|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (641) صــ 141 إلى صــ 150 وقول رؤبة، [العجاج] : (1) * وَجَارَةُ البَيْتِ لَهَا حُجْرِيُّ * (2) يعني المحرّمَ، ومنه قول الآخر: (3) فَبِتُّ مُرْتَفِقًا، والعَيْنُ سَاهِرَةٌ ... كَأَنَّ نَوْمِي عَلَيَّ اللَّيْلَ مَحْجُورُ (4) أي حرام. يقال: "حِجْر" و "حُجْر" ، بكسر الحاء وضمها. * * * وبضمها كان يقرأ، فيما ذُكر، الحسنُ وقتادة. (5) 13915- حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد قال، حدثني أبي [قال، حدثني عمي] قال، حدثني أبي، عن الحسين، عن قتادة أنه: كان يقرؤها: "وَحَرْثٌ حُجْرٌ" ، يقول: حرام، مضمومة الحاء. (6) * * * (1) هكذا نسبة هنا إلى (( رؤبة )) والصواب أنه (( العجاج )) أبوه، بلا شك في ذلك، ولذلك وضعته بين الأقواس، وكأنه سهو من الناسخ، أو من أبي جعفر. (2) ديوان العجاج: 68، واللسان (حجر) من رجز له طويل مشهور، ذكر فيه نفسه بالعفاف والصيانة فقال: إِنّي امْرُؤٌ عَنْ جَارَتِي كَفِىُّ ... عَنِ الأذَى، إنَّ الأذَى مَقْلِيُّ وَعَنْ تَبغِّي سِرِّهَا غَنِيُّ ثم قال بعد أبيات: وَجَارَةُ البَيْتِ لَهَا حُجْرِيُّ ... ومَحْرُمَاتٌ هَتْكُهَا بُجْرِيُّ وفسره صاحب اللسان فقال: (( لها خاصة )) . (3) ينسب إلى أعشى باهلة نسبه ابن بري في اللسان (رفق) ، ولم أجده في مكان آخر. (4) اللسان (رفق) . (( مرتفقًا )) ، أي: متكئًا على مرفق يده. (5) في المطبوعة والمخطوطة: (( الحسين )) ، وهو خطأ، صوابه (( الحسن )) ، وهو البصري. (6) الأثر: 13915 - هذا إسناد فيه إشكال. (( عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث سعيد بن ذكوان التميمي العنبري )) ، مضى مرارًا، وهو يروي عن أبيه: (( عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان )) وأبوه: (( عبد الصمد ابن عبد الوارث )) ، يروي عن أبيه: (( عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان )) ، و (( عبد الوارث بن سعيد ابن ذكوان )) ، يروي عن (( حسين المعلم )) ، وهو (( حسين بن ذكوان العوذي )) ، و (( حسين المعلم )) ، يروي عن (( قتادة )) ، فالأرجح إذن أن يكون الإسناد هكذا: (( حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد، قال حدثني أبي، قال حدثني أبي، عن الحسين، عن قتادة )) بإسقاط (( قال حدثني عمي )) ، التي وضعتها بين قوسين، وبذلك يكون الإسناد مستقيمًا، فإني لم أجد (( عبد الصمد بن عبد الوارث )) يروي عن (( عمه )) ، ولم أجد له عما يروى عنه. وأيضًا فإن قوله: (( حدثني عمي )) يقتضي أن يكون (( سعيد بن ذكوان )) جدهم، هو الراوي عن (( حسين المعلم )) ، ولم تذكر قط رواية عن (( سعيد بن ذكوان )) ، ولا له ذكر في كتب الرجال. فصح بذلك أن الصواب إسقاط ما وضعته بين القوسين، هذا وأذكر أن هذا الإسناد قد مر قبل كما أثبته، ولكني لم أستطع أن أعثر عليه بعد. والزيادة إن شاء الله خطأ من الناسخ، واختلط عليه إسناد (( محمد بن سعد عن أبه، عن عمه ... )) رقم: 305. فعجل وزاد: (( قال حدثني عمي )) . وأما القرأة من الحجاز والعراق والشام، فعلى كسرها. وهي القراءة التي لا أستجيز خلافها، لإجماع الحجة من القرأة عليها، وأنها اللغة الجُودَى من لغات العرب. (1) * * * وروي عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: "وَحَرْثٌ حِرْجٌ" ، بالراء قبل الجيم. 13916- حدثني بذلك الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن ابن عباس: أنه كان يقرؤها كذلك. * * * وهي لغة ثالثة، معناها ومعنى "الحجر" واحد. وهذا كما قالوا: "جذب" و "جبذ" ، و "ناء" و "نأى" . ففي "الحجر" ، إذًا، لغات ثلاث: "حجر" بكسر الحاء، والجيم قبل الراء= "وحُجر" بضم الحاء، والجيم قبل الراء= و "حِرْج" ، بكسر الحاء، والراء قبل الجيم. * * * وبنحو الذي قلنا في تأويل الحجر قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: (1) (( الجودي )) ، تأنيث (( الأجود )) ، وهي قليلة الاستعمال فيما بعد طبعة أبي جعفر، كما أسلفت في التعليق على أول استعمال لها فيما مضى 6: 437، تعليق: 1، وهذه هي المرة الثانية التي استعملها فيها أبو جعفر. 13917- حدثني عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوارث، عن حميد، عن مجاهد وأبي عمرو: (وحرث حجر) ، يقول: حرام. 13918- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وحرث حجر) ، فالحجر. ما حرّموا من الوصيلة، وتحريم ما حرموا. 13919- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وحرث حجر) ، قال: حرام. 13920- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (هذه أنعام وحرث حجر) الآية، تحريمٌ كان عليهم من الشياطين في أموالهم، وتغليظ وتشديد. وكان ذلك من الشياطين، ولم يكن من الله. 13921- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما قوله: (وقالوا هذه أنعام وحرث حجر) ، فيقولون: حرام، أن نطعم إلا من شئنا. 13922- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (هذه أنعام وحرث حجر) ، نحتجرها على مَنْ نريد وعمن نريد، لا يطعمها إلا مَنْ نشاء، بزعمهم. قال: إنما احتجروا ذلك لآلهتهم، وقالوا: لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم) ، قالوا: نحتجرها عن النساء، ونجعلها للرجال. 13923- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (أنعام وحرث حجر) ، أما "حجر" ، يقول: محرَّم. وذلك أنهم كانوا يصنعون في الجاهلية أشياء لم يأمر الله بها، كانوا يحرّمون من أنعامهم أشياء لا يأكلونها، ويعزلون من حرثهم شيئًا معلومًا لآلهتهم، ويقولون: لا يحل لنا ما سمّينا لآلهتنا. 13924- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (أنعام وحرث حجر) ، ما جعلوه لله ولشركائهم. 13925- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * * * القول في تأويل قوله: {وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وحرّم هؤلاء الجهلة من المشركين ظهورَ بعض أنعامهم، فلا يركبون ظهورها، وهم ينتفعون برِسْلِها ونِتَاجها وسائر الأشياء منها غير ظهورها للركوب. (1) وحرموا من أنعامهم أنعامًا أخر، فلا يحجُّون عليها، ولا يذكرون اسم الله عليها إن ركبوها بحالٍ، ولا إن حلبوها، ولا إن حمَلوا عليها. * * * وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13926- حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم قال: قال لي أبو وائل: أتدري ما "أنعام لا يذكرون اسم الله عليها" ؟ قال: قلت: لا! قال: أنعام لا يحجون عليها. 13927- حدثنا محمد بن عباد بن موسى قال، حدثنا شاذان قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم قال: قال لي أبو وائل: أتدري ما قوله: (حرمت (1) (( الرسل )) (بكسر فسكون) : اللبن. و (( النتاج )) (بكسر النون) : ما تضع من أولادها. ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) ؟ قال: قلت: لا! قال: هي البحيرة، كانوا لا يحجون عليها. (1) 13928- حدثنا أحمد بن عمرو البصري قال، حدثنا محمد بن سعيد الشهيد قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن أبي وائل: (وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) ، قال: لا يحجون عليها. (2) 13929- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي أما: (أنعام حرمت ظهورها) ، فهي البحيرة والسائبة والحام= وأما "الأنعام التي لا يذكرون اسم الله عليها" ، قال: إذا أولدوها، (3) ولا إن نحروها. 13930- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) ، قال: كان من إبلهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها ولا في شيء من شأنها، لا إن ركبوها، ولا إن حلبوا، ولا إن حملوا، ولا إن منحوا، ولا إن عملوا شيئًا. 13931- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وأنعام حرمت ظهورها) ، قال: لا يركبها أحد= (وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) . * * * (1) الأثر: 13927 - (( محمد بن عباد بن موسى الختلي )) ، مضى برقم: 11318، ونقلت هناك عن ابن أبي حاتم 4 / 1 / 15، أنه روى عن هشام بن محمد الكلبي، والوليد بن صالح، وروى عنه أبو بكر بن أبي الدنيا. ثم توقفت في هذه الترجمة المختصرة التي ذكرها ابن أبي حاتم، وشككت في صحة ما فيها، فإن أبا بكر بن أبي الدنيا، إنما يروي عن أبيه (( عباد بن موسى الختلي )) . ولا أدري أروى عن ولده (( محمد بن عباد )) أم لم يرو عنه، فإنهم لم يذكروا ذلك في ترجمة أبي بكر ابن أبي الدنيا. و (( شاذان )) هو: (( الأسود بن عامر )) ، ثقة صدوق. مترجم في التهذيب. (2) الأثر: 13928 - (( أحمد بن عمرو البصري )) ، مضى ما قلت فيه برقم: 9875. و (( محمد بن سعيد الشهيد )) ، لم أعرف من هو، ولم أجد له ذكرًا. (3) لعل الصواب: (( لا إن أولدوها )) . وأما قوله: (افتراء على الله) ، فإنه يقول: فعل هؤلاء المشركون ما فعلوا من تحريمهم ما حرموا، وقالوا ما قالوا من ذلك، كذبًا على الله، وتخرّصًا الباطلَ عليه; لأنهم أضافوا ما كانوا يحرّمون من ذلك، على ما وصفه عنهم جل ثناؤه في كتابه، إلى أنّ الله هو الذي حرّمه، فنفى الله ذلك عن نفسه، وأكذبهم، وأخبر نبيه والمؤمنين أنهم كذبة فيما يدّعون. (1) * * * ثم قال عز ذكره: (سيجزيهم) ، يقول: سيثيبهم ربُّهم بما كانوا يفترونَ على الله الكذبَ ثوابَهم، ويجزيهم بذلك جزاءهم. (2) * * * القول في تأويل قوله: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنيِّ بقوله: (ما في بطون هذ الأنعام) . فقال بعضهم: عنى بذلك اللَّبن. * ذكر من قال ذلك: 13932- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عطية قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن ابن عباس: (وقالوا ما في بطون هذ الأنعام خالصة لذكورنا) ، قال: اللبن. (3) (1) انظر تفسير (( الافتراء )) فيما سلف: ص: 136، تعليق: 4، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الجزاء )) فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) . (3) الأثر: 13932 - (( عبد الله بن أبي الهذيل العنزي )) ، (( أبو المغيرة )) ، تابعي ثقة. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 196، وفيه (( العنبري )) ، ولا أدري ما الصواب منهما. 13933- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس، مثله. 13934- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وقالوا ما في بطون هذ الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا) ، ألبان البحائر كانت للذكور دون النساء، وإن كانت ميتة اشترك فيها ذكورهم وإناثهم. 13935- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا) ، قال: ما في بطون البحائر، يعني ألبانها، كانوا يجعلونه للرجال، دون النساء. 13936- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا عيسى بن يونس، عن زكريا، عن عامر قال: "البحيرة" لا يأكل من لبنها إلا الرجال، وإن مات منها شيء أكله الرجال والنساء. 13937- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وقالوا ما في بطون هذ الأنعام خالصة لذكورنا) الآية، فهو اللبن، كانوا يحرمونه على إناثهم، ويشربه ذكرانهم. وكانت الشاة إذا ولدت ذكرًا ذبحوه، وكان للرجال دون النساء. وإن كانت أنثى تركب لم تذبح. وإن كانت ميتة فهم فيه شركاء. فنهى الله عن ذلك. * * * وقال آخرون: بل عنى بذلك ما في بطون البحائر والسوائب من الأجنة. * ذكر من قال ذلك: 13938- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء) ، فهذه الأنعام، ما ولد منها من حيّ فهو خالص للرجال دون النساء. وأما ما ولد من ميت، فيأكله الرجال والنساء. 13939- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن مجاهد: (ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا) ، السائبة والبحيرة. 13940- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الكفرة أنهم قالوا في أنعام بأعيانها: "ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا دون إناثنا" ، واللبن ما في بطونها، وكذلك أجنتها. ولم يخصُص الله بالخبر عنهم أنهم قالوا: بعضُ ذلك حرام عليهن دون بعض. وإذ كان ذلك كذلك، فالواجب أن يقال إنهم قالوا: ما في بطون تلك الأنعام من لبن وجنين حِلٌّ لذكورهم = خالصة دون إناثهم، وإنهم كانوا يؤثرون بذلك رجالهم، إلا أن يكون الذي في بطونها من الأجنة ميتًا، فيشترك حينئذ في أكله الرجال والنساء. * * * واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله أنثت "الخالصة" . فقال بعض نحويي البصرة وبعض الكوفيين: أنثت لتحقيق "الخلوص" ، كأنه لما حقق لهم الخلوص أشبه الكثرة، فجرى مجرى "راوية" و "نسابة" . * * * وقال بعض نحويي الكوفة: أنثت لتأنيث "الأنعام" ، لأن "ما في بطونها" ، مثلها، فأنثت لتأنيثها. ومن ذكّره فلتذكير "ما" . قال: وهي في قراءة عبد الله: "خَالِصٌ" . قال: وقد تكون الخالصة في تأنيثها مصدرًا، كما تقول: "العافية" و "العاقبة" ، وهو مثل قوله: (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ) [سورة ص: 46] . (1) * * * (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 358، 359. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: أريد بذلك المبالغة في خلوص ما في بطون الأنعام التي كانوا حرَّموا ما في بطونها على أزواجهم، لذكورهم دون إناثهم، (1) كما فعل ذلك "بالراوية" و "النسابة" و "العلامة" ، إذا أريد بها المبالغة في وصف من كان ذلك من صفته، كما يقال: "فلان خالصة فلان، وخُلصانه" . (2) * * * وأما قوله: (ومحرم على أزواجنا) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيِّ بـ "الأزواج" . فقال بعضهم: عنى بها النساء. * ذكر من قال ذلك: 13941- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (ومحرم على أزواجنا) ، قال: النساء. * * * وقال آخرون: بل عنى بالأزواج البنات. * ذكر من قال ذلك: 13942- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: (ومحرم على أزواجنا) ، قال: "الأزواج" ، البنات. وقالوا: ليس للبنات منه شيء. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن هؤلاء المشركين أنهم كانوا يقولون لما في بطون هذه الأنعام= يعني أنعامهم=: "هذا محرم على أزواجنا" ، و "الأزواج" ، إنما هي نساؤهم في كلامهم، وهن لا شك بنات من هن أولاده، وحلائل من هن أزواجه. (3) وفي قول الله عز وجل: (ومحرم على أزواجنا) ، الدليلُ الواضح على أن تأنيث "الخالصة" ، كان لما وصفت من المبالغة في وصف ما في بطون الأنعام بالخلوصة للذكور، لأنه لو كان لتأنيث الأنعام لقيل: و "محرمة على أزواجنا" ، ولكن لما كان التأنيث في "الخالصة" لما ذكرت، ثم لم يقصد في "المحرم" ما قصد في "الخالصة" من المبالغة، رجع فيها إلى تذكير "ما" ، واستعمال ما هو أولى به من صفته. * * * وأما قوله: (وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء) ، فاختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأه يزيد بن القعقاع، وطلحة بن مصرِّف، في آخرين: "وَإنْ تَكُنْ مَيْتَةٌ" بالتاء في "تكن" ، ورفع "ميتة" ، غير أن يزيد كان يشدّد الياء من "مَيِّتَةٌ" ويخففها طلحة. 13943- حدثني بذلك المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي حماد قال، حدثنا عيسى، عن طلحة بن مصرف. 13944- وحدثنا أحمد بن يوسف، عن القاسم، وإسماعيل بن جعفر، عن يزيد. * * * وقرأ ذلك بعض قَرَأة المدينة والكوفة والبصرة: (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً) ، بالياء، (1) السياق: (( في خلوص ما في بطون الأنعام ... لذكورهم دون إناثهم )) . (2) انظر تفسير (( الخالصة )) فيما سلف 2: 365، 366. انظر تمام حجة أبي جعفر في ذلك فيما سيلي بعد أسطر قليلة. (3) انظر تفسير (( الزوج )) فيما سلف 1: 514 /2: 446. ![]()
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (642) صــ 151 إلى صــ 160 و "ميتة" ، بالنصب، وتخفيف الياء. * * * وكأنّ من قرأ: (وإن يكن) ، بالياء (ميتة) بالنصب، أراد: وإن يكن ما في بطون تلك الأنعام= فذكر "يكن" لتذكير "ما" ونصب "الميتة" ، لأنه خبر "يكن" . وأما من قرأه: "وإن تكن ميتة" ، فإنه إن شاء الله أراد: وإن تكن ما في بطونها ميتة، فأنث "تكن" لتأنيث "ميتة" . * * * وقوله: (فهم فيه شركاء) ، فإنه يعني أن الرجال وأزواجهم شركاء في أكله، لا يحرمونه على أحد منهم، كما ذكرنا عمن ذكرنا ذلك عنه قبل من أهل التأويل. * * * وكان ابن زيد يقول في ذلك ما:- 13945- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: (وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء) ، قال: تأكل النساء مع الرجال، إن كان الذي يخرج من بطونها ميتة، فهم فيه شركاء، وقالوا: إن شئنا جعلنا للبنات فيه نصيبًا، وإن شئنا لم نجعل. * * * قال أبو جعفر: وظاهر التلاوة بخلاف ما تأوَّله ابن زيد، لأن ظاهرها يدل على أنهم قالوا: "إن يكن ما في بطونها ميتة، فنحن فيه شركاء" = بغير شرط مشيئة. وقد زعم ابن زيد أنهم جعلوا ذلك إلى مشيئتهم. * * * القول في تأويل قوله: {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: "سيجزي" ، أي: سيثيب ويكافئ هؤلاء المفترين عليه الكذب في تحريمهم ما لم يحرّمه الله، وتحليلهم ما لم يحلله الله، وإضافتهم كذبهم في ذلك إلى الله (1) = وقوله: (وصفهم) ، يعني بـ "وصفهم" ، الكذبَ على الله، وذلك كما قال جلَّ ثناؤه في موضع آخر من كتابه: (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) ، [سورة النحل: 62] . (2) * * * و "الوصف" و "الصفة" في كلام العرب واحد، وهما مصدران مثل "الوزن" و "الزنة" . * * * وبنحو الذي قلنا في معنى "الوصف" قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13946- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (سيجزيهم وصفهم) ، قال: قولهم الكذب في ذلك. 13947- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 13948- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: (سيجزيهم وصفهم) قال: كذبهم. 