدر، وهو ما ذكره عكرمة أيضا في الحديث الذي معنا، لكن عكرمة جعله سبب النزول، وابن القيم وغيره جعلوه موعدا، وسبب النزول خروجهم إلى حمراء الأسد. والله أعلم.
فإن قيل: ما الدليل الصحيح على هذا الترجيح؟
فالجواب: أن الدليل ما تقدم في حديث عائشة عند البخاري في استجابتهم لله والرسول وسياق الآيات واحد لا يختلف في خروجهم ثم تخويفهم ثم توكلهم على الله ثم انقلابهم بالنعمة والفضل.
* النتيجة:
أن الآية الكريمة نزلت لما استجابوا وخرجوا للقتال بعد تحذيرهم وتخويفهم منه فلم يفت ذلك في عزيمتهم بل زادهم إيمانا بتوكلهم على الله وكانت العاقبة السارة لهم حيث انقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء بل واتبعوا رضوان الله والله عظيم الفضل والإحسان حيث قادهم إلى مواقع فضله ورحمته في خروجهم إلى حمراء الأسد، وإنما اخترت هذا لدلالة السياق القرآني عليه والموافقة بين تاريخ النزول وزمن القصة. والله أعلم.
* * * * *

40 - قال الله تعالى: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور (186)
* سبب النزول:

أخرج أبو داود عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه، وكان أحد الثلاثة الذين تيب عليهم وكان كعب بن الأشرف يهجو النبي - صلى الله عليه وسلم - ويحرض عليه كفار قريش، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة وأهلها أخلاط منهم المسلمون والمشركون يعبدون الأوثان واليهود، وكانوا يؤذون النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فأمر الله - عز وجل - نبيه بالصبر والعفو، ففيهم أنزل الله:
(ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم)، فلما أبى كعب بن الأشرف أن ينزع عن أذى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - سعد بن معاذ أن يبعث رهطا يقتلونه، فبعث محمد بن مسلمة وذكر قصة قتله، فلما قتلوه فزعت اليهود والمشركون، فغدوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: طرق صاحبنا فقتل فذكر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يقول ودعاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يكتب بينه وبينهم كتابا ينتهون إلى ما فيه، فكتب النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبينهم وبين المسلمين عامة صحيفة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #65  
قديم 25-05-2022, 11:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة آل عمران
من صــ 345 الى صـ 349
الحلقة (65)


* دراسة السبب:

هكذا جاء في سبب نزول الآية وقد أورد المفسرون هذا الحديث وجعلوه من أسباب نزول الآية منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي، وغيرهم.
وقد ذكر المفسرون أيضا في نزولها قصة أبي بكر - رضي الله عنه - مع فنحاص اليهودي وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا بكر الصديق إلى فنحاص يستمده، وكتب إليه بكتاب، وقال لأبي بكر: (لا تفتاتن علي بشيء حتى ترجع) فجاء أبو بكر وهو متوشح بالسيف، فأعطاه الكتاب، فلما قرأه قال: قد احتاج ربكم أن نمده، فهم أبو بكر أن يضربه بالسيف ثم ذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تفتاتن علي بشيء حتى ترجع، فكف ونزلت: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله .. ) إلى قوله: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم).
وقد تبين من دراسة الإسنادين أن حديث كعب بن الأشرف مرسل، وحديث فنحاص اليهودي في قصة أبي بكر فيه انقطاع وإرسال، وبهذا يسقط الاحتجاج بهما على السببية وربما كان هذا هو السبب في إعراض ابن كثير - رحمه الله - عن هذين الحديثين حيث لم يذكرهما مع أنه شديد العناية بالروايات وأسانيدها، ولعل مما يعين على هذا الظن ويومئ إليه قوله - رحمه الله - عند هذه الآية: (يقول تعالى للمؤمنين عند مقدمهم المدينة قبل وقعة بدر مسليا لهم عما ينالهم من الأذى من أهل الكتاب والمشركين وآمرا لهم بالصفح والصبر والعفو حتى يفرج الله فقال تعالى:
(وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور) ثم ساق حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - حين أردفه في عيادته لسعد بن عبادة فذكر الحديث إلى أن قال: فقال عبد الله بن أبي ابن سلول: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا، فلا تؤذنا به في مجالسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه فقال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله، فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك. فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يخفضهم حتى سكتوا فذكر الحديث ... إلى أن قال:
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى، قال الله - عز وجل -: (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) وقال الله: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم)، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتأول العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم، فلما غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدرا فقتل الله به صناديد كفار قريش قال ابن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان هذا أمر قد توجه فبايعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام فأسلموا) فربما أراد ابن كثير - رحمه الله - بسياق هذا الحديث التنبيه إلى أنه سبب نزول الآية والله أعلم.

