|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#661
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (661) صــ 341 إلى صــ 350 أيمانهم) ، قال: حيث يبصرون = (ومن خلفهم) = (وعن شمائلهم) ، حيث لا يبصرون. 14379- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 14380- حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور قال، تذاكرنا عند مجاهد قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) ، فقال مجاهد: هو كما قال، يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم = زاد ابن حميد، قال: "يأتيهم من ثَمَّ" . 14381- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، قال مجاهد، فذكر نحو حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم. * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: معناه: ثم لآتينهم من جميع وجوه الحقّ والباطل، فأصدّهم عن الحق، وأحسِّن لهم الباطل. وذلك أن ذلك عَقِيب قوله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) ، فاخبر أنه يقعد لبني آدم على الطريق الذي أمرَهم الله أن يسلكوه، وهو ما وصفنا من دين الله دينِ الحق، فيأتيهم في ذلك من كل وجوهه، من الوجه الذي أمرهم الله به، فيصدّهم عنه، وذلك "من بين أيديهم وعن أيمانهم" = ومن الوجه الذي نهاهم الله عنه، فيزيّنه لهم ويدعوهم إليه، وذلك "من خلفهم وعن شمائلهم" . * * * وقيل: ولم يقل: "من فوقهم" ، لأن رحمة الله تنزل على عباده من فوقهم. * ذكر من قال ذلك: 14382- حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال، حدثنا حفص بن عمر قال، حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) ، ولم يقل: "من فوقهم" ، لأن الرحمة تنزل من فوقهم. * * * وأما قوله: (ولا تجد أكثرهم شاكرين) . فإنه يقول: ولا تجد، ربِّ، أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتَك التي أنعمت عليهم، كتكرمتك أباهم آدم بما أكرمته به، من إسجادك له ملائكتك، وتفضيلك إياه عليَّ = و "شكرهم إياه" ، طاعتهم له بالإقرار بتوحيده، واتّباع أمره ونهيه. * * * وكان ابن عباس يقول في ذلك بما:- 14383- حدثني به المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ولا تجد أكثرهم شاكرين) ، يقول: موحِّدين. * * * القول في تأويل قوله: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا} قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن إحلاله بالخبيث عدوِّ الله ما أحلّ به من نقمته ولعنته، وطرده إياه عن جنته، إذ عصاه وخالف أمره، وراجعه من الجواب بما لم يكن له مراجعته به. يقول: قال الله له عند ذلك: (اخرج منها) ، أي من الجنة = (مذؤُومًا مدحورًا) ، يقول: مَعِيبًا. * * * و "الذأم" ، العيب. يقال منه: "ذأمَه يذأمه ذأمًا فهو مذؤوم" ، ويتركون الهمز فيقولون: ذِمْته أذيمه ذيمًا وذامًا"، و "الذأم" و"الذيم "، أبلغ في العيب من" الذمّ "، وقد أنشد بعضهم هذا البيت: (1) " (1) هو الحارث بن خالد المخزومي. صَحِبْتُكَ إذْ عَيْنِي عَلَيْهَا غِشَاوَةٌ ... فَلَمَّا انْجَلَتْ قَطَّعْتُ نَفْسِي أَذِيمُهَا (1) وأكثر الرواة على إنشاده "ألومها" . * * * وأما المدحور: فهو المُقْصَى، يقال: "دحره يدحَرُه دَحْرًا ودُحُورًا" ، إذا أقصاه وأخرجه، ومنه قولهم: "ادحَرْ عنكَ الشيطان" . (2) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14384- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا) ، يقول: اخرج منها لعينًا منفيًّا. 14385- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: "مذؤومًا" ممقوتًا. 14386- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبى قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (قال اخرج منها مذؤومًا) ، يقول: صغيرًا منفيًّا. 14387- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا) ، أما "مذؤومًا" ، فمنفيًّا، وأما "مدحورا" ، فمطرودًا. 14388- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (مذؤومًا) ، قال: منفيًّا = (مدحورًا) ، قال: مطرودًا. 14389- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي (1) مضى البيت وشرحه وتخريجه، وبغير هذه الرواية فيما سلف 1: 265. (2) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 212. جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: (اخرج منها مذؤومًا) ، قال: منفيًّا. = و "المدحور" ، قال: المصغَّر. 14390- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال:، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن يونس وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: (اخرج منها مذؤومًا) ، قال: منفيًّا. 14391- حدثني أبو عمرو القرقساني عثمان بن يحيى قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن التميمي، سأل ابن عباس: ما (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا) ، قال: مقيتًا. (1) 14392- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا) ، فقال: ما نعرف "المذؤوم" و "المذموم" إلا واحدًا، ولكن تكون حروف منتقصة، وقد قال الشاعر لعامر: يا "عام" ، ولحارث: "يا حار" ، (2) وإنما أنزل القرآن على كلام العرب. * * * (1) الأثر: 14391 - (( أبو عمرو القرقساني )) ، (( عثمان بن يحيى )) ، شيخ الطبري، لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من الكتب. ويزيد الأمر إشكالا أني وجدت أبا جعفر في تاريخه يذكر إسنادًا عن شيخ يقال له (( عثمان بن يحيى )) ، فيه نصه: (( حدثني عثمان بن يحيى، عن عثمان القرقساني، قال حدثنا سفيان بن عيينة )) ، فجعل بين (( عثمان بن يحيى )) و (( سفيان بن عيينة )) رجلا يقال له (( عثمان القرقساني )) ! والذي في التفسير يدل على أن الراوي عن سفيان بن عيينة هو (( عثمان بن يحيى )) نفسه. فظني أن في إسناد التاريخ خطأ، ولعل صوابه: (( حدثني عثمان بن يحيى بن عثمان القرقساني، قال حدثنا سفيان بن عيينة )) . هذا ما وجدت، فعسى أن يجتمع عندي ما أتبين به صواب ذلك أو خطأه. (2) في المطبوعة: (( ولكن يكون منتقصة، وقال العرب لعامر ... )) ، وبين الكلام بياض. وفي المخطوطة: (( ولكن تكون ف منتقصة. وقد قال الشاعر ... )) بياض بين الكلام، فغير ناشر المطبوعة ما في المخطوطة بلا أمانة. وفي المخطوطة فوق البياض (( كذا )) وفي الهامش حرف (ط) للدلالة على الخطأ. ودلتني لافاء بعد البياض أن صواب هذا الذي بيض له ناسخ المخطوطة هو (( حروف )) ، فاستقام الكلام. ومثال الترخيم في (( عامر )) قول الحطيئة لعامر بن الطفيل: يَا عَامِ، قد كُنْتَ ذَا بَاعٍ وَمَكْرُمَةٍ ... لَوْ أَنَّ مَسْعَاةَ مَنْ جَارَيْتَهُ أَمَمُ ومثال الترخيم في (( الحارث )) قول زهير: يَا حارِ، لا أُرْمَيَنْ مِنْكُمْ بِدَاهِيَةٍ ... لَم يَلْقَهَا سُوقَةٌ قَبْلِي وَلا مَلِكُ القول في تأويل قوله: {لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) } قال أبو جعفر: وهذا قسم من الله جل ثناؤه. أقسم أن مَنْ اتبع من بني آدم عدوَّ الله إبليس وأطاعه وصَدَّق ظنه عليه، أن يملأ من جميعهم = يعني: من كفرة بني آدم تُبّاع إبليس، ومن إبليس وذريته = جهنم. فرحم الله امرأً كذّب ظن عدوِّ الله في نفسه، وخيَّب فيها أمله وأمنيته، ولم يمكّن من طمعَ طمعٍ فيها عدوَّه، (1) واستغشَّه ولم يستنصحه، فإن الله تعالى ذكره إنما نبّه بهذه الآيات عباده على قِدَم عداوة عدوِّه وعدوهم إبليس لهم، وسالف ما سلف من حسده لأبيهم، وبغيه عليه وعليهم، وعرّفهم مواقع نعمه عليهم قديمًا في أنفسهم ووالدهم ليدّبروا آياته، وليتذكر أولو الألباب، فينزجروا عن طاعة عدوه وعدوهم إلى طاعته ويُنيبوا إليها. * * * القول في تأويل قوله: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) } قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره: وقال الله لآدم: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما) . فأسكن جل ثناؤه آدم وزوجته الجنة (1) في المطبوعة: (( ولم يكن ممن طمع فيها عدوه )) ، غير ما في المخطوطة لأنه لم يفهمه، فأساء غاية الإساءة، وافسد الكلام. بعد أن أهبط منها إبليس وأخرجه منها، وأباح لهما أن يأكلا من ثمارها من أيّ مكان شاءا منها، ونهاهما أن يقربا ثمر شجرة بعينها. * * * وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في ذلك، وما نرى من القول فيه صوابًا، في غير هذا الموضع، فكرهنا إعادته. (1) * * * = (فتكونا من الظالمين) ، يقول: فتكونا ممن خالف أمر ربِّه، وفعل ما ليس له فعله. * * * القول في تأويل قوله: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (فوسوس لهما) ، فوسوس إليهما، وتلك "الوسوسة" كانت قوله لهما: (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) ، وإقسامه لهما على ذلك. * * * وقيل: "وسوس لهما" ، والمعنى ما ذكرت، كما قيل: "غَرِضت إليه" ، بمعنى: اشتقْتُ إليه، وإنما تعني: غَرضت من هؤلاء إليه. (2) فكذلك معنى ذلك. (1) انظر ما سلف 1: 512 - 524. (2) في المطبوعة: (( كما قيل: عرضت له، بمعنى: استبنت إليه )) ، غير ما في المخطوطة تغييرًا تامًا، فأتانا بلغو مبتذل لا معنى له. وكان في المخطوطة: (( كما قيل: عرضت إليه بمعنى: اشتقت إليه )) ، هكذا، وصواب قراءتها ما أثبت. وقوله: (( غرضت إليه )) بمعنى: اشتقت إليه، (( إنما تعني: غرضت من هؤلاء إليه )) ، هذا كأنه نص قول الأخفش في تفسير قول ابن هرمة: مَنْ ذَا رَسُولٌ ناصِحٌ فَمُبَلِّغٌ ... عَنِّي عُلَيَّةَ غَيْرَ قَوْلِ الكاذِبِ ? أَنِّي غَرِضْتُ إلَى تَنَاصُفِ وَجْهِهَا ... غَرَضَ المُحِبِّ إلى الحَبِيبِ الغائِبِ قوله: (( تناصف وجهها )) ، أي محاسن وجهها التي ينصف بعضها بعضًا في الحسن. قال الأخفش: (( تفسيره: غرضت من هؤلاء إليه، لأن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل )) ويريد الأخفش أنهم يقولون: (( غرض غرضًا )) ، إذا ضجر وقلق ومل، فلما أدخل مع الفعل (( إلى )) ، صار معناه: ضجر من هذا نزاعًا واشتياقًا إلى هذا. وموضع الاستشهاد أن (( الوسوسة )) الصوت الخفي من حديث النفس، فنقل إبليس ما حاك في نفسه إليهما، فلذلك أدخل على (( الوسوسة )) (( اللام )) و (( إلى )) . ولكن أبا جعفر أدمج الكلام ههنا إدماجًا. فوسوس من نفسه إليهما الشيطان بالكذب من القيل، ليبدي لهما ما وُوري عنهما من سوءاتهما، كما قال رؤبة: * وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصًا رَبَّ الفَلَقْ * (1) * * * ومعنى الكلام: فجذب إبليس إلى آدم حوّاء، وألقى إليهما: ما نهاكما ربكما عن أكل ثمر هذه الشجرة، إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين = ليبدي لهما ما واراه الله عنهما من عوراتهما فغطاه بستره الذي ستره عليهما. * * * وكان وهب بن منبه يقول في الستر الذي كان الله سترهما به، ما:- 14393- حدثني به حوثرة بن محمد المنقري قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن ابن منبه، في قوله: (فبدت لهما سوءاتهما) ، قال: كان عليهما نور، لا ترى سوءاتهما. (2) * * * (1) ديوانه: 108، اللسان (وسس) ، وهذا بيت من أرجوزته التي مضت منها أبيات كثيرة. وهذا البيت من أبيات في صفة الصائد المختفي، يترقب حمر الوحش، ليصيب منها. يقول لما أحس بالصيد وأراد رميه، وسوس نفسه بالدعاء حذر بالدعاء حذر الخيبة ورجاء الإصابة. (2) الأثر: 14393 - (( حوثرة بن محمد بن قديد المنقري )) ، أبو الأزهر الوراق روى عنه ابن ماجه، وابن خزيمة، وابن صاعد، وغيرهم. ذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 1 /2 / 283. القول في تأويل قوله: {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وقال الشيطان لآدم وزوجته حواء: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة أن تأكلا ثمرَها، إلا لئلا تكونا ملكين. * * * = وأسقطت "لا" من الكلام، لدلالة ما ظهر عليها، كما أسقطت من قوله: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) ، [سورة النساء: 176] . والمعنى: يبين الله لكم أن لا تضلوا. * * * وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يزعم أن معنى الكلام: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تكونا ملكين، كما يقال: "إياك أن تفعل" كراهيةَ أن تفعل. * * * = "أو تكونا من الخالدين" ، في الجنة، الماكثين فيها أبدًا، فلا تموتا. (1) * * * والقراءة على فتح "اللام" ، بمعنى: ملكين من الملائكة. * * * وروي عن ابن عباس، ما:- 14394- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي حماد قال، حدثنا عيسى الأعمى، عن السدّي قال: كان ابن عباس يقرأ: "إلا أَنْ تَكُونَا مَلِكَيْنِ" ، بكسر "اللام" . * * * وعن يحيى بن أبي كثير، ما:- (1) انظر تفسير (( الخلود )) فيما سلف من فهارس اللغة (خلد) . 14395- حدثني أحمد بن يوسف قال، حدثني القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن هارون قال، حدثنا يعلى بن حكيم، عن يحيى بن أبي كثير أنه قرأها: "مَلِكَيْنِ" ، بكسر "اللام" . * * * وكأنَّ ابن عباس ويحيى وجَّها تأويل الكلام إلى أن الشيطان قال لهما: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين من الملوك = وأنهما تأوّلا في ذلك قول الله في موضع آخر: (قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى) ، [سورة طه: 120] . * * * قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز القراءة في ذلك بغيرها، القراءةُ التي عليها قرأة الأمصار وهي، فتح "اللام" من: "مَلَكَيْنِ" ، بمعنى: ملكين، من الملائكة، لما قد تقدم من بياننا في أن كل ما كان مستفيضًا في قرأة الإسلام من القراءة، فهو الصواب الذي لا يجوزُ خلافه. * * * القول في تأويل قوله: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) } قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وقاسمهما) ، وحلف لهما، كما قال في موضع آخر: (تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ) ، [سورة النمل: 49] ، بمعنى تحالفوا بالله، وكما قال خالد بن زهير [ابن] عمّ أبي ذويب: (1) (1) جاء في المطبوعة والمخطوطة (( خالد بن زهير عم أبي ذؤيب )) ، ولم أجد هذا القول لأحد، بل الذي قالوه أن (( خالد بن زهير الهذلي )) ، هو ابن أخت أبي ذؤيب، أو ابن أخيه، أو: ابن عم أبي ذؤيب. فالظاهر أن صواب الجملة هو ما أثبت. انظر خزانة الأدب 2: 320، 321 /3: 597، 598، 647، 648. وَقَاسَمَهَا بِاللهِ جَهْدًا لأَنْتُمُ ... ألَذُّ مِنَ السَّلْوَى إِذَا مَا نَشُورُهَا (1) بمعنى: وحالفهما بالله، وكما قال أعشى بني ثعلبة: رَضِيعَيْ لِبَانٍ، ثَدْيَ أُمٍّ تَقَاسَمَا ... بِأَسْحَمَ دَاجٍ عَوْضُ لا نَتَفَرَّقُ (2) بمعنى تحالفا. * * * (1) ديوان الهذلين 1: 158، من قصائده التي تقارضها هو وأبو ذؤيب في المرأة التي كانت ضصديقة عبد عمرو بن مالك، فكان أبو ذؤيب رسوله إليها، فلما كبر عبد عمرو احتال لها أبو ذؤيب فأخذها منه وخادنها. وغاضبها أبو ذؤيب، فكان رسوله إلى هذه المرأة ابن عمه خالد بن زهير، ففعل به ما فعل هو بعبد عمرو بن مالك، أخذ منه المرأة فخادنه، فغاضبه أبو ذؤيب وغاضبها، وقال لها حين جاءت تعتذر إليه: تُرِيدينَ كَيْمَا تَجْمَعِينِي وَخَالِدًا! ... وَهَلْ يُجْمَعُ السَّيْفَان وَيْحَكِ فِي غِمْدِ! أَخَالِدُ، مَا رَاعَيْتَ من ذِي قَرَابَةٍ ... فَتَحْفَظَنِي بِالْغَيْبِ، أوْ بَعْضَ مَا تُبْدِي دَعَاكَ إلَيْهَا مُقْلَتَاها وَجِيدُهَا ... فَمِلْتَ كَمَا مَالَ المُحِبُّ عَلَى عَمْدِ ثم قال لخالد: رَعَي خَالِدٌ سِرِّي، لَيَالِيَ نَفْسُهُ ... تَوَالَى على قَصْدِ السَّبِيلِ أُمُورُهَا فَلَمَّا تَرَامَاهُ الشَّبَابُ وَغَيُّهُ، ... وَفي النَّفْسِ مِنْهُ فِتْنَةٌ وَفُجُورُهَا لَوَى رَأْسَهُ عَنِّي، ومَالَ بِوُدِّه ... أَغَانِيجُ خَوْدٍ كَانَ قِدْمًا يَزُورُهَا فأجابه خالد من أبيات: فَلا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةٍ أَنْتَ سِرْتَها ... وَأَوَّلُ رَاضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُهَا فَإنَّ الَّتِي فِينَا زَعَمْتَ، ومِثْلُهَا ... لَفِيكَ، وَلَكِنِّي أَرَاكَ تَجُورُهَا تَنَقَّذْتَهَا مِنْ عَبْدِ عَمْرو بن مَالِكٍ ... وأَنْتَ صَفِيُّ النَّفْسِ مِنْهُ وَخِيرُها يُطِيلُ ثَوَاءً عِنْدَها لِيَرُدَّهَا ... وَهَيْهَاتَ مِنْهُ دُورُهَا وقُصُورها وَقَاسَمَهَا بالله ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . و (( السلوى )) ، العسل. (( شار العسل يشوره )) ، أخذ من موضعه في الخلية. (2) ديوانه: 150، اللسان (عوض) (سحم) من قصيدة مضت منها أبيات كثيرة. وقد ذكرت هذا البيت في شرح بيت سالف 10: 451، تعليق: 1 = و (( الأسحم )) ، الضارب إلى السواد، و (( عوض )) لما يستقبل من الزمان بمعنى: (( أبدًا )) . واختلفوا في معنى (( بأسحم داج )) ، وإقسامه به. فقالوا: أراد الليل. وقالوا: أراد سواد حلمة سدي أمه. وقيل أراد الرحم وظلمته. قيل: أراد الدم، لسواده، تغمس فيه اليد عند التحالف. ![]()
__________________
|
#662
