شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 69 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أدب السؤال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          السائرون على الطريق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          سَرِيَّة مؤتة اكتشافات جديدة في السجلات التاريخية الرومية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          الفتور في الطاعة ..!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          (وَظَنّوا أَنَّهُم مانِعَتُهُم حُصونُهُم) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          مسالك النفوس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          قلب المؤمن بين الخوف والرجاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الخوف والرجاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          من الأسباب المعينة على قيام الليل .. مجاهدة النفس على قيام الليل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          المحتوى القيمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-06-2025, 04:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,892
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله





حك استخدام ماء الشرب في التطهر من النجاسة
السؤال هل يجوز استخدام الماء الذي أوقف للشرب في غير الشرب، كأن يصيب الإنسان نجاسة، وهو محتاج لإزالتها فيستخدم هذا الماء؟
الجواب إذا كان مضطراً إلى هذا فنرجو أنه لا بأس به؛ لأنه لا يمنع من مثل هذا في العادة.




حكم حبس الطير
السؤال ما توجيه حديث: (يا أبا عمير! ما فعل النغير؟) ، فقد كان عنده طير وقد حبسه؟
الجواب نعم حبسه؛ فيجوز حبسه مع الإحسان إليه وعدم إيذائه، وحبسها في أقفاص يترتب على ذلك نسيانها وإهمالها، فيعرض الإنسان نفسه للإثم، والحديث صحيح: (يا أبا عمير! ما فعل النغير) ولا يلزم أن هذا النغير محبوس في قفص، بل يكون مثل الدجاج الذي يكون في البيوت مرسلاً يذهب ويأتي ويأكل، بخلاف الذي يكون في القفص، فإنه قد يغفل عنه، وليس مطلقاً بحيث يذهب ويأكل مما في البيت، ففرق بين هذا وهذا.



حكم إقامة أمير للجماعة دون بيعة
السؤال هل يجوز أن يقام أمير للجماعة دون أن يبايع، ولكن يسمع له ويطاع دون بيعة؟
الجواب كون الناس يعينون أميراً في السفر يسمع له ويطاع، فلا معنى له إذا لم يسمع له ويطاع، ويكون وجود الإمارة حينئذ مثل عدمها.



حكم تعدد الجماعات الإسلامية
السؤال هل يجوز وجود أكثر من جماعة في البلاد الإسلامية؟ وقد تتمسك بهذا الكلام الجماعات الإسلامية المنحرفة الموجودة في الساحة.
الجواب الجماعات الإسلامية المنحرفة الموجودة هي قائمة، ولا تحتاج إلى أن تستفتي، بل هم يفتون أنفسهم، ولكن الكلام هو للذين هم على حق، وعلى سنة، فإذا وجدت الجماعات وصارت تدعو إلى باطلها، فمن حق الذين هم على حق وعلى سنة أن يجتمعوا، وأن يتعاونوا، وأن يجعلوا لهم جماعة، وأن يكون لهم شخص مسئول يرجعون إليه ينظم أمورهم، ويرتب شئونهم، فإذا وجدت هذه الأشياء فلا بأس أن توجد تلك الجماعة التي على حق، وإذا تركت الجماعة هذه لا يجتمعون ولا يتعاونون، فمعناه: أن الميدان صار للمنحرفين والمبطلين ولا مجال للصالحين فيه، فإذا وجد هذا التفرق، ووجدت الجماعات، وصار كل يقوم بالدعوة إلى ما عنده، وإلى ما هو عليه، فالذي ينبغي لمن هم على سنة أن يجتمعوا، وأن يتعاونوا، وأن يكون لهم رئيس يرجعون إليه، وينظم شئونهم, ويرتب أمورهم.



حدود طاعة الأمير
السؤال بعض طلبة العلم يستدلون بكلامكم السابق في عدم جواز البيعة، وأن هذا الأمير لا يبايع، بل يكون أميراً كأمير السفر، ويلزم من هذا أن طاعة الأمير واجبة في كل شيء، بل إذا أراد أحدهم السفر أو إقامة درس في منزله لا بد أن يوافق له الأمير وإلا عد عاصياً؟
الجواب التنظيم كما هو معلوم لا بد منه، والفوضى ليست طيبة، فإذا اتخذت الجماعة أميراً أو مديراً أو رئيساً أو مسئولاً يرجعون إليه فهذا ينبغي أن يكون مبنياً على تنظيم، ومعلوم أن المقصود من ذلك التنظيم، وإلا فلو أن إنساناً قام بشيء أكثر مما جعل له لم يمنع، فإذا قيل مثلاً: أنت تؤدي محاضرتين في المكان الفلاني فليس معناه المنع من الزيادة على ذلك، ونحن كلامنا مع أهل السنة، فإذا كان الشخص قد نظم له محاضرتين وعنده استعداد لأن يزيد فلا مانع ولا يقال إن هذا فيه معصية؛ لأن المقصود هو النفع.



حكم قتل الكلاب التي لا يستفاد منها
السؤال هل يجوز قتل هذه الكلاب التي لا يستفاد منها؟ وهل تقتل بالسم مثلاً؟
الجواب الكلاب التي فيها مضرة تقتل، والكلاب التي لا ضرر منها تترك ولا تقتل.



حكم العمليات الانتحارية
كلام الملقي: هناك أسئلة وجهت لعدة مشايخ، منها سؤال لسماحة العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله نصه: بعض الجماعات تقر الجهاد الفردي مستدلة بموقف الصحابي أبي بصير، وتقوم بما يسمى بعمليات استشهادية، وأقول: انتحارية، فما حكم هذه العمليات؟ فأجاب الشيخ: كم صار لهم؟ السائل: أربع سنوات، فقال الشيخ ناصر: ربحوا أم خسروا؟ السائل: خسروا، فقال الشيخ ناصر: من ثمارهم تعرفون.
مسألة العمليات الاستشهادية هل هناك جيش إسلامي يقاتل في سبيل الله؟ وأجاب نفسه قائلاً:

الجواب لا، ثم قال: حين يكون هناك جهاد قائم على الأحكام الشرعية له قائد هو الذي ينظم المعارك، وهو الذي يأذن بأن ينتحر فلان في سبيل القضاء على عدد من الكفار؛ فإن هذا الفعل يجوز، والآن هذا غير موجود، ولذلك يجب سد هذا الباب حتى نهيئ الجو الذي نوجد فيه خليفة أولاً، ونوجد قائداً يأتمر بأمر الخليفة، ونوجد جنداً يأتمرون بأمر القائد وهكذا ولذلك فلا بد من: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105] .
إلى أن قال: هؤلاء الذين ينتحرون الله أعلم بعبادتهم الله أعلم بعاداتهم، قد يكون فيهم من لا يصلي وقد يكون شيوعيا.
إلى آخره.
لكن كلام الشيخ ناصر غير مستقيم؛ لأن قتل النفس لا يجوز، ولا يجوز أن يقدم الإنسان على شيء فيه قتل نفسه القتل المحقق فيكون قاتلاً لنفسه، وأما كونه يقتل في سبيل الله من غير أن يكون هو الذي قتل نفسه أو السبب في قتل نفسه فلا بأس، وكلام الشيخ ناصر فيه نظر، حتى ولو وجد الإمام.
كذلك وجه سؤال للشيخ ابن عثيمين فأجاب بقوله: الذي يجعل المتفجرات في جسمه من أجل أن يضع نفسه في مجتمع من مجتمعات العدو قاتل لنفسه، وسيعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم خالداً فيها مخلداً، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن قتل نفسه بشيء أنه يعذب به في نار جهنم، وعجباً من هؤلاء الذين يقومون بمثل هذه العمليات وهم يقرءون قول الله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] , ثم يفعلون ذلك! هل يقصدون شيئاً؟! هل ينهزم العدو، أم يزداد العدو شدة على هؤلاء الذين يقومون بهذه التفجيرات؟ وكما هو مشاهد الآن في دولة اليهود حيث لم يزدادوا بمثل هذه الأفعال إلا تمسكاً بعنجهيتهم، بل إنا نجد أن الدولة اليهودية في الاستفتاء الأخير نجح فيها اليمينيون الذين يريدون القضاء على العرب، ولكن من فعل هذا مجتهداً ظاناً أنه قربة إلى الله عز وجل فنسأل الله تعالى ألا يؤاخذه؛ لأنه متأول جاهل.
وأما الاستدلال بقصة الغلام؛ فقصة الغلام حصل فيها دخول في الإسلام لا نكاية بالعدو؛ ولذلك لما جمع الملك الناس وأخذ سهماً من كنانة الغلام وقال: باسم الله رب الغلام؛ صاح الناس كلهم ربنا رب الغلام، فحصل به إسلام أمة عظيمة، فلو حصلت مثل هذه القصة لقلنا: إن هنالك مجالاً للاستدلال، والنبي صلى الله عليه وسلم قصها علينا لنعتبر بها، لكن هؤلاء الذين يرون تفجير أنفسهم إذا قتلوا عشرة أو مائة من العدو، فإن العدو لا يزداد إلا حنقاً عليهم وتمسكاً بما هم عليه.
أما سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ المفتي العام للملكة فقد قال: ما وقع السؤال عنه من طريقة قتل النفس بين الأعداء أو ما أسميته بالطرق الانتحارية فإن هذه الطريقة لا أعلم لها وجهاً شرعياً، ولا أنها من الجهاد في سبيل الله، وأخشى أن تكون من قتل النفس، نعم إثخان العدو وقتاله مطلوب، بل ربما يكون متعيناً، لكن بالطرق التي لا تخالف الشرع.
وقال الشيخ الدكتور صالح بن غانم السدلان: لا شك أن من يعرض نفسه للقتل المؤكد الذي يعلم ويجزم ويتيقن أنه بهذا الفعل ستزهق روحه وتخرج روحه ويعد في عداد الأموات، إذا كان متيقناً من هذا وفعله فإنه يعد قاتلاً لنفسه، وأما إذا كان الأمر مظنوناً كمن يدخل معركة يقاتل وربما يقتل والغالب أنه ينجو، ولكن قد يكون هذا الظن الضعيف يصدق فيقتل، فإن هذا لا يعد قاتلاً لنفسه، بل إذا كان في معركة في سبيل الله لإظهار الحق وإزهاق الباطل فإنه يعتبر شهيداً.



ما جاء في ثمن الخمر والميتة



شرح حديث (إن الله حرم الخمر وثمنها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في ثمن الخمر والميتة.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا معاوية بن صالح عن عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم الخمر وثمنها، وحرم الميتة وثمنها، وحرم الخنزير وثمنه) .
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في ثمن الميته والخمر، أي: في حكم ذلك، وأنه حرام؛ وذلك أن هذه الأعيان يحرم الانتفاع بها، فتكون أثمانها حراماً، والله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، فهي حرام وثمنها حرام، فلا يجوز استعمالها ولا بيعها واستعمال ثمنها؛ لأنها حرام وثمنها حرام.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم الخمر وثمنها) ، فحرم الخمر وحرم الثمن الذي يكون في مقابلها، والشيء الذي حرمه الله حرم ثمنه، أي: لا يجوز بيعه ولا يجوز أخذ الثمن في مقابل ذلك الشيء المحرم.
(وحرم الميتة وثمنها) فالميتة حرام وثمنها حرام، (وحرم الخنزير وحرم ثمنه) ، فهذه الأشياء يحرم استعمالها، وثمنها حرام، وأدواتها محرمة، وأثمانها محرمة، والله عز وجل إذا حرم شيئاً حرم ثمنه.



تراجم رجال إسناد حديث (إن الله حرم الخمر وثمنها)
قوله: [حدثنا أحمد بن صالح] .
أحمد بن صالح المصري، ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[حدثنا عبد الله بن وهب] .
عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معاوية بن صالح] .
معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الوهاب بن بخت] .
عبد الوهاب بن بخت ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[عن أبي الزناد] .
أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج] .
الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.



شرح حديث (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة؛ فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا، هو حرام، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود! إن الله لما حرم عليهم شحومها، أجملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه) ] .
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله كان يقول عام الفتح: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) , الميتة كما هو معلوم هي كل ما أزهق روحه من غير ذكاة، وإذا أزهقت بذكاة لا تكون ميتة، وهذا إنما يكون في مأكول اللحم، أما غير مأكول اللحم فذكاته لا تجعله غير ميتة بل هو ميتة ذكي أم لم يذك، وإنما الذي يأكل لحمه إذا لم يذك صار ميتة وإذا ذكي صار حلالاً.
والخمر كل ما خامر العقل وغطاه من أي شيء كان (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وكل مسكر خمر، وكل خمر حرام على أي وجه كان وعلى أي حال كان، سواء كان سائلاً أو غير سائل، فكل ما فيه إسكار وتغطية وفقدان للعقل فإنه يكون حراماً قليله وكثيره، وما أسكر كثيره فقليله حرام؛ لأنه وإن لم يسكر فإنه وسيلة للمحرم.
والأصنام هي الأشياء المنحوتة، والتي كانت تعبد من دون الله عز وجل، فهي أيضاً محرمة وإن كانت من الحجارة، والحجارة في أصلها حلال إلا أنها على هيئتها تلك تكون حراماً، لكنها إذا كسرت وقطعت واستفيد من كسرها في بنيان وفي غير ذلك فلا بأس، وإنما المقصود إذا كانت على هيئتها وعلى كيفيتها تلك، أما إذا كسرت وحطمت وصارت قطعاً وكسراً واستعملت في بنيان وفي غيره فاستعمالها سائغ.
(فقيل: يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة؟).
أي: أخبرنا عن شحوم الميتة، فإنه يطلى بها السفن، وتدهن الجلود، ويستصبح بها الناس، يعني: يستضيئون بها، مثل الزيت الذي يستضاء به، فقال: (لا.
هو حرام) فمن العلماء من قال: يرجع إلى البيع، ومعنى ذلك: أن الاستصباح وطلاء السفن سائغ، ومن العلماء من قال: إن ذلك يرجع إلى المسئول عنه، وإن الاستصباح به محرم، وكذلك طلاء السفن، ودهن الجلود، فيكون قوله: (لا.
هو حرام) أي: هذا الذي سئل عنه، فيكون هذا من أعمال الجاهلية التي كانت موجودة من قبل وحرمها الإسلام.
وقد اختلف العلماء في ذلك على قولين: منهم من قال بجواز الاستفادة منها في هذه الأمور، ومنهم من قال بتحريمها وهم الجمهور، يعني: قالوا بأن استعمال الشحوم في جميع الوجوه حرام كاستعمال الميتة، ولا يستثنى من الميتة إلا الجلد إذا دبغ كما جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا دبغ جلد الميتة فإنه يطهر بالدباغ) وأما غير ذلك فهو باق على التحريم، ولا يخرج منه شيء.
قوله: (فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: لا هو حرام، ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحوم الميتة أجملوها) أي أذابوها فباعوها وأكلوا أثمانها، وهذا تحيل واحتيال للوصول إلى الاستفادة من المحرم بتحويله من حال إلى حال، أي: من كونه شحماً إلى أن يصير ودكاً، وأنه تغير اسمه من كونه شحماً إلى كونه مذاباً يقال له: ودك، وهو حرام؛ لأنه لا يجوز استعماله وتحويله إلى أن يكون ودكاً فإنه يكون بذلك حراماً.
وأيضاً بيعه وإن كان شحماً محرم لأنه تابع للميتة، وكذلك بعد تحويله إلى ودك فهو أيضاً حرام، والله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، فهم جملوها أي أذابوها وباعوها، فأكلوا أثمانها، وهذه من الحيل التي يتوصل بها إلى الأمر المحرم.



تراجم رجال إسناد حديث (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] .
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث] .
الليث بن سعد المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن أبي حبيب] .
يزيد بن أبي حبيب المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن أبي رباح] .
عطاء بن أبي رباح المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث (إن الله حرم بيع الخمر والميتة) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب قال: كتب إلي عطاء عن جابر نحوه، ولم يقل: (هو حرام) ] .
أورد أبو داود حديث جابر، وهو مثل الذي قبله إلا أنه لم يقل: (هو حرام) ، وإنما قال: لا.
قوله: [حدثنا محمد بن بشار] .
محمد بن بشار الملقب بندار البصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهو من صغار شيوخ البخاري، ومات قبل البخاري بأربع سنوات، فقد توفي البخاري سنة (256هـ) ، ومحمد بن بشار توفي (252هـ) ، وقد توفي معه في تلك السنة أيضا شيخان للبخاري وهما من صغار شيوخه، وهما أيضاً من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهما: محمد بن مثنى الملقب بـ الزمن، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، هؤلاء الثلاثة من صغار شيوخ البخاري، وقد ماتوا في سنة واحدة قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.
[حدثنا أبو عاصم] .
هو النبيل الضحاك بن مخلد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من كبار شيوخ البخاري الذي يروي عنهم الثلاثيات.
[عن عبد الحميد بن جعفر] .
عبد الحميد بن جعفر صدوق ربما وهم أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن يزيد بن أبي حبيب] .
يزيد بن أبي حبيب مر ذكره.
[عن عطاء عن جابر] .
مر ذكرهما.
ثبت عند الإمام أحمد في مسنده أن السؤال جاء: (أرأيت بيع شحوم الميتة) لكن الحديث كما في الصحيحين: أن شحوم الميتة تطلى به السفن، وتدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: هو حرام، ولو كان فيه ذكر بيع فإن تحريم الميتة يشمل كل أجزائها سواء شحمها أو لحمها، ولا يستثنى من ذلك إلا ما به جاء نص استثنائي، وهو الجلد إذا دبغ.



شرح حديث (إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد أن بشر بن المفضل وخالد بن عبد الله حدثاهم المعنى عن خالد الحذاء عن بركة قال مسدد في حديث خالد بن عبد الله: عن بركة أبي الوليد ثم اتفقا: عن ابن عباس قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً عند الركن، قال: بصره إلى السماء فضحك، فقال: لعن الله اليهود -ثلاثاً- إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه) ولم يقل في حديث خالد بن عبد الله الطحان: رأيت، وقال: (قاتل الله اليهود) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عباس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم عند الركن قد رفع رأسه إلى السماء وضحك وقال: (قاتل الله اليهود! إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها) ، وهو مثل الذي قبله.
قوله: [حدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي.
[أن بشر بن المفضل] .
بشر بن المفضل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وخالد بن عبد الله] .
خالد بن عبد الله هو الطحان الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خالد الحذاء] .
خالد بن مهران الحذاء ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة, والحذاء هذا لقب لُقب به خالد بن مهران، وقيل: إن سبب تلقيبه بالحذاء ليس على ما يتبادر للذهن من بيع الأحذية أو صنعها، وإنما كان يجالس الحذائين فقيل له الحذاء، وقيل: إنه كان يقول للحذاء: احذ على كذا، يعني: قص من الجلد على هذا النحو الذي رسمته، فقيل له الحذاء، فهو من الإضافة إلى أدنى ملابسة أو أدنى مناسبة، وهو كونه يجلس عند الحذائين.
[عن بركة] .
بركة أبو الوليد ثقة أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن ابن عباس] .
ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث (من باع الخمر فليشقص الخنازير)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن إدريس ووكيع عن طعمة بن عمرو الجعفري عن عمر بن بيان التغلبي عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من باع الخمر فليشقص الخنازير) ] .
أورد أبو داود حديث المغيرة بن شعبة: (من باع الخمر فليشقص الخنازير) وقيل معناه: أنه من باع الخمر مستحلاً لها فإنه كذلك يستحل الخنازير، وكل منهما محرم؛ فاستحلاله حرام، واستعماله حرام، فالتشقيص المقصود به الاستحلال، والمقصود: أن من استحل الخمر يستحل الخنزير، ومن استحل الخنزير استحل الخمر؛ لأن كل ذلك حرام، والحديث في إسناده رجل متكلم فيه، فهو ضعيف، ولكن كل من الخنزير والخمر محرمان وكذلك أثمانهما.



تراجم رجال إسناد حديث (من باع الخمر فليشقص الخنازير)
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي والنسائي أخرج له في عمل يوم الليلة.
[حدثنا ابن إدريس] .
ابن إدريس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ووكيع] .
وكيع بن الجراح الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن طعمة بن عمرو الجعفري] .
طعمة بن عمرو الجعفري صدوق أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن عمر بن بيان التغلبي] .
عمر بن بيان التغلبي مقبول أخرج له أبو داود.
[عن عروة بن المغيرة بن شعبة] .
عروة بن المغيرة بن شعبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المغيرة بن شعبة] .
رضي الله عنه، وحديثة أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحديث في إسناده هذا المقبول.



شرح حديث (حرمت التجارة في الخمر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت: لما نزلت الآيات الأواخر من سورة البقرة فقرأهن علينا وقال: (حرمت التجارة في الخمر) ] .
أورد أبو داود حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنه لما نزلت الآيات من أواخر سورة البقرة في الربا التي أولها: (( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ )) حرم الله التجارة بالخمر، فذكر تحريم الربا وتحريم الخمر وأخبر بتحريم هذا وتحريم هذا، فهو دليل على ما ترجم له من تحريم الخمر والميتة.



تراجم رجال إسناد حديث (حرمت التجارة في الخمر)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم] .
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة] .
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان] .
سليمان بن مهران الكاهلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الضحى] .
أبو الضحى هو مسلم بن صبيح ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مسروق] .
مسروق بن الأجدع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة] .
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي واحده من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث (حرمت التجارة في الخمر) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش بإسناده ومعناه، قال: الآيات الأواخر في الربا] .
أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وفيه بيان الآيات الأواخر أنها في الربا، وهو مثل الذي قبله إلا أنه ذكر الأعمش بلقبه، وفي الإسناد الأول ذكر باسمه، ومعرفة ألقاب أصحاب الأسماء فائدتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين بمعنى: أنه يأتي باسمه مرة في إسناد ومرة بلقبه في إسناد، فيظن ظان أن هذا غير هذا فقد جاء مرة سليمان ومرة جاء الأعمش.
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية] .
أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29-06-2025, 12:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,892
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله





حكم بيع الحمار الأهلي
السؤال إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، فلماذا جاز الحمار وقد حرم الله أكله؟
الجواب الحمار حرم الله أكله، ولكن أباح الله ركوبه واستعماله، فيباح بيعه وثمنه، واستعماله فيما أبيح وشرع استعماله فيه، وأما بيعه لذبحه وأكله فهو حرام، فهو محرم الأكل، ولكنه مباح الاستعمال، وإباحته إنما هي لركوبه واستعماله والحمل عليه، لا من أجل أكله.