* النتيجة:

أن الأسباب المذكورة لنزول الآية الكريمة قد تبين ضعفها وعدم حجيتها ولا أعلم سببا صحيحا يمكن أن أسطره بين يدي القارئ، وأما حديث أسامة بن زيد فإن سياقه يتفق ولفظ الآية كثيرا لكني لا أجزم بأنه سبب نزولها لعدم الدليل على ذلك والعلم عند الله تعالى.
* * * * *

41 - قال الله تعالى: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم (188)
* سبب النزول:

1 - أخرج مسلم وأحمد والبخاري، والترمذي والنسائي أن مروان قال: اذهب يا رافع - لبوابه - إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل، معذبا لنعذبن أجمعون. فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب. ثم تلا ابن عباس: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه). هذه الآية. وتلا ابن عباس: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا). وقال ابن عباس: سألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه.
2 - أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الغزو تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ... ) الآية.
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة وقد أورد المفسرون هذين السببين وغيرهما مما لا يستند إلى حجة في الإسناد وتباينت مواقفهم عند النظر فيهما فذهب بعضهم إلى الجمع بينهما وأن الآية نزلت بسببهما ومن هؤلاء القرطبي وابن كثير رحمهما الله تعالى.
قال القرطبي: (والحديث الأول خلاف مقتضى الحديث الثاني، ويحتمل أن يكون نزولها على السببين لاجتماعهما في زمن واحد فكانت جوابا للفريقين والله أعلم).
وقال ابن كثير: (ولا منافاة بين ما ذكره ابن عباس وما قاله هؤلاء - أي نزولها بشأن المنافقين - لأن الآية عامة في جميع ما ذكر والله أعلم).
وذهب بعض المفسرين إلى أنها في أهل الكتاب خاصة ومن هؤلاء الطبري وابن عاشور، قال الطبري بعد أن ساق الأقوال في نزولها: (وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا .. ). الآية قول من قال: عنى بذلك أهل الكتاب الذين أخبر الله جل وعز أنه أخذ ميثاقهم ليبينن للناس أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا يكتمونه، لأن قوله: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا) في سياق الخبر عنهم، وهو شبيه بقصتهم، مع اتفاق أهل التأويل على أنهم المعنيون بذلك).
وقال ابن عاشور بعد أن ساق الآية: (تكملة لأحوال أهل الكتاب المتحدث عنهم ببيان حالة خلقهم بعد أن بين اختلال أمانتهم في تبليغ الدين، وهذا ضرب آخر جاء به فريق آخر من أهل الكتاب فلذلك عبر عنهم بالموصول للتوصل إلى ذكر صلته العجيبة من حال من يفعل الشر والخسة ثم لا يقف عند حد الانكسار لما فعل أو تطلب الستر على شنعته، بل يرتقي فيترقب ثناء الناس على سوء صنعه ويتطلب المحمدة عليه) والراجح - والله أعلم - ما ذكره ابن عباس - رضي الله عنهما - في شأن نزولها في أهل الكتاب وما ذكره من الدليل على ذلك؛ لأنه لما قال: ما لكم ولهذه الآية إنما أنزلت في أهل الكتاب تلا قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) وهذا نظر ظاهر منه - رضي الله عنه - إلى السياق القرآني وأثره في تفسير كلام الله وهذا هو اللائق بترجمان القرآن - رضي الله عنه - وهو أقرب طريق إلى الصواب في معرفة التفسير والله أعلم.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة ما ذكره ابن عباس - رضي الله عنهما - في سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه وذلك لصحة سند الحديث، وتصريحه بالنزول وموافقته لسياق القرآن. ولم يظهر لي من وجه صحيح ما هو الشيء الذي سألهم عنه فكتموه. وأما الحديث عن المنافقين وتخلفهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسيأتي في موضعه مع قصته في سورة براءة إن شاء الله تعالى. والله أعلم.
* * * * *

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #66  
قديم 12-06-2022, 10:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة آل عمران
من صــ 350 الى صـ 357
الحلقة (66)