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (662) صــ 351 إلى صــ 360 وقوله: (إني لكما لمن الناصحين) أي: لممن ينصح لكما في مشورته لكما، وأمره إياكما بأكل ثمر الشجرة التي نهيتما عن أكل ثمرها، وفي خبري إياكما بما أخبركما به، من أنكما إن أكلتماه كنتما ملكين أو كنتما من الخالدين، كما:- 14396- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) ، فحلف لهما بالله حتى خدعهما، وقد يُخْدع المؤمن بالله، فقال: إني خلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما، فاتبعاني أرشدكما. وكان بعض أهل العلم يقول: "من خادَعنا بالله خُدِعْنا" . * * * القول في تأويل قوله: {فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (فدلاهما بغرور) ، فخدعهما بغرور. * * * يقال منه: "ما زال فلان يدلّي فلانًا بغرور" ، بمعنى: ما زال يخدعه بغرور، ويكلمه بزخرف من القول باطل. (1) * * * = (فلما ذاقا الشجرة) ، يقول: فلما ذاق آدم وحواء ثمر الشجرة، يقول: طعماه (2) = (بدت لهما سوءاتهما) ، يقول: انكشفت لهما سوءاتهما، لأن الله (1) انظر تفسير (( الغرور )) فيما سلف ص: 123، تعليق: 2 والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( ذاق )) فيما سلف ص: 209، تعليق: 1، والمراجع. أعراهما من الكسوة التي كان كساهما قبل الذنب والخطيئة، فسلبهما ذلك بالخطيئة التي أخطآ والمعصية التي ركبا (1) = (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) ، يقول: أقبلا وجعلا يشدَّان عليهما من ورق الجنة، ليواريا سوءاتهما، كما:- 14397- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) ، قال: جعلا يأخذان من ورق الجنة، فيجعلان على سوءاتهما. 14398- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر، عن الحسن، عن أبي بن كعب قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان آدم كأنه نخلةٌ سَحُوق، (2) كثيرُ شعر الرأس، فلما وقع بالخطيئة بدت له عورته، وكان لا يراها، فانطلق فارًّا، فتعرضت له شجرة فحبسته بشعره، فقال لها: أرسليني! فقالت: لست بمرسلتك! فناداه ربه: يا آدم، أمنِّي تفرّ؟ قال: لا ولكني استحييتك. (3) 14399- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا سفيان بن عيينة وابن مبارك، عن الحسن، عن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال، كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، السنبلة. فلما أكلا منها بدت لهما سوءاتهما، وكان الذي وَارى (1) انظر تفسير (( بدا )) فيما سلف 5: 582 /9: 350. = وتفسير (( السوأة )) فيما سلف 10: 229، وما سيأتي ص: 361، تعليق: 3. (2) (( نخلة سحوق )) هي الطويلة المفرطة التي تبعد ثمرها على المجتنى. (3) الأثر: 14398 - (( الحجاج )) هو: (( الحجاج بن المنهال )) ، مضى مرارًا. و (( أبو بكر )) هو (( أبو بكر الهذلي )) ، مضى برقم: 597، 8376، 13054، وهو ضعيف ليس بثقة. وهذا الخبر، ذكره، ذكره ابن كثير في تفسيره 3: 458، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي بن كعب موقوفًا غير مرفوع. ثم قال ابن كثير: (( وقد رواه ابن جرير وابن مردويه، من طرق، عن الحسن عن أبي كعب مرفوعًا، والموقوف أصح إسنادًا )) . وهو كما قال. وسيأتي برقم: 14403، من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، موقوفًا. عنهما من سوءايتهما أظفارُهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، ورق التين، يلصقان بعضها إلى بعض. فانطلق آدم مولّيًا في الجنة، فأخذت برأسه شجرة من الجنة، فناداه: أي آدم أمني تفرّ؟ قال: لا ولكني استحييتك يا رب! قال: أما كان لك فيما منحتُك من الجنة وأبحتُك منها مندوحةٌ عما حرمت عليك؟ قال: بلى يا رب، ولكن وعزتك ما حسبت أن أحدًا يحلف بك كاذبًا. قال: وهو قول الله: (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) . قال: فبعزّتي لأهبطنك إلى الأرض، ثم لا تنال العيش إلا كدًّا. قال: فأهبط من الجنة، وكانا يأكلان فيها رغدًا، فأهبطا في غيحيىر رغد من طعام وشراب، فعُلّم صنعة الحديد، وأُمر بالحرث، فحرث وزرع ثم سقى، حتى إذا بلغ حصد، ثم داسَه، ثم ذرّاه، ثم طحنه، ثم عجنه، ثم خبزه، ثم أكله، فلم يبلعْه حتى بُلِّعَ منه ما شاء الله أن يبلعَ. (1) 14400- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (يخصفان) ، قال: يرقعان، كهيئة الثوب. 14401- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يخصفان عليهما من الورق كهيئة الثوب. 14402- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما) ، وكانا قبل ذلك (1) الأثر: 14399 - (( الحسن بن عمارة بن المضرب البجلي )) ، كان على قضاء بغداد في ولاية المنصور. قال أحمد: (( متروك الحديث، كان منكر الحديث، وأحاديثه موضوعة، لا يكتب حديثه )) . والقول فيه أشد من هذا. مترجم في التهذيب، والكبير 1 /2 / 300، وابن أبي حاتم 1 /2 / 27. وكان في المطبوعة: (( عن الحسن عن عمارة )) ، وهو خطأ محض، صوابه ما أثبت من المخطوطة، وابن كثير في تفسيره 3: 459. وفي المطبوعة وابن كثير: (( فلم يبلغه، حتى بلغ ... )) كل ذلك بالغين المعجمة، والذي في المخطوطة مهمل، وظني أنه الصواب المطابق للسياق. لا يريانها = (وطفقا يخصفان) ، الآية. 14403-. . . . قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، حدثنا الحسن، عن أبي بن كعب: أن آدم عليه السلام كان رجلا طُوالا كأنه نخلة سَحُوق، كثير شعر الرأس. فلما وقع بما وقع به من الخطيئة، بدت له عورته عند ذلك، وكان لا يراها. فانطلق هاربًا في الجنة، فعلقت برأسه شجرة من شجر الجنة، فقال لها: أرسليني! قالت: إني غير مرسلتك! فناداه ربه: يا آدم، أمنّي تفرّ؟ قال: رب إني استحييتك. (1) 14404- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جعفر بن عون، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) ، قال: ورق التين. 14405- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) ، قال: ورق التين. 14406- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن حسام بن مِصَكّ، عن قتادة = وأبي بكر، عن غير قتادة = قال: كان لباس آدم في الجنة ظُفُرًا كله، فلما وقع بالذنب، كُشِط عنه وبدت سوءته = قال أبو بكر: قال غير قتادة: (فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) ، قال: ورق التين. (2) 14407- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا (1) الأثر: 14403 - انظر التعليق على الأثر السالف رقم: 14398، فهذا هو الخبر الموقوف، وهو أصح إسنادًا من ذاك المرفوع. (2) الأثر: 14406 - (( حسام بن مصك بن ظالم بن شيطان الأزدي )) ، ضعيف فاحش الخطأ والوهم. مضى برقم: 11720. وكان في المطبوعة: (( حسام بن معبد )) لم يحسن قراءة المخطوطة. و (( أبو بكر )) ، هو (أبو بكر الهذلي ) ) ، ضعيف أيضًا، مضى قريبًا برقم: 14398. معمر، عن قتادة، في قوله: (بدت لهما سوءاتهما) ، قال: كانا لا يريان سوءاتهما. 14408- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة قال، حدثنا عمرو قال، سمعت وهب بن منبه يقول: (يَنزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا) ، [سورة الأعراف: 27] . قال: كان لباس آدم وحواء عليهما السلام نورًا على فروجهما، لا يرى هذا عورة هذه، ولا هذه عورة هذا. فلما أصابا الخطيئة بدت لهما سوءاتهما. (1) * * * القول في تأويل قوله: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ونادى آدمَ وحواءَ ربُّهما: ألم أنهكما عن أكل ثمرة الشجرة التي أكلتما ثمرها، وأعلمكما أن إبليس لكما عدو مبين = يقول: قد أبان عداوته لكما، بترك السجود لآدم حسدًا وبغيًا، (2) كما:- 14409- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس قوله: (وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين) ، لم أكلتها وقد نهيتك عنها؟ قال: يا رب، أطعمتني حواء! قال لحواء: لم أطعمته؟ قالت: أمرتني الحية! قال للحية: لم أمرتها؟ قالت: أمرني إبليس! قال: ملعون مدحور! أما أنت يا حواء (1) الأثر: 14408 - قال ابن كثير في تفسيره 3: 460: (( رواه ابن جرير بسند صحيح إليه )) . (2) انظر تفسير (( مبين )) فيما سلف من فهارس اللغة (بين) . فكما دمَّيت الشجرة تَدْمَيْن كل شهر. وأما أنت يا حية، فأقطع قوائمك فتمشين على وجهك، وسيشدخُ رأسك من لقيك، اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ. (1) 14410- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا عباد بن العوّام، عن سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما أكل آدم من الشجرة قيل له: لم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال: حواء أمرتني! قال: فإني قد أعقبتها أن لا تحمل إلا كَرْهًا، ولا تضع إلا كرها. قال: فرنَّت حواء عند ذلك، فقيل لها: الرنّة عليك وعلى ولدك. (2) * * * (1) الأثر: 14409 - مضى الخبر مطولا بهذا الإسناد رقم: 752، مع اختلاف يسير في لفظه. وانظر تخريجه هناك. (2) (( رنت المرأة ترن رنينًا )) : أي صوتت وصاحت من الحزن والجزع. و (( الرنة )) : الصيحة الحزينة عند البكاء. القول في تأويل قوله: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) } قال أبو جعفر: وهذا خبرٌ من الله جل ثناؤه عن آدم وحواء فيما أجاباه به، واعترافِهما على أنفسهما بالذنب، ومسألتهما إياه المغفرة منه والرحمة، خلاف جواب اللعين إبليس إياه. ومعنى قوله: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا) ، قال: آدم وحواء لربهما: يا ربنا، فعلنا بأنفسنا من الإساءة إليها بمعصيتك وخلاف أمرك، (1) وبطاعتنا عدوَّنا وعدوَّك، فيما لم يكن لنا أن نطيعه فيه، من أكل الشجرة التي نهيتنا عن أكلها = (وإن لم تغفر لنا) ، يقول: وإن أنت لم تستر علينا ذنبنا فتغطيه علينا، وتترك فضيحتنا به (1) هكذا في المخطوطة والمطبوعة، ولعل الصواب: (( فعلنا الظلم بأنفسنا )) . وانظر تفسير (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) . بعقوبتك إيانا عليه (1) = "وترحمنا" ، بتعطفك علينا، وتركك أخذنا به (2) = (لنكونن من الخاسرين) ، يعني: لنكونن من الهالكين. * * * وقد بيَّنا معنى "الخاسر" فيما مضى بشواهده، والرواية فيه، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (3) * * * 14411- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: قال آدم عليه السلام: يا رب، أرأيتَ إن تبتُ واستغفرتك؟ قال: إذًا أدخلك الجنة. وأما إبليس فلم يسأله التوبة، وسأل النَّظِرة، فأعطى كلَّ واحد منهما ما سأل. 14412- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا) ، الآية، قال: هي الكلمات التي تلقَّاها آدم من ربه. * * * القول في تأويل قوله: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) } قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن فعله بإبليس وذريته، وآدم وولده، والحية. يقول تعالى ذكره لآدم وحواء وإبليس والحية: اهبطوا من السماء إلى الأرض، بعضكم لبعض عدوّ، كما:- (1) انظر تفسير (( المغفرة )) فيما سلف من فهارس اللغة (غفر) . (2) انظر تفسير (( الرحمة )) فيما سلف من فهارس اللغة (رحم) . (3) انظر تفسير (( الخسارة )) فيما سلف ص: 315، تعليق: 1، والمراجع هناك. 14413- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن طلحة، عن أسباط، عن السدي: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) ، قال: فلعنَ الحية، وقطع قوائمها، وتركها تمشي على بطنها، وجعل رزقها من التراب، وأهبطوا إلى الأرض: آدم، وحواء، وإبليس، والحية. (1) 14414- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي عوانة، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) ، قال: آدم، وحواء، والحية. (2) * * * وقوله: (ولكم في الأرض مستقر) ، (3) يقول: ولكم، يا آدم وحواء، وإبليس والحية = في الأرض قرارٌ تستقرونه، وفراش تمتهدونه، (4) كما:- 14415- حدثني المثنى قال، حدثنا آدم العسقلاني قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: (ولكم في الأرض مستقر) ، قال: هو قوله: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا) ، [سورة البقرة: 22] . (5) * * * وروي عن ابن عباس في ذلك، ما:- 14416- حدثت عن عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس قوله: (ولكم في الأرض مستقر) ، قال: القبور. (6) * * * (1) الأثر: 14413 - (( عمرو بن طلحة )) ، هو (( عمرو بن حماد بن طلحة القناد )) ، منسوبًا إلى جده. وقد مضى مئات من المرات في هذا الإسناد وغيره، (( عمرو بن حماد، عن أسباط )) . وقد سلف برقم: 755. (2) الأثر: 14414 - مضى برقم: 754. (3) انظر تفسير نظيرة هذه الآية فيما سلف 1: 535 - 541. (4) انظر تفسير (( مستقر )) فيما سلف 1: 539 /11: 434، 562 - 572. (5) الأثر: 14415 - مضى برقم: 765. وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا: (( هو الذي جعل ... )) ، بزيادة (( هو )) ، وهو سبق قلم من الناسخ. (6) الأثر: 14416 - انظر ما سلف رقم: 767، بغير هذا الإسناد. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبرَ آدم وحواءَ وإبليس والحية، إذ أهبطوا إلى الأرض: أنهم عدوٌّ بعضهم لبعض، وأن لهم فيها مستقرًّا يستقرون فيه، ولم يخصصها بأن لهم فيها مستقرًّا في حال حياتهم دون حال موتهم، بل عمَّ الخبرَ عنها بأن لهم فيها مستقرًّا، فذلك على عمومه، كما عمّ خبرُ الله، ولهم فيها مستقر في حياتهم على ظهرها، وبعد وفاتهم في بطنها، كما قال جل ثناؤه: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) ، [سورة المرسلات: 25-26] . * * * وأما قوله: (ومتاع إلى حين) ، فإنه يقول جل ثناؤه: "ولكم فيها متاع" ، تستمتعون به إلى انقطاع الدنيا، (1) وذلك هو الحين الذي ذكره، كما:- 14417- حدثت عن عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس: (ومتاع إلى حين) ، قال: إلى يوم القيامة وإلى انقطاع الدنيا. * * * و "الحين" نفسه: الوقت، غير أنه مجهول القدر (2) ، يدل على ذلك قول الشاعر: (3) وَمَا مِرَاحُكَ بَعْدَ الْحِلْمِ وَالدِّينِ ... وَقَدْ عَلاكَ مَشِيبٌ حِينَ لا حِينِ (4) أي وقت لا وقت. (1) انظر تفسير (( المتاع )) فيما سلف 1: 539 - 541 /11: 71، تعليق: 2. والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الحين )) فيما سلف 1: 540، ولم يذكر هذا هناك في تفسير نظيرة هذه الآية. (3) هو جرير. (4) ديوانه: 586، وسيبويه 1: 358، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 212، والخزانة 2: 94، وغيرها. مطلع قصيدة في هجاء الفرزدق، ورواية الديوان، وسيبويه: * ما بالُ جَهْلِكَ بَعْدَ الْحِلْمِ والدِّينِ * وبعده: لِلْغَانِيَاتِ وِصَالٌ لَسْتُ قَاطِعَهُ ... عَلَى مَوَعدِهَ مِنْ خُلْفٍ وَتَلْوِينِ إِنَّي لأَرْهَبُ تَصْدِيقَ الْوُشَاةِ بِنَا ... أَوْ أَنْ يَقُولَ غَوِىٌّ للنَّوَى: بِينِي و (( المراح )) (بكسر الميم) : المرح والاختيال والتبختر، وذلك من جنون الشاباب واعتداده بنفسه. وكأن رواية الديوان هي الجودي. وأنشده سيبويه شاهدًا على إلغاء (( لا )) وإضافة (( حين )) الأولى إلى (( حين )) الثانية، قال: فإنما هو حين حين، و (( لا )) بمنزلة (( ما )) إذا ألغيت. وهذا الذي ذكر أبو جعفر هو أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 212، وجاء بالبيت كما رواه هنا، وان كان في مطبوعة مجاز القرآن: (( وما مزاحك )) بالزاي، وهو خطأ مطبعي فيما أظن. القول في تأويل قوله: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال الله للذين أهبطهم من سمواته إلى أرضه: (فيها تحيون) ، يقول: في الأرض تحيون، يقول: تكونون فيها أيام حياتكم = (وفيها تموتون) ، يقول في الأرض تكون وفاتكم، (ومنها تخرجون) ، يقول: ومن الأرض يخرجكم ربكم ويحشركم إليه لبعث القيامة أحياء. * * * القول في تأويل قوله: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سوءاتكمْ} قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه للجهلة من العرب الذين كانوا يتعرَّون للطواف، اتباعًا منهم أمرَ الشيطان، وتركًا منهم طاعةَ الله، فعرفهم انخداعهم بغروره لهم، حتى تمكن منهم فسلبهم من ستر الله الذي أنعمَ به عليهم، حتى ![]()
__________________
|
#663
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (663) صــ 361 إلى صــ 370 أبدى سوءاتهم وأظهرها من بعضهم لبعض، مع تفضل الله عليهم بتمكينهم مما يسترونها به، وأنهم قد سار بهم سيرته في أبويهم آدم وحواء اللذين دلاهما بغرور حتى سلبهما ستر الله الذي كان أنعم به عليهما حتى أبدى لهما سوءاتهما فعرّاهما منه: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا) ، يعني بإنزاله عليهم ذلك، خلقَه لهم، ورزقه إياهم = و "اللباس" ما يلبسون من الثياب (1) = (يواري سوءاتكم) ، يقول: يستر عوراتكم عن أعينكم (2) = وكنى بـ "السوءات" ، عن العورات. * * * = واحدتها "سوءة" ، وهي "فعلة" من "السوء" ، وإنما سميت "سوءة" ، لأنه يسوء صاحبها انكشافُها من جسده، (3) كما قال الشاعر: (4) خَرَقُوا جَيْبَ فَتَاتِهِمُ ... لَمْ يُبَالُوا سَوْءَةَ الرَّجُلَهْ (5) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14418- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (لباسًا يواري سوءاتكم) ، قال: كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراةً، ولا يلبس أحدهم ثوبًا طاف فيه. 14419- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن (1) انظر تفسير (( اللباس )) فيما سلف 3: 489 - 491 /5: 480 /11: 270. (2) انظر تفسير (وارى ) ) فيما سلف 10: 229. (3) انظر تفسير (( السوءة )) فيما سلف 10: 229 / وهذا الجزء ص: 352. (4) لم أعرف قائله. (5) الكامل 1: 165، وشرح الحماسة 1: 117، واللسان (رجل) ، وغيرهما، وقبل البيت: كُلُّ جَارٍ ظَلَّ مُغْتَبِطًا ... غَيْرَ جِيرَانِي بَنِي جَبَلَهْ وروايتهم: (( لم يبالوا حرمة الرجله )) . وكنى بقوله: (( جيب فتاتهم )) ، عن عورتها وفرجها. وانث (( الرجل )) ، فجعل المرأة: (( رجلة )) . ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. 14420- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا) ، قال: أربع آيات نزلت في قريش. كانوا في الجاهلية لا يطوفون بالبيت إلا عراة. 14421- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عوف قال: سمعت معبدًا الجهني يقول في قوله: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا) ، قال: اللباس الذي تلبسون. 14422- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم) ، قال: كانت قريش تطوف عراة، لا يلبس أحدهم ثوبًا طاف فيه. وقد كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة. 14423- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وسهل بن يوسف، عن عوف، عن معبد الجهني: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم) ، قال: اللباس الذي يواري سوءاتكم: وهو لَبُوسكم هذه. (1) 14424- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (لباسًا يواري سوءاتكم) ، قال: هي الثياب. 14425- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، حدثني مَنْ سمع عروة بن الزبير يقول، اللباس: الثياب. 14426- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا (1) (( اللبوس )) ، الثياب، وهو مذكر، فإن ذهبت به إلى (( الثياب )) جاز لك أن تؤنث، وكان في المطبوعة: (( هو لبوسكم هذا )) ، وأثبت ما في المخطوطة. عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم) ، قال: يعني ثيابَ الرجل التي يلبسها. * * * القول في تأويل قوله: {وَرِيشًا} قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قرأة الأمصار: (وَرِيشًا) ، بغير "ألف" . * * * وذكر عن زر بن حبيش والحسن البصري: أنهما كانا يقرآنه: "وَرِياشًا" . 14427- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبان العطار قال، حدثنا عاصم: أن زر بن حبيش قرأها: "وَرِياشًا" . * * * قال أبو جعفر: والصوابُ من القراءة في ذلك، قراءة من قرأ: (وَرِيشًا) بغير "ألف" ، لإجماع الحجة من القرأة عليها. وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرٌ في إسناده نظر: أنه قرأه: "وَرِياشًا" . (1) فمن قرأ ذلك: "وَرِياشًا" فإنه محتمل أن يكون أراد به جمع "الريش" ، كما تجمع "الذئب" ، "ذئابًا" ، و "البئر" "بئارًا" . ويحتمل أن يكون أراد به مصدرًا، من قول القائل: "راشه الله يَريشه رياشًا ورِيشًا" ، (2) كما يقال: "لَبِسه يلبسه لباسًا ولِبْسًا" ، وقد أنشد بعضهم: (3) (1) سيأتي هذا الخبر بإسناده رقم: 14446. (2) أراد هنا أن يجعل (( ريشا )) مصدرًا بكسر (( الراء )) ، كما هو بين في معاني القرآن للفراء 1: 375، ولذلك ضبطتها كذلك، والذي نص عليه أهل اللغة أن المصدر (ريشا ) ) بفتح فسكون. (3) هو حميد بن ثور الهلالي. فَلَما كَشَفْنَ اللِّبْسَ عَنْهُ مَسَحْنَهُ ... بِأَطْرَافِ طَفْلٍ زَانَ غَيْلا مُوَشَّمَا (1) بكسر "اللام" من "اللبس" . و "الرياش" ، في كلام العرب، الأثاث، وما ظهر من الثياب من المتاع مما يلبس أو يُحْشى من فراش أو دِثَار. و "الريش" إنما هو المتاع والأموال عندهم. وربما استعملوه في الثياب والكسوة دون سائر المال. يقولون: "أعطاه سرجًا بريشه" ، و "رحْلا بريشه" ، أي بكسوته وجهازه. ويقولون: "إنه لحسن ريش الثياب" ، وقد يستعمل "الرياش" في الخصب ورَفاهة العيش. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال: "الرياش" ، المال: 14428- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، (1) ديوانه: 14، ومعاني القرآن للفراء 1: 375، واللسان (لبس) (طفل) ، والمخصص 4: 35، وغيرها. وهذا بيت من قصيدة له طويلة في ديوانه، أرجح أنها مختلطة الترتيب، وهذا البيت مما اختلط. فإنه في صفة الرجل، فقال فيه (كما ورد في الديوان البيت رقم: 37) ، بعد أن زينته الجواري (والشعر في الديوان كثير الخطأ، فصححته) . تَنَاهَى عَلَيْهِ الصَّانِعَاتُ، وَشَاكَلَتْ ... بِهِ الخيلَ حَتَّى هَمَّ أَنْ يَتَحَمْحَمَا ثم قال بعد رقم: 40. تَخَالُ خِلالَ الرَّقْم لَمَّا سَدَلْنَهُ ... حِصَانًا تَهَادَى سَامِيَ الطَّرْفِ مُلْجَمَا وقال قبل البيت (وهما في ترتيب الديوان: 32، 33) : فَزَيَّنَّهُ بِالعِهْنِ حَتَّى لَوَ انَّهُ ... يُقَالُ لَهُ: هَابٍ، هَلُمَّ! لأَقْدَمَا جعل الهودج قد صار كأنه فرس عليه زينته وجلاله وسرجه. وقوله: (فلما كشفن اللبس عنه ) ) ، يعني الهودج. و (( مسحنه )) يعني الجواري اللواتي صنعه وزوقنه وزينه. و (( الطفل) (بفتح فسكون) هو البنان الناعم، وأراد: مسحنه بأطراف بنان طفل، فجعل (( طفلا )) بدلا من (( البنان )) و (( الغيل )) (بفتح فسكون) الساعد الريان الممتلئ. و (( الموشم )) ، عليه الوشم، وكان زينة للجاهلية أبطلها الإسلام، ولعن الله متخذها، رجلا كان أو امرأة. عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وريشًا) ، يقول: مالا. 14429- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وريشًا) ، قال: المال. 14430- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 14431- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ورياشًا" ، قال: أما "رياشًا" ، فرياش المال. (1) 14432- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، حدثني من سمع عروة بن الزبير يقول: "الرياش" ، المال. 14433- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله: "ورياشًا" ، يعني، المال. * ذكر من قال: هو اللباس ورفاهة العيش. 14434- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ورياشًا" ، قال: "الرياش" ، اللباس والعيش والنَّعيم. 14435- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وسهل بن يوسف، عن عوف، عن معبد الجهني: "ورياشًا" ، قال: "الرياش" ، المعاش. 14436- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا عوف قال، قال معبد الجهني: "ورياشًا" ، قال: هو المعاش. * * * (1) حيث جاءت (( رياش )) القراءة الثانية في هذه الأخبار، فإني تاركها على ما هي عليه لا أغيرها إلى قراءتنا. وقال آخرون: "الريش" ، الجمال. * ذكر من قال ذلك: 14437- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ورياشًا" ، قال: "الريش" ، الجمال. * * * القول في تأويل قوله: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: "لباس التقوى" ، هو الإيمان. * ذكر من قال ذلك: 14438- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ولباس التقوى) ، هو الإيمان. 14439- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولباس التقوى) ، الإيمان. 14440- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، أخبرني حجاج، عن ابن جريج: (ولباس التقوى) ، الإيمان. * * * وقال آخرون: هو الحياء. * ذكر من قال ذلك: 14441- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وسهل بن يوسف، عن عوف، عن معبد الجهني في قوله: (ولباس التقوى) ، الذي ذكر الله في القرآن، هو الحياء. 14442- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا عوف قال، قال معبد الجهني، فذكر مثله. 14443- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن معبد، بنحوه. * * * وقال آخرون: هو العمل الصالح. * ذكر من قال ذلك: 14444- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (ولباس التقوى ذلك خير) ، قال: لباس التقوى: العمل الصالح. * * * وقال آخرون: بل ذلك هو السَّمْت الحسن. * ذكر من قال ذلك: 14445- حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا عبد الله بن داود، عن محمد بن موسى، عن. . . . بن عمرو، عن ابن عباس: (ولباس التقوى) ، قال: السمت الحسن في الوجه. (1) 14446- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق بن الحجاج قال، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، عن سليمان بن أرقم، عن الحسن قال: رأيت عثمان بن عفان على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليه قميصٌ قُوهيّ محلول الزرّ، (2) وسمعته يأمر بقتل الكلاب، وينهى عن اللعب بالحمام، ثم قال: يا أيها الناس، اتقوا الله ف (1) الأثر: 14445 - في هذا الإسناد في المخطوطة: (( عن الدنا بن عمرو )) ، كلمة لم أعرف كيف تقرأ، فوضعت مكانها نقطًا، وكان في المطبوعة: (( الزباء بن عمرو )) ، لا أدري من أين جاء بهذا الاسم!! ووجدت في تفسير ابن كثير 3: 462: (( الديال بن عمرو )) ، وهذا أيضًا. لم أعرف ما يكون. (( محمد بن موسى )) ، لم أستطع أن أحدد من يكون. (2) (( القميص القوهي )) ، منسوب إلى (( قوهستان )) ، وهي أرض متصلة بنواحي هراة ونيسابور، ينسب إليها ضرب من الثياب. ي هذه السرائر، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي نفس محمد بيده، ما عمل أحدٌ قط سرًّا إلا ألبسه الله رداءَ علانيةٍ، (1) إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًا، ثم تلا هذه الآية:" وَرِيَاشًا "= ولم يقرأها: (وَرِيشًا) = (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ) ، قال: السمتُ الحسن. (2) " * * * وقال آخرون: هو خشية الله. * ذكر من قال ذلك: 14447- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدنى قال، حدثني من سمع عروة بن الزبير يقول: (لباس التقوى) ، خشية الله. * * * وقال آخرون: (لباس التقوى) ، في هذه المواضع، ستر العورة. * ذكر من قال ذلك: 14448- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولباس التقوى) ، يتقي الله، فيواري عورته، ذلك "لباس التقوى" . * * * (1) نص ابن كثير في تفسيره، نقلا عن هذا الموضع من الطبري: (( ما أسر أحد سريرة إلا ألبسهما الله رداءها علانية )) ، ولا أدري من أين جاء هذا الاختلاف: وفي المطبوعة: (( رداءه )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) الأثر: 14446 - (( إسحاق بن الحجاج الرازي الطاحوني )) ، مضى برقم: 230، 1614، 10314. و (( إسحاق بن إسماعيل )) لعله (( إسحاق بن لإسماعيل الرازي )) ، أبو يزيد، حبويه. مترجم في ابن أبي حاتم 1 /1 / 212. و (( سليمان بن أرقم )) ، أبو معاذ. ضعف جدًا، متروك الحديث، مضى برقم: 4923. فمن أجل ضعف (( سليمان بن أرقم )) ، قال أبو جعفر فيما سلف ص: 363، تعليق: 1، أن في إسناد هذا الخبر نظرًا. وهذا الخبر رواه ابن كثير في تفسيره 3: 462، 463، وضعفه، ثم قال: (( وقد روى الأئمة، الشافعي وأحمد والبخاري في كتاب الأدب صحيحة، عن الحسن: أنه سمع أمير المؤمنين عثمان بن عفان يأمر بقتل الكلاب وذبح الحمام يوم الجمعة على المنبر )) . قلت: وخبر أحمد في المسند رقم: 521، وخبر البخاري في الأدب المفرد ص: 332، 333 برقم: 1301. واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قرأة المكيين والكوفيين والبصريين: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) ، برفع "ولباس" . * * * وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة: "وَلِبَاسَ التَّقْوَى" ، بنصب "اللباس" ، وهي قراءة بعض قرأة الكوفيين. * * * فمن نصب: "ولباس" ، فإنه نصبه عطفًا على "الريش" ، بمعنى: قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا، وأنزلنا لباسَ التقوى. * * * وأما الرفع، فإن أهل العربية مختلفون في المعنى الذي ارتفع به "اللباس" . فكان بعض نحويي البصرة يقول: هو مرفوع على الابتداء، وخبره في قوله: (ذلك خير) . وقد استخطأه بعض أهل العربية في ذلك وقال: هذا غلط، لأنه لم يعد على "اللباس" في الجملة عائد، فيكون "اللباس" إذا رفع على الابتداء وجعل "ذلك خير" خبرًا. * * * وقال بعض نحويي الكوفة: (ولباس) ، يرفع بقوله: ولباس التقوى خير، ويجعل "ذلك" من نعته. (1) * * * قال أبو جعفر: وهذا القول عندي أولى بالصواب في رافع "اللباس" ، لأنه لا وجه للرفع إلا أن يكون مرفوعًا بـ "خير" ، وإذا رفع بـ "خير" لم يكن في ذلك وجه إلا أن يجعل "اللباس" نعتًا، لا أنه عائد على "اللباس" من ذكره في قوله: (ذلك خير) ، فيكون خير مرفوعًا بـ "ذلك" ، و "ذلك" ، به. (1) هذا قول الفراء 1: 375 فإذ، كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام = إذا رفع "لباس التقوى" =: ولباس التقوى ذلك الذي قد علمتموه، خير لكم يا بني آدم، من لباس الثياب التي تواري سوءاتكم، ومن الرياش التي أنزلناها إليكم، هكذا فالبَسوه. * * * وأما تأويل مَنْ قرأه نصبًا، فإنه: "يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا ولباس التقوى" ، هذا الذي أنزلنا عليكم من اللباس الذي يواري سوءاتكم، والريش، ولباس التقوى خير لكم من التعرِّي والتجرد من الثياب في طوافكم بالبيت، فاتقوا الله والبسوا ما رزقكم الله من الرياش، ولا تطيعوا الشيطان بالتجرد والتعرِّي من الثياب، فإن ذلك سخرية منه بكم وخدعة، كما فعل بأبويكم آدم وحواء، فخدعهما حتى جرّدهما من لباس الله الذي كان ألبسهما بطاعتهما له، في أكل ما كان الله نهاهما عن أكله من ثمر الشجرة التي عصَياه بأكلها. * * * قال أبو جعفر: وهذه القراءة أولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب، أعني نصب قوله: "وَلِبَاسَ التَّقْوَى" ، لصحة معناه في التأويل على ما بيّنت، وأن الله إنما ابتدأ الخبر عن إنزاله اللباس الذي يواري سوءاتنا والرياش، توبيخًا للمشركين الذين كانوا يتجرّدون في حال طوافهم بالبيت، ويأمرهم بأخذ ثيابهم والاستتار بها في كل حال، مع الإيمان به واتباع طاعته = ويعلمهم أن كلّ ذلك خير من كلّ ما هم عليه مقيمون من كفرهم بالله، وتعرِّيهم، لا أنه أعلمهم أن بعض ما أنزل إليهم خيرٌ من بعض. وما يدل على صحة ما قلنا في ذلك، الآيات التي بعد هذه الآية، وذلك قوله: (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزعُ عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما) وما بعد ذلك من الآيات إلى قوله: (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) ، فإنه جل ثناؤه يأمر في كل ذلك بأخذ الزينة من الثياب، واستعمال اللباس وترك التجرّد والتعرّي، وبالإيمان به، واتباع أمره والعمل بطاعته، ![]()
__________________
|
#664
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (664) صــ 371 إلى صــ 380 وينهى عن الشرك به واتباع أمر الشيطان، مؤكدًا في كل ذلك ما قد أجمله في قوله: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا ولباسَ التقوى ذلك خير) . * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصحة في تأويل قوله: "ولباس التقوى" ، استشعار النفوس تقوى الله، في الانتهاء عما نهى الله عنه من معاصيه، والعمل بما أمر به من طاعته، وذلك يجمع الإيمان، والعمل الصالح، والحياء، وخشية الله، والسمتَ الحسن، لأن مَنْ اتقى الله كان به مؤمنًا، وبما أمره به عاملا ومنه خائفًا، وله مراقبًا، ومن أن يُرَى عند ما يكرهه من عباده مستحييًا. ومَنْ كان كذلك ظهرت آثار الخير فيه، فحسن سَمْته وهَدْيه، ورُئِيَتْ عليه بهجة الإيمان ونوره. وإنما قلنا: عنى بـ "لباس التقوى" ، استشعارَ النفس والقلب ذلك = لأن "اللباس" ، إنما هو ادِّراع ما يلبس، واجتياب ما يكتسى، (1) أو تغطية بدنه أو بعضه به. فكل من ادَّرع شيئًا واجتابهُ حتى يُرَى عَيْنه أو أثرُه عليه، (2) فهو له "لابس" . ولذلك جعل جل ثناؤه الرجال للنساء لباسًا، وهن لهم لباسًا، (1) في المطبوعة: (( واحتباء ما يكتسى )) ، غير ما في المخطوطة، الخطأ في نقطها، فأساء غاية الإساءة، كان في المخطوطة: (( واحنتاب )) ، وصواب قراءتها ما أثبت وانظر التعليق التالي، (( اجتاب الثوب اجتيابًا )) ، لبسه، قال لبيد: فَبِتِلْكَ إذْ رَقَصَ اللَّوَامِعُ بِالضُّحَى ... وَاجْتَابَ أَرْدِيَةَ السَّرَابِ إكَامُها أَقْضِي اللُّبَانَةَ لا أُفَرِّطُ رِيبَةً ... أَوْ أَنْ يَلُومَ بِحَاجَةٍ لَوَّامُها (2) في المطبوعة: (( فكل من اردع شيئًا واحتبى به حتى يرى هو أو أثره عليه )) ، أساء كما أساء في السالف، ولكن كان الخطأ أعذر له، لأنه فيها (( فكل من ادرع شيئًا واحبا )) هذا آخر السطر، ثم بدأ في السطر التالي (( به حتى يرى عنه أو أثره عليه )) . فجاء الناشر فجعلها (( واحتبى به )) والصواب ما أثبت، وإنما قطع الناسخ الكلمة في سطرين!! وانظر التعليق السالف. وأما قوله في المطبوعة: (( حتى يرى هو أو أثره عليه )) ، فقد غيره تغييرًا لا يجدي، وصواب قراءة المخطوطة كما أثبت. وجعل الليل لعباده لباسًا. (1) * * * * ذكر من تأول ذلك بالمعنى الذي ذكرنا من تأويله، إذا قرئ قوله: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى) ، رفعًا. 14449- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولباس التقوى) ، الإيمان = (ذلك خير) ، يقول: ذلك خير من الرياش واللباس يواري سوءاتكم. 14450- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولباس التقوى) ، قال: لباس التقوى خير، وهو الإيمان. * * * القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ذلك الذي ذكرت لكم أنّي أنزلته إليكم، أيها الناس، من اللباس والرياش، من حجج الله وأدلته التي يعلم بها مَنْ كفر صحة توحيد الله، وخطأ ما هم عليه مقيمون من الضلالة = (لعلهم يذكرون) ، يقول جل ثناؤه: جعلت ذلك لهم دليلا على ما وصفت، ليذكروا فيعتبروا وينيبوا إلى الحق وترك الباطل، رحمة مني بعبادي. (2) * * * (1) شاهد الأول آية (( سورة البقرة )) : 187: "هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ" . وشاهد الثاني على آية (( سورة النبأ )) : 10: "وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا" . (2) انظر تفسير (( آية )) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) . = وتفسير (( يذكر )) فيما سلف منها (ذكر) . القول في تأويل قوله: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يا بني آدم، لا يخدعنكم الشيطان فيبدي سوءاتكم للناس بطاعتكم إياه عند اختباره لكم، كما فعل بأبويكم آدم وحواء عند اختباره إياهما فأطاعاه وعصيا ربهما، فأخرجهما بما سبَّب لهما من مكره وخدعه، من الجنة، ونزع عنهما ما كان ألبسهما من اللباس، ليريهما سوءاتهما بكشف عورتهما، وإظهارها لأعينهما بعد أن كانت مستترةً. * * * وقد بينا فيما مضى أن معنى "الفتنة" ، الاختبار والابتلاء، بما أغنى عن إعادته. (1) * * * وقد اختلف أهل التأويل في صفة "اللباس" الذي أخبر الله جل ثناؤه أنه نزعه عن أبوينا، وما كان. فقال بعضهم: كان ذلك أظفارًا. * ذكر من لم يذكر قوله فيما مضى من كتابنا هذا في ذلك: 14451- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عكرمة: (ينزع عنهما لباسهما) ، قال: لباس كل دابة منها، ولباس الإنسان الظُّفر، فأدركت آدم التوبة عند ظُفُره = أو قال: أظفاره. 14452- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الحميد الحماني، عن نضر (1) انظر تفسير (( الفتنة )) فيما سلف 11: 388، تعليق: 1، والمراجع هناك. أبي عمر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: تركت أظفاره عليه زينة ومنافع، في قوله: (ينزع عنهما لباسهما) . (1) 14453- حدثني أحمد بن الوليد القرشي قال، حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير قال، أخيرنا مخلد بن الحسين، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس في قوله: (ينزع عنهما لباسهما) ، قال: كان لباسهما الظفر، فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما، وتركت الأظفار تذكرة وزينة. 14454- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة في قوله: (ينزع عنهما لباسهما) ، قال: كان لباسه الظفر، فانتهت توبته إلى أظفاره. * * * وقال آخرون: كان لباسهما نورًا. * ذكر من قال ذلك: 14455- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن وهب بن منبه: (ينزع عنهما لباسهما) ، النور. 14456- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة قال، حدثنا عمرو قال، سمعت وهب بن منبه يقول في قوله: (ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما) ، قال: كان لباس آدم وحواء نورًا على فروجهما، لا يرى هذا عورة هذه، ولا هذه عورة هذا. * * * (1) الأثر: 14452 - (( عبد الحميد الحماني )) هو (( عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني )) ، مضى برقم: 718، 7863. و (( نضر، أبو عمر )) هو (( النضر بن عبد الرحمن )) ، أبو عمر الخراز، مضى أيضًا برقم 718، 10373، وكان في المطبوعة: (( نصر بن عمر )) ، غير ما في المخطوطة، وهو فيها: (( نصر أبي عمر )) ، غير منقوطة. وقال آخرون: إنما عنى الله بقوله: (ينزع عنهما لباسهما) ، يسلبهما تقوى الله. * ذكر من قال ذلك: 14457- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا مطلب بن زياد، عن ليث، عن مجاهد: (ينزع عنهما لباسهما) ، قال: التقوى. (1) 14458- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن ليث، عن مجاهد: (ينزع عنهما لباسهما) ، قال: التقوى. 14459- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد، مثله. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى حذر عباده أن يفتنهم الشيطان كما فتن أبويهم آدم وحواء، وأن يجرِّدهم من لباس الله الذي أنزله إليهم، كما نزع عن أبويهم لباسهما. "اللباس" المطلق من الكلام بغير إضافة إلى شيء في متعارف الناس، وهو ما اجتابَ فيه اللابس من أنواع الكُسي، (2) أو غطى بدنه أو بعضه. وإذ كان ذلك كذلك، فالحق أن يقال: إن الذي أخبر الله عن آدم وحواء من لباسهما الذي نزعه عنهما الشيطان، هو بعض ما كانا يواريان به أبدانهما وعوْرَتهما. (1) الأثر: 14457 - (( مطلب بن زياد بن أبي زهير الثقفي )) ، قال ابن سعد: (( كان ضعيفًا في الحديث جدًا )) ، وقال ابن عدي: (( وله أحاديث حسان وغرائب، ولم أر له منكرًا، وأرجو أنه لا بأس به )) . مترجم في التهذيب، والبخاري في الكبير 4 / 2 / 8، ولم يذكر فيه جرحًا، وابن أبي حاتم 4 /1 / 360، وذكر أن أحمد ويحيى بن معين وثقا. وقال أبو حاتم: (( يكتب حديثه، ولا يحتج به )) . (2) في المطبوعة: (( هو ما اختار فيه اللابس من أنواع الكساء )) ، ولم يحسن قراءة المخطوطة، فغير كما سلف قريبًا، فرددتها إلى أصلها. وقوله: (( اجتاب فيه اللابس )) ، أدخل (( فيه )) مع (( اجتاب )) ، وهو صحيح في قياس العربية، لأنهم قالوا: (( اجتاب الثوب والظلام )) ، إذا دخل فيهما، فأعطى (( اجتاب )) معنى (( دخل )) ، فألحق بها حرف الجر، لمعنى الدخول. وقد يجوز أن يكون ذلك كان ظفرًا= ويجوز أن يكون كان ذلك نورًا = ويجوز أن يكون غير ذلك = ولا خبر عندنا بأيِّ ذلك تثبت به الحجة، فلا قول في ذلك أصوب من أن يقال كما قال جلّ ثناؤه: (ينزع عنهما لباسهما) . * * * وأضاف جل ثناؤه إلى إبليس إخراجَ آدم وحواء من الجنة، ونزعَ ما كان عليهما من اللباس عنهما، وإن كان الله جل ثناؤه هو الفاعل ذلك بهما عقوبة على معصيتهما إياه، إذ كان الذي كان منهما في ذلك عن تسْنيةِ ذلك لهما بمكره وخداعه، (1) فأضيف إليه أحيانًا بذلك المعنى، وإلى الله أحيانًا بفعله ذلك بهما. * * * القول في تأويل قوله: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) } قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: إن الشيطان يراكم هو= و "الهاء" في "إنه" عائدة على الشيطان = و "قبيله" ، يعني: وصنفه وجنسه الذي هو منه واحدٌ جمع جيلا (2) وهم الجن، كما:- 14460- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: (إنه يراكم هو وقبيله) ، قال: الجن والشياطين. (1) في المطبوعة: (( عن تسبيه ذلك لهما )) ، ولا معنى له، وهو في المخطوطة غير منقوط، وهذا صواب قراءته، (( سنى له الأمر )) ، سهله ويسره وفتحه. (2) في المطبوعة: (( الذي هو منه واحد جمعه قبل )) ، غير ما في المخطوطة، وفي المخطوطة كما كتبتها، إلا انه كتب (( صلا )) و (( الجيم )) بين القاف والجيم غير المنقوطة. واستظهرت هذا من نص أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 213، وهو: (( أي: وجيله الذي هو منه )) ، ومن نص صاحب لسان العرب: (( ويقال لكل جمع من شيء واحد، قبيل )) . و (( الجيل )) كل صنف من الناس، أو الأمة. يقال: (( الترك جيل، والصين جيل، والعرب جيل، والروم جيل )) ، وهم كل قوم يختصون بلغة، وتنشأ من جمعهم أمة وصنف من الناس موصوف معروف. 14461- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إنه يراكم هو وقبيله) ، قال: "قبيله" ، نسله. * * * وقوله: (من حيث لا ترونهم) ، يقول: من حيث لا ترون أنتم، أيها الناس، الشيطان وقبيله = (إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) ، يقول: جعلنا الشياطين نُصراء الكفار الذين لا يوحِّدون الله ولا يصدقون رسله. (1) * * * القول في تأويل قوله: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28) } قال أبو جعفر: ذكر أن معنى "الفاحشة" ، في هذا الموضع، (2) ما:- 14462- حدثني علي بن سعيد بن مسروق الكندي قال، حدثنا أبو محياة، عن منصور، عن مجاهد: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها) ، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، يقولون: "نطوف كما ولدتنا أمهاتنا" ، فتضع المرأة على قُبُلها النِّسعة أو الشيء، (3) فتقول: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ (4) * * * (1) انظر تفسير (( ولي )) فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) . (2) انظر تفسير (( الفاحشة )) ، و (( الفحشاء )) فيما سلف: ص: 218، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) (( القبل )) (بضمتين) : فرج المرأة والرجل. و (( النسعة )) : قطعة من الجلد مضفورة عريضة، تجعل على صدر البعير. (4) الأثر: 14462 - (( أبو محياة )) ، هو (( يحيى بن يعلي بن حرملة التيمي )) ، ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير 4 /2 / 311، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 196. ةسيأتي تخريج الخبر في تخريج الآثار: 14503 - 14506. 14463- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا) ، فاحشتهم أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة. 14464- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن مفضل، عن منصور، عن مجاهد، مثله. 14464- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير والشعبي: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا) ، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة. 14465- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها) ، قال: كان قبيلة من العرب من أهل اليمن يطوفون بالبيت عراة، فإذا قيل: لم تفعلون ذلك؟ قالوا: وجدنا عليها آباءنا، والله أمرنا بها. 14466- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وإذا فعلوا فاحشة) ، قال: طوافهم بالبيت عراة. 14467- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا) ، قال: في طواف الحُمْس في الثياب، وغيرهم عراة. (1) 14468- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا) ، (1) (( الحمس )) ، جمع (( أحمس )) هم قريش، لتشددهم في دينهم، وانظر تفسير ذلك مفصلا فيما سلف 3: 557، تعليق: 1، وانظر الأثر رقم: 3832، وأنها: (( ملة قريش )) . قال: كان نساؤهم يطفن بالبيت عراة، فتلك الفاحشة التي وجدوا عليها آباءهم: (قل إن الله لا يأمر بالفحشاء) ، الآية. * * * قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: وإذا فعل الذين لا يؤمنون بالله، الذين جعل الله الشياطين لهم أولياء، قبيحًا من الفعل، وهو "الفاحشة" ، وذلك تعرِّيهم للطواف بالبيت وتجردهم له، فعُذِلوا على ما أتوا من قبيح فعلهم وعوتبوا عليه، قالوا: "وجدنا على مثل ما نفعل آباءنا، فنحن نفعل مثل ما كانوا يفعلون، ونقتدي بهديهم، ونستنّ بسنتهم، والله أمرنا به، فنحن نتبع أمره فيه" . يقول الله جل ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد، لهم: "إن الله لا يأمر بالفحشاء" ، يقول: لا يأمر خلقه بقبائح الأفعال ومساويها = "أتقولون" ، أيها الناس، "على الله ما لا تعلمون" ، يقول: أتروون على الله أنه أمركم بالتعرِّي والتجرد من الثياب واللباس للطواف، (1) وأنتم لا تعلمون أنه أمركم بذلك؟ * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه: (قل) ، يا محمد، لهؤلاء الذين يزعمون أن الله أمرهم بالفحشاء كذبًا على الله: ما أمر ربي بما تقولون، بل (أمر ربي بالقسط) ، يعني: بالعدل، (2) كما:- 14469- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن (1) هكذا في المطبوعة والمخطوطة: (( أتروون على الله )) ، وأنا أرجح أن الصواب (( أتزورون )) ، أي: أتقولون الزور والكذب. (2) انظر تفسير (( القسط )) فيما سلف ص: 224، تعليق: 4، والمراجع هناك. ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (قل أمر ربي بالقسط) ، بالعدل. 14470- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (قل أمر ربي بالقسط) ، والقسط: العدل. * * * وأما قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله. فقال بعضهم: معناه: وجِّهوا وجوهكم حيث كنتم في الصلاة إلى الكعبة. * ذكر من قال ذلك: 14471- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) ، إلى الكعبة حيثما صليتم، في الكنيسة وغيرها. 14472- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) ، قال: إذا صليتم فاستقبلوا الكعبة، في كنائسكم وغيرها. 14473- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) ، هو "المسجد" ، الكعبة. 14474- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا خالد بن عبد الرحمن، عن عمر بن ذر، عن مجاهد في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) ، قال: الكعبة، حيثما كنت. 14475- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) ، قال: أقيموها للقبلة، هذه القبلة التي أمركم الله بها. * * * ![]()
__________________
|
#665
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (665) صــ 381 إلى صــ 390 وقال آخرون: بل عنى بذلك: واجعلوا سجودكم لله خالصًا، دون ما سواه من الآلهة والأنداد. * ذكر من قال ذلك. 14476- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) ، قال: في الإخلاص، أن لا تدعوا غيره، وأن تخلصوا له الدين. * * * قال أبو جعفر: وأولى هذين التأويلين بتأويل الآية، ما قاله الربيع: وهو أن القوم أُمِروا أن يتوجهوا بصلاتهم إلى ربهم، لا إلى ما سواه من الأوثان والأصنام، وأن يجعلوا دعاءهم لله خالصًا، لا مُكاءً ولا تصدية. (1) وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية، لأن الله إنما خاطب بهذه الآية قومًا من مشركي العرب، لم يكونوا أهل كنائس وبيع، وإنما كانت الكنائس والبِيَع لأهل الكتابين. فغير معقول أن يقال لمن لا يصلي في كنيسة ولا بِيعة: "وجِّه وجهك إلى الكعبة في كنيسة أو بِيعةٍ" . * * * وأما قوله: (وادعوه مخلصين له الدين) ، فإنه يقول: واعملوا لربكم مخلصين له الدين والطاعة، لا تخلطوا ذلك بشرك، ولا تجعلوا في شيء مما تعملون له شريكًا، (2) كما:- 14477- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: (وادعوه مخلصين له الدين) ، قال: أن تخلصوا له الدين والدعوة والعمل، ثم توجِّهون إلى البيت الحرام. * * * (1) (( المكاء )) : الصفير، و (( التصدية )) : التصفيق. كانوا يطوفون بالبيت عراة يصفرون بأفواههم، ويصفقون بأيديهم. (2) انظر تفسير (( الدعاء )) ، و (( الإخلاص )) فيما سلف من فهارس اللغة (دعا) و (خلص) . القول في تأويل قوله: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (كما بدأكم تعودون) . فقال بعضهم: تأويله: كما بدأكم أشقياء وسُعَداء، كذلك تبعثون يوم القيامة. * ذكر من قال ذلك: 14478- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (كما بدأكم تعودون فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة) ، قال: إن الله سبحانه بدأ خلق ابن آدم مؤمنًا وكافرًا، كما قال جل ثناؤه: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) ، [سورة التغابن: 2] ، ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم، مؤمنًا وكافرًا. 14479- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور قال، حدثنا أصحابنا، عن ابن عباس: (كما بدأكم تعودون) ، قال: يبعث المؤمن مؤمنًا، والكافر كافرًا. 14480- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يحيى بن الضريس، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن رجل، عن جابر قال: يبعثون على ما كانوا عليه، المؤمن على إيمانه، والمنافق على نفاقه. (1) 14481- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية قال: عادوا إلى علمه فيهم، ألم تسمع إلى قول الله فيهم: (كما بدأكم تعودون) ؟ ألم تسمع قوله: (فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة) ؟. (1) الأثر: 14480 - (( يحيى بن الضريس بن يسار البجلي الرازي )) ثقة، كان صحيح الكتب، جيد الأخذ. مترجم في التهذيب، والكبير 4 /2 / 282، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 158. 14482- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: (كما بدأكم تعودون) ، قال: رُدُّوا إلى علمه فيهم. 14483- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو همام الأهوازي قال، حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب في قوله: (كما بدأكم تعودون) ، قال: من ابتدأ الله خلقه على الشِّقوة صار إلى ما ابتدأ الله خلقه عليه، وإن عمل بأعمال أهل السعادة، كما أن إبليس عمل بأعمال أهل السعادة، ثم صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه. ومن ابتدئ خلقه على السعادة، صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه، وإن عمل بأعمال أهل الشقاء، كما أن السحرة عملت بأعمال أهل الشقاء، (1) ثم صاروا إلى ما ابتدئ عليه خلقهم. 14484- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن وِقَاء بن إياس أبي يزيد، عن مجاهد: (كما بدأكم تعودون) ، قال: يبعث المسلم مسلمًا، والكافر كافرًا. (2) 14485- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو دكين قال، حدثنا سفيان، عن أبي يزيد، عن مجاهد: (كما بدأكم تعودون) ، قال: يبعث المسلم مسلمًا، والكافر كافرًا. (3) 14486- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا محمد بن أبي الوضاح، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير: (كما بدأكم تعودون) ، قال: كما كتب عليكم تكونون. (1) يعني سحرة فرعون، الذين آمنوا بموسى عليه وعلى نبينا السلام. (2) الأثر: 14484 - (( وقاء بن إياس الأسدي الوالبي )) ، أبو يزيد، ثقة، متكلم فيه، قال يحيى بن سعيد: (( ما كان بالذي يعتمد عليه )) . مترجم في التهذيب، والكبير 4 /2 / 188، ولم يذكر فيه جرحًا، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 49. وكان في المخطوطة: (( ورقاء بن إياس )) ، والصواب ما في المطبوعة. (3) الأثر: 14485 - (( أبو يزيد )) ، هو (( وقاء بن إياس )) ، المترجم في التعليق السالف. 14487- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد، مثله. 14488- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (كما بدأكم تعودون فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة) ، يقول: كما بدأكم تعودون، كما خلقناكم، فريق مهتدون، وفريق ضال، كذلك تعودون وتخرجون من بطون أمهاتكم. 14489- حدثنا ابن بشار، قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا أبي سفيان، عن الأعمش، عن سفيان، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تُبعث كل نفس على ما كانت عليه. (1) 14490- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو داود الحفري، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير: (كما بدأكم تعودون) ، قال: كما كتب عليكم تكونون. 14491- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا حماد بن زيد، عن ليث، عن مجاهد قال، يبعث المؤمن مؤمنًا، والكافر كافرًا. 14492- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (كما بدأكم تعودون) ، شقيًّا وسعيدًا. 14493- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك قراءة عن مجاهد، مثله. * * * (1) الأثر: 14489 - (( أبو سفيان )) ، هو (( طلحة بن نافع القرشي الواسطي )) ، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 6654، 11517، 11518. وهو الذي يروي عن جابر، والأعمش روايته. وكان في المطبوعة والمخطوطة: (( عن سفيان، عن جابر )) ، وهو خطأ لا شك فيه، صوابه منقولا عن تفسير الطبري، في تفسير ابن كثير 3: 466. وهذا خبر صحيح الإسناد. رواه مسلم في صحيحه 17: 210، من طريقين عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، ولفظه: (( يبعث كل عبد على ما مات عليه )) . رواه ابن ماجه في سننه 1414، رقم: 4230، من طريق شريك، عن الأعمش، ولفظه: (( يحشر الناس على نياتهم )) . وقال آخرون: معنى ذلك: كما خلقكم ولم تكونوا شيئًا، تعودون بعد الفناء. * ذكر من قال ذلك: 14494- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا غندر، عن عوف، عن الحسن: (كما بدأكم تعودون) ، قال: كما بدأكم ولم تكونوا شيئًا فأحياكم، كذلك يميتكم، ثم يحييكم يوم القيامة. 14495- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الأعلى، عن عوف، عن الحسن: (كما بدأكم تعودون) ، قال: كما بدأكم في الدنيا، كذلك تعودون يوم القيامة أحياء. 14496- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (كما بدأكم تعودون) ، قال: بدأ خلقهم ولم يكونوا شيئًا، ثم ذهبوا، ثم يعيدهم. 14497- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (كما بدأكم تعودون فريقًا هدى) ، يقول: كما خلقناكم أول مرة، كذلك تعودون. 14498- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (كما بدأكم تعودون) ، يحييكم بعد موتكم. 14499- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (كما بدأكم تعودون) ، قال: كما خلقهم أولا كذلك يعيدهم آخرًا. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب، القولُ الذي قاله من قال: معناه: كما بدأكم الله خلقًا بعد أن لم تكونوا شيئًا، تعودون بعد فنائكم خلقًا مثله، يحشركم إلى يوم القيامة = لأن الله تعالى ذكره: أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُعْلم بما في هذه الآية قومًا مشركين أهلَ جاهلية، لا يؤمنون بالمعاد، ولا يصدِّقون بالقيامة. فأمره أن يدعوهم إلى الإقرار بأن الله باعثهم يوم القيامة، ومثيبُ مَنْ أطاعه، ومعاقبُ مَنْ عصاه. فقال له: قل لهم: أمرَ ربي بالقسط، وأن أقيموا وجوهكم عند كل مسجد، وأن ادعوه مخلصين له الدين، وأن أقرُّوا بأنْ كما بدأكم تعودون = فترك ذكر "وأن أقروا بأن" . كما ترك ذكر "أن" مع "أقيموا" ، إذ كان فيما ذكر دلالة على ما حذف منه. وإذ كان ذلك كذلك، فلا وجه لأن يؤمر بدعاء مَنْ كان جاحدًا النشورَ بعد الممات، إلى الإقرار بالصفة التي عليها ينشر مَنْ نُشِر، وإنما يؤمر بالدعاء إلى ذلك مَنْ كان بالبعث مصدّقًا، فأما مَنْ كان له جاحدًا، فإنما يدعى إلى الإقرار به، ثم يعرَّف كيف شرائط البعث. على أن في الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي:- 14500- حدثناه محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان قال، حدثني المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يُحْشر الناس عُراة غُرْلا وأوّل مَنْ يكسى إبراهيم صلى الله عليه وسلم. ثم قرأ: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) ، [سورة الأنبياء: 104] 14501- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا إسحاق بن يوسف قال، حدثنا سفيان، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه. 14502- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة، فقال: يا أيها الناس، إنكم تحشرون إلى الله حُفَاة غُرْلا (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) . (1) * * * = (2) ما يبيِّن صحة القول الذي قلنا في ذلك، من أن معناه: أن الخلقَ يعودون إلى الله يوم القيامة خلقًا أحياء، كما بدأهم في الدنيا خلقًا أحياء. * * * يقال منه: "بدأ الله الخلق يبدؤهم = وأبدأَهُم يُبْدِئهم إبداءً" ، بمعنى خلقهم، لغتان فصيحتان. * * * ثم ابتدأ الخبر جل ثناؤه عما سبق من علمه في خلقه، وجرى به فيهم قضاؤه، فقال: هدى الله منهم فريقًا فوفّقهم لصالح الأعمال فهم مهتدون، وحقَّ على فريق منهم الضلالة عن الهدى والرشاد، باتخاذهم الشيطان من دون الله وليًّا. * * * وإذا كان التأويل هذا، كان "الفريق" الأول منصوبًا بإعمال "هدى" فيه، و "الفريق" ، الثاني بوقوع قوله: "حق" على عائد ذكره في "عليهم" ، كما قال جل ثناؤه: (يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) ، (3) [سورة الإنسان: 31] * * * (1) الآثار: 14500 - 14502 - (( المغيرة بن النعمان النخعي )) ، ثقة، مضى برقم: 13622. وهذا الخبر رواه البخاري من طريق شعبة، عن المغيرة في صحيحه (الفتح 8: 332 / 11: 331) مطولا، ورواه مسلم في صحيحه مطولا: 17: 193، 194 من طريق شعبة أيضًا. ورواه أحمد في المسند مطولا ومختصرًا رقم: 1950، 2027، من طريق سفيان الثوري مختصرًا، كما رواه الطبري. ثم رواه مطولا من طريق شعبة رقم: 2096، 2281، 2282. ورواه النسائي في سننه 4: 117. وسيرويه أبو جعفر بأسانيده هذه فيما يلي، في تفسير (( سورة الأنبياء )) 17: 80 (بولاق) . و (( الغرل )) جمع (( أغرل )) ، هو الأقلف الذي لم يختن. (2) هذا تمام الكلام الأول، والسياق: (( على أن في الخبر الذي روى عن رسول الله ... ما يبيّن صحة القول )) . (3) انظر معاني القرآن للفراء 1: 376. ومن وجه تأويل ذلك إلى أنه: كما بدأكم في الدنيا صنفين: كافرًا، ومؤمنًا، كذلك تعودون في الآخرة فريقين: فريقًا هدى، وفريقًا حق عليهم الضلالة = نصب "فريقًا" ، الأول بقوله: "تعودون" ، وجعل الثاني عطفًا عليه. وقد بينا الصواب عندنا من القول فيه. (1) * * * القول في تأويل قوله: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة، إنما ضلوا عن سبيل الله وجارُوا عن قصد المحجة، باتخاذهم الشياطين نُصراء من دون الله، وظُهراء، (2) جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك، بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق، وأن الصواب ما أتوه وركبوا. وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعمَ أن الله لا يعذِّب أحدًا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عنادًا منه لربه فيها. لأن ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضلّ وهو يحسَبُ أنه هادٍ. وفريق الهدى، (3) فَرْقٌ. وقد فرَّق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية. * * * (1) انظر تفسير (( فريق )) فيما سلف 11: 490، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( ولي )) فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) . (3) انظر تفسير (( حسب )) فيما سلف 10: 478، تعليق: 1، والمراجع هناك. القول في تأويل قوله: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين يتعرَّون عند طوافهم ببيته الحرام، ويبدون عوراتهم هنالك من مشركي العرب، والمحرِّمين منهم أكل ما لم يحرِّمه الله عليهم من حلال رزقه، تبرُّرًا عند نفسه لربه: (يا بني آدم خذوا زينتكم) ، من الكساء واللباس = (عند كل مسجد وكلوا) ، من طيبات ما رزقتكم، وحللته لكم = (واشربوا) ، من حلال الأشربة، ولا تحرِّموا إلا ما حَرَّمْتُ عليكم في كتابي أو على لسان رسولي محمد صلى الله عليه وسلم. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14503- حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي قال، حدثنا خالد بن الحارث قال، حدثنا شعبة، عن سلمة، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النساء كنّ يطفن بالبيت عراة = وقال في موضع آخر: بغير ثياب = إلا أن تجعل المرأة على فرجها خِرقة، فيما وُصِف إن شاء الله، وتقول: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ قال: فنزلت هذه الآية: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) . (1) (1) الأثر: 14503 - حديث شعبة، عن سلمة بن كهيل، رواه أبو جعفر من ثلاث طرق، سأخرجها في هذا الموضع. (( يحيى بن حبيب بن عربي الشيباني )) ، أبو زكرياء، ثقة، مضى برقم: 7818، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 137. (( خالد بن الحارث بن عبيد الهجيمي )) ، ثقة ثبت إمام. مضى برقم: 7507، 7818، 9878. و (( سلمة )) ، هو (( سلمة بن كهيل )) ، مضى مرارًا. و (( مسلم البطين )) هو (( مسلم بن عمران )) ، ثقة روى له الجماعة. وهذا الخبر، رواه مسلم في صحيحه 18: 162، من طريق غندر، عن شعبة (وهو الآتي رقم: 14506) . ورواه الحاكم في المستدرك 2: 319، 320 من طريق أبي داود الطيالسي، عن شعبة، بنحوه، ولكن قال: (( نزلت هذه الآية: قل من حرم زينة الله )) ، ثم قال الحاكم: (( حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه )) ، ووافقه الذهبي. 14504- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانوا يطوفون عراة، الرجال بالنهار، والنساء بالليل، وكانت المرأة تقول: ![]()
__________________
|
#666
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (666) صــ 391 إلى صــ 400 الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ فقال الله: (خذوا زينتكم) . (1) 14505- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن ابن عباس: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: الثياب. 14506- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا غندر ووهب بن جرير، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل قال: سمعت مسلمًا البطين يحدث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة = قال غندر: وهي عريانة = قال، وهب: كانت المرأة تطوف بالبيت وقد أخرجت صدرَها وما هنالك = قال غندر: وتقول: "مَنْ يعيرني تِطْوافًا" ، (2) تجعله على فرْجها وتقول: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ فأنزل الله (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) . (3) 14507- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعرَّوا. 14508- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) الآية "قال: كان رجال يطوفون بالبيت عراة، فأمرهم الله بالزينة = و" الزينة "، اللباس، وهو ما يواري السوءة، وما سوى ذلك من جيِّد البزِّ والمتاع = فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد." 14509- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي وابن فضيل، عن عبد الملك، عن عطاء: (خذوا زينتكم) ، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فأمروا أن يلبسوا ثيابهم. 14510- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء، بنحوه. 14511- حدثني عمرو قال، حدثنا يحيى قال، حدثنا عبد الملك، عن عطاء في قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، البسوا ثيابكم. 14512- حدثنا يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم في قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: كان ناس يطوفون بالبيت عراة، فنهوا عن ذلك. 14513- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فأمروا أن يلبسوا الثياب. (1) الأثر: 14504 - مكرر الأثر السالف، وهناك تخريجه. (2) (( تطواف )) (بكسر التاء) : ثوب كانوا يتخذونه للطواف، قال النووي: (( وكان أهل الجاهلية يطوفون عراة، ويرمون ثيابهم ويتركونها ملقاة على الأرض، ولا يأخذونها أبدًا، ويتركونها تداس بالأرجل حتى تبلى، ويسمى: اللقاء - حتى جاء الإسلام، فأمر الله بستر العورة فقال: خذوا زينتكم عند كل مسجد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يطوف بالبيت عريان )) وروى (( تطواف )) (بفتح التاء) ، وفسروه بأنه (( ذا تطواف )) ، على حذف المضاف. (3) الأثر: 14506 - مكرر الأثرين السالفين: 14503، 14504، سلف تخريجه في أولهما. وهذا نص حديث مسلم. 14514- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: ما وارى العورة ولو عبَاءة. 14515- حدثنا عمرو قال: حدثنا يحيى بن سعيد، وأبو عاصم، وعبد الله بن داود، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد في قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: ما يواري عورتك، ولو عباءة. 14516- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، في قريش، لتركهم الثياب في الطواف. 14517- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. 14518- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي قال، حدثنا سفيان، عن سالم، عن سعيد بن جبير: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: الثياب. 14519- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن حباب، عن إبراهيم، عن نافع، عن ابن طاوس، عن أبيه: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: الشَّمْلة من الزينة. (1) 14520- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن طاوس: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: الثياب. 14521- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد وأبو أسامة، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، (1) (( الشملة )) (بفتح فسكون) : كساء دون قطيفة، سمي بذلك لأنه يشمل البدن. ومنه ما نهى رسول الله عنه في الصلاة، وهو (( اشتمال الصماء )) ، وهو أن يشتمل بالثوب حتى يجلل جسده كله، ولا يرفع منه جانبًا فيكون فيه فرجة تخرج منها يده. فطافت امرأة بالبيت وهي عريانة فقالت: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ 14522- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: كان حي من أهل اليمن، كان أحدهم إذا قدم حاجًّا أو معتمرًا يقول: "لا ينبغي أن أطوف في ثوب قد دَنِسْتُ فيه" ، (1) فيقول: من يعيرني مئزرًا؟ فإن قدر على ذلك، وإلا طاف عريانًا، فأنزل الله فيه ما تسمعون: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) . 14523- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: قال الله: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) يقول: ما يواري العورة عند كل مسجد. 14524- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري: أن العرب كانت تطوف بالبيت عراة، إلا الحُمْس، قريش وأحلافهم. فمن جاء من غيرهم وضع ثيابه وطاف في ثياب أحمس، فإنه لا يحل له أن يلبس ثيابه. فإن لم يجد من يعيره من الحمس، فإنه يلقي ثيابه ويطوف عريانًا. وإن طاف في ثياب نفسه، ألقاها إذا قضى طوافه، يحرِّمها، فيجعلها حرامًا عليه. فلذلك قال الله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) . (2) 14525- وبه عن معمر قال، قال ابن طاوس، عن أبيه: الشَّملة، من الزينة. (3) 14526- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا (1) (( الدنس )) في الثوب، لطخ الوسخ ونحوه، حتى في الأخلاق. وعنى بقوله: (( دنست فيه )) ، أي أتيت فيه ما يشين ويعيب من المعاصي. (2) انظر تفسير (( الحمس )) فيما سلف ص: 378، تعليق: 1. (3) الأثر: 14525 - انظر الأثر رقم: 14519. عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، الآية، كان ناسٌ من أهل اليمن والأعراب إذا حجوا البيت يطوفون به عُراة ليلا فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم، ولا يتعرّوا في المسجد. 14527- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: (خذوا زينتكم) ، قال: زينتهم، ثيابهم التي كانوا يطرحونها عند البيت ويتعرّون. 14528- وحدثني به مرة أخرى بإسناده، عن ابن زيد في قوله: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) ، قال: كانوا إذا جاءوا البيت فطافوا به، حرمت عليهم ثيابهم التي طافوا فيها. فإن وجدوا مَنْ يُعيرهم ثيابًا، وإلا طافوا بالبيت عراة. فقال: (من حرم زينة الله) ، قال: ثياب الله التي أخرج لعباده، الآية. * * * وكالذي قلنا أيضًا قالوا في تأويل قوله: (وكلوا واشربوا ولا تسر فوا) . * ذكر من قال ذلك: 14529- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: أحل الله الأكل والشرب، ما لم يكن سَرَفًا أو مَخِيلة. (1) 14530- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) ، في الطعام والشراب. 14531- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، (1) (( السرف )) (بفتحتين) : وهو الإسراف، ومجاوزة القصد. و (( المخيلة )) (بفتح الميم وكسر الخاء) : الاختيال والكبر، وحديث ابن عباس المعروف: (( كل ماشئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خلتان: سرف ومخيلة )) ، رواه البخاري. حدثنا أسباط، عن السدي قال: كان الذين يطوفون بالبيت عراة يحرِّمون عليهم الوَدَك ما أقاموا بالموسم، (1) فقال الله لهم: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) ، يقول: لا تسرفوا في التحريم. 14532- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) ، قال: أمرهم أن يأكلوا ويشربوا مما رزقهم الله. 14533- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولا تسرفوا) ، لا تأكلوا حرامًا، ذلك الإسراف. * * * وقوله (إنه لا يحب المسرفين) ، يقول: إن الله لا يحب المتعدِّين حدَّه في حلال أو حرام، الغالين فيما أحلّ الله أو حرم، بإحلال الحرام وبتحريم الحلال، (2) ولكنه يحبّ أن يحلَّل ما أحل ويحرَّم ما حرم، وذلك العدل الذي أمر به. * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يتعرّون عند طوافهم بالبيت، ويحرمون على أنفسهم ما أحللت لهم من طيبات الرزق: من حرَّم، أيها القوم، عليكم زينة الله التي خلقها لعباده أن تتزيَّنوا بها وتتجملوا بلباسها، والحلال من رزق الله (1) (( الودك )) : دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه. و (( الموسم )) مجتمع الناس في أيام الحج. (2) انظر تفسير (( الإسراف )) فيما سلف: ص: 176، تعليق: 1، والمراجع هناك. الذي رزق خلقه لمطاعمهم ومشاربهم. (1) * * * واختلف أهل التأويل في المعنيّ: بـ "الطيبات من الرزق" ، بعد إجماعهم على أن "الزينة" ما قلنا. فقال بعضهم: "الطيبات من الرزق" في هذا الموضع، اللحم. وذلك أنهم كانوا لا يأكلونه في حال إحرامهم. * ذكر من قال ذلك منهم: 14534- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) ، وهو الودَك. (2) 14535- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) ، الذي حرموا على أنفسهم. قال: كانوا إذا حجُّوا أو اعتمروا، حرموا الشاة عليهم وما يخرج منها. 14536- وحدثني به يونس مرة أخرى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (قل من حرم زينة الله) إلى آخر الآية، قال: كان قوم يحرِّمون ما يخرج من الشاة، لبنها وسمنها ولحمها، فقال الله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) ، قال: والزينة من الثياب. 14537- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن رجل، عن الحسن قال: لما بعث محمدًا فقال: (1) انظر تفسير (( الزينة )) فيما سلف قريبًا ص: 389، وما بعدها. = وتفسير (( الطيبات )) فيما سلف من فهارس اللغة (طيب) . (2) (( الودك )) سلف تفسيره في ص: 395، تعليق: 1. "هذا نبيي، هذا خياري، استنّوا به" ، خذوا في سَنَنه وسبيله، (1) لم تغلق دونه الأبواب، ولم تُقَمْ دونه الحَجَبَة، (2) ولم يُغْدَ عليه بالجفان، ولم يُرْجع عليه بها، (3) وكان يجلس بالأرض، ويأكل طعامه بالأرض، ويلعق يده، ويلبس الغليظ، ويركب الحمار، ويُرْدِف بعده، (4) وكان يقول: "مَنْ رغب عن سنتي فليس مني" . قال الحسن: فما أكثر الراغبين عن سنته، التاركين لها! ثم إنّ عُلُوجًا فُسَّاقًا، أكلة الربا والغُلول، (5) قد سفَّههم ربي ومقتهم، زعموا أن لا بأس عليهم فيما أكلوا وشربوا، وزخرفوا هذه البيوت، يتأوّلون هذه الآية: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) ، وإنما جعل ذلك لأولياء الشيطان، قد جعلها ملاعبَ لبطنه وفرجه (6) = من كلام لم يحفظه سفيان. (7) * * * وقال آخرون: بل عنى بذلك ما كانت الجاهلية تحرم من البحائر والسوائب. (1) في المطبوعة: (( في سنته )) ، وقراءتها في المخطوطة ما أثبت. (( السنن )) (بفتحتين) الطريقة: يقال: (( امض على سننك )) ، و (( استقام فلان على سننه )) ، أي طريقته. (2) (( الحجبة )) جمع (( حاجب )) ، وهو الذي يحول بين الناس والملك أن يدخلوا عليه. (3) في المطبوعة: (( ولم يغد عليه بالجبار )) ، علق عليها أنه في نسخة (( بالجباب )) ، وفي المخطوطة: (( بالجبان )) غير منقوطة، وهي خطأ، وصواب قراءتها ما أثبت، كما وردت على الصواب في حلية الأولياء لأبي نعيم 2: 153. و (( الجفان )) جمع (( جفنة )) ، وهي قصعة الطعام العظيمة. ونص أبي نعيم: (( أما والله ما كان يغدي عليه بالجفان ولا يراح )) ، وهو أجود. (4) في المطبوعة: (( ويردف عبده )) ، غير ما في المخطوطة، وفي أبي نعيم: (( ويردف خلفه )) ، وهو بمعنى ما رواه الطبري. أي: يردف خلفه على الدابة رديفًا. (5) في المطبوعة والمخطوطة: (( ثم علوجًا )) بإسقاط (( إن )) ، والصواب من حلية الأولياء. و (( الغلول )) : هو الخيانة في المغنم، والسرقة من الغنيمة. (6) يعني قد جعل الآية بما تأولها به، لعبًا يلعب بتأويله، ليفتح الباب لكل شهوة من شهوات بطنه وفرجه. (7) الأثر: 14537 - الذي لم يحفظه سفيان، حفظه غيره، رواه أبو نعيم في حلية الأولياء 2: 153، 154 من طريق محمد بن محمد، عن الحسن بن أحمد بن محمد، عن أبي زرعة، عن مالك بن إسماعيل، عن مسلمة بن جعفر، عن الحسن، بنحو هذا اللفظ، وهي صفة تحفظ، وموعظة تهدى إلى طغاتنا في زماننا، من الناطقين بغير معرفة ولا علم في فتوى الناس بالباطل الذي زخرفته لهم شياطينهم * ذكر من قال ذلك: 14538- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (قل من حرم زينة الله التي أكل لعباده والطيبات من الرزق) ، وهو ما حرم أهل الجاهلية عليهم من أموالهم: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام. 14539- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) ، قال: إن الجاهلية كانوا يحرمون أشياءَ أحلها الله من الثياب وغيرها، وهو قول الله: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنزلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا) ، [سورة يونس: 59] ، وهو هذا، فأنزل الله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد = لهؤلاء الذين أمرتك أن تقول لهم: (من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) ، إذ عَيُّوا بالجواب، (1) فلم يدروا ما يجيبونك =: زينة الله التي أخرج لعباده، وطيبات رزقه، للذين صدّقوا الله ورسوله، واتبعوا ما أنزل إليك من ربك، في الدنيا، وقد شركهم في ذلك فيها من كفر بالله ورسوله وخالف (1) (( عي بالجواب )) : إذا عجز عنه، وأشكل عليه، ولم يهتد إلى صوابه. أمر ربه، وهي للذين آمنوا بالله ورسوله خالصة يوم القيامة، لا يشركهم في ذلك يومئذ أحدٌ كفر بالله ورسوله وخالف أمر ربه. (1) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14540- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) ، يقول: شارك المسلمون الكفار في الطيبات، فأكلوا من طيبات طعامها، ولبسوا من خِيار ثيابها، ونكحوا من صالح نسائها، وخلصوا بها يوم القيامة. 14541- وحدثني به المثنى مرة أخرى بهذا الإسناد بعينه، عن ابن عباس فقال: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا) ، يعني: يشارك المسلمون المشركين في الطيبات في الحياة الدنيا، ثم يُخْلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا، وليس للمشركين فيها شيء. 14542- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) ، يقول: قل هي في الآخرة خالصة لمن آمن بي في الدنيا، لا يشركهم فيها أحدٌ في الآخرة. (2) وذلك أن الزينة في الدنيا لكل بني آدم، فجعلها الله خالصة لأوليائه في الآخرة. 14543- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن (1) انظر تفسير (( خالصة )) فيما سلف 2: 365 /12: 148، 149. (2) أسقطت المطبوعة: (( في الآخرة )) من آخر هذه الجملة. الضحاك: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) ، قال: اليهود والنصارى يشركونكم فيها في الدنيا، وهي للذين آمنوا خالصة يوم القيامة. 14544- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) ، خالصةً للمؤمنين في الآخرة، لا يشاركهم فيها الكفار. فأما في الدنيا فقد شاركوهم. 14545- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) ، مَنْ عمل بالإيمان في الدنيا خلصت له كرامة الله يوم القيامة، ومَنْ ترك الإيمان في الدنيا قَدِم على ربّه لا عذرَ له. 14546- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السديّ: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا) ، يشترك فيها معهم المشركون = (خالصة يوم القيامة) ، للذين آمنوا. 14547- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) ، يقول: المشركون يشاركون المؤمنين في الدنيا في اللباس والطعام والشراب، ويوم القيامة يَخْلُص اللباس والطعام والشراب للمؤمنين، وليس للمشركين في شيء من ذلك نصيبٌ. 14548- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: الدنيا يصيب منها المؤمن والكافر، ويخلص خيرُ الآخرة للمؤمنين، وليس للكافر فيها نصيب. 14549- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) ، قال: هذه يوم ![]()
__________________
|
#667
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (667) صــ 401 إلى صــ 410 القيامة للذين آمنوا، لا يشركهم فيها أهل الكفر، ويشركونهم فيها في الدنيا. وإذا كان يوم القيامة، فليس لهم فيها قليل ولا كثير. * * * وقال سعيد بن جبير في ذلك بما:- 14550- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسماعيل بن أبان، وحبويه الرازي أبو يزيد، عن يعقوب القمي، عن سعيد بن جبير: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) ، قال: ينتفعون بها في الدنيا، ولا يتبعهم إثمها. (1) * * * واختلفت القرأة في قراءة قوله: "خالصة" . فقرأ ذلك بعض قرأة المدينة: "خَالِصَةٌ" ، برفعها، بمعنى: قل هي خالصة للذين آمنوا. * * * وقرأه سائر قرأة الأمصار: (خَالِصَةً) ، بنصبها على الحال من "لهم" ، وقد ترك ذكرها من الكلام اكتفاءً منها بدلالة الظاهر عليها، على ما قد وصفت في تأويل الكلام أن معنى الكلام: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا مشتركة، وهي لهم في الآخرة خالصة. ومن قال ذلك بالنصب، جعل خبر "هي" في قوله: (للذين آمنوا) (2) * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي بالصحة، قراءة من قرأ نصبًا، لإيثار العرب النصبَ في الفعل إذا تأخر بعد الاسم والصفة، (3) وإن كان الرفع جائزًا، غير أن ذلك أكثر في كلامهم. * * * (1) الأثر: 14550 - (( إسماعيل بن أبان الوراق الأزدي، أبو إسحاق )) ، شيعي، ثقة صدوق في الرواية. مترجم في التهذيب، والكبير 1 /1 / 347، وابن أبي حاتم 1 /1 / 160. و (( حبويه الرازي )) ، أبو يزيد، مضت ترجمته برقم: 14365. (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 376، 377. (3) (( الفعل )) ، يعني المصدر. و (( الاسم )) ، هو المشتق. و (( الصفة )) ، حرف الجر والظرف. انظر فهارس المصطلحات. وقد أسلف أبو جعفر في 2: 365 أن (( خالصة )) مصدر مثل (( العافية )) القول في تأويل قوله: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: كما بينت لكم الواجب عليكم في اللباس والزينة، والحلال من المطاعم والمشارب والحرام منها، وميزت بين ذلك لكم، أيها الناس، كذلك أبيِّن جميع أدلتي وحججي، وأعلامَ حلالي وحرامي وأحكامي، (1) لقوم يعلمون ما يُبَيَّن لهم، ويفقهون ما يُمَيَّز لهم. * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين الذين يتجرّدون من ثيابهم للطواف بالبيت، ويحرمون أكل طيبات ما أحل الله لهم من رزقه: أيها القوم، إن الله لم يحرم ما تحرمونه، بل أحل ذلك لعباده المؤمنين وطيَّبه لهم، وإنما حرم ربِّي القبائح من الأشياء = وهي "الفواحش" (2) = "ما ظهر منها" ، فكان علانية = "وما بطن" ، منها فكان سرًّا في خفاء. (3) * * * وقد روي عن مجاهد في ذلك ما:- 14551- حدثني الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد (1) انظر تفسير (( التفصيل )) فيما سلف ص: 237، تعليق: 1، والمراجع هناك. = وتفسير (( آية )) فيما سلف من فهرس اللغة (أيي) . (2) انظر تفسير (( الفاحشة )) فيما سلف ص: 377، تعليق: 2، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير (( ظهر )) و (( يظن )) فيما سلف ص: 218، تعليق: 2، والمراجع هناك. قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (ما ظهر منها وما بطن) ، قال: "ما ظهر منها" ، طوافُ أهل الجاهلية عراة= "وما بطن" ، الزنى. * * * وقد ذكرت اختلاف أهل التأويل في تأويل ذلك بالروايات فيما مضى، فكرهت إعادته. (1) * * * وأما "الإثم" ، فإنه المعصية = "والبغي" ، الاستطالة على الناس. (2) * * * يقول تعالى ذكره: إنما حرم ربي الفواحش مع الإثم والبغي على الناس. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14552- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (والإثم والبغي) ، أما "الإثم" فالمعصية = و "البغي" ، أن يبغي على الناس بغير الحق. 14553- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا في قوله: (ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي) ، قال: نهى عن "الإثم" ، وهي المعاصي كلها = وأخبر أن الباغيَ بَغْيُه كائنٌ على نفسه. (3) * * * (1) انظر ما سلف ص 218، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الإثم )) فيما سلف من فهارس اللغة (أثم) . = وتفسير (( البغي )) فيما سلف 2: 342 /3: 322 / 4: 281 / 6: 276. (3) في المخطوطة: (( أن اكتفى بغيه على نفسه )) ، وهو شيء لا يقرأ، والذي في المطبوعة أشبه بالصواب. القول في تأويل قوله: {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (33) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: إنما حرم ربي الفواحش والشرك به، أن تعبدوا مع الله إلهًا غيره = (ما لم ينزل به سلطانًا) ، يقول: حرم ربكم عليكم أن تجعلوا معه في عبادته شِرْكًا لشيء لم يجعل لكم في إشراككم إياه في عبادته حجة ولا برهانًا، وهو "السلطان" (1) = (وأن تقولوا على الله ما لا تعملون) ، يقول: وأن تقولوا إن الله أمركم بالتعرِّي والتجرُّد للطواف بالبيت، وحرم عليكم أكل هذه الأنعام التي حرمتموها وسيَّبتموها وجعلتموها وصائل وحوامي، وغير ذلك مما لا تعلمون أن الله حرّمه، أو أمر به، أو أباحه، فتضيفوا إلى الله تحريمه وحَظْره والأمر به، فإن ذلك هو الذي حرمه الله عليكم دون ما تزعمون أن الله حرمه، أو تقولون إن الله أمركم به، جهلا منكم بحقيقة ما تقولون وتضيفونه إلى الله. * * * القول في تأويل قوله: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (34) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره تهدُّدًا للمشركين الذين أخبر جل ثناؤه عنهم أنهم كانوا إذا فعلوا فاحشة قالوا: "وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها" (2) = ووعيدًا منه لهم على كذبهم عليه، وعلى إصرارهم على الشرك به والمقام على كفرهم = ومذكرًا لهم ما أحلّ بأمثالهم من الأمم الذين كانوا قبلهم=: (ولكل أمة أجل) ، (1) انظر تفسير (( السلطان )) فيما سلف 11: 490، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) في المطبوعة: (( مهددًا للمشركين )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو ألصق بالسياق. يقول: ولكل جماعة اجتمعت على تكذيب رُسل الله، (1) وردِّ نصائحهم، والشرك بالله، مع متابعة ربهم حججه عليهم = "أجل" ، يعني: وقت لحلول العقوبات بساحتهم، ونزول المثُلات بهم على شركهم (2) = (فإذا جاء أجلهم) ، يقول: فإذا جاء الوقت الذي وقّته الله لهلاكهم، وحلول العقاب بهم = (لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) ، يقول: لا يتأخرون بالبقاء في الدنيا، ولا يُمَتَّعون بالحياة فيها عن وقت هلاكهم وحين حلول أجل فنائهم، (3) ساعة من ساعات الزمان = (ولا يستقدمون) ، يقول: ولا يتقدّمون بذلك أيضًا عن الوقت الذي جعله الله لهم وقتًا للهلاك. * * * القول في تأويل قوله: {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره معرِّفًا خلقه ما أعدَّ لحزبه وأهل طاعته والإيمان به وبرسوله، وما أعدّ لحزب الشيطان وأوليائه والكافرين به وبرسله: (يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم) ، يقول: إن يجئكم رسلي الذين أرسلهم إليكم بدعائكم إلى طاعتي، والانتهاء إلى أمري ونهيي = "منكم" ، يعني: من أنفسكم، ومن عشائركم وقبائلكم = (يقصون عليكم آياتي) ، يقول: يتلون عليكم آيات كتابي، ويعرّفونكم أدلتي وأعلامي على صدق ما جاؤوكم به من عندي، وحقيقة (1) انظر تفسير (( الأمة )) فيما سلف ص: 37، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الأجل )) فيما سلف ص: 117، تعليق: 1 والمراجع هناك. (3) في المطبوعة: (( يتمتعون )) ، والصواب من المخطوطة. ما دعوكم إليه من توحيدي (1) = (فمن اتقى وأصلح) ، يقول: فمن آمن منكم بما أتاه به رُسلي مما قص عليه من آياتي وصدَّق، واتقى الله فخافه بالعمل بما أمره به والانتهاء عما نهاه عنه على لسان رسوله = (وأصلح) ، يقول: وأصلح أعماله التي كان لها مفسدًا قبل ذلك من معاصي الله بالتحوُّب منها (2) = (فلا خوف عليهم) ، يقول: فلا خوف عليهم يوم القيامة من عقاب الله إذا وردوا عليه = (ولا هم يحزنون) ، على ما فاتهم من دنياهم التي تركوها، وشهواتهم التي تجنَّبوها، اتباعًا منهم لنهي الله عنها، إذا عاينوا من كرامة الله ما عاينوا هنالك. (3) 14554- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا هشام أبو عبد الله قال، حدثنا هياج قال، حدثنا عبد الرحمن بن زياد، عن أبي سيّار السُّلَمي قال، إن الله جعل آدم وذريته في كفّه فقال: (يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليهم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ، ثم نظر إلى الرسل فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) ، [سورة المؤمنون: 51-52] ، ثم بَثَّهم. (4) * * * فإن قال قائل: ما جواب قوله: (إما يأتينكم رسل منكم) ؟ (1) انظر تفسير (( قص )) فيما سلف ص: 120، 307 = وتفسير (( آية )) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) . (2) (( تحوب من إثمه )) ، أي: تأثيم منه، أي: ترك الإثم وتوقاه. = وانظر تفسير (( أصلح )) فيما سلف من فهارس اللغة (صلح) . (3) انظر تفسير (( لا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) في نظائرها فيما سلف (خوف) (حزن) من فهارس اللغة. (4) الأثر: 14554 - هذا إسناد مبهم لم أستطع تفسيره. (( أبو سيار السلمي )) لم أعرف من يكون، فمن أجل ذلك لم أستطع أن أميز من يكون: (( عبد الرحمن بن زياد )) ، ولا (( هياج )) . والأثر، ذكره السيوطي في الدر المنثور 3: 82، ولم ينسبه لغير ابن جرير. قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك. فقال بعضهم في ذلك: الجوابُ مضمرٌ، يدل عليه ما ظهر من الكلام، وذلك قوله: (فمن اتقى وأصلح) . وذلك لأنه حين قال: (فمن اتقى وأصلح) ، كأنه قال: فأطيعوهم. * * * وقال آخرون منهم: الجواب: "فمن اتقى" ، لأن معناه: فمن اتقى منكم وأصلح. قال: ويدل على أنّ ذلك كذلك، تبعيضه الكلام، فكان في التبعيض اكتفاء من ذكر "منكم" . * * * القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وأما من كذّب بإيتاء رسلي التي أرسلتها إليه، وجحد توحيدي، وكفر بما جاء به رسلي، واستكبر عن تصديق حُجَجي وأدلّتي = (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) ، يقول: هم في نار جهنم ماكثون، لا يخرجون منها أبدًا. (1) * * * (1) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة. القول في تأويل قوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فمن أخطأ فعلا وأجهلُ قولا وأبعد ذهابًا عن الحق والصواب (1) = (ممن افترى على الله كذبًا) ، يقول: ممن اختلق على الله زُورًا من القول، فقال إذا فعل فاحشة: إن الله أمرنا بها (2) = (أو كذب بآياته) ، يقول: أو كذب بأدلته وأعلامه الدّالة على وحدانيته ونبوّة أنبيائه، فجحد حقيقتها ودافع صحتها = (أولئك) يقول: مَنْ فعل ذلك، فافترى على الله الكذب وكذب بآياته = (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، يقول: يصل إليهم حظهم مما كتب الله لهم في اللوح المحفوظ. (3) * * * ثم اختلف أهل التأويل في صفة ذلك "النصيب" ، الذي لهم في "الكتاب" ، وما هو؟ فقال بعضهم: هو عذاب الله الذي أعدَّه لأهل الكفر به. * ذكر من قال ذلك. 14555- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا مروان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، أي من العذاب. 14556- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن إسماعيل، عن أبي صالح، مثله. (1) انظر تفسير (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة. (2) انظر تفسير (( افترى )) فيما سلف ص: 189، تعليق: 2، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير (( نال )) فيما سلف 3: 20 /6: 587. = وتفسير (( نصيب )) فيما سلف ص: 131، تعليق: 2، والمراجع هناك. 14557- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، يقول: ما كتب لهم من العذاب. 14558- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن كثير بن زياد، عن الحسن في قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: من العذاب. 14559- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن أبي سهل، عن الحسن، قال: من العذاب. 14560- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن رجل، عن الحسن، قال: من العذاب. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم مما سبق لهم من الشقاء والسعادة. * ذكر من قال ذلك: 14561- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سعيد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: من الشِّقوة والسعادة. 14562- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، كشقي وسعيد. (1) 14563- حدثنا واصل بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن الحسن ابن عمرو الفقيمي، عن الحكم قال: سمعت مجاهدًا يقول: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: هو ما سبق. 14564- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن (1) يعني كقوله في [سورة هود: 105] : "فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ" . ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، ما كتب لهم من الشقاوة والسعادة. 14565- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، ما كتب عليهم من الشقاوة والسعادة، كشقي وسعيد. 14566-. . . . قال، حدثنا ابن المبارك، عن شريك، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، من الشقاوة والسعادة. 14567- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير وابن إدريس، عن الحسن بن عمرو، عن الحكم، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: ما قد سبق من الكتاب. 14568- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: ما سبق لهم في الكتاب. 14569-. . . . قال، حدثنا سويد بن عمرو ويحيى بن آدم، عن شريك، عن سالم، عن سعيد: (أولئك ينالهم نصيبهم) ، قال: من الشقاوة والسعادة. 14570-. . . . قال: حدثنا أبو معاوية، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: ما قُضي أو قُدِّر عليهم. 14571- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: (ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، ينالهم الذي كتب عليهم من الأعمال. 14572- حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال، حدثنا مروان بن معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن بكر الطويل، عن مجاهد في قول الله: (أولئك ![]()
__________________
|
#668
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (668) صــ 411 إلى صــ 420 ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: قوم يعملون أعمالا لا بُدَّ لهم من أن يعملوها. (1) * * * وقال آخرون: معنى ذلك، أولئك ينالهم نصيبهم من كتابهم الذي كتب لهم أو عليهم، بأعمالهم التي عملوها في الدنيا من خير وشر. * ذكر من قال ذلك: 14573- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، يقول: نصيبهم من الأعمال، من عمل خيرًا جُزي به، ومن عمل شرًّا جزي به. 14574- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) قال: من أحكام الكتاب، على قدر أعمالهم. 14575- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: ينالهم نصيبهم في الآخرة من أعمالهم التي عملوا وأسْلَفوا. 14576- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، أي: أعمالهم، أعمال السوء التي عملوها وأسلفوها. 14577- حدثني أحمد بن المقدام قال، حدثنا المعتمر قال، قال أبي: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، زعم قتادة: من أعمالهم التي عملوا. 14578- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، (1) الأثر: 14572 - (( إسماعيل بن سميع الحنفي )) ، مضى برقم: 4791، 4793. و (( بكر الطويل )) كأنه هو (( بكر بن يزيد الطويل الحمصي )) ، روى عن أبي هريرة الحمصي، روى عنه أبو سعيد الشج، مترجم في ابن أبي حاتم 1 / 1 / 394. يقول: ينالهم نصيبهم من العمل. يقول: إن عمل من ذلك نصيبَ خير جُزِي خيرًا، وإن عمل شرًّا جُزِي مثله. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: ينالهم نصيبهم مما وُعِدوا في الكتاب من خير أو شر. * ذكر من قال ذلك: 14579- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس في هذه الآية: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: من الخير والشر. 14580-. . . قال حدثنا زيد، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد قال: ما وُعدوا. 14581- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: ما وعدوا. 14582- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: ما وعدوا فيه من خير أو شر. 14583-. . . . قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ليث، عن ابن عباس: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: ما وُعِدوا مثله. 14584- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: ما وُعِدوا فيه من خير أو شر. 14585- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم، قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: ما وُعِدوا فيه. 14586- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: ما وعدوا من خير أو شر. 14587- حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال، حدثنا مروان بن معاوية، عن الحسن بن عمرو، عن الحكم، عن مجاهد في قول الله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: ينالهم ما سبق لهم من الكتاب. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب الذي كتبه الله على من افترى عليه. * ذكر من قال ذلك: 14588- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، يقول: ينالهم ما كتب عليهم. يقول: قد كتب لمن يفتري على الله أنّ وجهه مسوَدٌّ. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم مما كتب لهم من الرزق والعمر والعمل. * ذكر من قال ذلك: 14589- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، مما كتب لهم من الرزق. 14590-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا محمد بن حرب، عن ابن لهيعة، عن أبي صخر، عن القرظي: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: عمله ورزقه وعمره. 14591- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: من الأعمال والأرزاق والأعمار، فإذا فني هذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم، وقد فرغوا من هذه الأشياء كلها. * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب، مما كتب لهم من خير وشر في الدنيا، ورزق وعمل وأجل. وذلك أن الله جل ثناؤه أتبع ذلك قوله: (حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله) ، فأبان بإتباعه ذلك قولَه: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، أن الذي ينالهم من ذلك إنما هو ما كان مقضيًّا عليهم في الدنيا أن ينالهم، لأنه قد أخبر أن ذلك ينالهم إلى وقت مجيئهم رسلَه لتقبض أرواحهم. ولو كان ذلك نصيبهم من الكتاب، أو مما قد أعدّ لهم في الآخرة، لم يكن محدودًا بأنه ينالهم إلى مجيء رسل الله لوفاتهم، لأن رسل الله لا تجيئهم للوفاة في الآخرة، وأن عذابهم في الآخرة لا آخر له ولا انقضاء، فإن الله قد قضى عليهم بالخلود فيه. فبيِّنٌ بذلك أن معناه ما اخترنا من القول فيه. * * * القول في تأويل قوله: {حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) } قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (حتى إذا جاءتهم رسلنا) ، إلى أن جاءتهم رسلنا. يقول جل ثناؤه: وهؤلاء الذين افتروا على الله الكذب، أو كذبوا بآيات ربهم، ينالهم حظوظهم التي كتب الله لهم، وسبق في علمه لهم من رزق وعمل وأجل وخير وشر في الدنيا، إلى أن تأتيهم رسلنا لقبض أرواحهم. فإذا جاءتهم رسلنا، يعني ملك الموت وجنده = (يتوفونهم) ، يقول: يستوفون عددهم من الدنيا إلى الآخرة (1) = (قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله) ، يقول: قالت الرسل: أين الذين كنتم تدعونهم أولياء من دون الله وتعبدونهم، لا يدفعون عنكم ما قد جاءكم من أمر الله الذي هو خالقكم وخالقهم، وما قد نزل بساحتكم من عظيم البلاء؟ وهلا يُغيثونكم من كرب ما أنتم فيه فينقذونكم منه؟ فأجابهم الأشقياء فقالوا: ضَلَّ عنا أولياؤنا الذين كنا ندعو من دون الله. يعني بقوله: (ضلوا) ، جاروا وأخذوا غير طريقنا، وتركونا عند حاجتنا إليهم فلم ينفعونا. (2) يقول الله جل ثناؤه: وشهد القوم حينئذ على أنفسهم أنهم كانوا كافرين بالله، جاحدين وحدانيته. * * * (1) انظر تفسير (( التوفي )) فيما سلف: 11: 409، تعليق: 3، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الضلال )) فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) . القول في تأويل قوله: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن قيله لهؤلاء المفترين عليه، المكذبين آياته يوم القيامة. يقول تعالى ذكره: قال لهم حين وردوا عليه يوم القيامة، ادخلوا، أيها المفترون على ربكم، المكذبون رسله، في جماعات من ضُرَبائكم (1) = (قد خلت من قبلكم) ، يقول: قد سلفت من قبلكم (2) = "من الجن والإنس في النار" ، ومعنى ذلك: ادخلوا في أمم هي في النار، قد خلت (1) انظر تفسير (( أمة )) فيما سلف ص: 405، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( خلا )) فيما سلف 3: 100، 128 / 4: 289 / 7: 228. من قبلكم من الجن والإنس = وإنما يعني بـ "الأمم" ، الأحزابَ وأهلَ الملل الكافرة = (كلما دخلت أمة لعنت أختها) ، يقول جل ثناؤه: كلما دخلت النارَ جماعةٌ من أهل ملة = لعنت أختها، يقول: شتمت الجماعة الأخرى من أهل ملتها، تبرِّيًا منها. (1) وإنما عنى بـ "الأخت" ، الأخوة في الدين والملة، وقيل: "أختها" ، ولم يقل: "أخاها" ، لأنه عنى بها "أمة" وجماعة أخرى، كأنه قيل: كلما دخلت أمة لعنت أمة أخرى من أهل ملتها ودينها. (2) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14592- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (كلما دخلت أمة لعنت أختها) ، يقول: كلما دخل أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك الدين، (3) يلعن المشركون المشركين، واليهودُ اليهودَ، والنصارى النصارى، والصابئون الصابئين، والمجوسُ المجوسَ، تلعن الآخرةُ الأولى. * * * القول في تأويل قوله: {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: حتى إذا تداركت الأمم في النار جميعًا، يعني اجتمعت فيها. * * * (1) انظر تفسير (( اللعن )) فيما سلف 10: 489، تعليق: 1. (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 378. (3) في المطبوعة والمخطوطة: (( كلما دخلت أهل ملة )) ، والصواب ما أثبت. يقال: "قد ادَّاركوا" ، و "تداركوا" ، إذا اجتمعوا. (1) * * * يقول: اجتمع فيها الأوَّلون من أهل الملل الكافرة والآخِرون منهم. * * * القول في تأويل قوله: {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38) } قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن محاورة الأحزاب من أهل الملل الكافرة في النار يوم القيامة. يقول الله تعالى ذكره: فإذا اجتمع أهل الملل الكافرة في النار فادّاركوا، قالت أخرى أهل كل ملة دخلت النار = الذين كانوا في الدنيا بعد أولى منهم تَقَدَّمتها وكانت لها سلفًا وإمامًا في الضلالة والكفر = لأولاها الذين كانوا قبلهم في الدنيا: ربنا هؤلاء أضلونا عن سبيلك، ودعونا إلى عبادة غيرك، وزيَّنوا لنا طاعة الشيطان، فآتهم اليوم من عذابك الضعفَ على عذابنا، كما:- 14593- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "قالت أخراهم" ، الذين كانوا في آخر الزمان = "لأولاهم" ، الذين شرعوا لهم ذلك الدين = (ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النار) * * * وأما قوله: (قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون) ، فإنه خبر من الله عن جوابه لهم، يقول: قال الله للذين (1) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 214، وفي نصه زيادة حسنة: (( ويقال: تدارك لي عليه شيء، أي اجتمع لي عنده شيء. وهو مدغم التاء في الدال، فثقلت الدال )) . يدعونه فيقولون: "ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النار" =: لكلكم، أوَّلكم وآخركم، وتابعوكم ومُتَّبَعوكم = "ضعف" ، يقول: مكرر عليه العذاب. * * * و "ضعف الشيء" ، مثله مرة. * * * وكان مجاهد يقول في ذلك ما:- 14594- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (عذابًا ضعفًا من النار قال لكل ضعف) ، مضعّف. 14595- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14596- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال الله: (لكل ضعف) ، للأولى، وللآخرة ضعف. 14597- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان قال، حدثني غير واحد، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله: (ضعفًا من النار) ، قال: أفاعي. 14598- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله: (فآتهم عذابًا ضعفًا من النار) ، قال: حيّات وأفاعي. * * * وقيل: إن "المضَعَّف" ، في كلام العرب، ما كان ضعفين، (1) و "المضاعف" ، ما كان أكثر من ذلك. * * * وقوله: (ولكن لا تعلمون) ، يقول: ولكنكم، يا معشر أهل النار، لا تعلمون ما قدْرُ ما أعدّ الله لكم من العذاب، فلذلك تسأل الضعفَ منه الأمةُ الكافرةُ الأخرى لأختها الأولى. * * * القول في تأويل قوله: {وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وقالت أولى كل أمة وملة سبقت في الدنيا، لأخراها الذين جاؤوا من بعدهم، وحَدَثوا بعد زمانهم فيها، فسلكوا سبيلهم واستنوا سنتهم: (فما كان لكم علينا من فضل) ، وقد علمتم ما حل بنا من عقوبة الله جل ثناؤه بمعصيتنا إياه وكفرنا بآياته، بعدما جاءتنا وجاءتكم بذلك الرسل والنذر، (2) فهل أنَبْتم إلى طاعة الله، (3) وارتدعتم عن غوايتكم وضلالتكم؟ فانقضت حجة القوم وخُصِموا ولم يطيقوا جوابًا بأن يقولوا: "فضِّلنا عليكم إذ اعتبرنا بكم فآمنا بالله وصدقنا رسله" ، (4) قال الله لجميعهم: فذوقوا جميعكم، أيها الكفرة، عذابَ جهنم، (5) بما كنتم في (1) في المطبوعة: (( الضعف، في كلام العرب )) ، والصواب من المخطوطة. (2) في المطبوعة: (( وكفرنا به وجاءتنا وجاءتكم بذلك الرسل )) ، وفي المخطوطة: (( وكفرنا به ما جاءتنا وجاءتكم )) ، وهو غير مستقيم، صوابه إن شاء الله ما أثبت. وهو سياق الآيات قبلها. هكذا استظهرته من تفسير الآيات السالفة. (3) في المطبوعة: (( هل انتهيتم )) ، وفي المخطوطة: (( هل أسم )) ، وهذا صواب قراءتها، وزدت الفاء في أول (( هل )) ، لاقتضاء سياق الكلام إثباتها. (4) في المطبوعة: (( إنا اعتبرنا بكم )) وفي المخطوطة: (( إذا اعتبرنا بكم )) ، والصواب ما أثبت. (5) انظر تفسير: (( ذوقوا العذاب )) فيما سلف 11: 420، تعليق: 1، والمراجع هناك. الدنيا تكسبون من الآثام والمعاصي، وتجترحون من الذنوب والإجرام. (1) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14599- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر قال، سمعت عمران، عن أبي مجلز: (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون) ، قال: يقول: فما فَضْلكم علينا، وقد بُيِّن لكم ما صنع بنا، وحُذِّرتم؟ 14600- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل، قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل) ، فقد ضللتم كما ضللنا. * * * وكان مجاهد يقول في هذا بما:- 14601- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن أبن أبي نجيح، عن مجاهد: (فما كان لكم علينا من فضل) ، قال: من التخفيف من العذاب. 14602- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فما كان لكم علينا من فضل) ، قال: من تخفيف. * * * وهذا القول الذي ذكرناه عن مجاهد، قولٌ لا معنى له لأن قول القائلين: (1) انظر تفسير (( كسب )) فيما سلف ص: 286، تعليق: 3، والمراجع هناك. ![]()
__________________
|
#669
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (669) صــ 421 إلى صــ 430 "فما كان لكم علينا من فضل" لمن قالوا ذلك، إنما هو توبيخ منهم على ما سلف منهم قبل تلك الحال، يدل على ذلك دخول "كان" في الكلام. ولو كان ذلك منهم توبيخًا لهم على قيلهم الذي قالوا لربهم: "آتهم عذابًا ضعفًا من النار" ، لكان التوبيخ أن يقال: "فما لكم علينا من فضل، في تخفيف العذاب عنكم، وقد نالكم من العذاب ما قد نالنا" ، ولم يقل: "فما كان لكم علينا من فضل" . * * * القول في تأويل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين كذبوا بحججنا وأدلتنا فلم يصدقوا بها، ولم يتبعوا رسلنا (1) = (واستكبروا عنها) ، يقول: وتكبروا عن التصديق بها وأنفوا من اتباعها والانقياد لها تكبرًا (2) = "لا تفتح لهم" ، لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم = "أبواب السماء" ، ولا يصعد لهم في حياتهم إلى الله قول ولا عمل، لأن أعمالهم خبيثة، وإنما يُرْفع الكلم الطيبُ والعملُ الصالح، كما قال جل ثناؤه: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [سورة فاطر: 10] . * * * ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (لا تفتح لهم أبواب السماء) . فقال بعضهم: معناه: لا تفتح لأرواح هؤلاء الكفار أبواب السماء. * ذكر من قال ذلك: 13603- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يعلى، عن أبي سنان، عن الضحاك، عن ابن عباس: (لا تفتح لهم أبواب السماء) ، قال: عنى بها الكفار، (1) انظر تفسير (( الآية )) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) . (2) انظر تفسير (( الاستكبار )) فيما سلف 11: 540. أنّ السماء لا تفتح لأرواحهم، وتفتح لأرواح المؤمنين. 14604- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن أبي سنان، عن الضحاك قال، قال ابن عباس: تُفتح السماء لروح المؤمن، ولا تفتح لروح الكافر. 14605- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (لا تفتح لهم أبواب السماء) ، قال: إن الكافر إذا أُخِذ روحُه، ضربته ملائكة الأرض حتى يرتفع إلى السماء، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء فهبط، فضربته ملائكة الأرض فارتفع، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء الدنيا فهبط إلى أسفل الأرضين. وإذا كان مؤمنًا نفخ روحه، (1) وفتحت له أبواب السماء، فلا يمرّ بملك إلا حيَّاه وسلم عليه، حتى ينتهي إلى الله، فيعطيه حاجته، ثم يقول الله: ردّوا روحَ عبدي فيه إلى الأرض، فإني قضيتُ من التراب خلقه، وإلى التراب يعود، ومنه يخرج. * * * وقال آخرون: معنى ذلك أنه لا يصعد لهم عمل صالح ولا دعاءٌ إلى الله. * ذكر من قال ذلك: 14606- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن سفيان، عن ليث، عن عطاء، عن ابن عباس: (لا تفتح لهم أبواب السماء) ، لا يصعد لهم قولٌ ولا عمل. 14607- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء) ، يعني: لا يصعد إلى الله من عملهم شيء. 14608- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (لا تفتح لهم أبواب السماء) ، يقول: لا تفتح لخير يعملون. (1) في المطبوعة: (( وإذا كان مؤمنًا أخذ روحه )) ، وأثبت ما في المخطوطة. 14609- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (لا تفتح لهم أبواب السماء) ، قال: لا يصعد لهم كلامٌ ولا عمل. 14610- حدثنا مطر بن محمد الضبي قال، حدثنا عبد الله بن داود قال، حدثنا شريك، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: (لا تفتح لهم أبواب السماء) ، قال: لا يرتفع لهم عمل ولا دعاء. (1) 14611- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سالم، عن سعيد: (لا تفتح لهم أبواب السماء) ، قال: لا يرتفع لهم عمل ولا دعاء. 14612- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سعيد: (لا تفتح لهم أبواب السماء) ، قال: لا يرفع لهم عملٌ صالح ولا دعاء. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم ولا لأعمالهم. * ذكر من قال ذلك: 14613- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (لا تفتح لهم أبواب السماء) ، قال: لأرواحهم ولا لأعمالهم. * * * قال أبو جعفر: وإنما اخترنا في تأويل ذلك ما اخترنا من القول، لعموم خبر الله جل ثناؤه أن أبواب السماء لا تفتح لهم. ولم يخصص الخبر بأنه يفتح لهم في شيء، فذلك على ما عمّه خبر الله تعالى بأنها لا تفتح لهم في شيء، مع تأييد الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلنا في ذلك، وذلك ما:- (1) الأثر: 14610 - (( مطر بن محمد الضبي )) ، شيخ الطبري، لم أجد له ترجمة، ومضى أيضا برقم: 12198. 14614- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبضَ روح الفاجر، وأنه يصعد بها إلى السماء، قال: فيصعدون بها، فلا يمرّون على ملإ من الملائكة إلا قالوا: "ما هذا الروح الخبيث" ؟ فيقولون: "فلان" ، بأقبح أسمائه التي كان يُدعى بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء، فيستفتحون له فلا يفتح له. ثم قرأ رسول الله: (لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) (1) 14615- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الميت تحضره الملائكة، فإذا (1) الأثر: 14614 - (( المنهال )) هو (( المنهال بن عمرو الأسدي )) ، ثقة، رجح أخي توثيقه في المسند رقم: 714، وفيما يلي رقم: 337، 799. و (( زاذان )) هو (( أبو عبد الله )) ، ويقال (( أبو عمر )) الكوفي الضرير. تابعي ثقة، مضى أيضًا برقم: 9508، 13017، 13018. وهذا الخبر مختصرًا رواه أحمد مطولا ومختصرًا في مسنده 4: 287، 288، من طريقتين، و 297، كلها من طريق العمش، عن المنهال. ورواه أيضًا 4: 295، 296، من طريقين. أحدهما من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن يونس بن خباب، عن المنهال، والآخر من طريق أبي الربيع، عن حماد بن زيد، عن يونس بن خباب. ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده ص: 102، مطولا من طريق أبي عوانة، عن الأعمش. ورواه أبو داود في سننه 3: 289، رقم: 3212 مختصرًا، ورواه مطولا 4: 330 رقم: 4753. ورواه الحاكم في المستدرك 1: 37 - 40، من طرق، وقال: (( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا بالمنهال بن عمرو، وزاذان بن عمرو، وزاذان أبي عمر الكندي. وفي هذا الحديث فوائد كثيرة لأهل السنة، وقمع للمبتدعة، ولم يخرجاه بطوله )) . وخرجه ابن كثير في تفسيره 3: 473، 474، وقال: (( رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من طرق عن المنهال بن عمرو به )) ثم ساق حديث أحمد في المسند. وخره السيوطي في الدر المنثور 1: 83، وزاد نسبته لابن أبي شيبة وهناد بن السري، وعبد بن حميد، وابن مردويه، والبيهقي في كتاب عذاب القبر. كان الرجلَ الصالحَ قالوا: "اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري برَوْح وريحان، وربّ غير غضبان" ، قال: فيقولون ذلك حتى يُعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها، فيقال: "من هذا" ؟ فيقولون: "فلان" . فيقال: مرحبًا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، (1) ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان "، فيقال لها حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله. وإذا كان الرجلَ السَّوْءَ قال:" اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغسَّاق، وآخر من شكله أزواج"، فيقولون ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها، فيقال: "من هذا" ؟ فيقولون: "فلان" . فيقولون:"لا مرحبًا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة، فإنه لم تفتح لك أبواب السماء "، (2) فترسل بين السماء والأرض، فتصير إلى القبر. (3) " 14616- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا ابن أبي فديك قال، حدثني ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه. * * * (1) في المخطوطة والمطبوعة: (( بالنفس الطيبة التي كانت ... )) ، والظاهر أنها زيادة من الناسخ، فإن روايتهم جميعًا اتفقت على ما أثبت. (2) في المطبوعة: (( لا تفتح لك أبواب السماء )) ، وفي المخطوطة: (( لم تفتح )) بغير (( لك )) ، وأثبت ما في تفسير ابن كثير. وفي ابن ماجه: (( لا تفتح لك )) . (3) الأثر: 14615، 14616 - (( عبد الرحمن بن عثمان بن أمية الثقفي )) (( أبو بحر البكراوي )) ، ضعيف متكلم فيه، قال أبو حاتم: (( يكتب حديثه ولا يحتج به )) . مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 264. و (( ابن أبي ذئب )) هو (( محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب )) ، ثقة حافظ، مضى برقم: 2995. و (( محمد بن عمرو بن عطاء القرشي العامري )) ، ثقة روى له الجماعة. و (( سعيد بن يسار )) أبو الحباب المدني، تابعي ثقة لا يختلفون في توثيقه. روى له الجماعة. وهذا خبر صحيح، رواه عن ابن أبي ذئب غير (( عبد الرحمن بن عثمان )) . وسيأتي بإسناد ليس فيه ضعف، في الأثر التالي. وهذا الخبر رواه ابن ماجه ص: 1423 رقم: 4262. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 475، ونسبة إلى أحمد، والنسائي وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 83، وزاد إلى حبان، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث. والأثر رقم: 14616. هو إسناد صحيح للخبر السالف. (( ابن أبي فديك )) ، هو (( محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك )) ، ثقة، روى له الجماعة. مضى برقم: 4319، 9482، 9876. واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قرأة الكوفة: "لا يُفَتَحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّمَاء" ، بالياء من "يفتح" ، وتخفيف "التاء" منها، بمعنى: لا يفتح لهم جميعها بمرة واحدةٍ وفتحةٍ واحدة. * * * وقرأ ذلك بعض المدنيين وبعض الكوفيين: (لا تُفَتَّحُ) ، بالتاء وتشديد التاء الثانية، بمعنى: لا يفتح لهم باب بعد باب، وشيء بعد شيء. * * * قال أبو جعفر: والصواب في ذلك عندي من القول أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان صحيحتا المعنى. وذلك أن أرواح الكفار لا تفتح لها ولا لأعمالهم الخبيثة أبوابُ السماء بمرة واحدة، ولا مرة بعد مرة، وباب بعد باب. فكلا المعنيين في ذلك صحيح. وكذلك "الياء" ، و "التاء" في "يفتح" ، و "تفتح" ، لأن "الياء" بناء على فعل الواحد للتوحيد، و "التاء" لأن "الأبواب" جماعة، فيخبر عنها خبر الجماعة. (1) * * * (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 378، 379. القول في تأويل قوله: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: ولا يدخل هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها، الجنة التي أعدّها الله لأوليائه المؤمنين أبدًا، كما لا يلج الجمل في سمِّ الخياط أبدًا، وذلك ثقب الإبرة. * * * وكل ثقب في عين أو أنف أو غير ذلك، فإن العرب تسميه "سَمًّا" وتجمعه "سمومًا" ، و "السِّمام" ، في جمع "السَّم" القاتل، أشهر وأفصح من "السموم" . وهو في جمع "السَّم" الذي هو بمعنى الثقب أفصح. وكلاهما في العرب مستفيض. وقد يقال لواحد "السموم" التي هي الثقوب "سَمٌّ" و "سُمٌّ" بفتح السين وضمها، ومن "السَّم" الذي بمعنى الثقب قول الفرزدق: فَنَفَّسْتُ عَنْ سَمَّيْهِ حَتَّى تَنَفَّسَا ... وَقُلْتُ لَهُ: لا تَخْشَ شَيْئًا وَرَائِيا (1) يعني بسمِّيه، ثقبي أنفه. * * * (1) ديوانه: 895، النقائض: 169، واللسان (سمم) ، من أول قصيدة هاجى بها جريرًا، ونصر البعيث وهجاه معًا. وكان الذي هاج الهجاء بين جرير والفرزدق، أن البعيث المجاشعي، سرقت إبله، سرقها ناس من بني يربوع، من رهط جرير، فطلبها البعيث حتى وجدها في أيديهم، فأرسل لسانه في بني يربوع، فاعترضه جرير، فهجاه، فانبعث الشر بالبعيث، فانطلق الفرزدق بعد قليل ينصره، فقال هذه القصيدة يهجو جريرًا، وينصر البعيث ويهجوه، فيقول للبعيث: دَعَانِي ابْنُ حَمْرَاءِ العِجَانِ وَلَم يَجِدْ ... لَهُ إذْ دَعَا، مُسْتأْخِرًا عَنْ دُعَائيا فَنَفَّسْتُ عَنْ سَمَّيْهِ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . (( نفس عنه )) ، فرج عنه كربته إذ أطبق عليه جرير، فاستنقذه من تحت وطأته. فاستطاع أن يتنفس. وقوله: (( لا تخش شيئًا ورائيا )) ، أي: لا تخش ما دمت درعًا لك وأنت من ورائي تحتمي بلساني وهجائي جريرًا. وأما قول أبي عبيدة: (( أي لا تخش شيئًا يأتيك من خلفي )) ، فليس عندي بشيء. وكان في المطبوعة: (( شيئًا وراءنا )) ، لم يحسن قراءة المخطوطة. وأما "الخياط" فإنه "المخيط" ، وهي الإبرة. قيل لها: "خِيَاط" و "مِخْيَط" ، كما قيل: "قِناع" و "مِقْنع" ، و "إزار" و "مِئْزر" ، و "قِرام" و "مِقْرَم" ، و "لحاف" و "مِلْحف" . وأما القرأة من جميع الأمصار، فإنها قرأت قوله: (فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) ، بفتح "السين" ، وأجمعت على قراءة: "الجَمَلُ" بفتح "الجيم" ، و "الميم" وتخفيف ذلك. * * * وأما ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير، فإنه حكي عنهم أنهم كانوا يقرؤون ذلك: "الجُمَّلُ" ، بضم "الجيم" وتشديد "الميم" ، على اختلاف في ذلك عن سعيد وابن عباس. * * * فأما الذين قرؤوه بالفتح من الحرفين والتخفيف، فإنهم وجهوا تأويله إلى "الجمل" المعروف، وكذلك فسروه. * ذكر من قال ذلك: 14617- حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله في قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) ، قال: الجمل ابن الناقة، أو: زوج الناقة. 14618- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي حصين، عن إبراهيم، عن عبد الله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) ، قال: "الجمل" ، زوج الناقة. 14619- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي حصين، عن إبراهيم، عن عبد الله، مثله. 14620- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي، عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: "الجمل" ، زوج الناقة. 14621- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله، مثله. 14622- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا قرة قال، سمعت الحسن يقول: "الجمل" ، الذي يقوم في المِرْبد. (1) 14623- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) ، قال: حتى يدخل البعير في خُرت الإبرة. (2) 14624- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي، عن هشيم، عن عباد بن راشد، عن الحسن قال: هو الجمل! فلما أكثروا عليه قال: هو الأشتر. (3) 14625- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن عباد بن راشد، عن الحسن، مثله. 14626- حدثنا المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن يحيى قال: كان الحسن يقرؤها: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) ، قال: فذهب بعضهم يستفهمه، قال: أشتر، أشتر. (4) 14627- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو النعمان عارم قال، حدثنا حماد بن زيد، عن شعيب بن الحبحاب، عن أبي العالية: (حتى يلج الجمل) ، قال: الجمل الذي له أربع قوائم. 14628- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن أبي حصين = أو: حصين =، عن إبراهيم، عن ابن مسعود في (1) (( المربد )) (بكسر فسكون) : هو المكان الذي تحبس فيه الإبل، يقال: (( ربد الإبل ربدًا )) ، حبسها. ويقال: (( مربد الغنم )) أيضًا. وبه سمى (( مربد البصرة )) ، لأنه كان موضع سوق الإبل. (2) (( خرت الإبرة )) (بضم الخاء أو فتحها، وسكون الراء) : هو ثقبها. وكان في المطبوعة: (( في خرق )) وهي صواب، والمخطوطة تشبه أن تقرأ هكذا وهكذا. (3) (( أشتر )) ، وهو الجمل، بالفارسية. (4) (( أشتر )) ، وهو الجمل، بالفارسية. قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) ، قال: زوج الناقة، يعني الجمل. 14629- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك أنه كان يقرأ: (الجمل) ، وهو الذي له أربع قوائم. 14630- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو تميلة، عن عبيد، عن الضحاك: (حتى يلج الجمل) ، الذي له أربع قوائم. 14631- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن الحباب، عن قرة، عن الحسن: (حتى يلج الجمل) ، قال: الذي بالمربد. 14632- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: "حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ الأَصْفَرُ" . 14633- حدثنا نصر بن علي قال، حدثنا يحيى بن سليم قال، حدثنا عبد الكريم بن أبي المخارق، عن الحسن في قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) ، قال: الجمل ابن الناقة = أو بَعْلُ الناقة. * * * وأما الذين خالفوا هذه القراءة فإنهم اختلفوا. فروي عن ابن عباس في ذلك روايتان: إحداهما الموافقة لهذه القراءة وهذا التأويل. * ذكر الرواية بذلك عنه: 14634- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) ، والجمل: ذو القوائم. * * * وذكر أن ابن مسعود قال ذلك. ![]()
__________________
|
#670
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (670) صــ 431 إلى صــ 440 14635- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) ، وهو الجمل العظيم، لا يدخل في خُرْت الإبرة، (1) من أجل أنه أعظم منها. * * * والرواية الأخرى ما:- 14636- حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: "حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" ، قال: هو قَلْس السفينة. (2) 14637- حدثني عبد الأعلى بن واصل قال، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل، عن خالد بن عبد الله الواسطي، عن حنظلة السدوسي، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه كان يقرأ: "حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" ، يعني الحبل الغليظ = فذكرت ذلك للحسن فقال: (حتى يلجَ الجمَل) ، قال عبد الأعلى: قال أبو غسان، قال خالد: يعني: البعير. 14638- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن فضيل، عن مغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قرأ: "الجُمَّلُ" ، مثقَّلة، وقال: هو حبل السفينة. 14639- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي، عن هشيم، عن مغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: "الجمَّل" ، حبال السفن. 14640- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن ابن مبارك، عن حنظلة، عن عكرمة، عن ابن عباس: "حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" ، قال: الحبل الغليظ. (1) انظر ص: 429، التعليق: 2. (2) (( القلس )) (بفتح فسكون) : هو حبل ضخم غليظ من ليف أو خوص، وهو من حبال السفن. 14641- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس: "حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" قال: هو الحبل الذي يكون على السفينة. * * * واختُلِف عن سعيد بن جبير أيضًا في ذلك، فروي عنه روايتان إحداهما مثل الذي ذكرنا عن ابن عباس: بضم "الجيم" وتثقيل "الميم" . * ذكر الرواية بذلك عنه: 14642- حدثنا عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا حسين المعلم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: أنه قرأها: "حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ" ، يعني قُلُوس السفن، يعني: الحبال الغلاظ. (1) * * * والأخرى منهما بضم "الجيم" وتخفيف "الميم" . * ذكر الرواية بذلك عنه: 14643- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عمرو، عن سالم بن عجلان الأفطس قال، قرأت على أبي: "حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلَ" فقال: "حَتَّى يَلِجَ الْجُمَلُ" خفيفة، هو حبل السفينة = هكذا أقرأنيها سعيد بن جبير. * * * وأما عكرمة، فإنه كان يقرأ ذلك: "الْجُمَّلُ" ، بضم "الجيم" وتشديد "الميم" ، وبتأوّله كما:- 14644- حدثني ابن وكيع قال، حدثنا أبو تميلة، عن عيسى بن عبيد قال: سمعت عكرمة يقرأ: "الْجُمَّلُ" مثقلة، ويقول: هو الحبل الذي يصعد به إلى النخل. (1) (( القلوس )) جمع (( قلس )) ، انظر التعليق السالف. 14645- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا كعب بن فروخ قال، حدثنا قتادة، عن عكرمة، في قوله: "حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" ، قال: الحبل الغليظ في خرق الإبرة. (1) 14646- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" ، قال: حبل السفينة في سمّ الخياط. 14647- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عبد الله بن كثير: سمعت مجاهدًا يقول: الحبل من حبال السفن. * * * وكأنَّ من قرأ ذلك بتخفيف "الميم" وضم "الجيم" ، على ما ذكرنا عن سعيد بن جبير، على مثال "الصُّرَد" و "الجُعَل" ، وجهه إلى جماع "جملة" من الحبال جمعت "جُمَلا" ، كما تجمع "الظلمة" ، "ظُلَمًا" ، و "الخُرْبة" "خُرَبًا" . * * * وكان بعض أهل العربية ينكر التشديد في "الميم" ويقول: إنما أراد الراوي "الجُمَل" بالتخفيف، فلم يفهم ذلك منه فشدّده. * * * 14648- وحدثت عن الفراء، عن الكسائي أنه قال: الذي رواه عن ابن عباس كان أعجميًّا. * * * وأما من شدد "الميم" وضم "الجيم" فإنه وجهه إلى أنه اسم واحد، وهو الحبل، أو الخيط الغليظ. * * * (1) الأثر: 14645 - (( كعب بن فروخ، أبو عبد الله البصري )) ، ثقة. مترجم في ابن أبي حاتم 3 / 2 / 162. وسيأتي في رقم: 14650. قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، ما عليه قرأة الأمصار، وهو: (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) ، بفتح "الجيم" و "الميم" من "الجمل" وتخفيفها، وفتح "السين" من "السم" ، لأنها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار، وغير جائز مخالفة ما جاءت به الحجة متفقة عليه من القراءة. وكذلك ذلك في فتح "السين" من قوله: (سَمِّ الخياط) . * * * وإذ كان الصواب من القراءة ذلك، فتأويل الكلام: ولا يدخلون الجنة حتى يلج = و "الولوج" الدخول، من قولهم: "ولج فلان الدار يلِجُ ولوجًا" ، (1) بمعنى: دخل = الجملُ في سم الإبرة، وهو ثقبها = (وكذلك نجزي المجرمين) ، يقول: وكذلك نثيب الذين أجرَموا في الدنيا ما استحقوا به من الله العذاب الأليم في الآخرة. (2) * * * وبمثل الذي قلنا في تأويل قوله: (سم الخياط) ، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14649- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة وابن مهدي وسويد الكلبي، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن عتيق قال: سألت الحسن عن قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) ، قال: ثقب الإبرة. (3) 14650- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا (1) انظر تفسير (( الولوج )) فيما سلف 6: 302، وفيه زيادة في مصادره. (2) انظر تفسير (( الجزاء )) ، و (( الإجرام )) فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) (جرم) . (3) الأثر: 14649 - (( سويد الكلبي )) ، هو: (( كان يقلب السانيد، ويضع على الأسانيد الصحاح المتون الواهية )) !! ووثقه النسائي وابن معين والعجلي. مترجم في التهذيب، والكبير 2 /2 / 149، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 239. و (( يحيى بن عتيق الطفاوي البصري )) ، ثقة، وكان ورعًا متفنًا. مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 2 / 295، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 176. كعب بن فروخ قال، حدثنا قتادة، عن عكرمة: (في سم الخياط) ، قال: ثقب الإبرة. (1) 14651- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن، مثله. 14652- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (في سم الخياط) ، قال: جُحْر الإبرة. 14653- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (في سم الخياط) ، يقول: جُحْر الإبرة. 14654- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (في سم الخياط) ، قال: في ثقبه. * * * القول في تأويل قوله: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: لهؤلاء الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها = (من جهنم مهاد) . * * * = وهو ما امتهدوه مما يقعد عليه ويضطجع، كالفراش الذي يفرش، والبساط الذي يبسط. (2) * * * = (ومن فوقهم غواش) . * * * (1) الأثر: 14650 - (( كعب بن فروخ )) ، مضى برقم: 14645. (2) انظر تفسير (( المهاد )) فيما سلف 4: 246 /6: 229 /7: 494. وهو جمع "غاشية" ، وذلك ما غَشَّاهم فغطاهم من فوقهم. * * * وإنما معنى الكلام: لهم من جهنم مهاد من تحتهم فُرُش، ومن فوقهم منها لُحُف، وإنهم بين ذلك. * * * وبنحو ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14655- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب: (لهم من جهنم مهاد) ، قال: الفراش = (ومن فوقهم غواش) ، قال: اللُّحُف 14656- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك: (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش) ، قال: "المهاد" ، الفُرُش، و "الغواشي" ، اللحف. 14657- حدثني محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش) ، أما "المهاد" كهيئة الفراش = و "الغواشي" ، تتغشاهم من فوقهم. * * * وأما قوله (وكذلك نجزي الظالمين) ، فإنه يقول: وكذلك نثيب ونكافئ من ظلم نفسه، فأكسبها من غضب الله ما لا قبل لها به بكفره بربه، وتكذيبه أنبياءه. (1) * * * (1) انظر تفسير (( الجزاء )) و (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) و (ظلم) . القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: والذين صدّقوا الله ورسوله، وأقرُّوا بما جاءهم به من وحي الله وتنزيله وشرائع دينه، وعملوا ما أمرهم الله به فأطاعوه، وتجنبوا ما نهاهم عنه (1) = (لا نكلف نفسًا إلا وسعها) ، يقول: لا نكلف نفسًا من الأعمال إلا ما يسعها فلا تحرج فيه (2) = (أولئك) ، يقول: هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات = (أصحاب الجنة) ، يقول: هم أهل الجنة الذين هم أهلها، دون غيرهم ممن كفر بالله، وعمل بسيئاتهم (3) = (هم فيها خالدون) ، يقول (4) هم في الجنة ماكثون، دائمٌ فيها مكثهم، (5) لا يخرجون منها، ولا يُسلبون نعيمها. (6) * * * القول في تأويل قوله: {وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وَصَف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغِمْرٍ وعَداوة كان من (1) انظر تفسير (( الصالحات )) فيما سلف من فهارس اللغة (صلح) . (2) انظر تفسير (( التكليف )) و (( الوسع )) فيما سلف ص: 225، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير (( أصحاب الجنة )) فيما سلف من فهارس اللغة (صحب) . (4) في المطبوعة والمخطوطة: (( فيها خالدون )) ، بغير (( هم )) ، وأثبت نص التلاوة. (5) انظر تفسير (( الخلود )) فيما سلف من فهارس اللغة (خلد) . (6) في المطبوعة والمخطوطة: (( ولا يسلبون نعيمهم )) ، والسياق يقتضي ما أثبت. بعضهم في الدنيا على بعض، (1) فجعلهم في الجنة إذا أدخلهموها على سُرُر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضًا على شيء خصَّ الله به بعضهم وفضّله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14658- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك: (ونزعنا ما في صدورهم من غل) ، قال: العداوة. 14659- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن سعيد بن بشير، عن قتادة: (ونزعنا ما في صدورهم من غل) ، قال: هي الإحَن. 14660 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن إسرائيل أبي موسى، عن الحسن، عن علي قال: فينا والله أهلَ بدر نزلت: (وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [سورة الحجر: 47] . 14661- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن إسرائيل قال: سمعته يقول: قال علي عليه السلام: فينا والله أهلَ بدر نزلت: (وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) 14662- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: قال علي رضي الله عنه: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير، من الذين قال الله تعالى فيهم: (وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) ، رضوان الله عليهم. 14663- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، (1) (( الغمر )) (بكسر فسكون) و (( الغمر )) (بفتحتين) : الحقد الذي يغمر القلب. حدثنا أسباط، عن السدي: (ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار) ، قال: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة فبلغوا، وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان، فشربوا من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غِلّ، فهو "الشراب الطهور" ، واغتسلوا من الأخرى، فجرت عليهم "نَضْرة النعيم" ، فلم يشعَثُوا ولم يتَّسخوابعدها أبدًا. 14664- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي نضرة قال، يحبس أهل الجنة دون الجنة حتى يقضى لبعضهم من بعض، حتى يدخلوا الجنة حين يدخلونها ولا يطلب أحدٌ منهم أحدًا بقلامة ظُفُرٍ ظلمها إياه. ويحبس أهل النار دون النار حتى يقضى لبعضهم من بعض، فيدخلون النار حين يدخلونها ولا يطلب أحدٌ منهم أحدًا بقُلامة ظفر ظلمها إياه. (1) * * * القول في تأويل قوله: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، حين أدخلوا الجنة، ورأوا ما أكرمهم الله به من كرامته، وما صرف عنهم من العذاب المهين الذي ابتلي به أهل النار بكفرهم بربهم، وتكذيبهم رُسله: (الحمد لله الذي هدانا لهذا) ، يقول: الحمد لله الذي وفقنا للعمل الذي أكسبنا هذا الذي نحن فيه من كرامة الله وفضله، وصرف عذابه (1) الأثر: 14664 - (( الجريري )) ، (( سعيد بن إياس الجريري )) ، مضى برقم: 196. و (( أبو نضرة )) ، هو (( المنذر بن مالك بن قطعة العبدي )) ، روى عن علي. مضى برقم: 6337. عنا = (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) ، يقول: وما كنا لنرشد لذلك، لولا أن أرشدنا الله له ووفقنا بمنّه وطَوْله، كما:- 14665- حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن [أبي سعيد] قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل أهل النار يرى منزله من الجنة، فيقولون: "لو هدانا الله" ، فتكون عليهم حسرة. وكل أهل الجنة يرى منزله من النار، فيقولون: "لولا أن هدانا الله" ! فهذا شكرهم. (1) 14666- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، سمعت أبا إسحاق يحدِّث عن عاصم بن ضمرة، عن علي قال، ذكر عمر = لشيء لا أحفظه =، ثم ذكر الجنة فقال: يدخلون، فإذا شجرة يخرج من تحت ساقها عينان. قال: فيغتسلون من إحداهما، فتجري عليهم نضرة النعيم، فلا تشعَث أشعارهم ولا تغبرُّ أبشارهم. ويشربون من الأخرى، فيخرج كل قذًى وقذر وبأس في بطونهم. (2) قال، ثم يفتح لهم باب الجنة، فيقال لهم: (1) الأثر: 14665 - جاء هكذا في المخطوطة والمطبوعة: (( عن أبي سعيد )) ، يعني أبا سعيد الخدري. وكأنه خطأ لا شك فيه، فإني لم أجد الخبر في حديث أبي سعيد، ولأن هذا الخبر معروف في حديث أبي هريرة، وبذلك خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 85، فقال: (( أخرج النسائي، وابن أبي الدنيا، وابن جرير في ذكر الموت، وابن مردويه عن أبي هريرة )) ، وساق الخبر. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 477، فقال: (( روى النسائي وابن مردويه، واللفظ له، من حديث أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة )) ، وساق الخبر. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 10: 399 فقال: (( عن أبي هريرة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )) ، وساق الخبر بنحوه من طريقين، ثم قال: (( رواه كله أحمد، ورجال الرواية الولى رجال الصحيح )) ، ولم أعرف مكانه من المسند. فهذا كله يوشك أن يقطع بأن ما في المطبوعة والمخطوطة من قوله: (( عن أبي سعيد )) ، خطأ، صوابه: (( عن أبي هريرة )) ، ولذلك وضعته بين القوسين. (2) في المطبوعة: (( قذى وقذر أو شيء في بطونهم )) ، وفي المخطوطة: (( أوس )) ، غير منقوطة وفوقها حرف (ط) دلالة على الشك والخطأ. وأثبت الصواب من حادي الأرواح لابن القيم، والدر المنثور. ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |