|
رمضانيات ملف خاص بشهر رمضان المبارك / كيف نستعد / احكام / مسابقات |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() اكتشف نفسك في شهر رمضان الكريم مسعود صبري هل حاولت أن تكتشف نفسك في رمضان؟ حيث يعتبر شهر رمضان الكريم من الشهور الكاشفة لمن يريد أن يعرف نفسه، ذلك أن كثيرا من الناس يصاب بداء ” التيه”، فهو لا يقف عند حقيقة نفسه، وإن عرف منها شيئا، فقد غابت عنه أشياء، فيأتي رمضان كاشفا عن تلك النفس بعد أن تصفد الشياطين ومردة الجان، فتظهر النفس على حقيقتها، فأيما ذنب أحبته نفسك ورأيتها تحبه حتى في رمضان، فهذا ليس وسوسة من الشيطان، إنما هو من خبيث النفس.فاكتشف نفسك في شهر رمضان. من العلامات الفارقة بين وساوس الشيطان وغلبة الهوى والنفس أن الشيطان يجعلك تحب كل معصية، فيوسوس لك غالب المعاصي حتى تقع فيها، وأما النفس، فهي تريد المعصية التي تحبها وتديم عليها، فهي تميل إلى نوع أو أنواع بعينها من المعاصي فتلك النفس الأمارة بالسوء، فغالب الناس نفسه تأمره بالسوء لحبها له، كما قال تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } [يوسف: 53]، فكثير من النفوس البشرية تأمر أصحابها بالمعصية دائما، وهناك نفوس حفظها الله تعالى بحفظه، ووفقها لطاعته، فهي لا تأمر صاحبها إلا بالخير والطاعة، ولكنها مقارنة بالأمارة أقل. كثير من النفوس البشرية تأمر أصحابها بالمعصية دائما، وهناك نفوس حفظها الله تعالى بحفظه، ووفقها لطاعته، فهي لا تأمر صاحبها إلا بالخير والطاعة، ولكنها مقارنة بالأمارة أقلوالوقوف على استمرار المسلم في ارتكاب المعاصي في رمضان الكريم يُفهمه نفسَه، وأنه يجب أن يجاهدها بالخوف من عذاب الله تعالى، والحرص عليها والحب لها من أن ينالها العذاب الشديد، وأن يطمعها في جنة الله تعالى، كما قال سبحانه: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41]، فإذا جاهدها هداها الله تعالى الصراط المستقيم، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، فحينئذ تصل نفسه إلى أن تكون في رتبة النفس المطمئنة التي يخاطبها الله تعالى بقوله: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ .ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27 – 30]. فارقب قلبك عند القرآن، فإن وجدت فيه نشاطا في رمضان وإقبالا عليه، فقلبك تجاه القرآن سليم، وإن رأيته معرضا عنه؛ فأنت بحاجة إلى مداواة قلبك. وارقب قلبك عند الصلاة وقيام الليل، فإن سهل عليك قيام الليل والصلاة؛ فقلبك سليم، ونفسك صالحة، وإن ثقل عليك؛ فاعلم أن نفسك مريضة أمارة بالسوء تحتاج إلى مداواة. و حتى نلم بفرضية اكتشف نفسك في شهر رمضان، نجدأن شهر رمضان الكريم شهر كاشف لضعف النفس البشرية، فإنه – في ذات الوقت- كاشف للطاقات الكامنة في تلك النفس، وقدرتها على الإنجاز والعمل الصالح، فكثير من الناس لم يكن يقدر على الصيام في غير رمضان، وإن سألته: لم لا تصوم النوافل؟ كانت إجابته: أنا لا أستطيع، لكنه في رمضان وجد الصيام سهلا يسيرا، استطاعته ثلاثين يوما متتاليا، وهي نتيجة يصعب أن يجربها في غير رمضان، وهذا يعني أن رمضان كشف له عن قدرة نفسه في الصيام. وكثير من الناس لم يكن يستطيع أن يقرأ جزءا من القرآن كل يوم، فإذا به في رمضان يختم القرآن مرة أو مرتين أو أكثر، وهذا اكتشاف للطاقات الكامنة في النفس البشرية. وإن كثيرا من الناس لم يركع ركعتين في جوف الليل في غير رمضان، فإذا به يصلي التراويح والتهجد، مما يكشف له مكنون نفسه القادرة على إنجاز الأعمال. إن من أعظم ما في رمضان هو أنه يبين لك حقيقة نفسك قوة وضعفا، قدرة وتكاسلا، ليعالج كثيرا من الأوهام التي تصيب نفوسنا، بأننا غير قادرين، فنقبل على نفوسنا ونحن عالمون بحالها، قادرين على قيادتها لما فيه فلاح الدنيا والآخرة، من تحقيق الأهداف، والوصول إلى ما نصبو إليه، بتلك القيادة الحكيمة للنفس البشرية، وسر المعرفة لتلك النفس هو رمضان، تلك المعرفة التي تجعل المرء عابدا لله تعالى لا عابدا لرمضان، فيتدرب فيه على الصيام والقيام والمحافظة على الصلوات في جماعة، وعلى البر والإحسان، وعلى مراقبة الله تعالى، فيتزود منه طيلة العام بعد أن وقف على مكنون نفسه وجوهرها، فتستقيم النفس كما أمرها الله تعالى، حتى تكون نفسا مطمئنة بذكر الله تعالى وطاعته، لا أن تكون نفسا أمارة بالسوء لصاحبها فتورده المهالك. أعظم ما في رمضان هو أنه يبين لك حقيقة نفسك قوة وضعفا، قدرة وتكاسلا، ليعالج كثيرا من الأوهام التي تصيب نفوسنا، بأننا غير قادرينإن رمضان دورة تدريبية لاستكشاف النفس وطاقاته الهائلة التي لا نستخدم منها إلا النذر اليسير، فرمضان يبين أسرار الله تعالى في النفس البشرية، وكم هي قادرة على العطاء والبذل، وليجتهد المسلم أن يكون هذا العطاء والبذل إما في واجب من الواجبات، أو في أمور مستحبة، أو على أقل تقدير أن يكون في أمور مباحة شرعا، فيكون المسلم منشغلا بما ينفع نفسه في دين أو دنياه.. كما يعلمنا رمضان الابتعاد عن سفاسف الأمور، فإن من ترك الطعام والشراب والجماع الذي هو في أصله مباح، هو قادر على أن يترك كل صنوف الحرام، وهو من أهم دروس رمضان أنه يعلم المسلم التقوى، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، والتقوى هي فعل ما أمر الله واجتناب ما نهى عنه، ولكن المسلم في رمضان يصل إلى درجة أعلى وهو ترك ما أصله مباح في النهار، فيسهل عليه ترك الحرام… لماذا نقول: اكتشف نفسك في شهر رمضان، لأن رمضان – ببساطة – مدرسة لاستكشاف طاقات الإنسان التي لا تنتهي، وعلى المسلم أن يستفيد من هذا الشهر في معرفة نفسه، فإن من عرف نفسه؛ كان قادرا على أن يسوسها نحو خيرها في الدنيا والآخرة.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() دعوة رمضانية محمد أكرم الندوي قالوا: كيف تقضي ليلك ونهارك في رمضان؟ قلت: سؤال جَلَل وذو شأن جسيم، وينبغي أن يوجَّه إلى غيري من عباد الله الصالحين والعلماء العاملين الذين يغتنمون أيامهم ويقدِّرونها فوق ما يقدِّر الناس الدر الثمين أو الجوهر المتألق الغالي، ولا يفرقونها بددا ولا يبذرونها تبذيرا، عابدين ربهم، مدبرين كتابه، تالين لآياته، وزائدي أنفسهم إيمانا وعلما، فإذا بلغوا رمضان شمروا عن ساق الجد، وبالغوا في السعي، وضاعفوا الخير، فارتفعوا إلى ربهم قربى وزلفى. قالوا: قد حكيت لنا عن بعضهم ما ملأ قلوبنا طموحا إلى المعالي وحنينا وشوقا، ونشكرك على نصحك لنا وسعيك في نفعنا وإسداء المعروف إلينا، وقد دفعنا هوانا لك أن نطلع على بواطنك وخباياك فأنت شيخنا وأستاذنا ومعلمنا. قلت: لا يغرينكم حب الفضول باستكشاف معايبي وتتبع عثراتي وملاحقة نقائصي، وإني على إحسانكم الظن بي لكم لمن الشاكرين، وعلى ستر عيوبي لربي لمن الحامدين. قالوا: رغبنا في استبيان ما أنت ناكف عن بيانه، وهوينا استجلاء ما أنت متقبض عنه ومشمئز منه اشمئزازا. قلت: أعفوني، فحياتي كتاب مفتوح أمامكم في صفحات فيها سواد وبياض، وفي ليال وأيام فيها أنوار وظلمات، وفي تقلبات من الدهر فيها أحزان ومسرات، لا خفي فيها ولا سر مكنون، لن تجدوا فيها ما تستطيبونه أو تستحلون، ولن تظفروا فيها بما يهدي إلى قلوبكم جمالا وحسنا، ولن تسكنوا فيها إلى ما يشفي أفئدتكم بعد كلالها وأساتها، وليس فيها طلول تمتع نظراتكم أو تستوقفكم استيقافا، وإنها لو عرضت للشرى لما كان لها شار، ولو شراها شار لتقطع قلبه حسرات على غبن. قالوا: ألق إلينا حياتك اليومية في هذا الشهر المبارك على هيئتها الرثة ومنحاها المهمل ومجافاتها الاستطراف والاستحسان، لعلنا نقف في طي المألوف من شأنك والمعتاد من أمرك على حكمة ضالة هى أغلى لنا من الزلال للعطشى الحيارى، وأحلى لنا من قبلة الأبكار العذارى، بمثابة مصباح ينير ظاهرنا وباطننا وجلايانا وخفايانا، أو بمنزلة عظة نتعلم منها درسا أو نستلهم منها استلهاما، أو تعطينا دافعا وأملا لنسير على درب ذوي العقول والألباب. قلت: أما إذ ألححتم هذا الإلحاح فاسمعوا: أستيقظ قبل طلوع الفجر بنصف ساعة أو أكثر، فأتوضأ، وأصلي ما تيسر لي، ثم أتسحر بشراب معتصر من ثمار وفواكه يغذيني ولا يثقلني إثقالا، وأتلو جزءا من كتاب الله تعالى يصلني به في رقة قلب وحنان، وأصلي ركعتي السنة، وأخرج إلى المسجد، وأصلي الفجر جماعة، وأسلم على بعض الشيوخ ممن أعتقد فيه الصلاح، حرصا مني على أن أسمع منه السلام علي فيمضي يومي كله في أمن وبركة، وأنقلب إلى بيتي وأنام ثلاث ساعات أو أكثر. أقوم في الساعة السابعة أو بعدها فأقبل على شرحي لصحيح مسلم، وغيره من الأعمال، وأخرج في الساعة الحادية عشر والنصف للرياضة البدنية، وأرتد منها قبل الساعة الواحدة، فأتلو جزءا من القرآن المجيد، ثم أصلي الظهر في المسجد جماعة، وأفيئ إلى مسكني وأعكف على بعض كتاباتي إلى الساعة الثالثة والنصف، ثم أستريح قليلا، وأستيقظ وأشتغل بالمطالعة والتأليف إلى الساعة السابعة قريبا، وأصلي العصر في المسجد جماعة، وأثوب من المسجد وأتدبر كتاب الله تعالى تدبرا، وقد أصرف شيئا من وقتي في التذكير والوعظ للمسلمين في أوكسفورد. وأفطر في المسجد على تمرات وماء، وأصلي المغرب، ثم أنكفئ إلى منزلي وأتناول عشاءا خفيفا، وأراجع مقالاتي يمليها الخاطر إملاء، وقد أبذل نصف ساعة أتحدث مع أهلي وبناتي، ثم أخرج لصلاة العشاء والتراويح، وقد تستلفتني بعض الآيات فأغرق فيها إغراقا، وقد تغلبني أحوال أستدر منها معاني جديدة وغذاء لقلبي وعقلي، وأرجع بعد الساعة الثانية عشرة، وأنام إلى الساعة الثانية والنصف. هذا دأبي في عامة أيام الأسبوع، وأقضي يومي السبت والأحد في إلقاء الدروس والمحاضرات، فيذهب فيها جل النهار أو كله. قالوا: لقد ساءنا ما ذكرت مستقلين عملك، فليس يومك مختلفا عن أيامنا. قلت: صدقتم، فلم أعهد في حياتي جديدًا ولا طريفًا، وإنها ذكريات أخْلِق بها أن تكتب على سطور النسيان، بيد أني أحمد الله ربي على أنه صانني من إهدار أوقاتي في زيارة الأصدقاء تضمنا أوقات الرزانة أوساحات اللعب، أو مطارحة الحديث مع الآنسين الذين عطفهم نبع الحنان كدجلة وفرات، ترن في أذني كلماتهم في الجد والهزل كنغمات عذبة، أو التسكع في الشوارع في مرح وعبث، أو مشاهدة البرامج الترفيهية، أو الوقوع في أعراض المسلمين، والحمد لله حمدا كثيرا على أني أحاول أن أصبح وأمسي غرثان من لحوم الغافلين والغافلات وشحومهم. قالوا: ذلك أمر ينبغي أن تحمد ربك عليه، ويا لها من سعادة حرمها كثير من الناس، ويا لها من بركة من أوتيها فقد أوتي حظا كثيرا. قلت: الحمد لله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا به، وما أجمل الأيام وأصفاها تمضي في غير غفلة، وزمن المدمن في اللهو والباطل يمضي في عجلة، وساعات الخلي الفارغ ليست بمحسود عليها. قالوا: كيف ذكرك الله تعالى؟ قلت: أذكره وأنا أمشي إلى المسجد أو إلى حاجة من حوائجي، وأذكره وأنا في مضجعي وأوان استجمامي. قالوا: هل تشعر بحلاوة في الذكر؟ قلت: قد أجدها، فأحمد ربي عليها، وليس ذكره المجرد عن لذة ظاهرة عندي بدون ذكره الحافل بالحلاوة، فذكره رأس كل مقصود مستقل عما يضيف إليه فضلا أو يزيده معنى. قالوا: كيف تدبرك للقرآن؟ قلت: أقرأ آيات ثم أسعى لفقهها واستيعاب معانيها، مستعينا بتعليقات الإمام الفراهي وبعض تفاسيره، وقلما أراجع تفسير الكشاف أو الطبري وغيرهما. قالوا: كيف دعواتك في رمضان؟ قلت: أدعوه بدعوات، قالوا: ما أفضل دعوة دعوت بها في رمضانك هذا؟ قلت: دعوته أن يرزقني تدبر كتابه فأفقهه وأتبعه وأزداد بركة. قال تعالى: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب"، ومن بركة القرآن أنه كتاب هدى وشفاء ورحمة للمؤمنين، قال تعالى: "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبير"، وقال: "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، ولا يزيد الظالمين إلا خسارا". وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله تعالى أهلين من الناس، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: هم أهل القران أهل الله وخاصته، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وأخرج مسلم عن عقبة بن عامر الجهني قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان والعقيق فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين بغير إثم بالله ولاقطع رحم؟ قالوا: كلنا يا رسول الله، قال: فلأن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خيرا له من ناقتين وإن ثلاث فثلاث مثل أعدادهن من الإبل. قالوا: ما أحسن دعوتك! قلت: نعم هي السعادة لا أطلب غيرها، وهي تساوي الخلود في ربا الجنات، أنسى معها الأحزان والكدرات، ولا أبغي عنها بدلا مهما اشتدّ الزمان أو كان رفيقا، ومهما وفى الخليل أو كان ناكرا، ومهما داهمني حزن أو لاقيت ألمًا قاهرًا، قالوا: سنجعلها دعوتنا منذ اليوم سائلين ربنا الاستقامة لك والثبات.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() الصدقة في رمضان وفضلها (١) صدقتك سنابل خير في رمضان فاطمة الأمير يا معشر التجار وزراع الخير، ها هو الشهر أقبل عليكم، وبفيض الله ونفحاته حلَّت البركة علينا وعليكم، فالخير سيكون لنا إذا اغتنمنا من كل العبادات، وطرقنا أبواب ربِّ الرحمات نبتغي القبول والجزاء من حسن ما وفَّقنا الله لأداء العبادات. فشهر رمضان شهر الجود والإنفاق، شهر النفوس السخية، والأكُف الندية؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان"(رواه البخاري). فإذا كنت زارعًا لسنابل الخير في رمضان؛ فهنيئًا لك بما سُجل لك من الحسنات؛ يقول الله سبحانه وتعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261]. هل علمت ما هي العبادة التي يتضاعف أجرها وثوابها؟ إنها الصدقة، فإذا كان الدعاء والصيام متلازمين، فإن رمضان والصدقة لا يفترقان؛ فهي عبادة مضاعفة إلى ما شاء الله، والصدقة أداؤها عظيم في سائر الشهور والأيام، فكيف بها إذا أُخرجت في رمضان، وتحلَّت بشرف الزمان، ومضاعفة الثواب بها، فإذا كانت الأعمال تتباهى بصاحبها، فالصدقة من أعظم العبادات، فتتباهى بصاحبها وتفخر على غيرها من الأعمال والعبادات؛ يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن الأعمال تتباهى فتقول الصدقة: أنا أفضلكم". ولنعلم أخي الصائم أن في إخراج الصدقة ترقيقًا للقلوب، وسعادة للنفس، فإن أخرجنا الصدقة، فلتكن ابتغاءً لوجه الله تعالى، ولا تجعلها مفاخرة بين الناس؛ يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 264]. فلنحرص على إخفاء الصدقة؛ لكيلا يكون في إخراجها رياء أو مفاخرة، أو أن يكون في إخراجها أذى قد يقع في نفس المتصدق عليه، بل جمِّل صدقتك بابتسامة رقيقة عذبة مع تغليفها بأجمل العبارات التي تقع في نفس آخذها، فتكون قد جمعت بين عبادة الصدقة، وعبادة صلة الرحم، والتودد إلى القلوب، ولننظر إلى عِظَم أجر الصدقة وكيف أن عطاءها فيه الخير لكل معطى لها، ومن الأحاديث الدالة على عِظَم أجر الصدقة قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تصدق أحدٌ بصدقة من طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب - إلا أخذها الرحمن بيمينه - وإن كان تمرة - فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل؛ كما يربي أحدكم فُلُوَّه أو فصيله". فلا يجوز للمسلم أن يتصدق إلا من طيب ما كسب، فهذه تمرة نتصدق بها، فإذا بها تكون في كف الرحمن أعظم من الجبل، والصدقة تزيل الخطايا وتدفع عنا البلاء والوباء والمرض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «والصدقة تطفئ الخطيئة كما يذهب الجليد على الصفا» (صحيح ابن حبان وحسنه الألباني). إن الله جعل الصدقة بابًا يمحو به الخطايا والذنوب، وسدًّا وحصنًا منيعًا ضد هفوات النفس ومداخل الشيطان، حتى وإن كان صاحبها ظالِمًا، فإنها تدفع عنه ما تكاتل عليه من الهموم والبلاء والأمراض، وفي منعها مضرة للعبد، وتكاثر للمحن، والشدائد عليه؛ قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (الصدقة تفدي العبدَ مِن عذاب الله، فإنَّ ذنوبه وخطاياه تقتضي هلاكه، فتجيء الصدقة تفديه من العذاب، وتفكُّه منه)؛ الوابل الصيب (٧٣). فادفع أخي الصائم عن نفسك وأهل بيتك بالصدقة، وحارب الابتلاء إذا اشتد عليك بالصدقة، وداووا مرضاكم بالصدقة، وأنفق من مال الله بسخاء، تكثُر عليك نفحات الله، واعلم أننا أحوج إلى إخراج الصدقة من آخذها، ولا تنسَ أن تتصدَّق بأجمل ما لديك؛ {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } [سبأ: 39]، فكلما أنفقت أُنفِقَ عليك من خزائن رحمته، وواسع كرمه وجودة، فإنه الكريم الذي إذا أعطى، أعطى بسخاء، وهذا في قوله عز وجل في الحديث القدسي: " «يا بن آدم، أَنفقْ أُنفقْ عليك» "، وقوله صلى الله عليه وسلم: " «ما فتح رجل باب عطية بصدقة أو صلة، إلا زاده الله بها كثرةً» "، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما مِن يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا» ( متفق عليه).
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() فرحة الصائم فاطمة الأمير كنتُ أَوَدُّ أن أُطيل بي وبكم في رحاب هذا الشهر المبارك، ولكنه أزمع على الرحيل، ومع رحيله بكيت وفرِحت معًا، شعور لا يعرِفه غير مَن ذاق السعادة الحقيقية في شهر رمضان، وعاش فيه أجمل ثلاثين يومًا. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "قلوب المتقين إلى هذا الشهر تَحِن ومن ألَمِ الفراق تئنُّ"، وإنما فرحتي كانت بما خرجت به من شهر العطايا متطيبة متعطرة بنفحاته، خرجت بقلب جديد نقي أبدلَته العبادة من حال إلى حال. ها هو الشهر قد مضى بكل ما فيه من خير وعطايا، وها هي الفرحة أتتك لتتوِّج قلوب الطائعين، وتقر أعين الدامعين الذين صاموا وقاموا وركعوا، وعددوا الختمات، وأخرجوا الصدقات، واجتهدوا في التقرب من ربِّ البريات، فصاموا وتعبدوا ثلاثين يومًا، وكوفِئوا بفرحة الصائم. إخوتي في الله، يا مَن صامت جميع جوارحهم قبل صيام البطون، ها هي الفرحة أتت لتعانق أرواحنا وتملأها سكينةً وتزيدها طهرًا ونقاءً، سنشعر بعد آخر إفطار لنا بفرحة وسعادة تروي أنفسنا، وسنشعر أن أجسادنا كريشة خفيفة تُحلق عاليًا تريد أن تلامس أبواب السماء. ومن شدة هذه الفرحة سنجد أنفسنا تسجد شكرًا لله أن أعاننا على الانتصار على أنفسنا، وأنه أنعم علينا بحسن العبادة هذا العام. سنتساءل جميعًا عن هذا الشعور الذي لا تستطيع الكلمات وصفه، أهذه فرحة الصائم التي حدثنا عنها رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه؟ صِدقًا إنها فرحة الصائم بفطره، فلم أتخيَّلها بهذه الصورة، ولم أعهدها بهذا الجمال. روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " «وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه تبارك وتعالى فرح بصومه» "؛ (رواه البخاري ومسلم). قال ابن رجب رحمه الله: أما فرحة الصائم عند فطره، فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشربٍ ومنكح، فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات، ثم أُبيح لها في وقت آخر، فرِحت بإباحة ما منعت منه؛ فإن النفوس تفرح بذلك، وأما فرحه عند لقاء ربه، فيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخرًا، فيجده أحوج ما كان إليه؛ كما قال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا } [المزمل: 20] على عكس مَن فارقة رمضان وهو ما زال داخل غيبوبة جسدية وعقلية، ففي صبيحة يوم العيد سترى أناسًا وقد حفرت الغفلة والخزي خارطة طريق على وجوههم، معلنة عن شدة الندم، والأسف على ما فرطوا من أداء العبادات، فلقد مرَّ بهم الشهر بسرعة البرق، وكأن صبيحة يوم العيد هي أول أيام رمضان الذي كان بالأمس، فكان ما كان بينهما من تضييع العبادات. أخي الصائم، أختي الصائمة، لن تنتهي العبادة بانتهاء شهر رمضان، ولن نودِّعه، بل سنجعل منه بداية حياة جديدة لنا. انظروا إلى أحوال القلوب كيف تبدَّلت عند ابتداء شهر رمضان، وكيف استمرَّت على العبادة طيلة ثلاثين يومًا، أرأيتَ كيف كانت مجاهدة النفس فيها؟! وكم تركنا من أشياء كنا نفعلها، فجاء شهر رمضان؛ ليبدِّد ظلام القلوب ويمحو الشهوات، ويجذبنا نحو خالقنا أكثر. أيعقل أن يكون الجسد الذي عبد ربه، وانقلب حاله فيه من الأسوأ إلى الأفضل في ثلاثين يومًا لا يقدر على أن يستمر في التذلل والخشوع والقُرب مِن الله إلى ما بعد رمضان! لنستمر في صلاتنا فرائض ونوافلَ، ولنحافظ على جميع صلواتنا في المسجد، ولنعدد من الختمات، فلا نجعل من أنفسنا هاجرين للقرآن، ونحذر من أن نجعل مصحفنا يزين جزءًا من المنزل بوضعه وكأنه كقطعة ديكور، بل لنزين به قلوبنا وأرواحنا، ونجعله دائمًا من أولويات بداية يومنا، فخير ما نستفتح به يومنا هو وِردنا من القرآن، ولنحافظ على قيام الليل، فكلما افتقدنا وقوفنا لصلاة التراويح والتهجد، وكم كنا نطيل في السجدات - أسرعنا للوقوف بين يدي الله في قيام الليل، ولنكثر من إخراج الصدقات؛ فنحن أشد احتياجًا في إخراجها من آخذها، ولنجعل اللسان لا يتكلم إلا بالذكر، والتسبيح، والاستغفار، ولنصم آذاننا، ونُغلق أعيُننا، ولنُلجم ألسنتنا عن القيل والقال، ولنترك التجمعات التي تكثُر بها الغيبة والنميمة، فكلما سحبتنا رياح الفتن، ركبنا سفينة رمضان، واسترجعنا نفحاته الربانية، وكيف كنا فيه صائمين قولًا وفعلًا، ولنذكر أنفسنا أننا كنا من المجاهدين في شهر العطايا، فلا ننصاع لهواجس النفس والشيطان. هيَّا نجعل رمضان هذا العام هو بداية حياة، وسبيلًا لتغيير أنفسنا، وتطهيرها من الأحقاد، والشهوات والأهواء.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() الإسراف في رمضان قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31]. وقال سبحانه: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141]. قال سفيان بن عُينية في قوله تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا}: ما أُنفِق في غير طاعة الله يعتبر سرفًا وإن كان قليلًا". وقال ابن كثير رحمه الله في قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا} [الفرقان: 67]: "أي ليسوا بمبذِّرين في إنفاقهم، فيَصرِفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم، فيقصِّرون في حقِّهم فلا يَكْفُونهم؛ بل عدلًا خيارًا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا"[1]. وقال ابن عباس في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِي} نِ ﴾ [الإسراء: 27]: هم الذين يُنفِقون المال في غير حقه. وقال مجاهد: "لو أنفق إنسان ماله كلَّه في الحق، لم يكن مبذِّرًا، ولو أنفَق مُدًّا في غير حق، كان مبذِّرًا"[2]. وفي حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلوا وتَصدَّقوا والبَسوا في غير إسرافٍ ولا مخيلة»[3]. والإسراف ظاهرة لقومٍ لا يرجون لله وقارًا، ولا يحترمون نِعَمَ الله عز وجل، وبدلًا من أن يكون شهر رمضان شهرَ الاقتصاد، والمحافظة على الأوقات، واغتنام اللحظات، نجد أن كثيرًا من المسلمين أسرَفوا في رمضان. صور الإسراف: 1- الإسراف في الطعام والشراب: من الناس من يستعد لاستقبال رمضان بالطعام والشراب والخزين من السكر والزيت والأرز، وتُضيع المرأة وقتها الثمين في رمضان في إعداد الطعام الذي يبدأ من الظُّهر حتى أذان المغرب، وعند المدفع تجد المائدة مملوءةً بما لذَّ وطاب، وما زاد عن الحاجة، فيكون عُرضةً للإتلاف والرمي، وسبحان الله! استهلاك المسلمين يزيد في رمضان، وأوزان المسلمين تزيد في رمضان، فنخرج من الصيام وما حقَّقْنا معنى الصوم، ولا حصَّلنا التقوى.. يحدث هذا وملايين المسلمين في القارة الإفريقية جوعى، والمسلمون في فلسطين وقطاع غزة لا يجدون الكفاف. وقد حذَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الشِّبع والتخمة، فقال: «ما ملأ آدميٌّ وعاء شرًّا من بطنه، بحسْبِ ابن آدم أُكُلاتٌ يُقِمنَ صُلبَه، فإن كان لا محالة فثُلُثٌ لطعامه، وثلُث لشرابه، وثلُث لنفَسِه»[4] ، وقال بعض السلف: (جمع الله الطبَّ كلَّه في نصف آية، هي {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31]. والتخمة في رمضان عند الإفطار تُفقِد المسلمَ حلاوة المناجاة، ولذَّةَ العبادة والذِّكر. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «من كثر أكلُه، لم يجد لذِكرِ الله لذةً». وقال إبراهيم بن أدهم: "مَن ضبَط بطنَه ضبَط دينَه، وإن معصية الله بعيدة من الجائع، قريبةٌ من الشبعان". وقال لقمان: "يا بُنيَّ، إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخَرِسَتِ الحكمة، وقعَدت الأعضاء". فيا عجبًا أن يتحوَّل شهر الصيام إلى شهر الطعام، وإذا أردتَ أن تعرف هل صُمتَ حقًّا، فعليك بأن تزن نفسك لتعرف وزنك الليله الأولى من رمضان، ثم انظر في ليلة العيد هل زاد وزنُك أو نقص؛ فهذا معيار لا يخطئ. 2- الإسراف في النوم: خاصة في النهار، والعجيب أن هؤلاء يسرفون في سهرٍ لا طائل من ورائه.. سهر ضائع في القيل والقال، وعلى المقاهي والسهرات الرمضانية وأمام التلفاز، ثم يأتي أحدهم بعد السهر الطويل ليتسحَّر، ثم ينام قبل الفجر، ولا يستيقظ إلا قرب العصر أو على مدفع الإفطار، فيحلم أنه صام رمضان، وهذا من عدم فقه المرء بلحظاتِ ودقائق رمضان الغالية، التي قال عنها القرآن: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184]، تمرُّ كالبرق الخاطف أو كلمح البصر، ولا تُعوَّض أيامه ولياليه، ولله در القائل: ألقاهُ شهرًا لكن في نهايتِه *** يمضي كطَيفِ خيالٍ قد لَمَحْناهُ 3- الإسراف في تضييع الأوقات: المسلمون اليومَ يتفنَّنون في ضياع أوقاتهم، وتسلية صيامهم فيما لا طائل من ورائه، أين نحن من السلف الصالح الذين كانوا يحرصون على أوقاتهم كحرصِنا على أموالنا، فلا يضيعون لحظة في غير طاعة؟! قال الحسن: (أدركتُ أقوامًا كان أحدهم أشحَّ على عمره منه على درهمه). وحثَّ الرسول على استثمار الوقت، فقال: «اغتنم خمسًا قبل خمس، وعدَّ منها: فراغَك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك». ابدأ يومك باسم الله، وحدِّد لنفسك أعمالك الأهمَّ فالمهم، وقسِّم الوقت المتاح على هذه الأعمال، ولا تؤجِّل عمل اليوم إلى الغد؛ فيتراكم عليك عملُ اليومين، وكن مثالًا في الحفاظ على الوقت، والاهتمام بالمواعيد، واعلم أن الواجبات أكثر من الأوقات، فعاوِن غيرَك على الانتفاع بوقته، وإن كان لك مهمة فأَوجِز في قضائها، وتَذكَّر أن الوقت هو الحياة. فالوقتُ أثمَنُ ما عُنيتَ بحفظِه *** وأراه أسهلَ ما عليك يضيعُ 4- الإسراف في الكلام: هناك من الناس من يطلق لسانه في رمضان، ولا يحفظ للشهر حرمة، وغالبًا من تكلَّم كثيرًا أخطَأ كثيرًا، وقد حذَّر النبي من ذلك؛ فقد صح عنه أنه قال: «إن الرجل لَيتكلَّمُ بالكلمة لا يُلقي لها بالًا من سخط الله، فيزلُّ بها في النار سبعين خريفًا»[5]. وقال عطاء بن أبي رباح: (إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضولَه ما عدا كتاب الله أن تقرأه، وتأمر بمعروف، وتنهى عن منكر، وتنطلق بحاجتك في معيشتك التي لا بد منها.. أتُنكِرون أن عليكم كرامًا كاتبين؟!)[6]. وكتب عمر بن العزيز إلى بعض أصحابه: "أما بعدُ، فإن من أكثر ذِكرَ الموت رضي من الدنيا باليسير، ومَن عَدَّ كلامه من عمله، قلَّ كلامه إلا فيما ينفع، والسلام"[7]. واجب عملي: عليك بالاقتصاد في الطعام والشراب والنوم، وكن معتدلًا في كل شيء، وحافِظْ على وقتك. [1] تفسير ابن كثير 6 /110. [2] تفسير ابن كثير 5 /63. [3] رواه النسائي في الصغرى (2560) وغيره بسند صحيح. [4] رواه النسائي في الكبرى (6711). [5] رواه البخاري (6478). [6] إحياء علوم الدين 3 /96. [7] سير أعلام النبلاء. __________________________________________________ _ الكاتب: عصام محمد فهيم جمعة
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() عزيمة من حديد هبة حلمي الجابري شهر رمضان بالنسبة لنا فرصة عظيمة لاختبار قوة العزيمة والإصرار، لكن بشرط أن يكون عندنا عزم على الإصلاح، والبعد عن كل سبب يمنعنا من التغيير، والابتعاد عن كل صاحب سوء أو أداة فساد، والحرص على مرافقة كل شخص يمكن أن يعيننا، ويساعدنا على الوصول إلى طريق السعادة والنجاة. كثير منا يتمنى أن يتوب وأن يرجع عن المعاصي، يتمنى أن يعود للإقبال على الطاعة كما كان في الماضي، يتمنى أمورًا كثيرة، لكنَّ العزيمةَ صفرٌ! كلها أمانيُّ لن تنتقل للواقع بدون إرادة وعزيمة صادقة؛ قال تعالى: { فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد: 21]، وإن كانت هذه الأماني أول خطوة في طريق التغيير، لكن لا بد أن نكمل طريقنا ولا نقف عندها، فما كان التغيير يومًا بالأماني، وما دامت العزيمة من ورق، فليس هناك أمل، وحتى إذا كان لدينا عزيمة صادقة دون ترجمتها لفعلٍ، فما الفائدة؟! إن الأمر لَتَحَدٍّ مع النفس، معركة بيننا وبين أنفسنا والشيطان، ونستطيع أن نربحها بكل بساطة لو كان عندنا إرادة، فلنغلق أعيننا ونتخيل فرحة الشيطان بهزيمتنا وانتصاره علينا، هذا وحده يكفينا حتى نحاول بكل قوتنا أن ننتصر عليه. فماذا نفعل لتقْوَى عزيمتنا؟ حتى تقوى عزيمتنا لا بد أن نقوي صلتنا بالله سواء بالعبادات القلبية أو الفعلية؛ مثلًا: 1- تقوية عناصر الإيمان بالله وبصفاته العظيمة، وبقضائه وقدره، وصدق التوكل عليه، وحسن الظن به، والقراءة عن أسماء الله وصفاته ونشعر بمعناها. 2- تغيير نظرتنا للعبادات من مجرد تأديتها بشكل روتيني إلى الشعور بمعانيها؛ مثلًا نؤدي الصلاة ليس لمجرد التأدية، بل بانتظام وخشوع وخضوع لله، وهذه وسيلة تقوِّي إرادتك على مخالفة كثير من أهواء النفس، والصيام بالتزام تام واحتساب لله وسيلة لتقوية الإرادة، وهكذا في كل العبادات. 3- التزام الطاعة في كل ما أمر الله به، والبعد عن كل ما نهى الله عنه، وندرب أنفسنا عمليًّا على مقاومة أهواء النفس ومخالفة شهواتها، مع المسارعة إلى فعل الخير قبل وجود الموانع، أو قبل أن نشعر بالكسل بسبب الشيطان أو النفس. 4- كثرة الذكر، وتلاوة القرآن، والاستغفار، والدعاء. 5- الجد والحزم والانتظام والنظام، عن طريق تنظيم الوقت وعمل جدول مناسب، مع البدء بالأهم والتركيز عليه؛ حتى يصبح عادة نقوم بيها بشكل تلقائي وبكل سهولة. 6- عدم الحزن على ما فات، والنظر إلى الأمام دائمًا، مع جعل الأحلام مناسبة للقدرات، والبعد عما هو بعيد المنال مستحيل التنفيذ. 7- التفاؤل بالخير، والبعد عن التشاؤم، مع تمام حسن الظن في الله، واليقين بأننا نستطيع أن نتغير إذا استعنَّا بالله. 8- نضع دائمًا ابتغاء مرضاة الله عز وجل هدفًا أمامنا، مع التفكير في الجائزة العظمى؛ وهي الجنة وما أعده الله فيها للمتقين؛ ونتذكر دائمًا قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى } [النازعات: 40]. ليس هذا فقط، بل نحتاج إلى بعض المحفزات: 1- الاستعانة بالله، والتضرع، والانكسار، والافتقار الدائم المستمر بين يديه، وسؤال الله أن يعيننا على "ذكره وشكره وحسن عبادته"، وغيره من الأدعية. 2- الإكثار من الاستغفار، فمن لزمه، جعل الله له من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب، وبُورك في وقته وعمره. 