13949- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (سيجزيهم وصفهم) ، أي كذبهم. (1) انظر تفسير "الجزاء" فيما سلف ص 146، تعليق 2، والمراجع هناك (2) انظر تفسير (( الوصف )) فيما سلف صلى الله عليه وسلم: 10، 11. وأما قوله: (إنه حكيم عليم) ، فإنه يقول جل ثناؤه: إن الله في مجازاتهم على وصفهم الكذب وقيلهم الباطل عليه= "حكيم" ، في سائر تدبيره في خلقه= "عليم" ، بما يصلحهم، وبغير ذلك من أمورهم. (1) * * * القول في تأويل قوله: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قد هلك هؤلاء المفترون على ربهم الكذبَ، (2) العادلون به الأوثانَ والأصنام، الذين زين لهم شركاؤهم قتل أولادهم، وتحريم [ما أنعمت به] عليهم من أموالهم، (3) فقتلوا طاعة لها أولادهم، وحرّموا ما أحل الله لهم وجعله لهم رزقًا من أنعامهم = "سفها" ، منهم. يقول: فعلوا ما فعلوا من ذلكَ جهالة منهم بما لهم وعليهم، ونقصَ عقول، وضعفَ أحلام منهم، وقلة فهم بعاجل ضرّه وآجل مكروهه، من عظيم عقاب الله عليه لهم (4) = (افتراء على الله) ، يقول: تكذّبًا على الله وتخرصًا عليه الباطل (5) = (قد ضلوا) ، يقول: قد تركوا محجة الحق في فعلهم ذلك، وزالوا عن سواء السبيل (6) = (وما كانوا مهتدين) ، (1) انظر تفسير (( حكيم )) و (( عليم )) فيما سلف من فهارس اللغة (حكم) و (علم) . (2) انظر تفسير (( الخسار )) فيما سلف 11: 324، تعليق: 3، والمراجع هناك. (3) في المخطوطة والمطبوعة: (( وتحريم ما حرمت عليهم من أموالهم )) ، وهو لا يطابق تفسير الآية بل يناقضه، ورجحت الصواب ما أثبت بين القوسين. (4) انظر تفسير (( السفه )) فيما سلف 1: 293 - 295 / 3: 90، 129 / 6: 57 (5) انظر تفسير (( الافتراء )) فيما سلف: ص: 146، تعليق: 1، والمراجع هناك. وكان في المطبوعة: (( تكذيبًا )) ، والصواب ما في المخطوطة. (6) انظر تفسير (( الضلال )) فيما سلف من فهارس اللغة (( ضلل )) يقول: ولم يكن فاعلو ذلك على هدًى واستقامة في أفعالهم التي كانوا يفعلون قبل ذلك، ولا كانوا مهتدين للصواب فيها، ولا موفقين له. (1) * * * ونزلت هذه الآية في الذين ذكر الله خبرهم في هذه الآيات من قوله: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا) الذين كانوا يبحرون البحائر، ويسيِّبون السوائب، ويئدون البنات، كما:- 13950- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عكرمة، قوله: (الذين قتلوا أولادهم سفهًا بغير علم) ، قال: نزلت فيمن يئد البنات من ربيعة ومُضَر، كان الرجل يشترط على امرأته أن تستحيي جارية وتئد أخرى. فإذا كانت الجارية التي تَئِد، غدا الرجل أو راح من عند امرأته، (2) وقال لها: "أنت علي كظهر أمِّي إن رجعت إليك ولم تئديها" ، فتخُدُّ لها في الأرض خدًّا، (3) وترسل إلى نسائها فيجتمعن عندها، ثم يتداولنها، (4) حتى إذا أبصرته راجعًا دستها في حفرتها، ثم سوّت عليها التراب. 13951- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ثم ذكر ما صنعوا في أولادهم وأموالهم فقال: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهًا بغير علم وحرموا ما رزقهم الله) . 13952- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهًا بغير علم) ، فقال: هذا صنيع أهل الجاهلية. (1) انظر تفسير (( الاهتداء )) فيما سلف من فهارس اللغة (هدي) . (2) في المطبوعة: (( فإذا كانت الجارية التي توأد غدا الرجل ... )) ، وفي المخطوطة: (( فإذا كانت الجارية التي تئيد عبد الرجل أو راح من عند امرأته )) ، والصواب ما أثبت. معنى ذلك: أنه إذا ولدت المرأة الجارية التي شرط عليها أن تئدها غدا أو راح وقال ... (3) (( خد في الأرض خدا )) : شق في الأرض شقًا. (4) هكذا في المطبوعة: (( ثم يتداولنها )) ، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة، وممكن أن تقرأ كما هي في المطبوعة. كان أحدهم يقتل ابنته مخافة السِّباء والفاقة، ويغذو كلبه = وقوله: (وحرموا ما رزقهم الله) ، الآية، وهم أهل الجاهلية. جعلوا بحيرةً وسائبة ووصيلةً وحاميًا، تحكمًا من الشياطين في أموالهم. 13953- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، إذا سرَّك أن تعلم جهل العرب، فاقرأ ما بعد المائة من سورة الأنعام قوله: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهًا يغير علم) ، الآية. * * * وكان أبو رزين يتأوّل قوله: (قد ضلوا) ، أنه معنيٌّ به: قد ضلوا قبل هؤلاء الأفعال = من قتل الأولاد، وتحريم الرزق الذي رزقهم الله = بأمور غير ذلك. 13954- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبى رزين في قوله: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم) ، إلى قوله: (قد ضلوا) ، قال: قد ضلوا قبل ذلك. * * * القول في تأويل قوله: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} قال أبو جعفر: وهذا إعلام من الله تعالى ذكره ما أنعم به عليهم من فضله، وتنبيهٌ منه لهم على موضع إحسانه، وتعريفٌ منه لهم ما أحلَّ وحرَّم وقسم في أموالهم من الحقوق لمن قسم له فيها حقًّا. يقول تعالى ذكره: وربكم، أيها الناس = (أنشأ) ، أي أحدث وابتدع خلقًا، لا الآلهة والأصنام (1) = (جنات) ، يعني: بساتين (2) = (معروشات) ، وهي ما عَرَش الناس من الكروم= (وغير معروشات) ، غير مرفوعات مبنيَّات، لا ينبته الناس ولا يرفعونه، ولكن الله يرفعه وينبته وينمِّيه، (3) كما:- 13955- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (معروشات) ، يقول: مسموكات. 13956- وبه عن ابن عباس: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات) ، فـ "المعروشات" ، ما عرش الناس= "وغير معروشات" ، ما خرج في البر والجبال من الثمرات. 13957- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما "جنات" ، فالبساتين= وأما "المعروشات" ، فما عرش كهيئة الكَرْم. 13958- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات) ، قال: ما يُعرَش من الكروم = (وغير معروشات) ، قال: ما لا يعرش من الكرم. * * * (1) انظر تفسير (( أنشأ )) فيما سلف ص: 128، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الجنة )) فيما سلف من فهارس اللغة (جنن) . (3) انظر تفسير (( عرش )) فيما سلف 5: 445. القول في تأويل قوله: {وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وأنشأ النخل والزرع مختلفا أكله= يعني بـ "الأكل" ، (1) الثمر. يقول: وخلق النخل والزرع مختلفًا ما يخرج منه مما يؤكل من الثمر والحب = "والزيتون والرمان متشابهًا وغير متشابه" ، في الطعم، (2) منه الحلو، والحامض، والمزّ، (3) كما:- 13959- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (متشابهًا وغير متشابه) ، قال: "متشابهًا" ، في المنظر= "وغير متشابه" ، في الطعم. * * * وأما قوله: (كلوا من ثمره إذا أثمر) ، فإنه يقول: كلوا من رطبه ما كان رطبًا ثمره، كما:- 13960- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو همام الأهوازي قال، حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب في قوله: (كلوا من ثمره إذا أثمر) ، قال: من رطبه وعنبه. 13961- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا محمد بن الزبرقان قال، حدثنا موسى بن عبيدة في قوله: (كلوا من ثمره إذا أثمر) ، قال: من رطبه وعنبه. (4) * * * (1) انظر تفسير (( الأكل )) فيما سلف 5: 538. (2) انظر تفسير (( متشابه )) فيما سلف 1: 389 - 394 / 2: 210، 211 / 6: 173 / 11: 578. (3) (( المز )) (بضم الميم) : ما كان طعمه بين الحلو والحامض، يقال: (( شراب مز )) . (4) الأثران: 13960، 13961 - (( أبو همام الأهوازي )) في الأثر الأول، هو (( محمد بن الزبرقان )) ، في الأثر الثاني. ثقة. مضت ترجمته برقم: 877. القول في تأويل قوله: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: هذا أمر من الله بإيتاء الصدقة المفروضة من الثمر والحبِّ. * ذكر من قال ذلك: 13962- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا يونس، عن الحسن، في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: الزكاة. 13963- حدثنا عمرو قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا يزيد بن درهم قال، سمعت أنس بن مالك يقول: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: الزكاة المفروضة. 13964- حدثنا عمرو قال، حدثنا معلى بن أسد قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد قال، حدثنا الحجاج بن أرطاة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: العشر ونصف العشر. 13965- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا هانئ بن سعيد، عن حجاج، عن محمد بن عبيد الله، عن عبد الله بن شداد، عن ابن عباس: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: العشر ونصف العشر. (1) 13966- حدثنا عمرو بن علي وابن وكيع وابن بشار قالوا، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا إبراهيم بن نافع المكي، عن ابن عباس، عن أبيه، في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: الزكاة. (2) (1) الأثر: 13965 - (( هانئ بن سعيد النخعي )) ، مضى برقم: 13159. (( حجاج )) هو (( حجاج بن أرطأة )) ، مضى مرارًا. (( محمد بن عبيد الله بن سعيد )) هو (( أبو عون الثقفي )) ، مضى برقم: 7595. (2) الأثر: 13966 - (( إبراهيم بن نافع المكي المخزومي )) ، مضى برقم: 4305. وأما (( ابن عباس، عن أبيه )) ، فلا أدري ما هو، وهو بلا شك ليس (( عبد الله بن عباس )) حبر الأمة. وأخشى أن يكون الصواب: (( عن ابن طاوس، عن أبيه )) . 13967- حدثنا عمرو قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا أبو هلال، عن حيان الأعرج، عن جابر بن زيد: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: الزكاة. (1) 13968- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا يونس، عن الحسن في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: هي الصدقة = قال: ثم سئل عنها مرة أخرى فقال: هي الصدقة من الحبّ والثمار. 13969- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال، أخبرني أبو بكر بن عبد الله، عن عمرو بن سليمان وغيره، عن سعيد بن المسيب أنه قال: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: الصدقة المفروضة. 13970- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: هي الصدقة من الحب والثمار. 13971- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، يعني بحقه، زكاته المفروضة، يوم يُكال أو يُعلم كيله. 13972- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، (1) الأثر: 13967 - (( عبد الرحمن )) ، هو (( عبد الرحمن بن مهدي )) ، مضى مرارًا و (( أبو هلال )) هو: (( محمد بن سليم الراسبي البصري )) ، ثقة، مضى برقم: 2996، 4681. و (( حيان الأعرج )) الجوفي، البصري. ثقة من أتباع التابعين. روى عن جابر بن زيد. روى عنه قتادة، وابن جرجيج، وسعيد بن أبي عروبة، وغيرهم. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 246. وذلك أن الرجل كان إذا زرع فكان يوم حصاده، وهو أن يعلم ما كيله وحقّه، فيخرج من كل عشرة واحدًا، وما يَلْقُط الناس من سنبله. (1) 13973- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، و "حقه يوم حصاده" ، الصدقة المفروضة= ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم سَنَّ فيما سقت السماء أو العين السائحة، أو سقاه الطل = و "الطل" ، الندى = أو كان بَعْلا العشرَ كاملا. (2) وإن سقي برشاء: نصفَ العشر = قال قتادة: وهذا فيما يكال من الثمرة. وكان هذا إذا بلغت الثمرة خمسةُ أوسقٍ، (3) وذلك ثلثمئة صاع، فقد حق فيها الزكاة. وكانوا يستحبون أن يعطوا مما لا يكال من الثمرة على قدر ذلك. 13974- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وطاوس: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قالا هو الزكاة. 13975- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن الحجاج، عن سالم المكي، عن محمد بن الحنفية قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: يوم كيله، يعطي العشر أو نصف العشر. (4) 13976- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم المكي، عن محمد ابن الحنفية قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: العشر، ونصف العشر. 13977- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، (1) في المطبوعة: (( وما يلتقط )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) (( البعل )) ، من النبات، ما شرب بعروقه من الأرض، بغير سقي من سماء ولا غيرها. (3) (( الأوسق )) جمع (( وسق )) ، وهو ستون صاعًا، كما فسره بعد، على اختلافهم في مقدار الصاع. (4) الأثر: 13975 - (( سالم المكي )) ، هو (( سالم بن عبد الله الخياط )) ، مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 2 / 116، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 184. ![]()
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (643) صــ 161 إلى صــ 170 عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، وعن قتادة: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قالا الزكاة. 13978- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو معاوية الضرير، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: العشر ونصف العشر. 13979- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شريك، عن الحكم بن عتيبة، عن ابن عباس، مثله. 13980- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، يعني: يوم كيله، ما كان من برّ أو تمر أو زبيب. و "حقه" ، زكاته. 13981- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (كلوا من ثمرة إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: كُلْ منه، وإذا حصدته فآت حقه، و "حقه" ، عشوره. 13982- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن يونس بن عبيد، عن الحسن أنه قال في هذه الآية: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: الزكاة إذا كِلْتَه. 13983- حدثنا عمرو قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي رجاء قال: سألت الحسن عن قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: الزكاة. 13984- حدثني ابن البرقي قال، حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال، سألت ابن زيد بن أسلم عن قول الله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، فقلت له: هو العشور؟ قال: نعم! فقلت له: عن أبيك؟ قال: عن أبي وغيره. * * * وقال آخرون: بل ذلك حقٌّ أوجبه الله في أموال أهل الأموال، غيرُ الصدقة المفروضة. * ذكر من قال ذلك: 13985- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا محمد بن جعفر، عن أبيه: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: شيئًا سوى الحق الواجب = قال: وكان في كتابه: "عن علي بن الحسين" . 13986- حدثنا عمرو قال، حدثنا يحيى قال، حدثنا عبد الملك، عن عطاء في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: القبضة من الطعام. 13987- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، عن عطاء: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: من النخل والعنب والحب كله. 13988- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أرأيت ما حصدتُ من الفواكه؟ قال: ومنها أيضًا تؤتي. وقال: من كل شيء حصدتَ تؤتي منه حقه يوم حصاده، من نخل أو عنب أو حب أو فواكه أو خضر أو قصب، من كل شيء من ذلك. قلت لعطاء: أواجب على الناس ذلك كله؟ قال: نعم! ثم تلا (وآتوا حقه يوم حصاده) . قال: قلت لعطاء: (وآتوا حقه يوم حصاده) ،هل في ذلك شيء مُؤَقّت معلوم؟ قال: لا. 13989- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن عبد الملك، عن عطاء في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: يعطي من حُضورِ يومئذ ما تيسر، (1) وليس بالزكاة. (1) في المطبوعة: (( يعطي من حصاده يومئذ )) ، وليس صوابًا، وفي المخطوطة: (( يعطي من حصول يومئذ )) ، وصواب قراءتها ما أثبت، وانظر الأثر التالي. ويعني: مَنْ حضره من الناس والمساكين. 13990- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عيسى بن يونس، عن عبد الملك، عن عطاء: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: ليس بالزكاة، ولكن يطعم من حضره ساعتئذٍ حَصِيده. (1) 13991- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن العلاء بن المسيب، عن حماد: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: كانوا يعطون رُطبًا. 13992- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: إذا حضرك المساكين طرحت لهم منه، وإذا أنقيته وأخذت في كيله حَثَوْت لهم منه. (2) وإذا علمتَ كيله عزلتَ زكاته. وإذا أخذت في جَدَاد النخل طَرَحت لهم من الثفاريق. (3) وإذا أخذت في كيله حثَوْت لهم منه. وإذا علمت كيله عزلت زكاته. 13993- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: سوى الفريضة. 13994- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: يلقي إلى السؤَّال عند الحصاد من السنبل، (4) فإذا طِينَ = أو طُيِّن، الشك من أبي جعفر (5) = ألقى إليهم. فإذا (1) في المطبوعة: (( حصده )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (( الحصاد )) و (( الحصيد )) ، (( الحصد )) (بفتح الحاء والصاد) ، هو من الزرع، المحصود بعد ما يحصد. (2) (( حثا له يحثو حثوا )) أعطاه شيئًا منه ملء الكف. (3) في المطبوعة: (( جذاذ الأرض )) (بالذال) ، وهو خطأ محض. (( جداد النخل )) (بفتح الجيم، وبكسرها) : أوان صرامه، وهو قطع ثمره. و (( الثفاريق )) جمع (( ثفروق )) ، وهو قمع البسرة والتمرة التي تلزق بها. ولم يرد هذا مجاهد، بل أراد: العناقيد، يخرط ما عليها، فتبقى عليها الثمرة والثمرتان والثلاث، يخطئها المخلب الذي تخرط به، فتلقى للمساكين. فكني بالثفاريق عن القليل الباقي في عنقوده وشمراخه. (4) (( السؤال )) جمع (( سائل )) مثل (( جاهل )) و (( جهال )) . (5) في المخطوطة: (( فإذا طبن أو طبن )) ، غير منقوطة، وفي المطبوعة: (( فإذا طبن، أو طين )) الأولى لاباء، والثانية بالياء، ولا معنى لهما. وأخشى أن يكون الصواب ما أثبت، يعني به ما يكون مع البر والقمح من الطين. ولا أدري ذلك. وفوق كل ذي علم عليم. ولم أجد الخبر في مكان آخر. وانظر رقم: 14000، وقوله: (( وإذا أدخله البيدر )) ، فكأنه يعني هذا. حمله فأراد أن يجعله كُدْسًا ألقى إليهم. (1) وإذا داس أطعمَ منه، وإذا فرغ وعلم كم كيله، عزل زكاته. وقال: في النخل عند الجَدَاد يطعم من الثمرة والشماريخ. (2) فإذا كان عند كيله أطعم من التمر. فإذا فرغ عزل زكاته. 13995- حدثنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار قالا حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: إذا حصد الزرع ألقى من السنبل، وإذا جَدَّ النخل ألقى من الشماريخ. (3) فإذا كاله زكّاه. 13996- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: عند الحصاد، وعند الدِّياس، وعند الصِّرام، يقبض لهم منه، فإذا كاله عزل زكاته. 13997- وبه، عن سفيان، عن مجاهد مثله= إلا أنه قال: سوى الزكاة. 13998- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: شيء سوى الزكاة، في الحصاد والجَدَاد، إذا حَصَدوا وإذاحَزَرُوا. (4) 13999- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، في قول الله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: واجب، حين يصرم. (1) (( الكدس )) (بضم فسكون) ، هو كومة البر إذا جمع. (2) في المطبوعة: (( الجذاذ )) بالذال، وانظر التعليق السالف ص: 163، تعليق: 3. (3) (( جد النخل يجده جدادًا )) ، صرمه وقطعه. وهي في المطبوعة بالذال، كما سلف في التعليق السالف. وسأصححه بعد بغير إشارة إلى الخطأ. (4) في المطبوعة: (( وإذا جذوا )) ويعني (( وإذا جدوا )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صحيح المهنى. (( حزر الطعام والنخل وغيره )) : إذا قدره بالحدس، والحازر، هو الخارص أيضًا، (( خرصه )) : قدره بالحدس. 14000- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد: أنه قال في هذه الآية: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: إذا حصد أطعم، وإذا أدخله البَيْدَر، (1) وإذا داسه أطعم منه. 14001- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن أشعث، عن ابن عمر، قال: يطعم المعترَّ، (2) سوى ما يعطي من العشرو نصف العشر. 14002- وبه، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد قال: قبضة عند الحصاد، وقبضة عند الجَدَاد. 14003- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص، عن أشعث، عن ابن سيرين، قال: كانوا يعطون مَنْ اعترَّ بهم الشيءَ. 14004- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، قال: الضِّغث. (3) 14005- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، قال: يعطي مثل الضِّغث. 14006- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا حماد، عن إبراهيم: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: مثل هذا من الضغث = ووضع يحيى إصبعه الإبهام على المفصل الثاني من السَّبّابة. 14007- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، قال: نحو الضِّغث. (1) (( البيدر )) : الموضع الذي يداس فيه الطعام. (2) (( المعتر )) : الذي يطيف بك يطلب ما عندك، سألك أو سكت عن السؤال. (( عره يعره )) و (( اعتره )) و (( اعتر به )) ، أتاه يطلب معروفه. (3) (( الضغث )) (بكسر فسكون) : ملء اليد من الحشيش المختلط، وما أشبهه من البقول. 14008- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر= وعن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، قالا يعطي ضغثًا. (1) 14009- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا كثير بن هشام قال، حدثنا جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم قال، كان النخل إذا صُرِم يجيء الرجل بالعِذْق من نخله، فيعلِّقه في جانب المسجد، فيجيء المسكين فيضربُه بعصاه، فإذا تناثر أكلَ منه. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه حَسن أو حسين، فتناول تمرةً، فانتزعها من فيه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصَّدقة، ولا أهلُ بيته. فذلك قوله: (وآتوا حقَّه يوم حصاده) . 14010- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا خالد بن حيان، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، ويزيد بن الأصم قالا كان أهل المدينة إذا صرموا يجيئون بالعِذْق فيضعونه في المسجد، ثم يجيء السائل فيضربه بعصاه، فيسقط منه، وهو قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) . 14011- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن جعفر، (1) كان هذا الإسناد في المطبوعة كما هو هنا إلا أنه كتب ... (( عن أبي جعفر، عن سفيان )) بغير (( واو العطف )) . وكان فيها أيضًا (( قال )) بالإفراد وهو تغيير لما في المخطوطة. أما في المخطوطة، فكان بعد قوله فيها الإسناد السالف (( الضعث )) ، بياض أمامه حرف (ط) دلالة على أن الخطأ، ثم بعد البياض: (( قال حدثنا أبي، عن إسرائيل )) وسائر الإسناد كما كان في المطبوعة، بغير واو عطف قبل (( عن سفيان )) ، ولكن كان فيها (( قالا )) بالتثنية. وهذا إسناد مضطرب. وزيادة (( حدثنا ابن وكيع )) مكان البياض، صواب لا شك فيه، كما كان في المطبوعة، ولكن الخطأ في إسقاط الواو قبل (( عن سفيان )) . فهما إسنادان كما بينتهما. و (( إسرائيل )) هو (( إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق )) ، يروي، عن (( جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي )) ، و (( أبو جعفر )) هو (( أبو جعفر الباقر )) فيما أرجح. أما الإسناد الثاني، فهو من حديث ابن وكيع، عن أبيه، عن سفيان ... وكأن هذا هو الصواب إن شاء الله. عن يزيد وميمون، (1) في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قالا كان الرجل إذا جدَّ النخلَ يجيء بالعِذْق فيعلقه في جانب المسجد، فيأتيه المسكين فيضربه بعصاه، فيأكل ما يتناثر منه. 14012- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: لَقَطُ السُّنبل. (2) 14013- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن مجاهد قال: كانوا يعلقون العذق في المسجد عند الصِّرام، فيأكل منه الضعيف. 14014- وبه، عن معمر قال، قال مجاهد: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، يطعم الشيءَ عند صِرَامه. 14015- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: الضغث، وما يقع من السنبل. 14016- وبه، عن سالم، عن سعيد: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: العلَف. 14017- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شريك، عن سالم، عن سعيد في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: كان هذا قبل الزكاة، للمساكين، القبضةُ والضِّغث لعلف دابته. 14018- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا محمد (1) في المطبوعة والمخطوطة: (( عن زيد )) ، والصواب أنه (( يزيد بن الأصم )) المذكور في الإسنادين السالفين. (2) (( اللقط )) (بفتح اللام والقاف) ، و (( لقاط السنبل )) (بضم اللام، وبفتحها) : هو الذي تخطئه المناجل فيلتقطه الناس، أهو نثارة السنبل. بن رفاعة، عن محمد بن كعب في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: ما قلّ منه أو كثر. (1) 14019- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: عند الزرع يعطي القبضَ، وعند الصِّرام يعطي القبض، (2) ويتركهم فيتتبعون آثار الصِّرام. * * * وقال آخرون: كان هذا شيئًا أمر الله به المؤمنين قبل أن تفرض عليهم الصدقة المؤقتة. ثم نسخته الصدقة المعلومة، فلا فرض في مال كائنًا ما كان زرعًا كان أو غرسًا، إلا الصدقة التي فرضها الله فيه. * ذكر من قال ذلك: 14020- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: نسخها العُشْر ونصف العشر. 14021- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص، عن الحجاج، عن الحكم، عن ابن عباس قال: نسخها العُشْر ونصف العشر. 14022- وبه، عن حجاج، عن سالم، عن ابن الحنفية قال: نسخها العُشْر، ونصف العشر. 14023- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: هذا قبل الزكاة، فلما نزلت الزكاة نسختها، فكانوا يعطون الضِّغْث. 14024- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن مغيرة، (1) الأثر: 14018 - (( محمد بن رفاعة بن ثعلبة بن أبي مالك القرظي )) ، ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 1 / 82، وابن أبي حاتم 3 /2 / 254. (2) لعله (( يعطي القبضة )) ، فإنه هو الذي تدل عليه اللغة، ولكن هكذا جاء في الموضعين، وهو جائز على ضعف. عن شباك، عن إبراهيم: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: كانوا يفعلون ذلك، حتى سُنَّ العُشر ونصف العشر. فلما سُنّ العشر ونصف العشر، تُرك. (1) 14025- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن مغيرة، عن شباك، عن إبراهيم: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: هي منسوخة، نسختها العُشر ونصف العشر. (2) 14026- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: نسختها العشر ونصف العشر. 14027- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن مغيرة، عن شباك، عن إبراهيم قال: نسختها العشر ونصف العشر. 14028- وبه، عن سفيان، عن يونس، عن الحسن قال: نسختها الزكاة. 14029- وبه، عن سفيان، عن السدى قال: نسختها الزكاة: (وآتوا حقه يوم حصاده) . 14030- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن شباك، عن إبراهيم، في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: هذه السورة مكية، نسختها العشر ونصف العشر. قلت: عمّن؟ قال: عن العلماء. 14031- وبه، عن سفيان، عن مغيرة، عن شباك، عن إبراهيم قال: نسختها العشر ونصف العشر. 14032- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، (1) الأثر: 14024 - 14025 - (( شباك الضبي )) الكوفي الأعمى. روى عن إبراهيم النخعي، والشعبي، وأبي الضحى. روى عنه مغيرة بن مقسم، وفضيل بن غزوان، ونهشل بن مجمع. قال أحمد: (( شيخ ثقة )) . مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 2 / 270، وانظر أيضًا رقم: 14027، 14030، 14031. (2) الأثر: 14024 - 14025 - (( شباك الضبي )) الكوفي الأعمى. روى عن إبراهيم النخعي، والشعبي، وأبي الضحى. روى عنه مغيرة بن مقسم، وفضيل بن غزوان، ونهشل بن مجمع. قال أحمد: (( شيخ ثقة )) . مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 2 / 270، وانظر أيضًا رقم: 14027، 14030، 14031. حدثنا أسباط، عن السدي: أما (وآتوا حقه يوم حصاده) ، فكانوا إذا مرّ بهم أحدٌ يوم الحصاد أو الجدَادِ، أطعموه منه، فنسخها الله عنهم بالزكاة، وكان فيما أنبتتِ الأرضُ، العشرُ ونصف العشر. 14033- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الأعلى، عن يونس، عن الحسن قال: كانوا يَرْضَخون لقرَابتهم من المشركين. (1) 14034- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: نسخه العشر ونصف العشر. كانوا يعطون إذا حصَدوا وإذا ذَرَّوا، فنسختها العشر ونصف العشر. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: كان ذلك فرضًا فرضه الله على المؤمنين في طعامِهم وثمارهم التي تُخْرجها زروعهم وغرُوسهم، ثم نسخه الله بالصدقة المفروضة، والوظيفة المعلومةِ من العشر ونصف العشر. وذلك أن الجميع مجمعون لا خلاف بينهم: أنّ صدقة الحرث لا تؤخذ إلا بعد الدِّياس والتنقية والتذرية، وأن صدقة التمر لا تؤخذ إلا بعد الإجزاز. (2) فإذا كان ذلك كذلك، وكان قوله جل ثناؤه: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، ينبئ عن أنه أمرٌ من الله جل ثناؤه بإيتاء حقه يوم حصاده، وكان يوم حصاده هو يوم جَدِّه وقطعه، والحبُّ لا شك أنه في ذلك اليوم في سنبله، والتَّمر وإن كان ثمر نخل أو كَرْم غيرُ مستحكم جُفوفه ويبسه، وكانت الصدقة من الحبِّ إنما تؤخذ بعد دِياسه وتذريته وتنقيته كيلا والتمر إنما تؤخذ صدقته بعد استحكام (1) (( رضخ له من ماله رضيخة )) ، إذا أعطاه منه العطية المقاربة، القليلة. (2) في المطبوعة: (( إلا بعد الجفاف )) غير ما في المخطوطة كل التغيير، وكان فيها: (( إلا بعد الأحرار )) غير منقوطة، وهذا صواب قراءتها. يقال (( جز النخل والتمر )) و (( أجز النخل والتمر )) ، يبس تمره، وحان أن يجز، أي: أن يقطع ثمره ويصرم. ![]()
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (644) صــ 171 إلى صــ 180 يبسه وجفوفه كَيْلا= علم أن ما يؤخذ صدقة بعد حين حَصْده، غير الذي يجب إيتاؤه المساكين يوم حَصاده. * * * فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون ذلك إيجابًا من الله في المال حقًّا سوى الصدقة المفروضة؟ قيل: لأنه لا يخلو أن يكون ذلك فرضًا واجبًا، أو نَفْلا. فإن يكن فرضًا واجبًا، فقد وجب أن يكون سبيلُه سبيلَ الصدقات المفروضات التي من فرَّط في أدائها إلى أهلها كان بربِّه آثمًا، ولأمره مخالفًا. (1) وفي قيام الحجة بأن لا فرض لله في المال بعد الزكاة يجبُ وجوبَ الزكاة سوى ما يجبُ من النفقة لمن يلزم المرءَ نفقته، ما ينبئ عن أنّ ذلك ليس كذلك. =أو يكون ذلك نَفْلا. فإن يكن ذلك كذلك، فقد وجب أن يكون الخيارُ في إعطاء ذلك إلى ربّ الحرث والثمر. وفي إيجاب القائلين بوجوب ذلك، ما ينبئ عن أن ذلك ليسَ كذلك. وإذا خرجت الآية من أن يكون مرادًا بها الندب، وكان غير جائز أن يكون لها مخرجٌ في وجوب الفرض بها في هذا الوقت، علم أنها منسوخة. ومما يؤيد ما قلنا في ذلك من القول دليلا على صحته، أنه جل ثناؤه أتبع قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) ، ومعلوم أنّ من حكم الله في عباده مذ فرض في أموالهم الصدقة المفروضة المؤقتة القدرِ، أنّ القائم بأخذ ذلك ساستهم ورُعاتهم. وإذا كان ذلك كذلك، فما وجه نهي ربّ المال عن الإسراف في إيتاء ذلك، والآخذ مُجْبِرٌ، وإنما يأخذ الحق الذي فرض لله فيه؟ * * * (1) انظر تفسير قوله: (( بربه آثمًا )) فيما سلف 4: 530، تعليق: 3 / 6: 92، تعليق: 2 / 11: 180، تعليق 3 / 11: 328، تعليق: 2. فإن ظن ظانّ أن ذلك إنما هو نهي من الله القيِّمَ بأخذ ذلك من الرعاة عن التعدِّي في مال رب المال، والتجاوز إلى أخذ ما لم يُبَحْ له أخذه، فإن آخر الآية وهو قوله: (ولا تسرفوا) ، معطوف على أوله، وهو قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) . فإن كان المنهيَّ عن الإسراف القيِّمُ بقبض ذلك، فقد يجب أن يكون المأمورُ بإيتائه، (1) المنهيَّ عن الإسراف فيه، وهو السلطان. وذلك قول إن قاله قائل، كان خارجًا من قول جميع أهل التأويل، ومخالفًا المعهود من الخطاب، وكفى بذلك شاهدًا على خطئه. * * * فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون معنى قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، وآتوا حقه يوم كيله، لا يوم قصله وقطعه، (2) ولا يوم جداده وقطافه؟ فقد علمتَ مَنْ قال ذلك من أهل التأويل؟ وذلك ما:- 14035- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: يوم كيله. 14036- وحدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن الحجاج، عن سالم المكي، عن محمد بن الحنفية قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: يوم كيله، يعطي العشر ونصف العشر. (3) * * * = مع آخرين قد ذكرت الرواية فيما مضى عنهم بذلك؟ (4) (1) في المطبوعة: (( بإتيانه )) ، وهو خطأ محض، وهو في المخطوطة غير منقوط، وذلك بيان لقوله: (( وآتوا حقه يوم حصاده )) . (2) في المطبوعة والمخطوطة: (( يوم فصله )) بالفاء، والصواب بالقاف. (( قصل النبات يقصله قصلا، واقتصله )) ، قطعه وهو أخضر. (3) الأثر: 14036 - انظر ما سلف رقم: 13975. (4) انظر الآثار السالفة من أول تفسير الآية. قيل: لأن يوم كيله غير يوم حصاده. ولن يخلو معنى قائلي هذا القول من أحد أمرين: إما أن يكونوا وجّهوا معنى "الحصاد" ، إلى معنى "الكيل" ، فذلك ما لا يعقل في كلام العرب، لأن "الحصاد" و "الحصد" في كلامهم: الجدّ والقطع، لا الكيل = أو يكونوا وجّهوا تأويل قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، إلى: وآتوا حقه بعد يوم حصاده إذا كلتموه، فذلك خلاف ظاهر التنزيل. وذلك أن الأمر في ظاهر التنزيل بإيتاء الحقّ منه يوم حصاده، لا بعد يوم حصاده. ولا فرقَ بين قائلٍ: إنما عنى الله بقوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، بعد يوم حصاده= وآخرَ قال: عنى بذلك قبل يوم حصاده، لأنهما جميعًا قائلان قولا دليلُ ظاهر التنزيل بخلافه. * * * القول في تأويل قوله: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) } قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في "الإسراف" ، الذي نهى الله عنه بهذه الآية، ومن المنهيّ عنه. فقال بعضهم: المنهيّ عنه: ربّ النخل والزرع والثمر= و "السرف" الذي نهى الله عنه في هذه الآية، مجاوزة القدر في العطِيّة إلى ما يجحف برب المال. (1) * ذكر من قال ذلك: 14037- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، حدثنا عاصم، عن أبي العالية في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا) ، الآية، قال: (1) انظر تفسير (( الإسراف )) فيما سلف 7: 272، 579 /10، 579 / 10: 242. كانوا يعطون شيئًا سوى الزكاة، ثم تسارفوا، (1) فأنزل الله: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) . 14038- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا معتمر بن سليمان، عن عاصم الأحول، عن أبي العالية: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: كانوا يعطون يوم الحصاد شيئًا سوى الزكاة، ثم تبارَوْا فيه، أسرفوا، (2) فقال الله: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) . 14039- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا معتمر بن سليمان، عن عاصم الأحول، عن أبي العالية: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: كانوا يعطون يوم الحصاد شيئًا، ثم تسارفوا، فقال الله: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) . 14040- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، جَدَّ نخلا فقال: لا يأتين اليوم أحدٌ إلا أطعمته! فأطعم، حتى أمسى وليست له ثمرة، فقال الله: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) . 14041- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: (ولا تسرفوا) ، يقول: لا تسرفوا فيما يؤتى يوم الحصاد، أم في كل شيء؟ قال: بلى! في كل شيء، ينهى عن السرف. (3) قال: ثم عاودته بعد حين، فقلت: ما قوله: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) ؟ قال: ينهى عن السرف في كل شيء. ثم تلا (لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) ، [سورة الفرقان: 67] . 14042- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا (1) (( تسارفوا )) ، أي بالغوا في الإسراف وتباروا فيه، وهذا من اشتقاق اللغة الذي لا تكاد تجده في المعاجم، فقيده في مكانه. (2) في المطبوعة: (( وأسرفوا )) بواو العطف، وأثبت ما في المخطوطة، هو صواب جيد. (3) (( بلى )) انظر استعمال (( بلى )) في غير حجد سبقها، فيما سلف 10: 253، تعليق: 3، والمراجع هناك. سفيان بن حسين، عن أبي بشر قال: أطاف الناس بإياس بن معاوية بالكوفة، فسألوه: ما السَّرَف؟ فقال: ما دون أمرِ الله فهو سَرَف. (1) 14043- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا تسرفوا) ، لا تعطوا أموالكم فتغدوا فقراء. * * * وقال آخرون: "الإسراف" الذي نهى الله عنه في هذا الموضع: منع الصدقة والحقّ الذي أمر الله ربَّ المال بإيتائه أهلَه بقوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) . * ذكر من قال ذلك: 14044- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال، أخبرني أبو بكر بن عبد الله، عن عمرو بن سليم وغيره، عن سعيد بن المسيب في قوله: (ولا تسرفوا) ، قال: لا تمنعوا الصدقة فتعصوا. (2) 14045- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا محمد بن الزبرقان قال، حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) ، والسرف، أن لا يعطي في حق. (3) * * * (1) في المطبوعة: (( ما تجاوز أمر الله فهو سرف )) ، وهو مخالف لما في المخطوطة، وكان فيها: (( ما وزه أمر الله فهو سرف )) ، والهاء مشبوكة في الزاي، وفوق الكلمة حرف (ط) دلالة على الخطأ والشك. والذي روى عن إياس بن معاوية هذا اللفظ أنه قال: (( الإسراف ما قصر به عن حق الله )) (اللسان: سرف) ، فصح عندي أن (( ما وزه )) هي (( ما دون أمر الله )) ، ليطابق ما نقل عن إياس اللفظ الآخر. وإن كان أبو حيان في تفسيره 4: 238، قد كتب: (( كل ما جاوزت فيه أمر الله فهو سرف )) ، وكذلك القرطبي في تفسيره 7: 110. وروى هذا كما أثبته أو بمعناه، عن معاوية رضي الله عنه. (2) الأثر: 14044 - (( أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة القرشي العامري )) القاضي الفقيه، وهو متروك، قال أحمد: (( كان يضع الحديث ويكذب )) . قال له ابن جريج: (( اكتب لي أحاديث من أحاديثك )) فكتب له. قال الواقدي: (( فرأيت ابن جريج قد أدخل منها في كتبه. وكان كثير الحديث، وليس بحجة )) . مترجم في التهذيب، وميزان الاعتدال 3: 348. و (( عمرو بن سليم بن خلدة الأنصاري الزرقي )) ، تابعي ثقة، كان قليل الحديث. مترجم في التهذيب. (3) الأثر: 14045 - (( موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي )) ، ضعيف لا يكتب حديثه. مضى مرارًا كثيرة آخرها: 11134. وكان في الإسناد هنا: (( محمد بن عبيدة )) ، في المخطوطة والمطبوعة، وهو خطأ لا شك فيه، فإن الذي يروي عنه (( محمد بن الزبرقان )) ، ويروي هو عن (( محمد بن كعب القرظي )) ، وهو (( موسى بن عبيدة )) ، وهو الصواب المحض - وقد مر مرارًا كتابة الناسخ (( محمد )) مكان (( موسى )) في غير هذا من الأسماء. وقال آخرون: إنما خوطب بهذا السلطان. نُهِى أن يأخذ من ربّ المال فوق الذي ألزم الله ماله. * ذكر من قال ذلك. 14046- حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد في قوله: (ولا تسرفوا) ، قال: قال للسلطان: "لا تسرفوا" ، لا تأخذوا بغير حق، فكانت هذه الآية بين السلطان وبين الناس= يعني قوله: (كلوا من ثمره إذا أثمر) ، الآية. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى بقوله: (ولا تسرفوا) ، عن جميع معاني "الإسراف" ، ولم يخصص منها معنًى دون معنى. وإذ كان ذلك كذلك، وكان "الإسراف" في كلام العرب: الإخطاء بإصابة الحق في العطية، إما بتجاوز حدّه في الزيادة، وإما بتقصير عن حدّه الواجب (1) = كان معلومًا أن المفرِّق مالَه مباراةً، والباذلَهُ للناس حتى أجحفت به عطيته، مسرفٌ بتجاوزه حدَّ الله إلى ما [ليس له] . (2) وكذلك المقصِّر في بذله فيما ألزمه الله بذله فيه، وذلك كمنعه ما ألزمه إيتاءه منه أهلَ سُهْمَان الصدقة إذا وجبت فيه، أو منعه من ألزمه الله نفقته من أهله وعياله ما ألزمه منها. وكذلك السلطان في أخذه من رعيته ما لم يأذن الله بأخذه. كل هؤلاء فيما فعلوا من ذلك مسرفون، داخلون (1) انظر تفسير (( الإسراف )) فيما سلف 7: 272، 579 / 10: 242 (2) في المطبوعة: (( بتجاوزه حد الله إلى ما كيفته له )) ، ومثلها في المخطوطة، غير المنقوطة، ولا معنى لهما، فطرحت هذه العبارة، وكتبت ما بين القوسين ما يستقيم به الكلام بعض الاستقامة. في معنى مَنْ أتى ما نهى الله عنه من الإسراف بقوله: (ولا تسرفوا) ، في عطيتكم من أموالكم ما يجحف بكم= إذ كان ما قبله من الكلام أمرًا من الله بإيتاء الواجب فيه أهله يوم حصاده. فإنّ الآية قد كانت تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب خاصّ من الأمور، والحكم بها على العامّ، بل عامّة آي القرآن كذلك. فكذلك قوله: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) . ومن الدليل على صحة ما قلنا من معنى "الإسراف" أنه على ما قلنا، قول الشاعر: (1) أَعْطَوا هُنَيْدَةَ يَحْدُوهَا ثَمَانِيَةٌ ... مَا فِي عَطَائِهِمُ مَنٌّ وَلا سَرَفُ (2) يعني بـ "السرف" : الخطأ في العطيّة. (3) (1) هو جرير. (2) مضى البيت الأول وتخريجه وشرحه فيما سلف 7: 579. (3) عند هذا الموضع، انتهى الجزء التاسع من مخطوطتنا، وفيها ما نصه: (( نجز الجزء التاسع بحمد الله وعونه، وحسن توفيقه ومنّة. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليمًا. يتلوه في العاشر إن شاء الله: القول في تأويل قوله: "وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا" وكان الفراغ من كتابته في جمادى الأول سنة خمس عشرة وسبعمئة، أحسن الله تقضِّيها وخاتمتها في خير وعافية. والله المعين على تكملة جميع الكتاب إن شاء الله تعالى. غفر الله لمؤلفه، ولصاحبه، ولكاتبه، ولمن نظر فيه ودعا لهم بالمغفرة ورضا الله والجنة، ولجميع المسلمين. الحمد لله ربِّ العالمين )) ثم يتلوه في أول الجزء العاشر: (( بسم الله الرحمن الرحيم ربِّ يَسِّرْ )) القول في تأويل قوله: {وَمِنَ الأنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأنشأ من الأنعام حمولة وفرشًا، مع ما أنشأ من الجنات المعروشات وغير المعروشات. * * * و "الحمولة" ، ما حمل عليه من الإبل وغيرها. و "الفرش" ، صغار الإبل التي لم تدرك أن يُحْمَل عليها. * * * واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: "الحمولة" ، ما حمل عليه من كبار الإبل ومسانّها= و "الفرش" ، صغارها التي لا يحمل عليها لصغرها. * ذكر من قال ذلك: 14047- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله في قوله: (حمولة وفرشًا) ، قال: "الحمولة" ، الكبار من الإبل= "وفرشًا" ، الصغار من الإبل. 14048-. . . . وقال، حدثنا أبي، عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة، عن ابن عباس: "الحمولة" ، هي الكبار، و "الفرش" ، الصغار من الإبل. 14049- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد قال: "الحمولة" ، ما حمل من الإبل، و "الفرش" ، ما لم يحمل. 14050- وبه عن إسرائيل، عن خصيف، عن مجاهد: "الحمولة" ، ما حمل من الإبل، و "الفرش" ، ما لم يحمل. 14051- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (وفرشًا) ، قال: صغار الإبل. 14052- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله في قوله: (حمولة وفرشًا) ، قال: "الحمولة" ، الكبار، و "الفرش" ، الصغار. 14053- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود في قوله: (حمولة وفرشًا) ، "الحمولة" ، ما حمل من الإبل، و "الفرش" ، هنّ الصغار. 14054- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص عن عبد الله: أنه قال في هذه الآية: (حمولة وفرشًا) ، قال: "الحمولة" ، ما حمل عليه من الإبل، و "الفرش" ، الصغار = قال ابن المثنى، قال محمد، قال شعبة: إنما كان حدثني سفيان، عن أبي إسحاق. 14055- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه قال، قال الحسن: "الحمولة" ، من الإبل والبقر. * * * وقال بعضهم: "الحمولة" ، من الإبل، وما لم يكن من "الحمولة" ، فهو "الفرش" . 14056- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن: (حمولة وفرشًا) ، قال: "الحمولة" ، ما حمل عليه، و "الفرش" ، حواشيها، يعني صغارها. 14057- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ومن الأنعام حمولة وفرشًا) ، فـ "الحمولة" ، ما حمل من الإبل، و "الفرش" ، صغار الإبل، الفصيل وما دون ذلك مما لا يحمل. * * * ويقال: "الحمولة" ، من البقر والإبل = و "الفرش" ، الغنم. * * * وقال آخرون: "الحمولة" ، ما حمل عليه من الإبل والخيل والبغال وغير ذلك، و "الفرش" ، الغنم. * ذكر من قال ذلك: 14058- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ومن الأنعام حمولة وفرشًا) ، فأما "الحمولة" ، فالإبل والخيل والبغال والحمير، وكل شيء يحمل عليه، وأما "الفرش" ، فالغنم. 14059- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس: "الحمولة" ، من الإبل والبقر= و "فرشًا" . المعز والضأن. 14060- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ومن الأنعام حمولة وفرشًا) ، قال: أما "الحمولة" ، فالإبل والبقر. قال: وأما "الفرش" ، فالغنم. 14061- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، كان غير الحسن يقول: "الحمولة" ، الإبل والبقر، و "الفرش" ، الغنم. 14062- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، ![]()
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (645) صــ 181 إلى صــ 190 حدثنا أسباط، عن السدي: (ومن الأنعام حمولة وفرشًا) ، أما "الحمولة" ، فالإبل. وأما "الفرش" ، فالفُصْلان والعَجَاجيل والغنم. (1) وما حمل عليه فهو "حمولة" . 14063- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (حمولة وفرشًا) ، "الحمولة" ، الإبل، و "الفرش" ، الغنم. 14064- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن: (وفرشًا) ، قال: "الفرش" ، الغنم. 14065- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (حمولة وفرشًا) قال: "الحمولة" ، ما تركبون، و "الفرش" ، ما تأكلون وتحلبون، شاة لا تحمل، تأكلون لحمها، وتتخذون من أصوافها لحافًا وفرشًا. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن "الحمولة" ، هي ما حمل من الأنعام، لأن ذلك من صفتها إذا حملت، لا أنه اسم لها، كالإبل والخيل والبغال، فإذا كانت إنما سميت "حمولة" لأنها تحمل، فالواجب أن يكون كل ما حَمَل على ظهره من الأنعام فحمولة. وهي جمع لا واحد لها من لفظها، كالرَّكوبة، و "الجزورة" . وكذلك "الفرش" ، إنما هو صفة لما لطف فقرب من الأرض جسمه، ويقال له: "الفرش" . وأحسبها سميت بذلك تمثيلا لها في استواء أسنانها ولطفها بالفَرْش من الأرض، وهي الأرض المستوية التي يتوطَّؤُها الناس. فأما "الحمولة" ، بضم "الحاء" ، فإنها الأحمال، وهي "الحمول" أيضًا بضم الحاء. * * * (1) (( العجاجيل )) جمع (( عجول )) (بكسر العين، وتشديد الجيم وفتحها، وسكون الواو) وهو (( العجل )) ولد البقر. القول في تأويل قوله: {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: كلوا مما رزقكم الله، أيها المؤمنون، فأحلّ لكم ثمرات حروثكم وغروسكم، ولحوم أنعامكم، إذ حرّم بعض ذلك على أنفسهم المشركون بالله، فجعلوا لله ما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا وللشيطان مثله، فقالوا: "هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا" = (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) ، كما اتبعها باحرُو البحيرة، ومسيِّبو السوائب، فتحرموا على أنفسكم من طيب رزق الله الذي رزقكم ما حرموه، فتطيعوا بذلك الشيطان، وتعصوا به الرحمن، كما:- 14066- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) ، لا تتبعوا طاعته، هي ذنوب لكم، وهي طاعة للخبيث. * * * = إن الشيطان لكم عدو يبغي هلاككم وصدكم عن سبيل ربكم= (مبين) ، قد أبان لكم عدواته، (1) بمناصبته أباكم بالعداوة، حتى أخرجه من الجنة بكيده، وخدَعه حسدًا منه له، (2) وبغيًا عليه. (3) * * * (1) في المطبوعة والمخطوطة: (( أبان لكم عدوانه )) ، وصوابها ما أثبت. (2) في المطبوعة: (( وحسدًا منه )) بالواو، والصواب ما في المخطوطة. (3) انظر تفسير (( خطوات الشيطان )) فيما سلف 2: 300 - 302 / 4: 258. القول في تأويل قوله: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) } قال أبو جعفر: وهذا تقريعٌ من الله جل ثناؤه العادلين به الأوثان من عبدة الأصنام، الذين بحروا البحائر، وسيَّبوا السوائب، ووصلوا الوصائل= وتعليم منه نبيَّه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، الحجةَ عليهم في تحريمهم ما حرموا من ذلك. فقال للمؤمنين به وبرسوله: وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات، ومن الأنعام أنشأ حمولة وفرشًا. ثم بين جل ثناؤه "الحمولة" و "الفرش" ، فقال: (ثمانية أزواج) . * * * وإنما نصب "الثمانية" ، لأنها ترجمة عن "الحمولة" و "الفرش" ، وبدل منها. كأن معنى الكلام: ومن الأنعام أنشأ ثمانية أزواج= فلما قدّم قبل "الثمانية" "الحمولة" و "الفرش" بيّن ذلك بعد فقال: (ثمانية أزواج) ، على ذلك المعنى. * * * (من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) ، فذلك أربعة، لأن كل واحد من الأنثيين من الضأن زوج، فالأنثى منه زوج الذكر، والذكر منه زوج الأنثى، وكذلك ذلك من المعز ومن سائر الحيوان. فلذلك قال جل ثناؤه: (ثمانية أزواج) ، كما قال: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) ، [سورة الذاريات: 49] ، لأن الذَّكر زوج الأنثى، والأنثى زوج الذكر، فهما وإن كانا اثنين فيهما زوجان، كما قال جل ثناؤه: (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) ، [سورة الأعراف: 189] ، وكما قال: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) ، [سورة الأحزاب: 37] ، وكما:- 14067- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك: (من الضان اثنين) ، ذكر وأنثى، (ومن البقر اثنين) ، ذكر وأنثى= (ومن الإبل اثنين) ، ذكر وأنثى. * * * ويقال للاثنين: "هما زوج" ، (1) كما قال لبيد: مِنْ كُلِّ مَحْفُوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّهُ ... زَوْجٌ عَلَيْهِ كِلَّةٌ وَقِرَامُهَا (2) * * * ثم قال لهم: كلوا مما رزقكم الله من هذه الثمار واللحوم، واركبوا هذه الحمولة، أيها المؤمنون، فلا تتبعوا خطوات الشيطان في تحريم ما حرم هؤلاء الجهلة بغير أمري إياهم بذلك. = قل، يا محمد، لهؤلاء الذين حرّموا ما حرموا من الحرث والأنعام اتباعًا للشيطان، من عبدة الأوثان والأصنام الذين زعموا أن الله حرم عليهم ما هم محرمون من ذلك=: آلذكرين حرم ربكم، أيها الكذبة على الله، من الضأن والمعز؟ فإنهم إن ادعوا ذلك وأقرّوا به، كذبوا أنفسهم وأبانوا جهلهم. لأنهم إذا قالوا: "يحرم الذكرين من ذلك" ، أوجبوا تحريم كل ذكرين من ولد الضأن والمعز، وهم يستمتعون بلحوم الذكران منها وظهورها. وفي ذلك فساد دعواهم وتكذيب قولهم = (أم الأنثيين) ، فإنهم إن قالوا: "حرم ربنا الأنثيين" ، أوجبوا تحريم لحوم كل أنثى من ولد الضأن والمعز على أنفسهم وظهورها. وفي ذلك أيضًا تكذيب لهم، ودحض دعواهم أنّ ربهم حرم ذلك عليهم، إذ كانوا يستمتعون بلحوم بعض ذلك وظهوره = (أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) ، يقول: أم حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين، يعني أرحام أنثى الضأن وأنثى المعز، (1) انظر تفسير (( الزوج )) فيما سلف 1: 514 / 2: 446 / 7: 515 / 12: 150. (2) من قصيدته العجيبة المعلقة، وهذا البي في أوائل الشعر، يصف هوادج ظعن الحي. و (( المحفوف )) ، يعني الهودج، حف بالثياب والأنماط. و (( العصى )) ، خشب الهودج، تظلله وتستره الثياب والأنماط. و (( الكلة )) الستر الرقيق. و (( الرقام )) ستر فيه رقم ونقوش وتماثيل. فلذلك قال: "أرحام الأنثيين" ، وفي ذلك أيضًا لو أقرُّوا به فقالوا: "حرم علينا ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين" ، بُطولُ قولهم وبيان كذبهم، لأنهم كانوا يقرّون بإقرارهم بذلك أنّ الله حرّم عليهم ذكور الضأن والمعز وإناثها، أن يأكلوا لحومها أو يركبوا ظهورها، وقد كانوا يستمتعون ببعض ذكورها وإناثها. * * * و "ما" التي في قوله: (أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) ، نصب عطفًا بها على "الأنثيين" . (1) * * * = (نبئوني بعلم) ، يقول: قل لهم: خبروني بعلم ذلك على صحته: أيَّ ذلك حرم ربكم عليكم، وكيف حرم؟ (2) = (إن كنتم صادقين) ، فيما تنحلونه ربكم من دعواكم، وتضيفونه إليه من تحريمكم. * * * وإنما هذا إعلامٌ من الله جل ثناؤه نبيَّه أنّ كل ما قاله هؤلاء المشركون في ذلك وأضافوه إلى الله، فهو كذب على الله، وأنه لم يحرم شيئًا من ذلك، وأنهم إنما اتّبعوا في ذلك خطوات الشيطان، وخالفوا أمره. * * * وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14068- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) الآية، إن كل هذا لم أحرم منه قليلا ولا كثيرًا، ذكرًا ولا أنثى. 14069- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) ، قال: سلهم: (آلذكرين (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 360. (2) انظر تفسير (( النبأ )) ، فيما سلف من فهارس اللغة (نبأ) . حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) ، أي: لم أحرم من هذا شيئًا = (بعلم إن كنتم صادقين) ، فذكر من الإبل والبقر نحو ذلك. 14070- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (ثمانية أزواج) ، في شأن ما نهى الله عنه من البحيرة. 14071- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (ثمانية أزواج) ، قال: هذا في شأن ما نهى الله عنه من البحائر والسُّيَّب = قال ابن جريج يقول: من أين حرمت هذا؟ من قبل الذكرين أم من قبل الأنثيين، أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين؟ وإنها لا تشتمل إلا على ذكر أو أنثى، فمن أين جاء التحريم؟ فأجابوا هم: وجدنا آباءنا كذلك يفعلون. 14072- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين، ومن البقر اثنين ومن الإبل اثنين، يقول: أنزلت لكم ثمانية أزواج من هذا الذي عددت، ذكر وأنثى، فالذكرين حرمت عليكم أم الأنثيين، أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين؟ يقول: أي: ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين، ما تشتمل إلا على ذكر أو أنثى، فما حرمت عليكم ذكرًا ولا أنثى من الثمانية. إنما ذكر هذا من أجل ما حرَّموا من الأنعام. 14073- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن: (أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) ، قال: ما حملت الرَّحم. 14074- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (قل آلذكرين حرم أم الأنثيين) ، قال: هذا لقولهم: (ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا) . قال: وقال ابن زيد في قوله: (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) ، قال: "الأنعام" ، هي الإبل والبقر والضأن والمعز، هذه "الأنعام" التي قال الله: "ثمانية أزواج" . قال: وقال في قوله: (هذه أنعام وحرث حجر) ، نحتجرها على من نريد، وعمن نريد. وقوله: (وأنعام حرمت ظهورها) ، قال: لا يركبها أحد= (وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) ، فقال: (آلذكرين حرم أم الأنثيين) ، أيّ هذين حرم على هؤلاء؟ أي: أن تكون لهؤلاء حِلا وعلى هؤلاء حرامًا. 14075- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) ، يعني: هل تشتمل الرحم إلا على ذكر أو أنثى؟ فهل يحرمون بعضًا ويحلون بعضًا؟ . 14076- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) ، فهذه أربعة أزواج= (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين) ، يقول: لم أحرم شيئًا من ذلك = (نبئوني بعلم إن كنتم صادقين) ، يقول: كله حلال. * * * و "الضأن" جمع لا واحد له من لفظه، وقد يجمع "الضأن" ، "الضَّئين والضِّئين" ، مثل "الشَّعير" و "الشِّعير" ، كما يجمع "العبد" على "عَبيد، وعِبيد" . (1) وأما الواحد من ذكوره فـ "ضائن" ، والأنثى "ضائنة" ، وجمع "الضائنة" "ضوائن" . (1) كل ذلك بفتح الضاد، والشين، والعين = ثم بكسر الضاد، والشين، والعين. وقد نصوا على ذلك في (( الضئين )) و (( الشعير )) ، ولم أوفق إلى العثور على ذلك في (( العبيد )) ، وهو موجود إن شاء الله فيما أذكر. وقالوا: إن كسر (( الضاد )) لغة تميمية. وكذلك "المعز" ، جمع على غير واحد، وكذلك "المعزى" ، وأما "الماعز" ، فجمعه "مواعز" . * * * القول في تأويل قوله: {وَمِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) } قال أبو جعفر: وتأويل قوله: (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) ، نحو تأويل قوله: (من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) ، وهذه أربعة أزواج، على نحو ما بيّنا من الأزواج الأربعة قبلُ من الضأن والمعز، فذلك ثمانية أزواج، كما وصف جل ثناؤه. * * * وأما قوله: (أم كنتم شهداء إذ وصّاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا ليضل الناس بغير علم) ، فإنه أمرٌ من الله جل ثناؤه نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء الجهلة من المشركين الذين قص قصصهم في هذه الآيات التي مضَت. يقول له عز ذكره: قل لهم، يا محمد، أيَّ هذه سألتكم عن تحريمه حرم ربكم عليكم من هذه الأزواج الثمانية؟ فإن أجابوك عن شيء مما سألتهم عنه من ذلك، فقل لهم: أخبرًا قلتم: "إن الله حرم هذا عليكم" ، أخبركم به رسول عن ربكم، أم شهدتم ربكم فرأيتموه فوصَّاكم بهذا الذي تقولون وتزوّرون على الله؟ (1) فإن هذا الذي تقولون من إخباركم عن الله أنه حرام بما تزعمون على ما تزعمون، (1) في المطبوعة: (( وتردون على الله )) ، وفي المخطوطة: (( وتررون )) ، وصواب قراءتها ما أثبت. لا يعلم إلا بوحي من عنده مع رسول يرسله إلى خلقه، أو بسماع منه، فبأي هذين الوجهين علمتم أنّ الله حرم ذلك كذلك، برسول أرسله إليكم، فأنبئوني بعلم إن كنتم صادقين؟ أم شهدتم ربكم فأوصَاكم بذلك، وقال لكم: "حرمت ذلك عليكم" ، فسمعتم تحريمه منه، وعهدَه إليكم بذلك؟ (1) فإنه لم يكن واحدٌ من هذين الأمرين. يقول جل ثناؤه: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا) ، يقول: فمن أشد ظلمًا لنفسه، وأبعد عن الحق ممن تخرَّص على الله قيلَ الكذب، وأضاف إليه تحريم ما لم يحرّم، وتحليل ما لم يحلل (2) = (ليضل الناس بغير علم) ، يقول: ليصدّهم عن سبيله (3) = (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) ، يقول: لا يوفّق الله للرشد من افترى على الله وقال عليه الزُّور والكذب، وأضاف إليه تحريم ما لم يحرّم، كفرًا بالله، وجحودًا لنبوة نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم، (4) كالذي:- 14077- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا) ، الذي تقولون. 14078- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: كانوا يقولون = يعني الذين كانوا يتّخذون البحائر والسوائب =: إن الله أمر بهذا. فقال الله: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا ليضل الناس بغير علم) . * * * (1) انظر تفسير (( شهداء )) فيما سلف من فهارس اللغة (شهد) = وتفسير (( وصى )) فيما سلف 9: 295، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الافتراء )) فيما سلف ص: 153، تعليق: 5، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير (( الضلال )) فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) . (4) انظر تفسير (( الهدى )) فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) . = وتفسير (( الظلم )) فيما سلف منها (ظلم) . القول في تأويل قوله: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء الذين جعلوا لله ممّا ذَرأ من الحرث والأنعام نصيبًا، ولشركائهم من الآلهة والأنداد مثله = والقائلين هذه أنعام وحرث حجرٌ لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم= والمحرّمين من أنعام أُخَر ظهورَها= والتاركين ذكر اسم الله على أُخَر منها= والمحرِّمين بعض ما في بطون بعض أنعامهم على إناثهم وأزواجهم، ومحلِّيه لذكورهم، المحرّمين ما رزقهم الله افتراءً على الله، وإضافةً منهم ما يحرمون من ذلك إلى أنَّ الله هو الذي حرّمه عليهم=: أجاءكم من الله رسولٌ بتحريمه ذلك عليكم، فأنبئونا به، أم وصَّاكم الله بتحريمه مشاهدةً منكم له، فسمعتم منه تحريمه ذلك عليكم فحرمتموه؟ فإنكم كذبة إن ادعيتم ذلك، ولا يمكنكم دعواه، لأنكم إذا ادّعيتموه علم الناس كذبكم= فإني لا أجد فيما أوحي إليّ من كتابه وآي تنزيله، (1) شيئًا محرَّمًا على آكل يأكله مما تذكرون أنه حرمه من هذه الأنعام التي تصفون تحريمَ ما حَرّم عليكم منها بزعمكم (2) = "إلا أن يكون ميتة" ، قد ماتت بغير تذكية = "أو دمًا مسفوحًا" ، وهو المُنْصَبّ = أو إلا أن يكون لحم خنزير = (فإنه رجس أو فسقًا) ، يقول: أو إلا أن يكون فسقًا، يعني بذلك: أو إلا أن يكون مذبوحًا ذبحه ذابحٌ من المشركين من عبدة الأوثان لصنمه وآلهته، فذكر (1) انظر تفسير (( الوحي) فيما سلف من فهارس اللغة (وحي) . (2) انظر تفسير (( طعم )) فيما سلف 5: 342 / 10: 576. ![]()
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (646) صــ 191 إلى صــ 200 عليه اسم وثنه، فإن ذلك الذبح فسقٌ نهى الله عنه وحرّمه، ونهى من آمن به عن أكل ما ذبح كذلك، لأنه ميتة. * * * وهذا إعلام من الله جل ثناؤه للمشركين الذين جادلوا نبيَّ الله وأصحابه في تحريم الميتة بما جادَلوهم به، أن الذي جادلوهم فيه من ذلك هو الحرام الذي حرّمه الله، وأن الذي زعموا أنّ الله حرمه حلالٌ قد أحلَّه الله، وأنهم كذبة في إضافتهم تحريمه إلى الله. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14079- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه في قوله: (قل لا أجد فيما أوحي إليَّ محرمًا) قال: كان أهل الجاهلية يحرِّمون أشياء ويحلِّون أشياء، فقال: قل لا أجد مما كنتم تحرمون وتستحلُّون إلا هذا: (إلا أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقًا أهل لغير الله به) . 14080- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه في قوله: (قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرَّمًا) الآية، قال: كان أهل الجاهلية يستحلّون أشياء ويحرّمون أشياء، فقال الله لنبيه: قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرمًا مما كنتم تستحلون إلا هذا = وكانت أشياء يحرِّمونها، فهي حرام الآن. 14081- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرمًا على طاعم يطعمه) ، قال: ما يؤكل. قلت: في الجاهلية؟ قال: نعم! وكذلك كان يقول: (إلا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا) = قال ابن جريج: وأخبرني إبراهيم بن أبي بكر، عن مجاهد: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرمًا) ، قال: مما كان في الجاهلية يأكلون، لا أجد محرمًا من ذلك على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا. * * * وأما قوله: (أو دمًا مسفوحًا) ، فإن معناه: أو دمًا مُسَالا مُهَرَاقًا. يقال منه: "سفحت دمه" ، إذا أرقته، أسفحه سَفْحًا، فهو دم مسفوح "، كما قال طرفة بن العبد:" إِنِّي وَجدِّكَ مَا هَجَوْتُكَ وَالْ ... أَنْصَابِ يَسْفَحُ فَوْقَهُنَّ دَمُ (1) وكما قال عَبِيد بن الأبرص: إذَا مَا عَادَهُ مِنْهَا نِسَاءٌ ... سَفَحْنَ الدَّمْعَ مِنْ بَعْدِ الرَّنِينِ (2) (1) ديوان الستة الجاهليين: 347، من ثلاثة أبيات يعتذر بها إلى عمرو بن هند، حين بلغه أنه هجاه، فتوعده، يقول بعده: وَلَقَدْ هَمَمْتُ بِذَاكَ، إِذْ حُبِسَتْ ... وَأُمِرَّ دُونَ عَبِيدةَ الوَذَمُ أَخْشَى عِقَابَكَ إِنْ قَدَرْتَ، وَلَمْ ... أَغْدِرْ فَيُؤْثَرَ بَيْنَنَا الكلِمُ (2) ديوانه: 45، وكان في المطبوعة والمخطوطة: (( منا نساء )) ، وهو خطأ لا شك فيه، صوابه ما في الديوان، وهو من قصيدته التي لام فيها امرأته لما أعرضت عنه لما كبر وشاب، ومطت له حاجبيها استهزاء به، فذكرها به، فذكرها بما كان من ماضيه في اللهو والصبا والحرب، فكان مما ذكرها به من ذلك شأنه في الحرب، فقال: وَأَسْمَرَ قد نَصَبْتُ لِذي سَناءِ ... يَرَى مِنّي مُخَالَطَةَ اليَقِينِ يُحَاوِلُ أَنْ يَقُومَ، وقَدْ مَضَتْهُ ... مغابنةٌ بِذِي خُرْصٍ قَتِينِ إذَا مَا عَادَهُ مِنْهَا نِسَاءٌ ... سَفَحْنَ الدَّمْعَ من بعد الرَّنِينِ (( أسمر )) يعني رمحًا، طعن به فارسًا ذا سناء وشرف، فخالطه به مخالطة اليقين. فلما طعنه حاول أن يقوم، وقد (( مضته )) ، أي: نفذت فيه طعنة (( مغابنة )) ، تخيط لحمه وتغبنه كما يغبن الثوب، برمح (( ذي خرص )) أي سنان، (( قتين )) ، أي: محدد الرأس. فإذا عاده النساء من هذه الطعنة، صحن صياح الحزن، وذلك هو (( الرنين )) ، من هول ما رأين من أثر الطعنة، ثم سفحن الدمع لما يئسن ومن شفائه. يعني: صببن، وأسلنَ الدمع. * * * وفي اشتراطه جل ثناؤه في الدم عند إعلامه عبادَه تحريمه إياه، المسفوحَ منه دون غيره، الدليلُ الواضح أنَّ ما لم يكن منه مسفوحًا، فحلال غير نجس. (1) وذلك كالذي:- 14082- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة: (أو دما مسفوحًا) ، قال: لولا هذه الآية لتتبَّع المسلمون من العروق ما تتبعتِ اليهود. 14083- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة بنحوه = إلا أنه قال: لا تَّبَع المسلمون. 14084- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، بنحوه. 14085- حدثنا أبو كريب قال، أخبرنا وكيع، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز، في القِدْر يعلوها الحمرة من الدم. قال: إنما حرم الله الدمَ المسفوحَ. 14086- حدثنا المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز قال: سألته عن الدم وما يتلطَّخ بالمذْبح من الرأس، وعن القدر يرى فيها الحُمرة؟ قال: إنما نهى الله عن الدم المسفوح. 14087- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أو دمًا مسفوحًا) ، قال: حُرِّم الدم ما كان مسفوحًا; وأما لحم خالطه دم، فلا بأس به. (1) السياق: (( وفي اشتراطه ... المسفوح منه ... الدليل الواضح )) . 14088- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرمًا على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا) ، يعني: مُهَراقًا. 14089- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، أخبرني ابن دينار، عن عكرمة: (أو دمًا مسفوحًا) ، قال: لولا هذه الآية لتتبع المسلمون عروق اللحم كما تتبعها اليهود. 14090- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة: أنها كانت لا ترى بلحوم السباع بأسًا، والحمرةِ والدم يكونان على القدر بأسًا، وقرأت هذه الآية: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرمًا على طاعم يطعمه) ... الآية. (1) 14091- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن سعيد، قال حدثني القاسم بن محمد، عن عائشة قالت، وذكرت هذه الآية: (أو دمًا مسفوحًا) ، قلت: وإن البرمة ليرى في مائها [من] الصفرة. (2) * * * وقد بينا معنى "الرجس" ، فيما مضى من كتابنا هذا، وأنه النجس والنتن، وما يُعْصى الله به، بشواهده، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع. (3) (1) الأثر: 14090 - قال ابن كثير في تفسيره 3: 415، وذكر هذا الأثر، (( صحيح غريب )) . (2) الأثر: 14091 - هذا أثر مبتور لا شك في ذلك، يبينه الذي قبله، فهو إسناد آخر له. وكان في المطبوعة: (( ليرى في مائها الصفرة )) ، حذف (( ما )) التي قبل (( في مائها )) ، وهي ثابتة في المخطوطة، وزدت ما بين القوسين، لتستقيم العبارة. ولم أجد الخبر في مكان آخر بلفظه هذا. (3) انظر تفسير (( الرجس )) فيما سلف 10: 564، 565 / 12: 110 - 112. وكذلك القول في معنى "الفسق" = وفي قوله: (أهل لغير الله به) ، قد مضى ذلك كله بشواهده الكافية من وفِّق لفهمه، عن تكراره وإعادته. (1) * * * قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله: (إلا أنْ يكون ميتة) . فقرأ ذلك بعض قرأة أهل المدينة والكوفة والبصرة: (إِلا أَنْ يَكُونَ) ، بالياء (مَيْتَةً) مخففة الياء منصوبة، = على أن في "يكون" مجهولا و "الميتة" فعل له، (2) فنصبت على أنها فعل "يكون" ، وذكروا "يكون" ، لتذكير المضمر في "يكون" . * * * وقرأ ذلك بعض قرأة أهل مكة والكوفة: "إلا أَنْ تَكُونَ" ، بالتاء "مَيْتَةً" ، بتخفيف الياء من "الميتة" ونصبها = وكأن معنى نصبهم "الميتة" معنى الأولين، وأنثوا "تكون" لتأنيث الميتة، كما يقال: "إنها قائمة جَارِيتُك" ، و "إنه قائم جاريتك" ، فيذكر المجهول مرة ويؤنث أخرى، لتأنيث الاسم الذي بعده. * * * وقرأ ذلك بعض المدنيين: "إلا أَنْ تَكُونَ مَيِّتَةٌ" ، بالتاء في "تكون" ، وتشديد الياء من "ميتة" ورفعها= فجعل "الميتة" اسم "تكون" ، وأنث "تكون" لتأنيث "الميتة" ، وجعل "تكون" مكتفية بالاسم دون الفعل، لأن قوله: "إلا أن تكون ميتة" استثناء، والعرب تكتفي في الاستثناء بالأسماء عن الأفعال، فيقولون: "قام الناس إلا أن يكون أخاك" ، و "إلا أن يكون أخوك" ، فلا تأتي لـ "يكون" ، بفعل، وتجعلها مستغنية بالاسم، كما يقال: "قام القوم إلا أخاك" (1) انظر تفسير (( الفسق )) فيما سلف ص: 76، تعليق: 2، والمراجع هناك. = وتفسير (( أهل لغير الله به )) فيما سلف 3: 319 - 321 / 9: 493. (2) (( الفعل )) هنا، خبر المبتدأ، وهو اصطلاح قديم كما ترى، وتفسيره أن خبر المبتدأ كأنه فعل له. تقول: (( محمد قائم )) ، تفسيره أن محمدا فعل القيام، وهو اصطلاح كوفي. و "إلا أخوك" ، (1) فلا يفتقد الاسم الذي بعد حرف الاستثناء فعلا. (2) * * * قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندي: (إِلا أَنْ يَكُونَ) بـ "الياء" (مَيْتَةً) ، بتخفيف الياء ونصب "الميتة" ، لأن الذي في "يكون" من المكنى من ذكر المذكر (3) = وإنما هو: قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرمًا على طاعم يطعمه إلا أن يكون ذلك ميتةً أو دمًا مسفوحًا. * * * فأما قراءة "ميتة" بالرفع، فإنه، وإن كان في العربية غير خطأ، فإنه في القراءة في هذا الموضع غيرُ صواب. لأن الله يقول: (أو دمًا مسفوحًا) ، فلا خلاف بين الجميع في قراءة "الدم" بالنصب، وكذلك هو في مصاحف المسلمين، وهو عطف على "الميتة" . فإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن "الميتة" لو كانت مرفوعة، لكان "الدم" ، وقوله "أو فسقًا" ، مرفوعين، ولكنها منصوبة، فيعطف بهما عليها بالنصب. * * * (1) انظر معاني القرآن 1: 360 - 363، وقد استوفى هذا الباب هناك. (2) في المطبوعة والمخطوطة: (( فلا يعتد الاسم الذي بعد حرف الاستثناء نفلا )) و (( نفلا )) في المخطوطة غير منقوطة، وهذه عبارة لا معنى لها، صوابها إن شاء الله ما أثبت. (( افتقد الشيء )) تطلبه وقوله: (( فعلا )) هو (( خبر المبتدأ )) ، كما فسرته في التعليق السالف صلى الله عليه وسلم: 195، تعليق 2، واستظهرت صواب قراءتها كذلك من كلام الفراء إذ يقول في معاني القرآن 1: 361: (( ومن رفع (الميتة) جعل (يكون) فعلا لها، اكتفى بيكون بلا فعل. وكذلك (يكون) في كل الاستثناء لا تحتاج إلى فعل ... )) فقوله: (( لا تحتاج إلى فعل )) ، هو معنى ما أثبته (( لا يفتقد الاسم الذي بعد حرف الاستثناء فعلا )) . (3) انظر تفسير (( الميتة )) فيما سلف، وتخفيف يائها وتشديدها فيما سلف 3: 318، 319 / 6: 310 / 9: 492. القول في تأويل قوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) } قال أبو جعفر: وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) ، والصواب من القول فيه عندنا فيما مضى من كتابنا هذا، في "سورة" البقرة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع (1) = وأن معناه: فمن اضطر إلى أكلِ ما حرَّم الله من أكل الميتة والدم المسفوح أو لحم الخنزير، أو ما أهل لغير الله به، غير باغ في أكله إيّاه تلذذًا، لا لضرورة حالة من الجوع، ولا عادٍ في أكله بتجاوزه ما حدَّه الله وأباحه له من أكله، وذلك أن يأكل منه ما يدفع عنه الخوف على نفسه بترك أكله من الهلاك، لم يتجاوز ذلك إلى أكثر منه، فلا حرج عليه في أكله ما أكل من ذلك = (فإنّ الله غفور) ، فيما فعل من ذلك، فساتر عليه بتركه عقوبته عليه، ولو شاء عاقبه عليه = (رحيم) ، بإباحته إياه أكل ذلك عند حاجته إليه، ولو شاء حرَّمه عليه ومنعه منه. * * * (1) انظر تفسير ذلك فيما سلف 3: 321 - 327، وتفسير ألفاظ الآية فيما سلف من فهارس اللغة. القول في تأويل قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وحرّمنا على اليهود (1) = "كل ذي ظفر" ، وهو من البهائم والطير ما لم يكن مشقُوق الأصابع، كالإبل والنَّعام والإوز والبط. * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14092- حدثني المثنى، وعلي بن داود قالا حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) ، وهو البعير والنعامة. 14093- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) ، قال: البعير والنعامة ونحو ذلك من الدوابّ. 4094- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عطاء، عن سعيد: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) ، قال: هو الذي ليس بمنفرج الأصابع. 14095- حدثني علي بن الحسين الأزدي قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن شريك، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير في قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) ، قال: كل شيء متفرق الأصابع، ومنه الديك. (2) (1) انظر تفسير (( هاد )) فيما سلف 10: 476، تعليق: 1 والمراجع هناك. (2) قوله: (( كل شيء متفرق الأصابع، ومنه الديك )) ، هكذا هو في المخطوطة، والذي تبادر إلى ذهن من نشر التفسير قبل، أن صوابه (( غير متفرق الأصابع )) ، ليطابق ما قبله وما بعده. ولكني وجدت ابن كثير في تفسيره 3: 417، يقول: (( وفي رواية عنه: (( كل متفرق الأصابع، ومنه الديك )) ، فلذلك رجحت صواب ما في المخطوطة والمطبوعة. 14096- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: (كل ذي ظفر) ، النعامة والبعير. 14097- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، مثله. 14098- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) ، فكان يقال: البعير والنعامة وأشباهه من الطير والحيتان. 14098- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: (كل ذي ظفر) ، قال: الإبل والنعام، ظفر يد البعير ورجله، والنعام أيضًا كذلك، وحرم عليهم أيضًا من الطير البط وشبهه، وكل شيء ليس بمشقوق الأصابع. 14099- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "أما كل ذي ظفر" ، فالإبل والنعام. 14100- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا شيخ، عن مجاهد في قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) ، قال: النعامة والبعير، شقًّا شقًّا، قال قلت: "ما شقًّا شقًّا" ؟ قال: كل ما لم تفرج قوائمه لم يأكله اليهود، البعيرُ والنعامة. والدجاج والعصافير تأكلها اليهود، لأنها قد فُرِجت. 14101- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (كل ذي ظفر) ، قال: النعامة والبعير، شقًّا شقًّا. قلت للقاسم بن أبي بزة وحدثنيه: ما "شقًّا شقًّا" ؟ قال: كل شيء لم يفرج من قوائم البهائم. قال: وما انفرج أكلته اليهود. قال: انفرجت قوائم الدجاج والعصافير، فيهود تأكلها. قال: ولم تنفرج قائمة البعير، خفّه، ولا خف النعامة، ولا قائمة الوَزِّينة، (1) فلا تأكل اليهود الإبل ولا النعام ولا الوزِّين، ولا كل شيء لم تنفرج قائمته، وكذلك لا تأكل حمار وحش. * * * وكان ابن زيد يقول في ذلك بما:- 14102- حدثني به يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) ، الإبل قطْ. (2) * * * قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، القول الذي ذكرنا عن ابن عباس ومن قال بمثل مقالته؛ لأن الله جل ثناؤه أخبر أنه حرم على اليهود كل ذي ظفر، فغير جائز إخراج شيء من عموم هذا الخبر إلا ما أجمع أهل العلم أنه خارج منه. وإذا كان ذلك كذلك، وكان النعام وكل ما لم يكن من البهائم والطير مما له ظفر غير منفرج الأصابع داخلا في ظاهر التنزيل، وجب أن يحكم له بأنه داخل في الخبر، إذ لم يأت بأن بعض ذلك غير داخلٍ في الآية، خبرٌ عن الله ولا عن رسوله، وكانت الأمة أكثرها مجمع على أنه فيه داخل. * * * (1) (( الوزينة )) (بفتح الواو، وتشديد الزاي مكسورة) ، هي الإوزة، وجمعها (( الوزين )) ، مثلها في الوزن بغير هاء. (2) في المطبوعة: (( فقط )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو محض صواب. يقال: (( ماله إلى عشرة قط )) (بفتح وسكون الطاء) و (( قط )) (بتشديد الطاء وكسرها) ، بمعنى: أي، ولا يزيد على ذلك، بمعنى (( حسب )) .
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (647) صــ 201 إلى صــ 210 القول في تأويل قوله: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في "الشحوم" التي أخبر الله تعالى ذكره: أنه حرمها على اليهود من البقر والغنم. فقال بعضهم: هي شحوم الثُّروب خاصة. (1) * ذكر من قال ذلك: 14103- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما) ، الثروب. ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: قاتل الله اليهود، حرم الله عليهم الثروب ثم أكلوا أثمانها! (2) * * * وقال آخرون: بل ذلك كان كل شحم لم يكن مختلطًا بعظم ولا على عظم. * ذكر من قال ذلك: 14104- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: (حرمنا عليهم شحومهما) ، قال: إنما حرم عليهم الثرب، وكل شحم كان كذلك ليس في عظم. * * * وقال آخرون: بل ذلك شحم الثرب والكُلَى. * ذكر من قال ذلك: 14105- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، (1) (( الثروب )) جمع (( ثرب )) (بفتح فسكون) ، وهو شحم رقيق يغشى الكرش والأمعاء. (2) الأثر: 14103 - الخبر الذي رواه قتادة مرسلا، رواه البخاري بإسناده مرفوعًا (الفتح 4: 344، 345) . بنحوه، ورواه الجماعة. انظر التعليق التالي. حدثنا أسباط، عن السدي قوله: (حرمنا عليهم شحومهما) ، قال: الثرب وشحم الكليتين. وكانت اليهود تقول: إنما حرَّمه إسرائيل، فنحن نحرّمه. 14106- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (حرمنا عليهم شحومهما) ، قال: إنما حرم عليهم الثروب والكليتين = هكذا هو في كتابي عن يونس، وأنا أحسب أنه: "الكُلَى" . * * * قال أبو جعفر: والصواب في ذلك من القول أن يقال: إن الله أخبر أنه كان حرم على اليهود من البقر والغنم شحومهما، إلا ما استثناه منها مما حملت ظهورهما أو الحَوَايا أو ما اختلط بعظم. فكل شحم سوى ما استثناه الله في كتابه من البقر والغنم، فإنه كان محرمًا عليهم. وبنحو ذلك من القول تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك قوله: "قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها" . (1) * * * وأما قوله: (إلا ما حملت ظهورهما) ، فإنه يعني: إلا شحوم الجَنْب وما علق بالظهر، فإنها لم تحرَّم عليهم. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14107- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (إلا ما حملت ظهورهما) ، يعني: ما علق بالظهر من الشحوم. 14108- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، (1) رواه الجماعة، انظر (الفتح 4: 344، 345) ز و (( جمل الشحم )) : أذابه واستخرج ودكه. و (( الجميل )) الشحم المذاب. حدثنا أسباط، عن السدي: أمّا "ما حملت ظهورهما" ، فالألْيات. 14108م - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن إسماعيل، عن أبي صالح قال: الألية، مما حملت ظهورهما. * * * القول في تأويل قوله: {أَوِ الْحَوَايَا} قال أبو جعفر: و "الحوايا" جمع، واحدها "حاوِياء" ، و "حاوية" ، و "حَوِيَّة" ، وهي ما تحوَّى من البطن فاجتمع واستدار، وهي بنات اللبن، وهي "المباعر" ، وتسمى "المرابض" ، وفيها الأمعاء. (1) * * * ومعنى الكلام: ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما، إلا ما حملت ظهورهما، أو ما حملت الحوايا = فـ "الحوايا" ، رفع، عطفًا على "الظهور" ، و "ما" التي بعد "إلا" ، نصبٌ على الاستثناء من "الشحوم" . (2) * * * وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14109- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (أو الحوايا) ، وهي المبعر. 14110- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (أو الحوايا) ، قال: المبعر. (1) (( الربض )) (بفتحتين) و (( المربض )) (بفتح الميم، وفتح الباء أو كسرها) ، و (( الربيض )) مجتمع الحوايا، أو ما تحوى من مصارين البطن. و (( بنات اللبن )) : ما صغر من الأمعاء. وانظر الأثر التالي رقم: 14121. (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 363. 14111- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "الحوايا" ، المبعر والمرْبَض. 14112- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أو الحوايا) ، قال: المبعر. 14113- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: (أو الحوايا) ، قال: المباعر. 14114- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: (أو الحوايا) ، قال: المباعر. 14115- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (أو الحوايا) ، قال: المبعر. 14116- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أو الحوايا) ، قال: المبعر. 14117- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة والمحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: المبعر. 14118- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (أو الحوايا) ، يعني: البطون غير الثروب. 14119- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (أو الحوايا) ، هو المبعر. 14120- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (أو الحوايا) ، قال: المباعر. * * * وقال ابن زيد في ذلك ما:- 14121- حدثني به يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (أو الحوايا) ، قال: "الحوايا" ، المرابض التي تكون فيها الأمعاء، تكون وسطها، وهي "بنات اللبن" ، وهي في كلام العرب تدعى "المرابض" . * * * القول في تأويل قوله: {أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن البقر والغنم حرمنا على الذين هادوا شحومهما، سوى ما حملت ظهورهما، أو ما حملت حواياهما، فإنا أحللنا ذلك لهم، وإلا ما اختلط بعظم، فهو لهم أيضًا حلال. * * * فردّ قوله: (أو ما اختلط بعظم) ، على قوله: (إلا ما حملت ظهورهما) فـ "ما" التي في قوله: (أو ما اختلط بعظم) ، في موضع نصب عطفًا على "ما" التي في قوله: (إلا ما حملت ظهورهما) . (1) * * * وعنى بقوله: (أو ما اختلط بعظم) ، شحم الألية والجنب، وما أشبه ذلك، كما:- 14122- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (أو ما اختلط بعظم) ، قال: شحم الألية بالعُصْعُص، (2) فهو حلال. وكل شيء في القوائم والجنب والرأس والعين قد اختلط بعظم، فهو حلال. 14123- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (أو ما اختلط بعظم) ، مما كان من شحم على عظم. * * * (1) انظر معاني القرآن 1: 363. (2) (( العصعص )) ، وهو عظم عجب الذنب. القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فهذا الذي حرمنا على الذين هادوا من الأنعام والطير، ذوات الأظافير غير المنفرجة، ومن البقر والغنم، ما حرمنا عليهم من شحومهما، الذي ذكرنا في هذه الآية، حرمناه عليهم عقوبة منّا لهم، وثوابًا على أعمالهم السيئة، وبغيهم على ربهم، (1) كما:- 14124- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون) ، إنما حرم ذلك عليهم عقوبة ببغيهم. 14125- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ذلك جزيناهم ببنيهم) ، فعلنا ذلك بهم ببغيهم. * * * وقوله: (وإنا لصادقون) ، يقول: وإنا لصادقون في خبرنا هذا عن هؤلاء اليهود عما حرمنا عليهم من الشحوم ولحوم الأنعام والطير التي ذكرنا أنّا حرمنا عليهم، وفي غير ذلك من أخبارنا، وهم الكاذبون في زعمهم أن ذلك إنما حرمه إسرائيل على نفسه، وأنهم إنما حرموه لتحريم إسرائيل إياه على نفسه. * * * (1) انظر تفسير (( جزى )) فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) . = وتفسير (( البغي )) فيما سلف 2: 342 / 4: 281 / 6: 276. القول في تأويل قوله: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فإن كذبك، يا محمد، (1) هؤلاء اليهود فيما أخبرناك أنا حرمنا عليهم وحللنا لهم، كما بينا في هذه (1) في المطبوعة: (( كذبوك )) والصواب من المخطوطة. الآية= "فقل ربكم ذو رحمة" ، بنا، وبمن كان به مؤمنًا من عباده، ويغيرهم من خلقه= "واسعة" ، تسع جميع خلقه، (1) المحسنَ والمسيء، لا يعاجل من كفر به بالعقوبة، ولا من عصاه بالنِّقمة، ولا يدع كرامة من آمن به وأطاعه، ولا يحرمه ثواب عمله، رحمة منه بكلا الفريقين، ولكن بأسه= وذلك سطوته وعذابه (2) = لا يردّه إذا أحله عند غضبه على المجرمين بهم عنهم شيء = و "المجرمون" هم الذين أجرَموا فاكتسبوا الذنوب واجترحوا السيئات. (3) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14126- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فإن كذبوك) ، اليهود. 14127- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فإن كذبوك) ، اليهود= (فقل ربكم ذو رحمة واسعة) . 14128- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال، كانت اليهود يقولون: إنما حرّمه إسرائيل = يعني: الثَّرْب وشحم الكليتين = فنحن نحرمه، فذلك قوله: (فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يردّ بأسه عن القوم المجرمين) . * * * (1) انظر تفسير (( واسع )) فيما سلف 11: 489، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( البأس )) فيما سلف 11: 357، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير (( المجرم )) فيما سلف ص: 93. القول في تأويل قوله: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: (سيقول الذين أشركوا) ، وهم العادلون بالله الأوثان والأصنام من مشركي قريش= (لو شاء الله ما أشركنا) ، يقول: قالوا احتجازًا من الإذعان للحق بالباطل من الحجة، لما تبين لهم الحق، وعلموا باطل ما كانوا عليه مقيمين من شركهم، وتحريمهم ما كانوا يحرّمون من الحروث والأنعام، على ما قد بيَّن تعالى ذكره في الآيات الماضية قبل ذلك: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا) ، وما بعد ذلك: لو أراد الله منا الإيمان به، وإفراده بالعبادة دون الأوثان والآلهة، وتحليل ما حرم من البحائر والسوائب وغير ذلك من أموالنا، ما جعلنا لله شريكًا، ولا جعل ذلك له آباؤنا من قبلنا، ولا حرمنا ما نحرمه من هذه الأشياء التي نحن على تحريمها مقيمون، لأنه قادر على أن يحول بيننا وبين ذلك، حتى لا يكون لنا إلى فعل شيء من ذلك سبيل: إما بأن يضطرنا إلى الإيمان وترك الشرك به، وإلى القول بتحليل ما حرمنا= وأما بأن يلطف بنا بتوفيقه، فنصير إلى الإقرار بوحدانيته، وترك عبادة ما دونه من الأنداد والأصنام، وإلى تحليل ما حرمنا، ولكنه رضي منا ما نحن عليه من عبادة الأوثان والأصنام، واتخاذ الشريك له في العبادة والأنداد، وأراد ما نحرّم من الحروث والأنعام، فلم يَحُلْ بيننا وبين ما نحن عليه من ذلك. قال الله مكذبًا لهم في قيلهم: "إن الله رضي منا ما نحن عليه من الشرك، وتحريم ما نحرّم" = ورادًّا عليهم باطلَ ما احتجوا به من حجتهم في ذلك= (كذلك كذب الذين من قبلهم) ، يقول: كما كذب هؤلاء المشركون، يا محمد، ما جئتهم به من الحق والبيان، كذب من قبلهم من فسقة الأمم الذين طَغَوا على ربهم ما جاءتهم به أنبياؤهم من آيات الله وواضح حججه، وردُّوا عليهم نصائحهم = (حتى ذاقوا بأسنا) ، يقول: حتى أسخطونا فغضبنا عليهم، فأحللنا بهم بأسنا فذاقوه، فعطبوا بذوقهم إياه، فخابوا وخسروا الدنيا والآخرة. (1) يقول: وهؤلاء الآخرون مسلوك بهم سبيلهم، إن هم لم ينيبوا فيؤمنوا ويصدقوا بما جئتهم به من عند ربهم. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14129- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا) ، وقال: (كذلك كذب الذين من قبلهم) ، ثم قال: (ولو شاء الله ما أشركوا) ، فإنهم قالوا: "عبادتنا الآلهة تقرّبنا إلى الله زلفى" ، فأخبرهم الله أنها لا تقربهم، وقوله: (ولو شاء الله ما أشركوا) ، يقول الله سبحانه: لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين. 14130- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولا حرمنا من شيء) ، قال: قول قريش= يعني: إن الله حرم هذه البحيرة والسائبة. 14131- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولا حرمنا من شيء) ، قولُ قريش بغير يقين: إن الله حرّم هذه البحيرة والسائبة. * * * (1) انظر تفسير (( ذاق )) فيما سلف: 11: 420، تعليق: 1، والمراجع هناك. فإن قال قائل: وما برهانك على أن الله تعالى إنما كذب من قيل هؤلاء المشركين قولهم: "رضي الله منا عبادة الأوثان، وارأد منا تحريم ما حرمنا من الحروث والأنعام" ، دون أن يكون تكذيبه إياهم كان على قولهم: (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) ، وعلى وصفهم إياه بأنه قد شاء شركهم وشرك آبائهم، وتحريمهم ما كانوا يحرمون؟ قيل له: الدلالة على ذلك قوله: (كذلك كذب الذين من قبلهم) ، فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم سلكوا في تكذيبهم نبيهم محمدًا صلى الله عليه وسلم فيما آتاهم به من عند الله = من النهي عن عبادة شيء غير الله تعالى ذكره، وتحريم غير ما حرّم الله في كتابه وعلى لسان رسوله = مسلكَ أسلافهم من الأمم الخالية المكذبة اللهَ ورسولَه. والتكذيبُ منهم إنما كان لمكذَّب، ولو كان ذلك خبرًا من الله عن كذبهم في قيلهم: (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا) ، لقال: "كذلك كذَبَ الذين من قبلهم" ، بتخفيف "الذال" ، وكان ينسبهم في قيلهم ذلك إلى الكذب على الله، لا إلى التكذيب = مع علل كثيرة يطول بذكرها الكتاب، وفيما ذكرنا كفاية لمن وُفِّق لفهمه. * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ (148) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام، المحرِّمين ما هم له محرِّمون من الحُروث والأنعام، القائلين: (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) ، ولكنه رضي منا ما نحن عليه من الشرك وتحريم ما نحرم: "هل عندكم" ، ![]()
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (648) صــ 211 إلى صــ 220 = بدعواكم ما تدعون على الله من رضاه بإشراككم في عبادته ما تشركون، وتحريمكم من أموالكم ما تحرمون = علمُ يقينٍ من خبر مَنْ يقطع خبره العذر، أو حجة توجب لنا اليقين، من العلم = "فتخرجوه لنا" ، يقول: فتظهروا ذلك لنا وتبينوه، كما بينا لكم مواضع خطأ قولكم وفعلكم، وتناقض ذلك واستحالته في المعقول والمسموع (1) = (إن تتبعون إلا الظن) ، يقولُ له: قل لهم: إن تقولون ما تقولون، أيها المشركون، وتعبدون من الأوثان والأصنام ما تعبدون، وتحرمون من الحروث والأنعام ما تحرّمون، إلا ظنًّا وحسبانًا أنه حق، وأنكم على حق، وهو باطلٌ، وأنتم على باطل = (وإن أنتم إلا تخرصون) ، يقول: "وإن أنتم" ، وما أنتم في ذلك كله = "إلا تخرصون" ، يقول: إلا تتقوّلون الباطل على الله، ظنًّا بغير يقين علم ولا برهان واضح. (2) * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام، القائلين على ربهم الكذبَ، في تحريمهم ما حرموا من الحروث والأنعام، إن عجزوا عن إقامة الحجة عند قيلك لهم: "هل عندكم من علم بما تدعون على ربكم فتخرجوه لنا" ، وعن إخراج علم ذلك لك وإظهاره، وهم لا شك عن ذلك عَجَزَة، وعن إظهاره مقصرون، لأنه باطل لا حقيقة له = (فلله) ، الذي حرم عليكم أن تشركوا به شيئًا، وأن تتبعوا (1) انظر تفسير (( الإخراج )) فيما سلف 2: 228. (2) انظر تفسير (( التخرص )) فيما سلف ص 65. خطوات الشيطان في أموالكم من الحروث والأنعام = (الحجة البالغة) ، دونكم أيها المشركون. ويعني بـ "البالغة" ، أنها تبلغ مراده في ثبوتها على مَنْ احتج بها عليه من خلقه، وقَطْعِ عُذْرِه إذا انتهت إليه فيما جُعِلت حجة فيه. * * * = (فلو شاء لهداكم أجمعين) ، يقول: فلو شاء ربكم لوفَّقكم أجمعين للإجماع على إفراده بالعبادة، والبراءة من الأنداد والآلهة، والدينونة بتحريم ما حرم الله وتحليل ما حلله الله، وترك اتباع خطوات الشيطان، وغير ذلك من طاعاته، ولكنه لم يشأ ذلك، فخالف بين خلقه فيما شاء منهم، فمنهم كافر ومنهم مؤمن. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14132- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس قال، لا حجة لأحد عصَى الله، ولكن لله الحجة البالغة على عباده. وقال: (فلو شاء لهداكم أجمعين) ، قال: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [سورة الأنبياء: 23] . * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء المفترين على ربهم من عبدة الأوثان، الزاعمين أنّ الله حرم عليهم ما هم محرموه من حروثهم وأنعامهم = (هلم شهداءكم) ، يقول: هاتوا شهداءكم الذين يشهدون على الله أنه حرم عليكم ما تزعمون أنه حرمه عليكم. (1) * * * وأهل العالية من تهامة توحِّد "هلم" في الواحد والاثنين والجميع، وتذكر في المؤنث والمذكر، فتقول للواحد: "هلم يا فلان" ، وللاثنين والجميع كذلك، وللأنثى مثله، ومنه قول الأعشى: وَكَانَ دَعَا قَوْمَهُ دَعْوَةً ... هَلُمَّ إلَى أَمْرِكُمْ قَدْ صُرِمْ (2) ينشد: "هلم" ، و "هلموا" . وأما أهل السافلة من نجد، فإنهم يوحِّدون للواحد، ويثنُّون للاثنين، ويجمعون للجميع. فيقال للواحد من الرجال: "هلم" وللواحدة من النساء: "هلمي" ، وللاثنين: "هلما" ، وللجماعة من الرجال: "هلموا" ، وللنساء: "هَلْمُمْنَ" . (3) * * * قال الله لنبيه: (فإن شهدوا) ، يقول: يا محمد، فإن جاءوك بشهداء يشهدون أن الله حَرَّم ما يزعمون أن الله حرمه عليهم = (فلا تشهد معهم) ، فإنهم كذبة (1) انظر تفسير (( الشهداء )) فيما سلف من فهارس اللغة (( شهد )) . (2) ديوانه 34، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 208، من قصيدة طويلة مضت منها أبيات في مواضع متفرقة، وهذا البيت داخل في قصة (( الحضر )) ، وما أصاب أهله، تركت نقل أبياتها لطولها. (3) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 208، فهذا نص كلامه. وشهود زور في شهادتهم بما شهدوا به من ذلك على الله. وخاطب بذلك جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم، والمراد به أصحابه والمؤمنون به = (ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا) ، يقول: ولا تتابعهم على ما هم عليه من التكذيب بوحي الله وتنزيله، في تحريم ما حرم، وتحليل ما أحل لهم، ولكن اتبع ما أوحي إليك من كتاب ربك الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه = (والذين لا يؤمنون بالآخرة) ، يقول: ولا تتبع أهواء الذين لا يؤمنون بالآخرة، فتكذب بما هم به مكذبون من إحياء الله خلقه بعد مماتهم، ونشره إياهم بعد فنائهم = (وهم بربهم يعدلون) ، يقول: وهم مع تكذيبهم بالبعث بعد الممات، وجحودهم قيام الساعة، بالله يعدلون الأوثانَ والأصنامَ، فيجعلونها له عِدْلا ويتخذونها له ندًّا يعبدونها من دونه. (1) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14133- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: (هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا) ، يقول: قل أروني الذين يشهدون أن الله حرم هذا مما حرمت العرب، وقالوا: أمرنا الله به. قال الله لرسوله: (فإن شهدوا فلا تشهد معهم) . 14134- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا) ، قال: البحائر والسُّيَّب. * * * (1) انظر تفسير (( العدل )) فيما سلف 11: 251 - 254. القول في تأويل قوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام، الزاعمين أن الله حرم عليهم ما هم محرِّموه من حروثهم وأنعامهم، على ما ذكرت لك في تنزيلي عليك =: تعالوا، أيها القوم، (1) أقرأ عليكم ما حرم ربكم حقًا يقينًا، (2) لا الباطل تخرُّصًا، تخرُّصَكم على الله الكذبَ والفريةَ ظنًّا، (3) ولكن وحيًا من الله أوحاه إليّ، وتنزيلا أنزله عليّ: أن لا تشركوا بالله شيئًا من خلقه، ولا تعدلوا به الأوثان والأصنام، ولا تعبدوا شيئًا سواه = (وبالوالدين إحسانًا) ، يقول: وأوصى بالوالدين إحسانًا = وحذف "أوصى" و "أمر" ، لدلالة الكلام عليه ومعرفة السامع بمعناه. (4) وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى من الكتاب. (5) * * * وأما "أن" في قوله: (أن لا تشركوا به شيئًا) ، فرفعٌ، لأن معنى الكلام: قل تعالوا أتلُ ما حرّم ربكم عليكم، هو أن لا تشركوا به شيئًا. وإذا كان ذلك معناه، كان في قوله: (تشركوا) ، وجهان: = الجزم بالنهي، وتوجيهه "لا" إلى معنى النهي. = والنصب، على توجيه الكلام إلى الخبر، ونصب "تشركوا" ، بـ "أن لا" ، (1) انظر تفسير (( تعالوا )) فيما سلف 11: 137، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( تلا )) فيما سلف 10: 201، تعليق: 3، والمراجع هناك. (3) في المطبوعة: (( كخرصكم على الله )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (4) انظر تفسير (( الإحسان )) فيما سلف 2: 292 / 8: 334، 514 / 9: 283 / 10: 512، 576. (5) انظر ما سلف 2: 290 - 292 / 8: 334. كما يقال: "أمرتك أن لا تقوم" . وإن شئت جعلت "أن" في موضع نصبٍ، ردًّا على "ما" وبيانًا عنها، ويكون في قوله: (تشركوا) ، أيضًا من وجهي الإعراب، نحو ما كان فيه منه. و "أن" في موضع رفع. ويكون تأويل الكلام حينئذ: قل: تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، أتلُ أن لا تشركوا به شيئًا. * * * فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يكون قوله (تشركوا) نصبًا بـ "أن لا" ، أم كيف يجوز توجيه قوله: "أن لا تشركوا به" ، على معنى الخبر، وقد عطف عليه بقوله: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) ، وما بعد ذلك من جزم النهي؟ قيل: جاز ذلك، كما قال تعالى ذكره: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) ، فجعل "أن أكون" خبرًا، و "أنْ" اسمًا، ثم عطف عليه "ولا تكونن من المشركين" ، [سورة الأنعام: 14] ، (1) وكما قال الشاعر: (2) حَجَّ وَأوْصَى بِسُلَيْمَى الأعْبُدَا ... أَنْ لا تَرَى وَلا تُكَلِّمْ أَحَدَا وَلا يَزَلْ شَرَابُهَا مُبَرَّدَا (3) فجعل قوله: "أن لا ترى" خبرًا، ثم عطف بالنهي فقال: "ولا تكلم" ، "ولا يزل" . * * * (1) قوله: (( ولا تكونن من المشركين )) ، ساقط في المطبوعة والمخطوطة، واستظهرت زيادته من معاني القرآن للفراء 1: 364، وهي زيادة يفسد الكلام بإسقاطها. (2) لم أعرف قائله. (3) معاني القرآن للفراء 1: 364، وليس فيه البيت الثالث، وفيه مكانه: * وَلا تَمْشِ بِفَضَاءٍ بَعَدَا * القول في تأويل قوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) ، ولا تئدوا أولادكم فتقتلوهم من خشية الفقر على أنفسكم بنفقاتهم، فإن الله هو رازقكم وإياهم، ليس عليكم رزقهم، فتخافوا بحياتهم على أنفسكم العجزَ عن أرزاقهم وأقواتهم. * * * و "الإملاق" ، مصدر من قول القائل: "أملقت من الزاد، فأنا أملق إملاقًا" ، وذلك إذا فني زاده، وذهب ماله، وأفلس. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14135- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) ، الإملاق الفقر، قتلوا أولادهم خشية الفقر. 14136- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) ، أي خشية الفاقة. 14137- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) ، قال: "الإملاق" ، الفقر. 14138- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: (من إملاق) ، قال: شياطينهم، يأمرونهم أن يئِدوا أولادهم خيفة العَيْلة. 14139- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك في قوله: (من إملاق) ، يعني: من خشية فقر. * * * القول في تأويل قوله: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولا تقربوا الظاهرَ من الأشياء المحرّمة عليكم، (1) التي هي علانية بينكم لا تناكرون ركوبها، والباطنَ منها الذي تأتونه سرًّا في خفاء لا تجاهرون به، فإن كل ذلك حرام. (2) * * * وقد قيل: إنما قيل: لا تقربوا ما ظهر من الفواحش وما بطن، لأنهم كانوا يستقبحون من معاني الزنى بعضًا [دون بعض] . وليس ما قالوا من ذلك بمدفوع، غير أن دليل الظاهر من التنزيل على النهي عن ظاهر كل فاحشة وباطنها، ولا خبر يقطع العذرَ، بأنه عنى به بعض دون جميع. وغير جائز إحالة ظاهر كتاب الله إلى باطن، إلا بحجة يجب التسليم لها. * * * * ذكر من قال ما ذكرنا من قول من قال: الآية خاصُّ المعنى: 14140- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، (1) انظر تفسير (( الفواحش )) فيما سلف 8: 203، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( ظهر )) ، و (( بطن )) فيما سلف ص 72 - 75، ثم انظر الأثر رقم: 9075. حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ، أما "ما ظهر منها" ، فزواني الحوانيت، وأما "ما بطن" ، فما خَفِي. (1) 14141- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ، كان أهل الجاهلية يستسرُّون بالزنى، ويرون ذلك حلالا ما كان سرًّا. فحرّم الله السر منه والعلانية = (ما ظهر منها) ، يعني: العلانية = (وما بطن) ، يعني: السر. (2) 14142- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ، قال: كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنى بأسًا في السر، ويستقبحونه في العلانية، فحرَّم الله الزنى في السرّ والعلانية. * * * وقال آخرون في ذلك بمثل الذي قلنا فيه. * ذكر من قال ذلك: 14143- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ، سرَّها وعلانيتها. 14144- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، نحوه. * * * وقال آخرون: "ما ظهر" ، نكاح الأمهات وحلائل الآباء = "وما بطن" ، الزنى. * ذكر من قال ذلك: (1) (( زواني الحوانيت )) ، كانت البغايا تتخذ حانوتًا عليه راية، إعلامًا بأنها بغى. وانظر الأثر السالف رقم: 13801. (2) الأثر: 14141 - مضى هذا الخبر برقم: 13802. 14145- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن خصيف، عن مجاهد: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ، قال: "ما ظهر" ، جمعٌ بين الأختين، وتزويج الرجل امرأة أبيه من بعده = "وما بطن" ، الزنى. (1) * * * وقال آخرون في ذلك بما:- 14146- حدثني إسحاق بن زياد العطار النصري قال، حدثنا محمد بن إسحاق البلخي قال، حدثنا تميم بن شاكر الباهلي، عن عيسى بن أبي حفصة قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ، قال: "ما ظهر" ، الخمر = "وما بطن" ، الزنى. (2) * * * القول في تأويل قوله: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا) ، (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) ، يعني بالنفس التي حرم الله قتلها، نفسَ مؤمن أو مُعاهد = وقوله: (إلا بالحق) ، يعني بما أباح قتلها به: من أن تقتل نفسًا فتقتل قَوَدًا بها، أو تزني وهي محصنة فترجم، (1) الأثر: 14145 - مضى برقم: 13803. (2) الأثر: 14146 - (( إسحاق بن زياد العطار النصري )) ، لم أجد له ترجمة، وفي المطبوعة (( البصري )) ، وأثبت ما في المخطوطة. و (( محمد بن إسحاق البلخي الجوهري )) ، لم أجد له غير ترجمة في ابن أبي حاتم 3 / 2 / 195، قال: (( روى عن مطرف بن مازن، وأبي أمية بن يعلي، وقيراط الحجام، ومحمد بن حرب الأبرش، وعيسى بن يونس. كتب عنه أبي بالري )) . وأما (( تميم بن شاكر الباهلي )) و (( عيسى بن أبي حفصة )) ، فلم أعثر لهما على ترجمة ولا ذكر. ![]()
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (649) صــ 221 إلى صــ 230 أو ترتدَّ عن دينها الحقِّ فتقتل. فذلك "الحق" الذي أباح الله جل ثناؤه قتل النفس التي حرم على المؤمنين قتلها به = (ذلكم) ، يعني هذه الأمور التي عهد إلينا فيها ربُّنا أن لا نأتيه وأن لا ندعه، هي الأمور التي وصَّانا والكافرين بها أن نعمل جميعًا به = (لعلكم تعقلون) ، يقول: وصاكم بذلك لتعقلوا ما وصاكم به ربكم. (1) * * * (1) انظر تفسير (( وصى )) فيما سلف ص: 189، تعليق: 1، والمراجع هناك. القول في تأويل قوله: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ، ولا تقربوا ماله إلا بما فيه صلاحه وتثميره، كما:- 14147- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ، قال: التجارة فيه. 14148- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ، فليثمر مالَه. 14149- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا فضيل بن مرزوق العنزي، عن سليط بن بلال، عن الضحاك بن مزاحم في قوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ، قال: يبتغي له فيه، ولا يأخذ من ربحه شيئًا. (1) (1) الأثر: 14149 - (( فضيل بن مرزوق العنزي )) ، الرقاشي، الأغر. مضى برقم: 5437. و (( سليط بن بلال )) ، لا أدري من هو، ولم أجد له ترجمة. 14150- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ، قال: "التي هي أحسن" ، أن يأكل بالمعروف إن افتقر، وإن استغنى فلا يأكل. قال الله: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) ، [سورة النساء: 6] . قال: وسئل عن الكسوة، فقال: لم يذكر الله الكسوة، إنما ذكر الأكل. * * * وأما قوله: (حتى يبلغ أشده) ، فإن "الأشُدّ" جمع "شَدٍّ" ، كما "الأضُرّ" جمع "ضر" ، وكما "الأشُرّ" جمع "شر" ، (1) و "الشد" القوة، وهو استحكام قوة شبابه وسنه، كما "شَدُّ النهار" ارتفاعه وامتداده. يقال: "أتيته شدَّ النهار ومدَّ النهار" ، وذلك حين امتداده وارتفاعه; وكان المفضل فيما بلغني ينشد بيت عنترة: عَهْدِي بِهِ شَدَّ النَّهَارِ كَأَنَّمَا ... خُضِبَ اللَّبَانُ وَرَأْسُهُ بِالْعِظْلِمِ (2) ومنه قول الآخر: (3) تُطِيفُ بِهِ شَدَّ النَّهَارِ ظَعِينَةٌ ... طَوِيلَةُ أَنْقَاءِ اليَدَيْنِ سَحُوقُ (4) (1) هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة: (( الأضر )) و (( الأشر )) ، ولم أجد لشيء من ذلك أصلا في كتب العربية، وهذان اللفظان محرفان فيما أرجح، ولكني تركتهما على حالهما، حتى أقف على الصواب في قراءتهما إن شاء الله. ولكنهم مثلوا له بقولهم (( قد )) و (( أقد )) وهو قريب التحريف في الأولى، ولكن الثانية مبهمة. (2) من معلقته المشهورة، وهذا البيت من أبيات وصف فيها بطلا مثله، يقول قبله: لَمَّا رَآنِي قَدْ قَصَدْتُ أُرِيدُهُ ... أَبْدَى نَوَاجِذَهُ لِغَيْرِ تَبَسُّمِ فَطَعَنْتُهُ بِالرُّمْحِ ثُمَّ عَلَوْتُهُ ... بِمُهَنَّدٍ صَافِي الحَدِيدَةِ مِخْذَمِ و (( اللبان )) الصدر. و (( العظلم )) ، صبغ أحمر. يصفه قتيلا سال دمه، فخصب رأسه وأطرافه، لا حراك به. (3) لم أعرف قائله. (4) (( الظعينة )) ، يعني زوجته. (( الأنقاء )) جمع (( نقو )) (بكسر فسكون) ، وهو كل عظم فيه مخ، كعظام اليدين والساقين، وامرأة (( سحوق )) : طويلة كأنها نخلة مستوية قد انجرد عنها كربها. وكان بعض البصريين يزعم أن "الأشد" مثل "الآنُك" . (1) * * * فأما أهل التأويل، فإنهم مختلفون في الحين الذي إذا بلغه الإنسان قيل: "بلغ أشدّه" . فقال بعضهم: يقال ذلك له إذا بلغ الحُلُم. * ذكر من قال ذلك: 14151- حدثني أحمد بن عبد الرحمن قال، حدثنا عمي قال، أخبرني يحيى بن أيوب، عن عمرو بن الحارث، عن ربيعة في قوله: (حتى يبلغ أشده) ، قال: الحلم. 14152- حدثني أحمد بن عبد الرحمن قال، حدثنا عمي قال، حدثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، مثله = قال ابن وهب: وقال لي مالك مثله. (2) 14153- حدثت عن الحماني قال، حدثنا هشيم، عن مجاهد، عن عامر: (حتى يبلغ أشده) ، قال: "الأشد" ، الحلم، حيث تكتب له الحسنات، وتكتب عليه السيئات. * * * وقال آخرون: إنما يقال ذلك له، إذا بلغ ثلاثين سنة. * ذكر من قال ذلك: 14154- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (حتى يبلغ أشده) ، قال: أما "أشده" ، فثلاثون (1) (( آنك )) (بالمد وضم النون) هو. الرصاص القلعي، وهو القزدير. ويعني أنه مفرد لا جمع. (2) الأثران: 14151، 14152 - (( أحمد بن عبد الرحمن بن وهب المصري )) ، مضى برقم: 2747، 6613، 10330، وهو ابن أخي (( عبد الله بن وهب )) و (( عمه )) ، هو: (( عبد الله بن وهب )) . سنة، ثم جاء بعدها: (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) . [سورة النساء: 6] . * * * وفي الكلام محذوف، ترك ذكره اكتفاءً بدلالة ما ظهر عما حذف. وذلك أن معنى الكلام: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده" ، فإذا بلغ أشده فآنستم منه رشدًا، فادفعوا إليه ماله = لأنه جل ثناؤه لم ينه أن يُقرب مال اليتيم في حال يُتمه إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده، ليحِلَّ لوليّه بعد بلوغه أشده أن يقربه بالتي هي أسوأ، (1) ولكنه نهاهم أن يقرَبوه حياطةً منه له، وحفظًا عليه، (2) ليسلموه إليه إذا بلغ أشده. * * * القول في تأويل قوله: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا" = وأن أوفوا الكيل والميزان. يقول: لا تبخسوا الناس الكيلَ إذا كلتموهم، والوزنَ إذا وزنتموهم، ولكن أوفوهم حقوقهم. وإيفاؤهم ذلك، إعطاؤهم حقوقهم تامة (3) = "بالقسط" ، يعني بالعدل، كما:- 14155- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (بالقسط) ، بالعدل. * * * وقد بينا معنى: "القسط" بشواهده فيما مضى، وكرهنا إعادته. (4) * * * (1) في المطبوعة: (( ويحل )) بالواو، والذي في المخطوطة حق السياق. (2) في المطبوعة: (( أن يقربوا )) ، والصواب ما في المخطوطة. (3) انظر تفسير (( الإيفاء )) فيما سلف 9: 426، تعليق: 1، والمراجع هناك. (4) انظر تفسير (( القسط )) فيما سلف 10: 334، تعليق: 4، والمراجع هناك. وأما قوله: (لا نكلف نفسًا إلا وسعها) ، فإنه يقول: لا نكلف نفسًا، من إيفاء الكيل والوزن، إلا ما يسعها فيحلّ لها ولا تحرَجُ فيه. (1) وذلك أن الله جل ثناؤه، علم من عباده أن كثيرًا منهم تَضيق نفسه عن أن تطيب لغيره بما لا يجبُ عليها له، فأمر المعطي بإيفاء رب الحق حقَّه الذي هو له، ولم يكلِّفه الزيادة، لما في الزيادة عليه من ضيق نفسه بها. وأمر الذي له الحق، بأخذ حقه، ولم يكلفه الرضا بأقل منه، لما في النقصان عنه من ضيق نفسه. فلم يكلف نفسًا منهما إلا ما لا حرج فيه ولا ضيق، فلذلك قال: (لا نكلف نفسًا إلا وسعها) . وقد استقصينا بيان ذلك بشواهده في موضع غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته. (2) * * * القول في تأويل قوله: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) } قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (وإذا قلتم فاعدلوا) ، وإذا حكمتم بين الناس فتكلمتم فقولوا الحق بينهم، واعدلوا وأنصفوا ولا تجوروا، (3) ولو كان الذي يتوجه الحق عليه والحكم، ذا قرابة لكم، ولا تحملنكم قرابة قريب أو صداقة صديق حكمتم بينه وبين غيره، أن تقولوا غير الحق فيما احتكم إليكم فيه = (وبعهد الله أوفوا) ، يقول: وبوصية الله التي أوصاكم بها فأوفوا. وإيفاء ذلك: أن (1) انظر تفسير (( التكليف )) فيما سلف 5: 45 / 6: 129، 130 / 8: 579. = وتفسير (( الوسع )) فيما سلف 5: 45 /6: 129، 130. (2) انظر ما سلف 5: 45، 46 / 6: 129، 130. (3) انظر تفسير (( العدل )) فيما سلف من فهارس اللغة (عدل) . يطيعوه فيما أمرهم به ونهاهم، وأن يعملوا بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك هو الوفاء بعهد الله. (1) وأما قوله: (ذلكم وصاكم به) ، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل للعادلين بالله الأوثان والأصنام من قومك: هذه الأمور التي ذكرت لكم في هاتين الآيتين، هي الأشياء التي عهد إلينا ربنا، ووصاكم بها ربكم، وأمركم بالعمل بها = لا بالبحائر، والسوائب، والوصائل، والحام، وقتل الأولاد، ووأد البنات، واتباع خطوات الشيطان (2) = (لعلكم تذكرون) ، يقول: أمركم بهذه الأمور التي أمركم بها في هاتين الآيتين، ووصاكم بها وعهد إليكم فيها، لتتذكروا عواقبَ أمركم، وخطأ ما أنتم عليه مقيمون، فتنزجروا عنها، وترتدعوا وتُنيبوا إلى طاعة ربكم. * * * وكان ابن عباس يقول: هذه الآيات، هنَّ الآيات المحكمات. 14156- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن علي بن صالح، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن قيس، عن ابن عباس قال: هن الآيات المحكمات، قوله: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا) . (3) (1) انظر تفسير (( العهد )) فيما سلف من فهارس اللغة (عهد) . = وتفسير (( الإيفاء )) فيما سلف ص: 224، تعليق: 3، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( وصى )) فيما ص: 221، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) الأثر: 14156 - (( على بن صالح بن صالح بن حي الهمداني )) ثقة، مضى برقم: 178، 11975. وفي المخطوطة والمطبوعة: (( علي بن أبي صالح )) ، وهو خطأ لا شك فيه، والزيادة سهو من الناسخ، وإنما هو (( علي بن صالح )) ، فهو الذي يروي عن إسحاق السبيعي، ويروي عنه وكيع، وكما في المستدرك، كما سيأتي في التخريج. و (( أبو إسحاق )) هو السبيعي. و (( عبد الله بن قيس )) ، راوى هذا الخبر، خص براوية هذا الخبر عن ابن عباس، ورواية أبي إسحاق السبيعي عنه. مترجم في التهذيب (5: 365) ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 138. وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 2: 288، وقال: (( صحيح )) ، ووافقه الذهبي. وقد أشرت إلى ذلك في تخريج الخبر رقم: 6573، فراجعه. ورواه الحاكم أيضًا في المستدرك 2: 317، بإسناد آخر من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن ابن عباس، وقال: (( هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه )) ، ووافقه الذهبي. و (( عبد الله بن خليفة الهمداني )) ، مضى برقم: 5796. 14157- حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا وهب بن جرير قال، حدثنا أبي قال، سمعت يحيى بن أيوب يحدّث، عن يزيد بن أبى حبيب، عن مرثد بن عبد الله، عن عبيد الله بن عديّ بن الخيار قال، سمع كعب الأحبار رجلا يقرأ: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) ، فقال: والذي نفس كعب بيده، إنّ هذا لأوَّل شيء في التوراة: "بسم الله الرحمن الرحيم" ، قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ". (1) " 14158- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن سعيد بن مسروق، عن رجل، عن الربيع بن خثيم أنه قال لرجل: هل لك في صحيفة عليها خاتم محمد؟ ثم قرأ هؤلاء الآيات: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا) . 14159- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق الرازي، عن أبي سنان، عن عمرو بن مرة قال: قال الربيع: ألا أقرأ عليكم صحيفة من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ = لم يقل: "خاتمها" = فقرأ هذه الآيات: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) . (1) الأثر: 14157 - (( وهب بن جرير بن حازم الأزدي )) ، الحافظ الثقة. وأبو (( جرير بن حازم الأزدي )) ، ثقة، روى له الجماعة. و (( يحيى بن أيوب الغافقي )) ، ثقة، مضى برقم: 3877، 4330. و (( يزيد بن أبي حبيب المصري )) ، مضى مرارًا، آخرها: 11871. و (( مرثد بن عبد الله اليزني )) ، الفقيه المصري، مضى برقم: 2839، 2840، 10890. و (( عبيد الله بن عدي بن الخيار النوفلي القرشي )) ثقة، قليل الحديث، من فقهاء قريش وعلمائهم، أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرين. مترجم في التهذيب. وهذا خبر إسناده صحيح إلى كعب الأحبار. 14160- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: جاء إليه نفر فقالوا: قد جالست أصحابَ محمد، فحدثنا عن الوَحي. فقرأ عليهم هذه الآيات من "الأنعام" : (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا) ، قالوا: ليس عن هذا نسألك! قال: فما عندنا وحيٌ غيره. 14161- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: هؤلاء الآيات التي أوصى بها من محكم القرآن. 