حكم بيع الخنازير لإطعامها للسباع
السؤال بعض الناس يقوم باصطياد الخنازير ثم يبيعها للقائمين على حديقة الحيوانات كي يطعموها لحيوانات مثل السباع، فهل هذا فعل جائز؟
الجواب لا يجوز بيع الخنزير.




الحيل الشرعية
السؤال ذكرتم أن بيع الشحم مذاباًَ من الحيل المحرمة، فهل هناك حيل جائزة؟
الجواب هناك حيل جائزة، وابن القيم ذكر كثيراً منها في إعلام الموقعين، ومنها الحيلة التي حصلت من يوسف عليه السلام للحصول على أخيه كما ذكرها الله في القرآن، وكذلك أيوب عليه السلام عندما أمره الله أن يضرب زوجته بضغث فيه مائة شمراخ ليبر قسمه.



حكم شراء العقار من بنوك لا تمتلكه إلا بعد اختياره من المشتري
السؤال ما حكم شراء العقار من بعض البنوك بالتقسيط إذا كانت الشركة لا تملك العقار إلا إذا اختاره المشتري، ثم بعد ذلك تقسط الثمن عليه؟
الجواب البائع إذا ملك السلعة أو العقار ودخل في ملكه وكان المشتري بالخيار -أي أن للمشتري أن يشتري من هذا البائع أو لا يشتري- ليس معناه أنه ملزم بالبيع بالكلام الذي جرى من قبل، فإذا كان البائع اشترى السلعة ودخلت في ملكه والذي يريد أن يشتريها ليس ملزماً فله أن يشتري وإلا فلا.



حكم بيع السلعة في المكان الذي اشتريت منه
السؤال إذا باع الشخص طعاماً في المكان الذي اشتراه فهل يصح البيع؟
الجواب لا يصح البيع، والعقد باطل.



حكم شراء السلعة وبيعها في مكانها في السوق
السؤال يتم البيع الآن في سوق الخضار بطريقة المزايدة، فإذا رست البضاعة على أحد في السوق العام أخذها، ثم تبقى في مكانها، ثم يبيعها على المشترين، فهل هذا جائز؟
الجواب المكان هنا ليس ملكاً لأحد، وإنما هو مكان مشاع توضع فيه البضائع ويبيعها البائعون ثم يقبضون أثمانها ويذهبون وتبقى في ذلك المكان العام؛ لأن هذا المكان ليس خاصاً بأحد فلا ينقلها إلى مكان؛ لأن النقل يجب إذا كان المكان ملكاً للبائع، وهذا مكان عام.
أما العلة التي ذكرها ابن عباس فعلى اعتبار أنه ما قبض، وأما هذا فقد قبض.
المهم هو النقل إن كان المكان خاصاً، أما إن كان عاماً فلا، والسوق ليس مكاناً لأحد حتى ينقل أو يحاز، وإنما البائع جاء لمكان مشاع كل يبيع فيه، ثم أخذ نقوده مقابل بضاعته ومشى، وذاك حل محله، ويمكن أن يأتي آخر فيأخذ النقود ويسلمه البضاعة، فإذا كان المكان مبذولاً لكل من يريد فالنقل ليس مطلوباً.



دليل نقل البضائع المشتراة من محل البائع
السؤال جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (كانوا يتبايعون الطعام في أعلى السوق ثم يبيعونه في مكانه، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينقلوه) فما توجيه قوله (أعلى السوق) علماً بأن السوق مكان عام مشترك؟
الجواب لعله ليس مكاناً مشاعاً كأن يكون دكاكين.



بيع السيارات في المعرض قبل النقل
السؤال إذا بيعت السيارة في معرض من المعارض وبائعها غير صاحب المعرض، فهل يجوز أن يبيعها المشتري في مكانها؟
الجواب المشتري لابد أن يحوزها ويخرجها من مكان الشراء.



حكم بيع البضاعة على الورق
السؤال إذا اشتريت بضاعة واستلمت فاتورة ثم بعتها قبل أن أستلم البضاعة، فما الحكم؟
الجواب الورقة ليس لها قيمة والكلام عن البضاعة.



انقسام الأسواق إلى مكان مشاع وغيره
السؤال قلتم: إن البيع إذا كان في مكان مشاع فلا بأس أن يبيع شيئاً منه بعد ما اشتراه قبل نقله، وجاء في حديث ابن عمر الأخير أنه ابتاع زيتاً في السوق ومع ذلك نهاه زيد بن ثابت فما توجيه ذلك؟
الجواب قوله: (في السوق) ليس معناه أنه في مكان مشاع؛ لأن السوق فيه دكان ونحوه.



وجوب نقل السيارة المشتراة من المعرض قبل بيعها
السؤال لماذا لابد أن تنقل السيارة من مكانها السابق مع أنها في مكان مشاع وهو الحراج؟
الجواب الحراج مكان مملوك وكذا المعارض مملوكة، والمقصود أن يأخذها من مكان البيع إلى رحله أو إلى مستودعه.



حكم قول الرجل لامرأته (أنت علي حرام)
السؤال أثناء عودتي من العمل وجدت الزوجة تتكلم مع رجل أجنبي، فقلت لها: أنت علي حرام، مع العلم بأن هذه الزوجة تعاني من مرض نفسي، فما الحكم؟
الجواب إن كان يريد الطلاق فإنه يكون طلاقاً وإن كان يريد أن يحلف عليها بذلك فعليه كفارة يمين كما جاء في القرآن في أول سورة التحريم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ) [التحريم:1] ثم قال: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) [التحريم:2] .



حكم الاعتداء على حقوق الطبع والنسخ
السؤال البعض يشتري برامج الكمبيوتر ويفك منها برنامج الحماية، ثم يقوم بنسخ هذه البرامج وبيعها بثمن قليل، مع أن النسخة الأصلية تباع بأسعار غالية، فهل هذا جائز؟
الجواب على الإنسان أن يحافظ على حقوق الناس، وألا يعتدي عليها، ولو كان هو نفسه صاحب هذا الشأن فهل يوافق أن يعمل له هذا العمل؟ معلوم أنه لا يوافق، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي في صحيح مسلم، وهو ضمن حديث طويل: (فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) يعني: يعامل الناس كما يحب أن يعامله به الناس.



حكم بيع ما ليس ملكاً للشخص

السؤال عندنا شركة تقوم ببيع مساكن عن طريق الإيجار، وتشترط دفع نسبة من المال مقدماً، مع العلم أنها لا تمتلك هذه المساكن، وإنما هو مشروع تزعم أنها ستنجزه بعد سنتين، فهل هذا العقد يدخل في بيع ما ليس عنده، أو بيع شيء مجهول؟

الجواب الإنسان لا يبيع شيئاً كهذا، أما كونه يواعد أو يقول: أنا أريد هذا الشيء اجعلوا عندي خبراً حتى لا يفوتني إذا وجد؛ فلا بأس، أما أن يتم البيع على شيء لم يوجد فلا.




ما جاء في الرجل يقول عند البيع لا خلابة



شرح حديث (إذا بايعت فقل لا خلابة)
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يقول عند البيع لا خلابة.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر: (أن رجلاً ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بايعت فقل: لا خلابة، فكان الرجل إذا بايع يقول: لا خلابة) ] .
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: (باب في الرجل يقول عند البيع لا خلابة) أي: لا خديعة.
والمقصود من ذلك: أن الشخص قد لا توجد عنده خبرة أو معرفة أو فطنة في البيع، وأنه قد يخدع ويزاد عليه في السعر، وقد يكون عنده شيء من الغفلة، فهو عندما يذكر شيئاً يدل على حاله يجعل البائع على حذر من أن يقع في أمر لا يصلح ولا ينبغي، وأنه إن حصل منه خديعة فإنه سيترتب على ذلك رجوع المبيع إليه، وعدم بقاء البيع على ما هو عليه، هذا هو المقصود من الترجمة ومما جاء تحتها.
وقد أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن رجلاً جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال بأنه يخدع في البيع، فقال له: إذا بايعت فقل: لا خلابة، يعني: لا خديعة، فكان الرجل إذا بايع يقول: لا خلابة.
ويترتب على ذلك أن البائع يعرف وضع المشتري، وأنه إن حصل له شيء فيه ظلم أو غبن كبير فإن الأمر سيعود إلى ما كان، بحيث ترجع السلعة إلى بائعها ولا يستفيد من ذلك البيع شيئاً.
ثم (لا خلابة) هي التي جاءت في الحديث، وقد لا يفهم معناها عند الناس في كل زمان وفي كل وقت، لكن تقال الكلمة التي تؤدي معناها من قبل مثل ذلك الرجل، أي: يقول هذا الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أو ما يؤدي نفس المعنى مما يتعارف عليه الناس ويفهمه الناس، بأن يقول: أنا وضعي كذا فلا تخدعني، وإذا حصل بيع وترتب على ذلك غبن كبير فإن من حقي أن أرجع بسبب الغبن.



تراجم رجال إسناد حديث (إذا بايعت فقل لا خلابة)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة] .
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك] .
مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن دينار] .
عبد الله بن دينار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد رباعي من أعلى الأسانيد عند أبي داود.



شرح حديث (فقل هاء وهاء ولا خلابة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عبد الله الأرزي وإبراهيم بن خالد أبو ثور الكلبي المعنى قالا: حدثنا عبد الوهاب قال محمد: عبد الوهاب بن عطاء أخبرنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه (أن رجلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبتاع وفي عقدته ضعف، فأتى أهله نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله! احجر على فلان؛ فإنه يبتاع وفي عقدته ضعف، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فنهاه عن البيع، فقال: يا نبي الله! إني لا أصبر عن البيع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت غير تارك البيع فقل: هاء وهاء ولا خلابة) .
قال أبو ثور: عن سعيد] .
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه في قصة رجل كان في عقدته ضعفاً، قيل معناه: إن في لسانه ضعفاً، وفي عقله ضعفاً، ولكنه ما وصل إلى حد أنه لا يعقل، بل هو يعقل لكن عنده شيء من الخلل في عقله ولسانه، فجاء أولياؤه أو أقاربه وقالوا: (احجر عليه) أي: امنعه من التصرف في البيع والشراء، فسأله، فقال له إنه لا يستطيع أن يصبر على البيع، فقد اعتاد البيع وألفه، وهو لا يصبر عنه.
فقال له: إذا كان الأمر كذلك فعندما تبيع فقل: هاء وهاء ولا خلابة، يعني: ادفع الثمن وخذ السلعة أو العكس، وقل: لا خلابة، كما في الحديث السابق الذي فيه إشارة إلى حال الإنسان وإلى ضعفه، وأنه إذا ترتب على ذلك خديعة فإن من حقه أن يعود على من خدعه مع ضعفه وعدم قدرته وتمكنه من أن يعرف ما هو أصلح وأنفع لنفسه.



تراجم رجال إسناد حديث (فقل هاء وهاء ولا خلابة)
قوله: [حدثنا محمد بن عبد الله الأرزي] .
محمد بن عبد الله الأرزي ثقة يهم أخرج له مسلم وأبو داود.
[وإبراهيم بن خالد أبو ثور] .
إبراهيم بن خالد أبو ثور ثقة أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[حدثنا عبد الوهاب قال محمد: عبد الوهاب بن عطاء] .
عبد الوهاب بن عطاء صدوق ربما أخطأ أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا سعيد عن قتادة] .
سعيد بن أبي عروبة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقتادة بن دعامة البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك] .
رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو ثور: عن سعيد] .
يعني قال في روايته: (عن سعيد) ؛ لأن الأول قال: أخبرنا سعيد.
وإسناد الحديث كما هو معلوم فيه من هو صدوق، ولكن هو بمعنى الحديث السابق الذي فيه (لا خلابة) المتفق عليه من حديث ابن عمر.



الحجر على السفيه
وفي الحديث جواز الحجر على من لا يحسن البيع لسفهه إذا كان يضيع المال، وأما إذا لم يكن وعنده شيء من الضعف فلا يحجر عليه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما حجر على هذا الذي جاء، ولكن من عرف فيه سفه لكونه يبذر ويفسد المال يحجر عليه بالتصرف في ماله، وينفق عليه منه، ولا يمكن من التصرف فيه لأنه يضيعه ويتلفه، وقد يكون كبيراً وقد يكون صغيراً، ويبدو أنه ليس بخاص بل هو عام في كل أحد.
وكما هو معلوم فإنه كلمة (لا خلابة) يقولها للبائع، لأن المقصود أن من يعامله يعرف حاله حتى لا يقع معه في أمر محذور، ثم يترتب عليه أن يعاد إليه البيع، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى هذا اللفظ الذي يعرفونه، ولكن الناس إذا كانوا لا يعرفون مثل هذا اللفظ وأتوا بشيء يؤدي معناه حصل المقصود، أو يقول: أنا لا توجد عندي خبرة فلا تخدعني أو يقول: لا خديعة، أو: لا تخدعني أنا هذا شأني وهذا حالي.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29-06-2025, 12:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,892
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [398]
الحلقة (430)





شرح سنن أبي داود [398]
جاءت الشريعة بحفظ الضرورات الخمس ومنها الأموال فحرمت ما يضر به أو يضيعه، وأوجبت ما يطهره كالزكاة، وأجازت المعاملات التي تنميه وتباركه ما لم تكن من طريق حرام.
ومن ذلك بيع العربون، وبيع ما لا يملك، وسلف وبيع أو شرطان في بيع.



ما جاء في العربان



شرح حديث (نهى رسول الله عن بيع العربان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في العربان.
حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: قرأت على مالك بن أنس أنه بلغه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان) قال مالك: وذلك فيما نرى والله أعلم: أن يشتري الرجل العبد أو الدابة ثم يقول: أعطيك ديناراً على أني إن تركت السلعة أو الكراء فما أعطيتك لك] .
أورد أبو داود هذه الترجمة (باب في بيع العربان) ، وهو العربون، ومعناهما واحد، وهو الذي يقدمه الإنسان لسلعة ثم يترك ولا يواصل البيع، أو يقول لهم: إن أتيت لك بالباقي وإلا فإن العربان يكون لك.
هذا هو المقصود ببيع العربان.
وقد أورد فيه أبو داود حديثاً ضعيفاً لم يثبت؛ لأن فيه انقطاعاً فقد قال: بلغني، أي أن هناك وسائط محذوفة، وهو غير ثابت من حيث الإسناد، والعلماء اختلفوا في ذلك، فمنهم من قال باعتبار ذلك، ومنهم من قال بعدم اعتباره، والحديث لم يثبت عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.



تراجم رجال إسناد حديث (نهى رسول الله عن بيع العربان)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: قرأت على مالك بن أنس أنه بلغه عن عمرو بن شعيب] .
عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص صدوق أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن.
[عن أبيه] .
شعيب بن محمد صدوق أخرج له البخاري في جزء القراءة والأدب المفرد وأصحاب السنن.
[عن جده] .
عبد الله بن عمرو بن العاص وهو جدهم جميعاً جد شعيب وجد ابنه عمرو، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



دخول العربان في البيع والإجارة
[أن يشتري الرجل العبد أو يكاري الدابة] .
يعني سواء كان عربوناً على بيع أو على استئجار.
وإذا أعطى البائع عربوناً على أنه إذا لم يتم البيع أعاد له العربون فهذا جائز، وليس فيه إشكال.



ما جاء في الرجل يبيع ما ليس عنده



شرح حديث (لا تبع ما ليس عندك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يبيع ما ليس عنده.
حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام أنه قال (يا رسول الله! يأتيني الرجل فيريد مني البيع ليس عندي فأبتاعه له من السوق؟ فقال: لا تبع ما ليس عندك) ] .
أورد أبو داود باباً في الرجل يبيع ما ليس عنده، أي: أنه ليس له ذلك، وإنما يبيع الشيء الذي يملكه وهو في حوزته، وأما الشيء الذي ليس عنده فلا يبرم الاتفاق عليه، ولكنه يقول إن لم يكن عنده: أنا أبحث لك، وإن وجدت جئتك به، أما كونه يجري الاتفاق معه ويتم البيع بينه وبينه وهو ليس في حوزته وليس في ملكه فهذا ممنوع، وأما إذا لم يحصل اتفاق، ولكنه قال: أنا ليس عندي وسأبحث عنه فإن وجدته أتيتك به، ويكون الاتفاق بعد الحضور؛ فهذا لا بأس به، وإنما المحذور أن يتفق معه وليس المبيع بحوزته، فيبيعه شيئاً لا يملكه، والإنسان لا يبيع إلا ما يملك وما هو عنده وفي حوزته وتحت تصرفه.
أورد أبو داود حديث حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه أنه قال: يأتيني الرجل يشتري مني الشيء فلا يكون عندي فأشتريه له ثم أبيعه له، أي: فهو يتفق معه ثم يذهب يبتاعه ويبيع عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبع ما ليس عندك) لأنه قد يجري البيع ثم يبحث عن المبيع ولا يجد، فمعناه: أنه أبرم على غير أساس وعلى شيء غير موجود، وقد لا يحصل، فليرجئ البيع حتى يتم الملك، وحتى يوجد الشيء الذي يباع.



تراجم رجال إسناد حديث (لا تبع ما ليس عندك)
قوله: [حدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد البصري أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا أبو عوانة] .
أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بشر] .
أبو بشر هو جعفر بن إياس المشهور بـ ابن أبي وحشية وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يوسف بن ماهك] .
يوسف بن ماهك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حكيم بن حزام] .
حكيم بن حزام رضي الله عنه صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة.
إذا أراد البيع وقال: سآتيك بالسلعة وهي ليست عنده، فلا يفعل، ولكن إذا وعده وقال: سآتيك بها ثم يكون البيع، فلا بأس.
لكن الواقع أن بعض المحلات التجارية إذا طلبت منه السلعة وليس عنده يمهل المشتري ويحضرها له من جاره ويبيعها له، ثم فيما بعد يحاسب جاره على قيمتها، وكون المشتري يعلم بأن الشيء ليس عنده وسيحضره من غيره وهو يجب أن تكون الأغراض التي اشتراها من مكان واحد دفعة واحدة؛ هذا لا بأس به إذا كان هكذا، أما كونه يحاسبه ويتفق معه ويأخذ منه النقود والسلعة غير موجودة فهذا هو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (لاتبع ما ليس عندك) أما كونه يقول عن أشياء: ليست عندي لكن سأذهب لآتي لك بها من جاري أو من غيري، فيجلس وينتظره فهذا لا بأس، وكونه لا يحاسب جاره إلا فيما بعد لا فرق.
أما كونه يعطيه المال من أجل أن يشتري له سلعة موصوفة في ذمته فجائز، وهذه وكالة.



شرح حديث (لا يحل سلف وبيع)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زهير بن حرب حدثنا إسماعيل عن أيوب حدثني عمرو بن شعيب حدثني أبي عن أبيه حتى ذكر عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم تضمن، ولا بيع ما ليس عندك) ] .
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل سلف وبيع) ولعل المقصود بالسلف القرض، فيقول: أبيعك هذه السلعة على أن تقرضني كذا، فيكون هذا البيع معه قرض، والقرض جر نفعاً، وقد أجمع العلماء أن على كل قرض جر نفعاً فهو ربا، فيكون هذا القرض قد بني على بيع، ويترتب على هذا الشرط أنه حصلت فائدة بسبب القرض، فيكون ذلك من قبيل الربا المحرم، أو من قبيل البيع على أن يسلفه بشيء غائب إلى أجل.
(ولا شرطان في بيع) قيل المراد بالشرطين مثل بيعتين في بيعه، أو صفقتين في صفقة، فيكون محرماً.
وأما الشروط الفاسدة فغير معتبرة قلت أو كثرت، والمقصود: شرطان ليسا من قبيل ما هو محرم ولا من قبيل ما هو جائز، وإنما من قبيل اجتماع شيئين في شيء واحد؛ بأن تكون بيعتان في بيعة، فيكون هذا مثالاً لما يدخل تحت هذا البيع، أو مثل العينة بأن يقول: أشتري منك هذه السلعة بثمن مؤجل, وأبيعها عليك بثمن معجل أقل، فيكون أيضاً من قبيل بيعتين في بيعة، فيكون الشرطان الممنوعان ما كانا من هذا القبيل.
وأما إذا كانت الشروط صحيحة لا محذور فيها فلا بأس، وإذا كانت الشروط فاسدة فقليلها وكثيرها ممنوع لا يجوز، وإنما المقصود الذي يكون من هذا القبيل.
(ولا ربح ما لم تضمن) يعني: كون الإنسان يربح شيئاً هو غير ضامن له لو تلف، بل يتلف على حساب غيره، وذلك لأن الربح تابع للضمان، إذ إن الغرم بالغنم.
وأما ربح ما لم يضمن، مثل الإنسان الذي يشتري السلعة ثم يتركها عند البائع، فلو ضاعت أو تلفت كانت على حساب البائع؛ لأنها بحوزته ما سلمت، فإذا باعها الذي اشتراها قبل أن يقبضها وربح فيها فمعناه أنه ربح في شيء هو غير ضامن له.
(ولا بيع ما ليس عندك) هو الذي مر في حديث حكيم بن حزام.



تراجم رجال إسناد حديث (لا يحل سلف وبيع)
قوله: [حدثنا زهير بن حرب] .
زهير بن حرب أبو خيثمة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، وقد أخرج له مسلم كثيراً، وهو الشيخ الثاني بعد أبي بكر بن أبي شيبة من حيث كثرة الأحاديث؛ لأن مسلماً خرج لـ أبي بكر بن أبي شيبة ألفاً وخمسمائة حديث، وخرج لـ أبي خيثمة زهير بن حرب ألفاً ومائتي حديث، وهو مكثر عنهما، ولكن إكثاره عن أبي بكر بن أبي شيبة أكثر من إكثاره عن أبي خيثمة زهير بن حرب.
[حدثنا إسماعيل] .
هو ابن علية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب] .
أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن شعيب عن أبيه] .
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مر ذكرهم.
في السند عمرو بن شعيب قال: حدثني أبي عن أبيه حتى ذكر عبد الله بن عمرو، كأن المقصود به عن أبيه الذي هو جده؛ لأن الجد أب.



معنى قوله (ولا شرطان في بيع)
قوله: (ولا شرطان في بيع) هو مثل بيعتين في بيعة؛ لأن بيعتين في بيعة هي بمعنى الشرطين في بيع، مثل أن يقول: هو حاضر بكذا وغائب بكذا، ثم يأخذه دون أن يعين، فصار كأنه دخل في أمرين مبهمين لم يعين واحداً منهما، ولو عين واحداً منهما زال الإشكال، لو دخل على أنه حاضر ناجز يكون حاضراً ناجزاً، وإن دخل على أنه غائب ومؤجل وبالتقسيط يكون دخل على أنه غائب، لكن كونه دخل على الإبهام صار بمثابة بيعتين في بيعة أو صفقتين في صفقة أو شرطين في بيع.
قال الخطابي: ولا فرق بين أن يشترط عليه شيئاً واحداً أو شيئين؛ لأن العلة في ذلك كله واحدة وذلك لأنه إذا قال: بعتك هذا الثوب بعشرة دراهم على أن تقصره لي, فإن العشرة التي هي الثمن تنقسم على الثوب وعلى أجرة الإقصار.
اهـ.
ولكن هذا لا بأس به وليس فيه محذور، وكون الإنسان يشتري منه ويقول: قصره أو اعمل فيه كذا أو كمله لا بأس بذلك ومادام أن البائع سيتولى تكميله على الصورة التي يريدها فلا بأس بذلك.
قال الخطابي: وإذا صار الثمن مجهولاً بطل البيع، وكذلك هذا في الشرطين وأكثر، وكل عقد جمع تجارة وإجارة فالسبيل في الحساب هذا السبيل.
اهـ.
على كل: تفريق الصفقة معروف, ويمكن أن يحصل البيع بشيئين وتتفرق الصفقة، بأن يكون هذا له ما يستحقه وهذا له ما يستحقه.
فإذا جاء إنسان عنده القماش وهو الخياط واتفق معه على أن يعطيه قماشه وأجرة خياطته بكذا فلا بأس، كما لو باعه شيئاً جاهزاً وثوباً كاملاً يستفيد منه على الوجه الذي يريد، فمثل ذلك لا بأس به.



ما جاء في شرط في بيع



شرح حديث قصة بيع جمل جابر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في شرط في بيع.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى -يعني: ابن سعيد - عن زكريا حدثنا عامر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (بعته -يعني: بعيره- من النبي صلى الله عليه وآله وسلم واشترطت حملانه إلى أهلي -قال في آخره-: تراني إنما ماكستك لأذهب بجملك؟! خذ جملك وثمنه فهما لك) ] .
أورد أبو داود: (باب في شرط في بيع) ، ومعلوم أن الشرط في بيع إما أن يكون صحيحاً وإما أن يكون غير صحيح، فإن كان صحيحاً فالبيع صحيح والشرط صحيح، وإن كان غير صحيح فيفسد الشرط ويبقى البيع، مثل قصة بريرة واشتراط أهلها الولاء لهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أقر البيع وألغى الشرط؛ لأنه شرط باطل، وعلى هذا فالشروط إما أن تكون صحيحة -سواء كانت شرطاً واحداً أو أكثر- فهي معتبرة، وإن كانت غير صحيحة فهي فاسدة وغير معتبرة.
أورد أبو داود حديث جابر في قصة بيعه جمله من النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا في طريقهم إلى المدينة، وكان قد أعيا وصار وراء الجيش، فالنبي صلى الله عليه وسلم ضربه ودعا له، فصار يسبق غيره، والرسول قال: (بعنيه بكذا، فباعه إياه واشترط ظهره إلى المدينة) ، أي: أن يستمر راكباً عليه إلى المدينة، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم عندما وصل المدينة وأراد أن يسلمه الثمن قال: (تراني ماكستك) يعني لما قال: بعنيه بكذا، بعنيه بكذا, (لآخذ جملك! خذ جملك ودراهمك) ، فأعطاه الدراهم التي اتفق معه عليها، وأعطاه الجمل الذي اشتراه منه صلى الله عليه وسلم.
والحاصل: أن الشرط الصحيح معتبر، والشرط الفاسد غير معتبر.
[واشترطت حملانه إلى أهلي] .
يعني: أن يركبه إلى أن يصل إلى المدينة؛ لأنه اشتراه في الطريق.
قال في آخره: (تراني إنما ماكستك لأذهب بجملك) .
أي: ترى أنني لما قلت: بعني بكذا بعني بكذا أريد أن أحصل على جملك برخص, خذ جملك ودراهمك.
فأعطاه الدراهم وأعطاه الجمل صلى الله عليه وسلم.



تراجم رجال إسناد حديث قصة بيع جمل جابر
قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى -يعني: ابن سعيد -] .
يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زكريا] .
زكريا بن أبي زائدة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عامر عن جابر] .
عامر بن شراحيل الشعبي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29-06-2025, 12:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,892
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [399]
الحلقة (431)





شرح سنن أبي داود [399]
الخراج بالضمان قاعدة عظيمة من قواعد المعاملات المالية، فالمشتري يضمن المبيع، وله ما انتفع منه إلى حين إرجاع المبيع بالعيب؛ لأنه لو تلف المبيع ما بين مدة العقد أو الفسخ لكانت من ضمان المشتري فوجب أن يكون الخراج من حقه.
وهذا من شمول دين الإسلام واهتمامه بحقوق الناس.



ما جاء في عهدة الرقيق



شرح حديث (عهدة الرقيق ثلاثة أيام)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في عهدة الرقيق.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان عن قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عهدة الرقيق ثلاثة أيام) .
حدثنا هارون بن عبد الله حدثني عبد الصمد حدثنا همام عن قتادة بإسناده ومعناه، زاد: إن وجد داء في الثلاث ليال رد بغير بينة، وإن وجد داء بعد الثلاث كلف البينة أنه اشتراه وبه هذا الداء.
قال أبو داود: هذا التفسير من كلام قتادة] .
أورد أبو داود باباً في عهدة الرقيق، وهو العبد المملوك الذي يباع ويشترى، فإذا اشترى عبداً يمهل ثلاثة أيام، فإن وجد فيه عيباً فإنه يرده بدون أن يكون هناك بحث، وإن كان بعد ذلك كلف المشتري البينة أنه اشتراه وبه هذا الداء.
وهذا تفسير من بعض الرواة، ولكن الحديث غير صحيح، وما ثبت في هذا شيء.
لكن ينظر في العيب فإن كان قديماً رد، وإن كان جديداً طارئاً لم يرد, أعني أن فيه التفصيل: فقد يظهر العيب وعليه أثر الجدة وأنه طارئ, وقد لا يكون كذلك, فالشيء الذي حدث في ملك المشتري لا يرجع به على البائع، وأما الشيء الموجود من قبل فهذا هو الذي يمكن يرجع به على البائع.
وهل تلزم البينة؟ إن كانت البينة موجودة فلا إشكال؛ لكن قد لا توجد البينة في هذا, والعيوب منها ما يظهر بالنظر إليه ويعلم حداثته، ومنها ما لا يظهر.



تراجم رجال إسناد حديث (عهدة الرقيق ثلاثة أيام)
قوله: [قال حدثنا مسلم بن إبراهيم] .
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبان] .
أبان بن يزيد العطار ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن قتادة] .
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن] .
الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عقبة بن عامر] .
عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج له أصحاب الكتب الستة، والإشكال فيه من ناحية رواية الحسن عن عقبة، قيل: إنه لم يسمع منه، فيكون مرسلاً.
[حدثنا هارون بن عبد الله] .
هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثني عبد الصمد] .
عبد الصمد بن عبد الوارث العنبري صدوق أخرج أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا همام] .
همام بن يحيى العوذي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة بإسناده ومعناه] .



العيب الذي يرد به العبد
ومثال للعيب الذي يرد به العبد: كونه فيه شيء يمنعه من العمل، كألم في ظهره, فهذا لا يستفاد منه، وليس كل داء يكون عيباً، فهناك أشياء يسيرة -مثل الدمل أو ما إلى ذلك- لا تؤثر.
ولا يمكن العمل بحديث العربان أو حديث عهدة الرقيق، ولا يغتر بما ورد عن الإمام أحمد: الحديث الضعيف أحب إلي من رأي الرجال؛ لأن قصد الإمام أحمد بالحديث الضعيف هو الذي ينجبر ويكون حسناً لغيره، أما الضعيف أصلاً فلا يعول عليه ولا يعمل به، لأن وجوده مثل عدمه.



ما جاء فيمن اشترى عبداً فاستعمله ثم وجد به عيباً



شرح حديث (الخراج بالضمان)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن اشترى عبداً فاستعمله، ثم وجد به عيباً.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا ابن أبي ذئب عن مخلد بن خفاف عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الخراج بالضمان) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة فيمن اشترى عبداً فاستعمله ثم وجد به عيباً، فهذا الاستعمال الذي حصل قبل أن يظهر عيبه، هل يدفعه المشتري للبائع أم لا؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الخراج بالضمان) ، يعني: فكما أن المشتري لو تلف تلف على حسابه، فإذاً: هذه الاستفادة منه إنما تكون في مقابل الضمان.
والخراج هو الفائدة والأشياء التي تحصل من وراء العبد في مقابل الضمان، يعني: لو تلف تلف على حسابه.
إذاً: له الغنم الذي هو الخراج، كما أن عليه الغرم الذي هو الضمان, لأنه لو تلف لكان من ضمانه؛ لأنه تلف في ملكه وتحت يده فلا يستحق البائع أن يعطى مقابل الاستخدام؛ لأن الخراج بالضمان كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: والخراج بالضمان.



تراجم رجال إسناد حديث (الخراج بالضمان)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس] .
أحمد بن يونس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن أبي ذئب] .
هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مخلد بن خفاف] .
مخلد بن خفاف مقبول أخرج له أصحاب السنن.
[عن عروة] .
عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة] .
عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث (الخراج بالضمان) من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمود بن خالد حدثنا الفريابي عن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن عن مخلد بن خفاف الغفاري قال: كان بيني وبين أناس شركة في عبد فاقتويته وبعضنا غائب، فأغل علي غلة، فخاصمني في نصيبه إلى بعض القضاة، فأمرني أن أرد الغلة، فأتيت عروة بن الزبير فحدثته، فأتاه عروة فحدثه عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الخراج بالضمان) ] .
أورد الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
قوله: [كان بيني وبين أناس شركة في عبد فاقتويته] .
أي: استخدمته واستفدت منه، ويدخل في ذلك الأرض إذا استعملها ووجد فيها عيباً فردها، وكذلك الماشية، فلا فرق بين العبد وغير العبد، مع العلم أن الماشية ينفق عليها مع كونه ضامناً لها أيضاً، فكما أنه يحلبها مثلاً فيستفيد ومن حليبها فهو يطعمها علفاً, فإذاً: هناك فائدة وهناك أيضاً ما صرفه عليها، لكن العبد كما هو معلوم يمكن أن يعمل فتحصل الفائدة من ورائه، لكن القضية مبنية على كونه مضموناً عليه لو هلك.
أما المصراة فإن الرسول حكم بردها ومعها صاعاً من تمر، ولا يوجد فيها خراج بالضمان؛ لأن فيها تثليثاً, والرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه المهلة لمدة ثلاثة أيام، إن رضيها بقيت وبقي الأمر على ما هي عليه، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر، وإذا تلفت المصراة خلال الثلاثة أيام فإنه يضمنها؛ لأنه ما عرف أنها مصراة إلا بعدما حلبها.
وقوله: [كان بيني وبين أناس شركة في عبد فاقتويته] .
أي أنه حصل خلاف في أن الخراج بالضمان، فرجعوا إلى عروة بن الزبير فحدثهم بالحديث؛ لأن القاضي أراد أن يحكم بغير ما جاء في قصة الخراج والضمان فرجعوا إلى عروة فبين أن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم أن الخرج بالضمان.
[فأغل علي غلة، فخاصمني في نصيبه إلى بعض القضاة، فأمرني أن أرد الغلة، فأتيت عروة بن الزبير فحدثته، فأتاه عروة فحدثه] .
لأنه لا يستحق أن يرد عليه شيئاً.
[فحدثه عن عائشة عليها السلام] .
هذه اللفظة غريبة وغالباً ما تأتي عند ذكر فاطمة فيقال: عليها السلام، وهذا من عمل النساخ مثلما قال ذلك ابن كثير في تفسير قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56] فقال: إنه يأتي في بعض الكتب (فاطمة عليها السلام أو علي عليه السلام، أو الحسن عليه السلام) وقال: هذا من عمل نساخ الكتب، وليس من عمل المصنفين والمؤلفين, فعندما ينسخ الكتاب شخص يأتي عند ذكر الآل فيقول: (عليه السلام) ، وإلا فإن الصحابة يعاملون معاملة واحدة، أما جبريل فيقال (عليه السلام) ، والكلام هو على تخصيص بعض الصحابة دون بعض.



تراجم رجال إسناد حديث: (الخراج بالضمان) من طريق ثانية
قوله: [حدثنا محمود بن خالد] .
محمود بن خالد الدمشقي ثقة أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا الفريابي] .
هو محمد بن يوسف الفريابي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان] .
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن عبد الرحمن] هو ابن أبي ذئب ذكر هناك منسوباً إلى جده، وهنا ذكر باسمه واسم أبيه.



شرح حديث (الخراج بالضمان) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن مروان حدثنا أبي حدثنا مسلم بن خالد الزنجي حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن رجلاً ابتاع غلاماً فأقام عنده ما شاء الله أن يقيم، ثم وجد به عيباً فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرده عليه، فقال الرجل: يا رسول الله! قد استغل غلامي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الخراج بالضمان) .
قال أبو داود: هذا إسناد ليس بذاك] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى عن عروة عن عائشة وهو مثل الذي قبله، وقال: إسناده ليس بذاك، يعني أن فيه شخصاً متكلماً فيه، وهو مسلم بن خالد الزنجي، ولكن يشهد لهذه الطريق تلك الطريق.
قوله: [حدثنا إبراهيم بن مروان] .
إبراهيم بن مروان الطاطري صدوق أخرج له أبو داود.
[حدثنا أبي] .
مروان بن محمد الطاطري ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا مسلم بن خالد الزنجي] .
مسلم بن خالد الزنجي صدوق كثير الأوهام، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[حدثنا هشام بن عروة] .
هشام بن عروة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة عن عائشة] .
وقد مر ذكرهما.



الأسئلة



الأحكام الشرعية المترتبة على خداع البائع
السؤال ماذا يترتب على البائع المخادع من أحكام شرعية إن ثبت خداعه؟
الجواب معلوم أن من حصل منه الخداع فإنه يحصل له الإثم، وإذا ترتب على خداعه أكل أموال الناس بالباطل فيكون الأمر أشد وأخطر.
أما إذا كان في البيع غبن فاحش فلا شك في جواز رد السلعة.
ومن صور الخداع ما يصنعه بعض التجار عندما يستوردون سلعاً قد استوردها غيرهم, ثم يأتونهم فيشترون منهم سلعتهم ويدفعون لهم عربوناً بغرض تعطيلهم عن البيع حتى يبيعوا هم بالسعر الذي يريدونه، ثم يتخلون عن العربون اليسير الذي دفعوه؟



حكم استقراض السلعة لبيعها
السؤال إذا جاء المشتري وطلب مني سلعة فقلت له: انتظر حتى أذهب إلى أحد المحلات وآخذ منه السلعة، على أن أردها له بعد أن أحصل عليها، وأبيعها للمشتري؟
الجواب لا بأس، فكأنه أخذها قرضاً.



حكم الاتفاق على السعر دون قبض الثمن
السؤال إذا اتفقت مع المشتري على سعر، ثم قلت: سوف آتيك بالسلعة, وهي ليست عندي، ولم أقبض منه الثمن لكني اتفقت معه على السعر؟
الجواب إذا تم البيع فهذا لا يجوز، أما إن قال له: الأسعار هي كذا وكذا ولا يوجد عندي، ولكن إن وجدت عند غيري جئتك بها فلا بأس، لكن كونه يتم الاتفاق والسلعة غير موجودة، فهذا هو الذي أتى في الحديث: (لا تبع ما ليس عندك) .



حكم استقراض الذهب لبيعه
السؤال كثير من أصحاب الذهب تقول له: أريد كذا وكذا، فيقول: انتظر فيذهب ويأتي به من المحل الثاني، ثم يبيعه، ثم يدفع للمحل الذي اشترى منه؟
الجواب لا بأس مادام أنه ما تم بينهما بيع, فكونه ذهب وأتى بشيء من جاره أو من محل آخر، ثم جرى البيع بينهما فلا بأس، وإنما المحذور أن يكون قد جرى بينه وبين المشتري البيع، ثم ذهب ليأتي به.



حكم قول الحاذق في البيع لا خلابة
السؤال هل للمبتاع الذي يعرف البيع أن يقول: لا خلابة؟
الجواب من كانت لديه خبرة في البيع فلا حاجة إلى أن يقول هذا الكلام.



حكم التبايع بالعينة للجاهل
السؤال ماذا يعمل من بايع بالعينة من غير أن يعلم الحكم؟
الجواب العقد فاسد سواء علم الحكم أو لم يعلم، لكن الإنسان الذي يقدم على الشيء وهو يعلم أنه محرم لا شك أن هذا على خطر كبير، والشاعر يقول: إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم



جريان النهي عن بيع ما ليس عنده في كل شيء
السؤال بيع ما ليس عنده هل يجري في كل شيء حتى في العقارات؟
الجواب نعم يجري في كل شيء بلا فرق.



حكم أخذ الثمن وتحويل المشتري على بائع آخر
السؤال بعض المحلات التجارية إذا لم تكن عنده السلعة يتصل على جاره, فإذا علم أنها موجودة عند جاره أخذ المبلغ من المشتري وأعطاه ورقة يحوله إلى جاره ليأخذ منه السلعة، ثم هو يحاسب جاره فيما بعد؟
الجواب هذا يبدو أنه لم يبع ما ليس عنده.



جواز الاتفاق على سعر لسلعة غير موجودة
السؤال هل يجوز أن أقول: ليس عندي، ولكن أتصل وأسأل الشركة الموزعة, ثم يسألهم فيقولون: عندنا, فيقول: أبيعه لك بكذا, فهل أطلبه لك من الشركة أو لا؟
الجواب هذا ليس به بأس.



حكم دفع الثمن معجلاً في وكالات قطع الغيار

السؤال بعض شركات قطع غيار السيارات لها فروع فإذا طلبت القطعة من أحد هذه الفروع قال لك: ادفع الثمن، وبعد أيام ستأتينا طلبية من الشركة الأصلية؟
الجواب إذا كان الشيء غير موجود، وطلب منهم إحضاره فهذا ليس فيه بأس، وكونه يعطيهم من أجل أن يحضروا له القطعة وسعرها معروف، وهو موكل لهم، فهذا يعتبر بمثابة الوكالة.



حكم تعليق التأجير بشرط شراء المتاع
السؤال ذهبت لأستأجر شقة من شخص كان مستأجراً لها من صاحب المنزل، فاشترط علي شراء ما في الشقة من متاع لكي أستأجرها، فهل هذا جائز؟
الجواب لا بأس بهذا.



مثال للبيع من دون ضمان
السؤال هل هناك مثال للبيع دون ضمان؟ كمن عنده سلعة حاضرة يعطيها هذا الشخص، فيكون باع شيئاً هو ضامن له، وإذا أخذه فإنه سيتلف على حسابه؛ لأنه قبل البيع على ضمان البائع وبعد البيع يكون على ضمان المشتري، وإنما الشيء الذي ليس فيه ضمان فهو مثل أن يبيع السلعة قبل قبضها.



ما تفسد به العقود من الشروط
السؤال بعض العلماء قال: إن المقصود بـ: (ولا شرطان في بيع) أنه إذا اجتمع شرطان فاسدان في بيع فإنهما يفسدان العقد، أما لو كان شرطاً واحداً فاسداً فإن هذا الشرط لا يفسد العقد؟
الجواب هذا غير واضح؛ لأن الشرط قد يفسد العقد من أصله ولو كان واحداً، ولا يلزم أن العقد لا يفسد من أصله إلا إذا وجد شرطان فاسدان.




ما جاء فيما إذا اختلف البيعان والمبيع قائم



شرح حديث (فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان)
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب إذا اختلف البيعان والمبيع قائم.
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي عن أبي عميس أخبرني عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث عن أبيه عن جده أنه قال: اشترى الأشعث رضي الله عنه رقيقاً من رقيق الخمس من عبد الله رضي الله عنه بعشرين ألفاً، فأرسل عبد الله إليه في ثمنهم، فقال: إنما أخذتهم بعشرة آلاف، فقال عبد الله: فاختر رجلاً يكون بيني وبينك، قال الأشعث: أنت بيني وبين نفسك، قال عبد الله: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان) ] .
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب إذا اختلف البيعان والمبيع قائم] ، أي: أن السلعة موجودة لم تستهلك، فما الحكم؟ أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود الذي فيه أنه باع على الأشعث رقيقاً بعشرين ألفاً, ولما جاء يتقاضاه الثمن قال: إن له عشرة آلاف، وكان الاختلاف في قيمة المبيع هل هي عشرون أو عشرة؟ فـ ابن مسعود يقول: إنها عشرون، والأشعث يقول: إنها عشرة، فقال عبد الله: اختر رجلاً يكون بيني وبينك نتحاكم إليه، فقال: أنت بيني وبين نفسك، فروى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع أو يتتاركان) أي: أنهما يتفقان على إنهاء العقد وأن السلعة ترجع إلى صاحبها، وأن القول قول البائع مع يمينه، ويدفع المشتري المقدار الذي ادعاه البائع وهو عشرون ألفاً.
وذكر (والسلعة قائمة) جاء في بعض الطرق من طريق رجل متكلم فيه، ولكنه يمكن أن يكون مفهوماً من قضية المتاركة؛ لأن المتاركة معناها أن السلعة ترجع إلى صاحبها، وهذه إنما تكون حيث تكون قائمة موجودة، والحديث يدل على أن القول قول البائع، وإذا قيل: القول هو قول البائع فإنه يكون مع يمينه.



تراجم رجال إسناد حديث (فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان)
قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس] .
محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا عمر بن حفص بن غياث] .
عمر بن حفص بن غياث ثقة ربما وهم أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا أبي] .
حفص بن غياث ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي عميس] .
هو عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث] .
عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث مجهول الحال أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن أبيه] .
وهو مقبول أخرج له أبو داود.
[عن جده] .
مقبول وهو أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن عبد الله بن مسعود] .
عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



شرح حديث (فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا هشيم قال أخبرنا ابن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه أن ابن مسعود رضي الله عنه باع من الأشعث بن قيس رضي الله عنه رقيقاً فذكر معناه، والكلام يزيد وينقص] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه زيادة ونقصاً.
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] .
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا هشيم] .
هشيم بشير الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن أبي ليلى] .
هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى صدوق سيء الحفظ جداً أخرج له أصحاب السنن.
[عن القاسم بن عبد الرحمن] .
القاسم بن عبد الرحمن ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن أبيه] .
عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن مسعود] .
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مر ذكره.
إذاً فالطريقان يؤيد بعضهما بعضاً فيكون حجة.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29-06-2025, 01:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,892
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله






شرح سنن أبي داود [400]
لقد بين الشرع جميع الأحكام التي يحتاجها العباد في دنياهم وأخراهم، فلم يفرط في شيء، ومن ذلك أحكام الشفعة في العقارات والأراضي والطرقات، والموجب للشفعة دفع الضرر بسوء المشاركة، كذلك فيما يتعلق بأحكام الإفلاس وما يتبع ذلك من أخذ الحقوق، وكذلك إذا وجد المسلم بهيمة حسيرة قد سيبها أهلها فله أن يأخذها يتملكها بذلك وحكمها حكم اللقطة، إلا إذا كان صاحبها تركها مهلكة.



ما جاء في الشفعة



شرح حديث (الشفعة في كل شيء ربعة أو حائط)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الشفعة.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الشفعة في كل شرك ربعة أو حائط، لا يصلح أن يبيع حتى يؤذن شريكه؛ فإن باع فهو أحق به حتى يؤذنه) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في الشفعة, والشفعة هي استحقاق الشريك حصة شريكه إذا باعها على رجل آخر، فإنه يستحق انتزاعها بالقيمة التي باعها شريكه على غيره؛ وذلك من أجل رفع الضرر، فقد يحصل في اختلاف الشركاء من يكون سيء المعاملة فيترتب على ذلك ضرر، وقد يشتري بعض الناس حصة شريك مشاعة من أجل أن يضار غيره، فشرعت الشفعة من أجل ذلك، فيمكن أحد الشريكين أن ينتزع حصة شريكه التي باعها على رجل آخر بالقيمة التي اتفق عليها.
فالشفعة حق أعطي للشريك، وهذا فيما إذا كان مشاعاً ولم يتميز نصيب كل منهما، وأما إذا تميز وقسمت الأرض التي بين الشريكين وعرف كل حدوده وأرضه فإنه في هذه الحالة لا شفعة؛ لأن الاشتراك قد ذهب وصار نصيب كل واحد معلوماً متميزاً ولا يقال: إنه شريك، فإذا قسمت الأرض ووضعت الحدود وصرفت الطرق فعند ذلك لا شفعة.
ويستحق الشريك الشفعة بالسعر الذي اشترى به المشتري، وقد جاء في أكثر الأحاديث التي جاءت في الشفعة أنه: (إذا وضعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة) ، فهذا يكون في العقار والأراضي، فبعض أهل العلم قصر الحكم في ذلك على الأراضي؛ لأنه جاء فيها ذكر التقسيم والحدود والطرق، وبعض أهل العلم عمم الحكم حتى في المنقولات التي يكون فيها الاشتراك؛ لأن الضرر الذي يكون في الثابت غير المنقول يكون أيضاً في المنقول، كشخصين لهما سيارة يعملان عليها بالأجرة، ثم إن أحد الشريكين باع حصته، فبعض أهل العلم قال: لا شفعة فيها؛ لأن الأحاديث التي وردت إنما وردت في الطرق والأراضي والعقار التي لم تقسم ولم يعرف كل واحد منهما نصيبه، لكن قد جاء ما يدل على العموم كما في حديث عن جابر رضي الله عنه: (الشفعة في كل شيء) عند الطحاوي وذكره الحافظ في البلوغ، وقال: إن رجال إسناده ثقات، وهو يدل على عموم الحكم في الثابت والمنقول؛ لأن المحذور يكون في الاشتراك في الأرض، وكونه يأتينا شريك جديد، ومثله إذا كانوا شركاء في سيارة أو دابة، فإن المحذور الذي يكون في الأرض موجود في مثل المنقولات، وعلى هذا فالشفعة ثابتة في كل شيء، سواء في الثابت أو المنقول.
وأورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه قال: (الشفعة في كل شرك ربعة أو حائط) يعني: منزل أو بستان، (لا يصلح أن يبيعه حتى يؤذن شريكه) أي: ينبغي على الشريك أن يخبر شريكه، فلا يبيعه بدون علمه، وإنما يخبره بأنه سيبيع، فإذا كان يريد أن يشتريها اشتراها، فمن حسن المعاملة، ومن الأخلاق الكريمة، ومن حسن معاملة الشريك لشريكه أنه عندما يريد أن يبيع أن يخبره؛ حتى يكون على علم، وإن باع فإن الشريك له الحق في أن ينتزع حصة الشريك من شريكه الذي انتقلت إليه، (لا يصلح أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن باع فهو أحق به حتى يؤذنه) فإن باع فهو أحق به أي: الشريك الذي لم يبع أحق بحصة الشريك البائع، (حتى يؤذنه) ، فإذا علم بأن البيع قد تم وحصلت الشفعة بعد علمه مباشرة فإنها تنفذ، وأما إذا علم وترك ثم أراد أن يشفع فيما بعد فإن ذلك لا يمكنه؛ لأنه لو كان الأمر كذلك فإنه يمكن الشريك الذي لم يبع أن يأتي في أي لحظة بعد أن تمضي مدة طويلة إلى المشتري الذي اشترى من شريكه فيقول له: أنا شفعت، فالشفعة مقيدة بالعلم، وعند بلوغ الخبر إليه بأن البيع قد تم فإن ترك الشفعة، أو لم يذكر أنه شفع، أو لم يخبر بأنه شفع، أو يشهد على أنه شفع وأنه قد أعلمه، ولكنه ترك حتى مضت مدة فيسقط حقه في الشفعة؛ لأن إعطاءه الفرصة بدون تحديد لا شك أن فيه مضرة على المشتري الذي اشترى من شريكه.



تراجم رجال إسناد حديث (الشفعة في كل شيء ربعة أو حائط)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إسماعيل بن إبراهيم] .
هو إسماعيل بن إبراهيم بن علية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج] .
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير] .
هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما صحابي ابن صحابي وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



حكم الشريك إذا رفع السعر بالاتفاق مع المشتري ليضر شريكه
معلوم أن الشفعة قد تحصل وقد لا تحصل فليست محققة؛ لأن الشريك قد لا يشفع، فكونه يصير مقصوداً من أجل الإضرار بالشريك والشريك يعلم أن الشريك يرغب في ذلك فلا شك أن هذا لا يسوغ ولا يجوز، وكونه يؤخذ بالشيء الذي تم به البيع فإنه يؤخذ بذلك، وإذا كان قد زاد في السعر وحصل إضرار فإن الذي حصل منه ذلك الإضرار آثم، وصنيعه يشبه صنيع النجش وهو الزيادة في السلعة ممن لا يريد شراءها، فإنه يكون آثماً والبيع صحيح.



شرح حديث (فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة) ] .
أورد أبو داود حديث جابر من طريق أخرى، وفيه قال: (إنما جعل رسول الله الشفعة في كل ما لم يقسم) يعني: في الشيء المشاع، وأما ما قد قسم وعرف كلّ نصيبه فلا شفعة فيه؛ لأنه لا اشتراك إذا حصلت القسمة وعرف كلّ نصيبه، فقد انتهت الشركة فلا شفعة، إلا أن يكون هناك شيء مشترك بينهما كالطريق كما سيأتي في الحديث، فإن الاشتراك في الطريق أيضاً يترتب عليه استحقاق الشفعة مادام أن القسمة ما وجدت، فوجود طريق مشترك يدخل على المحلين وعلى القطعتين، فهذا الاشتراك الذي في الطريق يفيد حصول الشفعة؛ لأن الضرر يحصل أيضاً في الدخول والخروج وبالاشتراك في الطريق الذي هو خاص بهما، فإذا لم يوجد شيء يربط بينهما، وكل استقل بنصيبه وليس هناك اشتراك في الأرض ولا في الطريق فلا شفعة.
فقوله: (إنما جعل رسول الله الشفعة في كل ما لم يقسم) ؛ لأن الشريكين حقهما مشاع، وكل واحد حقه غير متميز، وكل جزء من الأرض لكل منهما فيه نصيب حتى تقسم ويعرف أن هذا لهذا وهذا لهذا.
(فإذا وضعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة)، أي: عند ذلك تزول الشركة، والأحاديث التي وردت في الشفعة إنما هي فيما يقسم من العقار، وجاء في حديث جابر: (الشفعة في كل شيء) ، وهذا عام يشمل العقار وغير العقار, وهذا مثال للقاعدة المشهورة التي يقولون فيها: الحكم على بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصص العام؛ لأن (الشفعة في كل شيء) عام يشمل العقار وغير العقار، وقد جاءت نصوص خاصة في العقار لا تخصص العام، بل العام باق على عمومه، وإنما الذي حصل هو أن ذلك الخاص جاء مرتين، مرة داخل تحت اللفظ العام، ومرة منصوص عليه على سبيل الاستقلال، فمن القواعد التي يذكرها الفقهاء: أن الحكم على بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصص العام، فحديث جابر عند الطحاوي: (الشفعة في كل شيء) يدخل فيها المنقول والعقار، ثم جاءت نصوص خاصة بالعقار، فهذه النصوص الخاصة في العقار لا تخصص العام ويقال: إن الحكم مقصور عليها، بل الحكم على العموم، يكون هذا الذي نص عليه بخصوصه ليس مخصصاً، وإنما هو بعض أجزاء العام فيكون منصوصاً عليه مرة على سبيل الاستقلال، ومرة على سبيل الاندراج تحت اللفظ العام.



تراجم رجال إسناد حديث (فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق] .
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معمر] .
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري] .
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن] .
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
جابر رضي الله عنه مر ذكره.



شرح حديث (إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة فيها) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا الحسن بن ربيع حدثنا ابن إدريس عن ابن جريج عن ابن شهاب الزهري عن أبي سلمة أو عن سعيد بن المسيب أو عنهما جميعاً, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة فيها) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو مثل حديث جابر في أن الشفعة فيما لم يقسم، وأنه إذا قسمت الأرض وحدت وكل عرف حدوده وتميز حقه عن حق صاحبه فإنه لا شفعة.
قوله: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا الحسن بن الربيع] .
الحسن بن الربيع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن إدريس] .
هو عبد الله بن إدريس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج عن ابن شهاب عن أبي سلمة أو عن سعيد بن المسيب] .
سعيد بن المسيب ثقة، وأحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[أو عنهما جميعاً] .
وهذا لا يؤثر، وواحد منهما يكفي.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.



شرح حديث (الجار أحق بسقبه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا سفيان عن إبراهيم بن ميسرة سمع عمرو بن الشريد سمع أبا رافع رضي الله عنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الجار أحق بسقبه) ] .
أورد أبو داود حديث أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجار أحق بسقبه) ، هذا الحديث يوردونه في كتاب الشفعة، ومن العلماء من قال بشفعة الجار، ومنهم من قال: إنه لا يكون له شفعة إلا إذا كان هناك اشتراك في أمر آخر غير الأرض، وهو الطريق أو مسيل الماء يكون لهما جميعاً، أو غير ذلك من الأمور المشتركة التي يحصل النزاع فيها لو بقيت، فقيل: إن المراد (بسقبه) بره وإحسانه، وأن الجار يحسن إلى جاره، وعلى هذا يكون لا علاقة له بالشفعة، ومنهم من يقول: إن المراد بذلك الشفعة، ولكن الأحاديث التي وردت في أنه: (إذا وضعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) تدل على أنه لا شفعة، اللهم إلا أن يكون هناك اشتراك في أمر آخر غير الاشتراك في الأرض، ويحصل بسببه الخلاف والنزاع، فعند ذلك تصير الشفعة لا من أجل الجوار, ولكن من أجل الاشتراك في مثل الطريق الذي سيأتي ذكره في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(الجار أحق بسقبه)، يعني: حصول الشفعة، وفسر بأن المقصود به البر والإحسان، وأن الجار أحق بإحسان جاره وببره ومعروفه، ومعلوم أنه قد جاءت السنة في نصوص كثيرة في الحث على الإحسان إلى الجار، وثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) .



تراجم رجال إسناد حديث (الجار أحق بسقبه)
قوله: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي] .
عبد الله بن محمد النفيلي ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا سفيان] .
هو ابن عيينة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم بن ميسرة] .
إبراهيم بن ميسرة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن الشريد] .
عمرو بن الشريد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي فقد أخرج له في الشمائل.
[عن أبي رافع] .
أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ولو كان الجزء المشترك بين القطعتين هو سور واحد فلا يحق للجار أن يشفع، مادام وضعت الحدود فيوضع جدار آخر في الوسط، ويفصل حق هذا من هذا.



شرح حديث (جار الدار أحق بدار الجار أو الأرض)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (جار الدار أحق بدار الجار أو الأرض) ] .
أورد أبو داود حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه قال: (جار الدار أحق بدار الجار أو الأرض) يعني فيما يتعلق بالشفعة، وإذا كان كل شيء متميز فالأمر كما جاء في الأحاديث السابقة: (إذا وضعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) , ولكنه يكون من مكارم الأخلاق، فكون الجار يعرض على جاره ويخبره حتى ولو كان ليس له شفعة من أجل أنه إذا أراد أن يتوسع في هذه الأرض المجاورة أو في هذا البيت المجاور له، ولعله يستفيد منه، فهذا من الأمور الطيبة التي ينبغي أن تكون بين الجيران.



تراجم رجال إسناد حديث (جار الدار أحق بدار الجار أو الأرض)
قوله: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي] .
أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة] .
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة] .
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن] .
الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سمرة] .
سمرة رضي الله عنه، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
والحديث من رواية الحسن عن سمرة، ولكنه موافق للحديث الذي مر: (الجار أحق بسقبه) .



شرح حديث (الجار أحق بشفعة جاره)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم أخبرنا عبد الملك عن عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً) ] .
وهذا حديث جابر رضي الله عنه أن: (الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها ولو كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً) .
قوله: (إذا كان طريقهما واحداً) فيه بيان أن الشفعة تكون مع الجوار ومع تميز حق كل واحد منهما؛ وذلك لحصول الاشتراك في الطريق؛ لأن الاشتراك في الطريق أيضاً يؤدي إلى الخصومات والمنازعات، كما كان يؤدي الاشتراك في الأرض المشاعة إلى ذلك، فالشيء المشاع هو المشترك بين الجارين، والطريق لهما جميعاً فهذا يعطي حق الشفعة، فالذي تثبت فيه الشفعة للجار هو الشيء الذي يشتركان فيه ويؤدي إلى الخصومات والنزاع لو جاء شخص جديد، وأما إذا كان متميزاً وليس هناك اشتراك لا في طريق ولا في غير طريق فإن الشفعة لا تثبت، وقد مر في الأحاديث: (فإذا وضعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) .
قوله: (ينتظر بها وإن كان غائباً) معناه أن حقه ثابت ولو كان غائباً بحيث إنه إذا جاء أو علم فإن له حق الشفعة ولو ما مضى عليها وقت، والمهم أنه من حين يعلم فعليه أن يشفع إن كان يريد الشفعة.
وأما إذا لم يعلم الشريك أن شريكه قد باع، وكان قد باع منذ فترة طويلة، فإن له أن يشفع حتى ولو كان في ذلك ضرر على المشتري، وأما إذا علم فليس له حق، وأما إذا وجد بنيان فقد يكون هذا سبباً في عدم الرغبة في الشفعة، ولكن الآن كما هو معلوم سهولة الاتصالات تبسط الأمر، ويمكن أن يعلم الإنسان أو يتصل به، فإن شفع فالحمد لله، وإن لم يشفع بقيت البيعة لمن هي له.
والمشتري قبل أن يتصرف حتى لا يقع في محذور ويقع اختلاف يتصل بالشخص ويقول: إني اشتريت فإن شفع انتهى، وإن لم يشفع بقي البيع على ما هو عليه.



تراجم رجال إسناد حديث (الجار أحق بشفعة جاره)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم] .
هشيم بن بشير الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عبد الملك] .
عبد الملك بن أبي سليمان صدوق له أوهام أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عطاء عن جابر] .
عطاء بن أبي رباح ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وجابر مر ذكره.



ما جاء في الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه عنده



شرح حديث (أيما رجل أفلس فأدرك الرجل متاعه بعينه فهو أحق به من غيره)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه عنده.
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك ح وحدثنا النفيلي حدثنا زهير المعنى عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (أيما رجل أفلس فأدرك الرجل متاعه بعينه فهو أحق به من غيره) ] .
أورد أبو داود: باب في الرجل يفلس فيجد متاعه بعينه عنده، يعني: فيكون أحق به من الغرماء؛ لأن المفلس عندما يكون عنده عدة غرماء دائنون، ثم يجد أحدهم متاعه في حوزته فإنه يكون أحق به ولا يكون مشتركاً بينه وبين الغرماء؛ لأن الغرماء لهم حق الاشتراك فيما يكون في حوزة المدين المفلس الذي ليس عنده شيء، لكن إذا كان أحد الغرماء نفس متاعه موجود بعينه فهو أحق به ولا أحد يشاركه فيه فيأخذه ويختص به، ولا يكون أسوة الغرماء.
وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أيما رجل أفلس فأدرك الرجل متاعه بعينه فهو أحق به من غيره) .
قوله: (أيما رجل أفلس) يعني: وعنده غرماء وقد وجد أحد الغرماء متاعه عند المفلس فهو أحق به من غيره، ولا يقول الشركاء: لنا فيه نصيب، فيباع ويقسم قيمته علينا, لا؛ فإن هذا يختص به صاحبه؛ لأن العين التي يستحقها صاحبها موجودة بعينها؛ فإنه يأخذها ولا يشاركه فيها غيره، ولا يوافق الشركاء على طلبهم أن لهم فيه نصيباً باعتبارهم غرماء.
ثم المفلس هو الذي ليس عنده شيء, أو أن عنده أشياء تافهة وهي الفلوس, والفلوس هي أقل شيء في العمل فليست من ذهب ولا فضة، ولكنها مثل القروش أو الأشياء التي ليست لها قيمة، فيقال ذلك للمفلس الذي ليس عنده شيء، أو لأنه نزل مستواه إلى أن صار من أصحاب الفلوس التي هي الأشياء التافهة البسيطة وفي هذا يقول الشاعر: لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس يعني: تقدم لشرائها لهبوط قيمتها، فقد صارت تباع بالفلوس التي هي الأشياء التافهة التي تكون بأيدي الذين ليس عندهم شيء، (حتى سامها) أي: تقدم لشرائها كل مفلس؛ لأنها قد أصابها هزال حتى بدا من هزالها كلاها، أي: طلعت كلاها مع الجوانب حتى تقدم المفلسون لشرائها؛ لأن مستواها نزل حتى صارت تشترى بالأشياء التافهة، ولهذا يقال للذي عنده الفلوس مفلس، وهي الجزئيات اليسيرة التي هي دون الذهب والفضة، والنبي صلى الله عليه وسلم في الحديث قال: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع) ، أي: ليس عنده شيء, فالرسول صلى الله عليه وسلم بين المفلس حقاً، وهو أشد إفلاساً من هذا وهو مفلس الآخرة (يأتي بصلاة وزكاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيعطى لهذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئات من ظلمهم فطرح عليه ثم طرح على النار) .



تراجم رجال إسناد حديث (أيما رجل أفلس فأدرك الرجل متاعه بعينه فهو أحق به من غيره)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة] .
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن مالك] .
مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، وأحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا النفيلي حدثنا زهير] .
النفيلي مر ذكره وزهير هو ابن معاوية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[المعنى عن يحيى بن سعيد] .
يحيى بن سعيد الأنصاري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم] .
أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمر بن عبد العزيز] .
عمر بن عبد العزيز هو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بكر بن عبد الرحمن] .
أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة مر ذكره.



شرح حديث (وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أيما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئاً، فوجد متاعه بعينه فهو أحق به، وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء) ] .
أورد أبو داود هذا الحديث وهو مرسل عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن الإنسان إذا ابتاع شيئاً ثم أفلس المشتري, فوجد متاعه بعينه فهو أحق به من الغرماء، وأنه إن مات فإنه يكون أسوة الغرماء؛ لأنه صار ميراثاً، فحالة الحياة غير حالة الموت، فإذا وجده والمشتري حي فإنه أحق به، وأما إذا كان قد مات فإنه يعتبر الذي خلفه ميراثاً ويكون أسوة الغرماء، ومعلوم أن الدين مقدم على الميراث والوصية، فهو لا يكون ميراثاً إلا بعدما يخرج الدين والوصية.
وقوله: (أسوة الغرماء) يعني: أنهم يستحقون الاشتراك فيه بعد موته، ولعل الفرق بين حالة الحياة وحالة الموت: أن حالة الحياة صاحبه لا يزال يمكنه أنه يعمل ويوفي، وأما إذا مات فقد انتهى الأمر.
وقد ذكر الخطابي رحمه الله مسألة: إذا ما دفع بعض الثمن، وذكر قولين في ذلك، قال: ذهب مالك إلى جملة ما في الحديث، وقال: إن كان قبض شيئاً من ثمن السلعة فهو أسوة الغرماء.
والذي يبدو أنه إذا كان قبض الثمن أو شيئاً من الثمن فهو أسوة الغرماء؛ لأن الحق لم يبق كما هو فهو ليس كله حقه بل هو بعض حقه، وهذا من أمثلة القاعدة التي مرت: أن الحكم على بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصص العام، فالأول مطلق: (من وجد متاعه) ، وليس فيه تقييد بأنه بيع؛ لأنه قد يكون اشتراه على أنه قرض, أو أقرضه هذه السلعة على أن يرد سلعة مكانها، فبقيت في حوزته فلم يستنفدها فإنه يكون أحق بها، وهنا ذكر البيع، فذكر البيع لا يدل على أن الأمر مقصور على البيع، وإنما هو عام في جميع وجوه إدراك الشيء، والمدرك مستحق له سواء عن بيع أو غير بيع، فالحكم على بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصص في العام، وكونه يحكم على البيع بأنه يكون كذا لا يخصص العام الذي يدخل فيه البيع وغير البيع.
قوله: (أسوة الغرماء) معناه: أنه هو الغرماء سواء، فكل له نصيب من هذه القطعة أو هذا المتاع، ونصيبه يأخذه كما يأخذ الغرماء، وأنه يوزع بينهم على قدر ديونهم، فمن كان نصيبه أكثر من الدين يصير له أكثر من الموجود، ومن كان أقل يكون نصيبه أقل.
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم] .
وقد مرّ ذكرهم، والحديث مرسل.



شرح حديث (وإن كان قد قضى من ثمنها شيئاً فهو أسوة الغرماء فيها) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود حدثنا عبد الله -يعني: ابن وهب - أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فذكر معنى حديث مالك زاد: (وإن كان قد قضى من ثمنها شيئاً فهو أسوة الغرماء فيها) ] .
وهذا مثل الذي قبله إلا أن فيه زيادة: (وإن كان قد قضى من ثمنها شيئاً فهو أسوة الغرماء) ؛ لأن المتاع لم يبق متمحضاً له؛ فقد وصل إليه بعض قيمته.
قوله: [حدثنا سليمان بن داود] .
سليمان بن داود المهري المصري ثقة أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا عبد الله -يعني: ابن وهب -] .
عبد الله بن وهب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يونس] .
يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب] .
ابن شهاب مر ذكره.
[عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام] .
مر ذكره.



شرح حديث (اقتضى منه شيئاً أو لم يقتض فهو أسوة الغرماء) وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا عبد الله بن عبد الجبار -يعني: الخبائري - حدثنا إسماعيل -يعني: ابن عياش - عن الزبيدي، -قال أبو داود: وهو محمد بن الوليد أبو الهذيل الحمصي - عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه قال: (فإن كان قضاه من ثمنها شيئاً فما بقي هو أسوة الغرماء، وأيما امرئ هلك وعنده متاع امرئ بعينه اقتضى منه شيئاً أو لم يقتض فهو أسوة الغرماء) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة، وهو فيما سبق مرسل وهنا متصل، وفيه أن الإنسان إذا مات فإنه أسوة الغرماء سواء وصل إليه بعض الثمن أو لم يصل.
قوله: [(فإن كان قضاه من ثمنها شيئاً فما بقي هو أسوة الغرماء)] أي: إن قضاهم شيئاً فهو أسوة الغرماء، وإذا مات سواء قضى أو لم يقض فهو أسوة الغرماء.
قوله: [حدثنا محمد بن عوف الطائي] .
محمد بن عوف الطائي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي في مسند علي.
[حدثنا عبد الله بن عبد الجبار الخبائري] .
عبد الله بن عبد الجبار الخبائري صدوق أخرج له أبو داود.
[عن إسماعيل -يعني: ابن عياش -] .
إسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده، أخرج له البخاري في جزء رفع اليدين وأصحاب السنن.
[عن الزبيدي] .
الزبيدي هو محمد بن الوليد الحمصي الزبيدي، وهو ثقة عن أهل بلده، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة] .
قد مر ذكرهم.
[قال أبو داود: حديث مالك أصلح] .
يعني الأول المرسل، وهو من رواية عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29-06-2025, 01:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,892
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله




ومعناه: أنه أقوى وأرجح، لكنه لا يؤثر على الحديث الثاني المتصل.
يقول الخطابي: وهذا الحديث لم يأت مسنداً من هذا الطريق، ويضعفه أهل النقل بسبب رجلين من رواته، ورواه مالك مرسلاً، فدل أنه لا يثبت مسنداً.
ولعلهما إسماعيل وعبد الله بن عبد الجبار ففيهما كلام، لكن الحافظ حكم بأنهما صدوقين.
والحديث ثابت، وإن وجد كلام في بعض رجاله فلا يؤثر.
ثم أيضاً هو شاهد؛ لأن الحديث الأول مرسل وفيه بعض هذا المتصل والمرسل هو (أيما رجل أفلس فأدرك رجل متاعه بعينه فهو أحق به من غيره) .
وهو عام، لكن قد يكون المراد به ذاك الذي فيه هذه التفاصيل، وإلا فإن ذلك عام يشمل، لكن هذا فيه تفاصيل لا توجد في ذاك، لكن الحديث المرسل الذي من طريق مالك فيه ما في المتصل هذا.




شرح حديث (من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو داود -هو الطيالسي - حدثنا ابن أبي ذئب عن أبي المعتمر عن عمر بن خلدة قال: أتينا أبا هريرة رضي الله عنه في صاحب لنا أفلس، فقال: لأقضين فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة وهو يختلف عن الذي قبله؛ لأنه قال: (من أفلس) .
وهذا لا إشكال فيه؛ لأنه مطابق للأحاديث السابقة، ولكن أتى في الحديث قبله: أنه يكون أسوة الغرماء، سواءً قبض من الثمن شيئاً أو لم يقبض، وهنا يقول: إنه أحق به من غيره بعد أن مات، فهو يخالف ذاك، وهذا في إسناده من هو متكلم فيه، والسابق هو المعتبر، فيكون ليس أحق به وإنما يكون أسوة الغرماء كما مر.




تراجم رجال إسناد حديث (من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به)
قوله: [حدثنا محمد بن بشار] .
محمد بن بشار الملقب بـ بندار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو داود الطيالسي] .
أبو داود الطيالسي ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا ابن أبي ذئب] .
هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي المعتمر] .
أبو المعتمر مجهول الحال أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن عمر بن خلدة] .
عمر بن خلدة ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجة.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة رضي الله عنه مر ذكره.




ما جاء فيمن أحيا حسيراً




شرح حديث (من وجد دابة قد عجز عنها أهلها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن أحيا حسيراً.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ح وحدثنا موسى حدثنا أبان عن عبيد الله بن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن الشعبي، وقال عن أبان: إن عامراً الشعبي حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من وجد دابة قد عجز عنها أهلها أن يعلفوها فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له) .
قال في حديث أبان: قال عبيد الله: فقلت: عمن؟ قال: عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله سلم.
قال أبو داود: هذا حديث حماد، وهو أبين وأتم.
حدثنا محمد بن عبيد عن حماد -يعني: ابن زيد - عن خالد الحذاء عن عبيد الله بن حميد بن عبد الرحمن عن الشعبي يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (من ترك دابة بمهلك فأحياها رجل فهي لمن أحياها) ] .
أورد أبو داود: باب فيمن أحيا حسيراً، والمراد بالحسير المنقطع الذي ترك لهزاله، فرغب أهله عنه وتركوه في الفلاة؛ لأنهم لم يتمكنوا من الاستفادة منه.
فمن العلماء من قال: إن من وجده فإنه يملكه؛ لأن أهله تركوه وهو من جنس الشيء الذي رغب عنه أهله ورموه، ومن الأشياء التي قد يستغنى عنها فمن وجدها يأخذها، فكونه رمي في الشارع يعني أن أهله رغبوا عنه، فكذلك هذا.
فالعلماء اختلفوا في مثل هذا وهو الدابة التي وجدت هزيلة وضعيفة فأحياها الإنسان، وأحسن إليها، وأعلفها وسقاها حتى نجت وسلمت، فمن العلماء من يقول: إنه يملكها ويستحقها؛ لأنها شيء رغب عنه، ومنهم من يقول: إنها لقطة وإن جاء صاحبها فيما بعد وادعاها فإنه يعطيه إياها، والذين قالوا: بأنه يملكها أخذوا بهذا الحديث، والحديث حسنه الشيخ الألباني والتحسين فيه نظر من جهة أن فيه شخصاً يقال له: عبيد الله بن حميد الحميري ولم يوثقه إلا ابن حبان، والطريقان يدوران عليه، والألباني حسنه لأن ابن حبان وثقه، وهو متساهل في التوثيق، لكن قال: روى عنه جماعة، وما ذكر فيه شيء فيكون حسناً، ومعلوم أن رواية الجماعة تكون عن الثقة وعن الضعيف، وروايتهم للضعيف لبيان أن هذا هو الذي وجدوه، ولكن لا يعني هذا أن ما رووه عنه يكون صحيحاً؛ فإن هذا يرجع إلى دراسة الأسانيد والحكم عليها على ما تقتضيه، فالحقيقة أن في تحسينه نظر، وقد يكون هذا الذي وجد لم يتركه أهله، وإنما فقد من أهله وحصل له هزال، إذاً فأهله ما تركوه، فليس مجرد وجود شيء هزيل دليل على أن أهله تركوه، فالقول: بأنه بمجرد حصوله عليه يمتلكه لهذا الحديث فيه نظر.



تراجم رجال إسناد حديث (من وجد دابة قد عجز عنها أهلها)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] .
موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد] .
حماد بن سلمة بن دينار ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ح وحدثنا موسى حدثنا أبان] .
موسى هو: ابن إسماعيل، وأبان بن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[عن عبيد الله بن حميد بن عبد الرحمن الحميري] .
عبيد الله بن حميد بن عبد الرحمن الحميري مقبول أخرج له أبو داود.
[عن الشعبي] .
هو عامر بن شراحيل الشعبي ثقة، فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال عبيد الله: فقلت: عمن؟ قال: عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم] .
هذا فيه بيان أنه عن عدد من الصحابة، والصحابة كما هو معلوم جهالتهم لا تؤثر، والمجهول فيهم في حكم المعلوم، ولكن آفته هي في عبيد الله بن حميد الذي لم يوثقه إلا ابن حبان، وهو معروف بتساهله.
[قال أبو داود: وهذا حديث حماد؛ وهو أبين وأتم] .
قوله: [حدثنا محمد بن عبيد عن حماد -يعني: ابن زيد -] .
محمد بن عبيد بن حساب ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
وحماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد عرفنا فيما مضى أنه إذا جاء موسى يروي عن حماد غير منسوب فالمراد به ابن سلمة، وإذا جاء محمد بن عبيد يروي عن حماد فالمراد به حماد بن زيد.
[عن خالد الحذاء] .
خالد بن مهران الحذاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن حميد بن عبد الرحمن عن الشعبي يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم] .
وهذا صورته صورة المرسل ولكنه لما سأله في الأول وقال: عمن؟ قال: عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، دل على أنه متصل، وأنه ليس بمرسل، وإنما آفته عبيد الله بن حميد.



الأسئلة



حكم إخبار الشريك في البيع
السؤال هل يجب إخبار الشريك قبل البيع أو يبيع ثم يخبره؟
الجواب إخبار الشريك قبل أن يبيع هو الذي يليق بمكارم الأخلاق, لكنه لو باع ولم يخبره فإن له حق الشفعة، ولو أخبره ولم يحصل منه شراء، ولكنه باع فأيضاً له حق الشفعة.



حكم الشفعة إذا علمت حدود كل أرض
السؤال إذا كانت أرضك معلومة الحدود، وأرض جارك كذلك معلومة الحدود, فإذا أردت بيع أرضك هل لجارك أن يشفع؟
الجواب لا, ليس له أن يشفع إذا كان كل واحد حدوده معروفة وليس بينهما شيء مشترك، كالطريق الذي يخصهما كما سيأتي في حديث: (فإنه لا شفعة) ؛ لأنه لو كان كل جار يشفع على شريكه لأمكن أن كل القطع ينتزعها واحد, ويتسلسل حتى تدخل في ملكه كل المنطقة.



سبب تسمية الشفعة بذلك
السؤال ما هو سبب تسمية الشفعة بهذا الاسم؟
الجواب لا أعلم، اللهم إلا أن يكون السبب ما يحدث من ضم الجزئين لبعضهما، وأن يكون الشيء المفرد ينضم إليه آخر وهو حصة الشريك فيكون بمثابة الشفع، والحكمة هي منع المضارة، وأما عن سبب التسمية فلا أدري اللهم إلا أن يقال: إن القطعة التي يملكها الشريك استحق الآخر ضمها إليه فيكون قد شفع حقه بحق شريكه.



حكم شفعة الجار في المسكن
السؤال ألا يمكن حمل أحاديث الجار على أنه الجار في السكن، فيكون له حق الشفعة في المقسوم، وحمل الأحاديث الأخرى على الشريك غير المساكن، فيكون جمع بين الأحاديث؟
الجواب مادام أن كل واحد نصيبه متميزاً فإنه لا شفعة.



حكم الشفعة
السؤال هل الشفعة على الوجوب أو الاستحباب؟
الجواب الشفعة لازمة إذا شفع؛ بحيث أن المشتري لا يمكنه الاحتفاظ بشرائه والإبقاء عليه, وأما من ناحية كونه يشفع أو لا يشفع فهذا لا يقال عنه: مستحب أو واجب, فإن أراد يشفع فيشفع، وإن أراد أن يترك فيترك، فله ذلك الحق لا يستحب ولا يجب، فإن أراده فهو له وإن لم يرده تركه، فهو أمر مباح.



حكم الشفعة لأهل عمارة واحدة
السؤال في بلادنا يسكن الناس في عمائر، وكل واحد يملك البيت الذي يسكنه ولو كانوا في دور واحد، فهل للجار الشفعة حينئذ؟
الجواب نعم له الشفعة، وقد يكون لكل واحد دور منفصل فعندها لا توجد شفعة؛ إذ كل واحد مستقل بطريقه فليس له حق، وأما إذا كان مدخل العمارة واحداًَ فإن الاشتراك قائم؛ إذ الطريق واحدة.



حكم من أخذ دابة عجفاء
السؤال إذا مر على دابة حسيرة مكسورة أو عجفاء ما العمل؟
الجواب إن أخذها فإنها لقطة يعرفها.



حكم قتل الحيوان المسيب
السؤال بعض الناس -وخاصة في غير مأكول اللحم- مثلاً لو مر على حمار أهلي فوجده بهذه الحال قال: أنا أرحمه أذبحه بدلاً من أن يتعذب؟
الجواب كيف يتعذب؟ الله سبحانه وتعالى أرحم بعباده وخلقه منه، فليس له أن يذبحه، ومعنى هذا أن الإنسان إذا كانت عنده دابة وأصابها مرض وهي ذات روح فإنه يذبحها، وقد يشفيها الله عز وجل، فليس له أن يذبح حيواناً من أجل أن يرحمه أو أنه لا يتعذب.



حسن تعامل الجار مع جاره في الشفعة
السؤال في مختصر صحيح البخاري للزبيدي عن أبي رافع رضي الله عنه مولى النبي صلى الله عليه وسلم: أنه جاء إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: ابتع مني بيتي في دارك، فقال سعد: والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة، قال أبو رافع: لقد أعطيت بها خمسمائة دينار، ولولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الجار أحق بسقبه) ، ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطى بها خمسمائة دينار فأعطاها إياه.
الجواب هذا يعتبر من مكارم الأخلاق، إذ كون الإنسان يراعي الجار ويحسن إليه، ولا يتسبب في الإتيان إليه بمن يؤذيه.



أجنحة الملائكة
السؤال هل هناك دليل على أن الأجنحة في الملائكة عليهم السلام للطيران؟
الجواب لا يوجد شيء يدل أو ينفي، لكن كون لهم أجنحة قد يفهم منها أنهم يطيرون بها، وهم لا شك أنهم يطيرون.



فائدة أجنحة الملائكة
السؤال هل هذه القاعدة صحيحة: إن الجناح في الملك ليس له فائدة معقولة عندنا ولكن له فائدة لا ندركها؟
الجواب الله أعلم، فقد يكون للطيران؛ لأن الله جعل الملائكة كلهم ذوي أجنحة كما قال الله عز وجل: {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ}[فاطر:1] ، يعني: جعل لهم أجنحة، وجبريل له ستمائة جناح كما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم.



موضع سجود السهو
السؤال متى سجود السهو يكون قبل السلام ومتى يكون بعد السلام؟
الجواب يكون قبل السلام إذا كان بسبب نقص، كأن قام من التشهد الأول فإنه يسجد قبل السلام، وإذا كان بسبب الزيادة يكون بعد السلام.



موضع سجود السهو للمتأخر عن الجماعة
السؤال إذا جاء المأموم متأخراً فمتى يسجد للسهو؟
الجواب بعدما يقضي ما فاته يسجد في آخر صلاته كما سجد الإمام.



إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع
السؤال إذا لم يكن المبيع قائماً فالقول قول من؟
الجواب قول البائع؛ لأن الحديث الذي ورد ليس فيه إذا كان المبيع قائماً، وإنما هذا جاء في بعض الطرق من طريق ابن أبي ليلى.



شفعة الجار إذا كان المبنى منفصلاً

السؤال لو أن الجار باع ملكه على سيئ الخلق هل يكون لأحد الجيران شفعة؟

الجواب إذا كان منفصلاً فليس لأحد شفعة.



تخصيص العام
السؤال بالنسبة للقاعدة التي ذكرتموها أن الحكم على بعض أفراد العام لا يخصصه، كيف نميز بين النصوص المخصصة وبين هذه النصوص التي يذكر فيها بعض أفراد العام ولا يكون هناك تخصيص؟
الجواب الحكم شامل لهذا الفرد ولغيره، فيكون ذكره كأنه ذكر مرتين مرة على سبيل الاستقلال ومرة على سبيل اندراجه تحت غيره، مثل عطف الخاص على العام.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29-06-2025, 01:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,892
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله






شرح سنن أبي داود [401]
من عقود الإرفاق بين المسلمين القرض الحسن، إلا أن هذا الدَّين قد يحتاج إلى توثيقه بعين تسمى الرهن، وللرهن ضوابط وأحكام ثابتة في الشرع تجعل العين محفوظة والراهن مطمئناً والمرتهن آمناً على دَينه من غير أن يلج باب الربا، ومن يسر الدين وعدله وسماحته أن جعل الولد من أطيب كسب الوالد، فالولد وماله لأبيه، كذلك لم يغفل الإسلام نفقة الزوجة والأولاد فللمرأة أن تأخذ ما يكفيها وأولادها من دون علم زوجها، لكن بالمعروف.



ما جاء في الرهن



شرح حديث (لبن الدر يحلب بنفقته إذا كان مرهوناً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرهن.
حدثنا هناد عن ابن المبارك عن زكريا عن الشعبي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لبن الدر يحلب بنفقته إذا كان مرهوناً، والظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويحلب النفقة) ] .
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في الرهن، والرهن هو: أن يأخذ البائع من المشتري سلعة إلى أجل، فهي عين يستوثق بها في حقه حتى إذا لم يحصل الوفاء عند حلول الأجل تباع العين المرهونة ويأخذ حقه منها، وإذا بقي شيء فإنه يكون لصاحب العين.
فالرهن هو توثقة دين بعين، أي: أن العين تؤخذ من أجل الاطمئنان على حصول الدين ممن كان عليه ذلك الدين، فهو دين في ذمة يستوثق منه بعين مرهونة، والرهن جاء ذكره في القرآن في السفر، وجاء في السنة في الحضر، قال الله عز وجل: {وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283] ، يعني: أن الشيء الذي يكون في الذمة يقبض عليه رهن إذا احتاج الأمر إلى ذلك.
وفي السنة جاء حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي أورده أبو داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لبن الدر يحلب بنفقته إذا كان مرهوناً) ، يعني: إذا كانت الدابة مرهونة بيد المرتهن، فهو يحلبها في مقابل نفقته عليها؛ لأنها تحتاج إلى نفقة، فإذا أنفق عليها فإنه يأخذ الحليب في مقابل النفقة.
قوله: (والظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً) ، مثلاً البعير أو الحمار التي يركب عليها فإنه يركب المرتهن عليها في مقابل ما ينفقه عليها من النفقة.
وهذا الحديث يدل على أن المرتهن يستفيد من الرهن في مقابل ما يحتاج إليه من العلف والحلب والركوب، فإن ذلك الركوب والحليب يكون في مقابل الانتفاع به، فكما أنه ينفق على الشاة ذات اللبن فإن ذلك إنفاق في مقابل الحليب، والمرهون إذا كان دابة مركوبة فذلك الركوب في مقابل الإنفاق، والمقصود بالذي يركب ويحلب هو المرتهن، أي: الذي أخذ العين ليستوثق بها عن الدين في مقابل النفقة، وهو يدل على أن الرهن ممكن أن يكون بيد المرتهن إذا لم يقبل إلا أن يكون في يده.
وقوله: (يحلب ويركب إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويحلب النفقة) ، هذا إنما يكون في حق المرتهن، وأما الراهن فلا حاجة إلى أن يقال له: إنه بنفقته إذا كان مرهوناً؛ لأن الراهن هو المالك، فكونه ينفق عليه فإنما ينفق على ملكه، وأما المرتهن فلا ينفق على ملكه وإنما ينفق على ملك غيره، وهذا الإنفاق الذي ينفقه يأخذ مقابله فيستفيد في الركوب أو الحلب.
وقد يكون الذي يركب ويحلب شخص ثالث جعلت وديعة عنده، يعني: فلا هي عند الراهن ولا عند المرتهن ولكنها جعلت وديعة عند شخص، فهذا الذي استودعت عنده أيضاً له أن يحلب ويركب في مقابل النفقة التي ينفقها.
قوله: (وعلى الذي يركب ويحلب النفقة) سواءً كان هو المرتهن أو طرف ثالث اتفقا على أن يكون الرهن وديعة عنده، فإذا كان مما يحلب ويركب فحلب ما يُحلب وركب ما يُركب فإنه يكون ذلك في مقابل الإنفاق عليه، وهو يدل على أن الرهن يمكن أن يكون بيد المرتهن، ويمكن أن يكون بيد الراهن إذا اتفاقا على ذلك، ولكن لا يجوز للراهن أن يتصرف فيه بالبيع، وأما أن يتصرف فيه بالركوب أو بالإجارة أو غير ذلك فهذا لا بأس به.
وله أن يؤجره إذا كان بيد المالك له؛ لأن الرهن على العين وليس على المنفعة، فالمنفعة ملك للراهن الذي هو مالكها، فله أن يؤجرها ولكن ليس له أن يبيعها؛ لأن الحق متعلق بالعين وليس بالمنفعة، فالمنفعة يمكن أن تؤجر والعين لا تباع.
والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم: فمنهم من قال: إن الرهن يكون بيد الراهن، ومنهم من يقول: إن الرهن يكون بيد المرتهن، ولكن الحديث فيه أن على الذي يحلب النفقة، ومعلوم أن هذا إنما يكون في حق غير المالك، وأما المالك فهذا الأصل في حقه.



تراجم رجال إسناد حديث (لبن الدر يحلب بنفقته إذا كان مرهوناً)
قوله: [حدثنا هناد] .
هو هناد بن السري ثقة، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) ومسلم وأصحاب السنن.
[عن ابن المبارك] .
هو عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن زكريا] .
هو زكريا بن أبي زائدة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي] .
هو عامر بن شراحيل الشعبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً.



نماء الرهن
للرهن نماءان: منفصل ومتصل، فأما النماء المتصل فهو تابع للرهن، وأما النماء المنفصل فلا يتبع الرهن.
فالمتصل يأخذه الراهن تبعاً للرهن؛ لأنه لا ينفصل مثل الصوف أو شيء من ذلك، وأما ولد الدابة فلا يدخل في الرهن، ولا ينتفع منه إلا إذا كانت هناك حاجة إلى الإنفاق، وأما ما لا حاجة فيه فلا؛ فمثلاً إذا أخذ السيارة فإنه يوقفها ولا يستخدمها، وإذا أوقفها فإنها لا تتلف؛ إذ ليست مثل الدابة التي إن لم يعلفها فإنها تتلف.
فالنماء المنفصل ليس تابعاً للمرتَهَن؛ لأن الراهن رهن العين فقط، وأما نماؤها يرجع إلى الراهن المالك، فله أن يبيع النتاج؛ لأن الرهن ليس عليه وإنما هو على العين وحدها.
وأما بالنسبة للسيارة فهل تقاس على الظهر فيركبها مقابل ما يصرفه عليها من البنزين؟ لا، ليس له أن يستخدمها؛ لأن الظهر يحتاج إلى نفقة وإلا مات، فهو ينفق عليه ويركبه، وأما السيارة فلا يترتب على إيقافها شيء.
ويقاس على السيارة البيت؛ فلو رهنه فإنه لم ينتفع به؛ لأنه إذا انتفع به صارت عليه أجرة، وتسقط من الدين إذا اتفقا على أنه يسكنه ويستفيد منه، فيصير له قيمة وتسقط بحسابها.
وإذا تلف الرهن فهو على حساب الراهن إلا إذا فرط فيه الذي هو بيده، وحينئذ يضمن؛ لأن يده يد أمينة.



الاستفادة من الرهن للمرتهن
جرت العادة في بعض البلدان أن الشخص إذا رهن أرضاً للبائع فإن البائع يستفيد منها بالزرع، والواجب أنه لا يستفيد منها إلا إذا كان محتاجاً إلى إحيائها مثل الدواب، وأما إذا لم تكن كذلك فليس له ذلك.
وأما الراهن فإنه يستفيد منها؛ لأنها ملكه، ولكن ليس له أن يبيعها؛ لأن حق المرتهن متعلق بالعين، فإذا جاء الأجل ولم يوفه فله حق المطالبة في بيعها وأخذ نصيبه منها، وأما أن يستفيد منها صاحبها بأن يزرعها أو يؤجرها فله ذلك؛ لأن هذا حقه وملكه، والمنفعة لا دخل للمرتهن فيها فهي لمالك العين، وإنما ربط الحق بالعين بحيث لا يتصرف فيها مالكها بالبيع، وأما أن يتصرف فيها بالإجارة أو بالانتفاع بأن يزرعها إذا كانت أرضاً زراعية أو بيتاً يسكنه فلا بأس بذلك لكنه لا يبيعه.
وأما بالنسبة للسيارة فإذا توقفت لمدة طويلة فقد تتلف الكفرات، فإن كان بقاؤها يفسدها فلا بأس أن يحركها شيئاً يسيراً يحصل به المقصود، وهذه الحركة لا تكلفه الكثير من البنزين، ويمكن فعل هذا داخل المستودع.
وإذا كان الرهن أمة فلا يجوز للمرتهن أن يطأها، فلا يطؤها إلا مالكها، ولا يجوز للمرتهن أن يرهن الرهن لشخص آخر، وهذه شبيهة بمسألة ذكرها الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) في ترجمة أحد النحويين لما قيل له: لو سهى رجل في صلاته فماذا عليه؟ قال: عليه سجود سهو، فقيل: ولو سها في سجود السهو فماذا يصنع؟ قال: عندنا أن المصغر لا يصغر، يعني: ليس في سجود السهو سجود سهو، فالرهن كذلك، فلا يحق للمرتهن أن يرهنه.
[قال أبو داود: وهو عندنا صحيح] يعني: الحديث صحيح.



شرح حديث (هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالا: حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة؛ بمكانهم من الله تعالى، قالوا: يا رسول الله! تخبرنا من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، وقرأ هذه الآية: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62] ) ].
أورد أبو داود هذا الحديث وهو لا علاقة له بباب الرهن، وإنما هو في المحبة في الله وفضلها، فقال بعض أهل العلم: لعله أورده للإشارة إلى أنه ينبغي على المسلمين أن يتعاونوا ويتساعدوا فيما بينهم، وأن ييسر بعضهم على بعض، ويحسن بعضهم إلى بعض، فيقرض المسلم أخاه إذا احتاج، ويمهله في السداد، ولا يحوجه إلى أن يشتري شيئاً ثم يقوم برهن عين يملكها في مقابل ذلك الدين الذي عليه.
والواقع وكما هو واضح أنه لا علاقة له بالرهن فهو في غير مظنته، وهذا من الأحاديث التي تأتي في غير مظنتها، إذ لا يبحث عن هذا الحديث في باب الرهن، ولا مجال لأن يوجد فيه.
قال: [(إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة؛ بمكانهم من الله تعالى).
وهذا لا يعني أنهم فوق الأنبياء والشهداء، ولا يجوز أن يفهم هذا الفهم؛ لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم أفضل الخلق وأفضل البشر، ولا يجوز أن يظن أو يتصور أن ولياً من أولياء الله يكون أفضل من نبي من أنبياء الله، أو أفضل من رسول من رسل الله، فإن الرسل بإجماع المسلمين أفضل وخير البشر.
وقوله: (يغبطهم) لا يدل على أنهم أفضل من الأنبياء، وإنما معنى ذلك أنهم يمدحونهم، ويثنون عليهم، ويعترفون بمنزلتهم، ويحصل لهم الاغتباط بما حصل لهم لا أنهم يغبطونهم لأنهم أعلى منهم أو فوقهم، فهذا لا يجوز أن يتصور، وإنما معناه ما أشرت إليه من ناحية أن الفاضل قد يغبط المفضول إذا رآه على حالة حسنة وطريقة طيبة، فيغبطه وإن كان أفضل منه، فليس بلازم أن الغابط يكون دون المغبوط، فالرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم خير وأفضل البشر، ولا يجوز أن يفهم أن غيرهم قد يكون أفضل منهم، فالأولياء لم تحصل لهم الولاية إلا باتباع الرسل، والحق والهدى الذي حصل لهم إنما تلقوه عن طريق اتباع الرسل صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم.
ومن الكلام الذي قاله بعض الناس في هذا الزمان وهو من أسوأ وأقبح الكلام ما قاله الخميني زعيم الرافضة في هذا العصر في كتابه (الحكومة الإسلامية) : وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، فهذا والعياذ بالله من أقبح وأسوأ الكلام، فكيف يكون علي والحسن والحسين وتسعة من أولاد الحسين -وهم الأئمة الاثنا عشر عند الرافضة- كيف يكونون بهذه المنزلة التي لا يصل إليها ملك مقرب ولا نبي مرسل، فهذا من أبطل الباطل، والحديث الذي معنا ليس فيه دلالة على مثل هذا المعنى الباطل، وإنما فيه أن الرسل والشهداء يغبطونهم، وليس فيه أنهم يغبطونهم لأنهم دونهم وأنهم حصلوا على منازل أعلى من الأنبياء عند الله عز وجل، فلن يكون أحد أعلى منهم منزلة عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن الأولياء والمتقين ما حصلوا عليه من الخير إنما حصلوه عن طريق اتباعهم للرسل، وعن طريق إيمانهم بالرسل، والرسل هم الذين تلقوا الوحي من الله عز وجل إما سماعاً لكلام الله من الله، أو جاء به الرسول الملكي إلى الرسول البشري.
أن يكون لبعض المشائخ تلميذ من التلاميذ في منزلة عالية وفهم وإدراك واستيعاب وحفظ وإتقان فيغبطه شيخه، ولا يقال: إن هذه الغبطة لا تكون إلا من الأدنى للأعلى فهو عنده ما عنده وزيادة، وقد يكون أيضاً دونه لكن لا يقال: إن كل غابط فهو دون المغبوط، فالغابط قد يكون أعلى من المغبوط كما في هذا الحديث: (إن من عباد الله لأناساً ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء) .
(قالوا: يا رسول الله! تخبرنا من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور).
ذكر هنا صفات هؤلاء التي جعلتهم يصلون إلى هذه المنزلة: أنهم تحابوا في الله ومن أجل الله، فلم يتحابوا من أجل أرحام ومصالح دنيوية متبادلة، أي: قريب يعطف على قريبه ويحبه من أجل قرابته، أو من أجل مال أعطي إياه، أو إحسان حصل، فليست هذه المحبة من أجل هذه الأمور، وإنما من أجل الله، كما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله) ، فهو يحب الله ورسوله، ويحب ما يحبه الله ورسوله ومن يحبه الله ورسوله، فتكون محابه تابعة لما يحبه الله، فليست المحبة من أجل تبادل منافع، أو صلة وقرابة، وإنما جمع بينهما الحب في الله، وفاعل ذلك أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، قال: (ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه) ، فالذي جمعهم هو الحب في الله، وتفرقا على الحب في الله، فليس هناك شيء جمعهم سواه، ولا تفرقوا عنه إلى شيء سواه، ولهذا: (أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله) ، وهذه صفات المؤمنين أنهم يحبون من يحب الله ورسوله وما يحبه الله ورسوله، ويبغضون ما يبغضه الله ورسوله ومن يبغضه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (بروح الله) قيل: المقصود بالروح هنا القرآن، فالقرآن يقال له: روح، كما قال الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] ، يعني أنه بني على اتباع ما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن الذي يحب في الله ومن أجل الله هو الذي يكون متبعاً لما جاء في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(فوالله! إن وجوههم لنور، وإنهم على نور).
يعني: أن وجوههم فيها إشراق وإضاءة، {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين:24] ، وهم على نور يعني: على منابر من نور، (لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس وقرأ هذه الآية: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62] ) .
وأولياء الله بينهم الله بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63] أي: أن ولاية الله عز وجل ليست شيئاً خاصاً يحصل لبعض الناس دون بعض، ويؤدي ذلك الأمر إلى أن يصرف له شيء من حق الله عز وجل ويغالى فيه، فولاية الله عز وجل تكون بالإيمان والتقوى، فمن كان متقياً لله عز وجل مؤمناً به فإنه ولي من أولياء الله، وليست الولاية حكراً على أناس معينين لا تتجاوزهم إلى غيرهم، فكل من كان مؤمناً تقياً فهو ولي لله؛ لأن الله يقول: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62 - 63] ، فهؤلاء هم أولياء الله، وهذا هو تعريف أولياء الله لا تعريف بعض من يدعي الولاية وتدعى له الولاية ثم يكون فوق الناس، فيصرف له الناس شيئاً مما يستحقه الله تعالى، فيغلون فيه ويتجاوزون الحدود.
إن ولاية الله عز وجل بابها مفتوح، فمن يريد أن يكون من أولياء الله فما عليه إلا أن يكون مؤمناً تقياً، فيلتزم بطاعة الله وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام، ويحذر من الوقوع في معصية الله ومعصية رسوله، وبذلك يكون من أولياء الله، وأما تلك الولاية التي تكون لشخص من الناس، والناس يقدسونه ويعظمونه ويصرفون له شيئاً لا يستحقه، ويبذلون له من الأموال بحجة أنه ولي من أولياء الله، وإذا مات ينذرون له النذور، ويتقربون إليه بأنواع من العبادات، حتى تجد بعض الناس لا يعلم لله طريقاً يوصل إليه إلا عن طريق ولي من الأولياء، والله عز وجل قريب من عباده: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] .
ومما يدخل في حديث المحبة: محبة الحي لميت بينه وبينه قرون من الزمن كحب الصحابة والصالحين من السلف، وحب أولياء الله الحاضرين والمتقدمين، ولا شك أن هذا مطلوب، فيحب الإنسان ما يحبه الله ورسوله ومن يحبه الله ورسوله، وكل من كان مؤمناً تقياً ومعروفاً بالفضل والعلم والخير فإننا نحبه، سواء كان من المتقدمين أو من المتأخرين.



تراجم رجال إسناد حديث (هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم)
قوله: [حدثنا زهير بن حرب] .
زهير بن حرب أبو خيثمة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[وعثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا جرير] .
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمارة بن القعقاع] .
عمارة بن القعقاع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير] .
أبو زرعة بن عمرو بن جرير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمر] .
هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وأبو زرعة لم يدرك عمر فهو منقطع، ولكن جاء الحديث عن أبي هريرة من طريق عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة، وأبو زرعة يروي عن أبي هريرة كثيراً، وآخر حديث في صحيح البخاري هو من هذه الطريق: عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) ، فقد جاء الحديث عند ابن جرير من طريق عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة بألفاظ مقاربة إلا في أشياء يسيرة منه، وعلى ذلك فيكون هذا الذي جاء عن عمر يشهد له حديث أبي هريرة.
وقد ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله عند تفسير: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62] الحديث عن أبي هريرة، ثم ذكر حديث عمر وقال: إنه منقطع؛ لأنه لم يدركه.



ما جاء في الرجل يأكل من مال ولده



شرح حديث (إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يأكل من مال ولده.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن عمارة بن عمير عن عمته أنها سألت عائشة رضي الله عنها: في حجري يتيم أفآكل من ماله؟ فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه) ] .
أورد أبو داود باب في الرجل يأكل من مال ولده، يعني: أن ذلك سائغ، وذلك أن الولد من كسبه فهو سبب وجوده، فيكون له حق عليه، وإذا كان محتاجاً فنفقته واجبة عليه، وإذا أخذ من مال ولده ما لا يلحق به ضرراً فإن له ذلك؛ لأنه من كسبه.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنها سألتها امرأة أن في حجرها يتيم وأنها تأكل من مال ولدها اليتيم؟ فذكرت عائشة رضي الله عنها الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه) ، وهذا فيه أن عائشة رضي الله عنها لما سئلت أجابت بالحديث، وهذه هي طريقة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في كثير من الحالات، فالواحد منهم عندما يسأل فإنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فيأتي بالجواب ويأتي بدليل الجواب، فيكون ذكر الدليل مشتمل على الجواب، فكانوا إذا سئلوا ضمنوا جوابهم الأثر، ومن أوضح الأمثلة على ذلك حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أول حديث في صحيح مسلم، فـ ابن عمر رضي الله عنه لما جاءه اثنان من العراق وقالوا: إنا وجدنا قبلنا أناساً يقولون بالقدر وأنه كذا وكذا، ثم قال: أخبرهم أنني بريء منهم وأنهم برآء مني، ثم قال: حدثني عمر، وأتى بالحديث الطويل من أجل: (وأن تؤمن بالقدر خيره وشره) .
فكانوا إذا سئلوا أجابوا بالأثر، وصنيع عائشة رضي الله عنها هو من هذا القبيل، فلم تقل: نعم واكتفت، وإنما ذكرت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيكون في ذلك الإجابة عن المطلوب وزيادة الدليل.



تراجم رجال إسناد حديث (إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه)
قوله: [حدثنا محمد بن كثير] .
هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان] .
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور] .
هو منصور بن معتمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم] .
إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمارة بن عمير] .
عمارة بن عمير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمته] .
لم أقف عليها.
[عن عائشة] .
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والأحاديث كثيرة في هذا الموضوع، وهو أن الرجل يأكل من مال ولده وقد أوردها المصنف رحمه الله تعالى، ووجود هذه المرأة المبهمة في هذا الإسناد لا يؤثر؛ لأنه ليس الحديث الوحيد الذي جاء في هذا الباب، فقد جاء فيه أحاديث كثيرة مثل حديث: (إن أبي يجتاح مالي) ، وقد ذكر الحافظ ابن حجر طرقه وجمعها وأشار إليها في (فتح الباري) (5/ 211) .



شرح حديث (ولد الرجل من أطيب كسبه) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة وعثمان بن أبي شيبة المعنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن الحكم عن عمارة بن عمير عن أمه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ولد الرجل من أطيب كسبه، فكلوا من أموالهم) ] .
أورد أبو داود حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
قوله: [حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة] .
عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[وعثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة مر ذكره.
[حدثنا محمد بن جعفر] .
هو محمد بن جعفر غندر البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة] .
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحكم] .
هو الحكم بن عتيبة الكندي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمارة بن عمير عن أمه عن عائشة] .
قال هنا: عن أمه، وهناك قال: عن عمته، فيمكن أن الراوية من جهة أمه وعمته، ويمكن أن يكون ذكر إحداهما خطأ.
[قال أبو داود: حماد بن أبي سليمان زاد فيه: (إذا احتجتم) أو هو منكر] .
يعني: أن هذه الزيادة منكرة، فالأحاديث جاءت بدونها، ومعلوم أن الحاجة هي الأصل، ولكن لا يقال: إنها لمجرد الحاجة، فلو كان الإنسان مستغنياً وعنده ما يكفيه ولكن أراد أن يأخذ من مال ولده فله ذلك بشرط ألا يحصل إضرار به، فليست المسألة تتوقف على الحاجة، فالنفقة واجبة عليه عند الحاجة، وأما إذا كان عن غير حاجة فيجوز له أيضاً الأكل من مال ولده.
وحماد بن أبي سليمان صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.



شرح حديث (أنت ومالك لوالدك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله! إن لي مالاً وولداً، وإن والدي يجتاح مالي، قال: أنت ومالك لوالدك، إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم) ] .
هذا حديث عبد الله بن عمرو، والذي مر هو حديث عائشة وفيه المرأة المبهمة، وهنا الطريق مستقيمة وهو بمعناه، وفيه: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن لي مالاً وولداً وإن أبي يجتاح مالي) أي: أنه يأخذ منه كثيراً حتى يؤثر عليه، ومعلوم أن النفقة لازمة له، ولهذا أجابه بقوله: (أنت ومالك لوالدك) أي: أن له حقاً في مالك.
قوله: (وأن الولد من أطيب الكسب) لكن ليس له أن يجتاح ماله ويلحق به ضرراً بحيث يأخذ ماله ويبقيه بدون مال، ولكن يستفيد من ماله على وجه لا يضر بالولد.



تراجم رجال إسناد حديث (أنت ومالك لوالدك)
قوله: [حدثنا محمد بن المنهال] .
محمد بن المنهال ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا يزيد بن زريع] .
يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حبيب المعلم] .
حبيب المعلم صدوق أخرج له أصحاب الكتب.
[عن عمرو بن شعيب] .
هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وهو صدوق أخرج له البخاري في (جزء القراءة) وأصحاب السنن.
[عن أبيه] .
أبوه هو شعيب، وهو صدوق أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) و (جزء القراءة) وأصحاب السنن.
[عن جده] .
هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



ما جاء في الرجل يجد عين ماله عند رجل



شرح حديث (من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به ويتبع البيع من باعه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يجد عين ماله عند رجل.
حدثنا عمرو بن عون حدثنا هشيم عن موسى بن السائب عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به، ويتبع البيع من باعه) ] .
أورد أبو داود: باب في الرجل يجد عين ماله عند رجل.
وتأتي كثيراً التراجم بذكر الرجل، وهذا ليس له مفهوم، بمعنى أن المرأة لا تختلف في ذلك، فحكم الرجال والنساء سواء، وإنما يأتي ذكر الرجال لأن الغالب أن الخطاب معهم، وإلا فإن النساء مثل الرجال في ذلك، والأحاديث التي مرت قريباً في الرجل يجد متاعه عند رجل قد أفلس، وكذلك المرأة إذا وجدت متاعها عند رجل قد أفلس أو عند امرأة قد أفلست، وكذلك الدائن سواء كان رجلاً أو امرأة فلا فرق بين هذا وهذا، والأصل هو التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام إلا إذا جاء نصوص تميز بين الرجال والنساء في الأحكام فعند ذلك يصار إليها، وإلا فإن الغالب أن ذكر الرجال إنما هو لكونهم مخاطبين، ولهذا يأتي في الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه) ، وكذلك المرأة إذا كانت تصوم فوافق صومها يوم الثلاثين.
وهذه الترجمة: وجد عين ماله عند رجل، لا تعارض الأبواب السابقة التي فيها ذكر المفلس؛ لأن هذا يتعلق بالغصب، إذ معناه: إن يسرق مال إنسان أو يغصب ثم يجده عند شخص، وهذا الشخص ليس هو الغاصب وإنما اشتراه من الغاصب أو وهبه له الغاصب، فلصاحب المال أن يأخذه، وله أن يطالب هذا الذي بيده ماله بأن يسلمه له، ثم هذا الذي أخذت منه العين التي كانت مغصوبة يرجع على البائع الذي باعه وأخذ منه الفلوس وهو لا يملك السلعة، فهذا هو المقصود من هذه الترجمة، ومن حديث سمرة بن جندب.
وهذا الحديث من رواية الحسن عن سمرة، وكما هو معلوم أن الذي ثبت له سماعه منه إنما هو حديث العقيقة فقط، وأما غير ذلك فإذا لم يأت شيء يدل عليه أو يقويه فإنه لا يعتبر ثابتاً، وهذا الحديث جاء من هذا الطريق فهو ضعيف، لكنه صحيح من حيث الحكم ومن حيث المعنى؛ لأن صاحب المال أحق بماله، فإذا سرق مال الإنسان ثم وجد ذلك المسروق بعينه عند شخص من الناس فإنه يطالبه ويأخذه، ثم يبحث ذلك الشخص عن الذي باعه وهو غير مالك، فيأخذ حقه منه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29-06-2025, 01:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,892
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله



تراجم رجال إسناد حديث (من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به ويتبع البيع من باعه)
قوله: [حدثنا عمرو بن عون] .
عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشيم] .
هو هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن موسى بن السائب] .
هو موسى بن السائب صدوق أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن قتادة] .
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن] .
هو الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سمرة بن جندب] .
صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.




ما جاء في الرجل يأخذ حقه من تحت يده




شرح حديث (إن أبا سفيان رجل شحيح)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يأخذ حقه مِن تحت يده.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن هنداً أم معاوية جاءت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: (إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني ما يكفيني وبني، فهل علي جناح أن آخذ من ماله شيئاً؟ قال: خذي ما يكفيك وبنيك بالمعروف) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده، وهذا من جنس ما قبله، فللرجل أو المرأة أن يأخذا مما تحت أيديهما، وذكر الرجل في الترجمة لأن الخطاب غالباً يكون مع الرجال، فهذا هو وجهه وإلا فالحديث كله يتعلق بامرأة ستأخذ مما تحت يدها، فالرجال والنساء في الأحكام سواء كما هو معلوم.
والمقصود من هذا أن الإنسان إذا كان له حق على إنسان وكان في يده شيء لذلك الإنسان، أو وصل إليه مال لذلك الإنسان فله أن يأخذ حقه من ذلك المال الذي بيده لاسيما إذا كان الرجل الذي عليه الحق مماطلاً أو غير قائم بالتسديد والتوفية، وهذه يسمونها مسألة الظفر، وهو أن من كان له حق على إنسان ووقع في قبضته شيء من ماله فله أن يستوفي حقه من ذلك الذي وقع في يده، فإن فضل شيء رده لصاحبه، وأن نقص عن حقه طالبه بالباقي.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها في قصة هند امرأة أبي سفيان أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: (إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني وولدي ما يكفيني، فهل آخذ من ماله ما يكفيني؟ قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) ، ومحل الشاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لها بأن تأخذ من مال أبي سفيان الذي يكون تحت يدها، وتنفق به على نفسها وولدها، ولكن ذلك الإنفاق وذلك الأخذ يكون بالمعروف، فلا يكون فيه تقتير ولا تبذير وإسراف، وإنما تأخذ كفايتها على قدر الحاجة دون أن تزيد في ذلك، وهذا يدلنا على ما ترجم له قال المصنف رحمه الله تعالى، وأن للإنسان أن يأخذ حقه من مال غيره إذا وقع في قبضته.
وفيه أيضاً ذكر الإنسان بالشيء الذي لا يعجبه إذا كان ذلك في مقام التقاضي أو الاستفتاء أو غير ذلك؛ لأنها قالت: (إن أبا سفيان رجل شحيح) ، ومعلوم أن أبا سفيان لا يعجبه أن يقال عنه: رجل شحيح، فذكر الإنسان بشيء هو فيه لا يعجبه لا بأس به عند الحاجة، وليس هذا من قبيل الغيبة، فهذا مما هو مأذون فيه، لأن (الغيبة ذكرك أخاك بما يكره) ، لكن إذا كان ذلك في باب الجرح والتعديل وثبوت الشهادة فإنه يذكر الإنسان بما فيه، وكذلك في الاستشارة يخبر المستتشار مستشيره بما يعلمه فيه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة المرأة التي سألته عن معاوية وأبي الجهم لما خطباها.
والحديث فيه دليل على أن للقاضي أن يحكم بعلمه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما طلب منها البينة على ما ادعته، لكن هذا ليس بقضاء وإنما هو فتوى، ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: خذي ما يكفيك دون أن يطلب منها ما يثبت كلامها؛ لأنه ربما علم أن هذا من شأن أبي سفيان رضي الله عنه، فهو عنده شيء من البخل والشح، فمن أجل ذلك أذن لها الرسول صلى الله عليه وسلم بأن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف.




تراجم رجال إسناد حديث (إن أبا سفيان رجل شحيح)
قوله: [حدثنا أحمد بن يونس] .
أحمد بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير] .
هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام بن عروة] .
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة] .
عروة ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة] .
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.




شرح حديث (إن أبا سفيان رجل شحيح) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا خشيش بن أصرم حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءت هند إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل ممسك، فهل علي من حرج أن أنفق على عياله من ماله بغير إذنه؟ فقال: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا حرج عليك أن تنفقي بالمعروف) ] .
أورد أبو داود حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم.
قوله: [حدثنا خشيش بن أصرم] .
خشيش بن أصرم ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا عبد الرزاق] .
هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معمر] .
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري] .
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة عن عائشة] .
وقد مر ذكرهما.




شرح حديث (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو كامل أن يزيد بن زريع حدثهم حدثنا حميد -يعني: الطويل - عن يوسف بن ماهك المكي قال: كنت أكتب لفلان نفقة أيتام كان وليهم، فغالطوه بألف درهم فأداها إليهم، فأدركت لهم من مالهم مثليها، قال: قلت: أقبض الألف الذي ذهبوا به منك؟ قال: لا، حدثني أبي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) ] .
أورد أبو داود حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) ، وهذا لا يعارض ما تقدم من الإذن لمن له حق أن يأخذه؛ لأن ذاك حق وليس بخيانة، وإنما النهي هنا عن خيانة من يخون، فالإنسان إذا حصل له خيانة فلا يعاقب بخيانة وإنما يصفح ويتجاوز ويؤدي الأمانة إلى من ائتمنه.
وقد أورد أبو داود حديث ذلك الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أن يوسف بن ماهك كان كاتباً لرجل عنده أيتام وأنهم غالطوه بألف، يعني: عندما بلغوا وسلم لهم أموالهم ادعو عليه ألفاً، فأعطاهم إياه، فذكر له يوسف بن ماهك: أنه ظفر لهم بألفين، فهل آخذ لك حقك من هذا الذي بيدي؟ فقال: لا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) يعني: إذا كانوا أخذوا بغير حق وكانوا مبطلين فلا يعاملهم بنفس معاملتهم، وإنما يعفو ويحسن في المعاملة.



تراجم رجال إسناد حديث (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)
قوله: [حدثنا أبو كامل] .
هو أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي.
[أن يزيد بن زريع] .
يزيد بن زريع مر ذكره.
[حدثنا حميد -يعني: الطويل -] .
هو حميد بن أبي حميد الطويل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يوسف بن ماهك المكي] .
يوسف بن ماهك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن رجل عن أبيه] .



شرح حديث (أد الأمانة إلى من ائتمنك) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء وأحمد بن إبراهيم قالا: حدثنا طلق بن غنام عن شريك قال ابن العلاء: وقيس عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) ] .
أورد المصنف حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ الحديث المتقدم، والحديث المتقدم فيه رجل مجهول وهو صاحب الحساب مع الأيتام، وهو هنا من حديث أبي هريرة، فيكون ثابتاً من طريق أبي هريرة.
قوله: [حدثنا محمد بن العلاء] .
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأحمد بن إبراهيم] .
هو أحمد بن إبراهيم الدورقي ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
[حدثنا طلق بن غنام] .
طلق بن غنام ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن شريك] .
هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي صدوق يخطئ كثيراً، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[قال ابن العلاء: وقيس] .
يعني أن قيس مشارك لـ شريك وقرين له، فهناك اثنان من طريق ابن العلاء: شريك وقيس بن الربيع، وأما الدورقي فإنه لا يرويه إلا عن طريق شريك.
وقيس بن الربيع صدوق أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبي حصين] .
هو أبو حصين عثمان بن عاصم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح] .
هو أبو صالح السمان ذكوان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وأبو هريرة مر ذكره.



الأسئلة



حكم الإنفاق على أب لا يصلي
السؤال إذا كان الأب لا يصلي فهل يجوز لي أن أنفق عليه؟
الجواب أنفق عليه، ولكن هناك شيء أهم من الإنفاق عليه وهو نصحه وتوجيهه ودعوته وتخويفه، وأعظم بر له هو العمل على هدايته؛ لأن هذا فيه سلامته من العذاب في الدار الآخرة، وأما النفقة فهي لقوام الجسد في هذه الحياة، والصلاة والاستقامة هي الزاد الذي ينفع في الدار الآخرة: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[البقرة:197] ، فعليه أن ينفق عليه إذا كان محتاجاً إلى النفقة، ولكن أهم شيء هو أن يسعى في هدايته وإنقاذه من الهلكة.



استواء الذكر والأنثى في الأكل من أموالهم
السؤال هل البنت اليتيمة مثل الولد في الأكل من مالها؟
الجواب نعم هي مثله؛ فإذا احتاج الأب إلى بنته تنفق عليه إذا كانت صاحبة مال فلا فرق بين الولد والبنت؛ لأن الولد يشمل الابن والبنت: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}[النساء:11] ، {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ}[النساء:11] ؛ ويدخل فيه البنت، ويقول: {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ}[النساء:11] ، والوالد هنا يشمل الذكر والأنثى، وقال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ}[النساء:11] .



مدة نفقة الوالد على ولده
السؤال ما هي مدة نفقة الوالد على ولده، هل لها سن معين؟
الجواب معلوم أنه ما دام صغيراً يعني فإنه ينفق عليه، وإذا كبر وليس عنده قدرة على الكسب فإنه ينفق عليه، وأما إذا كان عنده قدرة على الكسب فإنه يرشده إلى أن يكتسب.



سبب اشتراط عدم الإجحاف بمال الولد
السؤال لماذا نشترط ألا يجحف الوالد بمال ولده؟
الجواب معلوم أن الإنسان له حق في ماله، وهو أولى بماله من غيره، فكون الوالد يقضي على ماله ويبقى الولد فقيراً، فهذا لا يصلح، ولكن لا بأس أن الوالد يستفيد والولد يستفيد، فلا يصح أن يمسي غنياً ثم يصبح فقيراً؛ لأن والده سحب جميع ماله، ثم يذهب يسأل الناس! فهذا لا يستقيم.



حكم أخذ الولد الغني والده للحج
السؤال إذا كان عند الولد مال كثير فهل يجب عليه أن يذهب بوالده لأداء مناسك الحج؟
الجواب إذا كان والده لم يحج، والابن قادر على ذلك فإن هذا من أعظم البر والإحسان، فيمكنه من أداء هذا الفرض، بل للوالد أن يأخذ من مال ولده ويحج به.



حكم قول العامة (خان الله من يخون)
السؤال تقول العامة: خان الله من يخون، فما حكم هذه المقولة؟
الجواب هذا من أكبر الغلط، فلا تضاف الخيانة إلى الله عز وجل والعياذ بالله.



حكم أخذ الحق من غير جنس ما أخذ منه
السؤال هل يأخذ الرجل حقه من مال عنده لرجل وذلك ليس من جنس حقه، بمعنى: أن حقه من الغنم ووقع تحت يده من البقر؟
الجواب يمكن أن يأخذه منه بقيمته.



حكم أخذ الولد من مال والده بغير علمه
السؤال هل للولد أن يأخذ من مال أبيه بالمعروف من غير علمه؟
الجواب ليس له ذلك.



حكم فتح المطعم في نهار رمضان للمسلم والكافر
السؤال هناك مسلم صاحب مطعم في فرنسا هل يجوز له أن يبيع فيه في نهار رمضان سواءً للمسلم أو للكافر؟
الجواب لا يجوز للمسلم أن يبيع الطعام في نهار رمضان لا للمسلمين ولا للكفار.



بيع الرهن بعد انتهاء المدة
السؤال إذا انتهت المدة المعيّنة للرهن، فماذا يفعل الذي عنده الرهن؟
الجواب إذا لم يوفه حقه عند انتهاء المدة يباع الرهن ويأخذ حقه، وإن وجدت الزيادة ردها عليه، وإن كان هناك نقص فيبقى في ذمته.



أحاديث الأبدال
السؤال ما قولكم في الأبدال الذين أثبتهم كثير من العلماء كـ السيوطي؟
الجواب لا نعلم شيئاً ثابتاً في الأبدال، لكن لا شك أن الله عز وجل قد هيأ لهذا الدين من يقوم به، فلا يخلو زمان من قائم لله بحجته ممن يوضح ويبين هذا الدين، فهذا المعنى موجود، وأما أحاديث الأبدال فليس منها شيء ثابت.



استئذان الوالد للأخذ من مال ولده
السؤال إذا أراد الأب أن يأخذ من مال ولده فهل يلزمه الاستئذان، أم يأخذ بدون استئذان؟
الجواب لا شك أن الاستئذان أحسن، ولكن لو أخذ بدون استئذان كان له ذلك.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29-06-2025, 01:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,892
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [402]
الحلقة (434)





شرح سنن أبي داود [402]
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها بخير منها، وهذا الأمر له أثره العظيم في نفس المهدي، فقبول الهدية فيه تطييب لقلب ونفس المهدي، فهو نوع من الكرم وباب من حسن الخلق يتألف به القلوب، وتدخل الهبة في الهدية، ولكن الهبة يحرم الرجوع فيها، أما الهدية لشخص من أجل قضاء حاجة فقبولها يعتبر من أبواب الربا، أما الهبة والعطية للأولاد فيشترط فيها العدل بين الأولاد، فكما أن الآباء يحبون من أولادهم أن يبروهم، فعليهم أن يعدلوا بينهم في العطية، فإن المفاضلة بين الأولاد بلا سبب مدعاة للعقوق، ومدعاة للشحناء والقطيعة بين الأولاد.



ما جاء في قبول الهدايا



شرح حديث: (أن النبي كان يقبل الهدية ويثيب عليها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في قبول الهدايا.
حدثنا علي بن بحر وعبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي قالا: حدثنا عيسى -وهو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي - عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها) ] .
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في قبول الهدايا، أي: في حكم ذلك وأنه سائغ لا بأس به، ذلك في حق من يسوغ له أن يقبل الهدية ككونه ليس عاملاً ولا موظفاً، فإن كان من الموظفين الذين يهدى لهم من أجل محاباتهم ومن أجل تحصيل شيء بسبب ولايتهم ورئاستهم وما إلى ذلك، فإن هذا لا يجوز.
وأورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها) يعني: كان يقبلها ويثيب عليها بمثلها وأحسن منها، وهذا شأن وطريقة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ودل هذا على أن قبول الهدية حيث يكون المهدى إليه لا يترتب على الإهداء إليه دفع مضرة أو جلب مصلحة، أو أنه من أجل ولايته أو رئاسته أو ما إلى ذلك فإن مثل ذلك لا يسوغ، وبالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم فهو إمام المسلمين وسيد الخلق أجمعين، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهو معصوم بخلاف غيره فإنه غير معصوم، ولهذا فمن كان والياً أو موظفاً فلا يجوز له قبول الهدية؛ لأنه يحدث بسبب قبولها وبسبب الإهداء إليه أمور لا تصلح ولا تنبغي، ومن أجلها جاء النهي عن ذلك في أحاديث أخرى كما جاء في قصة ابن اللتبية الذي ذهب لجباية الزكاة فكان يهدى إليه، فلما جاء قال: (هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقال عليه الصلاة والسلام: ألا جلس في بيت أمه حتى ينظر هل تأتي إليه هديته؟) ، يعني: أن الهدية لم تأت من أجل شخصه، وإنما جاءت من أجل مهمته وولايته، فدل هذا على أن الهدايا للعمال لا تجوز وأنها غير سائغة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها، والإثابة هي إعطاء شيء في مقابلها مثلها أو أحسن منها.
ومعلوم أن الهدايا تختلف، فقد تكون مثلاً هدية من كبير إلى صغير، أو من غني إلى فقير، وهذه ليس فيها مقابلة ولا إثابة إلا الدعاء، ولو أن إنساناً فقيراً أعطى لشخص كبير شيئاً وهو يرغب من ورائه بأن يحصل شيئاً أكثر فهذا هو الذي يثاب عليه، وهذا هو الذي يعطى في مقابل الهدية مثلها أو أكثر منها.



تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان يقبل الهدية ويثيب عليها)
قوله: [حدثنا علي بن بحر] .
علي بن بحر ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي.
[وعبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي] .
عبد الرحيم بن مطرف الرؤاسي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[حدثنا عيسى] .
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة] .
هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
أبوه هو عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة] .
أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.



شرح حديث: (وايم الله لا أقبل بعد يومي هذا من أحد هدية إلا أن يكون)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا سلمة -يعني: ابن الفضل - حدثني محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وايم الله! لا أقبل بعد يومي هذا من أحد هدية إلا أن يكون مهاجراً قرشياً، أو أنصارياً، أو دوسياً، أو ثقفياً) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقال: (وايم الله! لا أقبل بعد يومي هذا من أحد هدية إلا أن يكون مهاجراً قرشياً، أو أنصارياً، أو دوسياً، أو ثقفياً) .
ولعل ذلك أن هؤلاء قد عرفوا عزة النفس، وعدم الإلحاح والتطلع إلى شيء كثير جداً، وقد جاء في بعض الروايات ذكر السبب، وهو أن أعرابياً جاء فأعطاه حتى أعطاه أضعافاً مضاعفة، ومع ذلك ظل ساخطاً بعد ذلك، فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقالة.



تراجم رجال إسناد حديث: (وايم الله لا أقبل بعد يومي هذا من أحد هدية إلا أن يكون)
قوله: [حدثنا محمد بن عمرو الرازي] .
محمد بن عمرو الرازي ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة.
[حدثنا سلمة - يعني: ابن الفضل -] .
سلمة بن الفضل صدوق كثير الخطأ، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة في التفسير.
[حدثني محمد بن إسحاق] .
محمد بن إسحاق المدني صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن سعيد بن أبي سعيد] .
هو سعيد بن أبي سعيد المقبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه] .
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] .
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
وهذا الإسناد فيه من هو متكلم فيهم، وقد صححه الألباني.



الفرق بين الهدية والعطية والهبة والصدقة
والفرق: بين الهدية والعطية والهبة والصدقة أن الصدقة تكون من الغني إلى الفقير، وأما الهدية فتكون من المثيل إلى المثيل، ومن الأدنى إلى الأعلى، والعطية بمعنى الهبة، والهدية -كما هو معلوم- قد يطلب بها المقابل، وأما الهبة والعطية فلا تكون كذلك.



الأسئلة



درجة حديث (تهادوا تحابوا)
السؤال ما صحة حديث: (تهادوا تحابوا) ؟
الجواب هذا حديث حسن.



حكم الإهداء لمدرس التحفيظ
السؤال ولدي يحفظ القرآن في أحد المساجد عند أحد المشايخ، وهو موظف عند جماعة التحفيظ، وودت أنه كلما انتهى من جزء أهدى لهذا المدرس هدية، فهل هذا يدخل في هدايا الموظفين؟
الجواب الذي يظهر أنه يدخل؛ لأنه موظف، والهدية تجعله يميل إليه ميلاً خاصاً، ويعنى به عناية خاصة من أجل هذه الهدية، وقد يحصل منه تقصير في حق من لا يكون كذلك، فتكون المسألة فيها تنافس عن طريق الهدايا.
والحاصل: ما دام أنه موظف فلا يهدى إليه.



ما جاء في الرجوع في الهبة



شرح حديث: (العائد في هبته كالعائد في قيئه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجوع في الهبة.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان وهمام وشعبة قالوا: حدثنا قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (العائد في هبته كالعائد في قيئه) ] .
أورد أبو داود رحمه الله باب الرجوع في الهبة، أي: أن يهب الإنسان شيئاً ثم يطلب إعادته ممن أعطاه إياه، فهذا هو الرجوع في الهبة، وهو مذموم، وجاء ما يدل على تحريمه مع استثناء الوالد فيما يعطيه لولده فإن ذلك مستثنى وسائغ، وأما غيره فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على التنفير منه، وتمثيله بأنه كالعائد في قيئه، ومعلوم أن القيء قبيح مستقذر، وكون الإنسان يقيء ويرجع إلى قيئه فهذا شيء لا تقبله النفوس، وأيضاً جاء في الأحاديث بأنه يشبه الكلب، فهو يدل على التنفير والتحذير منه وأنه غير سائغ، وهو سائغ في حق الوالد فقط؛ لأن مال الولد كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك) ، كما سبق أن مر بنا، وأيضاً فالوالد قد يحتاج إلى الرجوع؛ لأنه قد يفضل بعض أولاده على بعض ولا يسوي بينهم، فيلزمه أن يرجع في هبته التي أعطاها لبعض الأولاد حتى يسوي بين الأولاد ويعطي الآخرين مثل ما أعطى الذي أعطاه.
فالحاصل: أن الوالد له حكم يخصه، فهو مستثنى من الرجوع في الهبة، وأما غيره فإنه لا يجوز له ذلك.



تراجم رجال إسناد حديث: (العائد في هبته كالعائد في قيئه)
قوله: [حدثنا مسلم بن إبراهيم] .
هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبان] .
هو أبان بن يزيد العطار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[وهمام] .
هو همام بن يحيى العوذي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وشعبة] .
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا قتادة] .
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن المسيب] .
سعيد بن المسيب ثقة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس] .
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال: همام: وقال: قتادة: ولا نعلم القيء إلا حراماً] يعني: أنه يحرم على الإنسان أن يأكل قيأه، بل هو في غاية الاستقذار.



شرح حديث: (لا يحل لرجل أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يزيد -يعني: ابن زريع - حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل، فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه) ] .
أورد أبو داود حديث ابن عمر وحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لرجل أن يعطي عطية ثم يعود فيها إلا الوالد فيما يعطي ولد، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل فيشبع، فإذا قاء رجع في قيئه) ، فهذا فيه استثناء الوالد، وفيه أيضاً التمثيل بالكلب، وذلك شيء مستقبح؛ لأن القيء قبيح، والكلب فعله قبيح، فيكون ذلك من أسوأ الأعمال، وفعل في غاية الدناءة والسوء.
واستثناء الوالد من ذلك لأنه إذا رجع فكأنما رجع في ماله لحديث (أنت ومالك لأبيك) ، وقد يحتاج الوالد إلى الرجوع إذا أعطى بعض بنيه ولم يعط الباقين، أو لم يتمكن من إعطاء الباقين، فإن عليه أن يرجع حتى يسوي بينهم فيعطيهم جميعاً على حد سواء، وذلك بأن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، فهو عندما يمنح الأولاد فإنه يعطيهم على قدر إرثهم ولا يسوي بين البنين والبنات، وإنما يعطي على قدر الإرث، فكما هي الحالة بعد الموت، {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11] ، فكذلك إذا أعطى في الحياة فإنه يعطي الذكر مثل الأنثيين.
ولا يقاس عليه الزوج في هبته لزوجته؛ لأن الاستثناء إنما حصل للولد.



تراجم رجال إسناد حديث: (لا يحل لرجل أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده)
قوله: [حدثنا مسدد] .
هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا يزيد -يعني: ابن زريع -] .
يزيد بن زريع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حسين المعلم] .
هو حسين بن ذكوان المعلم، ثقة ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن شعيب] .
عمرو بن شعيب صدوق، أخرج حديثه البخاري في (جزء القراءة) وأصحاب السنن.
[عن طاوس] .
طاوس بن كيسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر] .
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[وابن عباس] .
ابن عباس مر ذكره.



شرح حديث (لا يحل لرجل أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده) من طريق أخرى
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد أن عمرو بن شعيب حدثه عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (مثل الذي يسترد ما وهب كمثل الكلب يقيء فيأكل قيئه، فإذا استرد الواهب فليوقف فليعرف بما استرد، ثم ليدفع إليه ما وهب) ] .
أورد أبو داود حديث عمرو بن شعيب من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وفيه: (فإذا استرد الواهب فليوقف فليعرف) يعني: إذا أراد الواهب أن يسترد ما وهبه فليعرف ويوقف على الحكم، وأن ذلك غير سائغ، وأن هذا مثل صنيع الكلب الذي يقيء فيعود في قيئه فهو أعطى من أجل أن يحصل له مقابل، ولما لم يحصل واسترد فإنها ترد عليه.
قوله: (ثم ليدفع إليه ما وهب) يعني: يرجع له ولا يعطى أكثر، وهذا إذا أراد أن يرجع بالشيء الذي أعطاه؛ لأنه ما حصل الشيء الذي يريد؛ فليرجع إليه.



تراجم رجال إسناد حديث (لا يحل لرجل أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده) من طريق أخرى
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري] .
سليمان بن داود المهري المصري ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[أخبرنا ابن وهب] .
هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني أسامة بن زيد] .
هو أسامة بن زيد الليثي، وهو صدوق يهم أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن عمرو بن شعيب عن أبيه] .
عمرو بن شعيب مر ذكره، وأبوه شعيب بن محمد صدوق، أخرج حديثه البخاري في (الأدب المفرد) و (جزء القراءة) وأصحاب السنن.
وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما هو الصحابي الجليل، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.



ما جاء في الهدية لقضاء الحاجة



شرح حديث: (من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الهدية لقضاء الحاجة.
حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب عن عمر بن مالك عن عبيد الله بن أبي جعفر عن خالد بن أبي عمران عن القاسم عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا) ] .
أورد أبو داود: باب في الهدية لقضاء الحاجة، أي: أن يشفع له شفاعة ثم يأخذ عليها شيئاً، ومعنى ذلك: أن هذا فيه طلب الثواب، فالإنسان عندما يأخذ في مقابله شيء مع أنه أمر سهل فإن ذلك يؤثر في النية والإحسان وعدم تحصيل الثواب الذي يكون بالإحسان؛ لأنه أخذ مقابله عرضاً من الدنيا.
أورد أبو داود حديث أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا) ، أي: أن فيه شبهاً؛ لأن هذا إحسان، والأصل أنه لا يأخذ في مقابله شيء، وكونه فعل ذلك محسناً ثم يأخذ في مقابله شيئاً فإن ذلك يؤثر فيه، فهو كالذي أتى باباً عظيماً من أبواب الربا، يعني: أن فيه شبهاً، وهذا تحذير من هذا العمل، فمن شفع شفاعة حسنة فليرجو ثوابها عند الله عز وجل، ولا يكون شأنه كشأن من عمل هذا العمل وهمه الدنيا والبحث عنها في مقابل هذا الإحسان الذي ينبغي أن يكون لله، وأن يبذل بدون مقابل.



تراجم رجال إسناد حديث: (من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هدية عليها فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا)
قوله: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح] .
هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا ابن وهب] .
ابن وهب مر ذكره.
[عن عمر بن مالك] .
عمر بن مالك لا بأس به أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي.
[عن عبيد الله بن أبي جعفر] .
عبيد الله بن أبي جعفر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن خالد بن أبي عمران] .
خالد بن أبي عمران صدوق أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن القاسم] .
هو القاسم بن عبد الرحمن، وهو صدوق يغرب كثيراً، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) وأصحاب السنن.
[عن أبي أمامة] .
هو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه، وحديثه أخرج أصحاب الكتب الستة.



ما جاء في الرجل يفضل بعض ولده في النحل



شرح حديث النعمان بن بشير: (هذا تلجئة فأشهد على هذا غيري)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يفضل بعض ولده في النحل.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم أخبرنا سيار وأخبرنا مغيرة وأخبرنا داود عن الشعبي، وأخبرنا مجالد وإسماعيل بن سالم عن الشعبي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: (أنحلني أبي نحلاً، قال إسماعيل بن سالم من بين القوم: نحلة غلاماً له، قال: فقالت له أمي عمرة بنت رواحة: ائت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأشهده، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأشهده، فذكر ذلك له فقال له: إني نحلت ابني النعمان نحلاً، وإن عمرة سألتني أن أشهدك على ذلك، قال: فقال: ألك ولد سواه؟ قال: قلت: نعم، قال: فكلهم أعطيت مثل ما أعطيت النعمان؟ قال: لا) .
قال: فقال بعض هؤلاء المحدثين: (هذا جور) ، وقال بعضهم: (هذا تلجئة فأشهد على هذا غيري) .
قال مغيرة في حديثه: (أليس يسرك أن يكونوا لك في البر واللطف سواء؟ قال: نعم، قال: فأشهد على هذا غيري) .
وذكر مجالد في حديثه: (إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك) ] .
أورد أبو داود: باب في الرجل يفضل بعض ولده في النحل، يعني: في العطية، والنحل جمع نحلة وهي العطية، فلا يجوز أن يخص الوالد بعض أولاده بالعطايا والأموال، فإذا أعطى فليسوِّ بينهم في العطية، فإذا كانوا ذكوراً وإناثاً فإنه يعطي للذكر مثل حظ الأنثيين، فيسوي بين الإناث ويسوي بين الذكور، ويجعل للذكر مثل حظ الأنثيين كالشأن في الميراث، فمن الناس من يريد أن يسوي بين الذكور والإناث في الحياة، حتى لا يحصل التفريق بينهم بعد الممات، فيريد أن يعطي النساء أكثر مما يستحققنه وذلك بأن يعطيهن في حياته وهذا غلط، فإذا وزع عليهم في الحياة فليوزع كما يوزع الميراث، وهذا من حيث العطايا، وأما من حيث النفقة فإن ذلك يختلف باختلاف أحوالهم، فالصغير يختلف الإنفاق عليه من الكبير، وإذا جاء موعد زواج واحد منهم يزوجه، لكن لا يرصد لكل واحد مقدار ما أعطى الآخر في الزواج، وإذا بلغ إلى أنه يعطى سيارة وأعطى سيارة فلا يرصد لكل واحد منهم أن يعطيه ذلك، ولكنه إذا وصل ذاك الذي دونه إلى ما وصل إليه هذا فإنه يعامله كما عامل هذا، لا أنه إذا أعطى إنساناً شيئاً من النفقة أنه يلزمه يرصد للباقين مثل ما رصد له، وإنما يعطي كلاً في وقته بحسبه، فقد ترتفع المهور وقد تنخفض، وقد تزيد أسعار السيارات وقد تنخفض وهكذا.
فالحاصل: أن هذا يعتبر من جملة النفقة التي تختلف باختلاف الأحوال، ولا يعتبر من قبيل العطايا التي لابد فيها من التسوية، وإنما ذلك فيما إذا أعطاهم نقوداً، أو عقاراً، أو أشياء يتملكونها فيسوي بينهم على ما ذكر، وهو أن للذكر مثل حظ الأنثيين.
قال: [(أنحلني أبي نحلاً، قال إسماعيل بن سالم من بين القوم: نحلة غلاماً له).
يعني: أن الرواة الذين رووه عن عامر الشعبي عن النعمان بن بشير كلهم قالوا: نحلاً، إلا إسماعيل بن سالم من بينهم فإنه قال: غلاماً، (فقالت له أمي عمرة بنت رواحة: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشهده) .
-
والنعمان من صغار الصحابة، وقد توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره ثمان سنوات- فقالت أمه لأبيه: أشهد على ذلك رسول الله عليه السلام.

وتريد بذلك أن تتوثق من هذه العطية لولدها وذلك بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك؛ حتى لا يشاركه أو ينافسه أو يعترض عليه أحد من إخوانه.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ذلك: (ألك ولد سواه؟ قال: نعم، قال: أكلهم نحلتهم مثل هذا؟ قال: لا) ، وهذا يدل على أن القاضي أو المفتي عندما يعرض عليه شيء فإنه يستوضح من الأمور التي يمكن أن يبنى عليها الحكم؛ لأن الحكم قد يختلف باختلاف الجواب، فإذا كان ليس له ولد غيره فإن النحلة في محلها؛ لأنه لا منافس له، وإن كان له أولاد سواه فإنه يختلف: فإما أن يسوي بينهم بأن يعطيهم مثل ما أعطاه، أو يسترجع هذا الذي أعطاه؛ حتى يكون عادلاً بينهم.
فهذا فيه دلالة على أنه عند الفتوى والقضاء فإنه يسأل عن الأمور والملابسات التي قد يترتب عليها اختلاف في الحكم؛ لأنه قال: (ألك ولد سواه؟ قال: نعم.
قال: أكلهم أعطيتهم؟ قال: لا) ، فعند ذلك نهاه الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر بالعدل بين الأولاد، وقال: (لا تشهدني على جور) .
وطلب عمرة رضي الله عنها إشهاد النبي صلى الله عليه وسلم كأنها تريد أن تستوثق من هذا الذي حصل؛ لكي يصير ملكاً محققاً بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم وموافقته على ذلك.
وقد ذكر المصنف هنا عدة أشخاص يروون عن الشعبي، وقد اختلفوا في الألفاظ التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعض هؤلاء الذين روو عن الشعبي قالوا: (هذا جور) ، وقال بعضهم: (هذا تلجئة) ، ومعناه: إضافة المال إلى شخص وتخصيصه به، (فأشهد على هذا غيري) .
وقال مغيرة في حديثه: (أليس يسرك أن يكونوا لك في البر واللطف سواء؟) .
قوله: (أشهد على هذا غيري) فيه تهديد وليس إذناً، فليس معناه: أنا لا أشهد ولكن غيري يشهد، وإنما هو مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت) ، فقوله: (اصنع ما شئت) ليس أمراً وإرشاداً بأن يصنع ذلك، ولكنه تهديد، فكذلك قوله هنا: (أشهد على هذا غيري) ، فهو حرام لا يجوز ولا ينفذ بل يرجع، ومثل هذا قوله عز وجل: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29] ، فليس في الآية تخيير؛ لأنه تعالى قال بعد ذلك: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف:29] .
وذكر مجالد في حديثه: (إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك) ].
يعني: عليه لهم العدل وعليهم له البر، فكما أنه يحب أن يكونوا بارين به فعليه أن يكون عادلاً بينهم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 29-06-2025, 01:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,892
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله





تراجم رجال إسناد حديث النعمان بن بشير: (هذا تلجئة فأشهد على هذا غيري)
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل] .
هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الفقيه الإمام المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشيم] .
هو هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سيار] .
هو سيار أبو الحكم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأخبرنا مغيرة] .
هو مغيرة بن مقسم الضبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأخبرنا داود] .
هو داود بن أبي هند ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن الشعبي] .
هو عامر بن شراحيل الشعبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأخبرنا مجالد] .
مجالد بن سعيد ليس بالقوي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[وإسماعيل بن سالم] .
إسماعيل بن سالم ثقة، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأبو داود والنسائي.
[عن الشعبي عن النعمان بن بشير] .
الشعبي مر ذكره، والنعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار الصحابة، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره ثمان سنوات.




من أحكام العطايا والمنح وقسمتها بين الأولاد
مما ينبغي أن يعلم: أن ما سبق هو فيما يتعلق بالعطايا والمنح، وأما إذا كان الشخص فقيراً وأولاده متفاوتون فيهم الغني والفقير، وأعطى الفقير لفقره شيئاً يقتاته لا أن يعطيه مالاً يتموله دونهم، فله ذلك بأن يعطيه شيئاً ينفق به على نفسه منه، وكونه يحسن إليه من أجل الأكل أو اللبس فلا بأس بذلك لفقره، وأما أن يعطيه عقاراً أو أموالاً يتمولها فليس له ذلك.
وقد جاء الحديث في الصحيح: أنه وهب النعمان حائطاً، ولعل هذا من اختلاف الرواة، ولعل بعضها أرجح من بعض، وأما أن تكون قضيتين مستقلتين ويكون النبي صلى الله عليه وسلم قال له مثل هذا الكلام ثم يعود الصحابي إلى فعله ثانية فإن هذا مستبعد؛ إذ كيف تحصل القصة ويبين عليه السلام الحكم ثم يتكرر نفس الفعل في المرة الثانية، ثم يعود الصحابي يستفتي وقد عرف ذلك من قبل، فهذا بعيد، وتعدد الروايات قد يحمل على أنه منحه هذا ومنحه هذا، فيصدق عليه أنه ذكر هذا على حدة وهذا على حدة.
[قال أبو داود في حديث الزهري: قال بعضهم: (أكل بنيك) ، وقال بعضهم: (ولدك) ] .
فالأولاد يدخل فيهم الذكور والإناث، وأما البنين فيطلق على الذكور ويدخل البنات في هذا الحكم، ويكون ذكر البنين على سبيل التغليب، وأما الولد فإنه يشمل الذكر والأنثى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11] ، {إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء:12] يعني: ذكراً أو أنثى؛ لأن الولد يراد به الذكر والأنثى.
[وقال ابن أبي خالد عن الشعبي فيه: (ألك بنون سواه؟) ، وقال أبو الضحى عن النعمان بن بشير: (ألك ولد غيره؟) ] .
وهذا اختلاف في العبارات، وهو مثل: ألك ولد؟ والولد يشمل الذكر والأنثى، والبنين خاصة بالأبناء؛ ويقابلها البنات، وعلى هذه الرواية يكون ذكر البنين على سبيل التغليب لا أن الحكم خاص بالبنين دون البنات، فالبنون والبنات كلهم أولاد مستحقون لأن يسوى بينهم، إلا أن الفرق بين الذكور والإناث: أن الإناث يعطين على النصف مما يعطاه الذكور كالشأن في الميراث؛ لأن المال قسمه الله عز وجل على أنه للذكر مثل حظ الأنثيين، والفرق بين الذكور والإناث أن الذكر حقه قابل للنقصان وأما الأنثى فحقها قابل للزيادة؛ لأنها تتزوج ويكون لها مهر وزوجها ينفق عليها، وأما الولد فهو يبحث عن مهر وينفق على نفسه وعلى زوجته وأولاده، فمن أجل ذلك حصل التفريق بينهما، فإذا حصل أن أعطوا في الحياة فإنهم يعطون كما يعطون بعد الوفاة.
وبعض الناس يفعلون أمراً يخالف الشرع فيما يتعلق بالذكور والإناث، فيريد أن يسوي بينهم في الميراث فيعطيهم في الحياة بالتسوية حتى لا يقسم بينهم الميراث وتعطى المرأة النصف، فيكون في ذلك مخالفة للشرع إذا كان ذلك مقصوداً، وقال بعض أهل العلم: يسوي بين الذكور والإناث في العطية، ولكن الأظهر -والله أعلم- أنه لا يسوى بين الذكور والإناث.
وأما رواية مجالد فهو ليس بالقوي، ولكن معناها صحيح؛ لأن العدل هو أن يبروه جميعاً، فكذلك عليه أن يعدل بينهم، وقد جاء: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ، فلا بأس أن يعطى كل واحد مائة ريال، أو ألف ريال، أو عشرين ألف ريال أو أقل أو أكثر، فهذه تسوية، لكن الإناث تكون على النصف.
ورواية مجالد حكم عليها الشيخ الألباني بالشذوذ وقال: صحيح إلا هذه، ولكنها من حيث المعنى مستقيمة وليس فيها إشكال؛ لأنه يحب أن يكونوا في البر له سواء، فكذلك عليه أن يعدل، والعدل مطلوب، كما جاء: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) في أحاديث أخرى.
وقد يكون بعض الأبناء أبر بأبيه من بعض فإذا حصل منه له خدمة وانقطع له فله أن يعطيه مقابل هذا الانقطاع، وأما كونه يعطيه أموالاً يميزه بها عن غيره تكون أكثر مما يقابل هذا الذي بذله من أجله وأراد أن يكافأ عليه، فليس له ذلك.
[قال أبو داود في حديث الزهري] .
الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وقال ابن أبي خالد عن الشعبي] .
ابن أبي خالد هو إسماعيل بن أبي خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وقال أبو الضحى: عن النعمان] .
أبو الضحى هو مسلم بن صبيح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.




شرح حديث النعمان بن بشير في العطية من طريق ثانية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه قال: حدثني النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: (أعطاه أبوه غلاماً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما هذا الغلام؟ قال: غلام أعطانيه أبي، قال: فكل إخوتك أعطى كما أعطاك؟ قال: لا، قال: فاردده) ] .
أورد أبو داود الحديث السابق من طريق أخرى، وفيه أن المخاطبة كانت للنعمان، وفي السابق كانت لأبيه، ويمكن أن يكون حصل ذلك من النعمان ثم حصل من أبيه، أو حصل منهما جميعاً، وفيها أيضاً زيادة أنه يرد ذلك الذي أعطي ولم يحصل به العدل، وسبق أن ذكرنا في الحديث السابق أن الوالد له أن يرجع فيما وهب؛ لأن الرجوع قد يكون له سبب وهو أنه أعطى بعضاً دون بعض، والمطلوب هو التسوية، فقد يحتاج هنا إلى أنه يرجع؛ لأنه إما أنه لا يريد أن يعطيهم مثل ما أعطاه، أو أنه ليس عنده شيء يمكن أن يعطيهم مثل ما أعطاه، وعلى هذا إذا لم يسو بينهم فعليه أن يرجع في تلك العطية.




تراجم رجال إسناد حديث النعمان بن بشير في العطية من طريقة ثانية
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
مر ذكره.
[حدثنا جرير] .
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة عن أبيه عن] هشام بن عروة وأبوه مر ذكرهما.
[عن النعمان] .
النعمان مر ذكره.




شرح حديث النعمان بن بشير في العطية من طريقة ثالثة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن حاجب بن المفضل بن المهلب عن أبيه قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اعدلوا بين أولادكم، اعدلوا بين أبنائكم) ] .
أورد أبو داود هذا الحديث عن النعمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اعدلوا بين أولادكم، اعدلوا بين أبنائكم) ، وهذا فيه الأمر بالعدل والتسوية بين الأولاد إذا كانوا ذكوراً وإناثاً، فيسوى بين الأبناء إذا كانوا ذكوراً خلصاً أو إناثاً خلصاً، وإن كانوا ذكوراً وإناثاً فيسوى بين الذكور ويسوى بين الإناث، وتكون الإناث على النصف مما يعطاه الذكور كما في الميراث، وقد جاء في بعض الروايات: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) .
قوله: [حدثنا سليمان بن حرب] .
سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد] .
هو حماد بن زيد بن درهم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حاجب بن المفضل بن المهلب] .
حاجب بن المفضل بن المهلب ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن أبيه] .
وهو صدوق أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن النعمان بن بشير] .
النعمان رضي الله عنه مر ذكره.



شرح حديث النعمان بن بشير في العطية من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم حدثنا زهير عن أبي الزبير عن جابر قال: قالت امرأة بشير: انحل ابني غلامك، وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلاماً، وقالت لي: أشهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (له إخوة؟ فقال: نعم، قال: فكلهم أعطيت مثلما أعطيته؟ قال: لا، قال: فليس يصلح هذا، وإني لا أشهد إلا على حق) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم، وقال: (إنه لا يصلح هذا) ، يعني: أن يعطى بعض البنين ويترك البعض، وقال: (إني لا أشهد إلا على حق) ، وفي بعض الألفاظ: (إني لا أشهد على جور) .
قوله: [حدثنا محمد بن رافع] .
محمد بن رافع النيسابوري ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.
[حدثنا يحيى بن آدم] .
يحيى بن آدم الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير] .
هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير] .
هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
تنبيه: الأم والأب سواء، فإذا أعطت بنيها فلا بد أن تعدل بينهما سواء ذلك في الهبة أو الرجوع فيها.
ولو أعطيت ابنك شيئاً بسيطاً كالريال والريالين فلا يلزم في ذلك التسوية خصوصاً إذا أعطيته لحالة معينة؛ لأنه قد يعطي هذا اليوم ريالاً وهذا يعطيه ريالاً، وهذا إذا احتاج يعطيه ريالاً آخر وهكذا، وهذا يعتبر من قبيل النفقة لا العطايا التي فيها مال، فهذا قد يحتاج إلى مقدار فيعطيه إياه، وقد يحتاج هذا إلى مقدار فيعطيه إياه، وهذا من قبيل النفقة وليس من قبيل الهدايا والهبات التي يكون فيها تمول، والأولاد يتفاوتون في الأشياء اليومية، فالذين في الثانوي ليسوا كمن هم في الابتدائي، فالأول يعطى أكثر من الثاني.



ما جاء في عطية المرأة بغير إذن زوجها



شرح حديث: (لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في عطية المرأة بغير إذن زوجها.
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن داود بن أبي هند وحبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في عطية المرأة بغير إذن زوجها، أي: إذا كانت المرأة سفيهة فلا تعطي بغير إذن زوجها مادام أنها قد دخلت في عصمته، بمعنى أنه قد عقد عليها وصارت زوجة له، وإن كانت رشيدة فينبغي لها أن ترجع إليه وتشاوره، وإن أعطت فلها ذلك، ولكن الاستئذان يعتبر من المعاملة الحسنة ومن العشرة الطيبة، والرجوع إليه هو الذي ينبغي، وقد جاء ما يدل على تصرف النساء بأموالهن بدون الرجوع إلى الأزواج، كما في حديث ابن عباس الذي فيه: (أن النبي خطب الناس ثم جاء وخطب النساء في العيدين فقال: تصدقن يا معشر النساء! فإنكن أكثر حطب جهنم، فقمن النساء يلقين من أقراطهن وخواتيمهن) ، ومعلوم أن هذا ليس فيه إذن الأزواج، فالمرأة لها حق التصرف في مالها بدون الرجوع إلى الزوج، لكن من مكارم الأخلاق، ومن المعاملة الطيبة والعشرة الحسنة أن ترجع إليه وتستشيره، فهذا هو المقصود من الترجمة.
وأورد حديث عبد الله بن عمرو: (لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها) ، يعني: أنها لا تتصرف إلا بإذنه، وكما عرفنا أن هذا على الاستحباب إلا أن تكون سفيهة فليس لها ذلك.



تراجم رجال إسناد حديث: (لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها)
قوله: [حدثنا موسى بن إسماعيل] .
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد] .
هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن داود بن أبي هند وحبيب المعلم] .
داود بن أبي هند مر ذكره.
[وحبيب المعلم] .
حبيب المعلم صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده] .
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مر ذكرهم.



شرح حديث: (لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو كامل حدثنا خالد -يعني: ابن الحارث - حدثنا حسين عن عمرو بن شعيب أن أباه أخبره عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها) ] .
أورد أبو داود هذا الحديث وهو مطلق؛ لأنه لم يذكر: (في مالها) ، ولكنه يحمل على مالها، وأما ماله فمعلوم أنه ليس لها أن تعطيه إلا بإذن زوجها، وهو إما أن يكون إذن معين أو مطلق، أي: أنه أعطاها إذناً عاماً بأنها تعطي في حدود كذا، أو من كذا وكذا فإن لها ذلك، هذا إذا كان في ماله، وأما إذا كان في مالها فيدل عليه الحديث الأول، وكلاهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، أي: أن المسألة تتعلق بمالها، فالحكم هو أن ذلك من قبيل المعاملة الطيبة والعشرة الحسنة لا أنه حرام لا يسوغ، فلها أن تتصرف في مالها إذا لم تكن سفيهة بدون إذنه.



تراجم رجال إسناد حديث: (لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها)
قوله: [حدثنا أبو كامل] .
هو أبو كامل الجحدري فضيل بن حسين ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا خالد -يعني: ابن الحارث -] .
خالد بن الحارث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حسين] .
هو حسين المعلم، وقد مر ذكره.
[عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده] .
وقد مر ذكرهم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 489.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 483.48 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.20%)]