42 - قال الله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج الترمذي عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت: يا رسول الله، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة فأنزل الله تعالى: (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسير الآية كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي.
قال الطبري: (وذُكر أنه قيل لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما بال الرجال يذكرون ولا تذكر النساء في الهجرة فأنزل اللَّه هذه الآية). اهـ.
وقال ابن عطية: (وروي أن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: يا رسول الله، قد ذكر اللَّه تعالى الرجال في الهجرة ولم يذكر النساء في شيء من ذلك فنزلت الآية). اهـ.
والراجح - واللَّه أعلم - أن الآية لم تنزل بسبب قول أم سلمة - رضي الله عنها - لوجهين:
الأول: أن هذا لم يصح عنها - رضي الله عنها - للعلة المذكورة في إسناد الحديث.
الثاني: أن السياق القرآني لا يؤيد هذا ولا يسعفه، وإنما يؤيد أن الآية جاءت جواباً من اللَّه لهؤلاء الذين يدعونه رهباً ورغباً بقولهم: (فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .. ) إلى قولهم .. (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194).
ثم قال: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ).
ولو كانت الآية نزلت بسبب قول أم سلمة - رضي الله عنها - لانقطع الاتصال بين الدعاء والجواب وهذا لا يخفى على من تأمله.
ولهذا قال الطبري مؤيداً لهذا المعنى بعد سياق الآية: (يعني تعالى ذكره فأجاب هؤلاء الداعين بما وصف اللَّه عنهم أنهم دعوا به ربهم بأني لا أضيع عمل عامل منكم عمل خيراً ذكراً كان العامل أو أنثى) اهـ.
وقال ابن كثير بعد سياق الآية: (ومعنى الآية أن المؤمنين ذوي الألباب لما سألوا ما سألوا مما تقدم ذكره فاستجاب لهم ربهم عقب ذلك بفاء التعقيب كما قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، وقوله تعالى: (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) هذا تفسير للإجابة أي قال لهم مخبرًا أنه لا يضيع عمل عامل منكم لديه، بل يوفى كل عامل بقسط عمله من ذكر أو أنثى) اهـ.
*النتيجة:
أن الآية لم تنزل بسبب قول أم سلمة - رضي الله عنها - وإنما جاءت جوابًا من اللَّه سبحانه لهؤلاء الخاشعين الذين يدعون ربهم رغبةً في جزائه وعطائه ورهبة من عقابه وعذابه فاجابهم المنعم المتفضل إلى ما طلبوا ونجاهم مما هربوا والله ذو الفضل العظيم، وإنما اخترت هذا لدلالة سياق الآيات عليه وعدم وجود معارض راجح صحيح والله أعلم.

* * * * *
43 - قال الله تعالى: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

أخرج النَّسَائِي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما جاء نعي النجاشي قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صلوا عليه) قالوا: يا رسول اللَّه، نصلي على عبد حبشي؟ فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة وقد أورد المفسرون هذا الحديث وغيره عند تفسير الآية منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وغيرهم.
والظاهر عندي واللَّه أعلم أن الآية إنما تتحدث عن مؤمني أهل الكتاب كعبد اللَّه بن سلام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره وبيان ذلك أن يقال:
إذ قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)، قد تقرر أنها نزلت في اليهود كما تقدم عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ثم ذكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حال المؤمنين في تفكرهم وذكرهم لربهم ودعائهم إياه وما أجابهم به وتفضل عليهم ثم عاد بعد ذلك إلى ذكر الطائفة الأخرى من أهل الكتاب فأثنى عليهم بإيمانهم وخشوعهم وما لهم من الأجر عند الله على ذلك.
ولعل مما يعضد هذا الفهم وأن الحديث عن طائفتين من أهل الكتاب كافرة؛ ومؤمنة أن اللَّه قال عن الكافرة: (فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) أي نبذوا الكتاب. بينما وصف الأخرى بأنهم (لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا) فهاتان طائفتان متقابلتان.
فإن قال قائل: لماذا قدم الحديث عن الفئة الكافرة وأخّرَ الحديث عن الطائفة المؤمنة ولم يجعل الحديث عنهما متصلاً؟
فالجواب: أن الحديث عن الفئة الكافرة قدمه لصلته بما قبله من الحديث عنهم في وصفهم لربهم بأنه فقير وهم أغنياء وما تلى ذلك من مقالات السوء التي لا ينقطعون عنها.
وأخّر الحديث عن مؤمني أهل الكتاب لأنهم يتلون في الرتبة والمنزلة



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #67  
قديم 12-06-2022, 10:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة النساء
من صــ 358 الى صـ 364
الحلقة (67)

الذين آمنوا وهاجروا وهذا ليس بغريب في القرآن، فلو نظرت إلى الآيات في سورة الحشر لوجدت الله قدم المهاجرين بقوله: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ .. ) ثم أتبعهم بالأنصار في قوله: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ثم أتبعهم (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ ... )، ومثله: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ).
أما الحديث عن النجاشي، فضعيف لضعف الحديث في ذلك، وعدم المناسبة بين سياق القرآن وسياق الحديث.
* النتيجة:
أن الآية لم تنزل على سبب صحيح بل هي تتحدث عن المؤمنين من أهل الكتاب في إيمانهم وخشوعهم لِلَّهِ وما أعد الله لهم من النعيم المقيم بعد الحديث عن الكافرين منهم ليظهر ويتبين عدل الله بين عباده وأنه لا يظلم أحداً. واللَّه أعلم.

* * * * *
سورة النساء
44 - قال الله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا (3)
* سبب النزول:

1 - أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة - رضي الله عنها -: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء) قالت: هي اليتيمة في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة نسائها فنهوا عن نكاحهن، إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء.
قالت عائشة: ثم استفتى الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد، فأنزل الله - عز وجل -: (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن) قالت: فبين الله في هذه أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها ولم يلحقوها بسنتها بإكمال الصداق فإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء، قال: فكما يتركونها حين يرغبون عنها، فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها الأوفى من الصداق ويعطوها حقها.
2 - أخرج البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق وكان يمسكها عليه، ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله.
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب النزول عن عائشة - رضي الله عنه - وقد أورده جمهور المفسرين مع غيره من الأسباب التي ذكرت لهذه الآية، وقبل الكلام على حديث عائشة الأول سأنقل كلام الحافظ ابن حجر على حديثها الثاني وفيه: (أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها) فقال: (هكذا قال هشام عن ابن جريج فأوهم أنها نزلت في شخص معين، والمعروف عن هشام ابن عروة التعميم، وكذلك أخرجه الإسماعيلي، من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج ولفظه: (أنزلت في الرجل يكون عنده اليتيمة .. ) وكذا هو عند المصنف من طريق ابن شهاب عن عروة، وفيه شيء آخر نبه عليه الإسماعيلي، وهو قوله: (فكان لها عذق فكان يمسكها عليه) فإن هذا نزل في التي يرغب عن نكاحها، وأما التي يرغب في نكاحها فهي التي يعجبه مالها وجمالها فلا يزوجها لغيره، ويريد أن يتزوجها بدون صداق مثلها) اهـ محل الشاهد. ومراد الإسماعيلي بالتنبيه الآخر أن لفظ الحديث يخالف سياق القرآن.
وبهذا يتبين أن حديث عائشة - رضي الله عنها - الثاني قد وقع فيه وهم فلا يحتج به على السببية أما الحديث الأول لعائشة - رضي الله عنها - في حكم نكاح اليتامى فهو أحد الأقوال في سبب نزول الآية ولهذا قال الطبري: (اختلف أهل التأويل في ذلك فقال بعضهم: معنى ذلك: وإن خفتم يا معشر أولياء اليتامى ألا تقسطوا في صداقهن فتعدلوا فيه وتبلغوا بصداقهن صدقات أمثالهن، فلا تنكحوهن، ولكن انكحوا غيرهن من الغرائب اللواتي أحلهن الله لكم وطيبهن من واحدة إلى أربع.
وقال بعضهم: بل معنى ذلك النهي عن نكاح ما فوق الأربع، حذرا على أموال اليتامى أن يتلفها أولياؤهم وذلك أن قريشا كان الرجل منهم يتزوج العشر من النساء والأكثر والأقل فإذا صار معدما، مال على مال يتيمه الذي في حجره فأنفقه أو تزوج به فنهوا عن ذلك.
ومن طريق عكرمة فنزلت هذه الآية: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء).
وقال بعضهم: كانوا يشددون في اليتامى ولا يشددون في النساء ينكح أحدهم النسوة فلا يعدل بينهن فنزلت الآية: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى).
لكن هذه الأسباب المذكورة لا تقارب حديث عائشة - رضي الله عنها - من جهة الإسناد والرتبة لأنها مراسيل لعكرمة وسعيد بن جبير والحسن.
ولعل هذا هو السبب في اقتصار ابن كثير - رحمه الله - على حديث عائشة - رضي الله عنها - دون سائر المذكورات.
وقد قال أبو العباس القرطبي - رحمه الله - بعد أن ساق الأسباب السابقة: (وأقرب هذه الأقوال وأصحها: قول عائشة - إن شاء الله تعالى - وقد اتفق كل من يعاني العلوم على أن قوله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) ليس له مفهوم، إذ قد أجمع المسلمون على أن من لم يخف القسط في اليتامى له أن ينكح أكثر من واحدة اثنتين أو ثلاثا أو أربعا كمن خاف فدل ذلك على أن الآية نزلت جوابا لمن خاف وأن حكمها أعم من ذلك).
فإن قال قائل: عائشة لم تسند هذا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فالجواب من ابن عاشور: (وهو أن سياق كلامها يؤذن بأنه عن توقيف، ولذلك أخرجه البخاري في باب تفسير سورة النساء بسياق الأحاديث المرفوعة اعتدادا بأنها ما قالت ذلك إلا عن معاينة حال النزول، وأفهام المسلمين التي أقرها الرسول - عليه الصلاة والسلام - لا سيما وقد قالت: ثم إن الناس استفتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه فيكون إيجاز لفظ الآية اعتدادا بما فهمه الناس مما يعلمون من أحوالهم).
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة ما ذكرته عائشة - رضي الله عنها - في اليتيمة التي يرغب في مالها وجمالها ويريد أن يتزوجها وليها لكنه لا يقسط لها في صداقها ولا يعطيها حقها منه، فأمروا أن يتركوهن ويلتمسوا غيرهن من النساء اللاتي يطالبن بحقوقهن أو يطالب بها أولياؤهن لصحة سنده، وتصريحه بالنزول وموافقته للفظ الآية واتفاق جمهور المفسرين عليه. وسيأتي مزيد بحث لهذا إن شاء الله تعالى عند نزول قوله تعالى: (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن). والله أعلم.
* * * * *

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #68  
قديم 12-06-2022, 10:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة النساء
من صــ 365 الى صـ 372
الحلقة (68)

45 - قال الله تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا (6)
* سبب النزول:

أخرج البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) أنزلت في والي اليتيم الذي يقيم عليه ويصلح في ماله، إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف.
* دراسة السبب:
هكذا جاء عن عائشة - رضي الله عنها - في ذكر نزول الآية بدون قصة وقد أورده بعض المفسرين عند ذكر الآية كالقرطبي وابن كثير والطاهر بن عاشور لكنهم لم يشيروا إلى أن الحديث سبب نزولها.
وقد أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني فقير ليس لي شيء، ولي يتيم، قال: فقال: (كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متأثل).
وهذا الحديث ليس فيه ذكر لسبب النزول لكن إذا ضممته إلى حديث عائشة في قولها: أنزلت في والي اليتيم، وقولها: إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف، فإنه يوافقه من وجهين:
الأول: أن الرجل في حديث عمرو بن شعيب هو ولي اليتيم، والآية أنزلت في والي اليتيم.
الثاني: أن الرجل قال إني فقير ليس لي شيء، وهذا يوافق قولها: إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف، ولعل مما يعضد هذا النظر سياق الآية فإنه يوافق كثيرا حديث عمرو بن شعيب ففي الآية: (ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا) وفي الحديث: (كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر).
ولقائل أن يقول إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الحديث أخذا واستنباطا من الآية فوافق لفظه لفظها.
فالجواب: أن هذا ممكن لكن يعكر عليه قول عائشة: أنزلت في والي اليتيم فإن هذا مشعر بوجود سبب، ولو لم يوجد حديث عمرو بن شعيب لكان الجزم ممكنا بأنها أرادت التفسير ولم ترد الحديث عن سبب نزول معين والله أعلم.
* النتيجة:
الحديث المذكور لا يتضمن التصريح بالسببية، لكن بضم الحديثين إلى بعضهما، وانضمامهما إلى الآية الكريمة يغلب على الظن نزول الآية بسبب سؤال الرجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكله من مال اليتيم والعلم عند الله تعالى.
* * * * *

46 - قال الله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما (11)
* سبب النزول:

1 - أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه عن جابر - رضي الله عنه - قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابنتيها من سعد، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك في أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما مالا، ولا ينكحان إلا ولهما مال قال: فقال: (يقضي الله فى ذلك) قال: فنزلت آية الميراث فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمهما، فقال: (أعط ابنتي سعد الثلثين، وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك).
ولفظ أبي داود: (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يقضي الله فى ذلك) قال: ونزلت سورة النساء: (يوصيكم الله في أولادكم) الآية.
2 - أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن جابر - رضي الله عنه - قال: عادني النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر في بني سلمة ماشيين، فوجدني النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ منه، ثم رش علي فأفقت، فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله، فنزلت: (يوصيكم الله في أولادكم).
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة، فأما حديث جابر - رضي الله عنه - في قصة ابنتي سعد بن الربيع فقد ذكره جمع من المفسرين وجعلوه من أسباب نزولها كالبغوي، وابن العربي، وابن عطية، والقرطبي، وابن كثير، وابن عاشور.
قال ابن العربي بعد أن ساق هذا الحديث عن عبد الله بن محمد بن عقيل الذي عليه يدور الإسناد: (هو مقبول لهذا الإسناد).
وقال القرطبي: (إن هذه الآية نزلت في ورثة سعد بن الربيع، وقيل: نزلت في ورثة ثابت بن قيس بن شماس، والأول أصح عند أهل النقل فاسترجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الميراث من العم) اهـ باختصار.
وقال ابن كثير بعد أن ساق الحديثين حديث الإغماء وحديث ابنتي سعد: (والظاهر أن حديث جابر الأول إنما نزل بسببه الآية الأخيرة من هذه السورة كما سيأتي فإنه إنما كان له إذ ذاك أخوات ولم يكن له بنات، وإنما كان يورث كلالة ولكن ذكرنا الحديث هاهنا تبعا للبخاري فإنه ذكره هاهنا، والحديث الثاني عن جابر - في قصة ابنتي سعد - أشبه بنزول هذه الآية والله أعلم) اهـ.
وقال ابن حجر معلقا على اختلاف الروايات: (وآية المواريث نزلت قبل ذلك بمدة - يعني (يوصيكم الله) - كما أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر ثم ساق الحديث ... وهذا ظاهر في تقدم نزولها - لأنها نزلت بعد أحد - نعم وبه احتج من قال إنها لم تنزل في قصة جابر إنما نزلت في قصة ابنتي سعد بن الربيع، وليس ذلك بلازم إذ لا مانع أن تنزل في الأمرين معا، ويحتمل أن يكون نزول أولها في قصة البنتين، وآخرها وهي قوله: (وإن كان رجل يورث كلالة) في قصة جابر، ويكون مراد جابر فنزلت: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر) أي ذكر الكلالة المتصل بهذه الآية والله أعلم) اهـ.
هكذا قال - رحمه الله - وإنما ذكرت كلامه لأبين قوله في قصة ابنتي سعد بن الربيع وأنها إن لم تكن السبب الوحيد لنزول الآية فهي أحد السببين.
وأما قوله: يحتمل أن يكون نزول أولها في قصة البنتين، وآخرها وهي قوله: (وإن كان رجل يورث كلالة) في قصة جابر ففي هذا الكلام عندي نظر ظاهر، إذ كيف يكون آخرها في قصة جابر وهي قوله: (وإن كان رجل يورث كلالة) مع أن هذه بإجماع العلماء يراد بها الإخوة لأم، وهذا ما لا يصدق على جابر، ولا يتفق مع حال أخواته لأنهن شقيقاته، فسبحان من لا يضل ولا ينسى.
أما حديث جابر - رضي الله عنه - في قصة الإغماء فالاختلاف فيه جد كبير فقد جاء أيضا في القصة نفسها أن الآية التي نزلت هي قوله تعالى: (وإن كان رجل يورث كلالة)، وجاء أيضا أن الآية التي نزلت هي آخر آية من سورة النساء في الكلالة، وقد تقدم قريبا أن سبب نزول قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر) قصة ابنتي سعد بن الربيع وهذا الاختلاف أدى إلى الإطالة في دراسة أسانيدها، خلاصتها اجتهاد بعض الرواة في تعيين الآية. وستأتي إن شاء الله تعالى دراسة الأسباب المعنية في مواضعها أما الآية التي هنا فلا صلة لها بقصة جابر - رضي الله عنه - في قضية الإغماء والله أعلم.

* النتيجة:

أن هذه الآية نزلت بسبب شكوى زوج سعد بن الربيع - رضي الله عنه - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمهما الذي أخذ مال ابنتي سعد، ولم يدع لهما شيئا، وذلك لأن الحديث يحتمل التحسين كما أنه صريح في السببية، وقد قال به جمع من العلماء مع موافقته لسياق القرآن والله أعلم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #69  
قديم 12-06-2022, 10:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة النساء
من صــ 373 الى صـ 380
الحلقة (69)

47 - قال الله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم (12)
* سبب النزول:

أخرج ابن ماجه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: مرضت فأتاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني هو وأبو بكر معه وهما ماشيان، وقد أغمي علي فتوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصب علي من وضوئه، فقلت: يا رسول الله كيف أصنع؟ كيف أقضي في مالي؟ حتى نزلت آية الميراث في آخر النساء: (وإن كان رجل يورث كلالة) (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة).
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية، ولم يذكر هذا الحديث جمهور المفسرين عند تفسيرهم لها، وهذا هو الصواب لأمور:
1 - أن ابن عيينة اضطرب في تعيين الآية كما تقدم بيان ذلك عند دراسة السبب السادس والأربعين.
2 - قوله حتى نزلت آية الميراث في آخر النساء (وإن كان رجل يورث كلالة) مع أن هذه الآية ليست في آخر النساء، بل في أولها.
3 - أن قوله: (وإن كان رجل يورث كلالة) لا يناسب قصة جابر في هذا الحديث لأن الآية تتحدث عن ميراث الأخوة لأم، بينما كان جابر - رضي الله عنه - شقيقا لأخواته وليس أخا من الأم كما هو معلوم، وفي ظني أن الذي أوجد الاشتباه تكرر لفظ الكلالة في الآيتين، وإلا فالفرق ظاهر بين الآيتين كظهوره بين الحكمين والله أعلم.

* النتيجة:

أن هذا الحديث ليس سبب نزولها لاضطرابه في متنه وإسناده ومخالفته لسياق القرآن، وإعراض المفسرين عنه. والله أعلم.
* * * * *

48 - قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا (19)
* سبب النزول:

1 - أخرج البخاري وأبو داود والنسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن). قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية في ذلك.
2 - أخرج أبو داود عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها فأحكم الله عن ذلك ونهى عن ذلك.
3 - أخرج النسائي عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: لما توفي أبو قيس بن الأسلت، أراد ابنه أن يتزوج امرأته من بعده، فكان ذلك لهم في الجاهلية، فأنزل الله - عز وجل -: (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها).
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذه الأحاديث أو بعضها عند بيانهم لسبب نزول هذه الآية منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي والشنقيطي، وابن عاشور.
قال الطبري: (إنهن في الجاهلية كانت إحداهن إذا مات زوجها كان ابنه أو قريبه أولى بها من غيره ومنها بنفسها، إن شاء نكحها، وإن شاء عضلها فمنعها من غيره ولم يزوجها حتى تموت فحرم الله تعالى ذلك على عباده، وحظر عليهم نكاح حلائل آبائهم ونهاهم عن عضلهن عن النكاح) اهـ.
وقال السعدي: (كانوا في الجاهلية إذا مات أحدهم عن زوجته، رأى قريبه، كأخيه وابن عمه ونحوهما، أنه أحق بزوجته من كل أحد، وحماها عن غيره أحبت أو كرهت، فإن أحبها، تزوجها على صداق يحبه دونها، وإن لم يرضها عضلها فلا يزوجها إلا من يختاره هو، وربما امتنع من تزويجها، حتى تبذل له شيئا من ميراث قريبه، أو من صداقها). اهـ.
وقال الشنقيطي: (وقد كان من مختلقات العرب في الجاهلية إرث الأقارب أزواج أقاربهم كان الرجل منهم إذا مات وألقى ابنه وأخوه مثلا ثوبا على زوجته ورثها وصار أحق بها من نفسها إن شاء نكحها بلا مهر، وإن شاء أنكحها غيره وأخذ مهرها، وإن شاء عضلها حتى تفتدي منه إلى أن نهاهم الله عن ذلك بقوله: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها). اهـ.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية ما ذكره ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان الرجل إذا مات فيهم كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها، أو زوجها من يشاء، أو لم يزوجها عضلا منهم وظلما فأنزل الله الآية إحقاقا للحق وإزهاقا للباطل وتبيانا لحقوق الطرفين، وإنما اخترت هذا السبب دون سواه لصحة إسناده، وصراحة ألفاظه، واتفاقه مع سياق الآية وأقوال المفسرين.
وأما السببان الآخران المذكوران عن ابن عباس، وأبي أمامة - رضي الله عنه - فقد تقدم الكلام في بيان ضعفهما وعدم نهوضهما للاحتجاج بهما.
*تنبيه:
تقدم في كلام بعض المفسرين أنهم كانوا في الجاهلية يفعلون هذا، ومما لا يخفى أن هذا الذي وقع لم يكن في الجاهلية، إنما كان في الإسلام، ويؤيده النداء بـ (يا أيها الذين آمنوا) فلعل مراد العلماء أن أصل الفعل ابتداء كان في الجاهلية، وامتد حتى مجيء الإسلام فكانوا يفعلونه فيه والله أعلم.
* * * * *
49 - قال الله تعالى: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما (24)
* سبب النزول:
أخرج مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي، والنسائي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، بعث جيشا إلى أوطاس. فلقوا عدوا. فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا. فكأن ناسا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله - عز وجل - في ذلك: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن.
وفي رواية للنسائي عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: أصابوا سبيا لهن أزواج فوطئوا بعضهن، فكأنهم أشفقوا من ذلك فأنزل الله - عز وجل -: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم).

* دراسة السبب:

هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد أورد جمهور المفسرين حديث أبي سعيد الأول منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والشنقيطي.
قال القرطبي بعد أن ذكر حديث أبي سعيد: (وهذا نص صحيح صريح في أن الآية نزلت بسبب تحرج أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وطء المسبيات ذوات الأزواج فأنزل الله تعالى في جوابهم (إلا ما ملكت أيمانكم) وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو الصحيح إن شاء الله تعالى). اهـ.
وقال ابن كثير في معنى الآية: (أي وحرم عليكم من الأجنبيات المحصنات وهن المزوجات إلا ما ملكتموهن بالسبي، فإنه يحل لكم وطؤهن إذا استبرأتموهن فإن الآية نزلت في ذلك). اهـ ثم ساق الحديث.
وقال الشنقيطي: (وقال بعض العلماء: المراد بالمحصنات، المتزوجات، وعليه فمعنى الآية وحرمت عليكم المتزوجات؛ لأن ذات الزوج لا تحل لغيره إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي من الكفار، فإن السبي يرفع حكم الزوجية الأولى في الكفر وهذا القول هو الصحيح، وهو الذي يدل القرآن لصحته إلى أن قال .. ويؤيده سبب النزول). اهـ ثم ساق الحديث.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة هو ما جاء في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - حين ظهروا على عدوهم فتحرجوا من غشيان نسائهم من أجل أزواجهم لأن الحديث في ذلك صريح صحيح يتفق مع لفظ الآية وإجماع المفسرين عليه والله أعلم.
* * * * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #70  
قديم 12-06-2022, 10:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد




المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة النساء
من صــ 381 الى صـ 386
الحلقة (70)


50 - قال الله تعالى: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما (32)
* سبب النزول:

أخرج الإمام أحمد والترمذي عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت: يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو ولنا نصف الميراث فأنزل الله: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض).
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسير الآية الكريمة منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
وقد تبين بدراسة السند ضعف الحديث إلى أم سلمة - رضي الله عنها - وأن الصواب فيه أنه من مراسيل مجاهد ولأجل شهرته ذكره المفسرون قال الطبري: (وذكر أن ذلك نزل في نساء تمنين منازل الرجال وأن يكون لهم ما لهم فنهى الله عباده عن الأماني الباطلة، وأمرهم أن يسألوه من فضله إذ كانت الأماني تورث أهلها الحسد والبغي بغير الحق). اهـ.
وقال ابن العربي: (يروى أن أم سلمة قالت: يا رسول الله، يغزو الرجال ولا نغزو ... ) اهـ.
وصرح في موضع آخر بهذا حيث قال عن روايات الحديث: (وهي أحاديث حسان لم تبلغ درجة الصحة) اهـ.
وقال ابن عطية: (سبب الآية أن النساء قلن: ليتنا استوينا مع الرجال في الميراث وشركناهم في الغزو، وروي أن أم سلمة قالت ذلك أو نحوه) اهـ.
وقال ابن كثير: (الآية نهت عن تمني عين نعمة الآخر يقول: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) أي في الأمور الدنيوية وكذا الدينية لحديث أم سلمة وابن عباس وهكذا قال عطاء بن أبي رباح نزلت في النهي عن تمني ما لفلان وفي تمني النساء أن يكن رجالا فيغزون). اهـ بتصرف يسير.
والظاهر والله أعلم أن الحديث وإن لم يصح سنده إلى أم سلمة - رضي الله عنها - فإنه مؤيد بوجهين:
أ - سياق الآية ومطابقته لسياق الحديث من وجوه:
1 - إن الآية نهت أن يتمنى المفضول ما حازه الفاضل، وهذا يطابق قولها في الحديث يغزو الرجال ولا نغزو ولنا نصف الميراث، فإنها أرادت بهذا أن تغزو النساء كالرجال وأن يكون ميراثها مساويا لميراث الرجال، وهذا هو التمني.
2 - قوله في الآية: (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) يوافق في الحديث يغزو الرجال ولا نغزو ولنا نصف الميراث، فإنها تتحدث عن رجال ونساء وهو ما بينته الآية.
3 - قوله: (واسألوا الله من فضله) يوافق في الحديث رغبتها في الغزو وفضله أخروي ويوافق رغبتها في النصف الثاني من الميراث وهو فضل دنيوي فأرشدها الله وغيرها إلى - سؤاله من فضله فإن خزائن السماوات والأرض بيديه.
وختم الآية بالعلم مناسب كل المناسبة إذ بعلمه ميز بين الجنسين وقدر لكل واحد منهما ما يستحقه وفرض عليه من التكاليف ما يطيقه فسبحان العليم الخبير.
ب - أن الحديث مؤيد بقول جماهير السلف يتابعهم ويوافقهم عليه جمهور المفسرين ولا ريب أن مثل هذا يوجب للمرء جزما أن للحديث أصلا.
* النتيجة:
أن سبب النزول المذكور لم يصح سنده إلى أم سلمة - رضي الله عنها - وإنما هو من مراسيل مجاهد - رحمه الله - لكن الحديث يعتضد بسياق الآية القرآني كما تقدم وبقول المفسرين به وتقديمهم إياه والله أعلم.

* * * * *
51 - قال الله تعالى: (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا (33)
* سبب النزول:

أخرج أبو داود عن داود بن الحصين قال: كنت أقرأ على أم سعد بنت الربيع وكانت يتيمة في حجر أبي بكر فقرأت: (والذين عاقدت أيمانكم) فقالت: لا تقرأ (والذين عاقدت أيمانكم) إنما نزلت في أبي بكر وابنه عبد الرحمن حين أبى الإسلام، فحلف أبو بكر ألا يورثه، فلما أسلم أمر الله تعالى نبيه - عليه الصلاة والسلام - أن يؤتيه نصيبه، زاد عبد العزيز: فما أسلم حتى حمل على الإسلام بالسيف.
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة ولم أجد فيما أعلم أحدا من المفسرين ذكر هذا الحديث إلا ابن كثير - رحمه الله - مع اختلاف يسير في لفظه حيث جاء فيه فقرأت عليها (والذين عاقدت أيمانكم) فقالت: لا ولكن (والذين عقدت أيمانكم .. ) ثم ذكر الحديث إلى أن قال: وهذا قول غريب.
قلت: ولعل غرابته سبب إعراض المفسرين عنه، فإن المعروف في تفسير قوله تعالى: (والذين عقدت أيمانكم) أنها فيمن جرى بينهم تحالف وتعاقد على المعونة والنصرة، وقد قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (ولكل جعلنا موالي) أي ورثة ويعني بقوله: (مما ترك الوالدان والأقربون) من تركة والديه وأقربيه من الميراث فتأويل الكلام، ولكم أيها الناس جعلنا عصبة يرثونه مما ترك والده وأقربوه من ميراثهم له، وقوله تعالى: (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم): أي والذين تحالفتم بالأيمان المؤكدة أنتم وهم فآتوهم نصيبهم من الميراث كما وعدتموهم في الأيمان المغلظة إن الله شاهد بينكم في تلك العهود والمعاقدات وقد كان هذا في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد ذلك وأمروا أن يوفوا لمن عاقدوا) اهـ بتصرف.
فإذا تقرر أن قوله تعالى: (والذين عقدت أيمانكم) فيمن جرى بينهم تحالف وتعاقد فكيف يقال إن سبب نزولها أبو بكر وابنه عبد الرحمن حين أبى الإسلام فحلف أبو بكر أن لا يورثه مع أن الصلة بينهما صلة نسب وقرابة وليست صلة حلف ومعاقدة.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور في سبب نزول الآية الكريمة لم يصح سنده، ومتنه أيضا غريب لمناقضته ومخالفته لظاهر الآية فلا يكون سببا لنزولها لا سيما وقد أعرض عنه المفسرون والله أعلم.
* * * * *

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 242.82 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 236.97 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (2.41%)]