شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله - الصفحة 7 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4988 - عددالزوار : 2107542 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4567 - عددالزوار : 1385085 )           »          أبو الفتح ابن سيد الناس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 27 - عددالزوار : 1514 )           »          ما أحلى سويعات قربك يا أمي!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 73 )           »          دور المسجد في الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 46 )           »          هل تشكو من عصبية زوجك أو ولدك أو جارك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          أصحاب الأخدود... عبر ودروس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 84 )           »          العُمَران (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          إني أحبك أيها الفاروق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-04-2019, 11:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(55)

- باب القول بعد الفراغ من الوضوء - باب حلية الوضوء

بيّن الشرع الحكيم أجر الوضوء، وأن من جاء بالذكر الوارد بعده تفتح له أبواب الجنة الثمانية، وجعل الشارع هذا الوضوء زينة وعلامة لذلك المتوضئ يعرف بها يوم القيامة، فهي كرامة له في الدنيا والآخرة.
القول بعد الفراغ من الوضوء

شرح حديث عمر في القول بعد الفراغ من الوضوء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [القول بعد الفراغ من الوضوء.أخبرنا محمد بن علي بن حرب المروزي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عقبة بن عامر الجهني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء)].يقول النسائي رحمه الله: باب: القول بعد الفراغ من الوضوء؛ يعني: الذكر الذي يذكر بعد أن يفرغ المتوضئ من وضوئه ماذا يقول، وقد أورد النسائي فيه حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الذي يرويه عنه عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه، فهو من رواية صحابي عن صحابي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء) فهذا هو الذكر الذي يذكر عقب الفراغ من الوضوء، يشهد لله عز وجل بالألوهية والوحدانية، ويشهد لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام بالعبودية والرسالة فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.فهاتان الشهادتان هما متلازمتان، لا تنفك إحداهما عن الأخرى، فلا بد من شهادة أن لا إله إلا الله، ولا بد من شهادة أن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا تكفي واحدة منهما دون الأخرى، وإذا ذكرت إحداهما فإن الأخرى تابعة لها؛ لأن الشهادة لله عز وجل بالوحدانية هي حق الله عز وجل، والشهادة بأن محمداً عبده ورسوله هو بيان الطريق إلى الله عز وجل، والمنهج الذي يوصل به إلى الله سبحانه وتعالى، وهو ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا يأتي كثيراً الجمع بين الشهادتين، وأحياناً يذكر أو يكتفى بشهادة أن لا إله إلا الله، لكن الأخرى تابعة لها، وهي لازمة لها، ولا تنفك عنها؛ لأن من شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمداً رسول الله فإن شهادته لا تنفعه، ولهذا جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه، قوله عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار).وهذا فيه بيان أن اليهود والنصارى، وإن زعموا أنهم أتباع الأنبياء، وأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله إلا أنه بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام لا بد لكل إنسي وجني بأن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ومن شهد أن لا إله إلا الله، ولم يشهد أن محمداً رسول الله فإن ذلك لا ينفعه؛ لأن الله عز وجل أرسل رسوله إلى الثقلين الجن والإنس بشيراً ونذيراً، فمن حين بعث إلى قيام الساعة لا ينفع أحداً أن يقول إنه تابع لنبي من الأنبياء، أو يشهد أن لا إله إلا الله دون أن يضيف إليها أشهد أن محمداً رسول الله، فهما شهادتان متلازمتان.وفي هذا الذكر أيضاً وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه عبد الله ورسوله، وهذا من أحب الأوصاف إليه، ومن الصفات التي أرشد إليها عليه الصلاة والسلام كما جاء في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي رواه البخاري في صحيحه يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)، فهذا وصف بأنه عبد وهي من أخص أوصافه، ولهذا الله عز وجل ذكر هذا الوصف في المقامات الشريفة، والمقامات العالية، جاء وصفه به عند إنزال القرآن: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1]، وعند الإسراء: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1]، وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ [الجن:19].فرسوله عبد لا يُعبد؛ لأنه عابد لله عز وجل.أما وصفه بأنه رسول الله فإن هذا الوصف فيه الشهادة له بالرسالة، وأنه رسول من عند الله، فهو عبد لا يُعبد ورسول لا يكذب، بل يطاع، ويتبع عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.فهذان الوصفان من أخص أوصافه، ولهذا يأتي ذكرهما في مواضع عديدة في إرشاد النبي عليه الصلاة والسلام بأن يقال هذا اللفظ، وفي الثناء على الرسول عليه الصلاة والسلام عندما تذكر الشهادة له بالرسالة، والعبودية مع ذكر الشهادة لله عز وجل بالألوهية والربوبية له سبحانه وتعالى.وحديث: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، جاء في رواية عند الترمذي مع هذا الذكر: (اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين) فهذا الذكر الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بين فضله وعظم أجره عند الله عز وجل، مع كون الإنسان يتوضأ، ويحسن الوضوء؛ لأنه قال عليه الصلاة والسلام: [(من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)] فهذا يدلنا على فضل هذا الذكر، وعلى فضل الوضوء وإحسانه، والإتيان بهذا الذكر عقبه، وأن فيه هذا الأجر الجزيل، والثواب من الله سبحانه وتعالى.وهذا الحديث رواه عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو من رواية صحابي عن صحابي، وقد رواه مسلم في صحيحه، فهذا حديث عقبة من طريق عمر، وروى الحديث الذي سيأتي بعد باب، وهو دال على فضل الوضوء، وعلى صلاة ركعتين بعد الوضوء وقد رواه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بدون واسطة.وهذا الحديث والحديث الذي سيأتي وهو حديث عقبة بن عامر الذي يقول فيه: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه ووجهه وجبت له الجنة) جمعهما مسلم رحمه الله في حديث واحد، وذلك أن عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه قال: (كنا نتناوب رعاية الإبل) يعني: أن كل واحد منهم له عدد من الإبل، وبدلاً من أن يرعى كل واحد إبله، ويغيبون عن مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام كانوا يتناوبون الإبل، يجمعون بعضها إلى بعض، ثم كل واحد يرعاها يوم من الأيام، والباقون يجلسون في مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام يتلقون الحديث منه، ويتلقون منه السنن.قال: (كنا نتناوب رعاية الإبل، فلما جاءت نوبتي روحتها بعشي) يعني: لما كان اليوم الذي يرعى الإبل هو، روحها بعشي مبكراً، فجاء وأدرك النبي عليه الصلاة والسلام قائماً يحدث الناس فسمعه يقول: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه ووجهه وجبت له الجنة، فقال: ما أجود هذه، وإذا عمر يسمعه)، فقال: (التي قبلها أجود) يعني: هذه التي حضرها؛ لأن عقبة بن عامر حضر هذا الحديث الذي سمعه، ولكن الذي ما حضره، وقد فاته ذكره به، ودله عليه عمر بن الخطاب فقال: (إني رأيتك جئت آنفاً، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال..) وهذا الذي يعنيها بقوله: إنها أجود، وهي (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء).فهذا الحديث رواه مسلم من طريق: عقبة بن عامر الجهني، أحد الحديثين رواه عقبة عن النبي عليه الصلاة والسلام وقد أدركه في آخر المجلس، والثاني الذي هو الأول هنا رواه عقبة عن عمر، وهذا هو الذي فاته في مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام.

تراجم رجال إسناد حديث عمر في القول بعد الفراغ من الوضوء

قوله: [محمد بن علي بن حرب المروزي].محمد بن علي بن حرب المروزي يلقب: الترك، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده، وأحياناً ينسب إلى جده ويحذف أباه، فيقال: محمد بن حرب، وهو: محمد بن علي بن حرب، وهنا منسوب إلى أبيه.[حدثنا زيد بن الحباب].زيد بن الحباب، وهو صدوق، يخطئ في حديث الثوري، وحديثه عند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا معاوية بن صالح].وهو معاوية بن صالح بن حدير الذي مر معنا، وهو صدوق له أوهام، وحديثه عند البخاري في جزء القراءة خلف الإمام، وعند مسلم، وعند أصحاب السنن الأربعة.[عن ربيعة بن يزيد].وهو ربيعة بن يزيد الدمشقي، وهو ثقة، عابد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان]. أبو إدريس الخولاني، واسمه: عائذ الله؛ يعني: ذو عياذ بالله، وهو مشهور بكنيته، ويأتي ذكره بها كثيراً، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.أما أبو عثمان الذي قرن معه فاختلف فيه، فقيل: هو: سعيد بن هانئ الخولاني المصري قال ذلك بعض العلماء، ومنهم من قال: إنه: حريز بن عثمان الرحبي، ذكر الحافظ ابن حجر في التقريب، وقال: هو: سعيد بن هانئ المصري، وقيل: حريز بن عثمان، وإلا فهو مجهول، فهو إما هذا وإما هذا، والرمز له عند مسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، ولا يضر سواء عرف أو لم يعرف؛ لأن الحديث ما بني عليه، والإسناد هو تابع، والتعويل على أبي إدريس الخولاني، سواء جاء أبو عثمان، وسواء عرف أو لم يعرف، فالحديث ثابت؛ لأنه ما دام أن الحديث عن أبي إدريس الخولاني، وأبو إدريس الخولاني ثقة، مشهور، وهو من رجال الجماعة فإنه لا يؤثر، والاثنان سعيد بن هانئ المصري وكذلك حريز بن عثمان هما من رجال الصحيحين، أو أحدهما، فلا يؤثر؛ يعني: سواء كان هذا أو هذا أو كان مجهولاً فهو كما لو قالوا في بعض الأسانيد: حدثنا فلان وغيره، فأحياناً هكذا يقولون، كلمة (غيره) هذه لا تؤثر؛ يعني: جاءت (غيره) أو لم تأت فالتعويل على المعطوف عليه لا على المعطوف. إذاً: فالجهل به إن كان مجهولاً فإنه لا يؤثر؛ لأن العمدة على غيره وليس عليه.[عن عقبة].هو عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وله خمسة وخمسون حديثاً، اتفق البخاري، ومسلم منها على سبعة، وانفرد البخاري بحديث، وانفرد مسلم بتسعة أحاديث وهو صاحب حديث اللقطة الطويل.[عمر بن الخطاب]. عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أمير المؤمنين أبي حفص، ثاني الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، بل هو ثاني أفضل العشرة بعد أبي بكر رضي الله تعالى عن الجميع، وقد مر ذكره في الأحاديث الماضية، بل في حديث: (إنما الأعمال بالنيات) الذي مر في باب النية في الوضوء.
حلية الوضوء

شرح حديث: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حلية الوضوء.أخبرنا قتيبة عن خلف وهو: ابن خليفة عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم قال: (كنت خلف أبي هريرة رضي الله عنه وهو يتوضأ للصلاة، وكان يغسل يديه حتى يبلغ إبطيه، فقلت: يا أبا هريرة! ما هذا الوضوء؟ فقال لي: يا بني فروخ! أنتم ها هنا؟ لو علمت أنكم ها هنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء)].أورد النسائي هذه الترجمة وهي: حلية الوضوء، أتى بهذه الترجمة؛ لأنها موجودة في لفظ الحديث، والمقصود بالحلية هي الزينة، والمقصود من ذلك أن علامة الأمة يوم القيامة هي: كونهم يتوضئون، يأتون غراً محجلين، فهي زينة لهم، وعلامة لهم يعرفون بها يوم القيامة، فيكون في الوضوء فوائد دنيوية وأخروية، دنيوية تكون فيه نظافة، وجمال ظاهر في الدنيا، في الآخرة فيه زينة وجمال، وأنهم يأتون غراً محجلين من آثار الوضوء، فهي تعتبر جمالاً لهم، وبهاءً، وحسناً.أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، يقول أبو حازم: (كنت وراء أبي هريرة، وهو يتوضأ، فكان يغسل ذراعيه حتى يصل إلى الإبطين) يعني: يبالغ في غسل اليدين حتى يصل إلى الإبطين.فلما رآه قال: (ما هذا يا أبا هريرة! قال: يا بني فروخ! أنتم ها هنا؟ لو كنت أعلم أنكم ها هنا ما توضأ هذا الوضوء) ثم بين مستند في ذلك وقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء) فكان أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه يبالغ، ويزيد حتى يصل إلى المنكبين، ويأخذ من هذا الحديث أنه يبالغ حتى يصل إلى هذا؛ لأن هذه علامة يوم القيامة لهذه الأمة، (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء).هذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)، لكن أبو هريرة زاد على القدر المشروع رغبة في أن يزيد تحجليه، أو تزيد تلك الحلية، لكن هل هذا الفعل الذي فعله أبو هريرة جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ لا. ما جاء عن رسول الله، وإنما الذي جاء عنه أنه يشرع في العضد، ويتجاوز المرفقين، ولا يقتصر عليهما فقط، بل يدخل في العضد ويشرع فيهما، وهذا هو الذي ينبغي أن يصار إليه، ولا يزاد على ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.إذاً: فيكون قوله عليه الصلاة والسلام: (تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء) هو الوضوء الشرعي الذي ثبت عن رسول الله، وأقصى حد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام التجاوز للمرفقين بحيث يدخل في العضد، ويدخل في الساق بالنسبة للرجلين، لكنه لا يتوغل فيهما، ولا يكثر من الغسل منهما، وإنما يشرع فيهما، ويدخل فيهما.فإذاً: ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي يقتصر عليه ويفعل، ويكون معنى قوله: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء) يعني: الوضوء الشرعي الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، وما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه فهو اجتهاد منه، والأولى هو الاقتصار على ما فعله الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء)

قوله: [أخبرنا قتيبة].وهو: قتيبة بن سعيد، وهو أحد الثقات، الأثبات، ومن رجال الجماعة.[عن خلف بن خليفة].خلف بن خليفة قيل عنه: هو الأشجعي الكوفي، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: إنه صدوق اختلط في الآخر، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد، وعند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي مالك].وهو: سعد بن طارق الأشجعي أبو مالك الأشجعي، وهو ثقة حديثه عند البخاري تعليقاً، وعند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي حازم].أبو حازم، وهو: سلمان الكوفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].أبو هريرة، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وهو أحد السبعة المكثرين بل هو أكثرهم على الإطلاق.

شرح حديث: (... فأنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من الوضوء...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أني قد رأيت إخواننا، قالوا: يا رسول الله! ألسنا إخوانك؟ قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض، قالوا: يا رسول الله! كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل بهم دهم، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى. قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي فيه أن النبي عليه السلام قال لأصحابه: (وددت أني رأيت إخواني، قالوا: ألسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد).فالرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا عندما خرج إلى المقبرة، ودعا لأهل القبور وقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين).وقوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: (وددت أني رأيت إخواني، وقول الصحابة: ألسنا إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي) ليس ذلك نفياً لكونهم إخواناً له، وإنما المقصود من ذلك الإخوان الذين لم يحصلوا هذا الوقت، وأنهم جمعوا بين وصف الأخوة ووصف الصحبة، ووصف الصحبة هو الشرف الذي لا يماثله شرف، ولا يدانيه شرف، وأما وصف الأخوة في الإسلام هو حاصل لهم ولغيرهم، وأما الصحبة فهم الذين ظفروا بها، وهم الذين أكرمهم الله تعالى بها، ولم يشاركهم فيها أحد من الناس، فهم اختارهم الله لصحبة نبيه عليه الصلاة والسلام.وقوله: (أنتم أصحابي وإخواني الذين لم يأتوا بعد) يعني: أنتم أصحابي مع الأخوة، أما الإخوان الذين ليس لهم إلا الأخوة فهم الذين لم يأتوا بعد، لما قال: (الذين لم يأتوا بعد)، قالوا: كيف تعرفهم؟ يعني: كيف تعرف هؤلاء الذين لم يأتوا بعد وهم من أمتك؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام ضرب لهم مثلاً وقال: (أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غر محجلة في خيل بهم دهم) يعني: إذا كان إنسان له خيل علامتها أنها غر محجلة؛ فيها بياض في جبهتها وعلى رأسها، وفي أيديها، وأرجلها بياض، وهناك خيل بهم ليس فيها بياض أبداً، شكلها شكل واحد، ألا يعرف خيله إذا كانت خيله غر محجلة مع تلك الخيل التي هي بهم دهم؟ ثم بين أنهم يأتون غراً محجلين من آثار الوضوء، يأتون يوم القيامة وهو يعرفهم بالتحجيل، يعرفهم بهذه العلامة التي هي كونهم غراً محجلين وإن لم يرهم، وإن لم يشاهدهم، وإن كانوا ممن يأتون بعد الرسول وبعد زمنه عليه الصلاة والسلام، لكن هذه العلامة هي الفارقة التي يعرفون بها.إذاً: فهذه حلية، وهذا هو الذي ترجم له النسائي: حلية الوضوء؛ وهي: أن الوضوء يأتي علامة وسيما لأمة محمد عليه الصلاة والسلام يوم القيامة يعرفون بها، ويعرفهم النبي عليه الصلاة والسلام بهذه العلامة التي هي كونهم غراً محجلين، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ضرب هذا المثل في بيان معرفته لهم لوضوحهم، وأنهم وإن كان لم يشاهدهم في الدنيا وسيشاهدهم في الآخرة فإنه يعرفهم بهذه العلامة.وفي هذا ضرب الأمثال؛ لأن الأمثال فيها توضيح للمعاني وإبراز لها، وأن في ضرب المثل ما يقرب المعنى ويوضحه ويجعله جلياً، وما أكثر ضرب النبي صلى الله عليه وسلم الأمثال في السنة؛ لأن فيها تقرير وتوضيح وبيان، وهذا من كمال بيانه، ومن فصاحته، وبلاغته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. قوله: [عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)].هذا فيه زيارة القبور، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يزورها ويرشد إلى زيارتها، وقال: (زوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة)، وكان يزور البقيع، ويدعو لأهله ويقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون).وقوله: (إنا إن شاء الله بكم لاحقون) هذا ليس مما يشك فيه، ويتردد، بل هذا من الأمور المحققة؛ لأن الموت آت لكل إنسان، آت لكل مخلوق، لا بد وأن يموت، ولكن ذكر إن شاء الله تبركاً باسم الله عز وجل، وكذلك من استعمال لفظ إن شاء الله في الأمور المستقبلة، وإن كانت محققة لا شك فيها ولا بد منها؛ لأن هذا من الأدب مع الله، وأن كل شيء يكون في المستقبل لا يكون إلا بمشيئة الله عز وجل، لكن حصول الموت شاءه الله تعالى، وهو كائن لا محالة، شاء الله تعالى أن يموت الناس، وهو واقع لا محالة.قوله: (وأنا فرطهم على الحوض) فرطهم يعني: الذي يسبقهم، ويكون أمامهم ينتظرهم، فيأتون يشربون من الحوض فيذاد عنه من يذاد، ويشرب منه من يشرب، وعلامة أمته عندما يردون حوضه ليشربوا منه أنهم غر محجلون من آثار الوضوء.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-04-2019, 11:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(56)

- باب ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين - باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي

جعل الشارع ثواباً عظيماً وهو الجنة لمن أحسن الوضوء وصلى ركعتين بعده، كما أنه أخبر بانتقاض وضوء من أمذى ووجهه بأن يغسل موضع خروجه وما حوله.
ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين

شرح حديث عقبة بن عامر في ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين.أخبرنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح حدثنا ربيعة بن يزيد الدمشقي عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن جبير بن نفير الحضرمي عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه وجبت له الجنة)].أورد النسائي باب: ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين، وأورد فيها: حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه، الذي يقول فيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين يقبل فيهما بقلبه ووجهه وجبت له الجنة)، فهذا يدلنا على فضل هذا العمل، على فضل الوضوء وإحسانه، وعلى صلاة ركعتين بعده، وهذا يدل على استحباب ركعتين بعد الوضوء، وأن فيهما مع إحسان الوضوء هذا الثواب الجزيل من الله عز وجل، وأن تلك الصلاتين أو تلك الركعتين يكون فيهما مقبل بقلبه ووجه على الله عز وجل، بحيث يكون متجهاً إلى الله، وغير منشغل في أمور الدنيا، وإنما متجه إلى الله سبحانه وتعالى، يراه، ويخشى عقابه، فهذا أجره، وهذا ثوابه؛ أن الله تعالى أوجب له الجنة، كما قال عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: (وجبت له الجنة)، وهذا يدلنا على فضل هذا العمل، وأن الله عز وجل يجازي على هذا العمل -الذي هو إحسان الوضوء وصلاة ركعتين بعده- بهذا الثواب الجزيل منه سبحانه وتعالى.

تراجم رجال إسناد حديث عقبة بن عامر في ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين

قوله: [أخبرنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي].وهو: موسى بن عبد الرحمن بن سعيد بن مسروق المسروقي، وهو ثقة، وحديثه عند الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وهو ثقة، وقد مر ذكره فيما مضى.[حدثنا زيد بن الحباب].وزيد بن الحباب يروي عن معاوية بن صالح، ومعاوية بن صالح يروي عن ربيعة بن يزيد الدمشقي، وربيعة بن يزيد الدمشقي يروي عن أبي إدريس الخولاني، وعن أبي عثمان، ويرويان هنا عن جبير بن نفير، وجبير بن نفير هو: الحضرمي، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد، وعند مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو ثقة جليل مخضرم، يعني: ممن أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء هم المخضرمون، وقد مر علينا جماعة منهم، مثل: أبي وائل، ومثل: أبي عثمان النهدي، ومثل: سويد بن غفلة، ومثل: معرور بن سويد، كل هؤلاء يقال لهم: مخضرمون أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم.وجبير بن نفير يروي عن عقبة بن عامر الجهني، وهو الذي مر ذكره في الحديث السابق، ويروي عن عمر، وقد ذكرت لكم: أن هذين الحديثين رواهما مسلم بإسناده عن عقبة بن عامر، وأنه لما جاءت نوبته في رعاية الإبل روحها بعشي، وأدرك بقية مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع منه هذا الحديث، فقال لما سمع هذا الحديث: ما أجود هذا! فقال عمر: التي قبلها أجود، ثم ساق له الحديث الأول الذي ذكره النسائي أولاً.
ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي

شرح حديث علي في انتقاض الوضوء من المذي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي.أخبرنا هناد بن السري عن أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن أنه قال: قال علي رضي الله عنه: (كنت رجلاً مذاء، وكانت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم تحتي، فاستحييت أن أسأله، فقلت لرجل جالس إلى جنبي: سله، فسأله، فقال: فيه الوضوء)].لما فرغ النسائي من الأحاديث المتعلقة بالوضوء، وبيان صفته، وما يتعلق بذلك بدأ بالأبواب المتعلقة بنقض الوضوء؛ الذي ينقض والذي لا ينقض، وهذه الترجمة التي بدأ بها، هي ترجمة فيها شيء من التحريف والتلفيق؛ لأنها في الحقيقة ترجمتان، وليست ترجمة واحدة، ويبدو أنها باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض، ثم يأتي عنوان آخر وهو: الوضوء من المذي؛ لأن المذي كله ناقض، فليس فيه شيء ينقض وشيء لا ينقض، فالترجمة يبدو أنها قد حصل فيها شيء من التداخل، أو إدخال شيء بشيء، فصارت على هذا اللفظ، أو على هذا السياق الذي لا يستقيم من حيث المعنى؛ لأنه لو بقيت على ما هي عليه: باب ما ينقض الوضوء، وما لا ينقض من المذي أوهم ذلك أن المذي فيه شيء لا ينقض، والمذي ناقض، وكل ما يخرج من السبيلين فهو ناقض، وإنما القضية هي أن العنوان عام؛ ما ينقض وما لا ينقض، ثم بدأ بالوضوء من المذي، ومعناه: أنه ناقض للوضوء.ويأتي أحياناً ذكر ترجمتين: ترجمة عامة، وترجمة خاصة، ومثل ما مضى في خصال الفطرة، ومثل ما مضى في الوضوء، ثم يأتي جزئيات الوضوء، والأمور المتفرعة التي هي تندرج تحت الوضوء، فهذا كذلك.فكأن الترجمة هنا الذي ينقض والذي لا ينقض؛ لأن من الأشياء ما هو ناقض، ومنها ما هو غير ناقض مما يقال: إن هناك احتمالاً أنه ينقض الوضوء، ويبدو أن فيه عنوانين: العنوان الأول: باب: ما ينقض وما لا ينقض، أو لعله ليس باباً؛ لأن هناك أبواباً متعددة.العنوان الثاني: الوضوء من المذي، يعني: لزوم الوضوء من المذي؛ لأنه ناقض من نواقض الوضوء.إذاً: فهذه بداية لمباحث ولأبواب متعددة تتعلق بنواقض الوضوء؛ لأن هناك أشياء اختلف فيها، هل تنقض أو لا تنقض؟ مثل التقبيل هل هو ناقض أو غير ناقض؟ وهذا مما لا ينقض كما سيأتي.إذاً: فالترجمة (ما ينقض وما لا ينقض)، ثم بدأ بواحد من تلك الجزئيات الخاصة التي تندرج تحت هذا اللفظ العام، وهي: الوضوء من المذي، ثم جاءت عدة أحاديث متعلقة بالوضوء من المذي.فإذاً: العنوان الموجود ليس مستقيماً، بل فيه شيء من التداخل والتلفيق، وهو عنوان عام، وبعده عنوان خاص، ولو جاءت كلمة الوضوء من المذي تحت ما ينقض وما لا ينقض لسهل الأمر واتضح المعنى، ولكن لما جاءت هذه وراء هذه دخلت هذه، في هذه فصارت كلمة الوضوء الثانية كأنها فاعل لكلمة ينقض الثانية، باب: ما ينقض وما لا ينقض الوضوء، فصارت كلمة الوضوء الثانية كأنها فاعل لكلمة ينقض الثانية، وهي ليست فاعلاً، بل هي مبتدأ، بل هي عنوان جديد، وهو الذي جاءت الأحاديث تحته، وهو الوضوء من المذي.المذي هو: ماء رقيق يخرج من الذكر عند المداعبة والملاعبة، وهو ناقض للوضوء، ويجب غسله وهو نجس، ويجب الوضوء من ذلك، وكل ما يخرج من السبيلين فهو ناقض للوضوء، والمذي خارج من أحد السبيلين، فهو ناقض من نواقض الوضوء، ويجب فيه الوضوء، بل إنه ما يكفي الوضوء فقط، بل لا بد من الاستنجاء، ولا بد من إزالة النجاسة التي حصلت على الذكر وما حول الذكر؛ لأن هذا خروج نجاسة.فأورد النسائي في هذه الترجمة؛ ترجمة الوضوء من المذي، حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في قصة طلبه من بعض الصحابة أن يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن المذي، ولم يجرؤ أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم من أجل المصاهرة التي بينهما، فهو لمكان ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منه لم تسمح نفسه أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا السؤال، وإنما طلب من بعض الصحابة أن يسأل النبي عليه الصلاة والسلام فسأله، فأجاب النبي عليه الصلاة والسلام: بأن فيه الوضوء، وفي بعض الألفاظ: (يغسل مذاكيره ويتوضأ)، يعني: يغسل النجاسة التي حصلت من ذلك المذي الذي خرج من الذكر ويتوضأ؛ لأن هذا الخارج من الذكر ناقض من نواقض الوضوء، فيجب الوضوء عند إرادة الصلاة، أو ما يراد له الوضوء، كقراءة القرآن والطواف، وما إلى ذلك من الأعمال التي لا تفعل إلا مع الوضوء.أورد النسائي حديث علي من طرق متعددة، الطريق الأولى قال فيها: [أخبرنا هناد بن السري عن أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن أنه قال: قال علي رضي الله عنه: (كنت رجلاً مذاءً، وكانت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم تحتي؛ فاستحييت أن أسأله، فقلت لرجل جالس إلى جنبي: سله، فسأله، فقال: فيه الوضوء)].يقول علي: كنت رجلاً مذاءً، يعني: عندما يحصل منه قرب من أهله، ومداعبتهم، وملاعبتهم يخرج منه ذلك الماء الرقيق اللزج، واستحيا أن يسأل الرسول عليه الصلاة والسلام، والسبب في ذلك أنه صهره، وكون ابنته تحته، فطلب من رجل كان بجنبه في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل عن المذي إذا خرج، فسأله وعلي جالس، فقال عليه الصلاة والسلام: (فيه الوضوء)، يعني: يجب الوضوء من ذلك الخارج الذي هو المذي.إذاً: فهذا الحديث يدلنا على نقض الوضوء بالمذي، وأن من أمذى فقد انتقض وضوءه، ويجب عليه أن يتوضأ، يعني: معناه أنه إذا أراد أن يصلي، أو أراد أن يأتي بأمر يشرع له أو يطلب فيه الوضوء، فإنه لا يقدم على فعله إلا وقد توضأ؛ لأنه ليس على طهارة، فإذا كان متوضئاً وخرج منه ذلك المذي فإنه ينتقض وضوءه، فطلب علي رضي الله عنه من رجل إلى جنبه جالس، يعني: في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، وبين السبب في عدم إقدامه على السؤال، واستحيائه من هذا السؤال، وأن ذلك لمكانة ابنته منه، وفي هذا دليل على أن الحديث مع الأصهار فيما يتعلق بالجماع، وفيما يتعلق بالاتصال بالأهل، ولو كان ذلك عن طريق الأمور التي يحتاج إليها كالسؤال، أن ذلك مما لا ينبغي؛ لأن علياً رضي الله عنه وأرضاه استحيا من رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يواجهه بهذا السؤال؛ لأن ابنته فاطمة تحت علي رضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين.فدل هذا على أن من الآداب التي ينبغي أن تكون بين الأصهار ألا يتحدث الصهر أو الزوج مع أبي البنت أو أخيها أو وليها فيما يتعلق بالاتصال بها، أو الاتصال بالأهل.وهذا الرجل الذي أُبهم جاء في بعض الروايات أنه المقداد بن الأسود، وجاء في بعضها أنه عمار بن ياسر، فهنا مبهم، وقد جاء مسمى في بعض الروايات، وأكثرها أنه: المقداد بن الأسود رضي الله تعالى عنه، وأنه سأل النبي عليه الصلاة والسلام، فأجابه بأن فيه الوضوء.

تراجم رجال إسناد حديث علي في انتقاض الوضوء من المذي

قوله: [أخبرنا هناد بن السري].هو: هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة، وحديثه عند البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وقد مر ذكره مراراً وتكراراً.[عن أبي بكر بن عياش].هو أبو بكر بن عياش وهذا قد سبق أن مر ذكره فيما مضى، وهو مشهور بكنيته، واختلف في اسمه على عشرة أقوال، قيل: إن اسمه كنيته، وقيل: إن اسمه غير الكنية، وذكروا أشياء أخر، ولكن المشهور أنه مشتهر بكنيته، ومعروف بكنيته.وأبو بكر بن عياش ثقة، وخرج حديثه مسلم في المقدمة، أي: مقدمة الصحيح، وأصحاب السنن الأربعة.[عن أبي حصين].أبو حصين هذه كنية، وهو بفتح الحاء على وزن عظيم، وهو عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي، وهو ثقة، حديث عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبي عبد الرحمن].وهو أبو عبد الرحمن السلمي، واسمه عبد الله بن حبيب، وهو ثقة، مقرئ، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.وهذا غير أبي عبد الرحمن السلمي المتأخر الذي هو معروف بأنه ينسب إلى التصوف، وأنه صوفي، وله كلام كثير في الصوفية، ليس هذا، فهذا متقدم، وهو يروي عن علي، وعثمان، وعن الصحابة، وهو من المتقدمين، وأما ذاك فهو متأخر.[عن علي].هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد مر ذكره مراراً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث علي في غسل الرجل مذاكيره ووضوئه للصلاة من المذي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن علي رضي الله عنه أنه قال: (قلت للمقداد: إذا بنى الرجل بأهله فأمذى ولم يجامع، فاسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فإني أستحيي أن أسأله عن ذلك وابنته تحتي، فسأله، فقال: يغسل مذاكيره ويتوضأ وضوءه للصلاة)].أورد النسائي: حديث علي رضي الله عنه من طريق أخرى، وأنه طلب من المقداد بن الأسود أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن المذي إذا خرج، وبين للمقداد أنه لا يريد أن يسأل هذا السؤال لمكان ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وهو يستحي أن يسأله، ولهذا طلب من المقداد أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم، فسأله المقداد، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (يغسل مذاكيره ويتوضأ وضوءه للصلاة)، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى الاستنجاء، واستعمال الماء في غسل الذكر وما اتصل به، ويتوضأ الوضوء الشرعي الذي هو وضوء الصلاة، وبذلك يرجع إلى الطهارة، فيعمل وهو كذلك ما يعمل في حال وضوئه؛ لأنه رجع إلى الطهارة؛ لأن الحدث الذي انتقض به الوضوء زال؛ بأن رفع ذلك الحدث بالوضوء، وعاد الإنسان إلى الطهارة، فيأتي بالأشياء التي يأتي بها وهو متوضئ من صلاة، وقراءة قرآن، وطواف، وما إلى ذلك من الأمور التي لا بد للآتي بها أن يكون متوضئاً، بل الحديث يدل على ما دل عليه الذي قبله، إلا أن فيه ذكر غسل المذاكير، وإنما قال: (المذاكير)، مع أن الإنسان ليس عنده إلا عضو واحد؛ لما يتصل به من الأنثيين فقد يتجاوز محل الخروج، فيصل إلى غير محل الخروج، فيحتاج الإنسان إلى أن ينظف كل ما وصل ذلك الماء الرقيق اللزج إليه.فإذاً: أرشد عليه الصلاة والسلام إلى غسل تلك النجاسة، وإلى الاستنجاء، وإلى الوضوء أيضاً للصلاة، وبذلك يحصل ارتفاع الحدث، وعودة الطهارة إلى صاحبها.

تراجم رجال إسناد حديث علي في غسل الرجل مذاكيره ووضوئه للصلاة من المذي

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].وهو ابن راهويه الحنظلي، الإمام المشهور، المحدث، الفقيه الذي مر ذكره مراراً، وذكرت فيما مضى: أنه أحد الثقات، الأثبات، وأن حديثه عند الستة إلا ابن ماجه ، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه؛ لأنه لم يرو له في سننه شيئاً، وإنما الذين رووا عنه وهو يعتبر شيخاً لهم، هم أصحاب الكتب الستة ما عدا ابن ماجه ، وهو ثقة، إمام، محدث، فقيه.[ أخبرنا جرير].هو جرير بن عبد الحميد الذي قد مر ذكره أيضاً مراراً، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن هشام بن عروة].هو هشام بن عروة بن الزبير، وقد مر أيضاً، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[وعروة بن الزبير].هو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو كما ذكرنا مراراً أحد الفقهاء السبعة في المدينة الذين جمعوا بين الحديث والفقه، وهم مشهورون في عصر التابعين.وعروة بن الزبير يروي عن علي رضي الله تعالى عنه.

شرح حديث: (... يكفي من ذلك الوضوء) في المذي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن عائش بن أنس: أن علياً قال: (كنت رجلاً مذاء فأمرت عمار بن ياسر يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل ابنته عندي، فقال: يكفي من ذلك الوضوء)].أورد النسائي: حديث علي رضي الله عنه في قصة كونه رجلاً مذاء، وأنه طلب من غيره أن يسأل عنه، وقد مر في الطريق الأولى إبهام الرجل المطلوب منه أن يسأل، والطريق التي بعدها فيها: أن المقداد بن الأسود هو الذي طلب منه أن يسأل، وفي هذه الرواية الذي طلب منه أن يسأل هو: عمار بن ياسر رضي الله تعالى عن الجميع، ويمكن الجمع بين الروايتين بأنه حصل منه الطلب من هذا وهذا، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل وأجاب، وفي بعض الروايات ما يدل على أن علياً كان حاضراً، ولهذا اعتبر العلماء هذا الحديث من مسند علي، وما اعتبروه من مسند غيره؛ لأنه هو الذي يتحدث عن الذي قد حصل، وفي بعض الألفاظ ما يدل على أنه جالس، يعني: في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن السؤال حصل بحضور علي رضي الله عنه وأرضاه، فأخذ من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة.فإذاً: فلا تنافي بين ما جاء من أن المطلوب منه أن يسأل هو المقداد، وبين ما جاء أن المطلوب أن يسأله هو عمار، فيحمل بأن يكون طلب من هذا وهذا، وحصل الذكر من هذا وهذا، وأنه كان حاضراً، أي: علي رضي الله عنه حين إفتاء الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك، وإجابته على السؤال الذي سئل عنه في هذا.وفي هذا قال: (يكفيه الوضوء)، يعني: لا يحتاج إلى اغتسال؛ إنما الوضوء، ولكن كما هو معلوم أن هذا الوضوء يحتاج إلى استنجاء قبله من أجل إزالة هذا الذي علق من هذا الخارج اللزج الذي حصل من الإنسان.إذاً: فقوله: (يكفيه الوضوء)، يدل على أن الأمر لا يحتاج إلى اغتسال؛ لأنها ليست جنابة، وإنما هو نقض للوضوء، ويكفي فيه أن الإنسان يتوضأ، ولا يحتاج الأمر إلى شيء أكثر من ذلك، بل يتوضأ، وقبل الوضوء يستنجي كما جاء ذلك مبيناً في بعض الروايات.

تراجم رجال إسناد حديث: (... يكفي من ذلك الوضوء) في المذي

قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].قتيبة بن سعيد مر ذكره كثيراً، وهو أحد الثقات الأثبات، وهو من رجال الجماعة، خرج أصحاب الكتب الستة حديثه.[حدثنا سفيان].هو سفيان بن عيينة المكي، وهو أحد الثقات، الأثبات، الحفاظ، العباد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره مراراً وتكراراً، وكذلك مر معنا ذكر سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة كثيراً، وهنا المروي عنه سفيان بن عيينة.[عن عمرو].وهو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عطاء].هو عطاء بن أبي رباح، وهو أيضاً أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عائش بن أنس].وهو عائش بن أنس البكري الكوفي، وهو مقبول، حديثه عند النسائي وحده.[أن علياً].وعلي رضي الله عنه قد مر معنا.

شرح حديث: (...يغسل مذاكيره ويتوضأ) في المذي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عثمان بن عبد الله أخبرنا أمية حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح بن القاسم عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن إياس بن خليفة عن رافع بن خديج: (أن علياً رضي الله عنه أمر عماراً أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي، فقال: يغسل مذاكيره ويتوضأ)].أورد النسائي حديث علي رضي الله عنه أيضاً من طريق أخرى، وفيها ما في التي قبلها من أن المطلوب منه أن يسأل هو عمار، وكان جواب النبي عليه الصلاة والسلام أن قال: (يغسل مذاكيره ويتوضأ)، وفي هذا دليل كما مر أن فيه الوضوء، وفيه الاستنجاء قبل الوضوء، والمراد بالمذاكير كما عرفنا هو الذكر وما يتصل به، فالجمع باعتبار ما يتصل به، وإلا كما هو معلوم عضو واحد، فالجمع باعتبار ما يتصل به، وإن كان شيئاً واحداً إلا أنه جمع مع ما حوله وأضيف إليه، وأطلق على الجميع مذاكير، يعني: الذكر وما حوله من الأنثيين، وغير ذلك مما قد يكون وصل إليه المذي الخارج من الإنسان.

تراجم رجال إسناد حديث: (...يغسل مذاكيره ويتوضأ) في المذي

قوله: [أخبرنا عثمان بن عبد الله].وهو ابن محمد بن خرزاذ، وهو ثقة، حديثه عند النسائي وحده.[أخبرنا أمية].وهو ابن بسطام العيشي، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري ومسلم والنسائي، وما خرج له بقية أصحاب السنن، وإنما الذي خرج له من أصحاب السنن هو النسائي فقط.[حدثنا يزيد بن زريع].يزيد بن زريع سبق أن مر ذكره، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا روح بن القاسم].هو روح بن القاسم أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، وأصحاب الكتب الستة خرجوا حديثه ولم يخرج له الترمذي.[عن ابن أبي نجيح].هو عبد الله بن أبي نجيح، واسم أبي نجيح: يسار، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عطاء].هو ابن أبي رباح، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن إياس بن خليفة].وهو صدوق، خرج حديثه النسائي وحده.[عن رافع بن خديج].وهو من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن علي، والحديث من رواية صحابي عن صحابي.إذاً: فالإسناد تساعي، وهو من أطول الأسانيد عند النسائي؛ لأن النسائي يروي عن عثمان بن عبد الله، وعثمان يروي عن أمية بن بسطام، وأمية بن بسطام يروي عن يزيد بن زريع، ويزيد بن زريع يروي عن روح بن القاسم، وروح بن القاسم يروي عن عبد الله بن أبي نجيح، وعبد الله بن أبي نجيح يروي عن عطاء بن أبي رباح، وعطاء بن أبي رباح يروي عن إياس بن خليفة، وإياس بن خليفة يروي عن رافع بن خديج، ورافع بن خديج يروي عن علي، فهم تسعة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو من أطول الأسانيد التي مرت بنا حتى الآن، وكما سبق أن ذكرت لكم فيما مضى أن النسائي تصل عنده الأسانيد إلى العشاريات، يعني: عنده أسانيد عشاريات، لكن ما وصلنا إلى شيء منها، وهذا الذي وصلنا إليه هو تساعي، وهو من أطول الأسانيد عنده.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-04-2019, 01:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(57)

- (تابع باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي) إلى (باب الوضوء من الغائط)
من الأمور التي ينتقض بها الوضوء المذي، فقد أمرنا الشرع بنضح الفرج بالماء عند خروجه، والوضوء عند إرادة الصلاة أو قراءة القرآن أو الطواف، ومن الأمور التي ينتقض بها الوضوء الغائط والبول.
تابع ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي

شرح حديث: (إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي.أخبرنا عتبة بن عبد الله المروزي عن مالك وهو ابن أنس عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه: إن علياً رضي الله عنه أمره أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته وأنا أستحي أن أسأله، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه، ويتوضأ وضوءه للصلاة)].هنا أورد النسائي رحمه الله باب: ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من المذي.وقد مر معنا سابقاً ترجمة مطلقة عامة، وتحتها أبواب متعددة، وهي: ما ينقض وما لا ينقض، والباب الذي بدأ به من هذه التراجم هو الوضوء من المذي من حديث علي رضي الله عنه في قصة طلبه من المقداد، ومن عمار بن ياسر رضي الله عنهما، وقد مر بنا بعض الطرق المتعلقة بذلك، وكلها من حديث علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهذا الحديث الذي معنا هو من حديث المقداد بن الأسود رضي الله تعالى عنه؛ لأنه هو الذي يحدث، وهو الذي يحكي ما حصل، بخلاف ما تقدم فإن علياً هو الذي يحكي ما حصل، فهو المحدث بهذا الحديث، وهو الذي أُخذ عنه هذا الحديث.أما هذه الطريقة التي معنا فـالمقداد بن الأسود يقول: إن علياً رضي الله عنه طلب منه أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا أمذى ماذا عليه؟ وأما علي رضي الله عنه فلم يسأل النبي عليه الصلاة والسلام لمكان ابنته فاطمة منه، ولكونه صهره، وأما المقداد يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إذا وجد أحدكم شيئاً من ذلك فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة)، فالمتن هذا هو من حديث المقداد بن الأسود رضي الله تعالى عنه، وهو بمعنى ما تقدم من الأحاديث عن علي رضي الله عنه؛ لأنها كلها قصة واحدة، وكلها موضوعها واحد، وهو أن علياً رضي الله عنه كان رجلاً مذاءً، وأنه لمصاهرته للنبي صلى الله عليه وسلم استحيا أن يواجه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا السؤال، فطلب من بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك بمحضر من علي، فلهذا كان علي رضي الله عنه يروي الحديث بنفسه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً المقداد كما هنا يرويه عن الرسول صلى الله عليه وسلم.وفي هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا وجد أحدكم شيئاً من ذلك فلينضح فرجه)، والمراد بالنضح: هو الغسل، وهو الاستنجاء الذي سبق أن مرت الإشارة إليه، والنضح يأتي هنا بمعنى الغسل الخفيف وبمعنى الرش.ولكن هنا المقصود به الغسل؛ لأن معنى ينضح فرجه يعني: يغسل فرجه الذي هو الاستنجاء، وذلك لإزالة ما قد يكون ظهر وانتشر من الخارج النجس، الذي هو المذي، وهو -كما عرفنا- من نواقض الوضوء، وهو الذي ترجم له النسائي هنا حيث قال: باب: الوضوء من المذي، فإنه من جملة نواقض الوضوء، بل إن كل خارج من السبيلين فهو ناقض للوضوء، سواءً كان مذياً أو بولاً أو غير ذلك.قوله: (وليتوضأ وضوءه للصلاة)، ليس المقصود من ذلك من حصل منه هذا فيجب عليه على الفور، وإنما المقصود من ذلك أنه انتقض وضوءه، إذا كان متوضئاً، فإذا أراد أن يصلي، أو أراد أن يقرأ قرآناً، أو أراد أن يطوف، أو يعمل أي عمل من شرطه الطهارة، فإن عليه أن يتوضأ؛ لأنه إذا كان متوضئاً، وحصل منه ذلك المذي الذي خرج نتيجة للملاعبة والمداعبة، فإنه يكون قد انتقض الوضوء، ولابد من إعادته عند إرادة الصلاة، أو القراءة، أو الطواف، أو ما غير ذلك مما يشرع له الوضوء.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة)

قوله: [أخبرنا عتبة بن عبد الله المروزي].هو عتبة بن عبد الله اليحمدي المروزي، وهو صدوق، وخرج له النسائي وحده، ولم يخرج له من أصحاب الكتب الستة إلا النسائي، ويروي غالباً عن مالك.[عن مالك].هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المعروفين بالفقه، وهو محدث، فقيه، كثير الحديث، والذي نقل عنه من الفقه شيء كثير.وفي الإسناد (هو ابن أنس)؛ لأن هذه الكلمة تتكرر، وذكرت أن المراد منها بيان أن من دون التلميذ أضاف في بيان اسم الراوي ما يميزه، وما يوضحه، وأُتي بكلمة (هو) حتى يعرف أنها ليست من كلام التلميذ؛ لأن التلميذ الذي هو عتبة بن عبد الله قال: عن مالك، ما زاد على كلمة مالك، لكن الذين بعده لما أرادوا أن يوضحوا وهم: النسائي ومن دون النسائي أتوا بنسبه وهو ابن أنس.[عن أبي النضر].وأبو النضر هي كنية، وصاحبها هو سالم بن أبي أمية، وهو ثقة، ومن رجال الجماعة.[عن سليمان بن يسار].هو سليمان بن يسار الهلالي المدني، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين في عصر التابعين، وهو ثقة فاضل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر، وقد ذكرت: أن الفقهاء السبعة ستة منهم اتفقوا على عدهم في الفقهاء السبعة، وأما السابع ففيه خلاف، وأما الستة المتفق عليهم هم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار هذا، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فهؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، أما السابع ففيه ثلاثة أقوال: من العلماء من قال: السابع سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ورحم الله سالماً، والقول الثاني: أنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والقول الثالث: أنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، والذي معنا هنا من الذين اتفق على عده منهم، وليس من الذين اختلف فيهم، وهو سليمان بن يسار الهلالي.قوله: [عن المقداد].هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة البهرائي الكندي الزهري، ولديه ثلاث نسب، أما النسبة الأولى فهي نسبة أصل وهي البهرائي نسبة إلى بهراء، وهي قبيلته، والنسبة الثانية الكندي نسبة إلى محالفة؛ لأن أباه حالف كنده، فنسب إلى كنده بسبب الحلف، والنسبة الثالثة: الزهري؛ لأن الأسود بن عبد يغوث الزهري تبناه في الجاهلية، فنسب إليه، فيقال له: المقداد بن الأسود، والأسود ليس أباه، وإنما هو أبوه بالتبني، وكان مشهوراً به في الجاهلية، وإلا فأبوه هو: عمرو بن ثعلبة بن مالك؛ ولأن الأسود بن عبد يغوث الزهري تبناه في الجاهلية لما كان التبني موجوداً في الجاهلية، وقد جاء الشرع ونسخه وألغاه وقضى عليه، وصار الناس إنما ينسبون لآبائهم، لكنه اشتهر بهذه النسبة، فلهذا يذكر أحياناً فيقال: المقداد بن الأسود، وأحياناً يقال: المقداد بن عمرو، فهذه نسبة بسبب التبني، والمقداد بن عمرو هي نسبة نسب وأصل.والمقداد بن عمرو، أو المقداد بن الأسود هذا صحابي من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وله اثنان وأربعون حديثاً، اتفق البخاري ومسلم منها على واحد، وانفرد مسلم بثلاثة أحاديث.

شرح حديث علي في الوضوء من المذي

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة أخبرني سليمان قال: سمعت منذراً عن محمد بن علي عن علي رضي الله عنه أنه قال: (استحييت أن أسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي من أجل فاطمة، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: فيه الوضوء)].أورد النسائي حديث علي رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو كالذي قبله، فالقصة واحدة، والموضوع واحد، وكلها تتحدث أن علياً رضي الله عنه كان رجلاً مذاءً؛ يعني: يخرج منه المذي كثيراً بسبب المداعبة والملاعبة لأهله، وأنه استحيا أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بسبب كونه صهره، وابنته فاطمة تحته، فأمر المقداد بن الأسود أن يسأله، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب: (بأن فيه الوضوء)، فهو دال على ما دلت عليه الطرق المتقدمة من أن المذي إذا خرج من الإنسان، وكان متوضئاً فإن وضوءه ينتقض، وأنه عليه إذا أراد أن يتوضأ أن يغسل فرجه، وأن يتوضأ الوضوء الشرعي المعروف.

تراجم رجال إسناد حديث علي في الوضوء من المذي

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، وهو ثقة، وحديثه عند مسلم، وعند الترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، وعند أبي داود في كتاب القدر.[حدثنا خالد].هو خالد بن الحارث، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].هو شعبة بن الحجاج الإمام المعروف، والذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي صفة من أعلى صيغ التعديل، وصيغ التوثيق، وهو من المحدثين الذين لهم معرفة، ولهم كلام كثير في الجرح والتعديل، والكلام في الرجال، فهو من أئمة الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أخبرني سليمان].هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، الملقب بـالأعمش، ويأتي ذكره باسمه كما هنا، ويأتي ذكره بلقبه الذي هو: الأعمش كثيراً، وقد ذكرت فيما مضى أن معرفة ألقاب المحدثين من الأمور المهمة في مصطلح الحديث؛ لأن الذي لا يعرف اللقب للمحدث قد يراه باسمه مرة، وبلقبه أخرى، فيظن أن هذا غير هذا، ففائدة معرفته دفع أن يظن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر مرة باسمه، ومرة بلقبه.وسليمان بن مهران الكاهلي الأعمش هو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، ومعروف بالتدليس، لكن من الرواة من علم بأنهم لا يروون عن المدلسين إلا ما أمن تدليسه، ومن هؤلاء شعبة، فإنه لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما أمن تدليسهم فيه، فإذا جاء شعبة يروي عن مدلس، فلو عنعن المدلس، فإن روايته محمولة على الاتصال؛ لأنه قد عرف أن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما صرحوا فيه بالتحديث، والذي أمن فيه تدليسهم.[سمعت منذراً].هنا قد صرح بالسماع، فلو لم يرو عنه شعبة فإن تصريحه بالسماع هذا هو الأصل؛ لكن مثل شعبة لو جاء يروي عنه وهو معنعن، فإنه محمول على السماع؛ لأن هذه من القواعد التي ينبه عليها عند ذكر مدلسين، وذلك أن بعض تلاميذهم لا يروون عنه إلا ما أمن فيه تدليسهم.و منذر هو: ابن يعلى الثوري أبو يعلى، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن محمد بن علي].هو محمد بن علي بن أبي طالب، والمعروف بـابن الحنفية، أحد أولاد علي بن أبي طالب، وأمه الحنفية، ولهذا يقال له: ابن الحنفية، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن علي].هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. إذاً: فالإسناد الذي معنا جميع رجاله ممن خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة إلا شيخ النسائي محمد بن عبد الأعلى؛ فإنه لم يخرج له البخاري، ولم يخرج له أيضاً أبو داود في السنن، وإنما خرج له في كتاب القدر، والبقية من رجال الكتب الستة، وهم خالد بن الحارث، وشعبة بن الحجاج، وسليمان بن مهران الأعمش، ومنذر بن يعلى، ومحمد بن علي بن أبي طالب، الذي هو ابن الحنفية، وعلي بن أبي طالب، فالإسناد سبعة، ستة منهم حديثهم عند أصحاب الكتب الستة.
الوضوء من الغائط والبول

شرح حديث صفوان بن عسال في الوضوء من الغائط والبول

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء من الغائط والبول.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى أخبرنا خالد حدثنا شعبة عن عاصم أنه سمع زر بن حبيش يحدث قال: أتيت رجلاً يدعى صفوان بن عسال فقعدت على بابه، فخرج فقال: ما شأنك؟ قلت: أطلب العلم، قال: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب)، فقال: عن أي شيء تسأل؟ قلت: عن الخفين، قال: (كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أمرنا ألا ننزعه ثلاثاً إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم)].ثم أورد النسائي بعد باب: الوضوء من المذي، باب: الوضوء من الغائط والبول.لأن الترجمة السابقة كما عرفنا ترجمة عامة وهي باب: ما ينقض الوضوء وما لا ينقض، ثم بدأ بالوضوء من المذي، ثم بباب الوضوء من البول والغائط، وهكذا أبواب متعددة تأتي بعد تلك الترجمة العامة التي هي: ما ينقض وما لا ينقض.وأورد فيه حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه الذي قد مر ذكره في باب: المسح على الخفين، وأورده هنا من بعض الطرق من أجل الدلالة على أن البول والغائط يحصل نقض الوضوء بهما، وذلك أن صفوان رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا ننزعه)، أي: الخفاف، قال: (إلا من الجنابة، لكن من بول أو غائط أو نوم)، يعني أننا نمسح عليهما؛ بسبب حصول البول والغائط وبسبب النوم، أما الجنابة فإنه لابد من خلعهما عند الاغتسال من الجنابة، ولا مسح في الاغتسال من الجنابة على الخفين، وإنما عليه أن ينزعهما ويغسل جميع جسده بما في ذلك الرجلان.أما إذا كان الحدث أصغراً، وكان نقض الوضوء بسبب النوم، أو بسبب الغائط، أو البول، فهذا يتوضأ، ولكنه إذا وصل إلى الرجلين فإنه يمسح على الخفين، ولا يحتاج إلى خلعهما من أجل أن يغسلهما إذا كان قد أدخلهما طاهرتين كما ثبت في ذلك الأحاديث، وكما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.إذاً: فحديث صفوان بن عسال دال على ما ترجم له المصنف من أن البول والغائط يتوضأ منهما، ومحل الشاهد من جهة أنه ذكر أن المسح يكون إذا حصل النوم، معناه: يتوضأ ويمسح، أي: يحصل وضوء ويحصل المسح على الخفين إذا حصل النوم أو البول أو الغائط، أما إذا حصلت الجنابة والإنسان عليه الخفان، فإن عليه أن يخلعهما، ولا يجوز له أن يغتسل وعليه الخفان، بل يجب خلعهما، والاغتسال لكامل الجسد، أما ما دون ذلك والذي هو البول، أو الغائط، أو النوم، فإن الإنسان يمسح يوماً وليلة إذا كان مقيماً، وثلاثة أيام بلياليها إذا كان مسافراً، وكلما أحدث يتوضأ ويمسح على الخفين، ولا يلزمه خلعهما لذلك.وزر بن حبيش يقول: أتيت إلى صفوان بن عسال وجلست عند بابه، فخرج علي فقال: ما شأنك؟ فقلت: أطلب العلم، فعند ذلك قال صفوان: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب)، ثم سأله عما يريد من العلم؟ فسأله عن الخفين، فأجابه بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفي هذا الذي حصل من زر بن حبيش ما كان عليه سلف الأمة من الحرص على طلب العلم، ومن الإتيان إلى من عنده علم؛ من أجل أخذ العلم عنه، ومن أجل الاستفادة من علمه.ثم أيضاً ما كان عليه السلف وما كان عليه الصحابة من الترغيب في طلب العلم والحث عليه؛ لأن صفوان رضي الله عنه لما قال له زر بن حبيش: (إني جئت أطلب العلم). أي: ما سكت، وقال له: اسأل عما تريد، بل أتى بشيء يدل على فضل العلم، وعلى الترغيب في طلب العلم، والحث على طلب العلم، فقال قبل أن يسأله هذه المقالة التي فيها الترغيب في طلب العلم، وهذا اللفظ الذي قاله هو من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهنا ما أضافه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه له حكم الرفع؛ لأن الصحابي إذا أتى بشيء لا مجال للاجتهاد فيه وأضافه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فإن له حكم الرفع، ويسمونه المرفوع حكماً؛ لأن هناك مرفوعاً صراحة، ومرفوعاً حكماً، والمرفوع صراحة هو الذي يقول فيه الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، هذا مرفوع صراحة، أي: تصريحاً، والمرفوع حكماً هو: أن يأتي أو يذكر شيئاً لا مجال للاجتهاد فيه، ولا مجال للرأي فيه، كالأمور الغيبية مثل هذا: (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب)، هذا له حكم الرفع، لكنه جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ضمن حديث طويل، وذكر صفوان رضي الله عنه له هنا يدل على رفعه حكماً؛ لأنه من قبيل ما لا مجال للاجتهاد فيه، والمرفوع عند العلماء قسمان: مرفوع تصريحاً، ومرفوع حكماً.

تراجم رجال إسناد حديث صفوان بن عسال في الوضوء من الغائط والبول

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو محمد بن عبد الأعلى، الذي مر في الإسناد السابق.[أخبرنا خالد]. هو خالد بن الحارث هو أيضاً نفس الذي مر.[حدثنا شعبة]. هو نفسه الذي مر أيضاً في الإسناد السابق.[عن عاصم].هو عاصم بن أبي النجود، وأبو النجود اسمه بهدلة، وعاصم بن أبي النجود هو صدوق له أوهام، وهو إمام في القراءة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، لكن حديثه في الصحيحين مقرون؛ يعني: أنه مقرون بغيره، فـالبخاري، ومسلم عندما يذكرانه في الإسناد يذكرانه مقروناً مع غيره.[أنه سمع زر بن حبيش].هو زر بن حبيش بن حباشة، وهو ثقة، ثبت، وهو مخضرم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.قوله: [أتيت صفوان بن عسال].هو صفوان بن عسال المرادي رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي، وحديثه عند الترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، أي: عند ثلاثة من أصحاب الكتب الستة.
الوضوء من الغائط

شرح حديث صفوان بن عسال في الوضوء من الغائط والبول والنوم من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوضوء من الغائط.أخبرنا عمرو بن علي وإسماعيل بن مسعود، قالا: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا شعبة عن عاصم عن زر قال: قال صفوان بن عسال رضي الله عنه: (كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أمرنا ألا ننزعه ثلاثاً إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم)].هنا أورد النسائي رحمه الله ترجمة أخرى؛ وهي باب: الوضوء من الغائط. وهي بعض الترجمة السابقة؛ أي: جزء منها، وأورد النسائي تحتها حديث صفوان بن عسال وهو نفس الحديث لكن بطريق أخرى، ويتعلق ببيان حالة المسح على الخفين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرهم إذا كانوا في سفر ألا ينزعوا خفافهم إلا من الجنابة، فيمسحون عليها من بول أو غائط أو نوم لمدة ثلاثة أيام، وهذا الأمر كما عرفنا هو أمر ترخيص ليس أمر إيجاب، ولا أمر استحباب، بمعنى: أنه يستحب للناس أن يلبسوا الخفاف، فهو ترخيص، أي: إذا لبسوها يمسحون، وإذا ما لبسوها يغسلون أرجلهم، لكن السنة لا تترك تنزهاً عنها وتنطعاً، ويقال: إنني لا ألبس الخفين وإن كان ذلك مشروعاً؛ يعني: تنطعاً، هذا هو الذي لا يكون، أما كون الرسول عليه الصلاة والسلام أمرهم أمر إرشاد وترخيص، ولا يجب عليه أن يلبس، ولا يستحب له أن يلبس من أجل أن يمسح، إلا إذا كان هناك بيان للسنة، أو تترتب عليه بيان السنة، فهذا يكون له وجه.أما أن يكون فعل ذلك مستحباً، وأنه يستحب للإنسان أنه يكون لابساً حتى يمسح فلا يستحب، وإنما هو مرخص له، بل إن المسح فرع عن الأصل؛ الذي هو الغسل، فالغسل هو الأصل وهذا فرع مرخص فيه للحاجة عندما يكون هناك حاجة إليه.

تراجم رجال إسناد حديث صفوان بن عسال في الوضوء من الغائط والبول والنوم من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي وإسماعيل بن مسعود].هو عمرو بن علي الفلاس الإمام العارف بالجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الثقات، الأثبات، وهو من أئمة الجرح والتعديل، وكلامه في الرجال كثير.وإسماعيل بن مسعود هو البصري، وهو ثقة، ومن شيوخ النسائي، وخرج حديثه النسائي وحده.[حدثنا يزيد بن زريع].هو يزيد بن زريع، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا شعبة].وبذلك يتحد الإسناد مع الإسناد السابق، وهم شعبة عن عاصم عن زر عن صفوان بن عسال رضي الله تعالى عنه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 03-04-2019, 01:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(58)


- (باب الوضوء من الريح) إلى (باب ترك الوضوء من مس الذكر)

من قواعد الشريعة الإسلامية أن اليقين لا يزول بالشك، فمن كان على طهارة لا ينقضها مجرد الشك في بقائها ويبقى طاهراً حتى يطرأ على طهارته ناقض من نواقضها، ومن تلك النواقض مس الذكر كما دل عليه حديث بسرة، وكذلك النوم، وأما النعاس فلا يعد ناقضاً، وإنما على الناعس أن يترك الصلاة لئلا يدعو على نفسه.
الوضوء من الريح

شرح حديث عبد الله بن زيد في الرجل يجد الشيء في الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوضوء من الريح.أخبرنا قتيبة عن سفيان عن الزهري ح وأخبرنا محمد بن منصور عن سفيان حدثنا الزهري أخبرني سعيد يعني ابن المسيب وعباد بن تميم عن عمه وهو عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه قال: (شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة، قال: لا ينصرف حتى يجد ريحاً، أو يسمع صوتاً)].يقول النسائي رحمه الله: باب الوضوء من الريح. المراد بهذه الترجمة هو أن ما يخرج من السبيلين يكون ناقضاً للصلاة؛ سواء كان ريحاً أو صوتاً أو غير ذلك، وعليه أن يتوضأ إذا أراد الصلاة، فهذا يدل على قاعدة من قواعد الشريعة وهي: إذا كان الإنسان في خارج الصلاة وهو على طهارة، ولكنه شك هل أحدث أو ما أحدث، فإنه يبقى على ما هو عليه، ما دام أن الطهارة متيقنة والحدث مشكوك فيه فإن بقي على ما هو عليه فلا بأس، وإن جدد الوضوء حتى يذهب ما في نفسه من الشك فإن هذا حسن، وأما في داخل الصلاة، فإنه لا يقطع صلاته ويخرج منها بمجرد ما وقع في نفسه من الشك، بل لا يخرج حتى يحصل التحقق لخروج ريح يشمها، أو سماع صوت لذلك الذي يخرج منه.

تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن زيد في الرجل يجد الشيء في الصلاة

قوله: [أخبرنا قتيبة].وهوقتيبة بن سعيد، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، فكلهم رووا حديثه.[عن سفيان].وسفيان هنا غير منسوب، وهو يروي عن الزهري، ومن المعلوم أن قتيبة إنما روى عن ابن عيينة، ولم يرو عن الثوري.فإذاً: يحمل على أنه ابن عيينة، فيكون عدم نسبته لأن الأمر واضح في حقه، إذ هو الذي روى عنه قتيبة، ثم من جهة أخرى سفيان هنا يروي عن الزهري، والحديث من طريق قتيبة عن سفيان، عن الزهري، وعرفنا فيما مضى: أن سفيان بن عيينة هو المعروف والمشهور بالرواية عن الزهري، وذكرت: أن سفيان بن عيينة مكثر من الرواية عن الزهري، وأن سفيان الثوري مقل عنه، وكان هذا الذي قلته سابقاً مبنياً على أن ابن خلكان في وفيات الأعيان عندما ترجم لـسفيان بن عيينة، ذكر ثلاثة ممن رووا عنه، وهم: سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وشخص ثالث، وكذلك أيضاً الحافظ ابن حجر في فتح الباري قال: إن ابن عيينة معروف بالرواية عن الزهري، ففهمت من كلام ابن خلكان، ومن كلام ابن حجر أن سفيان الثوري روى عن الزهري، ولكن بالرجوع إلى تهذيب الكمال للحافظ المزي في ترجمة الزهري فإنه لم يذكر من بين الذين رووا عنه سفيان الثوري، وإنما ذكر سفيان بن عيينة، مع أنه يستقصي في التلاميذ وفي الشيوخ، ويذكرهم على حسب ترتيب حروف المعجم بالنسبة للتلاميذ، وبالنسبة للشيوخ.ثم أيضاً وجدت في فتح الباري أن الحافظ ابن حجر قال: إن الثوري لا يروي عن الزهري إلا بواسطة، فإذاً: تبين أن ما أشرت إليه من قبل، هو مبني على ما ذكره ابن خلكان، ومبني على ما فهمته من كلام ابن حجر من قوله في بعض المواضع في الفتح: وابن عيينة معروف بالرواية عن الزهري، يعني: قد يفهم منه أن الثوري ليس معروفاً بالرواية عن الزهري، ولكن الرواية موجودة، لكن ما ذكره ابن حجر في فتح الباري من أن الثوري إنما يروي عن الزهري بواسطة، وأنه لا يروي عنه مباشرة، وكذلك ما جاء في تهذيب الكمال من عدم ذكره في الذين رووا عن الزهري سفيان الثوري يشعر ويدل على أن سفيان الثوري لم يرو عن الزهري مباشرةً، ولعل ما ذكره ابن خلكان وهم؛ لأن الحافظ المزي بتتبعه واستقرائه وإحاطته فيما يتعلق بالرجال، وفيما يتعلق بالمتون -وهو مؤلف كتاب تحفة الأشراف في معرفة الأطراف، وهي الكتب الستة، وهو أيضاً مؤلف تهذيب الكمال، وقد ذكر فيه: أن الذي روى عن الزهري هو ابن عيينة، ولم يذكر الثوري فيمن روى عنه، مما يشعر بأن الثوري لم يرو عن الزهري، وعلى هذا: فإذا جاء ذكر سفيان غير منسوب وهو يروي عن الزهري، فإنه يحمل على ابن عيينة، وهنا يكون الحمل على ابن عيينة من جهتين: من جهة أن قتيبة لم يرو عن الثوري، وإنما روى عن ابن عيينة فقط، ومن جهة أن ابن عيينة هو الذي ذكر أنه روى عن الزهري، ولم يذكر في تهذيب الكمال أن الثوري ممن روى عن الزهري، وإنما الذي ذكره من أن الثوري روى عن الزهري هو ابن خلكان في وفيات الأعيان.ومن المعلوم أن كلام ابن حجر، وكلام المزي في تهذيب الكمال أتقن وأضبط؛ لأن هؤلاء هم أهل الفن، وهم أهل الاختصاص، بخلاف ابن خلكان فإنه ليس مثلهم؛ لأنه مؤرخ وليس معروفاً بالحديث، أو بالعناية برجال الحديث أو الخبرة، فهؤلاء هم المقدمون عليه وعلى غيره ممن يشابهه ويماثله.

تراجم رجال الإسناد الثاني لحديث عبد الله بن زيد في الرجل يجد الشيء في الصلاة

وأما ما يتعلق بالإسناد الثاني؛ لأن النسائي عمل تحويلة، يعني: بعدما ذكر الزهري أتى بإسناد آخر فيه تحويل. قال: [ح وأخبرنا محمد بن منصور].ومحمد بن منصور سبق أن عرفنا أن هناك شخصين يقال لكل منهما: محمد بن منصور، وهما من شيوخ النسائي، وهم: محمد بن منصور الطوسي، ومحمد بن منصور المكي الجواز، فهذان الاثنان كل منهما شيخ للنسائي، لكن سبق أن عرفنا: أنه إذا جاء سفيان ويروي عنه محمد بن منصور، فالمراد به ابن عيينة؛ لأن ابن عيينة مكي، ومحمد بن منصور الجواز مكي، وهو أقرب، ويزيد هذا وضوحاً أن سفيان في الإسناد الذي قبل هذا هو ابن عيينة، فيكون هنا أيضاً هو ابن عيينة، ومحمد بن منصور الجواز المكي ثقة، وهو من شيوخ النسائي، ولم يخرج له إلا النسائي من أصحاب الكتب الستة.وأما سفيان بن عيينة في الإسنادين، فقد مر فيما مضى: أنه من رجال الجماعة، وأنه ثقة حافظ، وحجة عابد، وصفات عديدة ذكرها عنه الحافظ ابن حجر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا الزهري].وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينسب إلى جده الزهري الذي هو زهرة بن كلاب، وأيضاً إلى جده شهاب، فيقال له: ابن شهاب، ويقال له: الزهري، وهو مشتهر بهاتين النسبتين، وهو إمام، حجة، معروف بفضله ونبله، وسعة علمه، وهو من رجال الجماعة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[أخبرني سعيد يعني: ابن المسيب].والزهري إنما عبر بلفظ أخبرني سعيد، وما زاد عليها عندما ذكر شيخه في هذا الإسناد، ولكن الذين جاءوا من بعده أرادوا أن يوضحوا من هو سعيد، فأتوا بنسبه، وأتوا بكلمة تدل على أن الإضافة كانت ممن دون الزهري، وأنها ليست من الزهري، وذلك بقول: (يعني: ابن المسيب) فكلمة (يعني) هذه لها قائل ولها فاعل، قائلها من دون الزهري، وهو الذي أراد أن يوضح، وفاعل (يعني) وهي فعل مضارع فاعله ضمير مستتر يرجع إلى الزهري؛ لأن الزهري ما قال: ابن المسيب، وإنما قال: سعيد فقط، لكن الذين جاءوا بعده أضافوا ابن المسيب، وما قالوا: سعيد بن المسيب؛ لأنهم لو قالوها لصارت هي عبارة الزهري، لكنهم أتوا بكلمة (يعني) حتى يفهم أن من دون التلميذ زادها، ليبين هذا الشخص الذي لم ينسب، فلا يضيف إليه ما لم يقله.وسعيد بن المسيب هو أحد الفقهاء السبعة في المدينة، وأحد المحدثين، فهو فقيه محدث، وهو ثقة حجة، وهو إمام مشهور ومعروف، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، الذين هم: سعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد، وقاسم بن محمد، وسليمان بن يسار، هؤلاء الستة المتفق عليهم، والسابع الذي اختلف فيه، فقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر. وسعيد بن المسيب هذا هو أحدهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[و عباد بن تميم].وهوعباد بن تميم بن غزية الأنصاري المازني، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكل من سعيد بن المسيب، وعباد بن تميم يرويان عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه، وهنا قال: (عن عمه)، يعني: عم عباد بن تميم، وهو عبد الله بن زيد لأن أم عباد وأم عبد الله بن زيد واحدة، فهما أخوان من أم.[عن عمه]. لأن تميماً وعبد الله بن زيد أخوان من أم، ولهذا يقال: إنه عم عباد، يعني: أخو أبيه لأمه، وعبد الله بن زيد بن عاصم المازني هو أحد الصحابة، وهو راوي حديث الوضوء الذي سبق أن مر فيما يتعلق بصفة الوضوء، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.إذاً: فرواة هذا الإسناد كلهم من رجال الجماعة، إلا محمد بن منصور شيخ النسائي، فإنه من رجال النسائي وحده، والباقون كلهم من رجال الجماعة؛ الذين هم قتيبة، وابن عيينة، والزهري، وسعيد بن المسيب، وعباد بن تميم، وعبد الله بن زيد.
الوضوء من النوم

شرح حديث: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوضوء من النوم.أخبرنا إسماعيل بن مسعود، وحميد بن مسعدة، قالا: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده)].هنا أورد النسائي باب: الوضوء من النوم. وأورد فيه حديث أبي هريرة، وهو أول حديث أورده النسائي في سننه، وهو: (إذا استيقظ أحدكم من منامه، فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات، فإنه لا يدري أين باتت يده)، وقد أعاده هنا من أجل الاستدلال على أن النوم ينقض الوضوء. ووجه الاستدلال من هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من منامه، فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات)، يعني: يغسلها، معناه: أن الإنسان يتوضأ إذا قام من نومه، وإذا توضأ فهو يغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء، هذا هو وجه الاستدلال على أن النوم ناقض للوضوء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن الإنسان يتوضأ، ولكن قبل أن يتوضأ لا يغمس يده في الإناء، بل يغسلها خارج الإناء، فإذا غسلها خارج الإناء، أدخلها في الإناء، ويبدأ يتوضأ.ومن الأدلة الدالة على أن النوم ناقض للوضوء: حديث صفوان بن عسال الذي مر في ذكر الوضوء من الغائط والبول، وكذلك من النوم؛ لأن حديث صفوان بن عسال مشتمل على الثلاثة، حيث قال: (إنه كان يأمرنا ألا ننزع خفافنا إلا من جنابة، لكن من غائط، أو بول، أو نوم)، يعني: أنهم يتوضئون، ويمسحون، ولا يحتاجون إلى خلع إذا حصل غائط، أو بول، أو نوم، فإذاً الثلاثة كلها ناقضة للوضوء.إذاً: فالنوم كونه ناقض للوضوء دل عليه هذا الحديث الذي هو معنا، من جهة أن من قام من نومه فلا يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثاً، وفي بعض الروايات: (فلا يدخلها في وضوئه)، يعني: في الماء الذي يتوضأ به قبل أن يغسلها خارج الإناء ثلاث مرات.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها ثلاث مرات...)

قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود، وحميد بن مسعدة].إسماعيل بن مسعود هو: أبو مسعود البصري، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.وحميد بن مسعدة هذا صدوق، خرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وقد مر ذكر هذا الرجل في شيوخ النسائي مرات عديدة.[قالا: حدثنا يزيد بن زريع].ويزيد بن زريع هو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا معمر].وهو ابن راشد، وهو الذي روى عنه عبد الرزاق كثيراً، ومن جملة ما رواه عنه صحيفة همام بن منبه الطويلة، المشتملة على مئة وأربعين حديثاً، وخرج البخاري ومسلم أحاديث منها على سبيل الاتفاق بينهم، ومنها على سبيل انفراد واحد منهما عن الآخر، وكلها بإسناد واحد، وهو من طريق عبد الرزاق عن معمر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري].والزهري هو الإمام المشهور، الذي جاء ذكره كثيراً، وفي الحديث الذي قبل هذا جاء ذكره.[عن أبي سلمة].وهو ابن عبد الرحمن بن عوف، وهو مشهور بكنيته: أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو أحد الفقهاء السبعة على خلاف هل السابع: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب؟وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، فهو أحد الثقات.[عن أبي هريرة].وأبو هريرة هو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وقد مر ذكره مراراً رضي الله تعالى عنه وأرضاه.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 03-04-2019, 01:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(58)





النعاس

شرح حديث: (إذا نعس الرجل في الصلاة فلينصرف...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النعاس.أخبرنا بشر بن هلال حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا نعس الرجل وهو في الصلاة فلينصرف، لعله يدعو على نفسه، وهو لا يدري )]. هنا أورد النسائي باب: النعاس. وبعد ما ذكر النوم، وترجمة الوضوء من النوم، وأن النوم ناقض للوضوء قال: باب النعاس، والمقصود من ذلك أنه لا ينقض الوضوء؛ لأن الحديث الذي أورده يدل على عدم نقضه للوضوء، ولأن عائشة رضي الله عنها قالت: ( إذا نعس الرجل وهو في الصلاة فلينصرف، لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري )، فهذا الحديث الذي أوردته عائشة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي أرشد فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن من نعس وهو في الصلاة أن ينصرف، فهذا يدل على أن النعاس غير ناقض للوضوء؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام علل ذلك بقوله: (لعله يدعو...)، وما قال: أنه قد انتقض وضوءه وأن عليه أن يذهب ويتوضأ، وإنما أرشد إلى أنه ينصرف وألا يستمر في ذلك؛ لئلا يسب نفسه ويدعو على نفسه، فبدل أن يدعو لنفسه يدعو على نفسه بسبب النوم أو بسبب النعاس، فإذاً: هذا يدل على أنه غير ناقض للوضوء؛ لأنه لو كان ناقضاً لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الإنسان إذا نعس وهو في الصلاة أن يقطع الصلاة ويذهب يتوضأ، فالرسول ما قال هكذا، وإنما أرشد إلى أنه ينصرف؛ لئلا يسب نفسه، ولئلا يدعو على نفسه، فمعناه أن وضوءه صحيح، وأنه باق على وضوئه، فدل على أن النعاس لا ينقض الوضوء، وقد جاءت الأحاديث في ذلك عن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يجلسون للصلاة وينتظرونها، فيصيبهم النعاس فتخفق رؤوسهم، ثم يقومون إلى الصلاة ولا يتوضئون، فإذا حصل للإنسان وهو جالس وخفق رأسه، فإنه لا ينتقض وضوءه.إذاً: عندنا هناك نوم ونعاس، فالنوم الذي فيه استغراق، وفيه تمكن، وقد يكون فيه اضطجاع، وقد يكون فيه رؤيا وحلم، فهذا ناقض للوضوء بلا شك.وأما إذا كان نعاساً خفيفاً حصل له في الصلاة، مثلاً: نعس وهو جالس، أو ساجد، أو واقف، أو كان ينتظر الصلاة، وحصل منه النعاس، فإنه لا ينتقض وضوءه وصلاته صحيحه، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن ينصرف، ولكن هذا الانصراف الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بقطع للصلاة، وإنما بأن يتمها خفيفة ويخرج منها.فإذا كان الإنسان من عادته أنه يصلي الليل، ويقوم من الليل ركعات، ثم أدرك أو أحس في بعض الركعات بأنه أصابه النعاس فإنه يتم الركعتين اللتين وجد النعاس فيهما، ثم ينصرف، وليس معنى ذلك: أنه ينصرف أثناء الصلاة، فإنما المقصود منه الإرشاد إلى أنه لا يستمر في ذلك، ولكنه يتم صلاته خفيفة، ثم بعد ذلك لا يدخل في صلاة أخرى؛ لئلا يدعو على نفسه.إذاً: فتبين لنا أن النعاس لا ينقض الوضوء، وإنما الذي ينقض الوضوء هو النوم، سواءً كان مضطجعاً، أو جالساً متمكناً مستغرقاً، وإذا حصل حلم أو رؤيا في تلك النومة فهذا بلا شك نوم ناقض للوضوء، والذي لا ينقض هو الذي يكون في أثناء الصلاة من النعاس، أو يكون من النعاس في حق من ينتظر وهو جالس، فإنه إذا نعس يخفق رأسه، فيتنبه من تلك الخفقة، فيتنبه ويذهب ما به من نعاس. ولهذا النسائي في الترجمة ما قال فيها مثل التي قبلها: (باب: الوضوء من النعاس)، بل قال: (باب النعاس)، والتي قبلها قال: الوضوء من النوم؛ لأنه ناقض للوضوء.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا نعس الرجل في الصلاة فلينصرف ...)

قوله: [أخبرنا بشر بن هلال].وهو بشر بن هلال الصواف البصري، وهو ثقة، حديثه عند مسلم والأربعة، لم يخرج له البخاري شيئاً.[حدثنا عبد الوارث].هو ابن سعيد بن ذكوان، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أيوب].وهو أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني، وهو ثقة، ثبت، حجة، كما قال ذلك الحافظ ابن حجر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن هشام بن عروة].وهو هشام بن عروة بن الزبير، وهو أحد الثقات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أبيه].وهو عروة بن الزبير بن العوام، وهو أحد الفقهاء السبعة، وهو وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من الثقات الأثبات.[عن عائشة].وهي خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي كما عرفنا مراراً وتكراراً من السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، وهؤلاء السبعة قد نظمهم السيوطي في ألفتيه في بيتين من الشعر، فقال: والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيِّوالمقصود بزوجة النبيِّ هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
الوضوء من مس الذكر

شرح حديث: (من مس ذكره فليتوضأ)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الوضوء من مس الذكر.أخبرنا هارون بن عبد الله حدثنا معن حدثنا مالك (ح) والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم قالا: حدثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير يقول: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: من مس الذكر الوضوء، فقال عروة: ما علمت ذلك، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مس ذكره فليتوضأ)].يقول النسائي رحمه الله: (باب الوضوء من مس الذكر). أي: أن مس الذكر ناقض للوضوء، وأن من مس ذكره فإن عليه أن يتوضأ؛ لأنه قد انتقض وضوءه، هذا مقصود الترجمة، وقد أورد النسائي رحمه الله في هذا حديث بسرة بنت صفوان من طريقين، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من مس ذكره، فليتوضأ)، وعلى هذا، فإن مس الذكر ناقض للوضوء، وأن من مس ذكره فعليه أن يتوضأ، وحديث بسرة ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى نقض الوضوء بمس الذكر، أي: إذا كان بدون حائل.وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا ينتقض الوضوء بمس الذكر، ويستدلون على ذلك بحديث طلق بن علي اليمامي رضي الله عنه، الذي فيه: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما سئل عن الوضوء من مس الذكر، قال: (هل هو إلا بضعة منك)، أو (إلا مضغة منك)، وهذا يشعر بأنه غير ناقض للوضوء، والحديث أيضاً صحيح، وهو ثابت، لكن العلماء صاروا إلى أحد القولين، منهم من قال: بأنه ناقض إذا حصل المس، ومنهم من قال: إنه غير ناقض إذا حصل المس، ومنهم من فرق بين المس بشهوة والمس بغير شهوة، فإذا كان بشهوة فهو ينتقض به الوضوء، قالوا: وعليه يحمل ما جاء في حديث بسرة، وإذا كان بغير شهوة فإنه لا ينتقض به الوضوء، ويحمل على ما جاء به حديث طلق بن علي رضي الله تعالى عنه.ومن المعلوم أن القول بالانتقاض مطلقاً هو الأولى.أولاً: لأن الحديث الذي فيه الوضوء من مس الذكر ثابت، وهو مطلق، فيدل على النقض مطلقاً.ثانياً: أن حديث طلق بن علي كان المتقدم، وكان في أول الأمر؛ لأنه جاء في بعض طرقه: (جئت وهم يؤسسون المسجد)، أي: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فوفد على الرسول عليه الصلاة والسلام في أول الهجرة، وكان ذلك في أول الأمر، قال: فسأله رجل لعله من البادية عن الوضوء من مس الذكر، فقال: (هل هو إلا بضعة منك).ثالثاً: أن حديث بسرة ناقل عن الأصل، وهو انتقاض الوضوء، وحديث طلق مطابق للأصل، وهذا يدل على أن حديث بسرة ناقل عن الأصل، والأصل البراءة والسلامة، وقد جاء ما يدل على النقض، وهو حديث بسرة بنت صفوان رضي الله تعالى عنها. فالقول الأولى والأرجح والأحوط هو: أن مس الذكر بدون حائل ناقض للوضوء مطلقاً، سواء كان بشهوة أو بغير شهوة، هذا هو الأظهر، وهو الأحوط في الدين، وهو الذي قاله جماعة كثيرون من أهل العلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (من مس ذكره فليتوضأ)

قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله]. وهو: أبو موسى الحمال البغدادي، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج له البخاري شيئاً.[حدثنا معن]. وهو ابن عيسى، صاحب الإمام مالك، وهو من أثبت الناس في مالك، ومن أحفظ الناس لحديث مالك، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا مالك]. ومالك هو إمام دار الهجرة، العلم، المشهور، الإمام، المحدث، الفقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد ذكرت مراراً: أن الإسناد الذي يكون فيه مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أصح الأسانيد عند البخاري.والنسائ� � روى الحديث عن مالك من طريقين، الطريق الأولى: عن هارون بن عبد الله الحمال، عن معن بن عيسى، عن مالك، والطريق الثانية: عن الحارث بن مسكين قال: (ح) والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم، عن مالك.[الحارث بن مسكين].الإمام النسائي هنا يقول: (والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع)، ولا يقول: وأخبرني، وإنما يقول: والحارث بن مسكين، وفي بعض الأسانيد يقول: أخبرني الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، وذكرت فيما مضى: أن هذا يحمل على حالين: الحال الأولى: وهي التي كان قد منعه من الأخذ عنه، فكان يسمع بدون علم الحارث، وهي الحالة التي لا يقول فيها: أخبرني، وإنما يعطف ويقول: والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، والحالة الثانية: وهي التي قد أذن له فيعبر فيقول: أخبرني الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع.والحارث بن مسكين ثقةٌ، حديثه عند أبي داود، والنسائي.[عن ابن القاسم].وهو عبد الرحمن بن القاسم المصري، صاحب الإمام مالك، والذي روى عنه الفقه، والحديث، وهو ثقةٌ، خرج حديثه البخاري، والنسائي، وأبو داود في المراسيل، وقد سبق أن عرفنا ذلك فيما مضى، وهو من رجال البخاري، ورجال النسائي، ومن رجال الإمام أبي داود في كتابه المراسيل، ولم يخرج له في كتاب السنن شيئاً.[قالا: حدثنا مالك].وهو الإمام مالك، وقد استعمل النسائي التحويل، وذكرت فيما مضى أن التحويل هو: التحول من إسنادٍ إلى إسناد، ويؤتى بحرف (ح) بين الإسنادين المحول عنه والمحول إليه؛ حتى يتبين بأن فيه تحولاً من إسناد إلى إسناد، وعلامة ذلك حرف (ح) التي يأتون بها بين الإسنادين كما فعل النسائي، وقد ذكرت فيما مضى: أن النسائي مثل البخاري لا يستعمل التحويل كثيراً؛ لأنه على طريقة البخاري يورد الأحاديث من طرقٍ متعددة في أبواب مختلفة، فلا يحتاج إلى التحويل، بخلاف الإمام مسلم الذي يكثر من التحويل؛ لأنه يروي الأحاديث في مكانٍ واحد، فيحتاج إلى أن يستعمل التحويل.وقول النسائي: (قالا: حدثنا مالك)، المقصود بقوله: (قالا) هما: معن بن عيسى، وعبد الرحمن بن القاسم فهما اللذان قالا: حدثنا مالك.[عن عبد الله بن أبي بكر].وهو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني، وهو ثقةٌ، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، ولم يسبق أن مر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أنه سمع عروة بن الزبير].وعروة بن الزبير هو أحد الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة.[دخلت على مروان بن الحكم].مروان بن الحكم كان قد دخل عليه في زمن إمارته على المدينة لما كان أميراً على المدينة، فجرى البحث عنده في نواقض الوضوء، فقال مروان: من مس الذكر الوضوء، يعني: أن مس الذكر من نواقض الوضوء، فقال عروة: ما علمت هذا، يعني: ما علمت شيئاً يدل على هذا، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ)، فعند ذلك أسند مروان بن الحكم الحديث، وبين الدليل الذي استند إليه في أن مس الذكر من نواقض الوضوء، جاء ذلك في إسناده الحديث إلى بسرة بنت صفوان الصحابية رضي الله عنها، وجاء في بعض طرق الحديث الذي بعد هذا أن عروة لما رآه وجادله أرسل حرسياً له إلى بسرة، فجاء وأخبره بأن الأمر هو كما حدثت به مروان بن الحكم، وجاء في بعض الطرق: أن عروة ذهب إلى بسرة وأخذ منها، وسمع منها مباشرةً، فيكون الحديث من رواية عروة عن بسرة، ومن رواية عروة عن مروان عن بسرة بنت صفوان. ومروان بن الحكم هو أمير المدينة في زمن معاوية، وتولى الخلافة بعد ذلك مدة سنة أو قريباً من السنة، وهو جد الوليد بن عبد الملك بن مروان الذي جاء من بعده أولاده الأربعة: الوليد، وهشام، وسليمان، ويزيد، ومروان تولى الخلافة مدةً وجيزة، وتولاها بعده ابنه عبد الملك، ثم أولاد عبد الملك الأربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز، والحديث صحيح ثابت، وهو متصل، وقد رواه عروة عن بسرة نفسها، ورواه عنها بواسطة، فالحديث صحيح.

شرح حديث بسرة بنت صفوان في الوضوء من مس الذكر من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة حدثنا عثمان بن سعيد عن شعيب عن الزهري أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم: أنه سمع عروة بن الزبير يقول: (ذكر مروان في إمارته على المدينة أنه يتوضأ من مس الذكر إذا أفضى إليه الرجل بيده، فأنكرت ذلك وقلت: لا وضوء على من مسه، فقال مروان: أخبرتني بسرة بنت صفوان: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ما يتوضأ منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويتوضأ من مس الذكر. قال عروة: فلم أزل أماري مروان حتى دعا رجلاً من حرسه، فأرسله إلى بسرة، فسألها عما حدثت مروان، فأرسلت إليه بسرة بمثل الذي حدثني عنها مروان)].وهنا أورد النسائي حديث بسرة بنت صفوان من طريق أخرى عن عروة بن الزبير رحمة الله عليه، وهو بمعنى ما تقدم إلا أن فيه ذكر المجادلة والمماراة، وأنه قال: لا يتوضأ، يعني بناء على الأصل، وهو أنه لا يقال بالنقض إلا بدليل؛ لأن الأصل هو عدم النقض حتى يأتي ما يدل على النقض، فأخبره عن بسرة بنت صفوان، أنها قالت عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر جملةً مما ينقض الوضوء، قال: (ويتوضأ من مس الذكر)، فدل هذا على النقل عن الأصل الذي هو عدم النقض إلى النقض من مس الذكر.

تراجم رجال إسناد حديث بسرة بنت صفوان في الوضوء من مس الذكر من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا أحمد بن محمد]. وهو: أحمد بن محمد بن المغيرة، وهو صدوقٌ، خرج حديثه النسائي وحده، فلم يخرج له من أصحاب الكتب الستة غير النسائي. [حدثنا عثمان بن سعيد]. وهو ابن كثير بن دينار الحمصي، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .[عن شعيب]. وهوشعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.إذاً: هذا الإسناد فيه ثلاثة حمصيون، وهم: أحمد بن محمد بن المغيرة شيخ النسائي، فهو حمصي، وعثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، فهو أيضاً حمصي، وشعيب بن أبي حمزة وهو حمصي، ففيه ثلاثة حمصيون، الأول لم يرو له إلا النسائي، والثاني روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، والثالث روى له أصحاب الكتب الستة، وهو شعيب بن أبي حمزة.[عن الزهري]. وهو ابن شهاب، وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو مشهور بالنسبة إلى جده زهرة بن كلاب، فيقال له: الزهري، ومشهور بالنسبة إلى جده شهاب فيقال له: ابن شهاب، وهو إمام جليل، ومحدث كبير، ومن الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أخبرني عبد الله بن أبي بكر]. وهو عبد الله بن أبي بكر بن حزم الذي مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أنه سمع عروة بن الزبير].عروة بن الزبير، وهو أحد الفقهاء السبعة، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.ومروان بن الحكم حديثه عند البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، وذكرت: أن عروة روى هذا الحديث عن بسرة مباشرةً كما رواه عنها بواسطة.[أخبرتني بسرة بنت صفوان].وبسرة بنت صفوان صحابية، ليس لها أحاديث في الصحيحين، وإنما أحاديثها عند أصحاب السنن الأربعة، وبلغت أحد عشر حديثاً.
ترك الوضوء من ذلك

شرح حديث طلق بن علي في ترك الوضوء من مس الذكر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ترك الوضوء من ذلك. أخبرنا هناد عن ملازم حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (خرجنا وفداً حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا معه، فلما قضى الصلاة جاء رجل كأنه بدوي فقال: يا رسول الله! ما ترى في رجلٍ مس ذكره في الصلاة؟ قال: وهل هو إلا مضغة منك، أو بضعة منك)].هنا أورد النسائي بعد الترجمة السابقة -وهي باب: الوضوء من مس الذكر- باب: ترك الوضوء من ذلك، يعني: أنه لا يتوضأ من مس الذكر، وأورد فيه حديث طلق بن علي: أنه قدم وفد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الهجرة، قال: فبايعناه، وصلينا معه، ولما فرغ من الصلاة جاءه رجل كأنه بدوي، وسأله عن الوضوء من مس الذكر، قال: (هل هو إلا بضعة منك، أو إلا مضغة)، وهذا يفيد بأنه لا يتوضأ من مس الذكر، وقد ذكرت الخلاف في هذه المسألة، وأن الأولى هو القول الأول، وقد ذكر أحد الشراح أن صنيع النسائي يشعر بأنه يرجح الأخذ بحديث طلق؛ لأنه ذكره متأخراً، وقدم حديث بسرة الذي فيه الوضوء، قال: فكأنه يرجح عدم النقض؛ لأنه ذكر النقض أولاً وعقبه بعدم النقض، ولا أدري عن طريقة النسائي في التقديم والتأخير، وهل هو يعتبر أن ما يؤخر يكون هو الأرجح، وأن التعويل على ما يؤخره، أو أن له طريقةً أخرى؟ لا أدري عن طريقة النسائي في هذا، لكن أحد الشراح قال: كأن النسائي يرجح الأخذ بحديث طلق؛ لأنه أخره، وهذا يتوقف على معرفة اصطلاحه، وهذا لا يعرف إلا عن طريق الاستقراء، ولم يتبين شيء من طريقة النسائي في ذلك، ولكن من حيث الاحتياط في الدين، والنقل عن الأصل فإن حديث بسرة فيه الاحتياط، وفيه النقل عن الأصل، ومن أخذ به فقد احتاط لدينه، فالأخذ بحديث بسرة هو الأولى، كما أشرت إليه، وكما قال به كثير من أهل العلم.

تراجم رجال إسناد حديث طلق بن علي في ترك الوضوء من مس الذكر

قوله: [أخبرنا هناد]. هو هناد بن السري، وهو ثقةٌ، حديثه عند البخاري في خلق أفعال العباد، وعند مسلم وأصحاب السنن الأربعة.[عن ملازم].وهو ابن عمرو السحيمي الحنفي اليمامي، وسحيم من بني حنيفة، فينسب ويقال له: السحيمي الحنفي اليمامي نسبة إلى اليمامة، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.لقد رأيت الذين وثقوه عدداً؛ وفي الخلاصة نقل جملة من الذين وثقوه، ومنهم: النسائي، وأبو زرعة وغيرهما، وكلام ابن حجر أنا ما اطلعت عليه، والطبعة المصرية ما رأيت فيها ترجمة ملازم، فلا أدري هل هو ساقط، أو أنه وضع في مكان لم أهتد إليه؟ لكنني رأيت الذين وثقوه وهم عدد مما يفيد بأنه ثقة، وإذا كان الحافظ قال عنه: صدوق، فهذا هو الذي انتهى إليه رأيه، كما هي عادته وطريقته.[حدثنا عبد الله بن بدر]. وعبد الله بن بدر أيضاً هو سحيمي حنفي يمامي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب السنن الأربعة.[عن قيس بن طلق]. وقيس بن طلق صدوق، وحديثه عند أصحاب السنن الأربعة. [عن أبيه].وهو طلق بن علي السحيمي اليمامي، وهو صحابي، وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم في أول الهجرة، وبايعه وصلى معه كما جاء في هذا الحديث، وله أربعة عشر حديثاً، خرج له أصحاب السنن الأربعة، وعلى هذا فإن رجال الإسناد كلهم إلا هناد هم حنفيون من بني حنيفة، وخرج لهم أصحاب السنن الأربعة، فهؤلاء الأربعة الذين هم: ملازم بن عمرو، وعبد الله بن بدر، وقيس بن طلق، وطلق، هؤلاء أربعة سحيميون من بني حنيفة ومن اليمامة، وممن خرج لهم أصحاب السنن الأربعة، وما خرج لهم البخاري، ومسلم شيئاً، فهؤلاء أربعة ليس لهم في الصحيحين رواية، وإنما روايتهم أربعتهم في كتب السنن الأربعة، وهم سحيميون، حنفيون، ويماميون من اليمامة.والحديث صحيح ثابت؛ الذي هو حديث طلق، إنما الكلام في هل الأخذ به، أو الأخذ بحديث بسرة؟ وقد ذكرت لكم: أن الأخذ بحديث بسرة هو الأولى.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 05-04-2019, 06:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(60)

- باب الوضوء مما غيرت النار

أمر الشارع في بداية الأمر بالوضوء مما غيرت النار أو مسته، ثم نسخ هذا الحكم تخفيفاً على العباد.
الوضوء مما غيرت النار

شرح حديث أبي هريرة: (توضئوا مما مست النار)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء مما غيرت النارأخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا إسماعيل وعبد الرزاق قالا: حدثنا معمر عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضئوا مما مست النار)].أورد النسائي رحمه الله ترجمة وهي باب: الوضوء مما غيرت النار يعني: مما طبخ في النار من الأكل ففيه الوضوء، هذا هو المقصود بالترجمة، وقد أورد النسائي فيها أحاديث عديدة، لكن الأحاديث التي وردت فيه صحيحة، ولكن الحكم نسخ بترك الوضوء مما مست النار، كما جاء عن جابر أنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار).إذاً: هذا ناسخ، وهذا منسوخ، فالأحاديث التي في هذا الباب الذي معنا، والتي تدل على الوضوء مما مست النار هي منسوخة.وناسخها ما جاء من الأحاديث في ترك الوضوء مما مست النار، وكون الصحابي نفسه أشار إلى الأول والآخر، وإلى المتقدم وإلى المتأخر، فقال: (كان آخر الأمرين من رسول الله عليه الصلاة والسلام ترك الوضوء مما مست النار).إذاً: فما مسته النار وما طبخ وأكل فهو غير ناقض للوضوء إلا فيما يتعلق في لحم الإبل، فقد جاء حديث صحيح في صحيح مسلم وغيره يدل على الوضوء من لحم الإبل، حيث (سئل رسول الله عليه الصلاة والسلام عن الوضوء من لحم الغنم، فقال: إن شئتم)، ولما سئل عن الوضوء من لحم الإبل، قال: (نعم)، أي: توضؤوا من لحوم الإبل، فدل على أن لحم الإبل ناقض للوضوء، وأن من أكله فعليه أن يتوضأ، وهذا الحديث وهو حديث الوضوء من لحم الإبل هو من الأحاديث التي علق الشافعي القول بها على صحة الحديث، وقد قال بعض أتباعه: وقد صح الحديث وهو مذهب الشافعي؛ لأنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، فهذا الحديث هو مذهب الشافعي، وإن لم يقل الشافعي: إن الحديث صح عنده، لكنه علق القول به على صحته.إذاً: فالوضوء مما مست النار نسخ إلا فيما يتعلق بالوضوء من لحم الإبل فإنه قد جاء ما يخصه، وما يجعل حكمه خاصاً؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام (سئل عن الوضوء من لحم الغنم، فقال: إن شئتم)، وسئل عن الوضوء من لحم الإبل، فقال: (نعم)، فدل على أنه يتوضأ من لحم الإبل، وأن لحم الإبل ناقض للوضوء إذا أكل، وأما اللحوم الأخرى والمطبوخات الأخرى إذا مستها النار فإن الحكم فيها منسوخ كما سيأتي.قوله: [عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضؤوا مما مست النار)].فأورد النسائي حديث أبي هريرة يقول فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضؤوا مما مست النار)، فهو أمر من رسول الله عليه الصلاة والسلام بالوضوء مما مسته النار؛ أي: مما طبخ بالنار فإنه ينتقض به الوضوء، إلا أن هذا -كما أشرت- حكم منسوخ ليس باقياً، بل قد نسخ كما سيأتي الناسخ بعد هذا؛ لأنه سيأتي بباب: ترك الوضوء مما مست النار، وهو الناسخ، والوضوء هو المنسوخ.وطريقة الإمام مسلم رحمه الله لما أورد الأحاديث في الوضوء مما مست النار، رتبها كترتيب النسائي الموجود هنا، أتى أولاً بالأحاديث المتعلقة بالوضوء مما مسته النار، ثم أتى بالأحاديث التي فيها ترك الوضوء مما مسته النار، قال النووي في شرحه في صنيعه: هو تقديم المنسوخ وتأخير الناسخ، أورد الأحاديث المنسوخة، ثم أورد الأحاديث الناسخة، فكان طريقته أنه قدم المنسوخ وأخر الناسخ، وهذه الطريقة أيضاً هي طريقة النسائي هنا، وقد مر بنا في الدرس السابق في الوضوء من مس الذكر، أورد الأحاديث التي فيها حديث بسرة في الوضوء من مس الذكر، ثم أورد حديث طلق بن علي في ترك الوضوء من مس الذكر، وقال السندي في تعليقه عليه: إن صنيع المؤلف يشعر بأنه يرجح عدم النقض؛ لأنه أخر الحديث المتعلق بعدم النقض، فيكون لمعنى أخره، وقلت لكم إن هذه الطريقة لا ندري هل هي طريقة النسائي، لكن هذا الحديث الذي معنا في هذا الباب والذي يتعلق بالوضوء مما مست النار، وكونه قدم الأحاديث المنسوخة؛ ثم أخر الأحاديث الناسخة، يعني: هذا يشعر بأنه قد يكون يرى أن المعول عليه، وأن العمل عنده على ما جاء في حديث طلق من أنه إذا مسه الإنسان لا يتوضأ، وقد ذكرت لكم فيما مضى أن القول الراجح هو القول بالنقض، وهو الأحوط في الدين، ومر الكلام على ذلك، لكن أشرت إليه هنا من أجل حصول الترتيب الذي حصل عند النسائي هنا، وأن العمل هو على المتأخر الذي فيه ترك الوضوء مما مست النار.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (توضئوا مما مست النار)

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].إسحاق بن إبراهيم هذا هو: ابن راهويه الحنظلي، الإمام، المحدث، الفقيه، وهو ثقة ثبت، حجة من رجال الجماعة إلا ابن ماجه .[أخبرنا إسماعيل].إسماعيل هو: ابن علية، إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهي أمه، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[وعبد الرزاق].وهو ابن همام الصنعاني، الإمام، المشهور، المحدث، الفقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره مراراً، وهو راوي صحيفة همام بن منبه؛ لأن صحيفة همام تشتمل على 140 حديثاً كلها من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة، وهي كلها صحيحة، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره أيضاً مراراً وتكراراً.[حدثنا معمر].وهو معمر بن راشد، وقد سبق أن مر ذكره، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن الزهري].وهو الإمام، المشهور محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وقد مر ذكره مراراً، وهو من الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عمر بن عبد العزيز].وهو: عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، الخليفة الذي تولى الخلافة على رأس المائة الأولى، تولاها بعد سليمان بن عبد الملك؛ لأن الذين تولوا الخلافة من بني أمية، من أولاد عبد الملك أربعة. وأما عمر بن عبد العزيز فقد توسط بينهم؛ لأن فيه الوليد، ثم سليمان، ثم جاء بعده عمر، ثم بعد عمر: يزيد، وهشام، والجميع أولاد عبد الملك، وتوسط بينهم عمر بن عبد العزيز.وعمر بن عبد العزيز هو ابن مروان بن الحكم الخليفة أمير المؤمنين، وقد وصف بأنه أحد الخلفاء الراشدين، وقد اشتهر عدله، واشتهر علمه، واشتهر ورعه فصار الكلام فيه حسناً، وسيرته حسنة ومحمودة، بل من العلماء من قال: إنه خامس الخلفاء الراشدين، لكن التعبير بكونه خامس الخلفاء الراشدين؛ يعني: مع أن معاوية بن أبي سفيان قبله، وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومعلوم ما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام في حق أصحابه: (وإن الواحد لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، وقد قال بعض العلماء، وقد أحسن فيما قال: ومعاوية أول ملوك المسلمين وهو خير ملوك المسلمين؛ لأن الملك بعد الخلفاء الراشدين صار ملكاً، لكن هو خير ملوك المسلمين؛ لأنه صحابي، والصحابة أفضل ممن جاء بعدهم، فالقول بأنه خامس الخلفاء الراشدين، وعدم ذكر معاوية، أو كونه يأتي بعد الخلفاء الراشدين، مع أن معاوية أفضل منه، وخير منه؛ لصحبته رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو كاتب الوحي لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وما حصل له من شرف الصحبة يفوق ما حصل لـعمر من الفضل، ومن المعلوم أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، فالعمل القليل من معاوية يفوق العمل الكثير من غيره ممن جاء بعد الصحابة رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.وعمر بن عبد العزيز لا شك أنه خليفة راشد، وأنه من خيار ملوك المسلمين وخلفاء المسلمين، وهو بعد معاوية، لا شك أنه أولى من غيره، وأفضل من غيره، والثناء عليه كثير، وسيرته مشهورة رحمة الله عليه، وهو محدث، فقيه من حملة الفقه، ومن حملة حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورحم الله تعالى عمر بن عبد العزيز، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.وهو الذي أمر الزهري بأن يجمع حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي قال فيه السيوطي في ألفيته: أول جامع الحديث والأثرابن شهاب آمر له عمرفهو الذي أمر بتدوين السنة، وكلف الزهري بأن يقوم بهذه المهمة.[عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ].إبراهيم بن عبد الله بن قارظ صدوق، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجه ، ولم يخرج له الترمذي شيئاً.وأحياناً يقال فيه: عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، وإبراهيم بن عبد الله بن قارظ، يقول الحافظ ابن حجر: إنهما شخص واحد، ووهم من قال: إنهما اثنان؛ يعني: أحياناً يقلب اسمه واسم أبيه، فيقال: هو إبراهيم بن عبد الله، ويقال: هو عبد الله بن إبراهيم بن قارظ؛ يعني: إذا جاء عبد الله بن إبراهيم بن قارظ.[عن أبي هريرة].أبو هريرة، هو الصحابي الجليل الذي مر ذكره مراراً وتكراراً.

شرح حديث أبي هريرة: (توضئوا مما مست النار) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عبد الملك حدثنا محمد يعني: ابن حرب حدثني الزبيدي عن الزهري أن عمر بن عبد العزيز أخبره أن عبد الله بن قارظ أخبره أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضئوا مما مست النار)].وهذا طريق آخر عن أبي هريرة، وهو بلفظ الحديث السابق: (توضئوا مما مست النار). وإسناد الحديث بعضه مطابق للإسناد الذي قبله من الزهري ومن فوقه، هؤلاء مروا في الإسناد الأول.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (توضئوا مما مست النار) من طريق ثانية

قوله: [حدثنا هشام بن عبد الملك].المعروف عن النسائي أنه يقول: أخبرنا، وما دام أن بعض النسخ فيها: أخبرنا، فهي الموافقة للجادة والطريقة الكثيرة الاستعمال، وهشام بن عبد الملك صدوق ربما وهم، وحديثه عند أبي داود، والنسائي، وابن ماجه ؛ يعني: خرج له ثلاثة من أصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج له الترمذي شيئاً، وكذلك لم يخرج له الشيخان شيئاً.[حدثنا محمد؛ يعني: ابن حرب].هو محمد بن حرب الخولاني الحمصي الأبرش، وهو ثقة، أخرج له الجماعة.[حدثني الزبيدي].وهو محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي الحمصي، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، ولم يخرج له الترمذي، وهذا من أثبت أصحاب الزهري.

شرح حديث أبي هريرة: (إني سمعت رسول الله يأمر بالوضوء مما مست النار) من طريق ثالثة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا إسحاق بن بكر وهو ابن مضر حدثني أبي عن جعفر بن ربيعة عن بكر بن سوادة عن محمد بن مسلم عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ أنه قال: (رأيت أبا هريرة رضي الله عنه يتوضأ على ظهر المسجد، فقال: أكلت أثوار أقط فتوضأت منها، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء مما مست النار)].فالترجمة كما سبق في الدرس الفائت: الوضوء مما غيرت النار، وذكرت أن النسائي رحمه الله أورد هذه الترجمة في الوضوء مما مست النار، والترجمة التي بعدها، وهي ترك الوضوء مما مست النار، وأن أحاديث ترك الوضوء مما مست النار ناسخة لأحاديث الوضوء مما مست النار، وقد جاء في حديث جابر، وغيره ما يدل على ذلك، ولفظ حديث جابر كما سيأتي (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، أي: إن الترك للوضوء ناسخ للأمر بالوضوء.وذكرت في الدرس الفائت أن هذا النسخ للوضوء مما غيرت النار، أو مما مست النار، أن ذلك في غير لحوم الإبل، فلحوم الإبل جاء ما يدل على أن أكلها ناقض، حيث (سئل رسول الله عليه الصلاة والسلام، عن الوضوء من لحم الغنم؟ فقال: إن شئتم، وعن الوضوء من لحم الإبل؟ فقال: نعم، توضؤوا من لحوم الإبل)، فدل على أن مما مسته النار سواء كان لحماً أو غير لحم، فإن آكله لا ينتقض وضوءه، بل وضوءه باق على ما هو عليه، اللهم إلا إذا كان المأكول لحم إبل فإنه ينتقض الوضوء بذلك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام، لما سئل أرشد إلى الوضوء من أكل لحوم الإبل.ثم ذكر التغيير أو المس بالنسبة للنار يشمل ما إذا كان مطبوخاً، أو مشوياً؛ لأنه كله يقال له: مسته النار، وكله غيرته النار، فالحكم للمطبوخ أو للمشوي فيه واحد، ولكن الأمر كما قلت: هو منسوخ إلا فيما كان من لحم الإبل، فإن الحكم باقٍ، وهو أن من أكل لحم إبل سواء كان مطبوخاً، أو مشوياً فإنه يلزمه الوضوء؛ لأنه قد ورد الحديث في ذلك في صحيح مسلم، وهو ما أشرت إليه.

بيان معنى قول الشافعي: (إذا صح الحديث فهو مذهبي)، وتعظيم الأئمة الأربعة للدليل

وقد ذكرت في الدرس الفائت أن الإمام الشافعي رحمة الله عليه علق القول به على صحته، وقال: إن صح الحديث قلت به؛ لأنه ما بلغه من طريق صحيح، وقد قال بعض أصحاب الإمام الشافعي: إن الحديث قد صح، فهو مذهب الشافعي؛ لأنه علق القول به على صحته، والإمام الشافعي رحمة الله عليه قال في مسائل عديدة: إن صح الحديث في هذه المسألة قلت به، وهذا يدل على أن مذهب وطريقة الإمام الشافعي وغيره من الأئمة هو التعويل على السنة، والتعويل على ما جاء عن الرسول عليه الصلاة والسلام وأنه إذا صح الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فليس لأحد كلامُ مع كلام رسول الله، والإمام الشافعي نفسه هو الذي جاءت عنه المقولة المشهورة التي يقول فيها: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائن من كان، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في شرح حديث الاشتراط في الحج، حديث ضباعة بنت الزبير التي قالت: (إني أريد الحج وأنا شاكية، قال: اشترطي)؛ أي: قولي: إن حبسني حابس، فمحلي حيث حبستني، فإن الإمام الشافعي قال: إن صح الحديث قلت به، وقد قال بعض أصحابه: إنه قد صح، والحديث في الصحيحين، ثبت في صحيح البخاري، وقال الحافظ ابن حجر عند شرح هذا الحديث: وقد جمعت المسائل التي قال فيها الشافعي: إن صح الحديث قلت به، وذكرت ما ورد فيها من الأحاديث، ودرجة تلك الأحاديث. أشار الحافظ إلى هذا المصنف الخاص بالأحاديث التي علق الشافعي القول بها على صحة الحديث، وذكر أنه قد بين درجة تلك الأحاديث التي وردت في تلك المسائل، التي قال عنها الإمام الشافعي: إن صح الحديث قلت به، ولا أعلم وجوداً لهذا الكتاب الذي ألفه الحافظ ابن حجر في المسائل التي قال عنها الإمام الشافعي رحمة الله عليه: إن صح الحديث قلت به.وهذا الكلام الذي قاله الإمام الشافعي في أن التعويل على الحديث، هو المأثور عن الأئمة جميعاً، عن الإمام أبي حنيفة، وعن الإمام مالك، وعن الإمام أحمد، كلهم جاء عنهم أن التعويل هو على سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنه إذا صح الحديث تترك أقوالهم، ويؤخذ بما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا من نصحهم وإنصافهم وإحسانهم إلى الناس، إذ أرشدوهم إلى مسلكهم، ونبهوهم إلى أن يسلكوا مسالكهم، بأن يكون المعول عليه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنه لا يصار إلى قول أحد إذا كان قوله مخالفاً لسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام.وقد ذكر ابن القيم رحمة الله عليه في آخر كتاب الروح: أن هذه الطريقة التي سلكها الأئمة هي من إخلاصهم، وإحسانهم، ونصحهم، وإرشادهم إلى عدم الأخذ بأقوالهم إذا وجد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تخالفها، فالمعول عليه هو حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن أخذ بالسنة إذا وجد عنهم أقوال جاءت في السنة، أو جاءت الأحاديث بخلافها، فإنه آخذ بتوجيهاتهم، وآخذ بنصائحهم، وآخذ بإرشادهم، فهو الممتثل حقاً لما أرادوه ولما أحبوه، وهو اتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وترك أقوالهم، وقد قال الإمام ابن القيم رحمة الله عليه: إن الطريقة المثلى هي أن يستفاد من علم الأئمة، وألا يهضم حقهم، وألا يتكلم فيهم بما لا ينبغي، بل يتكلم فيهم بما يليق، فيستفاد منهم، ويستفاد من علمهم، لكن إذا تبين أن الحق وأن الدليل مع غير ذلك الإمام الذي يستفيد الإنسان من علمه، والذي يحرص الإنسان على معرفة كلامه، فإنه لا يجوز له أن يأخذ بقوله الذي وجد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تخالفه، بل الواجب هو اتباع سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا فيه تحقيق لرغبتهم التي أرشدوا إليها، والتي رغبوا فيها وحثوا عليها، وهي أن تترك أقوالهم، وتتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

بيان الفرق بين احترام الأئمة والتعصب لهم وذكر كلام ابن القيم وغيره في ذلك

إذاً: فهناك فرق بين من يتعصب للأئمة، وبين من يحترم الأئمة، ويعتبر أن أقوالهم دائرة بين الأجر والأجرين، وأنهم مجتهدون، فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد، وخطؤهم مغفور، ولكنهم ليسوا بمعصومين، وهذا لم يحصل لأحد ممن قبلهم، وهم أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا يقال في حق أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام في أي واحد منهم أن الحق معه لا يتعداه، بل إن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم عندما تأتي المسائل والنوازل، فإنهم يسألون أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام هل عندهم سنة فيها؟ فها هو أبو بكر رضي الله عنه، تأتي جدة تريد أن تبحث عن ميراث، وتريد ميراثاً، فقال: لا أعلم لك في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، لكن أسأل الناس، فذهب يبحث ويسأل الناس حتى جاءه بعض الصحابة، فقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس، فأعطاها السدس، فهذا خليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأفضل الصحابة، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه لم يكن يعلم بهذا الحكم؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كما هو معلوم يلتقي به الناس في مناسبات مختلفة، ويحدث بالأحاديث بمناسبات مختلفة، ويحضر هذا ويغيب هذا، وقد عرفنا فيما مضى أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان يتناوب مع صاحبه في النزول للرسول عليه السلام، والبقاء في العمل في زرعه وفي فلاحته، فيوم ينزل أحدهما وصاحبه يبقى في عمله، وإذا جاء الذي نزل للرسول صلى الله عليه وسلم أخبر الذي جلس بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا جاء الغد فالذي لم ينزل بالأمس فإنه ينزل اليوم، ثم يخبر الذي لم ينزل بما سمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام.فهذه السنن يأتي بيانها في مناسبات، ولهذا لا يقال عن شخص من الناس: أنه يحيط بها علماً، وأنه لا يخفى عليه شيء من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل عند هذا ما ليس عند هذا، وهذا يحضر ما يغيب عنه هذا، وإذا كان هذا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف في حق الأئمة الأربعة وغيرهم؟!فالواجب هو احترام الجميع وتوقيرهم ومحبتهم ومولاتهم، واعتقاد أنهم مجتهدون، وأن المصيب منهم له أجران: أجرٌ على إصابته، وأجر على اجتهاده، والمخطئ له أجر واحد من أجل اجتهاده، وخطؤه مغفور، ومن عرف قدرهم، وأنزلهم منازلهم، وأخذ بتوصياتهم التي أوصوا بها، فهذا هو الذي أصاب الحق، وهو الذي حقق رغباتهم.أما من يتعصب لهم، بحيث لو ذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه قد صح، وأن الحديث رواه فلان وفلان، وأنه موجود في الصحيحين أو في غيرهما، ثم لا يقبله هذا المتعصب الذي يلازم مذهب إمام معين، ولا يتعداه ولا يحيد عنه، ويقول: لو كان ثابتاً لعلمه الإمام، ولم يخف عليه، فهذا من الظلم ومن الجور ومن الشطط، بل العدل والإنصاف هو أن يعتقد أن أي واحد من الناس لا يقال فيه: إنه أحاط بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، بحيث لا يترك شاردة ولا واردة إلا وقد أحاط بها، فأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدين لا يدعى في حق واحد منهم ذلك، بل كل واحد منهم تحصل له قضية فيسأل عنها أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام الذين عندهم علم فيها، وقد يحضر المفضول مناسبة، فيتحمل فيها علماً لم يعلم به ذلك الفاضل، وقد يكون في مجلس من المجالس، فمجالس الرسول صلى الله عليه وسلم قد يحضر فيه شخص من آحاد الناس ومن أفراد الصحابة، ويغيب عنه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فتكون تلك السنة التي حضرها ذلك الرجل علمها، ولم تبلغ هؤلاء الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم، بل عندما تأتي حادثة أو نازلة يسألون من عنده علم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فيرجعون إلى قوله.إذاً: فالعدل والإنصاف هو محبة العلماء، ومولاتهم، وتوقيرهم، واحترامهم، وحسن الأدب معهم، وأن الإنسان لا يتعصب لهم، ولا يجفوا في حقهم، لا يكون لا غالياً ولا جافياً، لا يكون غالياً فيقول: والله إن الحق مع فلان وفلان؛ يعني: عنده العلم يحيط بالسنة، فتابعه يتابع ولا يحاد عنه، ولا يكون جافياً ويقول: والله ما لنا حاجة لأن نقرأ كلامهم، ولا أن نطلع على كتبهم، وإنما نحن ننظر في الأحاديث فنعرض عن كلام العلماء، بل العدل، والإنصاف، والإحسان هو الاطلاع على الأحاديث والبحث فيها، والبحث في كلام العلماء، والاستفادة من علمهم. وقد قال ابن القيم رحمة الله عليه في كتابه الروح: إن العلماء يستفاد منهم، وأنهم مثل النجوم التي يستدل بها إلى القبلة؛ لأن الإنسان عندما يبحث عن القبلة يستدل عليها بالنجوم؛ أي: مطالعها ومخارجها، وأن النجم الفلاني في الجهة الفلانية، فيستدل بها على جهة القبلة، فيقول إن العلماء يستفاد منهم في الوصول إلى معرفة الحق، لكن إذا وقف الإنسان على الحق وظهر له الدليل فإنه لا يحتاج إلى دليل يدله عليه، قال: وهم مثل النجوم يستدل بها إلى القبلة، لكن الإنسان إذا كان عند الكعبة ووصل إليها، فما يحتاج ليبحث عن شيء يدله على القبلة، فإذا وصل للمدلول عليه وانتهى إليه، فليس فيه حاجة إلى دليل، ما دام الإنسان ما اهتدى إلى القبلة، ولا يمكن أن يستدل عليها بالأدلة، لكن إذا وصل إلى القبلة وانتهى إلى الكعبة، وصارت الكعبة أمامه، أيحتاج إلى أحد يدله إلى الكعبة؟ لا يحتاج؛ لأن الكعبة قدامه.إذاً: فهذا هو العدل والإنصاف، وهذا هو الإحسان، ولهذا يقول الطحاوي رحمة الله عليه في عقيدة أهل السنة والجماعة: وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من اللاحقين أهل الخبر والأثر، وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل، ومن المعلوم أن ذكرهم بالغلو سوء، وهم لا يرضون هذا الغلو، وكذلك الجفاء أيضاً هو تفريط وجفاء، ولا يليق بهم، بل الواجب العدل والإنصاف والاعتدال والتوسط في الأمور، وعدم الإفراط والتفريط، لا غلو ولا جفاء.إذاً: بعد هذا الاستطراد أرجع إلى المسألة التي نحن فيها وهي أن الوضوء مما مسته النار جاء فيها أحاديث صحيحة، وهي منسوخة بالأحاديث الدالة على ترك الوضوء مما مست النار؛ لأن الحديث الذي جاء في ذلك فيه الناسخ والمنسوخ؛ لأن جابر رضي الله عنه قال: كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء، يعني: الوضوء وعدم الوضوء، آخره كان الترك، ترك الوضوء مما مسته النار فيكون ناسخاً، ويستثنى من ذلك -كما قلت- الوضوء من لحم الإبل، فإنه باق والحديث فيه خاص، والرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن هذا وهذا، وكلها مما تمسه النار، فأرشد إلى الوضوء من لحوم الإبل، وقال في حق من أكل لحم غنم أنه رد ذلك إلى مشيئته فقال: (إن شئتم).والنسائي رحمه الله أورد عدة أحاديث، وقد مر في الدرس الفائت حديثان، وهذا حديث لـأبي هريرة رضي الله عنه، وعبد الله بن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، (أنه رآه يتوضأ على ظهر المسجد، وقال: إني أكلت أثوار أقط، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء مما مست النار)، يعني: أنه أكل أقط، والأقط كما هو معلوم مطبوخ، فهو لبن طبخ على النار حتى تجمد وتكاثف، والتحم بعضه ببعض، فجمع بعضه إلى بعض، فيبس وصار كالحجارة في شدته، يقول: أنه كان يأكل أثوار أقط؛ أي: قطع من الأقط، إذاً: الأصل أنه مطبوخ على النار؛ لأن الأقط لا يكون إلا بعد الطبخ، وقد توضأ رضي الله عنه، لكن هذا كما عرفنا جاء ما يدل على نسخه، وأن الوضوء مما مست النار منسوخ إلا في ما يتعلق بالنسبة للحوم الإبل فإن الحكم باق.قوله: [عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ قال: (رأيت أبا هريرة رضي الله عنه يتوضأ على ظهر المسجد، فقال: أكلت أثوار أقط فتوضأت منها، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالوضوء مما مست النار)].وأبو هريرة رضي الله عنه كان قد أكل أثوار أقط، وهي قطع من الأقط، وبين أن وضوءه كان بسبب هذا الأكل، وقال: (إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بالوضوء مما مست النار)، فهو يتوضأ.وفيه بيان ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الاتباع والملازمة لما جاء عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.قوله: (يتوضأ على ظهر المسجد)، في هذا دليل على أن الوضوء في المسجد جائز؛ لأن وضوء أبي هريرة رضي الله عنه كان على ظهر المسجد، وظهر المسجد هو من المسجد، فيدل على جواز مثل ذلك، لكن هذا كما هو معلوم يكون في الوضوء الذي لا استنجاء معه؛ لأن الاستنجاء فيه إزالة نجاسة، ولا يجوز أن يفعل ذلك في المسجد، وأما الوضوء الذي هو غسل الوجه واليدين والرجلين وما تساقط منه من الماء، فهذا لا بأس به، وهو جائز؛ لأنه طاهر وليس بنجس، لكن هذا مشروط بألا يحصل فيه تلويث، وألا يحصل به مضرة، ولا يحصل فيه امتهان للمسجد، لكنه إذا احتيج إلى ذلك في بعض الأحيان وفعل فإن العمل صحيح، وفعل أبي هريرة رضي الله عنه هذا يدل عليه.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 05-04-2019, 06:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(60)

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (إني سمعت رسول الله يأمر بالوضوء مما مست النار) من طريق ثالثة

قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].هو: الربيع بن سليمان بن داود، وهو الجيزي المصري، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي. وللنسائي شيخ آخر من طبقة الربيع بن سليمان هذا، وهو أيضاً مصري، وهو الربيع بن سليمان بن عبد الجبار صاحب الشافعي المشهور، فهو غير هذا، وأما الربيع بن سليمان بن داود، فقد جاءت تسميته في آخر الأحاديث التي جاءت في هذا الباب، وقد ذكر هذا الإسناد مرة أخرى في آخر حديث، أو قريباً من آخر حديث في هذا الباب، فقال: أخبرنا الربيع بن سليمان، قال: الربيع بن سليمان بن داود فسماه في طريق أخرى، فإذاً: يكون هو الربيع بن سليمان بن داود الجيزي المصري، وليس الربيع بن سليمان بن عبد الجبار صاحب الشافعي، وكلٌ منهما روى عنه النسائي، وهما في طبقة واحدة، في الطبقة الحادية عشرة، وهم من شيوخ النسائي، لكن هذا الذي معنا هو ابن داود الذي سماه النسائي في إسناد آخر في نفس الباب، وهو الربيع بن سليمان بن داود، وهو مصري ثقة، وحديثه عند أبي داود، والنسائي.[حدثنا إسحاق بن بكر وهو ابن مضر].كلمة (هو ابن مضر) هذه يقولها من كان دون التلميذ الذي روى عن الشيخ؛ أعني: أن إسحاق بن بكر بن مضر تلميذه هو الربيع بن سليمان، فـالربيع بن سليمان لا يحتاج إلى أن يقول: هو، وإنما ينسب شيخه كما يريد؛ لأن الكلام كلامه، لكن التلميذ إذا ذكر شيخه بصورة معينة، ثم جاء من بعده وأراد أن يوضح هذا الشخص الذي ذكره التلميذ بصيغة محددة، أو بصيغة مختصرة، فعندما يضيف شيئاً يأتي بكلمة (هو)، أو يأتي بكلمة (يعني: فلان)، أو (يعني: ابن فلان)، هذا هو المقصود منها، وقد جاء هذا مراراً، ونبهت عليه مراراً، وهذا من حسن العمل؛ لأنهم لو أضافوا إلى اسمه وذكر الإسناد، فقال: إسحاق بن بكر بن مضر لكان التلميذ كأنه قال: إسحاق بن بكر بن مضر، وهو ما قال: ابن مضر في هذا الموضع، وإنما قال: إسحاق بن بكر فقط، وهو معلوم، لكن من جاء بعده وأراد أن يوضح، أو يأتي بما يوضح ذلك فيقول: هو ابن مضر كما جاء في الإسناد هنا، فنفهم من كلمة (هو ابن مضر)، أن هذا الاسم ليس من كلام التلميذ، بل هو من كلام النسائي، أو من دون النسائي، أو من بعد النسائي، فهو أراد أن يوضح هذا الشخص بزيادة في نسبه توضحه وتبينه.وإسحاق بن بكر بن مضر صدوق، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، مثل الذي قبله إلا أن فيه زيادة مسلم.قوله: [حدثني أبي].وهو: بكر بن مضر، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن جعفر بن ربيعة].وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن بكر بن سوادة].وهو بكر بن سوادة بن ثمامة، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.[عن محمد بن مسلم].وهو الزهري، ومجيء الزهري باسمه واسم أبيه، هذا قليل جداً، بل هو نادر، ولعله أول موضع يأتي فيه ذكر محمد بن مسلم؛ يعني باسمه، واسم أبيه؛ لأن الغالب أن يقال: الزهري، أو يقال: ابن شهاب، أما أن يؤتى باسمه واسم أبيه كما هو هنا فهذا قليل جداً.وهو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينسب إلى جده زهرة بن كلاب، وكلاب هو الذي يلتقي نسبه مع نسب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإلى جده شهاب وهو جد أبيه؛ لأنه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، وهو جد الجد، فهو يُنسب إلى جد من أجداده، وليس جداً قريباً، لكنه اشتهر بالنسبة إليه، والإمام الزهري رحمة الله عليه مر ذكره كثيراً، وهو أحد الثقات الأثبات، ومن أوعية العلم، ومحدث، فقيه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو الذي كلفه عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه بجمع السنة، وهو الذي يقول فيه السيوطي في ألفيته: أول جامع الحديث والأثرابن شهاب آمر له عمر

ترجمة عمر بن عبد العزيز وبيان فضل الصحابة على من عداهم

[عن عمر].هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، وهو الخليفة أمير المؤمنين، وهو خليفة راشد، وقد ذكرت بالأمس أنه معروف ومشهور بالصلاح، والزهد، والعبادة، والعلم، والفقه، ومن العلماء من قال: إنه خامس الخلفاء الراشدين، لكن قلت: إن هذا التعبير ليس بدقيق؛ لأن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه صحابي، وقد تولى الخلافة، فكونه يقال: الخامس، فمعناها أن فيه تجاوزاً لـمعاوية، ومعاوية خير من عمر بن عبد العزيز، وخير من كل تابعي، ومن جاء بعد التابعين؛ لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل ممن سواهم، ومن المعلوم أن التفضيل للصحابة إنما هو تفضيل للفرد على الأفراد، فكل فرد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من أي فرد من أفراد من جاء بعدهم، هذا هو التفضيل المشهور عند العلماء، إلا أنه جاء عن ابن عبد البر رحمة الله عليه أن التفضيل إنما هو في الجملة، وأنه قد يكون في من بعد الصحابة من يكون أفضل من بعضهم، لكن المعروف عن العلماء والمشهور عنهم أن التفضيل لكل فرد من أفراد الصحابة، يعني: أنه أفضل من كل فرد من أفراد من بعده، والتفضيل للأفراد لا يعني في الجملة، وأن التفضيل إنما هو لبعضهم، وأنه قد يكون فيمن بعدهم من يكون أفضل من بعضهم، بل كل واحد من الصحابة أفضل من كل من جاء بعد الصحابة؛ لأنهم حصلوا شرفاً، وحصلوا فضلاً، وحصلوا ميزة ما حصلها أحد من هذه الأمة، ولا حصلها أحد من البشر؛ لأن الله تعالى اختار هذا الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، واختار له أصحاباً جعلهم في زمانه، فالله تعالى أوجد هؤلاء الأصحاب في زمانه، وأكرمهم بذلك فصاروا أصحابه، وصاروا حملة سنته، وأوعية علمه، وكانوا الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما عرف حق ولا هدى إلا عن طريق الصحابة، وما عرف الكتاب والسنة إلا عن طريق الصحابة، ولم يستفد الناس فائدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عن طريق الصحابة، ولهذا كان لهم من الفضل ما ليس لغيرهم، وقال فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، فهذا الجبل الضخم الذي هو قريب منا لو كان مثل هذا الجبل ذهباً وتصدق به واحد من الناس، وتصدق واحد من الصحابة بمد الذي هو ثلث الصاع لكان هذا الجبل لا يعادل هذا المد، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [المائدة:54].إذاً: ما جاء عن بعض العلماء في أن عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين غير صواب، يعني: لو قيل: أنه خليفة راشد، أو أنه من الخلفاء الراشدين، فكلامٌ جيد، لكن كلمة خامس معناه يجيء بعد الخلفاء الراشدين، وقبله معاوية، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو خير ممن جاء بعد الصحابة، وقد قال شارح الطحاوية - أو صاحب لمعة الاعتقاد: عندي شك في الذي قال- هذا المعنى، لكن نقول: إن معاوية هو أول ملوك المسلمين، وهو خير ملوك المسلمين؛ لأنه تولى الملك وهو صحابي، والباقون تولوا بعد معاوية وليسوا بصحابة، لكن معاوية رضي الله عنه لكونه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام فهو أفضل.ولهذا جاء عن بعض السلف آثار فيها العتب على من يفضل عمر بن عبد العزيز على معاوية، وقد جاء عن بعض السلف أنه قال: لتراب في منخر معاوية مع رسول الله خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز؛ لأن الذي حصل من الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم لا يماثله شيء، ولا يدانيه أي عمل من الأعمال التي يعملها من جاء بعدهم، ولا يساوي ما حصل لأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً.قوله: [عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ].وعبد الله بن إبراهيم بن قارظ يأتي أحياناً باسم إبراهيم بن عبد الله، وأحياناً عبد الله بن إبراهيم، وقد قال الحافظ ابن حجر: إنهما شخص واحد، وقد وهم من ظن أنهما شخصان، فيعني: يحصل تقديم وتأخير، والشخص واحد، يقال: عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، وإبراهيم بن عبد الله بن قارظ.وعمر بن عبد العزيز حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وحديثه عند البخاري في الأدب المفرد، وعند مسلم، وأبي داود، وابن ماجه ، والنسائي، ولم يخرج له الترمذي.وقوله: [رأيت أبا هريرة ... ].وأبو هريرة رضي الله عنه قد مر ذكره.وهذا الإسناد الذي مر معنا هو من أطول الأسانيد عند النسائي؛ لأنه تساعي، فهو إسناد تساعي مكون من تسعة أشخاص، وبين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة، أولهم: الربيع بن سليمان بن داود المصري الجيزي، ثم بعد ذلك إسحاق بن بكر بن مضر، ثم أبوه بكر بن مضر، ثم جعفر بن ربيعة، ثم بكر بن سوادة، ثم الزهري، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم ابن قارظ، ثم أبو هريرة، فهؤلاء تسعة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.فهذا من أطول الأسانيد وليس أطولها؛ لأن هناك ما هو أطول منه، ويوجد هناك عشاريات عند النسائي، ولم يمر بنا حتى الآن.وقد ذكرت فيما مضى أن أعلى ما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، والنسائي توفي سنة 303؛ يعني: بين وفاته ووفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من 290 سنة، وأعلى ما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص، فهذا هو أعلى أسانيده، وليس عنده ثلاثيات، كل ما عنده هو رباعيات، بخلاف البخاري، فإن عنده ثلاثيات كثيرة تزيد عن العشرين، ومسلم لا يوجد عنده ثلاثيات، وإنما عنده رباعيات، وأبو داود كذلك عنده رباعيات، ولا يوجد عنده ثلاثيات، والترمذي عنده ثلاثيٌ واحد، وابن ماجه عنده خمسة ثلاثيات، وأما مسلم، والنسائي، وأبو داود فهؤلاء أعلى ما عندهم الرباعيات، وعند مسلم، والنسائي أسانيد نازلة، وأسانيد طويلة، منها هذا الإسناد الذي معنا، وهو تسعة أشخاص، وعنده ما هو أطول من ذلك، ولكن لم يمر بنا شيء من هذا حتى الآن.

شرح حديث أبي هريرة (توضئوا مما مست النار) من طريق رابعة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا أبي عن حسين المعلم حدثني يحيى بن أبي كثير عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أنه سمع المطلب بن عبد الله بن حنطب يقول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: أتوضأ من طعام أجده في كتاب الله حلالاً؛ لأن النار مسته؟ فجمع أبو هريرة حصاً فقال: أشهد عدد هذا الحصى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما مست النار)].أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه قول أبي هريرة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما مست النار)، وهنا أكد هذا بقوله عندما عقد مجموعة من الحصى ورمى بها، وقال: أشهد عدد هذا الحصى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما مست النار)، وهذا يدل على ضبطه، وإتقانه؛ لأن مثل هذا الكلام الذي يقوله الراوي: أشهد عدد هذا الحصى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كذا، فهذا يدل على الضبط والإتقان لما رواه الراوي، وهذا من الأشياء التي يقولون أنها تدل على ضبط الراوي وإتقانه، وقد مر قريباً شيء من هذا، مثل: عمرو بن عبسة عندما يؤكد على سماعه للحديث يقول: (فسمعته أذناي، ووعاه قلبي، وقد كبر سني، وضعف بدني...). وهذا فيه تأكيد وضبط وإتقان، ومثله أبو شريح الخزاعي قال مثل هذه المقالة كما هي في الصحيحين، لما كان عمرو بن سعيد الأشدق يجهز الجيوش لغزو ابن الزبير، وكان قد جاءه أبو شريح الخزاعي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال: ائذن لي أيها الأمير أن أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح؛ يعني: ذكر أولاً كلام تأدب، وقوله: قام به الغد من يوم الفتح؛ يعني: من بكرة فتح مكة، أي من اليوم الثاني، ثم قال: هذا الكلام سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي، وهو يتكلم به؛ يعني: كلام مضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، محقق لا شك فيه ولا ريب أنه قال: (إن الله تعالى حرم مكة ولم يحرمها الناس، وإن الله تعالى أحلها لي ساعة من النهار، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وإنها حرام، لا يقتل صيدها، ولا يقطع شجرها ولا ... إلى آخره)؛ يعني: فينبهه على خطورة هذا الأمر الذي هو مقدم عليه، وهو أن يجهز الجيوش لقتال ابن الزبير في مكة، وقوله: (سمعته أذناي، ووعاه قلبي) أيضاً هذه من الألفاظ التي تدل على ضبط الراوي وإتقانه.فهنا يقول: أشهد عدد هذا الحصى، أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضؤوا مما مست النار)، إذاً: فالحديث يدل على ما دلت عليه الأحاديث السابقة، وكذلك اللاحقة بعده من الوضوء مما مست النار، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، لكن هذا الحكم نسخ، وجاء ما يدل على نسخه، وهي الأحاديث التي ستأتي بعد هذا الباب.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (توضئوا مما مست النار) من طريق رابعة

قوله: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب].هو الجوزجاني السعدي، وهو ثقة، وهو صدوق، ولكنه في شعبة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا أبي].هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وقد سبق أن مر، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن حسين المعلم].هو حسين بن ذكوان الملقب بالمعلم، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثني يحيى بن أبي كثير].هو اليمامي الذي سبق أن مر ذكره فيما مضى، وهو أيضاً ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي].هو أبو عمرو، وقد مر ذكره فيما مضى، وكنيته توافق اسم أبيه، فهو أبو عمرو، وأبوه اسمه عمرو، وهو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وهو فقيه أهل الشام ومحدثها، وهو معروف بالفقه والحديث، وهو ثقة ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[أنه سمع المطلب بن عبد الله بن حنطب ...].هو المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب، وهذا سبق أن مر، وهو صدوق، وربما وهم، وحديثه عند البخاري في جزء القراءة خلف الإمام، وعند أصحاب السنن الأربعة.[قال ابن عباس].وقد مر ذكره.قال ابن عباس: أتوضأ إذا أكلت لحماً حلالاً؛ لأن النار مسته؟ وكان هذا الكلام بحضور أبي هريرة رضي الله عنه؛ يعني: كأنه يتوقف، أو يعترض على الوضوء مما مسته النار، فبيّن أبو هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا، فأخذ أبو هريرة حصى، ورما بها، وقال: أشهد عدد هذا الحصى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما مست النار). فإذاً إما أن يكون ابن عباس رضي الله عنه ما بلغه الحديث في هذا، أو أنه بلغه ولكن بلغه الناسخ، وهو أنه لا يتوضأ منه، وقد نسخ، فـأبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه أبدى ما عنده من العلم، وما بلغه من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، حيث قال: أشهد عدد هذا الحصى أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضؤوا مما مست النار)، وعلى هذا فقد يكون المطلب بن حنطب لم يرو عن ابن عباس، وأنه قد حضر القصة، وسمع أبا هريرة، فيكون بهذا يروي عن أبي هريرة، لكن ذكر السبب الذي قيل فيه ذلك الكلام، لأن الكلام حصل فيه مناسبة، وهي كلام جرى من ابن عباس بحضور أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، وعلى هذا فتكون الرواية عن المطلب عن أبي هريرة، ويحتمل أن يكون أيضاً قد بلغه عن ابن عباس، وأن ابن عباس أخبره بأنه حصل كذا وكذا، وأن أبا هريرة قال كذا وكذا.

شرح حديث أبي هريرة (توضئوا مما مست النار) من طريق خامسة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن عبد الله بن عمرو عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما مست النار)].فهذا الحديث من جملة الأحاديث التي أوردها النسائي رحمه الله تحت باب: الوضوء مما غيرت النار، وقد مر في الدرس الفائت والذي قبله جملة من الأحاديث في هذا الباب، وكلها في الوضوء مما مست النار، وذكرت فيما مضى أن الوضوء مما مست النار كان أول الأمر، ولكنه قد جاء نسخه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وصار ما اشتملت عليه هذه الأحاديث منسوخاً؛ أي: أن أكل شيء غيرته النار، أو مسته النار لا يوجب الوضوء، ولا يترتب عليه نقض الوضوء، فيلزم الوضوء من ذلك، وإنما ذلك الحكم منسوخ بالأحاديث التي أوردها النسائي في الباب الذي بعد هذا الباب، وذكرت فيما مضى أنه استثنى من ذلك الوضوء من أكل لحم الإبل، فإنه يتوضأ منه كما جاءت في ذلك السنة من رسول الله عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث الذي معنا حديث أبي هريرة من جملة أحاديث أبي هريرة المتعددة التي جاءت عنه بالوضوء مما مست النار، وقد مر في الدرس الفائت والذي قبله جملة من ما رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه في الوضوء مما مست النار، ويقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (توضئوا مما مست النار)؛ يعني: سواء كان مطبوخاً أو مشوياً، ولكن الحكم -كما عرفنا- قد نسخ إلا فيما يتعلق بأكل لحم بالإبل، فإنه يتعين الوضوء، ويجب الوضوء للحديث الذي ورد في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو في صحيح مسلم وغيره.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة (توضئوا مما مست النار) من طريق خامسة

قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].هو بندار الذي يأتي ذكره كثيراً، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة، كل أصحاب الكتب الستة رووا عنه، فهو شيخ لهم، يروون عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري، وقد توفي في سنة 252، وتوفي معه في تلك السنة اثنان من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهم: رفيقه محمد بن المثنى، الملقب الزمن، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهؤلاء الثلاثة من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وقد توفوا جميعاً في سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وهو ثقة ثبت، الذي هو محمد بن بشار، وهو من رجال الجماعة كما عرفنا، وأنه بل هو من شيوخهم، بل هو شيخ لهم جميعاً، الذين هم: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .[حدثنا ابن أبي عدي].هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن شعبة].هو ابن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، كما وصفه بذلك بعض العلماء، وهو من العلماء العارفين بالجرح والتعديل، له كلام كثير في الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عمرو بن دينار].هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن يحيى بن جعدة].وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه ؛ أي: خرج له أصحاب السنن الأربعة في سننهم إلا الترمذي فإنه لم يخرج له في سننه، وإنما خرج له في كتاب الشمائل المحمدية.[عن عبد الله بن عمرو].هو عبد الله بن عمرو بن عبد القاري بتشديد الياء، والقاريِّ نسبة إلى القارة، وهم بطن من بطون مضر، وأما القارئ فهي نسبة إلى من يقرأ القرآن ويعتني بالقرآن، أو صاحب حسن الصوت بالقرآن، فيقال له: القاريِّ، ويقال له: القارئ، بالهمزة، وقد تحذف الهمزة تخفيفاً، وعبد الله بن عمرو بن عبد القاري، جده عبد، وقد ينسب إلى جده فيقال: عبد الله بن عبد.قال عنه الحافظ: إنه مقبول، وذكر أن حديثه عند مسلم، وأبي داود، وهو أيضاً عند النسائي كما في هذه الأحاديث التي معنا؛ لأنها ثلاثة أسانيد متوالية فيها ذكره، ففي الإسناد الأول: عبد الله بن عمرو، وفي السند الذي بعده: عبد الله بن عمرو روى ذلك النسائي عن شيخين، وأحد شيوخه أضاف القاري.وأما الإسناد الثالث فيقول: عبد الله بن عمرو القاري.وهو مقبول، حديثه عند مسلم، وأبي داود، وكذلك هو عند النسائي.[عن أبي هريرة].أبو هريرة رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، والسبعة المكثرون من رواية الحديث من الصحابة هو أكثرهم، وقد مر ذكرهم مراراً وتكراراً.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 08-04-2019, 01:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(62)

- باب ترك الوضوء مما غيرت النار

أمر الشارع في بداية الأمر بالوضوء مما غيرته النار، ثم نسخ هذا الحكم، وكان آخر الأمرين ترك الوضوء منه.
ترك الوضوء مما غيرت النار

شرح حديث: (أن رسول الله أكل كتفاً... فخرج إلى الصلاة ولم يمس ماء)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ترك الوضوء مما غيرت النار.أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً، فجاءه بلال فخرج إلى الصلاة ولم يمس ماء)].يقول النسائي رحمه الله: باب: ترك الوضوء مما غيرت النار.لما أورد الترجمة السابقة لهذه الترجمة وهو قوله: باب: الوضوء مما غيرت النار، وأورد فيه جملة من الأحاديث عن عدد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيها الأمر بالوضوء مما مست النار، وعرفنا أن تلك الأحاديث كانت في أول الأمر، وأن هذا الحكم نسخ إلى الترك وعدم الوضوء مما مست النار؛ لأنه جاء حديث جابر بن عبد الله الذي أورده النسائي تحت هذه الترجمة وهو قوله: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، وهو دال على النسخ، وقد أورد النسائي في هذه الترجمة أحاديث، لكن أصرحها وأوضحها في النسخ هو أن ترك الوضوء هو الحكم الناسخ بحديث جابر الأخير الذي أورده النسائي تحت هذه الترجمة.وقد أورد النسائي أحاديث ليست واضحة في النسخ، ولكنها واضحة فيما ترجم له، وذكرت الوضوء مما مست النار، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل لحماً، ولم يتوضأ، وأكل طعاماً، ولم يتوضأ، فكانت تلك الأحاديث دالة على ترك الوضوء مما مست النار، وأول هذه الأحاديث حديث أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أكل كتفاً -كتف شاه- ثم جاءه بلال فآذنه بالصلاة، فخرج وصلى، ولم يتوضأ) يعني: لم يتوضأ بعد هذا الأكل، فهو كان متوضئاً، ثم أكل ذلك اللحم من كتف الشاة، ثم خرج إلى المسجد بعد أن جاءه بلال، وآذنه وأعلمه بحضور وقت الصلاة، فخرج، ولم يتوضأ، فدل هذا الحديث: على ترك الوضوء مما مست النار، لكن هذا لا يدل على النسخ؛ لأن هذا الحديث فيه ترك الوضوء، وأحاديث أخرى دلت على فعل الوضوء، لكن الدال على النسخ هو حديث جابر الأخير: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) يعني: أن الوضوء كان أولاً، وترك الوضوء كان آخراً، وكانوا يأخذون أي: الصحابة بالأحدث فالأحدث من فعله عليه الصلاة والسلام، فيكون ترك الوضوء هو الحكم الناسخ، والوضوء هو الحكم المنسوخ.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله أكل كتفاً... فخرج إلى الصلاة ولم يمس ماء)

قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو محمد بن المثنى العنزي الملقب الزمن، وكنيته أبو موسى، وهو أحد الثقات الأثبات، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم روى عنهم مباشرة، وهو قرين محمد بن بشار بندار الذي اتفق معه في سنة الولادة، وسنة الوفاة، واتفق معه في الشيوخ والتلاميذ، وفي البلد وفي أمور متعددة، حتى قال الحافظ في التقريب: وكانا كفرسي رهان، يريد محمد بن بشار ومحمد بن المثنى الزمن؛ يعني: لا واحد يسبق الثاني.[حدثنا يحيى].وهو ابن سعيد القطان الإمام، الحجة، الثبت، المشهور، الذي هو من أئمة الجرح والتعديل، وأحاديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره مراراً وتكراراً.[عن جعفر بن محمد].وهو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي وهو الذي يلقب بـالصادق، وهو إمام من أئمة أهل السنة، وهو من الأئمة الإثني عشرية الإمامية الذين يجعلون الولاية والإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر إماماً، ويدعون لهم العصمة، بل ويصفونهم بأوصاف تفوق أوصاف الأنبياء، وهذا من الخذلان. وأوضح دليل على وصفهم إياهم أنهم يفضلونهم على الأنبياء والملائكة، والذي قال هذا ليس شخصاً مغموراً، أو يقال أنه شخص جاهل عند الرافضة، بل هو إمام، وزعيم كبير، هلك قبل ثلاث سنوات، ويعتبرونه آيتهم العظمى، ومرجعهم الأعلى، حيث يقول الخميني: وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل. فهذا الكلام هو مكتوب ومدون ومطبوع، وموجود في كتابه الحكومة الإسلامية في (ص:52)، فهذا الكلام الساقط الباطل هو من أبطل الباطل، فيغلون في الأئمة الاثني عشر.والصادق رحمة الله عليه من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة، وهو إمام من أئمة أهل السنة، يعرفون له فضله وقدره، ولكنهم لا يرفعونه فوق منزلته كما لا يرفعون غيره من الأئمة، وإنما طريقهم في هذا هو الاعتدال بين الإفراط والتفريط، لا غلو ولا جفاء، بل يعرفون لهم فضلهم.ومن كان من أهل البيت وهو من أولياء الله المتقين فقد جمع بين شرف الإيمان وشرف النسب، وإذا كان من أهل العلم والفضل فجمع شرف العلم، ولكن الأساس هو التقوى، فمن وجدت منه التقوى منهم وكان من أهل البيت فقد جمع بين الفضلين وبين الشرفين، ومن كان بخلاف ذلك، ولم يكن من أهل الإيمان والتقوى فالأمر فيه كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)، والحديث في صحيح مسلم، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، يقول الشاعر:لعمرك ما الإنسان إلا بدينهفلا تترك التقوى اتكالاً على النسبفقد رفع الإسلام سلمان فارسووضع الشرك النسب أبا لهبفالإسلام رفع شأن سلمان الفارسي وهو ليس من العرب، ولكن رفعه الإسلام والإيمان وصحبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأما أبو لهب عم الرسول وهو عبد العزى بن عبد المطلب وكنيته أبو لهب، وقد أنزل الله فيه سورة من سور القرآن: تَبَّتْ يَدَا أَبِي [المسد:1] فهذا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخو أبيه عبد الله، فهو عم الرسول صلى الله عليه وسلم لكن الشرك والكفر وضعه، والإسلام هو الذي رفع الله به سلمان وغير سلمان ممن أكرمه الله بالإيمان.فـجعفر الصادق رحمة الله عليه هو من أئمة أهل السنة، يروون أحاديثه، روى حديثه مسلم، والبخاري في الأدب المفرد، وروى له أصحاب السنن الأربعة، وهو فقيه ومحدث صدوق.[عن أبيه محمد].وهو محمد بن علي المعروف بـالباقر، وهو من أئمة أهل السنة الذي يعرف أهل السنة فضله وقدره ومنزلته، وهو إمام من أئمة الرافضة الذين يزعمون إمامتهم، ويصفونهم بصفات لا يصفون بها الأنبياء والمرسلين كما هو واضح من العبارة التي ذكرتها آنفاً.إذاً: فـمحمد بن علي بن الحسين الملقب الباقر هو إمام من أئمة أهل السنة، رووا حديثه، وحديثه في الكتب الستة عند أصحاب الكتب الستة، وهو من الثقات الأثبات، وهو -كما قلت- من أئمة أهل السنة، وممن تزعم الرافضة أنه من أئمتهم الذين يغلون فيهم، ويصفونهم بصفات تجاوزوا فيها الحدود.ومما يتبين به ما عند الرافضة من الغلو أن من أصح كتبهم كتاب الكافي، وهو من أشهرها، وهذا الكتاب مشتمل على أحاديث تنتهي إلى أئمة أهل البيت، وهم براء منها بلا شك، وإنما هي كذب وافتراء عليهم وما قالوها، ولا يقولونها رحمة الله عليهم، ولكن هذا من الافتراء عليهم، وفي ذلك الكتاب أبواب منها قوله: باب أن الأئمة يعلمون ما كان وما سيكون، وأنهم يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم، ومنزلته عندهم كمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة.ومن الأبواب التي فيه: باب أنه ليس شيء من الحق إلا ما خرج من عند الأئمة، وكل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل، فالحق هو ما خرج من عند الأئمة الاثني عشر، وكل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل، فالذي خرج من أبي بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة والزبير، وسعد، وسعيد، وأبي هريرة، وعائشة، وأمهات المؤمنين، وبقية الصحابة فهذا باطل، والحق هو ما كذبوه وأضافوا إلى الأئمة الاثني عشر، والأئمة الاثني عشر براء منه.ومما اشتمل عليه هذا الكتاب من الأبواب باب: أن الكتب المنزلة على الأنبياء والمرسلين كلها عند الأئمة، وأنهم يعلمون على اختلاف لغاتهم، فكل ما نزل من السماء من كتاب هو موجود عند الأئمة الاثني عشر، وهم يعلمونها على اختلاف لغاتها، وهذا كاف في بيان ما اشتمل عليه كتاب الكافي من الباطل، ومن الكذب والافتراء على أهل البيت، وهم منزهون عن ذلك.ومن ذلك حديث موجود في الكافي ينسبونه إلى الحسين بن علي يقول: الناس ثلاثة أصناف: عالم ومتعلم وغثاء، ونحن العالمون؛ يعني: الأئمة، وشيعتنا المتعلمون، وسائر الناس غثاء. فهذا حديث من أحاديث الكافي، والإنسان إذا عرف مثل هذه الأحاديث، ومثل هذه الأبواب يستشعر نعمة الله عليه بالهداية، وأن الله تعالى من عليه، ولم يزغ قلبه، ولم يجعله من هؤلاء الضائعين، وهؤلاء الهالكين الذين بعدوا عن الحق والصواب، وقالوا ما قالوا من الكذب، والافتراء، ونسبوه إلى جماعة من أئمة أهل السنة، وهم من يزعمون أن أئمتهم المعصومون الذين لا يحصل الحق إلا عن طريقهم، وكل شيء لم يأت من طريقهم فهو باطل.فـمحمد بن علي هذا هو الباقر، وهو إمام من أئمة أهل السنة رحمة الله عليه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.قوله: [عن أبيه].وهو علي بن الحسين زين العابدين، وهو من أئمة أهل السنة، ومن الأئمة الاثني عشر الذين غلا فيهم الرافضة، وهو ثقة وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.قوله: [عن زينب بنت أم سلمة].وعلي بن الحسين يروي عن زينب بنت أم سلمة، وبنت أم سلمة نسبها إلى أمها. وأبوها هو أبو سلمة، وهي ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي صحابية تروي عن أمها أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وزينب بنت أم سلمة صحابية، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.قوله: [عن أم سلمة].وأمها أم المؤمنين وهي أم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أيضاً حديثها عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث أم سلمة: (أنها قربت إلى النبي جنباً مشوياً فأكل منه ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا ابن جريج عن محمد بن يوسف عن سليمان بن يسار قال: دخلت على أم سلمة رضي الله عنها فحدثتني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من غير احتلام ثم يصوم)، قال: وحدثنا مع هذا الحديث أنها حدثته: (أنها قربت إلى النبي صلى الله عليه وسلم جنباً مشوياً فأكل منه ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ)].هنا أورد النسائي حديث أم سلمة من طريق سليمان بن يسار التابعي أنه دخل على أم سلمة، وحدثته بحديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يصبح وهو جنباً من غير احتلام، ثم يصوم)، يعني: أنه كان تصيبه الجنابة في الليل، ثم يدركه الفجر وهو لم يغتسل، فيصوم ويغتسل بعد دخول الفجر، أي: بعد دخول وقت الصيام، وهذا يدل على أن الإنسان إذا أصبح جنباً سواء كان عن طريق جنابة اختيارية، وهي عن طريق جماع الأهل، أو عن طريق جنابة اضطرارية كالذي يحصل في النوم من الاحتلام، ثم يصبح جنباً ففي الحالين الحكم واحد وأن الصيام صحيح.فـأم سلمة تقول: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من غير احتلام فيصوم)، يعني: لا يمنعه ذلك من الصيام، فدل على أنه لا يؤثر، وإنما الذي يؤثر فعل الجماع في وقت الصيام، وأما كون الإنسان يكون عليه جنابة، وجامع في وقت حل الجماع له وهو الليل، ثم يصبح جنباً لم يغتسل، فلا يؤثر ذلك على صيامه، وليس هذا هو المقصود من إيراد الحديث في هذا الباب، وإنما المقصود منه الحديث الثاني الذي بعده، وهو أنه قدم إليه جنب مشوي فأكل منه، وصلى ولم يتوضأ. هذا هو محل الشاهد لإيراد الحديث في هذا الباب الذي هو باب: ترك الوضوء مما غيرت النار.فالحديث الأول لا علاقة له بهذا الباب، ولكنه جاء لأنه حصل التحديث به، وبالحديث المتعلق بهذا الباب.وقوله: (أنه كان يصبح جنباً من غير احتلام).أي: أن الاحتلام إذا كان من الإنسان في المنام وهو من تلاعب الشيطان، فلا يحصل ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الشيطان لا سبيل له إليه، ولا يحصل ذلك عن طريق تلاعبه به في المنام، وهو بريء من ذلك، وسلمه الله من ذلك، أما إذا كان الاحتلام لا يحصل عن طريق الشياطين، ولكن يحصل عن طريق القوة فيحصل خروج ذلك منه في المنام، فهذا ممكن أن يكون قد يحصل بالنسبة للأنبياء، لكن إذا كان الاحتلام يتم ويحصل عن طريق الشياطين، فالأنبياء منزهون من هذا، ومبرءون من هذا، ولا يحصل للشياطين تسلط عليهم.وقوله هنا: (من غير احتلام) كما قال السندي أن هذا للتنصيص على أن الجنابة الاختيارية لا تفسد الصوم، ولا تؤثر في الصوم شيئاً؛ يعني: إذا كانت الجنابة حصلت أو الجماع حصل في وقته المشروع، وأدركه وقت الصيام وهو جنب، فوجود الجنابة لا تؤثر ولو كانت الجنابة اختيارية، فضلاً عن الاضطرارية، فإن الاضطرارية من باب أولى؛ لأن الإنسان في منامه كما هو معلوم غير مختار ومضطر، فحصول شيء من ذلك لا يؤثر عليه شيئاً لا في صيام ولا في غير صيام، ولو أن الإنسان جامع في الحج يعني: قبل التحلل الأول فإن هذا يفسد حجه وعليه بدنة، ويلزمه أن يحج من قابل، وأمور تترتب على هذا، لكن لو احتلم فليس عليه شيء؛ لأن الاحتلام اضطراري ليس للإنسان فيه دخل.وكما قلت: فإن محل الشاهد من إيراد الحديث هو الحديث الثاني المتعلق بأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم له جنب مشوي وأكل منه، وصلى ولم يتوضأ، فدل ذلك على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل مما مست النار، ولم يتوضأ بعد ذلك الأكل، فهو مثل الذي قبله إلا أنه لا يدل على النسخ؛ لأن هذا حديث فيه ترك الوضوء، وأحاديث قبله فيها الأمر بالوضوء مما مست النار، فليس فيه شيء يدل على النسخ، وهذا يعارض تلك الأحاديث؛ لأن الأحاديث متعارضة، لكن جاء حديث جابر فبين أن ترك الوضوء هو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً: فيكون ناسخاً.

تراجم رجال إسناد حديث أم سلمة: (أنها قربت إلى النبي جنباً مشوياً فأكل منه ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].محمد بن عبد الأعلى هو الصنعاني، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه ، وأبو داود في كتاب القدر.[حدثنا خالد].هو ابن الحارث، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[حدثنا ابن جريج].وهو عبد الملك بن عبد العزيز المكي ابن جريج وهو ثقة، وهو يدلس، ويرسل، وقد مر ذكره مراراً وتكراراً.[عن محمد بن يوسف].وهو الكندي الأعرج، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب إلا أبا داود، وابن ماجه .[عن سليمان بن يسار].وسليمان بن يسار هو التابعي المشهور، أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين، ومن الذين جاء ذكرهم كثيراً في كتاب النسائي، وقد مر ذكر سليمان بن يسار وغيره من الفقهاء السبعة، وهو واحد منهم، وأحد الثقات، الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن أم سلمة].وهي راوية الحديث الذي قبل هذا، والتي روته عنها ابنتها زينب بنت أبي سلمة.[وحدثنا مع هذا الحديث أنها حدثته].يعني: الذي هو محمد بن يوسف الذي روى عنها، (وحدثنا) يعني: سليمان بن يسار أنها حدثته.

شرح حديث ابن عباس: (شهدت رسول الله أكل خبزاً ولحماً ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا ابن جريج حدثني محمد بن يوسف عن ابن يسار عن ابن عباس أنه قال: (شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل خبزاً ولحماً، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ)]. هنا أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: (شهدت النبي صلى الله عليه وسلم أكل خبزاً ولحماً، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ)، فهو مثل الذي قبله من الأحاديث في أنه أكل شيئاً مسته النار، أكله أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتوضأ، لكنه لا يدل على النسخ؛ لأنه مجرد إخبار عن أكل وأنه صلى، ولم يتوضأ، ففيه المطابقة لما ترجم له، وهو ترك الوضوء لما مسته النار، لكن كونه ناسخاً فليس فيه ما يدل على ذلك، وإنما الذي يدل على النسخ هو الحديث الذي بعده، وأما الإسناد فهو نفس الإسناد المتقدم إلا ابن عباس؛ لأن الصحابي هو ابن عباس والذي قبله الصحابية أم سلمة، وابن عباس سبق أن مر ذكره، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث جابر: (كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما مست النار)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا علي بن عياش حدثنا شعيب عن محمد بن المنكدر سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)].هنا أورد النسائي رحمه الله حديث جابر الذي هو واضح في النسخ، والذي يقول فيه جابر: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار). وقوله: (الأمرين) أي: الوضوء، والترك، وقوله: (كان آخر الأمرين) أي: الوضوء مما مست النار، وترك الوضوء مما مست النار، وآخرهما كان الترك، فيكون الترك ناسخاً للوضوء مما مست النار، وهذا هو الدليل الواضح على النسخ، فيكون الوضوء مما مست النار ليس بلازم؛ لأن آخر الأمرين من الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، فهو ناسخ لما تقدم من الأحاديث التي فيها الأمر بالوضوء؛ وكما هو واضح ففيه الإشارة إلى الناسخ والمنسوخ، وهو واضح في النسخ، وأن الترك كان متأخراً عن الفعل الذي هو الوضوء.وحديث جابر هذا أخرجه النسائي عن شيخه عمرو بن منصور.

تراجم رجال إسناد حديث جابر: (كان آخر الأمرين من رسول الله الوضوء مما مست النار)

قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].عمرو بن منصور هو النسائي يعني: من بلد النسائي، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده.[حدثنا علي بن عياش].وهو علي بن عياش الحمصي، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.[حدثنا شعيب].وهو شعيب بن أبي حمزة، وهو حمصي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن محمد بن المنكدر].ومحمد بن المنكدر، هو ثقة، ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقد مر ذكره فيما مضى. قوله: [عن جابر].وهو: ابن عبد الله بن حرام الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن جابراً واحداً من السبعة، وهم الذين قال فيهم السيوطي:والمكثر� �ن في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيفـجابر هو أحد السبعة المكثرين الذين زاد حديثهم على ألف حديث، وهذا هو آخر الأحاديث التي أوردها النسائي في باب ترك الوضوء مما مست النار، وهو الواضح في النسخ، والذي قبله ليس فيه ما يدل على النسخ، وإنما الدال على النسخ هو هذا الحديث الأخير.
الأسئلة

منزلة المجدد لسنة الرسول

السؤال: هل يمكن أن يقال: إن المجددين على رأس كل مائة بمنزلة الأنبياء؟ لأن كل منهم إنما يجدد شريعة من قبله.الجواب: لا يكونون بمنزلة الأنبياء، لكنهم وارثو الأنبياء، ووارثو الرسول صلى الله عليه وسلم، فالمجددون لسنته هم وراثه، وهم الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) فهم طبعاً ليسوا بمنزلة الأنبياء، لكن منزلتهم تفوق منزلة غيرهم، ولكنهم من أتباع الأنبياء، وعلى منهاجهم، وعلى طريقتهم، وهم وراثهم الذين أكرمهم الله عز وجل بحمل ميراث الرسول عليه الصلاة والسلام.

حكم حبس العصافير

السؤال: ما الحكم فيمن يشتري العصافير ويجعلها في قفص أو يستعملها لغير ذلك؟ وهل يؤخذ ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟).الجواب: لا يؤخذ هذا من حديث: (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟) لأن هذا ما جعله في قفص وحبسه في هذا المكان، وإنما يلعب به مثل الدجاج الذي يكون في البيوت وهو طليق يذهب ويجيء، وأما وضعه في قفص فهذا لا ينبغي أن يفعل؛ لأنه وإن أحسن إليه، وأعطي الطعام والشراب فقد يحصل منه غفلة، أو يحصل منه نسيان، وقد يحصل لهذا الحيوان برد، أو حر، ثم يترتب على ذلك هلاكه بسبب حبسه؛ لأنه لا يستطيع أن يذهب، فالذي ينبغي ألا يفعل هذا وألا يصار إليه، وإنما يترك حبس الطيور، وإذا كانت تتخذ في بيوت وهي تروح وتجيء حرة طليقة فلا بأس في ذلك.

وجه استنباط أولوية العلم من سورة العصر

السؤال: من أين استنبط بعض أهل العلم أولوية العلم في سورة العصر؟الجواب: نعم، الإيمان كما هو معلوم هو مبني على علم، وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] فالإيمان الحقيقي هو الذي ينبني على علم؛ يعني: يؤمن على علم، ويعمل بما علم، ويدعو غيره إلى هذا الذي عمل به، ويصبر على ما يناله في هذا السبيل، فهو مأخوذ من الإيمان وأن الإيمان يكون مبنياً على علم.

السنة بعد الرجوع من سفر وقبل الذهاب إلى البيت

السؤال: هل من السنة إذا قدم الإنسان من سفر أن يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين؟ وهل هذا يكون في القدوم على بلد الإنسان الأصلي؟ أم يشمل أي قدوم من أي سفر؟الجواب: الإنسان إذا قدم من بلد إلى بلده، فالسنة أن يبدأ بالمسجد ويصلي فيه ركعتين، فهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد، فصلى فيه ركعتين، أو إذا قدم إلى بلده، وأما إذا وصل لأي بلد فلا أعلم فيه شيئاً يدل عليه، لكن الحديث جاء في أن الإنسان إذا قدم من سفر إلى المدينة، فإنه يبدأ بالمسجد، ويصلي فيه ركعتين، وهذه من السنن المهجورة التي هجرها الناس، وكونه يأتي من سفر ويذهب إلى المسجد على طول فيصلي ركعتين، ثم يذهب إلى بيته فهذا مما هجره الناس.

مشروعية السفر يوم الخميس

السؤال: هل السفر يوم الخميس من الأمور المستحبة؟ لأنه ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الخروج يوم الخميس؟الجواب: ينظر إلى اللفظ الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان ورد عنه أنه كان يحب الخروج يوم الخميس، فهذا لا شك الأمر فيه واضح، وأن هذا اللفظ يدل على أوليته، وعلى استحباب الخروج فيه؛ لأن الرسول ما دام يحب هذا الشيء فالناس يحبون ما يحبه الرسول، وهو كونه يسافر يوم الخميس، لكن كونه يستحب أو أنه فيه شيء فما أدري، والله تعالى أعلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 08-04-2019, 01:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(63)

- (باب المضمضة من السويق) إلى (باب تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم)

لا يلزم من أكل سويقاً أو شرب لبناً أن يتوضأ، وإنما يكتفي بالمضمضة، ويجب الاغتسال لمن أسلم عند بعض العلماء، وهو من أوائل ما يفعله الكافر إذا أسلم.
المضمضة من السويق

شرح حديث سويد بن النعمان في المضمضة من السويق
قال المصنف رحمه الله تعالى: [المضمضة من السويق.أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن القاسم حدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار مولى بني حارثة أن سويد بن النعمان رضي الله عنه أخبره: (أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر، حتى إذا كانوا بالصهباء -وهي من أدنى خيبر- صلى العصر، ثم دعا بالأزواد فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به فثري، فأكل وأكلنا، ثم قام إلى المغرب، فتمضمض وتمضمضنا، ثم صلى، ولم يتوضأ)].النسائي رحمه الله لما أورد الترجمتين السابقتين وهما: الترجمة الأولى: الوضوء مما مست النار، والترجمة الثانية: ترك الوضوء مما مست النار، أتى بعد ذلك بترجمة وهي: المضمضة من السويق، يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أكل سويقاً تمضمض، ولم يتوضأ، وصلى، ولم يتوضأ.والسويق قيل: هو الشعير أو البر، أو الحب، أو الحنطة التي تقلى على النار ثم تتخذ زاداً في السفر أو غيره، فإذا احتيج إليها دقت، ثم صب عليها ماء أو سمن، ثم أكلت، فهي طعام يعتبر جاهزاً؛ بمعنى: أنه لا يحتاج إلى عناء وإلى كلفة؛ لأنه قد هيئ، ولهذا يقال فيه: إنه قوت المسافر، وبلغة المريض، وطعام العجلان، فالذي يريد أن يأكل بسرعة، ولا يحتاج إلى عناء ومشقة في الطبخ؛ كجمع الحطب وما إلى ذلك، فإن هذا لا يحتاج إليه؛ لأنه قد حمس على النار، وقلي، ثم يدق، ويصب عليه الماء أو السمن، ثم يؤكل، فهو لا يحتاج إلى كبير مؤنة.والرسول عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الذي أورده النسائي تحت هذه الترجمة، عن سويد بن النعمان رضي الله عنه، أنه كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، وأنهم لما كانوا بالصهباء، وهو أدنى مكان من خيبر، (دعا بالأزواد)، يعني: طلب من أصحابه الذين كانوا معه أن يحضروا أزوادهم ليشتركوا فيها، وذلك أن المسافرين أو الجيش عندما يكون مع بعضهم طعام، فإنهم يجمعون أزوادهم، فإذا لم يكن هناك زاد مشترك يغذى منه الجميع وكل يحمل زاده، فإنهم يجمعون أزوادهم، ثم يأكلون منها جميعاً؛ فالذي منه الزاد والذي ليس منه يشتركون فيه، ويجتمعون عليه، فالرسول عليه الصلاة والسلام طلب الأزواد، يعني: أمرهم بأن يحضروا ما معهم من الزاد.قال: (فلم يؤت إلا بالسويق) يعني: أنه ما وجد معهم شيئاً إلا هذا الطعام، وإلا فإنهم يأتون به ولا يتأخرون، وهذا فيه ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم من قلة ذات اليد، وشدة الحاجة، وأنهم وهم في هذا السفر، وهم في هذا الغزو، لما طلب منهم الأزواد، ما وجد معهم إلا السويق.قال (فأمر به فثري)، يعني: بل بالماء ورش بالماء حتى يؤكل بعد ذلك، وهذا هو معني الفري، وكان هذا بعد صلاة العصر، ثم إنه لما جاء وقت صلاة المغرب قام وتمضمض وتمضمضوا معه، وصلى ولم يتوضأ. والسويق كما هو معلوم مسته النار، فهو دال على ما دل عليه أحاديث الباب الذي قبله، وهو ترك الوضوء مما مست النار.وإنما تمضمض رسول الله عليه الصلاة والسلام ليزيل أثر ذلك الطعام من فمه، حتى لا يبقى منه بقية تشغله في صلاته، والأمر لا يحتاج إلى وضوء، وإنما يحتاج إلى التنظيف بالماء مما علقه، ومما بقي فيه من آثار هذا الطعام الذي هو السويق.إذاً: هذا فيه التنبيه والإرشاد إلى أن من حصل منه أكل شيء -وهو لا يحتاج الأمر فيه إلى وضوء- أنه يتمضمض إذا كان سيبقى في فمه أثر؛ حتى لا يشغله آثار ذلك التي بقيت في الفم عن صلاته، فبحصول المضمضة يحصل التخلص من ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث سويد بن النعمان في المضمضة من السويق

قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له].محمد بن سلمة هو: المرادي، المصري، وهو ثقة، وحديثه عند البخاري، ومسلم، وأبي داود، والنسائي، وابن ماجه .أما الحارث بن مسكين، فهو أيضاً ثقة، وهو ممن خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وقد مر ذكر هذين الشخصين.[قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له].وهذا كثيراً ما يحصل من النسائي، إذ أنه إذا قرن الحارث بن مسكين مع غيره، أنه يجعل اللفظ المسوق من لفظ شيخه الحارث بن مسكين.[عن ابن القاسم].ابن القاسم هو: عبد الرحمن بن القاسم، صاحب الإمام مالك، وراوي الحديث والمسائل، فهو يروي الحديث، ويروي المسائل الفقهية عن الإمام مالك، وهو من أصحابه المشهورين، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، وأبو داود في كتاب المراسيل، والنسائي.[حدثني مالك].هو الإمام مالك إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، العلم، أحد الفقهاء، والمحدثين، مشهور بالحديث والفقه، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المعروفة؛ وهي: مذهب أبي حنيفة، ومذهب الإمام مالك، ومذهب الشافعي، ومذهب أحمد، فهو صاحب مذهب مشهور، حصل له أتباع وأصحاب نشروه وأظهروه، وغير هؤلاء الأربعة لكن ما حصل لهم ما حصل لهؤلاء من وجود أصحاب وأتباع يظهرون فقههم، ويعنون بتدوينه ونشره، منهم مشهورون بالفقه، ومشهورون بالحديث، لكن هذه المذاهب الأربعة انتشرت لوجود أتباع وأصحاب عنوا بها، وقاموا بتدوينها، وجمع مسائلها، ونشرها، والتأليف فيها، فصار لها ذلك الانتشار والظهور.فثلاثة من أصحاب المذاهب الأربعة بعضهم تلميذ لبعض، فـأحمد تلميذ لـلشافعي، والشافعي تلميذ لـمالك، وقد سبق أن ذكرت: أن في مسند الإمام أحمد حديثاً رواه الإمام أحمد عن شيخه الشافعي، والشافعي رواه عن شيخه الإمام مالك، والإمام مالك رواه عمَّن فوقه، ولكن محل الشاهد من ذكره والإشارة إليه: هو أن فيه ثلاثة من أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة، والحديث هو: (نسمة المؤمن على صورة طير يعلق بالجنة)، والحديث أورده الإمام ابن كثير في تفسيره عند قوله في سورة آل عمران: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، فأورد هذا الحديث بهذا الإسناد، وقال: إن هذا إسناد عزيز اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الأربعة؛ أصحاب المذاهب المعروفة يروي بعضهم عن بعض، وهؤلاء الثلاثة كل منهم كنيته: أبو عبد الله.وحديث الإمام مالك عند أصحاب الكتب الستة، وقد ذكرت مراراً: أن البخاري قال: إن أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر.[عن يحيى بن سعيد].هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، كالإمام مالك، هو من أهل المدينة، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن بشير بن يسار].هوبشير بن يسار، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو بالتصغير بشير، وفي التقريب لما ذكر: بَشير وبُشير، بشير ذكر فيه عشرون شخصاً يقال لهم: بشير، وأما بُشير فلم يذكر إلا شخصان، أحدهما هذا، وذلك أن بشير المسمى به كثير، وأما بشير بالتصغير فهذا قليل، وهذا مثل ما أشرت سابقاً أو قريباً عندما جئنا عند ذكر: حرمي بن عمارة بن أبي حفصة، فقلنا أن أبا حفصة اسمه: نابت، وقيل: كالجادة؛ يعني: ثابت؛ لأن كلمة نابت قليل التسمية، وكلمة ثابت كثير التسمية، فقيل لثابت: الجادة؛ يعني: أنه الطريق المسلوك، فهذا مثل بشير وبشير، بشير يقال له: الجادة، أو التسمية ببشير أو كذا، يطلق عليه الجادة؛ لأن الذي يسمى به كثير، بخلاف بُشير فإنه قليل التسمية، ولهذا في التقريب: بشير اثنان، وبشير عشرون شخصاً، فهذا يصدق عليه أن يقال فيه: الجادة، وهذا هو الذي كما أشرت يفعله ابن حجر في تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، عندما يأتي بَشير وبُشير، هذا هو المؤتلف والمختلف، يعني: يتفقان في الصيغة لكن يختلفان في النقط والشكل، فهنا يختلفان بالشكل وإلا الصيغة والهيئة واحدة: (ب ش ي ر)، إلا أن هذا بَشير وهذا بُشير، فهذا يسمى في المصطلح: المؤتلف والمختلف، أو المتشابه.وعندما يأتون ويتكلمون على المشتبه، وأن هذا يكون بهذا كذا، يقولون عن الذي تكثر فيه التسمية: الجادة، ثم يذكر الذي على خلاف الجادة الذي هو قليل، ولهذا فبَشير وبُشير يخلص أن يقال فيه ما قيل في هذا الموضوع، بأن بَشير هو الجادة، وأنه كثير التسمية به، وأما بُشير فهو قليل التسمية.[أن سويد بن النعمان].سويد بن النعمان هذا صحابي من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، خرج حديثه البخاري، والنسائي، وابن ماجه ، وله سبعة أحاديث، وهو مقل من الحديث، ولم يرو عنه إلا بشير بن يسار هذا، وهذا يسمونه الوحدان، يعني: من لم يرو عنه إلا واحد يسمى الوحدان، وهذا سويد بن النعمان لم يرو عنه إلا بشير بن يسار هذا، شخص واحد، ما عرف بالرواية عنه إلا بشير بن يسار.
المضمضة من اللبن

شرح حديث: (أن النبي شرب لبناً ثم دعا بماء فتمضمض)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [المضمضة من اللبن.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً، ثم دعا بماء فتمضمض، ثم قال: إن له دسماً)].هذه الترجمة وهي: المضمضة من اللبن، أورد النسائي تحتها حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه شرب لبناً، ثم دعا بماء، فتمضمض، وقال: (إنه له دسماً)، يعني: أن هذه المضمضة من أجل الدسومة التي فيه، فهو يريد أن يذهب آثار الدسومة عن فمه، وهذا من النظافة، وعدم وجود أثر الطعام في الفم، الذي قد يشغل الإنسان بطعمه وبوجوده في فمه، أو قد يترتب على ذلك مضرة، حيث يبقى في الفم مثل هذه الآثار، فهو يدل على الإرشاد والتنبيه.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي شرب لبناً ثم دعا بماء فتمضمض)

قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة هو: ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ النسائي الذي أكثر من الرواية عنهم، ولهذا يأتي ذكره كثيراً في سنن النسائي يروي عنه، وهو أول شيخ روى عنه في سننه. [حدثنا الليث].الليث هو: ابن سعد المصري، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور في مصر، محدث مصر وفقيهها، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو من الأشخاص المعروفين أنه إذا روى عن مدلسين، فإنه لا يروي عنهم إلا ما ثبت سماعهم له، فهذا هو الليث بن سعد رحمة الله عليه.[عن عقيل].عقيل هو: عقيل بن خالد، أبو خالد الأيلي، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، فعقيل هو أيضاً من الأسماء القليلة، وعقيل مما يسمى به كثيراً، ولهذا في التقريب ورد أسماء عديدة لعلها ستة أسماء باسم عقيل، وأما عقيل بالتصغير ما فيه إلا شخص واحد، وهو: عقيل بن خالد الأيلي، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأن كنيته: أبو خالد، وأبوه: خالد، فهذا مما عدوه من أنواع علوم الحديث؛ لأن معرفة هذا النوع قالوا فيها: إن فيها الأمن من التصحيف، فالإنسان إذا عرف أن كنيته أبو خالد، وأن اسم أبيه خالد، فلو جاء مرة بكنيته ومرة باسمه، يكون كله صواباً، لكن الذي لا يعرف إلا أنه عقيل بن خالد، لو رواه مرة عقيل أبو خالد، ممكن يقول: (أبو) هذه مصحفة عن (ابن)، لكن من عرف أن كنيته أبو خالد، فإنه إذا جاء عقيل أبو خالد فهو صواب، وإن جاء عقيل بن خالد فهو صواب، ولذلك أمثلة عديدة مرت بنا، مثل هناد بن السري وهناد أبو السري، وغيره من الأسماء الكثيرة التي تأتي يتفق اسم أب الراوي مع كنيته.[عن الزهري].الزهري، هو الإمام، المشهور، المحدث، الفقيه، وهو ممن خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الثقات الأثبات، وهو أول من قام بجمع السنة بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وهو مشهور بنسبته إلى جده زهرة بن كلاب، وأيضاً مشهور بنسبته إلى جده شهاب، فيقال له: ابن شهاب أحياناً، ويقال له: الزهري أحياناً، وأحياناً قليلة يأتي اسمه: محمد بن مسلم، وهذا قليل جداً، وإنما الكثير ابن شهاب أو الزهري.[عن عبيد الله بن عبد الله].هو: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين، والذين أشرت سابقاً إلى أن ابن القيم جمعهم في بيتين ذكرهما في أول كتابه إعلام الموقعين، ولا أدري هل البيتان له أو لغيره؟ والبيتان هو قوله:إذا قيل من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجهفقل هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجةسبعة في البيت الثاني، هؤلاء الفقهاء يقال لهم: الفقهاء السبعة في المدينة، وهم محدثون وفقهاء، وستة منهم متفق عليهم أنهم من السبعة، والسابع مختلف فيه، فقيل: إنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وهو الذي ذكره ابن القيم، فهذا هو السابع على أحد الأقوال، وقيل: إنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف بدل أبو بكر بن عبد الرحمن، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر، وأما الستة الباقون فهم متفقون على عدهم، وهم الموجودون في هذا البيت: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عروة بن الزبير بن العوام، القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، سعيد بن المسيب، سليمان بن يسار، خارجة بن زيد بن ثابت، هؤلاء ستة متفق عليهم.[عن ابن عباس].هو ابن عباس رضي الله عنه، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار الصحابة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام توفي وعمره خمسة عشر عاماً؛ لأنه في حجة الوداع يقول: كنت ناهزت الاحتلام، وجاء على حمار أتان، وقال: كنت غلاماً، قد ناهزت الاحتلام، والرسول صلى الله عليه وسلم توفي بعد حجة الوداع بأشهر قليلة؛ ثلاثة شهور، فهو من صغار الصحابة رضي الله عنه وأرضاه، وهو من العبادلة الأربعة في الصحابة: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو. وفي الصحابة كثيرون يقال لهم: عبد الله، لكن اشتهر هؤلاء الأربعة بأنهم العبادلة، وليس فيهم ابن مسعود؛ لأن ابن مسعود متقدم عنهم، وهو أكبر منهم، وكان من كبار الصحابة، وممن تقدمت وفاته؛ لأنه توفي سنة 32 للهجرة، وأما هؤلاء فوفاتهم بعده بمدة طويلة، وهم متقاربون بالسن، ولهذا يقال لهم: العبادلة.وهو أحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين يقول فيهم السيوطي في ألفيته: والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمروأنس والبحر كالخدريوجابر وزوجة النبيوحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 08-04-2019, 01:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,690
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(63)





ذكر ما يوجب الغسل وما لا يوجبه - غسل الكافر إذا أسلم

شرح حديث قيس بن عاصم: (أنه أسلم فأمره النبي أن يغتسل بماء وسدر)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر ما يوجب الغسل وما لا يوجبه - غسل الكافر إذا أسلم. أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان عن الأغر وهو: ابن الصباح عن خليفة بن حصين عن قيس بن عاصم رضي الله عنه: (أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر)].أورد النسائي عنواناً عاماً، وهو: ما يوجب الغسل وما لا يوجبه، وقد ذكر قبل هذا ترجمة عامة وهي ما ينقض الوضوء وما لا ينقض، ثم أورد عدة من الأبواب بعد هذا العنوان العام، منها ما ينقض ومنها ما لا ينقض، وهنا لما فرغ من ذلك، وعقبه ببعض المسائل المتعلقة بذلك التي ليس فيها وضوء، وليس فيها إيجاب وضوء، وهو مثل أكل السويق والمضمضة، وشرب اللبن، وما إلى ذلك، هذا مما لا يوجب وضوءاً.بعد ذلك قال: ذكر ما يوجب الغسل وما لا يوجبه، فهذا عنوان عام، يأتي تحته عناوين خاصة، العنوان الأول: غسل الكافر إذا أسلم، أورد تحت هذه الترجمة حديث قيس بن عاصم رضي الله تعالى عنه أنه أسلم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل، وأمره إياه بالاغتسال بعد الإسلام؛ لأن قوله هنا: (أسلم فأمره)، يعني: أنه وجد الإسلام فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل، حتى يذهب عن جسده ما فيه من نجاسة بسبب الشرك والكفر؛ لأن الكفار لا يتنزهون، وقد يكون عليه جنابة، فالاغتسال للكافر فيه تنظيفه وتطهيره من أن يكون في جسده شيء من النجاسات، ولا يلزم أن يكون الاغتسال قبل الإسلام؛ لأن المبادرة إلى الإسلام مطلوبة، وبعد أن يدخل في الإسلام، ويطهر بهذه النعمة التي هي أعظم النعم، يغتسل، وإن اغتسل قبل ذلك لا بأس، مثلما جاء في الحديث الذي بعد هذا؛ حديث ثمامة بن أثال رضي الله تعالى عنه، فإنه اغتسل أولاً، ثم جاء وأسلم.وجمهور العلماء على أن الاغتسال للكافر مستحب، ومن العلماء من أوجبه لحصول الأمر به.قوله: (أن يغتسل بماء وسدر).يعني: هذا من كمال التنظيف، ولا شك أن هذا شيء طيب، يعني: أن هذا فيه كمال التنظيف، أما الصابون فيمكن يؤدي ما يؤديه السدر.

تراجم رجال إسناد حديث قيس بن عاصم: (أنه أسلم فأمره النبي أن يغتسل بماء وسدر)

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].عمرو بن علي هو: الفلاس المحدث، المشهور، النقاد، المعروف بالجرح والتعديل، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، ويأتي ذكره كثيراً في سنن النسائي، يروي عنه النسائي أحاديث كثيرة، وكثيراً ما يأتي قول النسائي: أخبرنا عمرو بن علي الذي هو: الفلاس.[حدثنا يحيى].يحيى هو ابن سعيد القطان المحدث، المشهور، المعروف بكلامه في الجرح والتعديل، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.[حدثنا سفيان].هو سفيان بن سعيد المسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، خرج أحاديثه أصحاب الكتب الستة.[عن الأغر].الأغر هو ابن الصباح، وسفيان عبر بـالأغر فقط، ما قال: ابن الصباح، لكن الذين دونه وهم: يحيى بن سعيد القطان، أو عمرو بن علي الفلاس، أو النسائي، أو من دون النسائي هم الذين أتوا بنسبته وهي قولهم: هو ابن الصباح، ولما أتوا بها، وهي ليست من التلميذ أتوا بكلمة (هو) الدالة على أنها زيدت ممن دون التلميذ؛ لأن التلميذ لا يحتاج أن يقول: هو ابن فلان، وإنما يسميه كما يشاء، ممكن أن يأتي بسطرين يمدحه، ويثني عليه، ويذكر نسبه، وقد يذكر نسبه إلى ذكر عدة أجداد له؛ لأنه لا يحتاج إلى أن يقول: هو، وإنما يقول: حدثنا شيخنا فلان بن فلان بن فلان، الإمام، الثقة.. إلخ، يقول ما يشاء، لكن من دون التلميذ هو الذي يزيد إذا أراد أن يزيد ما يوضح، لكن يأتي بكلمة (هو) أو يأتي بكلمة (يعني)، أو (الفلاني)، أو (هو الفلاني)، أو (يعني الفلاني)، أو (يعني ابن فلان)، فكلمة (هو) تشعر بأن هذه زيادة ممن دون التلميذ، وفائدتها: التنبيه على أن التلميذ ما قالها، ولو قالوا: الأغر بن الصباح لفهم من أول وهلة أن سفيان هو الذي قال: ابن الصباح، لكن لما جاءت كلمة (هو) عرفت أنها ليست من سفيان، وإنما هي ممن دون سفيان، وهذه تأتي كثيراً في الأسانيد (هو) أو (يعني ابن فلان)، وهذا هو معناها.والأغر بن الصباح هذا كوفي، وهو تميمي، منقري بالولاء، يعني: مولى بني تميم، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي، ولم يخرج له الشيخان ولا ابن ماجه .[عن خليفة بن حصين].خليفة بن حصين هذا جده قيس بن عاصم الذي جرى عنه في هذا الإسناد؛ لأنه خليفة بن حصين بن قيس بن عاصم، فهو يروي عن جده قيس هنا في الإسناد، وخليفة بن حصين هذا ثقة، خرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي فهو مثل تلميذه الأغر بن الصباح، خرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.[عن قيس بن عاصم].قيس بن عاصم هو قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر المنقري التميمي؛ يعني: ينسب إلى جده منقر فيقال: منقري، وينسب نسبة عامة فيقال: التميمي، والمنقري نسبة خاصة؛ لأن منقر من تميم، وينسب نسبة عامة، فيقال: المنقري، ويقال: التميمي.وقيس هذا صحابي، مشهور بالحلم، ومشهور بالجود، والكرم، ويقال: إنه قيل: للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ وهو مشهور بالحلم، فقال: من قيس بن عاصم.وقيس بن عاصم هذا الصحابي الجليل خرج حديث أيضاً أبو داود، والترمذي، والنسائي، مثل حفيده والذي روى عن حفيده؛ لأنهم ثلاثة على الولاء كلهم خرج لهم ثلاثة من أصحاب السنن، ما عدا ابن ماجه ، وأيضاً ذكر في تهذيب التهذيب أنه خرج له البخاري في الأدب المفرد، وفي نسخة التقريب المصرية ما فيه إلا البخاري في الأدب المفرد، لكن في تهذيب التهذيب خرج له البخاري في الأدب المفرد، وخرج له أصحاب السنن الأربعة إلا ابن ماجه .وقيس بن عاصم هذا لما توفي رثاه عبدة بن الطيب في أبيات يقول فيها:عليك سلام الله قيس بن عاصمورحمته ما شاء أن يترحماثم ذكر بيتاً مشهوراً يعتبر بمثابة المثل الذي يضرب عندما يموت شخص كبير؛ يعني: إنسان يعتبر له منزلة كبيرة، وموته يعتبر فيه نقص كبير على المسلمين، يتذكر هذا البيت، يقول فيه:وما كان قيس هلكه هلك واحدولكنه بنيان قوم تهدمايعني: ما موته موت شخص واحد، وإنما هو بنيان قوم تهدما، معناه: أنه قوم عندهم شخص له منزلة عظيمة، وقد حصل بموته هذا الخطب العظيم، والمصيبة الكبيرة.عندما يذهب شخص له منزلة كبيرة، وفائدته عظيمة للمسلمين، ينقدح في ذهن الإنسان هذا البيت؛ لأنه يدل على عظم المصيبة، وعلى كبرها، وعلى عظم حجمها، وأنا تذكرت هذا لما توفي الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، في عام 1389هـ، وكان رجلاً عظيماً من نوادر الرجال، ومن الأفذاذ في هذه البلاد الذين لهم منزلة، ولهم هيبة، ولهم مكانة في النفوس، ويعتبر سداً منيعاً، ولما مات حصل بموته مصيبة كبيرة، فأنا تذكرت هذا البيت في ذاك الوقت، وكنت كتبت في وقتها كلمة عن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه، وأوردت فيها هذا البيت؛ يعني: هذا البيت الذي رثى به عبدة بن الطيب قيس بن عاصم، فذكرته مستشهداً، فقلت: إن هلاكه ليست مصيبة فرد، أو مصيبة عائلة، أو مصيبة جماعة، وإنما هي مصيبة أمة، ومصيبة عامة، وأن هذا البيت ينطبق عليه، ويناسب أن يذكر هذا البيت:وما كان قيس هلكه هلك واحدولكنه بنيان قوم تهدماوقيس بن عاصم رضي الله عنه وأرضاه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد الصحابة المشهورين بالحلم، وبالكرم، والجود، وكان زعيماً، كبيراً، ومشهوراً في قومه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم

شرح حديث أبي هريرة في تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم.أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (إن ثمامة بن أثال الحنفي انطلق إلى نجل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يعتمر)] وفي بعض النسخ مختصر.النسائي يقول: تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم. وأورد فيه قصة إسلام ثمامة بن أثال الحنفي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وفيه: أنه ذهب إلى نخل أو نجل؛ يعني: في بعض النسخ نجل، وفي بعضها نخل، ونخل هي الأوضح؛ لأن نخل فيه ماء، وقيل: إن نجل يعني: أن فيه ماء ينبع، لكن الموجود في البخاري وفي غيره أنه نخل، يعني: إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، فاغتساله قبل إسلامه إنما حصل بفعله وليس بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم إياه، والحديث الذي قبله فيه: أنه أسلم فأمره أن يغتسل، ومن المعلوم أن المبادرة بالإسلام أولى من تأخير الاغتسال؛ لأن تأخيره قد يصيبه الموت قبل أن يسلم، فكونه يبادر إلى الإسلام ثم يغتسل هذا هو الذي ينبغي، وهذا هو الذي حصل في مثل قيس بن عاصم رضي الله عنه.وأما هذا الذي في الحديث فهو من فعل ثمامة بن أثال، أنه اغتسل ثم جاء وأسلم، وشهد لله عز وجل بالوحدانية، ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة.والحدي� � أورده هنا مختصراً، وأشار إليه في آخر الحديث، قال: مختصر؛ يعني: أنه ذكر الحديث مختصراً، والحديث مطول ذكره البخاري وغيره، وفيه: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل خيلاً قبل نجد، فوجدوا ثمامة بن أثال، فأتوا به، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فالرسول صلى الله عليه وسلم جاءه يوم وقال له: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط ما شئت، فتركه، فجاء من الغد وقال له: ما عندك يا ثمامة؟ فقال مثلما قال بالأمس، قال: عندي الذي قلته: إن تنعم تنعم على شاكر، فتركه، فلما جاء من بعد الغد جاء إليه، وقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: مثل الذي قال، فقال: أطلقوه، فلما أطلقوه ذهب إلى نخل قريب من المسجد واغتسل، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: يا محمد! إن وجهك كان أبغض الوجوه إلي، وإنه الآن أحب وجه على وجه الأرض إلي، وإن دينك كان أبغض الأديان إلي، وإن دينك الآن أحب الأديان إلي، وإن بلدك كانت أبغض البلاد إلي، وإن بلدك الآن هي أحب البلاد إلي) كل هذا في البخاري وهو الذي أشار إليه هنا بقوله: مختصر.ثم قال: (يا رسول الله! إن خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة -يعني: كان ذاهب للعمرة- فأخذته الخيل، وجاءوا به إلى المدينة، فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بما حصل له من الإسلام، وأمره أن يعتمر، فذهب إلى العمرة من المدينة، ولما جاء إلى مكة صار كفار قريش يشيرون إليه ويقولون: هذا صبأ -يعني: أنه دخل في دين غير دينه- فقال: أنا أسلمت مع محمد لله رب العالمين، وهو سيد أهل اليمامة، وكانت الحنطة تأتي إلى مكة من اليمامة، فقال: ووالله لن يأتيكم حبة حنطة من اليمامة إلا إذا أذن لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم وحسن إسلامه)، وحصل منه هذا الموقف العظيم.والبخاري ذكره في بعض المواضع مختصراً وفي بعضها مطولاً، وهذا الموضع الذي أشرت إليه هو في المغازي؛ يعني: في الوفود، وقد ذكره مطولاً، وفيه هذه المحاورة والكلام الذي جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ثمامة بن أثال الحنفي اليمامي.

تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم

قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد الذي مر في الإسناد الذي قبله.[حدثنا الليث].هو: الليث بن سعد أيضاً مر في الذي قبله.[عن سعيد بن أبي سعيد].سعيد بن أبي سعيد هو المقبري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن أبي هريرة].أبو هريرة رضي الله عنه، هو أحد الصحابة المكثرين، بل هو أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً. ورجال هذا الإسناد الأربعة خرج لهم أصحاب الكتب الستة، وهو من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن أعلى الأسانيد عند النسائي الرباعيات، وهذا إسناد رباعي ليس بين النسائي فيه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أربعة أشخاص: قتيبة، والليث بن سعد، وأبو سعيد المقبري، وأبو هريرة؛ ولأنه ليس عنده أسانيد ثلاثية.
الأسئلة

توجيه معرفة ثمامة للغسل قبل الإسلام
السؤال: كيف عرف ثمامة الغسل قبل أن يسلم وقبل أن يدخل في الإسلام؟الجواب: لعله عرف أن هذا هو شأن المسلمين إذا أرادوا أن يسلموا، أو لعله أراد بأن يتنظف وأن يتطهر، فقد يكون علم هذا.

مفهوم سلس البول

السؤال: ما مفهوم سلس البول؟ وهل لصاحب سلس البول أن يستنجي قبل دخول الوقت؟الجواب: صاحب سلس البول هو الذي يخرج منه البول دائماً، ويحصل منه قطرات البول، ويتوضأ عند كل صلاة، ويناسب أنه يرش على فرجه شيئاً من الماء؛ حتى لا يحصل تشويش عليه، ولو حصل بعد ذلك منه خروج البول فإن ذلك لا يؤثر؛ لأن هذا هو الذي يستطيعه، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، فهو يتوضأ لكل صلاة، ومثله المستحاضة التي جاء في الحديث أنها تتوضأ لكل صلاة، فالذي به سلس البول مثل المستحاضة.لكن هل لصاحب سلس البول أن يستنجي قبل دخول الوقت؟الجواب: لا ما يستنجي، هذا يكون عند دخول الوقت؛ يعني: إذا أراد أن يتوضأ يستنجي؛ لأنه كما هو معلوم الوضوء لابد فيه من الاستنجاء إذا كان هناك نجاسة، أما إذا لم توجد نجاسة فالوضوء كما هو لا يحتاج إلى الاستنجاء، فالاستنجاء عند خروج الخارج. إذاً فلا يستنجي، ولا يتوضأ إلا بعد دخول الوقت، أما إذا أراد أن يتنظف قبل دخول الوقت فله أن يفعل ذلك.

حكم هدم بعض المساجد المتقاربة

السؤال: فضيلة الشيخ! عندنا في بلادنا بعض المساجد قريبة جداً من بعضها الآخر، وعدد المصلين في كل مسجد قليل جداً، بحيث أنهم يعدون على الأصابع، فهل يجوز هدم أحد هذه المساجد أو تلك المساجد؟الجواب: إذا كان القرب شديداً فلا ينبغي أن تكون المساجد كذلك، وأما إذا كان بينها شيء من التباعد، والذهاب إلى المكان الآخر فيه مشقة، فتعدد المساجد لا بأس به، ولو أزيل أحد المساجد، واكتفي بمسجد آخر، فإنه لا بأس إذا كان القرب شديداً، وأما إذا كان هناك تباعد فالمساجد تبقى.

بيتان في عدم الافتخار بالنسب

السؤال: فضيلة الشيخ! نرجو ذكر البيتين الذين ذكرتهما في عدم الافتخار بالأنساب؟الجواب : يقول:لعمرك ما الإنسان إلا بدينهفلا تترك التقوى اتكالاً على النسبفقد رفع الإسلام سلمان فارسووضع الشرك النسيب أبا لهبوهذان البيتان كما ذكرت سابقاً موافق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ومن بطأ به عمله، لم يسرع به نسبه)، فهو المبين لهذا المعنى.

كيفية معرفة أوهام الثقات

السؤال: كيف يعرف المحدثون أن فلاناً الثقة أقل أوهاماً من فلان الثقة؟الجواب: الثقات يعرفون كون بعض الثقات أقل أوهاماً من بعض؛ وذلك بحصر أغلاطهم، وبحصر أوهامهم، فإذا حصر الأوهام وأرادوا أن يقارنوا بين شخصين، يحصرون أغلاط كل واحد منهم وأوهامه، ثم يقارنون بينها أيها أكثر؟ فمن كان أكثر صار أقل، ومن كان أقل صار أدنى، وهذه هي الطريقة التي بها يميزون بين الأشخاص الذين في القمة، أيهم يقدم؟ وأيهم أوثق؟ وأيهم أعظم حفظاً؟ وأشد حفظاً؟

أي المذاهب يرى العمل بالمرسل

السؤال: أي المذاهب الأربعة يرى العمل بالحديث المرسل؟الجواب: لا أدري من يرى العمل بالحديث المرسل من أصحاب المذاهب الأربعة.
الزمن والوقت المناسب لقيام طالب العلم بواجبه في نشر العلم
السؤال: متى يبدأ طالب العلم بنشر ما تعلمه ويدرسه؟ هل يكون ذلك بعد مدة الطلب على المشايخ، أم أنه كلما تعلم شيئاً من العلم ينقله ويدرسه، سواء في المسجد أم في البيت؟الجواب: هو كونه يتعلم، وكونه يجتهد في طلب العلم، ويشغل نفسه في طلب العلم، هذا هو الذي ينبغي، ولكنه إذا وجد أناساً مثلاً يعلمهم ما عنده، أو بعض ما عنده، هذا شيء طيب، بعد أن يكون متحققاً وأن يكون عارفاً بذلك الشيء الذي سيدرسه مثلاً: إنسان يدرس الثلاثة الأصول، ويدرس هذه الكتب المفيدة التي فائدتها عظيمة للناس، والتي يحتاج إليها الصغار والكبار، ويحتاج إليها العوام وغير العوام، مثل هذه الأشياء التي الناس بحاجة إليها وإلى معرفتها، إذا علمها غيره فهذا شيء طيب، ولكن كونه يعتني في الطلب، والجد، والاجتهاد، والاشتغال، هذا هو الذي ينبغي، وإذا احتيج إليه، أو علم مثل هذه الأشياء التي الناس بحاجة إليها، والتي هي مختصرة ومفيدة، والتي يحتاج إليها العوام والخواص، والصغار والكبار، هذا شيء طيب.وهو يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية)؛ لأن الإنسان إذا علم شيئاً يعلمه غيره، ويبلغه غيره، لكن إذا كان الإنسان في الطلب يجتهد في الطلب ولا يشغل نفسه في التعليم؛ لأنه لو شغل نفسه في التعليم قد يدفعه ذلك، أو يقلل منه الإقدام على الطلب، والاشتغال في الطلب.
حكم الوضوء من شحم الإبل
السؤال: هل شحم الإبل وكبده وبقية أعضائه تأخذ حكم اللحم في نقض الوضوء؟الجواب: كما هو معلوم أن اللحم غير الشحم، لكن الإنسان يتوضأ من الشحم، ومن استعمال الشحم؛ لأن المعنى الموجود في اللحم موجود فيه، فكونه يتوضأ من ذلك لا شك أنه هو الأوضح، وهو الأسلم وهو الأحوط.وإذا شرب مرق الإبل فلا يقال أنه أكل لحماً، وعلى هذا لا يكون ناقضاً للوضوء؛ لأن المرق لا ينقض الوضوء؛ لأنه ما يقال: أنه أكل لحماً.
سبب نقض الوضوء من لحم الإبل
السؤال: اشتهر عند كثير من الناس أن سبب نقض الوضوء من لحم الإبل هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان جالساً مع أصحابه ذات يوم، ووجد من أحدهم ريحاً، وما أراد أن يظهر ذلك الرجل أمام الناس، فقال: (من أكل لحم جزور فليتوضأ).الجواب: لا، هذا غير صحيح، فالذين يذكرون أنها قصة ما أدري عن ثبوتها، ولا أدري أين وجدتها، وأين رأيتها، ولكنها مما يدل على الفراسة، ما أدري هل هي في الطرق القطبية في الفراسة أو في غيرها، أنهم كانوا جالسين، فخرج من أحدهم ريحاً، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يستحي من الحق، ليقم من أحدث، فليتوضأ، وكأنه ما قام أحد، فقال أبو بكر: ألا نقوم كلنا فنتوضأ يا رسول الله! فقاموا وتوضأوا)، وهذا طبعاً من الفراسة؛ لأنهم إذا توضأوا كلهم فالذي حصل منه نقض للوضوء توضأ.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 9 ( الأعضاء 0 والزوار 9)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 439.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 433.24 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.34%)]