14162- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وإذا قلتم فاعدلوا) ، قال: قولوا الحق. * * * القول في تأويل قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهذا الذي وصاكم به ربكم، أيها الناس، في هاتين الآيتين من قوله: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) ، وأمركم بالوفاء به، هو "صراطه" = يعني: طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده = (مستقيمًا) ، يعني: قويمًا لا اعوجاج به عن الحق (1) = (فاتبعوه) ، يقول: فاعملوا به، واجعلوه لأنفسكم منهاجًا تسلكونه، فاتبعوه (2) = (ولا تتبعوا السبل) ، يقول: ولا تسلكوا طريقًا سواه، ولا تركبوا منهجًا غيره، ولا تبغوا دينًا خلافه (3) ، من (1) انظر تفسير (( الصراط المستقيم )) فيما سلف ص: 113، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الاتباع )) فيما سلف من فهارس اللغة (تبع) . (3) في المخطوطة: (( دينا خلاه )) ، وعلى (( خلاه )) ، حرف (ط) دلالة على الخطأ أو الشك، والذي في المخطوطة مستقيم جيد. اليهودية والنصرانية والمجوسية وعبادة الأوثان، وغير ذلك من الملل، فإنها بدع وضلالات = (فتفرق بكم عن سبيله) ، يقول: فيشتّت بكم، إن اتبعتم السبل المحدثة التي ليست لله بسبل ولا طرق ولا أديان، اتباعُكم إياها = "عن سبيله" ، يعني: عن طريقه ودينه الذي شرعه لكم وارتضاه، وهو الإسلام الذي وصّى به الأنبياء، وأمر به الأمم قبلكم (1) = (ذلكم وصاكم به) ، يقول تعالى ذكره: هذا الذي وصاكم به ربكم من قوله لكم: "إن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل" ، وصاكم به "لعلكم تتقون" ، يقول: لتتقوا الله في أنفسكم فلا تهلكوها، وتحذروا ربكم فيها فلا تسخطوه عليها، فيحل بكم نقمته وعذابه. (2) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14163- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) ، قال: البدع والشبهات. 14164- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 14165- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولا تتبعوا السبل) ، البدع والشبهات. 14166- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (فاتبعوه ولا تتبعوا السبل (1) انظر تفسير (( السبيل )) فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) . (2) انظر تفسير (( الوصية )) و (( الاتقاء )) فيما سلف من فهارس اللغة (وصى) و (وقي) . فتفرق بكم عن سبيله) ، وقوله: (وَأَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [سورة الشورى: 13] ، ونحو هذا في القرآن. قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك مَنْ كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله. 14167- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) ، يقول: لا تتبعوا الضلالات. 14168- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا حماد، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: خطَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا خطًّا فقال: هذا سبيل الله. ثم خط عن يمين ذلك الخطّ وعن شماله خطوطًا فقال: هذه سُبُل، على كل سبيل منها شيطانٌ يدعو إليها. ثم قرأ هذه الآية: (وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) . (1) 14169- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) ، قال: "سبيله" ، الإسلام، و "صراطه" ، الإسلام. نهاهم أن يتبعوا السبل سواه = (فتفرق بكم عن سبيله) ، عن الإسلام. 14170- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أبان: أن رجلا قال لابن مسعود: ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه، وطرفُه في الجنة، وعن يمينه جوادُّ، وعن يساره جَوَادُّ، وثمَّ رجال يدعون من مرّ بهم. فمن أخذ في تلك الجوادِّ انتهت به (1) الأثر: 14168 - صحيح الإسناد، رواه أحمد في المسند رقم: 4142، 4437، بنحوه. وقد فصل ابن كثير في تفسيره شرح هذا الإسناد، وما فيه من اختلاف الرواية 3: 427 - 429. وسيأتي برقم: 14170، موقوفًا على ابن مسعود. ![]()
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (650) صــ 231 إلى صــ 240 إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة. ثم قرأ ابن مسعود: (وأن هذا صراطي مستقيمًا) ، الآية. * * * قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله: (وأن هذا صراطي مستقيمًا) . فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: (وَأَنَّ) بفتح "الألف" من "أن" ، وتشديد "النون" ، ردًّا على قوله: (أن لا تشركوا به شيئًا) ، بمعنى: "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا" ، "وأن هذا صراطي مستقيمًا" . * * * وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: "وَإِنَّ" بكسر "الألف" من "أن" ، وتشديد "النون" منها، على الابتداء وانقطاعها عن الأول، إذ كان الكلام قد انتهى بالخبر عن الوصية التي أوصى الله بها عباده دونه، عندهم. (1) * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار وعوامّ المسلمين، (2) صحيح معنياهما، فبأيِّ القراءتين قرأ القارئ فهو مصيبٌ الحقَّ في قراءته. وذلك أن الله تعالى ذكره قد أمر باتباع سبيله، كما أمر عباده الأنبياء. (3) وإن أدخل ذلك مُدْخِلٌ فيما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين: (تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) ، وما أمركم به، ففتح على ذلك "أن" ، (1) يعني بقوله: (( دونه عندهم )) ، دون النبي صلى الله عليه وسلم، عند من قرأ ذلك كذلك، كما سيظهر ذلك من الآتي بعد، انظر التعليق رقم: 3. (2) (( عوام المسلمين )) يعني: عامة المسلمين، لا يعني (( العوام )) كما استعملت بمعنى: الذين لم يتعلموا العلم. (3) في المطبوعة: (( عباده بالأشياء )) ، وهو كلام ساقط، لم يحسن قراءة المخطوطة فغير وزاد. وفي المخطوطة: (( عباده الأساء )) ، والصواب قراءتها ما أثبت. ويعني أن هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء. فمصيب = وإن كسرها، إذ كانت "التلاوة" قولا وإن كان بغير لفظ "القول" لبعدها من قوله: "أتل" ، وهو يريد إعمال ذلك فيه، فمصيبٌ = وإن كسرها بمعنى ابتداء وانقطاع عن الأول و "التلاوة" ، وأن ما أُمِر النبي صلى الله عليه وسلم بتلاوته على من أُمِر بتلاوة ذلك عليهم قد انتهى دون ذلك، فمصيب. * * * وقد قرأ ذلك عبد الله بن أبي إسحاق البصري: "وَأنْ" بفتح الألف من "أن" وتخفيف النون منها، بمعنى: "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا" ، "وأنْ هذا صراطي" ، فخففها، إذ كانت "أن" في قوله: (أن لا تشركوا به شيئًا) ، مخففة، وكانت "أن" في قوله: (وأن هذا صراطي) ، معطوفة عليها، فجعلها نظيرةَ ما عطفت عليه. وذلك وإن كان مذهبًا، فلا أحب القراءة به، لشذوذها عن قراءة قرأة الأمصار، وخلاف ما هم عليه في أمصارهم. * * * القول في تأويل قوله: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ} قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ثم آتينا موسى الكتاب) ، ثم قل بعد ذلك يا محمد: آتى ربك موسى الكتابَ = فترك ذكر "قل" ، إذ كان قد تقدم في أول القصّة ما يدلّ على أنه مرادٌ فيها، وذلك قوله: (1) (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) ، فقصَّ ما حرم عليهم وأحلّ، ثم قال: ثم قل: "آتينا موسى" ، فحذف "قل" لدلالة قوله: "قل" عليه، وأنه مراد في الكلام. (1) في المطبوعة والمخطوطة: (( ذلك قوله )) بغير واو، والسياق يقتضي إثباتها. وإنما قلنا: ذلك مرادٌ في الكلام، لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لا شك أنه بُعث بعد موسى بدهر طويل، وأنه إنما أمر بتلاوة هذه الآيات على مَنْ أمر بتلاوتها عليه بعد مبعثه. ومعلوم أن موسى أوتي الكتاب من قبل أمر الله محمدًا بتلاوة هذه الآيات على مَنْ أمر بتلاوتها عليه. و "ثم" في كلام العرب حرف يدلّ على أن ما بعده من الكلام والخبر، بعد الذي قبلها. * * * ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله: (تمامًا على الذي أحسن) ، فقال بعضهم: معناه: تمامًا على المحسنين. * ذكر من قال ذلك: 14171- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (تمامًا على الذي أحسن) ، قال: على المؤمنين. 14172- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (تمامًا على الذي أحسن) ، المؤمنين والمحسنين. * * * = وكأنّ مجاهدًا وجّه تأويل الكلام ومعناه إلى أن الله جل ثناؤه أخبر عن موسى أنه آتاه الكتاب فضيلة على ما آتى المحسنين من عباده. * * * فإن قال قائل: فكيف جاز أن يقال: (على الذي أحسن) ، فيوحِّد "الذي" ، والتأويل على الذين أحسنوا؟ قيل: إن العرب تفعل ذلك خاصة في "الذي" وفي "الألف واللام" ، إذا أرادت به الكل والجميع، كما قال جل ثناؤه: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) ، [سورة العصر: 1،2] ، وكما قالوا: "كثر الدِّرهم فيه في أيدي الناس" . (1) (1) في المطبوعة: (( أكثر الذي هم في أيدي الناس )) ، وهو كلام غث لا معنى له، زاد (( فيه )) على ما كان في المخطوطة. وكان فيها: (( أكثر الدرهم في أيدي الناس )) ، وصواب قراءتها ما أثبت، أو: (( ما أكثر الدرهم في أيدي الناس )) . وقد سلف هذا البحث فيما مضى، وفيه نحو هذا الشاهد 4: 263، 270 / 6: 125. وقد ذكر عن عبد الله بن مسعود: أنه كان يقرأ ذلك: "تمامًا عَلَى الَّذِينَ أَحْسَنُوا" ، وذلك من قراءته كذلك، يؤيد قول مجاهد. وإذا كان المعنى كذلك، كان قوله: "أحسن" ، فعلا ماضيًا، فيكون نصبه لذلك. * * * وقد يجوز أن يكون "أحسن" في موضع خفض، غير أنه نصب إذ كان "أفعل" ، و "أفعل" ، لا يجري في كلامها. (1) فإن قيل: فبأيِّ شيء خفض؟ قيل: ردًّا على "الذي" ، إذ لم يظهر له ما يرفعه = فيكون تأويل الكلام حينئذ: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي هو أحسن، ثم حذف "هو" ، وجاور "أحسن" "الذي" ، فعرِّب بتعريبه، (2) إذ كان كالمعرفة من أجل أن "الألف واللام" لا يدخلانه، "والذي" مثله، كما تقول العرب: "مررت بالذي خيرٍ منك، وشرٍّ منك" ، (3) كما قال الراجز: (4) إِنَّ الزُّبَيْرِيَّ الَّذِي مِثْلَ الحَلَمْ ... مَسَّى بِأَسْلابِكُمُ أَهْلَ الْعَلَمْ (5) (1) الإجراء: الصرف. (2) في المطبوعة: (( فعرف بتعريفه )) ، وهو كلام لا معنى له، لم يحسن قراءة المخطوطة، إذ كانت غير منقوطة، وهذا صواب قراءتها. و (( التعريب )) ، هو (( الإعراب )) . (3) انظر معاني القرآن للفراء 1: 365، وفيها خطأ ظاهر، لأنه كتب هناك: (( مررت بالذي هو خير منك، وشر منك )) ، فزادوا (( هو )) ، والصواب حذفها، فلتصحح هناك. (4) لم أعرفه. (5) معاني القرآن للفراء 1: 365، وروايته كما في مطبوعة المعاني: مَشَّى بِأَسْلابِكَ فِي أَهْلِ الَعَلَمْ كأنه يعني أنه سلبه ثيابه ولبسهما، وهو يمشي بها في الناس. (( ومشى )) بتشديد الشين. يقال: (( مشى )) و (( تمشي )) و (( مشى )) بمعنى واحد. وأما رواية أبي جعفر، فهي بالسين لا بالشين، لا شك في ذلك، كأنه يقول: صبحه بالغارة، ثم أمسى بما سلبه عند (( أهل العلم )) ، وهو موضع. و (( العلم )) ، الجبل. و (( الحلم )) (بفتحتين) : القراد الصغير، يصف هذا الزبيرى الذي سلبه ثيابه وأمواله، بأنه قميء قصير. فأتبع "مثل" "الذي" ، في الإعراب. ومن قال ذلك، لم يقل: مررت "بالذي عالمٍ" ، لأن "عالمًا" نكرة، "والذي" معرفة، ولا تتبع نكرة معرفة. (1) * * * وقال آخرون: معنى ذلك: تمامًا على الذي أحسن "، موسى، فيما امتحنه الله به في الدنيا من أمره ونهيه." * ذكر من قال ذلك: 14173- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذين أحسن) ، فيما أعطاه الله. 14174- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن) ، قال: من أحسن في الدنيا، تمم الله له ذلك في الآخرة. 14175- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد عن قتادة قوله: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن) ، يقول: من أحسن في الدنيا، تمت عليه كرامة الله في الآخرة. * * * وعلى هذا التأويل الذي تأوّله الربيع، يكون "أحسن" ، نصبًا، لأنه فعل ماض، و "الذي" بمعنى "ما" = وكأنّ الكلام حينئذ: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على ما أحسن موسى = أي: آتيناه الكتاب لأتمم له كرامتي في الآخرة، تمامًا على إحسانه في الدنيا في عبادة الله والقيام بما كلفه به من طاعته. * * * (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 365. وقال آخرون في ذلك: معناه: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على إحسان الله إلى أنبيائه وأياديه عندهم. * ذكر من قال ذلك: 14176- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن) ، قال: تمامًا من الله وإحسانه الذي أحسن إليهم وهداهم للإسلام، وآتاهم ذلك الكتاب تمامًا، لنعمته عليه وإحسانه. * * * "وأحسن" على هذا التأويل أيضًا، في موضع نصب، على أنه فعل ماض، "والذي" على هذا القول والقول الذي قاله الربيع، بمعنى: "ما" . * * * وذكر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ ذلك: "تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ" رفعًا= بتأويل: على الذي هو أحسن. 14177- حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا الحجاج، عن هارون، عن أبي عمرو بن العلاء، عن يحيى بن يعمر. * * * قال أبو جعفر: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، وإن كان لها في العربية وجه صحيح، لخلافها ما عليه الحجة مجمعة من قرأة الأمصار. * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: معناه: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا لنعمنا عنده، على الذي أحسن موسى في قيامه بأمرنا ونهينا = لأن ذلك أظهرُ معانيه في الكلام، وأن إيتاء موسى كتابه نعمةٌ من الله عليه ومنة عظيمة. فأخبر جل ثناؤه أنه أنعم بذلك عليه لما سلف له من صالح عمل وحُسن طاعة. * * * ولو كان التأويل على ما قاله ابن زيد، كان الكلام: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسنّا = أو: ثم آتى الله موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن. وفي وصفه جل ثناؤه نفسه بإيتائه الكتاب، ثم صرفه الخبر بقوله: "أحسن" ، إلى غير المخبر عن نفسه بقرب ما بين الخبرين = الدليلُ الواضح على أن القول غير القول الذي قاله ابن زيد. * * * وأما ما ذكر عن مجاهد من توجيهه "الذي" إلى معنى الجميع، فلا دليل في الكلام يدل على صحة ما قال من ذلك. بل ظاهر الكلام بالذي اخترنا من القول أشبه. وإذا تنوزع في تأويل الكلام، كان أولى معانيه به أغلبُه على الظاهر، إلا أن يكون من العقل أو الخبر دليلٌ واضح على أنه معنيٌّ به غير ذلك. * * * وأما قوله: (وتفصيلا لكل شيء) ، فإنه يعني: وتبيينًا لكل شيء من أمر الدين الذي أمروا به. (1) * * * = فتأويل الكلام إذًا: ثم آتينا موسى التوراة تمامًا لنعمنا عنده وأيادينا قِبَله، تتم به كرامتنا عليه على إحسانه وطاعته ربَّه وقيامه بما كلّفه من شرائع دينه، وتبيينًا لكل ما بقومه وأتباعه إليه الحاجة من أمر دينهم، (2) كما:- 14178- حدثني بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وتفصيلا لكل شيء) ، فيه حلاله وحرامه. * * * (1) انظر تفسير (( التفصيل )) فيما سلف 113، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) في المطبوعة: (( ما لقومه )) باللام، لم يحسن قراءة المخطوطة. القول في تأويل قوله: {وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: آتينا موسى الكتاب تمامًا وتفصيلا لكل شيء = (وهدى) ، يعني بقوله "وهدى" ، تقويمًا لهم على الطريق المستقيم، وبيانًا لهم سُبُل الرشاد لئلا يضلوا = (ورحمة) ، يقول: ورحمة منا بهم ورأفة، لننجيهم من الضلالة وَعمى الحيرة. (1) وأما قوله: (لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون) ، فإنه يعني: إيتائي موسى الكتاب تمامًا لكرامة الله موسى، على إحسان موسى، وتفصيلا لشرائع دينه، وهدًى لمن اتبعه، ورحمة لمن كان منهم ضالا لينجيه الله به من الضلالة، وليؤمن بلقاء ربه إذا سمع مواعظ الله التي وعظ بها خلقه فيه، فيرتدع عما هو عليه مقيمٌ من الكفر به، وبلقائه بعد مماته، فيطيع ربه، ويصدِّق بما جاءه به نبيه موسى صلى الله عليه وسلم. * * * القول في تأويل قوله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) } قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) ، وهذا القرآن الذي أنزلناه إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم = "كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه" ، (2) يقول: فاجعلوه إمامًا تتّبعونه وتعملون بما فيه، أيها الناس (3) = (واتقوا) ، (1) انظر تفسير (( الهدى )) و (( الرحمة )) فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) و (رحم) . (2) انظر تفسير (( مبارك )) فيما سلف 7: 25 /11: 530. (3) انظر تفسير (( الاتباع )) فيما سلف من فهارس اللغة (تبع) . يقول: واحذروا الله في أنفسكم، أن تضيعوا العمل بما فيه، وتتعدّوا حدودَه، وتستحلُّوا محارمه. (1) كما:- 14179- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) ، وهو القرآن الذي أنزله الله على محمد عليه الصلاة والسلام = (فاتبعوه) ، يقول: فاتبعوا حلاله، وحرّموا حرامه. * * * وقوله: (لعلكم ترحمون) ، يقول: لترحموا، فتنجوا من عذاب الله، وأليم عقابه. * * * القول في تأويل قوله: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) } قال أبو جعفر: اختلف أهل العربية في العامل في "أن" التي في قوله: (أن تقولوا) وفي معنى هذا الكلام. فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: "ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن" ، (2) كراهيةَ أن تقولوا: "إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا" . * * * وقال بعض نحويي الكوفة: بل ذلك في موضع نصب بفعل مضمر. قال: ومعنى الكلام: فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون = اتقوا أن تقولوا. قال: ومثله يقول الله (1) انظر تفسير (( التقوى )) فيما سلف من فهارس اللغة (وقى) . (2) أرجح أن صواب العبارة: (( معنى ذلك: وهذا كتاب أنزلناه مبارك، كراهية أن تقولوا ... )) فإنه هو القول الذي اختاره أبو جعفر بعد. ولعله سهو منه أو من الناسخ. (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) ، [سورة الحجرات: 2] . * * * وقال آخرون منهم: هو في موضع نصب. قال: ونصبه من مكانين: أحدهما: أنزلناه لئلا يقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا (1) = والآخر من قوله: (اتقوا) . قال: ولا يصلح في موضع "أن" كقوله: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [سورة النساء: 176] . (2) * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: نصب "أن" لتعلقها: بالإنزال، لأن معنى الكلام: وهذا كتاب أنزلناه مبارك لئلا تقولوا: "إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا" . * * * فأما الطائفتان اللتان ذكرهما الله، وأخبر أنه إنما أنزل كتابه على نبيه محمد لئلا يقول المشركون: "لم ينزل علينا كتاب فنتبعه، ولم نؤمر ولم نُنْه، فليس علينا حجة فيما نأتي ونَذَر، إذ لم يأت من الله كتاب ولا رسول" ، (3) وإنما الحجة على الطائفتين اللتين أنزل عليهما الكتاب من قبلنا = فإنهما اليهود والنصارى، (4) وكذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14180- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ، وهم اليهود والنصارى. (1) في المطبوعة والمخطوطة: (( إنما أنزل الكتاب على )) وقطع، وزدت بقية الآية. (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 36. (3) في المطبوعة: (( لم يأت )) ، وفي المخطوطة مثلها، وضرب عليها، ووضع حرف (ط) دلالة على الخطأ أو الشك، ورأين قراءتها، فهذا حق السياق. (4) انظر تفسير (( الطائفة )) فيما سلف 6: 500، 506 / 9: 141.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 14 ( الأعضاء 0 والزوار 14) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |