تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - الصفحة 69 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4993 - عددالزوار : 2112763 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4573 - عددالزوار : 1390679 )           »          حكم الإشتراك فى صفح على النت فيها أخطاء شرعية ،التعليق على صفحة فيها منكرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          حكم زيارة القبور للنساء والفتيات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          لا يجوز للمسلم أن يحمل أو يلبس ما فيه شعار الكفر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          النوم بعد صلاة الصبح لا يحرم وتركه أفضل ولكن ما أضرار النوم وقت الضحى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          التحذير من مصاحبة أهل السوء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          مفاسد مجالسة أهل المنكر والكفر، وهل يجب نصح الكافر؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          قيام الليل دأب الصالحين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          موالد مصر: بين الجهل والاستغلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 33 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #681  
قديم 16-07-2025, 09:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (681)
صــ 541 إلى صــ 550








إنما هي جمع "فعيل" ، كما "الشركاء" جمع "شريك" ، و "العلماء" جمع "عليم" ، و "الحلماء" جمع "حليم" ، لأنه ذهب بالخليفة إلى الرجل، فكأن واحدهم "خليف" ، ثم جمع "خلفاء" ، فأما لو جمعت "الخليفة" على أنها نظيرة "كريمة" و "حليلة" و "رغيبة" ، قيل "خلائف" ، كما يقال: "كرائم" و "حلائل" و "رغائب" ، إذ كانت من صفات الإناث. وإنما جمعت "الخليفة" على الوجهين اللذين جاء بهما القرآن، لأنها جُمعت مرّة على لفظها، ومرة على معناها. (1)
* * *
وأما قوله: (وبوأكم في الأرض) ، فإنه يقول: وأنزلكم في الأرض، وجعل لكم فيها مساكن وأزواجًا، (2) = (تتخذون من سهولها قصورًا وتنحتون الجبال بيوتًا) ، ذكر أنهم كانوا ينقُبون الصخر مساكن، كما:-
14823-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وتنحتون الجبال بيوتًا) ، كانوا ينقبون في الجبال البيوتَ.
* * *
وقوله: (فاذكروا آلاء الله) ، يقول: فاذكروا نعمة الله التي أنعم بها عليكم (3) = (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) .
* * *
وكان قتادة يقول في ذلك ما:-
14824-حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد،
(1)
انظر تفسير "خليفة" فيما سلف 1: 449- 453/ 12: 288، 505 وقد استوفى هنا ما لم يذكره هناك.

(2)
انظر تفسير "بوأ" فيما سلف ص4: 164.

(3)
انظر تفسير "الآلاء" فيما سلف ص: 506.

وكان في المطبوعة: "التي أنعمها" ، وأثبت ما في المخطوطة، ولا أدري لم تصرف الناشر في مثل هذا!!.
عن قتادة قوله: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) ، يقول: لا تسيروا في الأرض مفسدين.
* * *
وقد بينت معنى ذلك بشواهده واختلاف المختلفين فيه فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) }
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (قال الملأ الذين استكبروا من قومه) ، قال الجماعة الذين استكبروا من قوم صالح عن اتباع صالح والإيمان بالله وبه (2) = (للذين استضعفوا) ، يعني: لأهل المسكنة من تبَّاع صالح والمؤمنين به منهم، دون ذوي شرفهم وأهل السُّؤدد منهم= (أتعلمون أن صالحًا مرسل من ربه) ، أرسله الله إلينا وإليكم، قال الذين آمنوا بصالح من المستضعفين منهم: إنا بما أرسل الله به صالحًا من الحقّ والهدى مؤمنون، يقول: مصدِّقون مقرّون أنه من عند الله، وأن الله أمر به، وعن أمر الله دعانا صالح إليه= (قال الذين استكبروا) ، عن أمر الله وأمر رسوله صالح= (إنا) ، أيها القوم (بالذي
(1)
انظر تفسير "عثا" فيما سلف 2: 123، 124/ 5: 499.

= وتفسير "الفساد في الأرض" فيما سلف: 487، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(2)
انظر تفسير "الملأ" فيما سلف 5: 291/ 12: 499، 503.

= وتفسير "الاستكبار" فيما سلف: 11: 540/ 12: 421، 467.
آمنتم به) ، يقول: صدقتم به من نبوّة صالح، وأن الذي جاء به حق من عند الله= (كافرون) ، يقول: جاحدون منكرون، لا نصدِّق به ولا نقرُّ.
* * *
القول في تأويل قوله: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فعقرت ثمودُ الناقةَ التي جعلها الله لهم آية= (وعتوا عن أمر ربهم) ، يقول: تكبروا وتجبروا عن اتباع الله، واستعلوا عن الحق، كما:-
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وعتوا) ، علوا عن الحق، لا يبصرون. (1)
14825-حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد: (عتوا عن أمر ربهم) ، علوا في الباطل.
14826-حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد في قوله: (وعتوا عن أمر ربهم) ، قال: عتوا في الباطل وتركوا الحق.
14827-حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (وعتوا عن أمر ربهم) ، قال: علوا في الباطل.
* * *
وهو من قولهم: "جبّار عاتٍ" ، إذا كان عاليًا في تجبُّره.
* * *
= (وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدُنا) ، يقول: قالوا: جئنا، يا صالح، بما تعدنا
(1)
في المطبوعة: "لا يبصرونه" ، وأثبت ما في المخطوطة.

من عذاب الله ونقمته، استعجالا منهم للعذاب= (إن كنت من المرسلين) ، يقول: إن كنت لله رسولا إلينا، فإن الله ينصر رسله على أعدائه، فعجَّل ذلك لهم كما استعجلوه، يقول جل ثناؤه: (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين) .
* * *
القول في تأويل قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فأخذت الذين عقروا الناقةَ من ثمود = (الرجفة) ، وهي الصيحة.
* * *
و "الرجفة" ، "الفعلة" ، من قول القائل: "رجَف بفلان كذا يرجُفُ رجْفًا" ، وذلك إذا حرَّكه وزعزعه، كما قال الأخطل:
إِمَّا تَرَيْنِي حَنَانِي الشَّيْبُ مِنْ كِبَرٍ ... كَالنَّسْرِ أَرْجُفُ، وَالإنْسَانُ مَهْدُودُ (1)
(1)
ديوانه: 146 من قصيدة له جيدة، قالها في يزيد بن معاوية، وذكر فيها الشباب ذكرًا عجبًا، وقد رأى إعراض الغواني عنه من أجله، يقول بعده: وَقَدْ يَكُونُ الصِّبَى مِنِّي بِمَنْزِلَةٍ ... يَوْمًا، وتَقْتَادُنِي الهِيفُ الرَّعَادِيدُ

يَا قَلَّ خَيْرُ الغَوَانِي، كيف رُغْنَ بِهِ ... فَشُرْبُهُ وَشَلٌ فِيهِنَّ تَصْرِيدُ
أَعْرَضْنَ مِنْ شَمَطٍ في الرَّأْسِ لاحَ بِهِ ... فَهُنّ مِنْهُ، إِذَا أَبْصَرْنَهُ، حِيدُ
قَدْ كُنَّ يَعْهَدْنَ مِنِّي مَضْحَكًا حَسَنًا ... وَمَفْرِقًا حَسَرَتْ عَنْهُ العَنَاقِيدُ
فَهُنَّ يَشْدُونَ مِنِّي بَعْضَ مَعْرِفَةٍ، ... وَهُنَّ بالوُدِّ، لا بُخْلٌ ولا جُودُ
قَدْ كَانَ عَهْدِي جَدِيدًا، فَاسْتُبِدَّ بِهِ، ... وَالعَهْدُ مُتَّبَعٌ مَا فِيهِ، مَنشُودُ
يَقُلْنَ: لا أَنْتَ بَعْلٌ يُسْتَقَادُ لَهُ، ... وَلا الشَّبَابُ الَّذِي قَدْ فَاتَ مَرْدُودُ
هَلْ لِلشَّبَابِ الذي قَدْ فَاتَ مرْدُودُ ? ... أَمْ هَلْ دَوَاءٌ يَرُدُّ الشِّيبَ مَوْجُودُ ?
لَنْ يَرْجِعَ الشِّيبُ شُبَّانًا، وَلَنْ يَجِدُوا ... عِدْلَ الشَّبَابِ، مَا أَوْرَقَ العُودُ
إِنَّ الشَّبَابَ لَمَحْمُودٌ بَشَاشَتُهُ ... والشَّيْبُ مُنْصَرفٌ عَنْهُ وَمَصْدُودُ
وهي أبيات ملئت عاطفة وحزنًا وحسرة، فاحفظها.
وإنما عنى بـ "الرجفة" ، ها هنا الصيحة التي زعزعتهم وحركتهم للهلاك، لأن ثمود هلكت بالصيحة، فيما ذكر أهل العلم.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14828-حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: "الرجفة" ، قال: الصيحة.
14829-حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
14830-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فأخذتهم الرجفة) ، وهي الصيحة.
14831-حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد: (فأخذتهم الرجفة) ، قال: الصيحة.
* * *
وقوله: (فأصبحوا في دارهم جاثمين) ، يقول: فأصبح الذين أهلك الله من ثمود= (في دارهم) ، يعني في أرضهم التي هلكوا فيها وبلدتهم.
* * *
ولذلك وحَّد "الدار" ولم يجمعها فيقول "في دورهم" = وقد يجوز أن يكون أريد بها الدور، ولكن وجَّه بالواحدة إلى الجميع، كما قيل: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر: 1-2] .
* * *
وقوله: (جاثمين) ، يعني: سقوطًا صرعَى لا يتحركون، لأنهم لا أرواح فيهم، قد هلكوا. والعرب تقول للبارك على الركبة: "جاثم" ، ومنه قول جرير:
عَرَفْتُ المُنْتَأَى، وَعَرَفْتُ مِنْهَا ... مَطَايَا القِدْرِ كَالحِدَإِ الجُثُومِ (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14832-حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (فأصبحوا في دارهم جاثمين) ، قال: ميتين.
القول في تأويل قوله: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فأدبر صالح عنهم حين استعجلوه العذاب وعقروا ناقة الله، خارجًا عن أرضهم من بين أظهُرهم، (2) لأن الله تعالى ذكره أوحَى إليه: إنّي مهلكهم بعد ثالثة. (3)
(1)
ديوانه: 507، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 218، من قصيدته في هشام بن عبد الملك، مضى منها بيت فيما سلف 1: 170.

يقول قبله: وَقَفْتُ عَلَى الدِّيَارِ، وَمَا ذَكَرْنَا ... كَدَارٍ بَيْنَ تَلْعَةَ والنَّظِيم
و "المنتأى" ، حفير النؤى حول البيت. و "مطايا القدر" ، أثافيها، تركبها القدر فهي لها مطية. وجعلها كالحدإ الجثوم، لسوادها من سخام النار.
وكان في المخطوطة: "عرفت الصاى" ، غير منقوطة، وخطأ، صوابه ما في المطبوعة.
(2)
انظر تفسير "تولى" فيما سلف 10: 575، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
في المطبوعة: "بعد ثلاثة" ، والصواب المحض ما أثبت من المخطوطة.

وقيل: إنه لم تهلك أمة ونبيها بين أظهُرها. (1)
فأخبر الله جل ثناؤه عن خروج صالح من بين قومه الذين عتوا على ربهم حين أراد الله إحلال عقوبته بهم، فقال: (فتولى عنهم) صالح= وقال لقومه ثمود= (لقد أبلغتكم رسالة ربي) ، وأدّيت إليكم ما أمرني بأدائه إليكم ربّي من أمره ونهيه (2) = (ونصحت لكم) ، في أدائي رسالة الله إليكم، في تحذيركم بأسه بإقامتكم على كفركم به وعبادتكم الأوثان= (ولكن لا تحبون الناصحين) ، لكم في الله، الناهين لكم عن اتباع أهوائكم، الصادِّين لكم عن شهوات أنفسكم.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا لوطًا.
* * *
ولو قيل: معناه: واذكر لوطًا، يا محمد، (إذ قال لقومه) = إذ لم يكن في الكلام صلة "الرسالة" كما كان في ذكر عاد وثمود = كان مذهبًا.
* * *
وقوله: (إذ قال لقومه) ، يقول: حين قال لقومه من سَدُوم، وإليهم كان أرسل لوط= (أتأتون الفاحشة) ، وكانت فاحشتهم التي كانوا يأتونها، التي عاقبهم الله عليها، إتيان الذكور (3) = (ما سبقكم بها من أحد من العالمين) ، يقول: ما سبقكم بفعل هذه الفاحشة أحد من العالمين، وذلك كالذي:-
(1)
انظر معاني القرآن 1: 385.

(2)
انظر تفسير "الإبلاغ" فيما سلف: 10: 575/ 11: 95/ 12: 504.

(3)
انظر تفسير "الفاحشة" فيما سلف: ص: 402، تعليق: 2، والمراجع هناك.

14833-حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسماعيل بن علية، عن ابن أبي نجيح، عن عمرو بن دينار قوله: (ما سبقكم بها من أحد من العالمين) ، قال: ما رُئي ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) }
قال أبو جعفر: يخبر بذلك تعالى ذكره عن لوط أنه قال لقومه، توبيخًا منه لهم على فعلهم: إنكم، أيها القوم، لتأتون الرجال في أدبارهم، شهوة منكم لذلك، من دون الذي أباحه الله لكم وأحلَّه من النساء= (بل أنتم قوم مسرفون) ، يقول: إنكم لقوم تأتون ما حرَّم الله عليكم، وتعصونه بفعلكم هذا.
* * *
وذلك هو "الإسراف" ، في هذا الموضع. (1)
* * *
و "الشهوة" ، "الفَعْلة" ، وهي مصدر من قول القائل: "شَهَيتُ هذا الشيء أشهاه شهوة" ومن ذلك قول الشاعر: (2)
وأَشْعَثَ يَشْهَى النَّوْمَ قُلْتُ لَهُ: ارْتَحِلْ! ... إذَا مَا النُّجُومُ أَعْرَضَتْ وَاسْبَطَرَّتِ (3) فَقَامَ يَجُرُّ البُرْدَ، لَوْ أَنَّ نَفْسَهُ ... يُقَالُ لَهُ: خُذْهَا بِكَفَّيْكَ! خَرَّتِ (4)
(1)
انظر تفسير "الإسراف" فيما سلف: ص: 395، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
م أعرف قائله.

(3)
البيت الأول في اللسان (شهى) ، ورواية اللسان: "واسْبَكَرَّتْ" .

وقوله: "وأشعث" ، يعني رفيقه في السفر، طال عليه السفر، فاغبر رأسه، وتفرق شعره من ترك الأدهان. و "اسبطرت النحوم" ، امتدت واستقامت وأسرعت في مسبحها. و "اسبكرت" ، مثلها.
(4)
"خرت" ، أي سقطت وتقوضت وهوت، وكان في المطبوعة: "جرت" بالجيم، وهو خطأ صرف.

وهذا البيت الثاني، ورد مثله في شعر الأخطل، قال: وَأَبْيَضَ لا نَكْسٍ وَلا وَاهِنِ القُوَى ... سَقَيْنَا، إِذَا أُولَى العَصَافِيرِ صَرَّتِ
حَبَسْتُ عَلَيْهِ الكَأْسَ غَيْرَ بَطِيئَةٍ ... مِنَ اللَّيْلِ، حَتَّى هَرَّهَا وَأَهَرَّتِ
فَقَامَ يَجُرُّ البُرْدَ، لَوْ أَنَّ نَفْسَهُ ... بِكَفَّيْهِ مِنْ رَدِّ الحُمَيَّا لَخَرَّتِ
وَأَدْبَرَ، لَوْ قِيلَ: اتَّقِ السَّيْفَ! لَمْ تُخَلْ ... ذُؤَابَتُهُ مِنْ خَشْيَةٍ إِقْشَعَرَّتِ
القول في تأويل قوله: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما كان جواب قوم لُوط للوط، إذ وبَّخهم على فعلهم القبيح، وركوبهم ما حرم الله عليهم من العمل الخبيث، إلا أن قال بعضهم لبعض: أخرجوا لوطًا وأهله= ولذلك قيل: "أخرجوهم" ، فجمع، وقد جرى قبل ذكر "لوط" وحده دون غيره.
* * *
وقد يحتمل أن يكون إنما جمع بمعنى: أخرجوا لوطًا ومن كان على دينه من قريتكم= فاكتفى بذكر "لوط" في أول الكلام عن ذكر أتباعه، ثم جمع في آخر الكلام، كما قيل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ) ، [الطلاق: 1] .
* * *
وقد بينا نظائر ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
= (إنهم أناس يتطهرون) ، يقول: إن لوطًا ومن تبعه أناس يتنزهون عما نفعله نحنُ من إتيان الرجال في الأدبار. (2)
* * *
(1)
انظر ما سلف 2: 485- 487، وغيرها.

(2)
انظر تفسير "التطهر" فيما سلف 10: 318، تعليق: 1، والمراجع هناك.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا هانئ بن سعيد النخعي، عن الحجاج، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: (إنهم أناس يتطهرون) ، قال: من أدبار الرجال وأدبار النساء. (1)
14834-حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن مجاهد: (إنهم أناس يتطهرون) ، من أدبار الرجال وأدبار النساء.
14835-حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن الحجاج، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله: (إنهم أناس يتطهرون) ، قال: يتطهرون من أدبار الرجال والنساء.
14836-حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: (إنهم أناس يتطهرون) ، قال: من أدبار الرجال ومن أدبار النساء.
14837-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (إنهم أناس يتطهرون) ، قال: يتحرَّجون.
14838-حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (إنهم أناس يتطهرون) ، يقول: عابوهم بغير عَيْب، وذمُّوهم بغير ذَمّ.
* * *
(1)
الأثر: 14836- "هانئ بن سعيد النخعي" ، صالح الحديث، مضى برقم: 13159، 13965.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #682  
قديم 16-07-2025, 09:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد



تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (682)
صــ 551 إلى صــ 560




القول في تأويل قوله: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما أبى قوم لوط= مع توبيخ لوط إياهم على ما يأتون من الفاحشة، وإبلاغه إياهم رسالة ربه بتحريم ذلك عليهم= إلا التمادي في غيّهم، أنجينا لوطًا وأهله المؤمنين به، إلا امرأته، فإنها كانت للوط خائنة، وبالله كافرة.
* * *
وقوله: (من الغابرين) ، يقول: من الباقين.
* * *
وقيل: (من الغابرين) ، ولم يقل "الغابرات" ، لأنه أريد أنها ممن بقي مع الرجال، (1) فلما ضم ذكرها إلى ذكر الرجال قيل: "من الغابرين" . (2)
* * *
والفعل منه: "غبَرَ يَغْبُرُ غُبُورًا، وغَبْرًا" ، (3) وذلك إذا بقي، كما قال الأعشى:
عَضَّ بِمَا أَبْقَى المَوَاسِي لَهُ ... مِنْ أَمَةٍ فِي الزَّمَنِ الغَابِرِ (4)
وكما قال الآخر: (5)
(1)
في المطبوعة: "لأنه يريد" وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 218، 219.

(3)
قوله: "وغبرا" ، ضبطته بفتح فسكون، ولم يرد هذا المصدر في شيء من كتب اللغة، اقتصروا على المصدر الأول.

(4)
ديوانه: 106، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 219، من قصيدته التي هجا بها علقمة، ومدح عامرًا، كما أسلفت في تخريج أبيات مضت من القصيدة، وفي المطبوعة ومجاز القرآن "من أمه" ، وأثبت ما في الديوان، قال أبو عبيدة، بعد البيت: "لم يختن فيما مضى، فبقي من الزمن الغابر، أي الباقي. ألا ترى أنه قال: وَكُنَّ قَدْ أَبْقَيْنَ مِنْهَا أَذًى ... عِنْدَ المَلاقِي وَافِيَ الشَّافِر"

وهو هجاء لأم علقمة قبيح.
(5)
هو يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي.

وَأَبِي الَّذِي فَتَحَ البِلادَ بِسِيْفِهِ ... فَأَذَلَّها لِبَنِي أَبَانَ الغَابِرِ (1)
يعني: الباقي.
* * *
فإن قال قائل: فكانت امرأة لوط ممن نجا من الهلاك الذي هلك به قوم لوط؟
قيل: لا بل كانت فيمن هلك.
فإن قال: فكيف قيل: (إلا امرأته كانت من الغابرين) ، وقد قلت إن معنى "الغابر" الباقي؟ فقد وجب أن تكون قد بقيت؟
قيل: إن معنى ذلك غير الذي ذهبتَ إليه، وإنما عنى بذلك، إلا امرأته
(1)
خزانة الأدب 1: 55، وكان يزيد شريفًا عزيزًا، وأبوه الحكم بن أبي العاصي الثقفي، أحد أصحاب الفتوح الكثيرة في فارس وغيرها، وكذلك عمه عثمان بن أبي العاص صاحب رسول الله، فدعاه الحجاج بن يوسف الثقفي، فولاه فارس، فلما جاء يأخذ عهده، قال له الحجاج: يا يزيد، أنشدني بعض شعرك، وإنما أراد أن ينشده مديحًا له، فأنشده قصيدة يفخر فيها، يقول: وَأَبِي الَّذِي فَتَحَ البِلادَ بِسَيْفِه ... فَأَذلَّهَا لِبَنِي أَبَانَ الغَابِرِ

وَأَبِي الَّذِي سَلَبَ ابْنَ كِسْرَى رايةً ... بيضاءَ تَخْفِقُ كالعُقَابِ الكَاسِرِ
وِإذَا فَخَرْتُ فَخَرْتُ غَيْرَ مُكَذَّب ... فَخْرًا أَدُقُّ بِهِ فَخَارَ الفَاخِرِ
فنهض الحجاج مغضبًا، وخرج يزيد من غير أن يودعه. فأرسل الحجاج حاجبه وراءه يرتجع منه العهد، ويقول له: أيهما خير لك، ما ورثك أبوك أم هذا؟ فقال يزيد: قل له: وَرِثْتُ جَدِّي مَجْدَهُ وَفَعَالَهُ ... وَوَرِثْتَ جَدَّك أعْنُزًا بالطائفِ
ثم سار ولحق بسليمان بن عبد الملك وهو ولي للعهد، فضمه إليه وجعله من خاصته.
وروى صاحب الخزانة: "لبني الزمان الغابر" ، وأما رواية جعفر "لبني أبان" ، فإنه يعني عشيرته ورهطه، فإن جده هو "أبو العاص بن بشر بن عبد دهمان بن عبد الله بن همام بن أبان بن يسار الثقفي" .
وقوله "وأبي الذي سلب ابن كسرى راية" ، يعني أباه الحكم في فتح فارس، وإصطخر سنة 23 من الهجرة. (انظر تاريخ الطبري 5: 6/ وفتوح البلدان: 393، 394) .
كانت من الباقين قبلَ الهلاك، والمعمَّرين الذين قد أتى عليهم دهرٌ كبيرٌ ومرّ بهم زمن كثيرٌ، حتى هرِمت فيمن هرِم من الناس، فكانت ممن غبرَ الدهرَ الطويلَ قبل هلاك القوم، فهلكت مع من هلك من قوم لوط حين جاءهم العذاب.
* * *
وقيل: معنى ذلك: من الباقين في عذاب الله.
* ذكر من قال ذلك:
14839-حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ) ، [سورةالشعراء: 171 /سورة الصافات: 135] ، في عذاب الله.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأمطرنا على قوم لوط الذين كذبوا لوطًا ولم يؤمنوا به، مطرًا من حجارة من سجّيل أهلكناهم به= (فانظر كيف كان عاقبه المجرمين) ، يقول جل ثناؤه: فانظر، يا محمد، إلى عاقبة هؤلاء الذين كذبوا الله ورسوله من قوم لوط، فاجترموا معاصيَ الله، وركبوا الفواحش، واستحلوا ما حرم الله من أدبار الرجال، كيف كانت؟ وإلى أي شيء صارت؟ هل كانت إلا البوار والهلاك؟ فإن ذلك أو نظيرَه من العقوبة، عاقبةُ من كذَّبك واستكبر عن الإيمان بالله وتصديقك إن لم يتوبوا، من قومك.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأرسلنا إلى ولد مدين= و "مدين" ، هم ولدُه مديان بن إبراهيم خليل الرحمن، (1) فيما:-
14840-حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق.
* * *
فإن كان الأمر كما قال: فـ "مدين" ، قبيلة كَتميم.
=وزعم أيضًا ابن إسحاق: أن شعيبًا الذي ذكر الله أنه أرسله إليهم، من ولد مدين هذا، وأنه "شعيب بن ميكيل بن يشجر" ، قال: واسمه بالسريانية، "بثرون" . (2)
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام= على ما قاله ابن إسحاق: ولقد أرسلنا إلى ولد مدين، أخاهم شعيب بن ميكيل، يدعوهم إلى طاعة الله، والانتهاء إلى أمره، وترك السعي في الأرض بالفساد، والصدِّ عن سبيله، فقال لهم شعيب: يا قوم، اعبدوا الله وحده لا شريك له، ما لكم من إله يستوجب عليكم العبادة
(1)
في المطبوعة: "مدين بن إبراهيم" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في تاريخ الطبري 1: 159.

(2)
(2) في المخطوطة: "يثروب" ، غير منقوطة، بالباء، وهذه أسماء لا أستطيع الآن ضبطها، وانظر تاريخ الطبري 1: 167، والبداية والنهاية 1: 185.

غير الإله الذي خلقكم، وبيده نفعكم وضركم= (قد جاءتكم بينة من ربكم) ، يقول: قد جاءتكم علامة وحجة من الله بحقيقة ما أقول، وصدق ما أدعوكم إليه (1) = (فأوفوا الكيل والميزان) ، يقول: أتموا للناس حقوقهم بالكيل الذي تكيلون به، وبالوزن الذي تزنون به (2) = (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) ، يقول ولا تظلموا الناس حقوقهم، ولا تنقصوهم إياها. (3)
=ومن ذلك قولهم: "تَحْسَبُها حَمْقَاءَ وهي بَاخِسَةٌ" ، (4) بمعنى: ظالمة = ومنه قول الله: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ) ، [سورة يوسف: 20] ، يعني به: رديء.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14841-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قوله: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) ، يقول: لا تظلموا الناس أشياءهم.
14842-حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) ،: قال: لا تظلموا الناس أشياءهم.
* * *
قوله: (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) ، يقول: ولا تعملوا في أرض
(1)
انظر تفسير "بينة" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .

(2)
انظر تفسير "إيفاء الكيل والميزان" فيما سلف ص224.

(3)
انظر تفسير "البخس" فيما سلف 6: 56.

(4)
هذا مثل، انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 83، 219، وأمثال الميداني 1: 108، وجمهرة الأمثال: 68، واللسان (بخس) ، وروايتهم: "وهي باخس" ، بمعنى: ذات بخس، على النسب. يضرب المثل لمن يتباله وفيه دهاء. وذلك أن رجلا من بني العنبر بن عمرو بن تميم، حاورته امرأة فحسبها حمقاء، لا تعقل، ولا تحفظ مالها. فقال لها: ألا أخلط مالي ومالك؟ يريد أن يخلط ثم يقاسمها، فيأخذ الجيد ويدع لها الرديء. فلما فعل وجاء يقاسمها، نازعته، فلم يخلص منها حتى افتدى منها بما أرادت. فلما عوتب في اختداعه المرأة على ضعفها قال: "تحسبها حمقاء وهي باخس" .

الله بمعاصيه، وما كنتم تعملونه قبل أن يبعث الله إليكم نبيه، من عبادة غير الله، والإشراك به، وبخس الناس في الكيل والوزن (1) = (بعد إصلاحها) ، يقول: بعد أن قد أصلح الله الأرض بابتعاث النبي عليه السلام فيكم، ينهاكم عما لا يحل لكم، وما يكرهه الله لكم (2) = (ذلكم خير لكم) ، يقول: هذا الذي ذكرت لكم وأمرتكم به، من إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، وإيفاء الناس حقوقهم من الكيل والوزن، وترك الفساد في الأرض، خيرٌ لكم في عاجل دنياكم وآجل آخرتكم عند الله يوم القيامة= (إن كنتم مؤمنين) ، يقول: إن كنتم مصدقيَّ فيما أقول لكم، وأؤدِّي إليكم عن الله من أمره ونهيه.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) }
قال أبو جعفر: يعني بقوله: (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون) ، ولا تجلسوا بكل طريق = وهو "الصراط" = توعدون المؤمنين بالقتل. (3)
* * *
وكانوا، فيما ذكر، يقعدون على طريق من قصد شعيبًا وأراده ليؤمن به، فيتوعَّدونه ويخوِّفونه، ويقولون: إنه كذاب!
* ذكر من قال ذلك:
14843-حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد،
(1)
انظر تفسير "الإفساد في الأرض" فيما سلف ص542، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الإصلاح" فيما سلف من فهارس اللغة (صلح) .

(3)
انظر تفسير "الصراط" فيما سلف 1: 170- 177، ثم فهارس اللغة (سرط) .

عن قتادة: (بكل صراط توعدون) ، قال: كانوا يوعدون مَنْ أتى شعيبًا وغشِيَه فأراد الإسلام.
14844-حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون) ، و "الصراط" ، الطريق، يخوِّفون الناس أن يأتوا شعيبًا.
14845-حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله) ، قال: كانوا يجلسون في الطريق، فيخبرون مَنْ أتى عليهم: أن شعيبًا عليه السلام كذاب، فلا يفتنكم عن دينكم.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى: (بكل صراط) ، قال: طريق= (توعدون) ، بكل سبيل حق. (1)
14846-حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.
14847-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون) ، كانوا يقعدون على كل طريق يوعدون المؤمنين.
14848-حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن قيس، عن السدي: (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون) ، قال: العشَّارُون.
حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا حجاج قال، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي هريرة أو غيره= شك
(1)
في المطبوعة: حذف "قال: طريق" ، وغير سائر العبارة فكتب: "توعدون كل سبيل حق" ، فأفسد الكلام إفسادًا!! والصواب من المخطوطة.

أبو جعفر الرازي = قال: أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليلة أُسْرِي به على خشبة على الطريق، لا يمرُّ بها ثوبٌ إلا شقته، ولا شيء إلا خرقته، قال: ما هذا يا جبريل؟ ، قال: هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه! ثم تلا (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون) . (1)
* * *
وهذا الخبر الذي ذكرناه عن أبي هريرة، يدلّ على أن معناه كان عند أبي هريرة: أن نبي الله شعيبًا إنما نهى قومه بقوله: (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون) ، عن قطع الطريق، وأنهم كانوا قُطَّاع الطريق.
* * *
وقيل: (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون) ، ولو قيل في غير القرآن: "لا تقعدوا في كلّ صراط" ، كان جائزًا فصيحًا في الكلام، وإنما جاز ذلك لأن الطريق ليس بالمكان المعلوم، فجاز ذلك كما جاز أن يقال: "قعد له بمكان كذا، وعلى مكان كذا، وفي مكان كذا" .
* * *
وقال: (توعدون) ، ولم يقل: "تَعِدُون" ، لأن العرب كذلك تفعل فيما أبهمت ولم تفصح به من الوعيد. تقول: "أوعدته" بالألف، "وتقدَّم مني إليه"
(1)
الأثر: 14853- هذا مختصر من أثر طويل، سيرويه أبو جعفر بهذا الإسناد في تفسير "سورة الإسراء" 15: 6 (بولاق) ، وسيأتي تخريجه هناك.

و "أبو جعفر الرازي" و "الربيع بن أنس" ، و "أبو العالية" ، ثقات جميعًا، ومضوا في مواضع مختلفة.
وهذا الخبر ذكره الهيثمي مطولا في مجمع الزوائد 1: 67- 72 وقال: "رواه البزار ورجاله موثقون، إلا أن الربيع بن أنس قال: عن أبي العالية أو غيره، فتابعيه مجهول" .
ولكن نص أبي جعفر هنا وهناك، يدل على أن أبا جعفر الرازي شك في أنه عن أبي هريرة أو غيره من الصحابة، فلعل ما في رواية البزار مخالف لما في رواية أبي جعفر الطبري.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 4: 144 مطولا، ونسبه إلى البزار، وأبي يعلي، وابن جرير، ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة، وابن أبي حاتم، وابن عدي، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل.
وعيد "، فإذا بينت عما أوعدت وأفصحت به، (1) قالت:" وعدته خيرًا "، و" وعدته شرًّا "، بغير ألف، كما قال جل ثناؤه: (النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، [سورة الحج: 72] ."
* * *
وأما قوله: (وتصدون عن سبيل الله من آمن به) ، فإنه يقول: وتردُّون عن طريق الله، وهو الردُّ عن الإيمان بالله والعمل بطاعته (2) = (من آمن به) ، يقول: تردُّون عن طريق الله مَنْ صدق بالله ووحّده= (وتبغونها عوجًا) ، يقول: وتلتمسون لمن سلك سبيل الله وآمن به وعمل بطاعته (3) = (عوجًا) ، عن القصد والحق، إلى الزيغ والضلال، (4) كما:-
14849-حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وتصدون عن سبيل الله) ، قال: أهلها= (وتبغونها عوجًا) ، تلتمسون لها الزيغ.
14850-حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
14851-حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وتبغونها عوجًا) ، قال: تبغون السبيل عن الحق عوجًا.
14852-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وتصدون عن سبيل الله) ، عن الإسلام= تبغون السبيل= (عوجًا) ، هلاكًا.
* * *
(1)
في المخطوطة: (( فإذا نصب عما أوعدت "غير منقوطة، ولم أحسن توجيه قراءتها، فتركت ما في المطبوعة على حاله، إذ كان صوابًا واضحًا. 1، وانظر معاني القرآن للفراء 1: 385."

(2)
انظر تفسير "الصد" فيما سلف ص: 448، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "بغى" فيما سلف ص: 448، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير "العوج" فيما سلف 7: 54/ 12: 448.

وقوله: (واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم) ، يذكرهم شعيب نعمة الله عندهم بأن كثّرَ جماعتهم بعد أن كانوا قليلا عددهم، وأنْ رَفعهم من الذلة والخساسة، يقول لهم: فاشكروا الله الذي أنعم عليكم بذلك، وأخلصوا له العبادة، واتقوا عقوبته بالطاعة، واحذروا نقمته بترك المعصية،= (وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين) ، يقول: وانظروا ما نزل بمن كان قبلكم من الأمم حين عتوا على ربهم وعصوا رسله، من المَثُلات والنقمات، وكيف وجدوا عقبى عصيانهم إياه؟ (1) ألم يُهلك بعضهم غرقًا بالطوفان، وبعضهم رجمًا بالحجارة، وبعضهم بالصيحة؟
* * *
و "الإفساد" ، في هذا الموضع، معناه: معصية الله. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87) }
قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره: (وإن كان طائفة منكم) ، وإن كانت جماعة منكم وفرقة (3) = (آمنوا) ، يقول: صدّقوا بالذي أرسلتُ به من إخلاص العبادة لله، وترك معاصيه، وظلم الناس، وبخسهم في المكاييل والموازين، فاتّبعوني على ذلك= (وطائفة لم يؤمنوا) ، يقول: وجماعة أخرى لم يصدِّقوا بذلك، ولم يتبعوني عليه= (فاصبروا حتى يحكم الله بيننا) ، يقول: فاحتبسوا على قضاء
(1)
انظر تفسير "العاقبة" فيما سلف 11: 272، 273/ 12: 129.

(2)
انظر تفسير "الإفساد" فيما سلف ص: 556، تعليق 1، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "طائفة" فيما سلف 6: 500/ 9: 141/ 12: 240.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #683  
قديم 16-07-2025, 09:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (683)
صــ 561 إلى صــ 570




الله الفاصل بيننا وبينكم (1) = (وهو خير الحاكمين) ، يقول: والله خيرُ من يفصل وأعدل من يقضي، لأنه لا يقع في حكمه مَيْلٌ إلى أحدٍ، ولا محاباة لأحدٍ.
* * *
(1)
انظر تفسير "الصبر" فيما سلف 7: 508، تعليق: 1، والمراجع هناك.

= وتفسير "الحكم" فيما سلف 9: 175، 324، 462/ 11: 413.
القول في تأويل قوله: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (قال الملأ الذين استكبروا) ، يعني بالملأ الجماعة من الرجال (1) = ويعني بالذين استكبروا، الذين تكبروا عن الإيمان بالله، والانتهاء إلى أمره، واتباع رسوله شعيب، لما حذرهم شعيبٌ بأسَ الله، على خلافهم أمرَ ربهم، وكفرهم به (2) = (لنخرجنك يا شعيب) ، ومن تبعك وصدقك وآمن بك، وبما جئت به معك= (من قريتنا أو لتعودن في ملتنا) ، يقول: لترجعن أنت وهم في ديننا وما نحن عليه (3) =قال شعيب مجيبًا لهم: (أولو كنا كارهين) .
ومعنى الكلام: أن شعيبًا قال لقومه: أتخرجوننا من قريتكم، وتصدّوننا عن سبيل الله، ولو كنا كارهين لذلك؟ = ثم أدخلت "ألف" الاستفهام على "واو" "ولو" .
* * *
(1)
انظر تفسير "الملأ" فيما سلف ص: 542، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "استكبر" فيما سلف ص: 542، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الملة" فيما سلف ص: 282، تعليق: 2، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال شعيب لقومه إذ دعوه إلى العود إلى ملتهم، والدخول فيها، وتوعَّدوه بطرده ومَنْ تبعه من قريتهم إن لم يفعل ذلك هو وهم: (قد افترينا على الله كذبًا) ، يقول: قد اختلقنا على الله كذبًا، (1) وتخرّصنا عليه من القول باطلا= إن نحن عدنا في ملتكم، فرجعنا فيها بعد إذ أنقذنا الله منها، بأن بصَّرنا خطأها وصوابَ الهدى الذي نحن عليه= وما يكون لنا أن نرجع فيها فندين بها، ونترك الحق الذي نحن عليه= (إلا أن يشاء الله ربنا) إلا أن يكون سبق لنا في علم الله أنّا نعود فيها، فيمضي فينا حينئذ قضاء الله، فينفذ مشيئته علينا= (وسع ربنا كل شيء علما) ، يقول: فإن علم ربنا وسع كل شيء فأحاط به، فلا يخفى عليه شيء كان، ولا شيء هو كائن. (2) فإن يكن سبق لنا في علمه أنّا نعود في ملتكم، ولا يخفى عليه شيء كان ولا شيء هو كائن، (3) فلا بد من أن يكون ما قد سبق في علمه، وإلا فإنا غير عائدين في ملّتكم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14853-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
(1)
انظر تفسير "الافتراء" فيما سلف ص: 481، تعليق: 6، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "وسع" فيما سلف ص: 207، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
في المطبوعة: "فلا يخفى" بالفاء، ومثلها في المخطوطة غير منقوطة، والصواب بالواو.

حدثنا أسباط، عن السدي: (قد افترينا على الله كذبًا إن عدنا في ملتكم بعد إذن نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) ، يقول: ما ينبغي لنا أن نعود في شرككم بعد إذ نجانا الله منها، إلا أن يشاء الله ربنا، فالله لا يشاء الشرك، ولكن يقول: إلا أن يكون الله قد علم شيئًا، فإنه وسع كل شيء علمًا.
* * *
وقوله: (على الله توكلنا) ، يقول: على الله نعتمد في أمورنا وإليه نستند فيما تعِدوننا به من شرِّكم، أيها القوم، فإنه الكافي من توكَّل عليه. (1)
* * *
ثم فزع صلوات الله عليه إلى ربه بالدعاء على قومه= إذ أيس من فلاحهم، وانقطع رجاؤه من إذعانهم لله بالطاعة، والإقرار له بالرسالة، وخاف على نفسه وعلى من اتبعه من مؤمني قومه من فَسَقتهم العطبَ والهلكة= (2) بتعجيل النقمة، فقال: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) ، يقول: احكم بيننا وبينهم بحكمك الحقّ الذي لا جور فيه ولا حَيْف ولا ظلم، ولكنه عدل وحق= (وأنت خير الفاتحين) ، يعني: خير الحاكمين. (3)
* * *
ذكر الفرَّاء أنّ أهلَ عُمان يسمون القاضي "الفاتح" و "الفتّاح" . (4)
وذكر غيره من أهل العلم بكلام العرب: أنه من لغة مراد، (5) وأنشد لبعضهم بيتًا وهو: (6)
(1)
انظر تفسير "التوكل" فيما سلف 7: 346/ 8: 566/ 10: 108، 184.

(2)
السياق: "... بالدعاء على قومه ... بتعجيل النقمة" .

(3)
انظر تفسير "الفتح" فيما سلف 2: 254/ 10: 405.

(4)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 385.

(5)
هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 220، 221.

(6)
هو الأسعر الجعفي، أو محمد بن حمران بن أبي حمران.

أَلا أَبْلِغْ بَني عُصْمٍ رَسُولا ... بِأَنِّي عَنْ فُتَاحَتِكُمْ غَنِيُّ (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14854-حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن مسعر، عن قتادة، عن ابن عباس قال: ما كنت أدري ما قوله: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) ، حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول: "تعالَ أفاتحك" ، تعني: أقاضيك.
14855-حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) ، يقول: اقض بيننا وبين قومنا.
14856-حدثني المثنى قال، حدثنا ابن دكين قال، حدثنا مسعر قال، سمعت قتادة يقول: قال ابن عباس: ما كنت أدري ما قوله: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) ، حتى سمعت ابنةَ ذي يزن تقول: "تعالَ أفاتحك" .
14857-حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (افتح بيننا وبين قومنا بالحق) ، أي: اقض بيننا وبين قومنا بالحق.
14858-حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: (افتح بيننا وبين قومنا بالحق) ،: اقض بيننا وبين قومنا بالحق.
14859-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، أما قوله: (افتح بيننا) ، فيقول: احكم بيننا.
(1)
سلف البيت وتخريجه 2: 254، ولم أنسبه هناك إلى هذا الموضع من تفسير الطبري، فقيده، ويزاد أنه في مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 220، 221، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا "فإني عن فتاحتكم" ، والصواب ما سلف، وما في المخطوطة هناك.

14860-حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال الحسن البصري: افتح احكم بيننا وبين قومنا، و (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) ، [الفتح: 1] حكمنا لك حكمًا مبينًا.
14861-حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: "افتح" ، اقض.
14862-حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير قال، حدثنا مسعر، عن قتادة، عن ابن عباس قال: لم أكن أدري ما (افتح بيننا وبين قومنا بالحق) ، حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول لزوجها: "انطلق أُفاتحك" .
* * *
القول في تأويل قوله: {وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقالت الجماعة من كفرة رجال قوم شعيب= وهم "الملأ" (1) = الذين جحدوا آيات الله، وكذبوا رسوله، وتمادوا في غيِّهم، لآخرين منهم: لئن أنتم اتبعتم شُعَيبًا على ما يقول، وأجبتموه إلى ما يدعوكم إليه من توحيد الله، والانتهاء إلى أمره ونهيه، وأقررتم بنبوَّته= (إنكم إذًا لخاسرون) ، يقول: لمغبونون في فعلكم، وترككم ملتكم التي أنتم عليها مقيمون، إلى دينه الذي يدعوكم إليه= وهالِكُون بذلك من فعلكم. (2)
* * *
(1)
انظر تفسير "الملأ" فيما سلف ص561، تعليق: 22 والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الخسارة" فيما سلف ص: 481، تعليق: 3، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) }
قال أبو جعفر: يقول: فأخذت الذين كفروا من قوم شعيب، الرجفة. وقد بيّنت معنى "الرجفة" قبل، وأنها الزلزلة المحركة لعذاب الله. (1)
* * *
(فأصبحوا في دارهم جاثمين) ، على ركبهم، موتَى هلكى. (2)
* * *
وكانت صفة العذاب الذي أهلكهم الله به، كما:-
14863-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإلى مدين أخاهم شعيبًا) ، قال: إن الله بعث شعيبًا إلى مدين، وإلى أصحاب الأيكة = و "الأيكة" ، هي الغيضة من الشجر = وكانوا مع كفرهم يبخَسون الكيل والميزان، فدعاهم فكذبوه، فقال لهم ما ذكر الله في القرآن، وما ردُّوا عليه. فلما عتوا وكذبوه، سألوه العذابَ، ففتح الله عليهم بابًا من أبواب جهنم، فأهلكهم الحرّ منه، فلم ينفعهم ظلٌ ولا ماء. ثم إنه بعثَ سحابةً فيها ريحٌ طيبة، فوجدوا بَرْدَ الرّيح وطيبِها، فتنادوا: الظُّلّةَ، عليكم بها "! فلما اجتمعوا تحت السحابة رجالهم ونساؤهم وصبيانهم، انطبقت عليهم فأهلكتهم، فهو قوله: (فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) ، [سورة الشعراء: 189] ."
14864-حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، كان من خبر قصة شعيب وخبر قومه ما ذكر الله في القرآن. كانوا أهلَ بخسٍ للناس في مكاييلهم وموازينهم، مع كفرهم بالله، وتكذيبهم نبيَّهم. وكان يدعوهم
(1)
انظر تفسير "الرجفة" فيما سلف ص: 544، 545.

(2)
انظر تفسير "الجثوم" فيما سلف: ص: 545، 546.

إلى الله وعبادته، وترك ظلم الناس وبخسهم في مكاييلهم وموازينهم، فقال نُصْحًا لهم، وكان صادقا: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) ، [هود: 88] . قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم= فيما ذكر لي يعقوب بن أبي سلمة= إذا ذكر شعيبًا قال: "ذاك خطيب الأنبياء" ! لحسن مراجعته قومه فيما يرادُ بهم. فلما كذَّبوه وتوعَّدوه بالرَّجْم والنفي من بلادهم، وعتوا على الله، أخذهُم عذاب يوم الظُّلة، إنه كان عذاب يوم عظيم. فبلغني أن رجلا من أهل مدين يقال له: "عمرو بن جلهاء، لما رآها قال:"
يَا قَوْم إنَّ شُعَيْبًا مُرْسَلٌ فَذَرُوا ... عنكم سُمَيْرًا وَعِمْرَانَ بْنَ شَدَّادِ
إنِّي أَرَى غَبْيَةً يَا قَوْم قَدْ طَلَعَتْ ... تَدْعُو بِصَوْتٍ عَلَى صَمَّانَةِ الْوَادِي (1) وَإِنَّكمْ لَنْ تَرَوْا فِيهَا ضَحَاءَ غَدٍ ... إلا الرَّقِيمَ يُمَشِّي بَيْنَ أنْجَادِ (2)
و "سمير" و "عمران" ، كاهناهم= و "الرقيم" ، كلبهم. (3)
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق (4) قال: فبلغني، والله أعلم، أنَّ الله سلط عليهم الحرّ حتى أنضجهم، ثم أنشأ لهم
(1)
في المطبوعة: "إني أرى غيمة" ، وهي كذلك في قصص الأنبياء، وفي المخطوطة ما أثبت، وهي في الدر المنثور "عينة" خطأ، صوابه ما أثبت.

و "الغبية" (بفتح فسكون) : الدفعة الشديدة من المطر، وقيل: هي المطرة ليست بالكثيرة. وأراد بها هنا سحابة ذات غبية. و "الصمانة" . و "الصمان" ، أرض صلبة ذات حجارة إلى جنب رمل.
(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "وإنكم إن تروا" ، والصواب ما أثبت، وفي قصص الأنبياء: "فإنه لن يرى فيها" ، وفي الدر المنثور: "فإنه لا يرى" . وكان في المطبوعة: "ما فيها إلا الرقيم ..." زيادة مفسدة للوزن، ليست في المخطوطة، ولعلها من الطباعة. و "الأنجاد" جمع "نجد" ، وهي الأرض المرتفعة. و "الضحاء" بفتح الضاد، ممدودًا، مثل "الضحى" (بضم الضاد) ، وهو إذا امتد النهار وقارب أن ينتصف. وكان في المطبوعة: "ضحاة غد" .

(3)
الأثر: 14869- الدر المنثور 3: 103، وقصص الأنبياء للثعلبي: 144.

(4)
في المطبوعة والمخطوطة: "أبو سحق" ، وهو خطأ ظاهر.

الظُّلةَ كالسحابة السوداء، فلما رأوها ابتدرُوها يستغيثون ببَرْدها مما هم فيه من الحر، حتى إذا دَخلوا تحتها، أطبقت عليهم، فهلكوا جميعًا، ونجى الله شعيبًا والذين آمنوا معه برحمته.
14865-حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني أبو عبد الله البجلي قال: "أبو جاد" و "هوّز" و "حُطّي" و "كلمون" و "سعفص" و "قرشت" ، أسماء ملوك مدين، وكان ملكهم يوم الظلة في زمان شعيب "كلمون" ، فقالت أخت كلمون تبكيه:
كَلَمُونٌ (1) هَدَّ رُكْنِي ... هُلْكُهُ وَسْطَ المَحَلَّهْ
سَيِّدُ الْقَوْمِ أَتَاهُ الْـ ... حَتْفُ نَارًا وَسْطَ ظُلَّةْ
جُعِلَتْ نَارًا عَلَيْهِمْ، ... دَارُهُمْ كَالْمُضْمَحِلَّةْ (2)
* * *
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "كلمون" ، هكذا، وفي التاريخ 1: 99، وسائر الكتب "كلمن" ، فتركتها على حالها هنا.

(2)
الأثر: 14871- "أبو عبد الله البجلي" ، لم أجد من يكنى بها، ولكن روى أبو جعفر في تاريخه مثل هذا الخبر، في ذكر هلاء الملوك (1: 99) ، وإسناد يفسر هذا الإسناد قال:

"حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل، عن يحيى بن العلاء، عن القاسم بن سلمان، عن الشعبي قال: أبجد، وهوز، وحطي، وكلمن، وسعفص، وقرشت، كانوا ملوكًا جبابرة ..."
و "يحيى بن العلاء البجلي" ، كنيته "أبو سلمة" ، ويقال "أبو عمرو" . ولم أجد كنيته "أبو عبد الله" ، ولكن ظاهر هذا الإسناد يرجح أن "أبا عبد الله البجلي" ، هو نفسه "يحيى بن العلاء البجلي" ، والله أعلم.
و "يحيى بن العلاء البجلي" ، قال أحمد: "كذاب يضع الحديث. مترجم في التهذيب، والكبير 4/ 2 / 297، وابن أبي حاتم 4 2/ 179."
وهذا الخبر رواه البغوي (هامش تفسير ابن كثير 3: 520) ، وقصص الأنبياء للثعلبي: 144، عن أبي عبد الله البجلي، وفيها جميعًا "كلمن" ، وزدت منها ما بين القوسين، ولكني كتبته كأخواته في المخطوطة.
وروي في البغوي: "كلمن قد هد ركني" ، وفي قصص الأنبياء: "كلمن أهدد ركني" ، ولا أدري ما هذا!!
القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فأهلك الذين كذبوا شعيبًا فلم يؤمنوا به، فأبادَهم، فصارت قريتهم منهم خاوية خلاءً= (كأن لم يغنوا فيها) ، يقول: كأن لم ينزلوا قطّ ولم يعيشوا بها حين هلكوا.
* * *
يقال: "غَنِيَ فلان بمكان كذا، فهو يَغْنَى به غِنًى وغُنِيًّا" ، (1) إذا نزل به وكان به، كما قال الشاعر. (2)
وَلَقَدْ يَغْنَى بِهَا جِيرَانُكِ الْ ... مُمْسِكُو مِنْكِ بِعَهْدٍ وَوِصَالِ (3)
(1)
هذا المصدر الثاني "غنيا" ليس في شيء من مراجع اللغة، وضبطته بضم الغين وكسر النون وتشديد الياء، على زنة "فعول" وهكذا استظهرت. ولا أدري أيصح ذلك أم لا يصح.

(2)
هو عبيد بن الأبرص.

(3)
ديوانه: 58، مختارات ابن الشجري 2: 37، والخصائص لابن جني 2: 2455 والمنصف لابن جني 1: 66، والخزانة 3: 237، وهي القصيدة الفاخرة التي لم يتجشم فيها إلا ما في نهضته ووسعه، عن غير اغتصاب واستكراه أجاءه إليه، فقاد القصيدة كلها على أن آخر مصراع كل بيت منها منته إلى (ال) التعريف، كما قال ابن جني في الخصائص، أولها: يَا خَلِيلَيَّ اُرْبَعَا وَاُسْتَخْبِرَا الْـ ... مَنْزِلَ الدَّارِسَ مِنْ أهْلِ الحِلالِ

مِثْلَ سَحْقِ البُرْدِ عَفَّى بَعْدَكِ الْ ... قَطْرُ مَغْنَاهُ، وَتَأَوِيبُ الشَّمَالِ
وَلَقَدْ يَغْنَى بِه جِيرَانُكِ الْـ ... مُمْسِكُو مِنْكِ بِأَسْبَابِ الوِصَالِ
واستمر بها على ذلك النهج. وكان في المطبوعة: "المستمسكو" ، وهو تغيير لما في المخطوطة، وللرواية معًا. وقوله: "الممسكو" يعني "الممسكون" ، فحذف النون لطول الاسم، لا للإضافة. وهكذا تفعل العرب أحيانا، كما قال الأنصاري: الْحَافِظُو عَوْرةَ العَشِيرَةِ لا ... يَأْتِيهِمُ مِنْ وَرَائِنَا نَطَفُ
وقول الأخطل: أَبَنيِ كُلَيْبٍ، إِنْ عَمَّيَّ اللَّذَا ... قَتَلا المُلُوكَ وَفَكَّكَا الأَغْلالا
انظر سيبويه 1: 95، والمنصف 1: 67.
وقال رؤبة:
وَعَهْدُ مَغْنَى دِمْنَةٍ بِضَلْفَعَا (1)
إنما هو "مفعل" من "غني" .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14866-حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة. (كأن لم يغنوا فيها) ،: كأن لم يعيشوا، كأن لم ينعموا.
14867-حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (كأن لم يغنوا فيها) ، يقول: كأن لم يعيشوا فيها.
14868-حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (كأن لم يغنوا فيها) ، كأن لم يكونوا فيها قطُّ.
* * *
وقوله: (الذين كذبوا شعيبًا كانوا هم الخاسرين) ، يقول تعالى ذكره: لم يكن الذين اتَّبعوا شعيبًا الخاسرين، بل الذين كذّبوه كانوا هم الخاسرين الهالكين. (2) لأنه أخبر عنهم جل ثناؤه: أن الذين كذبوا شعيبًا قالوا للذين أرادُوا اتباعه: (لئن اتبعتم شعيبًا إنكم إذًا لخاسرون) ، فكذبهم الله بما أحلَّ بهم من عاجلِ نَكاله، ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ما خسر تُبَّاع شعيب، بل كانَ الذين كذبوا شعيبًا لما جاءت عقوبة الله، هم الخاسرين، دون الذين صدّقوا وآمنوا به.
* * *
(1)
ديوانه: 87، ومضى منها بيت فيما سلف 2: 540 في مديح قومه بني تميم، يقول: هَاجَتْ، وَمِثْلي نَوْلُهُ أَنْ يَرْبَعَا ... حَمَامَةٌ هَاجَتْ حَمَامًا سُجَّعَا

أَبْكَتْ أَبَا الشَّعْثَاءِ وَالسَّمَيْدَعَا ... وعَهْدُ مَغْنَى دِمْنَةٍ بضَلْفَعَا
بَادَتْ وَأَمْسَى خَيْمُها تَذَعْذَعَا
و "أبو الشعثاء" يعني نفسه. و "ضلفع" ، اسم موضع.
(2)
انظر تفسير "الخسران" فيما سلف ص: 565، تعليق: 2، والمراجع هناك.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #684  
قديم 16-07-2025, 09:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (684)
صــ 571 إلى صــ 580





القول في تأويل قوله: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فأدبر شعيب عنهم، شاخصًا من بين أظهرهم حين أتاهم عذاب الله، (1) وقال لما أيقن بنزول نقمة الله بقومه الذين كذّبوه، حزنًا عليهم: (يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي) ، وأدّيت إليكم ما بعثني به إليكم، (2) من تحذيركم غضبَه على إقامتكم على الكفر به، وظلم الناس أشياءهم= (ونصحت لكم) ، بأمري إياكم بطاعة الله، ونهيكم عن معصيته- (فكيف آسى) ، يقول: فكيف أحزن على قوم جَحَدوا وحدانية الله وكذبوا رسوله، وأتوجَّع لهلاكهم؟ (3)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك.
14869-حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: (فكيف آسى) ، يعني: فكيف أحزن؟
14870-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فكيف آسى) ، يقول: فكيف أحزن؟
14871-حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال:
(1)
انظر تفسير "تولى" فيما سلف ص: 546، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "البلاغ" فيما سلف ص: 547 تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الأسى" فيما سلف 10: 200، 475.

أصاب شعيبًا على قومه حُزْن لما يرى بهم من نقمةِ الله، ثم قال يعزي نفسه، فيما ذكر الله عنه: (، يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين) .
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، معرِّفَه سنّته في الأمم التي قد خَلَت من قبل أمته، ومذكّرَ من كفر به من قريش، لينزجروا عما كانوا عليه مقيمين من الشرك بالله، والتكذيب لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وما أرسلنا في قرية من نبي) ، قبلك= (إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء) ، وهو البؤس وشَظَف المعيشة وضِيقها= و "الضراء" ، وهي الضُّرُ وسوء الحال في أسباب دُنياهم= (لعلهم يضرعون) ، يقول: فعلنا ذلك ليتضرّعوا إلى ربهم، ويستكينوا إليه، وينيبوا، (1) بالإقلاع عن كفرهم، والتوبة من تكذيب أنبيائِهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك.
14872-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (أخذنا أهلها بالبأساء والضراء) ، يقول: بالفقر والجوع.
* * *
(1)
انظر تفسير "التضرع" فيما سلف 11: 345، 414/ 12: 485.

وقد ذكرنا فيما مضى الشواهدَ على صحّة القول بما قلنا في معنى: "البأساء" ، و "الضراء" ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
وقيل: "يضرّعون" ، والمعنى: يتضرعون، ولكن أدغمت "التاء" في "الضاد" ، لتقارب مخرجهما.
* * *
القول في تأويل قوله: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (ثم بدلنا) أهلَ القرية التي أخذنا أهلها بالبأساء والضراء= (مكان السيئة) ، وهي البأساء والضراء. وإنما جعل ذلك "سيئة" ، لأنه ممّا يسوء الناس= ولا تسوءهم "الحَسَنة" ، وهي الرخاء والنعمة والسعة في المعيشة (2) = (حتى عفوا) ، يقول: حتى كَثرُوا.
* * *
وكذلك كل شيء كثر، فإنه يقال فيه: "قد عفا" ، (3) كما قال الشاعر: (4)
ولَكِنَّا نُعِضُّ السَّيْفَ مِنْهَا ... بِأَسْوُقِ عَافِيَاتِ الشَّحْمِ كُومِ (5)
(1)
انظر تفسير "البأساء" فيما سلف 3: 349- 353/ 4: 288/11: 354

= وتفسير "الضراء" فيما سلف 3: 349- 353/ 4: 288/ 7: 214/ 11: 355.
(2)
انظر تفسير "الضراء" فيما سلف قبل في التعليق السابق.

= وتفسير "السراء" فيما سلف 7: 213.
= وتفسير "السيئة" و "الحسنة" ، فيما سلف من فهارس اللغة (سوأ) (حسن) .
= وتفسير "مس" فيما سلف ص: 540، تعليق: 1، والمراجع هناك.
(3)
انظر تفسير "عفا" فيما سلف 3: 370/ 4: 343.

(4)
هو لبيد.

(5)
مضى البيت وتخريجه وشرحه فيما سلف 4: 343.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك.
14873-حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (مكان السيئة الحسنة) ، قال: مكان الشدة رخاء= (حتى عفوا) .
14874-حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (مكان السيئة الحسنة) ، قال: "السيئة" ، الشر، و "الحسنة" ، الرخاء والمالُ والولد.
14875-حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن أبن أبي نجيح، عن مجاهد: (مكان السيئة الحسنة) ، قال: "السيئة" ، الشر، و "الحسنة" ، الخير.
14876-حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة) ، يقول: مكان الشدة الرَّخاء.
14877-حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا) ، قال: بدلنا مكان ما كرهوا ما أحبُّوا في الدنيا= (حتى عفوا) ، من ذلك العذاب= (وقالوا قد مسّ آباءنا الضراء والسراء) .
* * *
واختلفوا في تأويل قوله: (حتى عفوا) .
فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
14878-حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: (حتى عفوا) ، يقول: حتى كثروا وكثرت أموالهم.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (حتى عفوا) ، قال: جَمُّوا. (1)
14879-حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (حتى عفوا) ، قال: كثرت أموالهم وأولادهم.
14880-حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
14881-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (حتى عفوا) ، حتى كثروا.
14882-حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: (حتى عفوا) ، قال: حتى جَمُّوا وكثروا.
14883- ... قال، حدثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: (حتى عفوا) ، قال: حتى جَمُّوا.
14884- ... قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (حتى عفوا) ، يعني: جَمُّوا وكثروا.
14885- ... قال، حدثنا عبد الله بن رجاء، عن ابن جريج، عن مجاهد: (حتى عفوا) ، قال: حتى كثرت أموالهم وأولادهم.
حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (حتى عفوا) ، كثروا كما يكثر النّبات والرّيش، (2) ثم أخذهم عند ذلك بغتة وهم لا يَشْعُرون.
* * *
(1)
"جم الشيء" ، و "استجم" ، كثر. و "مال جم" ، كثيرة.

(2)
"الريش" (بكسر الراء) : المتاع والأموال.

وقال آخرون: معنى ذلك: حتى سُرُّوا.
* ذكر من قال ذلك.
14886-حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (حتى عفوا) ، يقول: حتى سُرُّوابذلك.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله قتادة في معنى: "عفوا" ، تأويلٌ لا وجه له في كلام العرب. لأنه لا يعرف "العفو" بمعنى السرور،في شيء من كلامها، إلا أن يكون أراد: حتى سُرُّوا بكثرتهم وكثرةِ أموالهم، فيكون ذلك وجهًا، وإن بَعُد.
* * *
وأما قوله: (وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء) ، فإنه خبرٌ من الله عن هؤلاء القوم الذين أبدلهم مكان الحسنة السيئة التي كانوا فيها، استدراجًا وابتلاء، أنهم قالوا إذ فعل ذلك بهم: هذه أحوال قد أصابتْ مَنْ قبلنا من آبائنا، ونالت أسلافَنا، ونحن لا نعدُو أن نكون أمثالَهم يصيبنا ما أصابهم من الشدة في المعايش والرخاء فيها= وهي "السراء" ، لأنها تَسرُّ أهلها. (1)
وجهل المساكين شكرَ نعمة الله، وأغفلوا من جهلهم استدامةَ فضلهِ بالإنابة إلى طاعته، والمسارعة إلى الإقلاع عما يكرهه بالتوبة، حتى أتاهم أمره وهم لا يشعرون.
يقول جل جلاله: (فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون) ، يقول: فأخذناهم بالهلاك والعذاب فجأة، أتاهم على غِرّة منهم بمجيئه، (2) وهم لا يدرون ولا يعلمون أنّه يجيئهم، بل هُم بأنه آتيهم مكذّبون حتى يعاينوه ويَرَوه. (3)
* * *
(1)
انظر تفسير "السراء" ومراجعه فيما سلف قريبًا ص: 573، تعليق: 1.

(2)
انظر تفسير "البغتة" فيما سلف 11: 325، 360، 368.

(3)
انظر تفسير "شعر" فيما سلف ص: 93، تعليق: 1، والمراجع هناك.




{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) }
(1)
القول في تأويل قوله: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) }

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أفأمن، يا محمد هؤلاء الذين يكذّبون الله ورسوله، ويجحدون آياته، استدراجَ الله إيّاهم بما أنعم به عليهم في دنياهم من صحّة الأبدان ورخاء العيش، كما استدرج الذين قصَّ عليهم قصصهم من الأمم قبلهم، (2) فإنّ مكر الله لا يأمنه، يقول: لا يأمن ذلك أن يكون استدراجًا، مع مقامهم على كفرهم، وإصرارهم على معصيتهم= (إلا القوم الخاسرون) وهم الهالكون. (3)
* * *
القول في تأويل قوله: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (100) }
قال أبو جعفر: يقول: أوَلم يَبن للّذين يُسْتخلفون في الأرض بعد هلاك آخرين قبلهم كانُوا أهلها، (4) فساروا سيرتهم، وعملوا أعمالهم، وعتوا عن أمر ربهم= (أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم) ، يقول: أن لو نشاء فعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم، فأخذناهم بذنوبهم، وعجّلنا لهم بأسَنا كما عجلناه لمن كان قبلهم ممن ورثوا عنه الأرض، فأهلكناهم بذنوبهم= (ونطبع على قلوبهم) ، (5) يقول:
(1)
سقط تفسير هذه الآيات الثلاث من المطبوعة، ولم ينبه إليه الناشر. وهو ساقط أيضًا من المخطوطة، وقد ساق الكلام فيها متصلا ليس بينه بياض، فسها عن هذه الآيات الثلاث.

والظاهر أن هذا نقص قديم، لا أدري أهو من الطبري نفسه، أم من ناسخ النسخة العتيقة التي نقلت عنها نسختنا، أم من ناسخ نسختنا التي بين أيدينا.
والدليل على أنه خرم قديم، أني لم أجد أحدًا قط نقل شيئًا عن الطبري وأخباره في تفسير هذه الآية. لم يذكر ابن كثير شيئًا منسوبًا إلى ابن جرير، ولا السيوطي في الدر المنثور، ولا القرطبي، ولا أبو حيان، ولا أحد ممن هو مظنة أن ينقل عن أبي جعفر. فهذا يكاد يرجح أن جميع النسخ التي وقعت في أيديهم كان فيها هذا الخرم، ولكن لم ينبه أحد منهم إليه. ومن أجل ذلك وضعت الآيات وحدها، وتركت مكان الخرم بياضًا في هذه الصفحة والتي تليها.
(2)
انظر تفسير "المكر" فيما سلف ص: 95، 97 تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الخسران" فيما سلف ص: 570 تعليق: 2، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير "هدى" فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .

(5)
انظر تفسير "الطبع" فيما سلف 1: 258- 261/ 9: 364.

ونختم على قلوبهم = فهم (لا يسمعون) ، موعظةً ولا تذكيرًا، سماعَ منتفع بهما.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك.
14887-حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أو لم يهد) ، قال: يبيَّن.
14888-حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
14889- ... قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (أولم يهد) ، أولم يُبَيَّنْ.
14890-حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها) ، يقول: أو لم يتبين لهم.
14891-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها) ، يقول: أولم يتبين للذين يرثون الأرض من بعد أهلها= هم المشركون.
14892- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها) ، أولم نُبَيِّنْ لهم= (أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم) ، قال: و "الهدى" ، البيان الذي بُعث هاديًا لهم، مبيِّنًا لهم حتى يعرفوا. لولا البيان لم يعرفُوا.
* * *




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #685  
قديم 16-07-2025, 09:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (685)
صــ 581 إلى صــ 590




القول في تأويل قوله: {تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هذه القرى التي ذكرت لك، يا محمد، أمَرها وأمر أهلها= يعني: قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب= "نقص عليك من أنبائها" فنخبرك عنها وعن أخبار أهلها، وما كان من أمرهم وأمر رُسل الله التي أرسلت إليهم، (1) لتعلم أنا ننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا على أعدائنا وأهل الكفر بنا، ويعلم مكذبوك من قومك ما عاقبة أمر من كذَّب رسل الله، فيرتدعوا عن تكذيبك، وينيبوا إلى توحيد الله وطاعته= "ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات" ، يقول: ولقد جاءت أهل القرى التي قصصت عليك نبأها،= "رسلهم بالبينات" ، يعني بالحجج: البينات (2) = "فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل" .
* * *
[ثم] اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. (3) .
فقال بعضهم: معناه: فما كان هؤلاء المشركون الذين أهلكناهم من أهل القرى ليؤمنوا عند إرسالنا إليهم بما كذبوا من قبل ذلك، (4) وذلك يوم أخذِ ميثاقهم
(1)
انظر تفسير (( القصص )) فيما سلف 12: 406، تعليق: 1، والمراجع هناك. = وتفسير (( النبأ )) فيما سلف 12: 287، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير (( البينات )) فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .

(3)
الزيادة بين القوسين يقتضيها السياق.

(4)
في المطبوعة: (( بما كذبوا قبل ذلك )) ، وفي المخطوطة: (( بما يحدثوا قبل ذلك )) ، واستظهرت أن يكون الصواب ما أثبت، لقوله في الأثر الذي استدل به (( فآمنوا كرها )) .

حين أخرجهم من ظهر آدم عليه السلام.
* ذكر من قال ذلك.
14901 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل" قال: ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرهًا.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فما كانوا ليؤمنوا عند مجيء الرسل، بما سبق في علم الله أنهم يكذبون به يوم أخرجهم من صُلب آدم عليه السلام.
* ذكر من قال ذلك:
14902 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب: "فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل: قال: كان في علمه يوم أقرُّوا له بالميثاق."
14903 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس قال، يحق على العباد أن يأخذوا من العلم ما أبدى لهم ربهم والأنبياء، ويدعوا علمَ ما أخفى الله عليهم، (1) فإن علمه نافذٌ فيما كان وفيما يكون، وفي ذلك قال: "ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين" ، قال: نفذ علمه فيهم، أيُّهم المطيع من العاصي حيث خلقهم في زمان آدم. وتصديق ذلك حيث قال لنوح: اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ، [هود: 48] ، وقال في ذلك: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) ، [الأنعام: 28] ، وفي ذلك قال: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا [الإسراء: 15] ،
(1)
في المخطوطة: (( ولوا علم ما أخفي الله عليهم )) ، وكأن الصواب ما في المطبوعة.

وفي ذلك قال: لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: 165] ، ولا حجة لأحد على الله.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: "فما كانوا" لو أحييناهم بعد هلاكهم ومعاينتهم ما عاينوا من عذاب الله، "ليؤمنوا بما كذبوا من قبل" هلاكهم، كما قال جل ثناؤه: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) .
* ذكر من قال ذلك:
14904 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: "بما كذبوا من قبل" ، قال: كقوله: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ) .
قال أبو جعفر: وأشبه هذه الأقوال بتأويل الآية وأولاها بالصواب، القولُ الذي ذكرناه عن أبيّ بن كعب والربيع. وذلك أن من سبق في علم الله تبارك وتعالى أنه لا يؤمن به، فلن يؤمن أبدًا، وقد كان سبق في علم الله تبارك وتعالى لمن هلك من الأمم التي قص نبأهم في هذه السورة، أنه لا يؤمن أبدًا، فأخبر جل ثناؤه عنهم، أنهم لم يكونوا ليؤمنوا بما هم به مكذبون في سابق علمه، قبل مجيء الرسل وعند مجيئهم إليهم. ولو قيل: تأويله: فما كان هؤلاء الذين وَرِثوا الأرض، يا محمد، من مشركي قومك من بعد أهلها، الذين كانوا بها من عاد وثمود، ليؤمنوا بما كذب به الذين ورثوها عنهم من توحيد الله ووعده ووعيده= كان وجهًا ومذهبًا، غير أني لا أعلم قائلا قاله ممن يعتمد على علمه بتأويل القرآن.
* * *
وأما الذي قاله مجاهد من أن معناه: لو ردّوا ما كانوا ليؤمنوا= فتأويلٌ
لا دلالة عليه من ظاهر التنزيل، ولا من خبر عن الرسول صحيح. وإذا كان ذلك كذلك، فأولى منه بالصواب ما كان عليه من ظاهر التنزيل دليل.
* * *
وأما قوله: "كذلك يطيع الله على قلوب الكافرين" ، فإنه يقول تعالى ذكره: كما طبع الله على قلوب هؤلاء الذين كفروا بربهم وعصوا رسله من هذه الأمم التي قصصنا عليك نبأهم، يا محمد، في هذه السورة، حتى جاءهم بأسُ الله فهلكوا به= "كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين" ، الذين كتب عليهم أنهم لا يؤمنون أبدًا من قومك. (1) .
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمَا وَجَدْنَا لأكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولم نجد لأكثر أهل هذه القرى التي أهلكناها واقتصصنا عليك، يا محمد، نبأها= "من عهد" ، يقول: من وفاء بما وصيناهم به، من توحيد الله، واتباع رسله، والعمل بطاعته، واجتناب معاصيه، وهجر عبادة الأوثان والأصنام.
* * *
و "العهد" ، هو الوصية، قد بينا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته. (2) . = "وإن وجدنا أكثرهم" ، يقول: وما وجدنا أكثرهم إلا فسقة عن طاعة ربهم، تاركين عهده ووصيته.
(1)
انظر تفسير الطبع فيما سلف 12: 579، تعليق: 4، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير (( العهد )) فيما سلف 1: 410، 557 / 2: 279 / 3: 20 - 24، 349 / 6: 526.

وقد بينا معنى "الفسق" ، قبل. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14905 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تبارك وتعالى: "وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين" قال: القرون الماضية.
14906 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: "وما وجدنا لأكثرهم من عهد" ، الآية، قال: القرون الماضية. و "عهده" ، الذي أخذه من بني آدم في ظهر آدم ولم يفوا به.
14907 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب: "وما وجدنا لأكثرهم من عهد" قال: في الميثاق الذي أخذه في ظهر آدم عليه السلام.
14908 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين" وذلك أن الله إنما أهلك القرى لأنهم لم يكونوا حفظوا ما أوصاهم به.
* * *
(1)
انظر تفسير الفسق فيما سلف 12: 195 تعليق: 1، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم بعثنا من بعد نوح وهود وصالح ولوط وشعيب، موسى بن عمران.
* * *
و "الهاء والميم" اللتان في قوله: "من بعدهم" ، هي كناية ذكر الأنبياء عليهم السلام التي ذكرت من أول هذه السورة إلى هذا الموضع.
* * *
= "بآياتنا" يقول: بحججنا وأدلتنا (1) "إلى فرعون وملئه" ، يعني: إلى جماعة فرعون من الرجال (2) = "فظلموا بها" ، يقول: فكفروا بها. و "الهاء والألف" اللتان في قوله: "بها" عائدتان على "الآيات" . ومعنى ذلك: فظلموا بآياتنا التي بعثنا بها موسى إليهم= وإنما جاز أن يقال: "فظلموا بها،" بمعنى: كفروا بها، لأن الظلم وَضْعُ الشيء في غير موضعه. وقد دللت فيما مضى على أن ذلك معناه، بما أغنى عن إعادته. (3) .
* * *
والكفر بآيات الله، وضع لها في غير موضعها، وصرف لها إلى غير وجهها الذي عُنِيت به= "فانظر كيف كان عاقبه المفسدين" ، يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فانظر يا محمد، بعين قلبك، كيف كان عاقبة
(1)
انظر تفسير (( الآية )) فيما سلف في فهارس اللغة (أيى) .

(2)
انظر تفسير (( الملأ )) فيما سلف 12: 565 تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) .

هؤلاء الذين أفسدوا في الأرض؟ (1) = يعني فرعون وملأه، إذ ظلموا بأيات الله التي جاءهم بها موسى عليه السلام، وكان عاقبتهم أنهم أغرقوا جميعًا في البحر.
القول في تأويل قوله: {وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) }
قال أبوجعفر: يقول جل ثناؤه: وقال موسى لفرعون: يا فرعون إنّي رسول من رب العالمين.
* * *
(1)
انظر تفسير (( العاقبة )) فيما سلف 12: 560، تعليق 1، والمراجع هناك. = وتفسير (( الفساد )) فيما سلف 12: 560 تعليق: 2، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) }
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة قوله: "حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق" .
فقرأه جماعة من قراء المكيين والمدنيين والبصرة والكوفة: (حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ) ، بإرسال "الياء" من "على" ، وترك تشديدها، بمعنى: أنا حقيقٌ بأن لا أقول على الله إلا الحق= فوجهوا معنى "على" إلى معنى "الباء" كما يقال: "رميت بالقوس" و "على القوس" ، و "جئت على حال حسنة" و "بحال حسنة" . (1) .
(1)
انظر ما سلف 11: 317، تعليق: 1، ومعاني القرآن للفراء 1: 386.

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: إذا قرئ ذلك كذلك، فمعناه: حريص على أن لا أقول، أو فحق أن لا أقول. (1) .
* * *
وقرأ ذلك جماعة من أهل المدينة: "حَقِيقٌ عَلَيَّ أَلا أَقُولَ" ، بمعنى: واجب عليَّ أن لا أقول، وحق علي أن لا أقول.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى، قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القرأة، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب في قراءته الصوابَ.
* * *
وقوله: "قد جئتكم ببينة من ربكم" ، يقول: قال موسى لفرعون وملئه: قد جئتكم ببرهان من ربكم، يشهدُ، أيها القوم، على صحة ما أقول، (2) وصدق ما أذكر لكم من إرسال الله إياي إليكم رَسولا فأرسل يا فرعون معي بني إسرائيل. فقال له فرعون: "إن كنت جئت بآية" ، يقول: بحجة وعلامة شاهدة على صدق ما تقول (3) = "فأت بها إن كنت من الصادقين" .
* * *
(1)
مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 224، وكان في المطبوعة هنا: (( حريص على أن لا أقول إلا بحق )) ، وفي المخطوطة: (( حريص على أن لا أقول بحق لا أقول )) ، وكلتاهما خطأ، والصواب من مجاز القرآن، فهو نص كلامه.

(2)
انظر تفسير (( البينة )) فيما سلف 10: 242، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
تفسير (( آية )) فيما سلف من فهارس اللغة (أيى) .

القول في تأويل قوله: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: فألقى موسى عصاه= "فإذا هي ثعبان مبين" ، يعني حية= "مبين" يقول: تتبين لمن يراها أنها حية. (1) .
* * *
وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14909 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "فإذا هي ثعبان مبين" قال: تحولت حية عظيمة. وقال غيره: مثل المدينة.
14910 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "فإذا هي ثعبان مبين" ، يقول: فإذا هي حية كاد يَتَسوَّره= يعني: كاد يَثبُ عليه. (2) .
14911 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فإذا هي ثعبان مبين" ، "والثعبان" : الذكر من الحيات، فاتحةً فاها، واضعة لحيها الأسفل في الأرض، والأعلى على سور القصر، (3) ثم توجهت نحو فرعون لتأخذه، فلما رأها ذُعِر منها، ووثب فأحدث، ولم يكن
(1)
انظر تفسير (( مبين )) فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .

(2)
في المطبوعة: (( كادت )) بالتأنيث في الموضعين وأثبت ما في المخطوطة. وفي (( الحية )) ذكر وأنثى.

(3)
(اللحي ) ) بفتح اللام وسكون الحاء، وهما (( لحيان )) : وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان من داخل الفم من كل ذي لحى.

يُحْدِث قبل ذلك، وصاح: يا موسى، خذها وأنا مؤمن بك، وأرسل معك بنى إسرائيل! فأخذها موسى فعادت عصًا.
14912 - حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان بن عيينة قال، حدثنا أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس: "فإذا هي ثعبان مبين" قال: ألقى العصا فصارت حية، فوضعت فُقْمًا لها أسفل القبة، وفُقْمًا لها أعلى القبة (1) = قال عبد الكريم، قال إبراهيم: وأشار سفيان بأصبعه الإبهام والسبابة هكذا: شِبْه الطاق (2) = فلما أرادت أن تأخذه، قال فرعون: يا موسى خذها! فأخذها موسى بيده، فعادت عصا كما كانت أول مرة.
14913 - حدثنا العباس بن الوليد قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا الأصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبي أيوب قال، حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ألقى عصاه فتحولت حيه عظيمة فاغرةً فاها، مسرعة إلى فرعون، فلما رأى فرعون أنها قاصدةٌ إليه، اقتحم عن سريره، (3) فاستغاث بموسى أن يكفَّها عنه، ففعل.
14914 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "ثعبان مبين" قال: الحية الذكر.
14915 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد بن معقل: أنه سمع وهب بن منبه يقول: لما دخل موسى على فرعون، قال له فرعون: (4) أعرفك؟ قال: نعم! قال: أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا؟ [سورة الشعراء: 18] . قال: فرد إليه موسى الذي ردَّ،
(1)
(( الفقم )) (بضم فسكون) هو (( اللحي )) الذي فسرته قبل، وهما (( فقمان )) .

(2)
(( الطاق )) هو عقد البناء، وهو ما عطف من الأبنية كأنه القوس.

(3)
(( اقتحم عن سريره )) ، رمي بنفسه وسقط عن سريره.

(4)
في المطبوعة والمخطوطة: (( قال له موسي: أعرفك )) ، وهو خطأ لا شك فيه، صوابه من تفسير ابن كثير 3: 527.

فقال فرعون: خذوه! فبادره موسى فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، فحملت على الناس فانهزموا، فمات منهم خمسة وعشرون ألفًا، قتل بعضُهم بعضًا، وقام فرعون منهزمًا حتى دخل البيتَ.
14916 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى، [سورة طه: 20] ، (1) قال: ما بين لَحْيَيها أربعون ذراعًا.
14917 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن جويبر، عن الضحاك: "فإذا هي ثعبان مبين" ، قال: الحية الذكر.
* * *
قال أبو جعفر: وأما قوله: "ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين" ، فإنه يقول: وأخرج يده، فإذا هي بيضاء تلوح لمن نظر إليها من الناس. (2) .
* * *
وكان موسى، فيما ذكر لنا، آدمَ، فجعل الله تحوُّل يده بيضاء من غير برص، له آية، وعلى صدق قوله: "إني رسول من رب العالمين" ، حجة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14918 - حدثنا العباس قال، أخبرنا يزيد قال، حدثنا الأصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبي أيوب، قال: حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال، أخرج يده من جيبه فرآها بيضاء من غير سوء = يعني: من غير برص= ثم أعادها إلى كمّه، فعادت إلى لونها الأول.
14919 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: (( فألقي عصاه فإذا هي حية تسعي )) ليس هذا في شيء من التلاوة، والتلاوة ما أثبت.

(2)
انظر تفسير (( نزع )) فيما سلف 12: 437.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #686  
قديم 16-07-2025, 09:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (686)
صــ 17 إلى صــ 28





معاوية، عن علي بن أبى طلحة، عن ابن عباس، قوله: "بيضاء للناظرين" ، يقول: من غير برص.
14920 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: "ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين" ، قال: نزع يده من جيبه بيضاء من غير برص.
14921 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
14922 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ونزع يده" ، أخرجها من جيبه= "فإذا هي بيضاء للناظرين" .
14923 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: "ونزع يده" قال: نزع يده من جيبه= "فإذا هي بيضاء للناظرين" ، وكان موسى رجلا آدم، فأخرج يده، فإذا هي بيضاء، أشد بياضا اللبن= "من غير سوء" ، قال: من غير برص، آيةً لفرعون.
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت الجماعة من رجال قوم فرعون والأشراف منهم (1) = "إن هذا" ، يعنون موسى صلوات الله عليه = "لساحر"
(1)
انظر تفسير (( الملأ )) فيما سلف ص 12،، تعليق: 2، والمراجع هناك.

عليم "، يعنون: أنه يأخذ بأعين الناس بخداعه إياهم، حتى يخيل إليهم العصا حية، والآدم أبيض، والشيء بخلاف ما هو به. ومنه قيل:" سَحر المطرُ الأرضَ "، إذا جادها، فقطع نباتها من أصوله، وقلب الأرض ظهرًا لبطن، فهو يَسْحَرُها سَحْرًا" ، و "الأرض مسحورة" ، إذا أصابها ذلك. (1) فشبه "سحر الساحر" بذلك، لتخييله إلى من سحره أنه يرى الشيء بخلاف ما هو به، (2) ومنه قول ذي الرمة في صفة السراب:
وَسَاحِرَةِ العُيُونِ مِنَ المَوَامِي تَرقَّصُ في نَوَاشِرِهَا الأرُومُ (3) .
وقوله (عليم) يقول: ساحر عليم بالسحر (4) = "يريد أن يخرجكم من"
(1)
هذا البيان عن معنى (( سحر المطر الأرض )) ، جيد جداً، مبين عن معنى الكلمة، وهو أوضح مما جاء في كتب اللغة، فليقيد هذا هناك.

(2)
انظر تفسير (( السحر )) فيما سلف 2: 436 - 442 / 11: 265.

(3)
ديوانه: 591، واللسان (أرم) ، بهذه الرواية، أما رواية الديوان فهي: وَسَاحِرَةِ السَّرَابِ مِنَ المَوَامِي ... تَرَقَّصُ فِي عَسَاقِلِهَا الأُورُومُ

تَمُوتُ قَطَا الفَلاةِ بِهَا أُوَامًا ... وَيَهْلِكُ فِي جَوَانِبِهَا النَّسِيمُ
بِهَا غُدُرٌ، وَلَيْسَ بِهَا بَلالٌ ... وَأَشْبَاحٌ تَحُولُ وَلا تَرِيمُ
وهذا شعر غاية! ، والرواية التي هنا هي رواية أبي عبيدة في مجاز القرآن. ورواية أبي عمرو بن العلاء: (( نواشرها )) . وكان في المطبوعة: (( نواشزها )) بالزاي، وهي في المخطوطة غير منقوطة. و (( الموامى )) جمع موماة، وهي المفازة الواسعة الملساء، لا ماء بها ولا أنيس. و (( العساقل )) جمع (( عسقلة )) ، و (( العساقيل )) جمع (( عسقول )) ، وهي قطع السراب التي تلمع وتتريع لعين الناظر. و (( الأوروم )) جمع إرم، وهي الأعلام، وقيل: هي قبور عاد وإرم. ورواية ديوانه (( وساجرة )) بالجيم، أي مملوءة من السراب. يصف السراب وهو يترجرج، فترى الحجارة والأعلام ترتفع فيه وتنخفض، وهو يتحرك بها. وأما رواية أبي جعفر (( ترقص في نواشرها )) ، فلم أجد له تفسيرًا عند أحد من شراح الشعر، أو في كتب اللغة. وظني أنه يعني به السراب كما قال (( في عساقلها )) ، وإنها من (( نشر الشيء )) بسطه ومده، وعنى به ما يمتد من السراب وينبسط؟
(4)
انظر تفسير (( عليم )) فيما سلف من فهارس اللغة (علم) .

أرضكم "أرض مصر، معشر القبط السحرة (1) = وقال فرعون للملأ" فماذا تأمرون "يقول: فأي شيء تأمرون أن نفعل في أمره؟ بأي شيء تشيرون فيه؟"
* * *
وقيل: "فماذا تأمرون" ، والخبر بذلك عن فرعون، ولم يذكر فرعون، وقلما يجيء مثل ذلك في الكلام، وذلك نظير قوله: (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) ، [يوسف: 51-52] . فقيل: "ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب" ، من قول يوسف، ولم يذكر يوسف، ومن ذلك أن يقول: "قلت لزيد قم، فإنى قائم" ، وهو يريد: "فقال زيد: إنّي قائم" . (2) .
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره. قال الملأ من قوم فرعون لفرعون: أرجئه: أي أخِّره.
* * *
وقال بعضهم: معناه: احبس.
* * *
والإرجاء في كلام العرب التأخير. يقال منه: "أرجيت هذا الأمر" ،
(1)
هكذا في المخطوطة مضبوطة بشدة على السين: (( السحرة )) ولو قرئت (( بسحره )) ، لكان صواب جيداً.

(2)
انظر تفصيل ذلك في معاني القرآن للفراء 1: 387

و "أرجأته" ، إذا أخرته. ومنه قول الله تعالى: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ) ، [سورة الأحزاب: 51] تؤخر، فالهمز من كلام بعض قبائل قيس، يقولون: "أرجأت هذا الأمر" ، وترك الهمز من لغة تميم وأسد، يقولون: "أرجيته" . (1) .
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة المدينة وبعض العراقيين: "أَرْجِهِ" بغير الهمز وبجرّ الهاء.
وقرأه بعض قرأة الكوفيين: "أَرْجِهْ" بترك الهمز وتسكين "الهاء" ، على لغة من يقف على الهاء في المكنيِّ في الوصل، (2) إذا تحرك ما قبلها، كما قال الراجز: (3)
أَنْحَى عَلَيَّ الدَّهْرُ رِجْلا وَيَدَا يُقْسِمُ لا يُصْلِحُ إلا أَفْسَدَا
فَيُصْلِحُ الْيَوْمَ وَيُفْسِدُهُ غَدَا (4)
وقد يفعلون مثل هذا بهاء التأنيث، فيقولون: "هذه طلحَهْ قد أقبلت" ، كما قال الراجز: (5)
لَمَّا رأَى أنْ لا دَعَهْ وَلا شِبَعْ مَالَ إلَى أَرْطَأةِ حِقْفٍ فَاضْطَجَعْ (6)
(1)
تفصيل اللغات ونسبتها إلى قبائلها، ليس في شيء من معاجم اللغة، فهي زيادة تقيد في مكانها هناك.

(2)
(( المكنى )) ، الضمير.

(3)
هو دويد بن زيد بن نهد القضاعى، وهو أحد المعمرين.

(4)
طبقات فحول الشعراء: 28، والمعمرين: 20، وأما لى الشريف 1: 137، والشعر والشعراء: 51 والمؤتلف والمختلف: 114، وشرح شواهد الشافية: 274؛ وغيرها كثير، وهو من قديم الشعر، كما قال ابن سلام. ورواية هذه الأبيات تختلف اختلافا كبيرا في المراجع جميعا كما أشرت إليه في شرح طبقات ابن سلام. وكان في المطبوعة (( ألحى على الدهر )) ، و (( فقسمه لا نصلح )) ، وهذا خطأ فاسد صوابه في المخطوطة، ومعاني القرآن للفراء.

(5)
يقال هو: منظور بن حبة الأسدي.

(6)
معاني القرآن للفراء 1: 388، إصلاح المنطق: 108، وتهذيب إصلاح المنطق 1: 167، وشرح شواهد الشافية: 274 - 276، 480، يصف ظبيا، ويقول قبله: يَا رَبُّ أَبَّازٍ مِنَ العُفْرِ صَدَعْ ... تَقَبَّضَ الذّئْبُ إِلَيْهِ وَاجْتَمَعْ

قال التبريزى في شرحها: (( يصف ظبياً. والأباز: الذي يقفز. والعفر من الظباء: التي تعلو ألوانها حمرة. وتقبض: أي أنه جمع قوائمه ليثبت على الظبى. لما رأي أن أن لا دعه، يعني الذئب، لما رأي أنه لا يشبع من الظبى ولا يدركه، وأنه قد تعب في طلبه. مال إلى أرطاة فاضطجع عندها. والأرطى: ضرب من شجر الرمل، واحدته أرطاة. والحقف: المعوج من الرمل )) .

وقراه بعض البصريين: "أَرْجِئْهُ" بالهمز وضم "الهاء" ، على لغة من ذكرت من قيس.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءات في ذلك بالصواب، أشهرها وأفصحها في كلام العرب، وذلك ترك الهمز وجرُّ "الهاء" ، وإن كانت الأخرى جائزة، غير أن الذي اخترنا أفصح اللغات وأكثرها على ألسن فصحاء العرب.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "أرجه"
فقال بعضهم: معناه: أخره.
* ذكر من قال ذلك:
14924 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرني عطاء الخراساني عن ابن عباس، قوله: "أرجه وأخاه" قال: أخِّره.
* * *
وقال آخرون. معناه احبسه.
* ذكر من قال ذلك:
14925 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "أرجه وأخاه" ، أي: أحبسه وأخاه.
* * *
وأما قوله: "وأرسل في المدائن حاشرين" يقول: من يحشرُ السحرة فيجمعهم إليك. (1) .
* * *
وقيل: هم الشُّرَط.
* ذكر من قال ذلك:
14926 - حدثني عباس بن أبي طالب قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي، عن ابن عباس: "وأرسل في المدائن حاشرين" ، قال: الشرط.
14927 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن أبيه، عن مجاهد: "وأرسل في المدائن حاشرين" ، قال: الشرط.
14928 - قال: حدثنا حميد، عن قيس، عن السدي: "وأرسل في المدائن حاشرين" ، قال: الشرط.
14929 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن أبيه، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: "في المدائن حاشرين" ، قال: الشرط.
14930 - حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس: "وأرسل في المدائن حاشرين" ، قال: الشرط.
* * *
(1)
انظر تفسير "الحشر" فيما سلف 12: 115، تعليق: 1، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن مشورة الملأ من قوم فرعون على فرعون، أن يرسل في المدائن حاشرين يحشرون كل ساحر عليم.
* * *
=وفي الكلام محذوف، اكتفى بدلالة الظاهر من إظهاره، وهو: فأرسل في المدائن حاشرين، يحشرون السحرة.
* * *
= "فجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرًا" يقول: إن لنا لثوابًا على غلبتنا موسى عندك (1) = "إن كنا" ، يا فرعون، "نحن الغالبين" .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14931 - حدثنا العباس قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا الأصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبي أيوب قال، حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: "فأرسل في المدائن حاشرين" ، فحشر له كل ساحر متعالم، فلما أتوا فرعون قالوا: بم يعملُ هذا الساحر؟ (2) قالوا: يعمل بالحيات. قالوا: والله ما في الأرض قوم يعملون بالسحر والحيات والحبال والعصي أعلم منا، فما أجرنا إن غلبنا؟ فقال لهم: أنتم قرابتي وحامَّتي، (3) وأنا صانع إليكم كل شيء أحببتم.
14932 - حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال: حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان،
(1)
انظر تفسير (( الأجر )) فيما سلف من فهارس اللغة (أجر) .

(2)
في المطبوعة: (( بم يعمل )) وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب أيضاً.

(3)
في المطبوعة: (( وحاميتى )) ، والصواب في المخطوطة. و (( الحامة )) و (( الحميم )) خاصة الرجل من أهله وولده وذوى قرابته.

قال: حدثنا أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال فرعون: لا نغالبه = يعني موسى = إلا بمن هو منه، فأعدّ علماء من بني إسرائيل، فبعث بهم إلى قرية بمصر يقال لها: "الفرما" ، يعلمونهم السحر كما يعلم الصبيان الكِتَاب في الكتّاب. قال: فعلموهم سحرًا كثيرًا. قال: وواعد موسى فرعون موعدًا، فلما كان في ذلك الموعد، بعث فرعون، فجاء بهم وجاء بمعلمهم معهم، فقال له: ماذا صنعت؟ قال: قد علمتهم من السحر سحرًا لا يطيقه سحر أهل الأرض، إلا أن يكون أمرًا من السماء، فإنه لا طاقة لهم به، فأما سحر أهل الأرض، فإنه لن يغلبهم. فلما جاءت السحرة قالوا لفرعون: أئن لنا لأجرًا إن كنا نحن الغالبين؟ قال: نعم، وإنكم إذًا لمن المقربين. (1)
14933 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: فأرسل فرعون في المدائن حاشرين "، فحشروا عليه السحرة=" فلما جاء السحرة فرعون قالوا إنّ لنا لأجرًا إن كنا نحن الغالبين "يقول: عطية تعطينا=" إن كنا نحن الغالبين* قال نعم وإنكم لمن المقربين "."
14934 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين* يأتوك بكل ساحر عليم" ، أي كاثره بالسحرة، لعلك أن تجد في السحرة من يأتي بمثل ما جاء به. وقد كان موسى وهارون خرجا من عنده حين أراهم من سلطان الله ما أراهم. (2) وبعث فرعون في مملكته، فلم يترك في سلطانه ساحرًا إلا أتي به. فذكر لي، والله أعلم، أنه جمع له خمسة عشر ألف ساحر، فلما اجتمعوا إليه، أمرهم أمره، وقال لهم: قد جاءنا ساحرٌ ما رأينا مثله قط، وإنكم إن غلبتموه أكرمتكم وفضلتكم، وقرَّبتكم على أهل مملكتي!
(1)
هكذا جاءت في المخطوطة. كما كتبتها، لم يذكر لفظ الآية كما هو في التلاوة.

(2)
في المطبوعة: (( من سلطانه )) ، وكان في المخطوطة: (( من سلطان وبعث فرعون )) ، أسقط من الكلام ما أثبته من تاريخ الطبري 1: 210.

قالوا: وإن لنا ذلك إن غلبناه؟ قال: نعم!. (1) .
14935 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة قال: السحرة كانوا سبعين= قال أبو جعفر: أحسبه أنه قال: ألفًا. (2)
14936 - قال: حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا موسى بن عبيدة، عن ابن المنذر، قال: كان السحرة ثمانين ألفا.
14937 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن عبد العزيز بن رفيع، عن خيثمة، عن أبي سودة، عن كعب قال: كان سحرة فرعون اثني عشر ألفًا.
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال فرعون للسحرة، إذ قالوا له: إن لنا عندك ثوابًا إن نحن غلبنا موسى؟ قال: نعم، لكم ذلك، وإنكم لممن أقرِّبه وأدْنيه مني= "قالوا يا موسى" يقول: قالت السحرة لموسى: يا موسى، اختر أن تلقي عصاك، أو نلقي نحن عصينا. ولذلك أدخلت "أن" مع "إما" في الكلام، لأنها في موضع أمر بالاختيار. ف "أن" إذًا في موضع نصب لما وصفت من المعنى، لأن معنى الكلام: اختر أن تلقي أنت، أو نلقي نحن، والكلام مع "إما" إذا كان على وجه الأمر، فلا بد
(1)
الأثر: 14934 - هذا جزء من خبر طويل رواه أبو جعفر؛ بإسناده هذا في تاريخه 1: 210.

(2)
يعني "سبعين ألفًا."

من أن يكون فيه "أن" ، كقولك للرجل: إما أن تمضي، وإما أن تقعد"، بمعنى الأمر: امض أو اقعد، فإذا كان على وجه الخبر، لم يكن فيه "أن" كقوله: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) [التوبة: 106] . وهذا هو الذي يسمى "التخيير "(1) = وكذلك كل ما كان على وجه الخبر، و" إما "في جميع ذلك مكسورة. (2) ."
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال موسى للسحرة: (ألقوا) ما أنتم ملقون! فألقت السحرة ما معهم، فلما ألقوا ذلك= "سحروا أعين الناس" ، خيلوا إلى أعين الناس بما أحدثوا من التخييل والخُدَع أنها تسعى (3) "واسترهبوهم" ، يقول: واسترهبوا الناس بما سحروا في أعينهم، حتى خافوا من العصيّ والحبال، ظنًّا منهم أنها حيات= "وجاؤوا" كما قال الله، = "بسحر عظيم" ، بتخييل عظيم كبير، من التخييل والخداع (4) . وذلك كالذي: -
14938 - حدثنا موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: قال لهم موسى: ألقوا ما أنتم ملقون! فألقوا حبالهم وعصيهم!
(1)
قوله: (( وهذا الذي سيمى التخيير )) ، هو الحكم الأول في دخول (( أن )) مع (( إما )) ، أما الذي يجئ على وجه الخبر نحو: (( إما يعذبهم، وإما يتوب عليهم )) ، فهم يسمونه (( الإبهام )) . وكان حق أبي جعفر أن يقدم قوله (( وهذا الذي يسمى التخيير )) قبل قوله: (( فإذا كان على وجه الخبر )) ، لرفع الشبهة عن كلامه.

(2)
انظر معاني القرآن 1: 389، 390، وهو فصل جيد جداً.

(3)
انظر تفسير (( السحر) 9 فيما سلف ص: 19، تعليق 2، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير (( السحر) 9 فيما سلف ص: 19، تعليق 2، والمراجع هناك.

وكانوا بضعة وثلاثين ألف رجل، ليس منهم رجل إلا معه حبل وعصا= "فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم" يقول: فرَّقوهم، (1) فأوجس في نفسه خيفة موسى.
14939 - حدثني عبد الكريم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان قال: حدثنا أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ألقوا حبالا غلاظًا طوالا وخشبًا طوالا قال: فأقبلت يخيَّل إليه من سحرهم أنها تسعى.
14940 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: صفّ خمسة عشر ألف ساحر، مع كل ساحر حباله وعصيه. وخرج موسى معه أخوه يتكئ على عصاه حتى أتى الجمعَ، وفرعونُ في مجلسه مع أشراف مملكته، ثم قالت السحرة: (يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) [طه: 65-66] . (2) . فكان أوّل ما اختطفوا بسحرهم بصرَ موسى وبصرَ فرعون، ثم أبصارَ الناس بعدُ. ثم ألقى كل رجل منهم ما في يده من العصىّ والحبال، فإذا هي حيات كأمثال الجبال، (3) قد ملأت الوادي يركبُ بعضها بعضًا= (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى) ، [طه: 67] ، وقال: والله إن كانت لعصيًّا في أيديهم، ولقد عادت حيات! وما تعدو عصايَ هذه! (4) أو كما حدّث نفسه. (5) .
14941 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن هشام الدستوائي قال، حدثنا القاسم بن أبي بزة قال: جمع فرعون سبعين ألف ساحر، وألقوا سبعينَ ألف حبل، وسبعين ألف عصًا، حتى جعل يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى.
(1)
(( فرقوهم )) (بتشديد الراء) ، أدخلوا عليهم الفرق (بفتح الفاء والراء) ، وهو الفزع.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: (( كأمثال الحبال )) بالحاء، والصواب من التاريخ.

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: (( كأمثال الحبال )) بالحاء، والصواب من التاريخ.

(4)
في المطبوعة والمخطوطة: (( وما تعدوا هذه )) بإسقاط (( عصأي )) ، أثبتها من التاريخ.

(5)
الأثر: 14940 - وهو جزء من أثر طويل رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 210، 211، وهو تابع للأثر السالف رقم 14934، وبينهما فصل من كلام.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #687  
قديم 16-07-2025, 09:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (687)
صــ 29 إلى صــ 39





القول في تأويل قوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) }
يقول تعالى ذكره: وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك، فألقاها فاذا هي تلقم وتبتلع ما يسحرون كذبًا وباطلا.
* * *
يقال منه: لقفت الشيء فأنا ألقُفُه لَقْفًا ولَقَفَانًا. (1) .
* * *
=وذلك كالذي:-
14942 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك" ، فألقى موسى عصاه، فتحولت حية، فأكلت سحرهم كله.
14943 - حدثنا عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس: فألقى عصاه فإذا هي حية تلقف ما يأفكون= لا تمر بشيء من حبالهم وخُشُبهم التي ألقوها إلا التقمته، فعرفت السحرة أن هذا أمرٌ من السماء، وليس هذا بسحر، فخرُّوا سجَّدًا وقالوا: آمنا بربّ العالمين* رب موسى وهارون. (2) .
(1)
انظر معاني القرآن للفراء: 390.

(2)
هذا تضمين آية "سورة طه" : 70.

14944 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: أوحى الله إلى موسى: لا تخف، وألق ما في يمينك تلقف ما يأفكون. فألقى عصاه، فأكلت كل حية لهم. فلما رأوا ذلك سجدوا، وقالوا: آمنا برب العالمين، رب موسى وهارون.
14945 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: أوحى الله إليه: أن ألق ما في يمينك! فألقى عصاه من يده، فاستعرضَت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم، وهي حيات في عين فرعون وأعين الناس تسعى، فجعلت تلقفها، تبتلعها، حية حية، حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوه. ثم أخذها موسى، فإذا هى عصاه في يده كما كانت، ووقع السحرة سجدًا قالوا: "آمنا برب العالمين رب موسى وهارون. لو كان هذا سحرا ما غلبنا" ! (1) .
14946 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن هشام الدستوائي قال، حدثنا القاسم بن أبي بزة قال: أوحى الله إليه: أن ألق عصاك! فألقى عصاه، فاذا هي ثعبان فاغرٌ فاه، فابتلع حبالهم وعصيهم. فألقي السحرة عند ذلك سجّدًا، فما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنارَ وثوابَ هلهما. (2) .
14947 - (3) حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: "يأفكون" قال: يكذبون.
14948 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: "فإذا هي تلقف ما يأفكون" ، قال: يكذبون.
14949 - حدثنا إبراهيم بن المستمر قال، حدثنا عثمان بن عمر قال، حدثنا قرة بن خالد السدوسي، عن الحسن: "تلفق ما يأفكون" ، قال: حيالهم وعصيهم، تسترطها استراطا. (4) .
(1)
الأثر: 14945 - جزء من خبر أبي جعفر في تاريخه 1: 210، 211، وهو تابع للأثر السالف رقم 14940.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: (( وثواب أهلها )) ، والسياق يقتضي ما أثبت.

(3)
أخشى أن يكون سقط قبل هذه الآثار تفسير (( الإفك )) بمعنى الكذب، ولذلك فصلتها عن الآثار التي قبلها.

(4)
الأثر: 14949 - (( إبراهيم بن المستمر الهذلى الناجى العروقى )) ، ثقة.روى عن أبيه (( المستمر )) ، وعن حيان بن هلال، وأبي داود الطيالسي، وأبي عاصم النبيل، وغيرهم. روى عنه الأربعة، وابن خزيمة، وأبو حاتم مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 1/1/140. و (( عثمان بن عمر بن فارس بن لقيط العبدى )) مضى برقم 5458، 8332. و (( سرط الطعام )) ، و (( استرطه )) ، إذا ازدرده، وابتلعه ابتلاعاً سهلا سريعا ً لا غصة فيه.

القول في تأويل قوله: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فظهر الحق وتبين لمن شهده وحضره في أمر موسى، وأنه لله رسول يدعو إلى الحق= "وبطل ما كانوا يعملون" ، من إفك السحر وكذبه ومخايله.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14950 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "فوقع الحق" ، قال: ظهر.
14951 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن أبيه، عن مجاهد في قوله: "فوقع الحق وبطل ما كانوا يعلمون" ، قال: ظهر الحق، وذهب الإفك الذي كانوا يعملون.
14952 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله: "فوقع الحق" ، قال: ظهر الحق.
14953 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "فوقع الحق" ، ظهر موسى.
القول في تأويل قوله: {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فغلب موسى فرعون وجموعه= "هنالك" ، عند ذلك= "وانقلبوا صاغرين" ، يقول: وانصرفوا عن موطنهم ذلك بصغر مقهورين. (1) . يقال منه: "صغِرَ الرجل يصْغَر صَغَرًا وصُغْرًا وصَغارًا. (2) "
القول في تأويل قوله: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) }
* * *
(1)
انظر تفسير (( انقلب )) فيما سلف 3: 163 / 7: 414 / 10: 170.

(2)
انظر تفسير (( صغر )) فيما سلف 112: 96، 330.

القول في تأويل قوله: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وألقي السحرة عندما عاينوا من عظيم قدرة الله، ساقطين على وجوههم سجَّدًا لربهم، (1) يقولون: "آمنا برب العالمين" ، يقولون: صدقنا بما جاءنا به موسى، وأنّ الذي علينا عبادته، هو الذي يملك الجنّ والإنس وجميع الأشياء، وغير ذلك، (2) ويدبر ذلك كله= "رب موسى وهارون" ، لا فرعون، كالذي:-
14954 - حدثني عبد الكريم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما رأت السحرة ما رأت، عرفت أن ذلك أمر من السماء وليس بسحر، فخروا سجدًا، (3) وقالوا: "آمنا برب العالمين* رب موسى وهارون" .
* * *
(1)
انظر تفسير (( سجد )) فيما سلف من فهارس اللغة (سجد) .

(2)
انظر تفسير (( العالمين )) فيما سلف من فهارس اللغة (علم) .

(3)
في المطبوعة: (( خروا )) بغير فاء، وأثبت ما في المخطوطة.

القول في تأويل قوله: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال فرعون للسحرة إذ آمنوا بالله= يعني صدّقوا رسوله موسى عليه السلام، لما عاينوا من عظيم قدرة الله وسلطانه: "آمنتم به" ، يقول: أصدقتم بموسى وأقررتم بنبوّته= "قبل أن آذن لكم" ، بالإيمان به= "إن هذا" ، يقول: تصديقكم إياه، وإقراركم بنبوّته= "لمكر مكرتموه في المدينة" ، يقول لخدعة خدعتم بها من في مدينتنا، (1) لتخرجوهم منها= "فسوف تعلمون" ، ما أفعل بكم، وما تلقون من عقابي إياكم على صنيعكم هذا.
* * *
وكان مكرهم ذلك فيما:-
14955 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي، في حديث ذكره، عن أبي مالك= وعلي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: التقى موسى وأميرُ السحرة، فقال له موسى: أرأيتك إن غلبتك أتؤمن بي، وتشهد أنّ ما جئت به حق؟ قال الساحر: لآتين غدًا بسحر لا يغلبه سحر، فوالله لئن غلبتني لأومنن بك، ولأشهدن أنك حق! وفرعون ينظر إليهم، فهو قول فرعون: "إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة" ، إذ التقيتما لتتظاهرا فتخرجا منها أهلها. (2) .
* * *
(1)
انظر (( المكر )) فيما سلف 12: 95، 97: 597.

(2)
الأثر: 14955 - هذا جزء من خبر طويل، رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 213.

القول في تأويل قوله: {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيل فرعون للسحرة إذ آمنوا بالله وصدقوا رسوله موسى: "لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف" ، وذلك أن يقطع من أحدهم يده اليمنى ورجله اليسرى، أو يقطع يده اليسرى ورجله اليمنى، فيخالف بين العضوين في القَطْع، فمخالفته في ذلك بينهما هو "القطع من خلاف" . (1) .
* * *
ويقال: إن أوّل من سن هذا القطع فرعون= "ثم لأصلبنكم أجمعين" ، وإنما قال هذا فرعون، لما رأى من خذلان الله إياه، وغلبة موسى عليه السلام وقهره له.
14956 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو داود الحفري وحبوية الرازي، عن يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين" ، قال: أوّل من صلّب، وأول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف، فرعون. (2) .
* * *
(1)
انظر تفسير (( القطع من خلاف )) فيما سلف 10: 268.

(2)
الأثر 14956 - (( حبوية الرازي )) ، هو (( إسحق بن إسماعيل الرازي )) ، (( أبو يزيد )) ، مضى برقم: 14365، 14550.

القول في تأويل قوله: {قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال السحرة مجيبة لفرعون، إذ توعَّدهم بقطع الأيدي والأرجل من خلاف، والصلب: "إنا إلى ربّنا منقلبون" يعني بالانقلاب إلى الله، الرجوع إليه والمصير (1) = وقوله: "وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا" ، يقول: ما تنكر منا، يا فرعون، وما تجد علينا، إلا من أجل أن آمنا، أي = صدقنا (2) "بآيات ربنا" ، يقول: بحجج ربّنا وأعلامه وأدلته التي لا يقدر على مثلها أنت ولا أحد، سوى الله، الذي له ملك السموات والأرض. (3) . ثم فزعوا إلى الله بمسألته الصبرَ على عذاب فرعون، وقبض أرواحهم على الإسلام فقالوا: (ربنا أفرغ علينا صبرًا) ، يعنون بقولهم: "أفرغ" ، أنزل علينا حَبْسًا يحبسنا عن الكفر بك، (4) عند تعذيب فرعون إيانا= (وتوفنا مسلمين) ، يقول: واقبضنا إليك على الإسلام دين خليلك إبراهيم صلى الله عليه وسلم، لا على الشرك بك (5) .
14957 - فحدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) ، فقتلهم
(1)
انظر تفسير (( الانقلاب )) فيما سلف ص: 32، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير (( نقم )) فيما سلف 10: 433.

(3)
انظر تفسير (( الآية فيما سلف من فهارس اللغة (أيى) .

(4)
انظر تفسير (( أفرغ علينا صبرًا )) فيما سلف 5: 354. وتفسير = (( الصبر )) فيما سلف 12: 561، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(5)
انظر تفسير (( توفاه )) فيما سلف 12: 415، تعليق 1، والمراجع هناك.

وصلبهم، كما قال عبد الله بن عباس، حين قالوا: (ربنا أفرغ علينا صبرًا وتوفّنا مسلمين) . قال: كانوا في أول النهار سحرة، وفى آخر النهار شهداء.
14958 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن عبد العزيز بن رفيع، عن عبيد بن عمير قال: كانت السحرة أول النهار سحرة، وآخر النهار شهداء.
14959 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وألقي السحرة ساجدين) ، قال: ذكر لنا أنهم كانوا في أوّل النهار سحرة، وآخره شهداء.
14960 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (ربنا أفرغ علينا صبرًا وتوفنا مسلمين) ، قال: كانوا أوّل النهار سحرة، وآخره شهداء.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقالت جماعة رجال من قوم فرعون لفرعون (1) أتدع موسى وقومه من بني إسرائيل (2) = "ليفسدوا في الأرض" ، يقول: كي يفسدوا خدمك وعبيدك عليك في أرضك من مصر (3) = (ويذرك وآلهتك) ،
(1)
انظر تفسير (( الملأ )) فيما سلف ص 18، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير (( يذر )) فيما سلف 12: 136، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير (( الفساد في الأرض )) فيما سلف ص: 13، تعلق: 1، والمراجع هناك.

يقول: "ويذرك" ، ويدع خِدْمتك موسى وعبادتك وعبادة آلهتك.
* * *
وفي قوله: (ويذرك وآلهتك) ، وجهان من التأويل.
أحدهما: أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض، وقد تركك وترك عبادتك وعبادة آلهتك= وإذا وجه الكلام إلى هذا الوجه من التأويل، كان النصبُ في قوله: (ويذرك) ، على الصرف، (1) لا على العطف به على قوله: "ليفسدوا" .
والثاني: أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض، وليذرك وآلهتك = كالتوبيخ منهم لفرعون على ترك موسى ليفعل هذين الفعلين. وإذا وجِّه الكلام إلى هذا الوجه، كان نصب: (ويذرك) على العطف على (ليفسدوا) . قال أبو جعفر: والوجه الأول أولى الوجهين بالصواب، وهو أن يكون نصب (ويذرك) على الصرف، لأن التأويل من أهل التأويل به جاء.
* * *
وبعدُ، فإن في قراءة أبيّ بن كعب الذي:-
14961 - حدثنا أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا حجاج عن هارون قال، في حرف أبي بن كعب: (وقَدْ تَرَكُوكَ أَنْ يَعْبُدُوكَ وآلِهَتَكَ) . (2)
* * *
دلالةً واضحةً على أن نصب ذلك على الصرف.
* * *
وقد روي عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) ، عطفًا بقوله: (ويذرك) على قوله: (أتذر موسى) .
(1)
(( الصرف )) ، مضى تفسيره في 7: 247، تعليق: 2، والمراجع هناك. وانظر معاني القرآن للفراء 1: 391.

(2)
انظر أيضاً معاني القرآن للفراء 1: 391.

= كأنه وجَّه تأويله إلى: أتذر موسى وقومه، ويذرك وآلهتك، ليفسدوا في الأرض. وقد تحتمل قراءة الحسن هذه أن يكون معناها: أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض، وهو يذرك وآلهتك؟ = فيكون "يذرك" مرفوعًا بابتداء الكلام والسلامة من الحوادث. (1)
* * *
وأما قوله: (وآلهتك) ، فإن قرأة الأمصار على فتح "الألف" منها ومدِّها، بمعنى: وقد ترك موسى عبادتك وعبادة آلهتك التي تعبدها.
* * *
وقد ذكر عن ابن عباس أنه قال: كان له بقرة يعبدها.
* * *
وقد روي عن ابن عباس ومجاهد أنهما كانا يقرآنها: (وَيَذَرَكَ وَإِلاهَتَكَ) بكسر الألف بمعنى: ويذرك وعبودتك. (2)
* * *
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا نرى القراءة بغيرها، هي القراءة التي عليها قرأة الأمصار، لإجماع الحجة من القرأة عليها.
* * *
* ذكر من قال: كان فرعون يعبد آلهة = على قراءة من قرأ: (ويذرك وآلهتك) .
14962 - حدثني موسى بن هارون قال: حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ويذرك وآلهتك) ، وآلهته فيما زعم ابن عباس، كانت البقر،
(1)
في المطبوعة، حذف قوله: (( والسلامة من الحوادث )) ، كأنه لم يفهمها، وإنما أراد سلامته من العوامل التي ترفعه أو تنصبه أو تجره. وفي المخطوطة: (( إلى ابتداء الكلام )) ، وفي المطبوعة: (( على إبتدا الكلام )) ، والأجود ما أثبت.

(2)
انظر ما سلف 1: 123، 124، وفي تفسير (( الإلاهة )) ، وخبرا ابن عباس ومجاهد بإسنادهما، وسيأتي برقم: 14966 - 14971.

كانوا إذا رأوا بقرة حسناء أمرهم أن يعبدوها، فلذلك أخرج لهم عِجْلا وبقرة.
14963 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن عمرو، عن الحسن قال: كان لفرعون جمانة معلقة في نحره، يعبدها ويسجد لها.
14964 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا أبان بن خالد قال، سمعت الحسن يقول: بلغني أن فرعون كان يعبدُ إلهًا في السر، وقرأ: "ويذرك والهتك" .
14965 - حدثنا محمد بن سنان، قال: حدثنا أبو عاصم، عن أبي بكر، عن الحسن قال: كان لفرعون إله يعبده في السر.
* * *
* ذكر من قال: معنى ذلك: ويذرك وعبادتك، على قراءة من قرأ: (وَإَلاهَتَكَ) .
14966 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن عمرو بن الحسن، عن ابن عباس: (وَيَذَرَكَ وَإِلاهَتَكَ) قال: إنما كان فرعون يُعْبَد ولا يَعْبُد. (1)
14967 -. . . قال، حدثنا أبي، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس أنه قرأ، (ويَذَرَكَ وإِلاهَتَكَ) قال: وعبادتك، ويقول: إنه كان يُعْبَد ولا يَعْبُد. (2)
14968 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
(1)
الأثر: 14966 - (( محمد بن عمرو بن الحسن بن على بن أبي طالب )) تابعي ثقة، مضى برقم: 2892، 2892 م. وكان في المخطوطة والمطبوعة هنا: (( محمد بن عمرو، عن الحسن )) ، وهو خطأ. وقد مضى الخبر على الصواب بهذا الإسناد فيما سلف رقم: 143، وسيأتيعلى الصواب برقم 19471.

(2)
الأثر: 14967 - (( نافع بن عمر )) ، مضى مرارًا، وكان في المخطوطة والمطبوعة (( عن نافع، عن ابن عم )) ، وهو خطأ، والصواب كما مضى برقم: 142





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #688  
قديم 16-07-2025, 09:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (688)
صــ 40 إلى صــ 50





معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وَيَذَرَكَ وَإِلاهَتَكَ) ، قال: يترك عبادتك.
14969 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس أنه كان يقرأ: (وَإِلاهَتَكَ) ، يقول: وعبادتك.
14970 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وَيَذَرَكَ وَإِلاهَتَكَ) ، قال: عبادتك.
14971 - حدثنا سعيد بن الربيع الرازي قال، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن عمرو بن حسين، عن ابن عباس: أنه كان يقرأ: (وَيَذَرَكَ وَإِلاهَتَكَ) ، وقال: إنما كان فرعون يُعْبَد ولا يَعْبُد. (1)
* * *
وقد زعم بعضهم: أن من قرأ: "وَإِلاهَتَكَ" ، إنما يقصد إلى نحو معنى قراءة من قرأ: (وآلِهَتَكَ) ، غير أنه أنّث وهو يريد إلهًا واحدًا، كأنه يريد: ويذرك وإلاهك = ثم أنث "الإله" فقال: "وإلاهتك" .
* * *
وذكر بعض البصريين أن أعرابيًّا سئل عن "الإلاهة" فقال: "هي عَلَمة" يريد علمًا، فأنث "العلم" ، فكأنه شيء نصب للعبادة يعبد. وقد قالت بنت عتيبة بن الحارث اليربوعي: (2) تَرَوَّحْنَا مِنَ اللَّعْبَاء قَصْرًا وَأَعْجَلْنَا الإلاهَةَ أَنْ تَؤُوبَا (3)
(1)
الأثر: 14971 - (( محمد بن عمرو بن الحسن بن على بن أبي طالب )) ، انظر التعليق على رقم 14966.

(2)
في المخطوطة: (( وقد قال عتيبة بن شهاب اليربوعي )) ، وهو خطأ لا شك فيه، وفي المطبوعة: (( وقد قالت بنت عتيبة بن الحارث اليربوعي )) ، وهو صواب من تغيير ناشر المطبوعة الأولى، وقد أثبت حق النسب، جامعاً بين ما في المخطوطة والمطبوعة. ويقال هي (( أمنه بنت عتيبة )) ، ويقال اسمها (( ميه )) ، وهي (( أم البنين )) . ويقال: هو لنائحة عتيبة.

(3)
بلاغات النساء: 189، معجم ما استعجم: 1156، معجم البلدان (( اللعباء )) ، اللسان (لعب) (أله) ، وغيرها كثير. قالت ترثى أباها، وقتل يوم خو، قتلته بنو أسد، وبعد البيت: عَلَى مِثْلِ ابنِ مَيَّهَ، فَانْعِيَاهُ ... يَشُقُّ نَوَاعِمُ البَشَرِ الجُيُوبَا

وَكانَ أَبِى عُتَيْبَةُ شَمَّرِيًّا عَوَانُ ... وَلا تَلْقَاهُ يَدَّخِرُ النَّصِيبَا
ضَرُوبًا بِاليَدَيْنِ إذَا اشْمَعَلَّتْ ... الحَرْبِ، لا وَرِعًا هَيُوبَا
و (( اللعباء )) بين الربذة، وأرض بنى سليم، وهي لفزارة، ويقال غير ذلك. و (( قصرا )) ، أي عشيا.وفي المطبوعة: (( عصراً )) ، وهي إحدى روايات البيت، وأثبت ما في المخطوطة.
يعني بـ "الإلاهة" ، في هذا الموضع، الشمس. وكأنّ هذا المتأول هذا التأويل، وجّه "الإلاهة" ، إذا أدخلت فيها هاء التأنيث، وهو يريد واحد "الآلهة" ، إلى نحو إدخالهم "الهاء" في "وِلْدتي" و "كوكبتي" و "مَاءتي" ، (1) وهو "أهلة ذاك" ، وكما قال الراجز: (2) يَا مُضَرُ الْحَمْرَاءُ أَنْتِ أُسْرَتِي وأنت ملجاتي وأنت ظهرتي (3)
يريد: ظهري.
* * *
وقد بين ابن عباس ومجاهد ما أرادا من المعنى في قراءتهما ذلك على ما قرآ، فلا وجه لقول هذا القائل ما قال، مع بيانهما عن أنفسهما ما ذهبا إليه من معنى ذلك.
* * *
وقوله: (قال سنقتل أبناءهم) ، يقول: قال فرعون: سنقتل أبناءهم الذكور من أولاد بني إسرائيل = (ونستحيي نساءهم) ، يقول: ونستبقي إناثهم (4) = (وإنا
(1)
في المطبوعة: (( أماتى )) وهو خطأ، صوابه ما في المخطوطة.

(2)
لم أعرف قائله.

(3)
(3) قوله: (( ملجاتى )) بتسهيل الهمزة، وأصله (( ملجأتى )) ، وألحق التاء أيضاً في هذا بقولهم: (( ملجأ )) بالحرفان جميعاً شاهد على ما قاله أبو جعفر.

(4)
انظر تفسير (( الاستحياء )) فيما سلف 2: 41 - 48.

فوقهم قاهرون) ، يقول: وإنا عالون عليهم بالقهر، يعني بقهر الملك والسلطان. (1)
وقد بينا أن كل شيء عالٍ بالقهر وغلبة على شيء، فإن العرب تقول: هو فوقه. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "قال موسى لقومه" ، من بني إسرائيل، لما قال فرعون للملأ من قومه: "سنقتل أبناء بني إسرائيل ونستحيي نساءهم" : = (استعينوا بالله) على فرعون وقومه فيما ينوبكم من أمركم= "واصبروا" على ما نالكم من المكاره في أنفسكم وأبنائكم من فرعون. وكان قد تبع موسى من بني إسرائيل على ما: -
14972 - حدثني عبد الكريم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما آمنت السحرة، اتبع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل.
* * *
وقوله: (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده) ، يقول: إن الأرض لله، لعل الله أن يورثكم = إن صبرتم على ما نالكم من مكروه في أنفسكم وأولادكم من فرعون، واحتسبتم ذلك، واستقمتم على السداد = أرضَ فرعون وقومه، بأن يهلكهم
(1)
انظر تفسير (( القهر )) فيما سلف 11: 284، 408

(2)
انظر تفسير (( فوق )) فيما سلف 11: 284، وفهارس اللغة (( فوق ))

ويستخلفكم فيها، فإن الله يورث أرضه من يشاء من عباده = (والعاقبة للمتقين) ، يقول: والعاقبة المحمودة لمن اتقى الله وراقبه، فخافه باجتناب معاصيه وأدَّى فرائضه. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال قوم موسى لموسى، حين قال لهم "استعينوا بالله واصبروا" = (أوذينا) بقتل أبنائنا = (من قبل أن تأتينا) ، يقول: من قبل أن تأتينا برسالة الله إلينا، لأن فرعون كان يقتل أولادهم الذكور حين أظلَّه زمان موسى على ما قد بينت فيما مضى من كتابنا هذا. (2) وقوله: (ومن بعد ما جئتنا) ، يقول: ومن بعد ما جئتنا برسالة الله، لأن فرعون لما غلبت سَحرَته، وقال للملأ من قومه ما قال، أراد تجديدَ العذاب عليهم بقتل أبنائهم واستحياء نسائهم.
* * *
وقيل: إن قوم موسى قالوا لموسى ذلك، حين خافوا أن يدركهم فرعون وهم منه هاربون، وقد تراءى الجمعان، فقالوا له: (يا موسى أوذينا من قبل أن تأتينا) ، كانوا يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا = (ومن بعد ما جئتنا) ، اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا.
(1)
انظر تفسير (( العاقبة )) فيما سلف: ص 13، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر ما سلف 2: 41 - 48.

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
* * *
14973 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (من قبل أن تأتينا) ، من قبل إرسال الله إياك وبعده.
14974 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
14974 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: فلما تراءى الجمعان فنظرت بنو إسرائيل إلى فرعون قد رَدِفهم، (1) قالوا: (إنا لمدركون) ، وقالوا: (أوذينا من قبل أن تأتينا) ، كانوا يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا = (ومن بعد ما جئتنا) ، اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا = إنا لمدركون. (2)
14975 - حدثني عبد الكريم قال، حدثنا إبراهيم قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: سار موسى ببني إسرائيل حتى هجموا على البحر، فالتفتوا فإذا هم برَهَج دوابِّ فرعون، فقالوا: "يا موسى أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا" ، هذا البحر أمامنا وهذا فرعون بمن معه! قال: (عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) .
* * *
وقوله: (قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم) ، يقول جل ثناؤه: قال موسى
(1)
"ردفهم" : تبعهم.

(2)
الأثر: 14974 - هو جزء من خبر طويل فرقه أبو جعفر في مواضع من تفسيره، ورواه في تاريخه 1: 214.

لقومه: لعل ربكم أن يهلك عدوكم: فرعون وقومه (1) = (ويستخلفكم) ، يقول: يجعلكم تخلفونهم في أرضهم بعد هلاكهم، لا تخافونهم ولا أحدًا من الناس غيرهم (2) = (فينظر كيف تعملون) ، يقول: فيرى ربكم ما تعملون بعدهم، من مسارعتكم في طاعته، وتثاقلكم عنها.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد اختبرنا قوم فرعون وأتباعه على ما هم عليه من الضلالة = "بالسنين" ، يقول: بالجُدوب سنة بعد سنة، والقحوط.
* * *
يقال منه: "أسْنَتَ القوم" ، إذا أجدبوا.
* * *
(ونقص من الثمرات) ، يقول: واختبرناهم مع الجدوب بذهاب ثمارهم وغلاتهم إلا القليل = (لعلهم يذكرون) ، يقول: عظة لهم وتذكيرًا لهم، لينزجروا عن ضلالتهم، ويفزعوا إلى ربهم بالتوبة. (3) وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14976 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك،
(1)
انظر تفسير (( عسى )) فيما سلف 10: 405، تعليق 1، والمراجع هناك.ثم انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 225. = وتفسير (( الإهلاك )) فيما سلف من فهارس اللغة (هلك)

(2)
(2) انظر تفسير (( الاستخلاف )) فيما سلف 12: 126.

(3)
انظر تفسير (( التذكرة )) فيما سلف من فهارس اللغة (ذكر)

عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله: (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين) ، قال: سني الجوع.
14977 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (بالسنين) ، الجائحة = (ونقص من الثمرات) ، دون ذلك.
14978 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
14979 - حدثني القاسم بن دينار قال، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن شيبان، عن أبي إسحاق، عن رجاء بن حيوة في قوله: (ونقص من الثمرات) ، قال: حيث لا تحمل النخلة إلا تمرة واحدة. (1)
14980 - حدثني ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجاء بن حيوة، عن كعب قال: يأتي على الناس زمانٌ لا تحمل النخلة إلا ثمرة.
14981 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن رجاء بن حيوة: (ونقص من الثمرات) ، قال: يأتي على الناس زمان لا تحمل النخلة إلا ثمرة.
14982 - حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتاده، قوله: (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنيين) ، أخذهم الله بالسنين، بالجوع، عامًا فعامًا = (ونقص من الثمرات) ، فأما "السنين" فكان ذلك في باديتهم وأهل مواشيهم = وأما "بنقص من الثمرات" فكان ذلك في أمصارهم وقراهم.
* * *
(1)
الأثر 14979 - (( القاسم بن دينار )) نمنسوب إلى جده، وهو (( القاسم بن زكريا بن دينار القرشي )) ، أبو محمد الطحان، روى عن وكيع، وعبيد الله بن موسى، وعلى بن فادم، وأبي داود الحفري.روى عنه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأبو حاتم، وغيرهم. ثقة. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3/2/110.

القول في تأويل قوله: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ (131) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فإذا جاءت آل فرعون العافية والخصب والرخاء وكثرة الثمار، ورأوا ما يحبون في دنياهم (1) = (قالوا لنا هذه) ، نحن أولى بها = (وإن تصبهم سيئة) ، يعني جدوب وقحوط وبلاء (2) = (يطيروا بموسى ومن معه) ، يقول: يتشاءموا ويقولوا: ذهبت حظوظنا وأنصباؤنا من الرخاء والخصب والعافية، مذ جاءنا موسى عليه السلام.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14983 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (فإذا جاءتهم الحسنة) ، العافية والرخاء = (قالوا لنا هذه) ، نحن أحق بها = (وإن تصبهم سيئة) ، بلاء وعقوبة = (يطيروا) ، يتشاءموا بموسى.
14984 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه.
14985 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه) ، قالوا: ما أصابنا هذا إلا بك يا موسى وبمن معك، ما رأينا شرًّا ولا أصابنا حتى رأيناك! وقوله: (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه) ، قال: الحسنة
(1)
انظر تفسير (( الحسنة )) فيما سلف من فهارس اللغة (حسن) .

(2)
انظر تفسير (( السيئة )) فيما سلف من فهارس اللغة (سوأ) .

ما يحبُّون. وإذا كان ما يكرهون قالوا: ما أصابنا هذا إلا بشؤم هؤلاء الذين ظلموا! قال قوم صالح: (اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) ، فقال الله إنما: (طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) ، [سورة النمل: 47] . (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (131) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ألا ما طائر آل فرعون وغيرهم = وذلك أنصباؤهم من الرخاء والخصب وغير ذلك من أنصباء الخير والشر = "إلا عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون" ، أن ذلك كذلك، فلجهلهم بذلك كانوا يطَّيّرون بموسى ومن معه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14986 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (ألا إنما طائرهم عند الله) ، يقول: مصائبهم عند الله. قال الله: (ولكن أكثرهم لا يعلمون) .
14987 - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: (ألا إنما طائرهم عند الله) ، قال: الأمر من قبل الله.
* * *
(1)
في المخطوطة والمطبوعة: (( إنما طائركم )) ، بزيادة (( إنما )) ، وهو خطأ، تلك آية أخرى.

القول في تأويل قوله: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقال آل فرعون لموسى: يا موسى، مهما تأتنا به من علامة ودلالة = "لتسحرنا" ، يقول: لتلفتنا بها عما نحن عليه من دين فرعون = (فما نحن لك بمؤمنين) ، يقول: فما نحن لك في ذلك بمصدقين على أنك محق فيما تدعونا إليه.
* * *
وقد دللنا فيما مضى على معنى "السحر" بما أغنى عن إعادته. (1)
* * *
وكان ابن زيد يقول في معنى: (مهما تأتنا به من آية) ، ما: -
14988 - حدثني يونس قال، [أخبرنا ابن وهب] ، قال ابن زيد في قوله: (مهما تأتنا به من آية) ، قال: إن ما تأتنا به من آية = وهذه فيها زيادة "ما" . (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى "الطوفان" . فقال بعضهم: هو الماء.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
انظر تفسير (( السحر )) فيما سلف ص: 27، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(2)
الأثر: 14988 - الزيادة بين القوسين، لا بد منها، وهو إسناد دائر في التفسير، أقربه رقم 14985، وإنما هذا سهو من الناسخ.

14989 - حدثني ابن وكيع قال، حدثنا حبوية أبو يزيد، عن يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما جاء موسى بالآيات، كان أول الآيات الطوفان، فأرسل الله عليهم السماء. (1)
14990 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا ابن يمان قال، حدثنا سفيان، عن إسماعيل، عن أبي مالك قال: "الطوفان" ، الماء.
14991 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: "الطوفان" ، الماء.
14992 -. . . قال، حدثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: "الطوفان" ، الغرق.
14993 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "الطوفان" ، الماء، "والطاعون" ، على كل حال. (2)
14994 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "الطوفان" ، الموت على كل حال.
14995 - حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: "الطوفان" ، الماء.
* * *
وقال آخرون: بل هو الموت.
* ذكر من قال ذلك:
14996 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا يحيى بن يمان قال،
(1)
الأثر: 14989 - (( حبوية )) ، (( أبو يزيد )) هو (( إسحق بن إسماعيل الرازي )) ، مضى برقم: 14365، 14550، 14956، وكان في المطبوعة: (( حبويه الرازي )) ، وهو صواب، إلا أنه لم يحسن قراءة المخطوطة، فغيرها، وكان فيها: (( حبوية أبو مزيد )) ، الصواب ما أثبت.

(2)
لعل صواب العبارة (( والطاعون، الموت على كل حال )) .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #689  
قديم 16-07-2025, 09:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (689)
صــ 51 إلى صــ 60






حدثنا المنهال بن خليفة، عن الحجاج، عن الحكم بن ميناء، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطوفان الموتُ. (1)
14997 - حدثني عباس بن محمد قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال، سألت عطاء: ما الطوفان؟ قال: الموت. (2)
14998 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله بن رجاء، عن ابن جريج، عن عطاء عمن حدثه، عن مجاهد قال: "الطوفان" ، الموت.
14999 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن عبد الله بن كثير: (فأرسلنا عليهم الطوفان) ، قال: الموت = قال ابن جريج: وسألت عطاء عن "الطوفان" ، قال: الموت = قال ابن جريج: وقال مجاهد: الموتُ على كل حال.
15000 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن المنهال بن خليفة، عن حجاج، عن رجل، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الطوفان الموت. (3)
(1)
الأثر: 14996 - (( المنهال بن خليفة العجلي )) ، (( أبو قدامة )) ، متكلم فيه. ضعفه ابن معين، والنسائي، والحاكم. وقال البخاري: (( صالح، فيه نظر )) ، وقال في موضع آخر /: (( حديثه منكر )) .

وقال ابن حبان: (( كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير )) . مترجم من التهذيب، والكبير 4/2/12، وابن أبي حاتم 4/1/357، وميزان الاعتدال 3: 204.
و (( الحجاج )) هو (( الحجاج بن أرطاة )) ، مضى مرارًا. و (( الحكم بن ميناء الأنصاري )) ، تابعي ثقة. مترجم من التهذيب، والكبير 1/2/340، وابن أبي حاتم 1/2/127.
وهذا الخبر، رواه ابن كثير في تفسيره 3: 536، عن هذا الموضع ثم قال: (( وكذا ورواه ابن مردويه، من حديث يحيى بن يمان به، وهو حديث غريب )) . قلت: وزاد نسبته لابن أبي حاتم، وأبي الشيخ وانظر الأثر التالي رقم 15000
(2)
الأثر: 14997 - (( عباس بن محمد )) ، هو (( عباس بن محمد بن حاتم الدورى )) شيخ الطبري، مضى برقم: 7701.

(3)
الأثر: 15000 - هذا إسناد آخر للخبر رقم: 14996، إلا أنه أبهم الراوي عن عائشة، وبينه هناك، وهو (( الحكم بن ميناء )) . وقد مضى تخريج هذا الخبر، وبيان ضعفه.

وقال آخرون: بل ذلك كان أمرًا من الله طاف بهم.
* ذكر من قال ذلك:
15001 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس: (فأرسلنا عليهم الطوفان) ، قال: أمرُ الله الطوفان، ثم قرأ (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ) ، [القلم: 19] .
* * *
وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة، (1) يزعم أن "الطوفان" من السيل: البُعَاق والدُّباش، وهو الشديد. (2) ومن الموت المبَالغ الذَّريع السريع. (3)
* * *
وقال بعضهم: هو كثرة المطر والريح.
* * *
وكان بعض نحويي الكوفيين يقول: "الطوفان" مصدر مثل "الرجحان" و "النقصان" ، لا يجمع.
* * *
وكان بعض نحويي البصرة يقول: هو جمع، واحدها في القياس "الطوفانة" . (4)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، ما قاله ابن عباس، على ما رواه عنه أبو ظبيان (5) أنه أمر من الله طاف بهم، وأنه مصدر من قول
(1)
هو أبو عبيدة، في مجاز القرآن 1: 226.

(2)
(( البعاق )) (بضم الباء) : هو المطر الكثير الغزير الذي يتبعق بالماء تبعقاً، أي يسيل به سيلا كثيفاً. و (( سيل دباش )) (ضم الدال) عظيم، يجرف كل شيء جرفاً.

(3)
في المخطوطة: (( المتابع )) ، وفي مجاز القرآن: (( المبالغ )) ، والذي في المطبوعة (( المتتابع )) فآثرت نص أبي عبيدة.

(4)
هو الأخفش، قال ابن سيدهْ: (( الأخفش ثقة، وإذا حكى الثقة شيئاً لزم قبوله )) .

(5)
يعني الخبر رقم 15001.

القائل: "طاف بهم أمر الله يطوف طُوفَانًا" ، كما يقال: "نقص هذا الشيء ينقُص نُقْصَانًا" . وإذا كان ذلك كذلك، جاز أن يكون الذي طاف بهم المطر الشديد = وجاز أن يكون الموتَ الذريعَ. ومن الدلالة على أن المطر الشديد قد يسمى "طوفانًا" قول حُسَيل بن عُرْفطة (1)
غَيَّر الجِدَّةُ مِنْ آيَاتِهَا خُرُقُ الرِّيحِ وَطُوفَانُ المَطَرْ (2)
ويروى:
خُرُقُ الرِّيحِ بِطُوفَان المَطَرْ
وقول الراعي:
تُضْحِي إذَا العِيسُ أَدْرَكْنَا نَكَائِثَهَا خَرْقَاءَ يَعْتَادُهَا الطُّوفَانُ والزُّؤُدُ (3)
وقول أبي النجم:
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: (( الحسن بن عرفطة )) ، وهو خطأ، وقال أبو حاتم (( حسين بن عرفطة )) ، هو خطأ.انظر نوادر أبي زيد 75، 77، وهو (( حسيل بن عرفطة الأسدى )) شاعر جاهلي.

(2)
نوادر أبي زيد: 77، الوساطة: 329، اللسان (طوف) ، وقبله: لَمْ يَكُ الحًقُّ عَلَى أَنْ هَاجَهُ ... رَسْمُ دَارٍ قَدْ تَعَفَّى بِالسِّرَرْ

قال أبو حاتم (( بالسرر )) بفتح السين والراء. و (( الخرق )) : القطع من الريح، واحدتها (( خرقة )) . و (( طوفان المطر )) ، كثرته. وروى الأصمعى (( خرق )) (يعني بضم الخاء والراء) . هذا نص ما في نوادر أبي زيد. و (( خرق )) (بضمتين) جمع (( خريق )) ، وهي الريح الشديدة الهبوب التي تخترق المواضع.
(3)
اللسان (نكث) (زأد) ، ولعلها من شعره الذي مدح به عبد الله بن معاوية بن أبي سفيان (انظر خزانة الادب 3: 288) و (( النكائث )) جمع (( نكيثة )) ، وهي جهد قوة النفس. يقال: (( فلآن شديد النكيثة )) أي النفس. ويقال: (( بلغت نكيثته )) (بالبناء للمجهول) أي: جهد نفسه. و (( بلغ فلآن نكيثة بعيره )) أي: أقصي مجهوده في السير. و (( الزؤد )) (بضم الهمزة وسكونها) : الفزع والخوف. و (( خرقاء )) من صفة الناقة. وهي التي لا تتعهد مواضع قوائمها من نشاطها. يصفها بالحدة كأنها مجنونة، إذا كلت العيس، بقيت قوتها وفضل نشاطها.

قَدْ مَدَّ طُوفَانٌ فَبَثَّ مَدَدَا شَهْرًا شَآبِيبَ وَشَهْرًا بَرَدَا (1)
* * *
وأما "القُمَّل" ، فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه.
فقال بعضهم: هو السوس الذي يخرج من الحنطة.
* ذكر من قال ذلك:
15002 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: "القمّل" ، هو السوس الذي يخرج من الحنطة.
15003 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بنحوه.
* * *
وقال آخرون: بل هو الدَّبَى، وهو صغار الجراد الذي لا أجنحة له.
* ذكر من قال ذلك:
15004 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: "القمّل" ، الدبى.
15005 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قال: الدبى، القمّل.
15006 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: "القمل" ، هو الدَّبَى.
(1)
لم أجده في مكان آخر. و (( الشآيب )) . جمع (( شؤبوب )) ، وهي الدفعة من المطر. ويقال: (( لا يقال للمطر شآبيب، إلا وفيه برد )) .

15007 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "القمل" ، الدبيَ.
15008 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة قال: "القُمَّل" ، هي الدَّبَى، وهي أولاد الجراد.
15009 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: "القمل" ، الدبى.
15010 -. . . . قال حدثنا يحيى بن آدم، عن قيس عمن ذكره، عن عكرمة قال: "القمل" ، بناتُ الجراد.
15011 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس قال: "القمل" ، الدبَى.
* * *
وقال آخرون: بل "القمل" ، البراغيثُ.
*ذكر من قال ذلك:
15012 - حدثني يونس قال، أخبرنا أبن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل) ، قال: زعم بعض الناس في القمل أنها البراغيث.
* * *
وقال بعضهم: هي دوابُّ سُودٌ صغار.
* ذكر من قال ذلك:
15013 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر قال: سمعت سعيد بن جبير والحسن قالا القمّل: دوابّ سود صغار.
* * *
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يزعم (1) أن "القمل" ، عند العرب: الحَمْنان = والحمنان ضرب من القِرْدان واحدتها: "حَمْنانة" ، فوق القَمقامة. (2) و "القمَّل" جمع، واحدتها "قملة" ، وهي دابة تشبه القَمْل تأكلها الإبل فيما بلغني، وهي التي عناها الأعشى في قوله: (3)
قَوْمٌ تُعَالِجُ قُمَّلا أَبْنَاؤُهُمْ وَسَلاسِلا أُجُدًا وَبَابًا مُؤْصَدَا (4)
(1)
هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 226.

(2)
(( القمقامة )) ، صغار القردان (جمع قراد) وهو أول ما يكون صغيراً، لا يكاد يرى من صغره، وهو أيضاً ضرب من القمل شديد التشبث بأصول الشعر.

(3)
في المطبوعة: (( الأعمش )) وهو خطأ في الطباعة.

(4)
ديوانه: 154، واللسان (قمل) . من قصيدته التي قالها لكسرى حين أراد من بنى ضبيعة (رهط الأعشى) رهائن، لما أغار الحارث بن وعلة على بعض السواد، فأخذ كسرى قيس بن مسعود، ومن وجد من بكر، فجعل يحبسهم، فقال له الأعشى: مَنْ مُبْلِغٌ كِسْرَى، إذَا مَا جَاءَهُ رُهُنًا، ... عَنِّى مآلِكَ مُخْمِشَاتٍ شُرَّدَا

آلَيْتُ لا نُعْطِيهِ مِنْ أَبْنَائِنَا ... رُهْنًا فَيُفْسِدُهُمْ كَمَنْ قَدْ أَفْسَدَا
حَتَّى يُفِيدُكَ مِنْ بَنِيهِ رَهِينَةً ... نَعْشُ، وَيَرْهَنُكَ السِّمَاكُ الفَرْقَدَا
يقول: من يبلغ كسرى عني تغضبه، رسائل تأتيه من كل مكان: أننا آلينا أن لا نعطيه من أبنائنا رهائن، يتولى إفسادهم كما أفسد رجالا من قبل، ولن ينال منا ذلك حتى تعطيه نجوم السماء رهائن من صواحباتها. ثم قال له: لَسْنَا كَمَنْ جَعَلَتْ إيَادُ دَارَهَا ... تَكْرِيت تَمْنَع حَبَّها أَنْ يُحْصَدا
قَوْمًا يُعَالَجُ.. .. .. .. .. .. .. ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جَعَلَ الإِلَهُ طَعَامَنَا فِي مَالِنَا ... رِزْقًا تَضَمَّنَهُ لَنَا لَنْ يَنْفَدَا
يقول: لسنا كإياد التي آتتك الرهائن فأنها نزلت تكريت تنظر ما يحصد من الزرع من سنة إلى سنة، فهم حراثون، قد قملوا، فقام أبناؤهم يعالجون القمل، ويجرون السلاسل ليشدوها على الأجران، ويجهدون في تغليق أبوابها. أما نحن، فالله قد جعل إبلنا رزقنا، ضمنت لنا من ألبانها طعاماً لا ينفد، ونزعنا عن أعناقنا ربقة عبودية القرى والأمصار، إلى حرية البادية، نغدو فيها ونروح، ليس لك علينا سلطان. وهذا من شعر أحرار العرب. و (( الأجد )) (بضمتين) : القوى الموثق. يقال: (( ناقة أجد )) ، قوية وثيقة التركيب. و (( ناقة مؤجدة القرى )) ، مثله. ويقال: (( الحمد لله الذي آجدنى بعد ضعف )) ، أي: قوانى. و (( المؤصد )) من (( أوصد الباب )) أغلقه وأطبقه، فهو (( موصد )) و (( مؤصد )) بالهمز، ومثله قوله تعالى ذكره: (( إنها عليهم مؤصدة )) بالهمز، أي مطبقة.
وكان الفراء يقول: لم أسمع فيه شيئًا، فإن لم يكن جمعًا، فواحده "قامل" ، مثل "ساجد" و "راكع" ، (1) وإن يكن اسمًا على معنى جمع، (2) فواحدته: "قملة" . * ذكر المعاني التي حدثت في قوم فرعون بحدوث هذه الآيات، والسبب الذي من أجله أحدَثها الله فيهم.
15014 - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: لما أتى موسى فرعون قال له: أرسل معي بني إسرائيل! فأبى عليه، فأرسل الله عليهم الطوفان = وهو المطر = فصبّ عليهم منه شيئًا، فخافوا أن يكون عذابًا، فقالوا لموسى: ادع لنا ربّك أن يكشف عنا المطر، فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل (3) ، فدعا ربه، فلم يؤمنوا، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل، فأنبت لهم في تلك السنة شيئًا لم ينبته قبل ذلك من الزرع والثمر والكلأ. فقالوا: هذا ما كنا نتمنَّى، فأرسل الله عليهم الجراد، فسلَّطه على الكلأ فلما رأوا أثَره في الكلأ عرفوا أنه لا يُبقى الزرع. فقالوا: يا موسى ادْع لنا ربك فيكشف عنا الجرادَ فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه، فكشف
(1)
في المطبوعة: (( فإن لم يكن جمعاً )) ، بزيادة (( لم )) وهي مفسدة للكلام، والصواب من المخطوطة.

(2)
لم أجد هذا في معاني القرآن للفراء، في هذا الموضع من تفسير الآية. انظر معاني القرآن للفراء 1: 393، بل قال الفراء هنا: (( القمل، وهو الدبى الذي لا أجنحة له )) ، ولم يزد.

(3)
(3) في المطبوعة: (( ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرائيل )) ، غير ما في المخطوطة، ولم يكتب نص آية (( سورة الأعراف )) : 134. وكان في المخطوطة ما أثبته، إلا أنه كتب: (( لئن كشف عنا المطر فتؤمن لك )) وصواب الجملة ما أثبت إن شاء الله.

عنهم الجرادَ، فلم يؤمنوا، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل، فدَاسُوا وأحرزُوا في البيوت، (1) فقالوا: قد أحرزْنَا فأرسل الله عليهم القُمَّل = وهو السوس الذي يخرج منه = فكان الرجل يخرج عشرة أجرِبة ٍإلى الرحى، فلا يردّ منها ثلاثة أقفِزة. فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك يكشف عنا القمَّل، فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه، فكشف عنهم، فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل. فبينا هو جالس عند فرعون، إذ سمع نقيق ضِفْدَع، فقال لفرعون: ما تلقى أنت وقومك من هذا! فقال: وما عسى أن يكون كيدُ هذا! فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذَقْنه في الضفادع، ويهمُّ أن يتكلم فتثب الضفادع في فيه. فقالوا لموسى: ادع لنا ربك يكشف عنا هذه الضفادع، فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل! [فكشف عنهم فلم يؤمنوا] (2) فأرسل الله عليهم الدم، فكان ما استقوا من الأنهار والآبار، أو ما كان في أوعيتهم وجدُوه دمًا عَبِطًا، (3) فشكوا إلى فرعون فقالوا: إنا قد ابتلينا بالدّم، وليس لنا شراب! فقال: إنه قد سحركم! فقالوا: من أين سحرنا، ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئًا من الماءِ إلا وجدناه دمًا عبيطًا؟ فأتوه فقالوا: يا موسى ادعُ لنا ربك يكشف عنا هذا الدم، فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه فكشف عنهم، فلم يؤمنوا، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل.
15015 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حبوية أبو يزيد، عن يعقوب القمي، عن جعفر، عن ابن عباس قال، لما خافوا الغرق، قال فرعون: يا موسى، ادع لنا ربك يكشف عنّا هذا المطر، فنؤمن لك = ثم ذكر نحو حديث ابن حميد، عن يعقوب. (4)
(1)
(( داس الناس الحب )) درسوه. و (( أحرز الشيء )) : ضمه وحفظه، وصانه عن الأخذ.

(2)
ما بين القوسين، ليس في المخطوطة، وفي المخطوطة عند هذا الوضع، حرف (ط) بين (( إسرائيل )) و (( فأرسل )) و (ط) أخرى في الهامش، دلالة على الخطأ. والذي في المطبوعة صواب إن شاء الله.

(3)
(( الدم العبيط )) ، هو الطرى.

(4)
الأثر: 15015 - (( حبويه )) ، (( أبو يزيد )) ، هو (( إسحاق بن إسماعيل الرازي )) ، مضى برقم 14365، 14550، 14956، 14989، وكان في المطبوعة هنا (( حبوبة الرازي )) ، والصواب من المخطوطة، ومن تحقيق ذلك فيما سلف من الأرقام التي ذكرتها.

15016 - حدثنا موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم إن الله أرسل عليهم = يعني على قوم فرعون = الطوفان، وهو المطر، فغرق كل شيء لهم، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربَّك يكشف عنَّا، ونحن نؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل! فكشف الله عنهم، (1) ونبتت به زروعهم، فقالوا: ما يسرّنا أنا لم نمطر. فبعث الله عليهم الجراد، فأكل حروثهم، فسألوا موسى أن يدعو ربّه، فيكشفه، ويؤمنوا به. فدعا فكشفه، وقد بقي من زروعهم بقيّة فقالوا: لم تؤمنون، وقد بقي من زرعنا بقيه تكفينا؟ فبعث الله عليهم الدَّبى = وهو القمل = فلحس الأرض كلها، (2) وكان يدخل بين ثوب أحدهم وبين جلده فيعضُّه، وكان لأحدهم الطعام فيمتلئ دَبًى، حتى إن أحدهم ليبني الأسطوانة بالجصّ، فيزلّقُها حتى لا يرتقي فوقها شيء، (3) يرفع فوقها الطعام، فإذا صعد إليه ليأكله وجده ملآن دَبًى، فلم يصابوا ببلاء كان أشدَّ عليهم من الدبى = وهو "الرِّجْز" الذي ذكر الله في القرآن أنه وقع عليهم = فسألوا موسى أن يدعو ربه فيكشف عنهم ويؤمنوا به، فلما كُشف عنهم، أبوا أن يؤمنوا، فأرسل الله عليهم الدَّم، فكان الإسرائيلي يأتي هو والقِبْطي يستقيان من ماء واحد، فيخرج ماءُ هذا القبطي دمًا، ويخرج للإسرائيلي ماءً. فلما اشتدَّ ذلك عليهم، سألوا موسى أن يكشفه ويؤمنوا به، فكشف ذلك، فأبوا أن يؤمنوا، وذلك حين يقول الله: (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ) ، [الزخرف: 50] (4)
(1)
(1) في المطبوعة: (( فكشف الله عنهم )) ، واثبت ما في المخطوطة والتاريخ.

(2)
(2) (( لحس الجراد النبات )) إذا أكله ولم يبق منه شيء، ومنه قيل لسنوات القحط الشداد "اللواحس" لأنها تلحس كل شيء.

(3)
(( زلق البناء أو المكان تزليقًا )) ، إذا ملسه حتي لايثبت عليه شيء.

(4)
الأثر: 15016- هو جزء من خبر طويل رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 211، 212

15017 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فأرسلنا عليهم الطوفان) ، قال: أرسل الله عليهم الماءَ حتى قاموا فيه قيامًا. ثم كشف عنهم فلم يؤمنوا، (1) وأخصبت بلادهم خصبًا لم تخصب مثله، فأرسل الله عليه الجرادَ فأكله إلا قليلا فلم يؤمنوا أيضًا. فأرسل الله القمّل = وهي الدَّبى، وهي أولاد الجراد = فأكلت ما بقي من زروعهم، فلم يؤمنوا. فأرسل عليهم الضفادع، فدخلت عليهم بيوتهم، ووقعت في آنيتهم وفُرشهم، فلم يؤمنوا. ثم أرسل الله عليهم الدمَ، فكان أحدهم إذا أراد أن يشرب تحوَّل ذلك الماء دمًا، قال الله: (آيات مفصلات) .
15018 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (فأرسلنا عليهم الطوفان) ، حتى بلغ: (مجرمين) ، قال: أرسل الله عليهم الماء حتى قاموا فيه قيامًا، فدعوا موسى، فدعا ربّه فكشفه عنهم، ثم عادوا لسوء ما يحضر بهم. ثم أنبتت أرضهم، ثم أرسل الله عليهم الجراد، فأكل عامة حُروثهم وثمارهم. ثم دعوا موسى فدعا ربه فكشف عنهم، ثم عادوا بشرِّ ما يحضر بهم. فأرسل الله عليهم القمل، هذا الدبى الذي رأيتم، فأكل ما أبقى الجراد من حُروثهم، فلحسه. فدعوا موسى، فدعا ربه فكشفه عنهم، ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم. ثم أرسل الله عليهم الضفادع حتى ملأت بيوتهم وأفنيتهم. فدعوا موسى، فدعا ربه فكشف عنهم. ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم، فأرسل الله عليهم الدم، فكانوا لا يغترفون من مائهم إلا دمًا أحمر، حتى لقد ذُكر أنَّ عدو الله فرعون، كان يجمع بين الرجلين على الإناء الواحد، القبطي والإسرائيلي، فيكون مما يلي الإسرائيلي ماءً، ومما يلي القبطي دمًا. فدعوا موسى، فدعا ربه، فكشفه عنهم في تسع آياتٍ:
(1)
في المخطوطة: 0 (( ثم كشف عنهم فلم ينتفعوا )) وتركت ما في المطبوعة علي حاله، لقوله في الأخرى: (( فلم يؤمنوا أيضاً )) .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #690  
قديم 16-07-2025, 10:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,920
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف
الحلقة (690)
صــ 61 إلى صــ 70





السنين، ونقص من الثمرات، وأراهم يدَ موسى عليه السلام وعصاه.
15019 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (فارسلنا عليهم الطوفان) ، وهو المطر، حتى خافوا الهلاك، فأتوا موسى فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنّا المطر، [إنا نؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه فكشف عنهم المطر] ، (1) فأنبت الله به حرثهم، وأخصب به بلادهم، فقالوا: ما نحبُّ أنا لم نُمطر بترك ديننا، فلن نؤمن لك، ولن نرسل معك بني إسرائيل! فأرسل الله عليهم الجراد، فأسرعَ في فسادِ ثمارهم وزروعهم، فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك [أن يكشف عنا الجراد، فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل!] . (2) فدعا ربه، فكشف عنهم الجراد. وكان قد بقي من زروعهم ومعاشهم بقايا، فقالوا، قد بقي لنا ما هو كافينا، فلن نؤمن لك، ولن نرسل معك بني إسرائيل. فأرسل الله عليهم القُمَّل = وهو الدَّبى = فتتبع ما كان ترك الجراد، فجزعوا وأحسُّوا بالهلاك، قالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا الدَّبى، فإنا سنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه، فكشف عنهم الدَّبى، فقالوا: ما نحن لك بمؤمنين، ولا مرسلين معك بني إسرائيل! فأرسل الله عليهم الضفادع، فملأ بيوتهم منها، ولقُوا منها أذًى شديدًا لم يلقوا مثله فيما كان قبله، أنها كانت تثبُ في قدورهم، فتفسد عليهم طعامهم، وتطفئ نيرانهم. قالوا: يا موسىادع لنا ربك أن يكشف عنا الضفادع، فقد لقينا منها بلاءً وأذًى، فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه، فكشف عنهم الضفادع، فقالوا: لا نؤمن لك، ولا نرسل معك بني إسرائيل! فأرسل الله عليهم الدّم، فجعلوا لا يأكلون إلا الدم، ولا يشربون إلا الدم، فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك أن يكشف عنّا الدم، فإنا سنؤمن لك،
(1)
في المخطوطة، أسقط ما بين القوسين، وإثباته حق الكلام.

(2)
ما بين القوسين، ليس في المخطوطة.

ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه، فكشف عنهم الدم، فقالوا: يا موسى، لن نؤمن لك، ولن نرسل معك بني إسرائيل! فكانت آيات مفصَّلات بعضها على إثر بعض، ليكون لله عليهم الحجة، فأخذهم الله بذنوبهم، فأغرقهم في اليمّ.
15020 - حدثني عبد الكريم قال، حدثنا إبراهيم قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أرسل على قوم فرعون الآيات: الجراد، والقمّل، والضفادع، والدم، آياتٌ مفصّلات. قال: فكان الرجل من بني إسرائيل يركبُ مع الرجل من قوم فرعون في السّفينة، فيغترف الإسرائيلي ماءً، ويغترف الفرعوني دمًا. قال: وكان الرجل من قوم فرعون ينام في جانب، فيكثر عليه القمل والضفادع حتى لا يقدر أن ينقلب على الجانب الآخر. فلم يزالوا كذلك حتى أوحى الله إلى موسى: أنْ أسْرِ بعبادِي إنكم متَّبعون.
15021 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: لما أتى موسى فرعون بالرسالة، أبى أن يؤمن وأن يرسل معه بني إسرائيل، فاستكبر قال: لن أرسل معك بني إسرائيل! (1) فأرسل الله عليهم الطوفان = وهو الماء = أمطر عليهم السماء، حتى كادوا يهلكون، وامتنع منهم كل شيء، فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك بما عهد عندك، لئن كشفت عنّا هذا لنؤمننّ لك ولنرسلن معك بني إسرائيل! فدعا الله فكشف عنهم المطر، فأنبت الله لهم حُروثهم، وأحيا بذلك المطر كل شيء من بلادهم، فقالوا: والله ما نحبَّ أنا لم نكن أمطرنا هذا المطر، ولقد كان خيرًا لنا، فلن نرسل معك بني إسرائيل، ولن نؤمن لك يا موسى! فبعث الله عليهم الجراد، فأكل عامة حروثهم، وأسرع الجراد في فسادِها، فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك يكشف عنا الجراد، فإنا مؤمنون لك، ومرسلون معك بني إسرائيل!
(1)
في المطبوعة: (( لن نرسل )) ، وأثبت مافي المخطوطة.

فكشف الله عنهم الجراد. وكان الجراد قد أبقى لهم من حروثهم بقيَّة، فقالوا: قد بَقي لنا من حروثنا ما كان كافِينَا، فما نحن بتاركي ديننا، ولن نؤمن لك، ولن نرسل معك بني إسرائيل! فأرسل الله عليهم القمّل = و "القمّل" ، الدبى، وهو الجراد الذي ليست له أجنحة = فتتبع ما بقي من حروثهم وشجرهم وكل نبات كان لهم، فكان القمّل أشدّ عليهم من الجراد، فلم يستطيعوا للقمل حيلةً، وجزعوا من ذلك. وأتوا موسى، فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك يكشف عنا القمل، فإنه لم يبق لنا شيئًا، قد أكل ما بقي من حروثنا، ولئن كشفت عنا القمل لنؤمنن لك، ولنرسلن معك بني إسرائيل! فكشف الله عنهم القمل، فنكثوا، وقالوا: لن نؤمن لك، ولن نرسل معك بني إسرائيل! فأرسل الله عليهم الضفادع، فامتلأت منها البيوتُ، فلم يبق لهم طعام ولا شراب إلا وفيه الضفادع، فلقوا منها شيئًا لم يلقوه فيما مضى، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك لئن كشفت عنا الرِّجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل! قال: فكشف الله عنهم، فلم يفعلوا، فأنزل الله: (فلمَّا كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون) ، إلى: (وكانوا عنها غافلين) .
15022 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا أبو تميلة قال، حدثنا الحسن بن واقد، عن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كانت الضفادع برِّية، فلما أرسلها الله على آل فرعون، سمعت وأطاعت، فجعلت تغرق أنفسها في القُدُور وهي تغلي، وفي التنانير وهي تفور، فأثابها الله بحسن طاعتها بَرْدَ الماء.
15023 - حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: فرجع عدوّ الله = يعني فرعون، حين آمنت السحرة = مغلوبًا مغلولا ثم أبى إلا الإقامة على الكفر، والتماديَ في الشر، فتابع الله عليه بالآيات، وأخذه بالسنين، فأرسل عليه الطوفان، ثم الجراد، ثم القمل، ثم الضفادع، ثم الدم، آيات مفصلات،، فأرسل الطوفان = وهو الماء = ففاض على وجه الأرض، ثم ركد، لا يقدرون على أن
يحرُثوا، ولا يعملوا شيئًا، حتى جُهِدوا جوعًا; فلما بلغهم ذلك، قالوا: يا موسى، ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك، ولنرسلن معك بني إسرائيل! فدعا موسى ربه، فكشفه عنهم، فلم يفُوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الجراد، فأكل الشجر، فيما بلغني، حتى إنْ كان ليأكل مساميرَ الأبواب من الحديد، حتى تقع دورهم ومساكنهم، فقالوا مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشفه عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا. فأرسل الله عليهم القمّل، فذكر لي أنّ موسى أمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه. فمضى إلى كثيبٍ أهيل عظيم، (1) فضربه بها، فانثَالَ عليهم قمَّلا (2) حتى غلب على البيوت والأطعمة، ومنعهم النوم والقرار. فلما جهدهم قالوا له مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشفه عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الضفادع، فملأت البيوت والأطعمة والآنية، فلا يكشف أحدٌ ثوبًا ولا طعامًا ولا إناء إلا وجد فيه الضفادع قد غلبت عليه. فلما جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشفه عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا. فأرسل الله عليهم الدم، فصارت مياه آل فرعون دمًا، لا يستقون من بئر ولا نهر، ولا يغترفون من إناء، إلا عاد دمًا عبيطًا. (3)
15024 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن كعب القرظي: أنه حُدِّث: أن المرأة من آل فرعون كانت تأتي المرأةَ من بني إسرائيل حين جَهدهم العطش، فتقول: اسقيني من مائك! فتغرف لها من جرَّتها أو تصبّ لها من قربتها، فيعود في الإناء دمًا، حتى إن كانت لتقول لها: اجعليه في فيك ثم مُجيِّه في فيَّ! فتأخذ في فيها ماءً، فإذا مجته في فيها صار دمًا، فمكثوا في ذلك سبعةَ أيام. (4)
(1)
(( كثيب أهيل )) (علي وزن أفعل) : منهال لايثبت رمله حتي يسقط

(2)
(( انثال التراب انثيالا )) : انصب انصبابآ من كل وجه.

(3)
الأثر: 15023- هذا الخبر رواه أبو جعفر في تاريخه 1: 215.

(4)
الأثر: 15024- هذا الخبر رواه أبو جعفر في تاريخه مطولا 1: 215، 216.

15025 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: الجراد يأكل زروعهم ونباتهم، والضفادع تسقط على فرشهم وأطعمتهم، والدم يكون في بيوتهم وثيابهم ومائهم وطعامهم.
= قال، حدثنا شبل، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: لما سال النِّيلُ دمًا، فكان الإسرائيلي يستقي ماء طيّبًا، ويستقي الفرعوني دمًا، ويشتركان في إناء واحد، فيكون ما يلي الإسرائيلي ماءً طيّبًا وما يلي الفرعوني دمًا.
15026- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر قال، حدثني سعيد بن حبير: أن موسى لمّا عالج فرعون بالآيات الأربع: العصا، واليد، ونقص من الثمرات، والسنين = قال: يا رب، إن عبدك هذا قد علا في الأرض وَعتَا في الأرض، وبغى علي، وعلا عليك، وعالى بقومه، ربِّ خذ عبدك بعُقوبة تجعلها له ولقومه نِقْمةً، وتجعلها لقومي عظةً، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية! فبعث الله عليهم الطوفان = وهو الماء = وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة مختلطة بعضها في بعض، فامتلأت بيوت القبط ماءً، حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم، من جَلس منهم غرق، (1) ولم يدخل في بيوت بني إسرائيل قطرة. فجعلت القبط تنادي موسى: ادع لنا ربك بما عهد عندك، لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك، ولنرسلن معك بني إسرائيل! قال: فواثقوا موسى ميثاقًا أخذَ عليهم به عهودهم، وكان الماء أخذهم يوم السبت، فأقام عليهم سبعة أيام إلى السبت الآخر. فدعا موسى ربه، فرفع عنهم الماء، فأعشبت بلادهم من ذلك الماء، فأقاموا شهرًا في عافية، ثم جحدوا وقالوا: ما كان هذا الماء إلا نعمة علينا، وخصبًا لبلادنا، ما نحب أنه لم يكن. = قال: وقد قال قائل لابن عباس: إني سألت ابن عمر عن الطوفان، فقال: ما أدري، موتا كان أو ماء! فقال ابن عباس: أما يقرأ ابن عمر "سورة العنكبوت" حين
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: (( من حبس )) ، والصواب ما أثبت.

ذكر الله قوم نوح فقال: (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) ، [العنكبوت: 14] . أرأيت لو ماتوا، إلى مَنْ جاء موسى عليه السلام بالآيات الأربع بعد الطوفان؟
= قال: فقال موسى: يا رب إن عبادك قد نقضُوا عهدك، وأخلفوا وعدي، رب خذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة، ولقومي عظة، ولمن بعدهم آية في الأمم الباقية! قال: فبعث الله عليهم الجراد، فلم يدع لهم ورقةً ولا شجرة ولا زهرة ولا ثمرة إلا أكله، (1) حتى لم يُبْقِ جَنًى، (2) حتى إذا أفنى الخضر كلها، أكل الخشب، حتى أكل الأبواب وسقوف البيوت. وابتلى الجراد بالجوع، فجعل لا يشبع، غير أنه لا يدخل بيوتَ بني إسرائيل. فعجُّوا وصاحُوا إلى موسى، (3) فقالوا: يا موسى، هذه المرّة ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك ولنرسلنّ معك بني إسرائيل! فأعطوه عهدَ الله وميثاقه، فدعا لهم ربّه، فكشف الله عنهم الجراد بعد ما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت، ثم أقاموا شهرًا في عافية، ثم عادوا لتكذيبهم ولإنكارهم، ولأعمالهم أعمال السَّوْء قال: فقال موسى: يا رب، عبادُك، قد نقضوا عهدي، وأخلفوا موعدي، فخذهم بعقوبة تجعلُها لهم نقمة، ولقومي عظة، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية! فأرسل الله عليهم القمَّل = قال أبو بكر: سمعت سعيد بن جبير والحسن يقولان: كان إلى جنبهم كثيب أعفر بقرية من قرى مصر تدعى "عين شمس" ، (4) فمشى موسى إلى ذلك الكثيب، فضربه بعصاه ضربةً صارَ قمّلا تدب إليهم = وهي دوابّ سود صغار. فدبَّ إليهم القمّل، فأخذ أشعارهم وأبشارهم وأشفارَ عيونهم وحواجبهم، ولزم جلودَهم، كأنه الجدريّ عليهم، فصرخوا وصاحوا إلى موسى: إنا نتوب ولا نعود،
(1)
في المطبوعة: (( إلا أكلها )) ، وأثبت مافي المخطوطة، وهو صواب.

(2)
(( الجني )) الثمر كله.

(3)
(( عج يعج عجا )) رفع صوته وصاح بالدعاء والاستغاثة.

(4)
(( الكثيب الأعفر )) : هو هنا الأحمر.

فادع لنا ربك! فدعا ربه فرفع عنهم القمل بعد ما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت. فأقاموا شهرًا في عافية، ثم عادوا وقالوا: ما كنّا قط أحق أن نستيقن أنه ساحر مِنّا اليوم، جعل الرَّمل دوابّ! وعزَّة فرعون لا نصدِّقه أبدًا ولا نتبعه! فعادوا لتكذيبهم وإنكارهم، فدعا موسى عليهم فقال: يا رب إن عبادك نقضوا عهدي، وأخلفوا وعدي، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة، ولقومي عظة، ولمن بعدي آيه في الأمم الباقية! فأرسل الله عليهم الضفادع، فكان أحدهم يضطجع، فتركبه الضفادع، فتكون عليه رُكَامًا، حتى ما يستطيع أن ينصرف إلى الشق الآخر، ويفتح فاه لأكْلته، فيسبق الضفدع أكلته إلى فيه، ولا يعجن عجينًا إلا تسدَّحَت فيه، (1) ولا يطبخ قِدْرًا إلا امتلأت ضفادع، فعذِّبوا بها أشد العذاب، فشكوا إلى موسى عليه السلام وقالوا: هذه المرة نتوب ولا نعود! فأخذَ عهدهم وميثاقهم. ثم دعا ربه، فكشف الله عنهم الضفادع بعد ما أقام عليهم سبعًا من السبت إلى السبت. فأقاموا شهرًا في عافية، ثم عادوا لتكذيبهم وإنكارهم وقالوا: قد تبيَّن لكم سحره، يجعل التراب دوابَّ، ويجيء بالضفادع في غير ماءٍ! فآذوا موسى عليه السلام فقال موسى: يا رب إن عبادك نقضوا عهدي، وأخلفوا وعدي، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم عقوبة، ولقومي عظة، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية! فابتلاهم الله بالدم، فأفسد عليهم معايشهم، فكان الإسرائيلي والقبطيّ يأتيان النيل فيستقيان، فيخرج للإسرائيليّ ماءً، ويخرج للقبطي دمًا، ويقومان إلى الحُبِّ فيه الماءُ، (2) فيخرج للإسرائيلي في إنائه ماءً، وللقبطي دمًا.
15027 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد
(1)
في المطبوعة: (( تشدخت )) بالشين والخاء، ولامعني لها هنا، وهي من المخطوطة غير منقوطة وكأن هذا صواب قراءتها. يقال: (( سدح الشيء )) إذا بسطه علي الأرض أو أضجعه. و (( انسدح الرجل )) استلقي وفرج رجليه. وقوله (( تسدح )) (بتشديد الدال) ، قياس عربي صحيح.

(2)
(( الحب )) (بضم الحاء) : الجرة الضخمة يكون فيها الماء.

قال: سمعت مجاهدًا، في قوله: (فأرسلنا عليهم الطوفان) ، قال: الموت = "والجراد" قال: الجراد يأكل أمتعتهم وثيابهم ومسامير أبوابهم = "والقمل" هو الدّبى، سلطه الله عليهم بعد الجراد = قال: "والضفادع" ، تسقط في أطعمتهم التي في بيوتهم وفي أشربتهم. (1)
* * *
وقال بعضهم: "الدم" الذي أرسله الله عليهم، كان رُعافًا.
* ذكر من قال ذلك:
15028 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا أحمد بن خالد قال، حدثنا يحيى بن أبي بكير قال، حدثنا زهير قال، قال زيد بن أسلم: أما "القمل" فالقمل = وأما "الدم" ، فسلط الله عليهم الرُّعاف. (2)
* * *
وأما قوله: (آيات مفصلات) ، فإن معناه: علامات ودلالات على صحّة نبوّة موسى، (3) وحقيقة ما دعاهم إليه (4) = "مفصلات" ، قد فصل بينها، فجعل بعضها يتلو بعضًا، وبعضها في إثر بعض. (5)
* * *
(1)
الأثر: 15027- (( أبو سعد المدني )) ، وكان في المخطوطة، والمطبوعة: (( ابن سعد )) ، وهو خطأ، وهو إسناد مر مرارآ، أقربه رقم: 14916.

(2)
الأثر: 15028- (( أحمد بن خالد )) ، كأنه (( أحمد بن خالد بن موسي الوهبي )) ، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 49 و (( يحيى بن أبي بكير الأسدي )) ، مضى مرارًا، آخرها رقم: 7544، و (( زهير )) ، هو: (( زهير بن محمد التميمي )) ، مضى برقم: 5230، 6628.

(3)
انظر تفسير (( آية )) فيما من فهارس اللغة اللغة (أيي)

(4)
في المطبوعة: (( وحقية )) مكان (( وحقيقة )) ، فعل بها كما فعل بكل أخواتها من قبل. انظر ماسلف 12: 244، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(5)
وانظر تفسير (( التفصيل )) في م سلف 12: 477، تعليق: 1 والمراجع هناك.

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15029 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: فكانت آيات مفصلات بعضها في إثر بعض، ليكون لله الحجة عليهم، فأخذهم الله بذنُوبهم، فأغرقهم في اليمّ.
15030 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (آيات مفصلات) ، قال: يتبع بعضها بعضًا، ليكون لله عليهم الحجة، فينتقم منهم بعد ذلك. وكانت الآية تمكث فيهم من السبت إلى السبت، وترفع عنهم شهرًا، قال الله عز وجل: (فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليمّ) ، [الأعراف: 136] ... الآية.
15031 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق: (آيات مفصلات) ،: أي آية بعد آية، يتبع بعضُها بعضًا. (1)
* * *
وكان مجاهد يقول فيما ذكر عنه في معنى "المفصلات" ، ما: -
15032 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا يقول في "آيات مفصلات" ، قال: معلومات.
* * *
(1)
الأثر: 15031 - هو قطعة من الآثر السالف رقم: 15023، أسقطها أبو جعفر من صلب الكلام، وأفردها ههنا. وأما في التاريخ 1: 215، فقد ساق الخبر متصلا، وفيه هذه الجملة من التفسير.

القول في تأويل قوله: {فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فاستكبر هؤلاء الذين أرسل الله عليهم ما ذكر في هذه الآيات من الآيات والحجج، عن الإيمان بالله وتصديق رسوله موسى صلى الله عليه وسلم واتباعه على ما دعاهم إليه، وتعظموا على الله وعتَوا عليه (1) = (وكانوا قومًا مجرمين) ، يقول: كانوا قومًا يعملون بما يكرهه الله من المعاصي والفسق عتوًّا وتمرّدًا. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "ولما وقع عليهم الرجز" ، ولما نزل بهم عذاب الله، وحَلّ بهم سخطه.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في ذلك "الرجز" الذي أحبر الله أنه وقع بهؤلاء القوم.
فقال بعضهم: كان ذلك طاعونًا.
* ذكر من قال ذلك:
15033 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: وأمر موسى قومه من بني إسرائيل = وذلك
(1)
انظر تفسير (( الاستكبار )) فيما سلف 12: 561، تعليق: 3، والمراجع هناك:

(2)
انظر تفسير (( الإجرام )) فيما سلف 12: 207، تعليق: 3، والمراجع هناك.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 37 ( الأعضاء 0 والزوار 37)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 427.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 422.13 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.37%)]