3- التقوى، وذلك بامتثال أوامر الله وتجنب نواهيه، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 4]. 4- القراءة عن الجنة وجمالها، وما أعده الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين فيها. 5- القراءة عن الصحابة والسلف الصالح، وعن عبادتهم لله، وأخلاقهم، وزهدهم في الدنيا، وتعلقهم بالله. 6- مصاحبة أصحاب الهمم العالية، فصحبتهم لها تأثير عجيب في التغيير من واقع الإنسان وأخلاقه وسلوكه. 7- القراءة في كتب فضائل الأعمال وما أعده الله لكل عمل من ثواب؛ حتى يكون لك حافزًا للمسارعة في الأعمال الصالحة؛ مثلًا: فضل قراءة القرآن، فضل قيام الليل، فضل الذكر ... 8- كثرة الشكر والحمد لله عند حصول نعمة دينية؛ فالله هو من وفَّقنا لها وسهَّلها علينا، وحبَّبها إلى قلوبنا؛ قال تعالى: { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } [إبراهيم: 7]. لو عملنا بهذه الوصية في حياتنا، لحلَّت عندنا عقدًا كثيرة كنا نعاني منها، سواء أكانت تكاسلًا عن بعض الطاعات، أو حبًّا لبعض المعاصي، ثم نبدأ بعدها في أن نرتقي من حال لحال، باتباع هذا المنهج، وهو "التعود على المجاهدة". التطبيق العملي: جدد في قلبك الإيمان والتوبة دائمًا، واجعل لسانك رطبًا بذكر الله، مع البحث عن صديق يعينك على طاعة الله، وأداء العبادات في أوقاتها مع تخصيص وقت يوميًّا لـ: • القراءة عن أسماء الله وصفاته. • القراءة في وصف الجنة، وأنصحك بكتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح لـ"ابن قيم الجوزية". • القراءة عن فضائل الأعمال، وأنصحك بكتاب الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك لـ"ابن شاهين".
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() صور منحرفة في شهر رمضان المبارك يجب تصحيحها بسام الحمزاوي أولاً. صورة الابن الذي يترك مائدة الطعام عند المغرب والأهل يجتمعون حولها لينزل لصلاة المغرب في المسجد معتبرًا أن هذا هو الدين، وبسب ذلك تنشأ يوميًا عند الإفطار خصومة وشحناء ويصير جو البيت متوترًا عند كل مغرب من رمضان مع أبويه، ثم يسأل: أليس هذا هو الدين؟ والجواب: لو أنَّ أبويك راضيان فلا حرج، ولكن المشكلة الخصومة المتكررة معهما مع أنّ البخاري أخرج [671] عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا وُضِعَ العَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَابْدَءُوا بِالعَشَاءِ»، وفي البخاري [5464] عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ تَعَشَّى مَرَّةً، وَهُوَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإِمَامِ»، فكيف بهذا الشاب الطعام حاضر وغضب الوالدين حاضر إن ذهب، فما له يوتر جوَّ بيته وله رخصة في دين الله تعالى. ثانيًا. صورة الأب الذي يحذر أهل بيته قبل حلول رمضان بأنه صائم ولا داعي أن يغضبه أحد حتى لا يبطش به، وكأنَّ الصوم مرحلة زمنية تفسد فيها الأخلاق؟!! مع أنَّ نبينا الكريم علمنا أنَّ رمضان شهر الحِلم، ومن صور الحلم كما في البخاري [1894] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ..، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ" المقصود كن حليمًا فإن استفزك إنسان وشتمك قابله بالحلم، فكيف بمن يتوعد؟!! ثالثًا. صورة الزوجة التي إذا جاء رمضان استقبلت القبلة في قيام الليل وقصَّرت بحق الفراش مع زوجها لأنَّ معلمتها علمتها أن رمضان شهر القيام والقرآن، وهذا صحيح، ولكن نسيت معلمتها أن تفهمها أن قيام رمضان سنة مهمة وطاعة الزوج واجب، والواجب مقدم على السنة، ونسيت أن تحدثها ما أخرجه البخاري [5194] عن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بَاتَتِ المَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ» يعني إذا كان للزوج حاجة منها وهي معرضة ومشغولة عنه ولو بقيام وقرآن. رابعًا. صورة الزوج الذي لا تتتغير طلباته في رمضان، فإذا هو يرهق زوجته بعزايم رمضان الكثيرة، أو بمائدة طعام يومية مرهقة، أو بضيوف يأتون وضيوف يذهبون...إلخ، وكأن المرأة مطلوب منها في شهر رمضان أن تكون حبيسة المطبخ، ومشغولة بأمر البيت فقط دون أن يترك لها مجالاً لركعات القيام، وقراءة القرآن، ومناجاة في السحر...إلخ مع أن البخاري أخرج [37] عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وهذا للذكور والإناث، وبالمقابل لا بأس بدعوة الأهل والمعارف بالمعقول فمن فطر صائمًا فله مثل أجره. خامسًا. صورة الموظف الذي يتأخر عن عمله ويعطل المراجعين، وإذا جاء كان مقطبًا لجبهته ينهر الناس ويعاملهم معاملة سيئة كل ذلك تحت اسم أنه صائم، وتغافل هذا المسكين عما أخرجه البخاري [1904] عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ"، والرفث: الكلام الفاحش، وفي رواية للبخاري: "ولا يجهل" أي: لا يفعل شيئًا من أعمال الجهال، فالصوم في رمضان هو خلق فاضل، وسوء الأخلاق من أفعال الجهال والسفهاء. سادسًا. صورة من يفهم أن شهر رمضان شهر بطالة نوم في النهار، وأكل وشرب بالليل، وهل كانت كبرى مواقع الإسلام كفتح مكة إلا في رمضان، وفي البخاري [6] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ»، واعتكافه عليه الصلاة والسلام في رمضان كما في البخاري [813]، فرمضان صيام وقيام وقرآن واعتكاف وعمرة فيه تعدل حجة...إلخ. سابعًا. صورة من يظن أن الصوم يقتضي صرف الوقت في التسالي وتضييعه في الترهات: ولا أظن أني أحتاج لسرد أدلة تدل على خطأ هذا، مع أن الترفيه عن النفس والراحة والمزاح المعتدل كله لا حرج ولا إشكال فيه، ولكن الحذر من أن يكون هو الغالب. اللهم أعنا على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان وأدخلنا الجنة بسلام.
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() معاشر العباد ها قد انتصف رمضان معاشر العباد: قَالَ صلى الله عليه وسلم: ««وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ..»[1] (رواه الترمذي وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ) . ها قد انتَصَفَ رَمَضَانُ.. فما أجملَكم حينما استقبلتم المَوسِمَ العَظِيمَ، جَعَلَنَا الله جَمِيعًا فِيمَا نَستَقبِلُ مِن شَهرِنَا خَيرًا مِمَّا وَدَّعنَا.. أحسنتم والله حينما تسابقتم على أبواب الخير في هذا الشهر المبارك، من صَلاةٍ وَصَومٍ وَقِيَامِ لَيلٍ، وَصَدَقَةٍ وَإِحسَانٍ وَحُبٍّ لِلمَسَاكِينِ، وَرِفقٍ بِالنَّاسِ وَتَجَاوُزٍ عَنِ المُعسِرِينَ، وَصِلَةٍ لِلرَّحِمِ وَرَحمَةٍ، وَكَفٍّ لِلِّسَانِ عَنِ الشَّرِّ وَإِشغَالٍ لَهُ بِالتَّلاوَةِ وَالذِّكرِ.. ما أروع اصطحاب أبنائكم للطاعة ولن يخيب الله أملكم فيهم حين أكثرتم لهم من الدعاء: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}[2]. حرصُكم على الأَمرٍ بِالمَعرُوفِ وَالنَهيِ عَنِ المُنكَر لن يضيع سدى بإذن الله في أمنكم واستقرار مجتمعكم {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[3]. معاشر اللاحقين بالعباد: ها هي أيام الشهر قد تتابعت، ولياليه الغر قد تلاحقت، هذه أيام رمضان، ها نحن على أبواب العشر الأواخر، وقفنا على الليالي العشر ونحن فقراء إلى رحمة الله، وقفنا نشكو تقصيرنا إلى الله، وقفنا وكلنا أمل وطمع في رحمة الله ألا يخيب رجاءنا، وأن يستجيب دعاءنا، وقفنا على أبواب عشر ما دخلت على رسول الله إلا شد مئزره وأيقظ أهله وأحيا ليله، صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين. بينها ليلة خير من ألف شهر، من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، عشر إذا دخلت على الأخيار والصالحين فروا إلى بيوت الله معتكفين ركعًا سجدًا، يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا، سيماهم في وجوههم من أثر السجود.. معاشر العُباد: وصية لكم من كتاب الله وسنة رسول الله: اعلموا أن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، لا يقبل الله من العبادة إلا ما كان خالصًا لوجهه، يراد به ما عنده: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[4]. أخلصوا لله النيات، وأخلصوا لله العبادات والطاعات، فلا يزال العبد بخير إذا تكلم تكلم لله، وإذا عمل عمل لله. معاشر العباد: كم من قائم على أم حنون يسقيها دواءها، ويعالج جراحها وداءها، بلَّغه الله أجر المعتكفين، كم من قائم على أب ضعيف، شيخ كبير، يقضي حوائجه، ويرحم ضعفه، ويحسن إليه، ويجبر بإذن الله كسره، بلَّغه الله مقام المعتكفين، كم من قائم على زوجة سقيمة مريضة، يقوم عليها، بلَّغه الله أجر الاعتكاف بما كان من إحسانه إليها. تخلف عثمان - رضي الله عنه وأرضاه - عن غزوة بدر _ والتي انتصر فيها المسلمون في السابع عشر من رمضان يوم الفرقان يوم التقى الجمعان _ تخلف رضي الله عنه بسبب زوجه التي كان يمرضها، رقية - رضي الله عنها وأرضاها - فعن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: جاء رجل من مصر حج البيت فقال: يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني أنشدك الله بحرمة هذا البيت، هل تعلم أن عثمان تغيب عن بدر فلم يشهدها؟ فقال: نعم، ولكن أما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله فمرضت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ»[5]. فما جزاء الإحسان إلا الإحسان. معاشر العباد: إياكم وحرق أعمالكم بألسنتكم من غيبة وسب وأذية.. ألزموها البر كما عُهد عنكم بالذكر والدعاء والقرآن والتسبيح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ترتفع درجاتكم وتعلو منازلكم.. معاشر العباد: تنوع العبادات في هذا الشهر دليل على التوفيق، وثمة قضية تؤرق الكثير من الصالحين وهي قطع الرحم.. فكونوا سابقين في وصلها قدوات صالحة في ذلك قالَ تَعَالَى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ}[6]. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، فَقَدْ أُعْطِيَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، فَقَدْ حُرِمَ حَظُّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَزِدْنَ فِي الْأَعْمَار، وَيُعَمِّرْنَ الدِّيَارَ»[7] رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»[8] (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). عِبَادَ اللهِ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [9]، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد. [1] صحيح؛ أخرجه الترمذي (3545)، وصححه الألباني في المشكاة (927). [2] [إبراهيم: 40]. [3] [آل عمران: 110] [4] [الكهف: 110] [5] أخرجه البخاري(3130). [6] [محمد: 22] [7] صحيح؛ أخرجه أحمد (25259)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (117). [8] أخرجه البخاري (2067)، ومسلم (2557)، من حديث أنس. [9] [الأحزاب: 56]. __________________________________________________ ________ الكاتب: د. صغير بن محمد الصغير
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() ونحن في أواخره...هل تغير شهر رمضان أم نحن تغيرنا؟! عبد الكريم علي الخلف بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه: فضائل رمضان: رمضان شهر الرحمة والغفران؛ لذلك فإن المؤمنين في هذا الشهر مدعوون ليكونوا ضيوف الرحمن يطهروا أنفسهم وقلوبهم ويحرروها من حب الدنيا والتعلق بها؛ ليكونوا لائقين لهذه الضيافة الكريمة... رمضان شهر القرآن: قال تعالى: [شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان]. والصوم فضله كبير وثوابه عظيم، ففي الحديث القدسي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قال اللَّه عز وجل: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به). وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطها أمة قبلهم: • خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك • وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا • ويزين الله عز وجل جنته كل يوم ثم يقول: يوشك عبادي الصائمون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك • ويصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصوا إلى ما كان يخلصون إليه في غيره • ويغفر لهم في آخر ليلة. قيل يا رسول الله: أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله. ماذا يعني شهر رمضان المبارك؟ يرتبط رمضان في العديد من الدول الإسلامية بالعديد من الشعائر الدينية، مثل صلاة التراويح والاعتكاف في العشر الأخير من رمضان، وقيام ليلة القدر والتي هي خير من ألف شهر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (التمسوها في الليالي الوترية) فيحتمل أن تكون ليلة السابع والعشرين أو التاسع والعشرين، وقيام هذه الليلة سبب لمغفرة الذنوب، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). ورمضان تضاعف فيه الأعمال: روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عمرة في رمضان تعدل حجة) وفي رواية: (تعدل حجة معي) أي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. هل تغير رمضان أم نحن تغيرنا؟ بالتأكيد إن الزمان لم يتغير، وإن نفحات رمضان هي هي، ولكن نحن الذين تغيرنا، فالغاية من الصيام هي تحصيل التقوى كما ورد في الآية [لعلكم تتقون] ولكن همم الناس في تحصيل معاني التقوى مختلفة ومراتبهم في ذلك متفاوتة، فمنهم من جعله موسماً للازدياد من الطاعة والقربات، ومنهم من جعله موسماً لارتياد الأسواق ومتابعة المسلسلات...! والقنوات الفضائية قد نذرت نفسها طوال العام لهذا الشهر، وأصبح رمضان وللأسف موسماً مهماً لعرض المسلسلات وبرامج المسابقات والجوائز... وكذلك أصبحت الأسواق تتفنن في إغراء الناس بما لذ وطاب من المآكل والمشارب، وبهذا أفرغ هذا الشهر من مضمونه ألا وهو التقرب إلى الله بالطاعات والعبادات. إن رمضان هذا العام هو ذاته رمضان في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يتغير، ولكن نحن الذين تغيرنا... رمضان فرصة للتغيير: لنغير من واقعنا ومن بعض عاداتنا في هذا الشهر، قال تعالى: [إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم...] فهل نبدأ رحلة التغيير في حياتنا نحو الأفضل، أم يمر علينا رمضان كما مر في الأعوام السابقة... إن اليوم الذي يمضي لا يرجع، ورمضان إذا مضى لا يعود، وما من أحد إلا سيندم على ما فات، إن كان فعل خيراً سيندم إن لم يكن قد استزاد، وإن فعل شراً سيندم لـمَ لـمْ يتب، قال تعالى: [حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت...]. لنحاول أن نجعل رمضان في هذا العام مختلفاً، وليكن همنا الأكبر فيه زيادة التقوى لنشعر أبناءنا بعظمة هذا الشهر وفضله، ولنلمس فيه معاني الصيام الحقيقية... هل نشأ أطفالنا اليوم النشأة الرمضانية السليمة؟ إن أطفالنا هم ثروتنا القادمة وهم الذين سيحملوا راية العلم والإيمان في المستقبل إن شاء الله، وإن التحديات التي تواجهنا في تربية أطفالنا تحديات كبيرة في ظل هذه الهجمة الشرسة من وسائل الإعلام المرئية وغير المرئية كالأنترنت وغيره؛ لذلك ينبغي علينا قبل منعهم من متابعة البرامج في التلفاز وغيره أن نؤمن لهم البديل الإسلامي من البرامج الهادفة والمفيدة. وإن تنشئة الولد التنشئة السليمة تبدأ منذ الصغر بتعويده على الصيام في سن السابعة وضربه عليه في سن العاشرة، واصطحاب الطفل المميز إلى المسجد في صلاة التراويح حتى يتعرض لنفحات رمضان الإيمانية. هل نعيش اليوم فوضى فكرية وإيمانية؟ إن الفوضى الفكرية والأمية الإيمانية والخواء الروحي هي الأمراض التي قصمت ظهر الأمة فوقعت في براثن التخبط والخداع والانحراف، ولذلك يقول الإمام الغزالي رحمه الله: (الضمير المعتل والفكر المختل ليسا من الإسلام في شيء). ونتيجة لهذه الفوضى تبلدت القلوب والمشاعر، وأصبح القلب لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، قال تعالى: [كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون] نحن الآن بحاجة إلى صحوة إيمانية وروحية في هذا الشهر الكريم؛ لتكون نقطة الانطلاق في هذا الشهر بداية لانطلاقة جديدة في بداية العام، اسأل الله سبحانه أن يجعلنا من عتقاء هذا الشهر الكريم من النار، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() من خواطر رمضان: الصوم الصحيح عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين كثير من عامة الناس يحافظون على العبادات في أيام رمضان، وكأنهم يستنكرون أن يتركوا العبادتين: الصوم والصلاة، أو يفعلوا عبادة دون عبادة. فتراهم يستنكرون أن يتركوا الصوم والصلاة، ويستنكرون أن يؤدوا الصوم دون الصلاة، أو يفعلوا شيئاً من المحرمات. تجدهم في رمضان يتوبون ولكن توبة مؤقتة، فهم في أنفسهم عازمون على العودة إلى المعاصي. ففي رمضان يحافظون على الصلاة، ويتوبون عن الخمر أو عن الدخان مثلاً، أو عن الاستماع إلى الأغاني والملهيات ونحو ذلك، أو عن بعض الشعارات الباطلة أو عن الصور الخليعة، أو ما أشبه ذلك، ولكن يحدثون أنفسهم أنهم بعد شهر رمضان سيعودون إلى ما كانوا عليه ولهذا يتمنون انقضاء هذه الأيام وإذا أقبل رمضان حثوا أنفسهم، وتناولوا ما قدروا عليه من الخمر ومن غيرها حتى قال بعضهم: دعاني شهر الصوم لا كان من شهر ولا صمت شهراً بعده آخر الدهر و العياذ بالله... فهؤلاء ربما يفرقون بين رمضان وما بعد رمضان؛ فيستكثرون من تناول الحرام وفعله قبل أن يأتي شهر رمضان؛ لأنهم سيتركونه مدة هذا الشهر فقط، ثم يعودون إليه، حتى قال بعضهم: إذا العشرون من شعبان ولّت *** فبادر بالشراب إلى النهــــــارِ ولا تشرب بأقداحٍ صغــــــارٍ *** فإن الوقتَ ضاق على الصغارِ فمثل هؤلاء لم يتأثروا بصومهم، فالإنسان يستعيذ بالله أن يكون من هؤلاء الذين ما نفعهم صومهم ولا زجرهم عن المحرمات، وإذا فعلوا شيئاً من العبادات فعلوها بنية الترك وإذا تركوا شيئاً من المعاصي تركوها بنية الفعل بعد أن ينفصل الشهر، كما قال شاعرهم وأميرهم: رمضان ولّى هاتها يا ساقي *** مشتاقة تسعى إلى مشتاقِ فهو ينادي ساقي الخمر بأن يأتي إليه بالشراب مسرعاً؛ لأن رمضان قد انقضى وولَّى وكأن الخمر حرام في رمضان حلال في غيره. فالصوم الصحيح هو الذي يحفظ فيه الصائم صيامه؛ فيحفظ البطن وما حوى، والرأس وما وعى، ويذكر الموت والبلى، ويستعد للآخرة بترك زينة الحياة الدنيا، ويترك الشهوات التي أساسها شهوة البطن والفرج، ويذكر بعد ذلك ما نهاه الله عنه من الشهوات المحرمة في كل وقت. ويذكر أيضاً أن الصوم هو في ترك هذه الشهوات، فما شرع الله الصوم إلا لتقويم النفوس وتأديبها.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |