شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله - الصفحة 60 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حول مصنفات وآثار الإمام ابن جرير الطبري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11 - عددالزوار : 526 )           »          سيرة المحدث المربي فضيلة الشيخ الدكتور خلدون الأحدب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          ذواقة العربية ... وهب رومية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          من مائدة الصحابة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 6 - عددالزوار : 1601 )           »          حكاية لا تصح مذكورة في ترجمة العلامة ابن باز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الخلاصة النافعة في التعريف بابن تيمية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          مفهوم الإنسانية الحقة، في ميزان الله والخلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق الإعلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          العلم والتقنية؛ أية علاقة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          من وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق والتنصير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-06-2022, 07:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,234
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

من يقدم


شرح حديث: (... وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر وقدموا أكثرهم قرآناً ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [من يقدم.حدثنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا أيوب عن حميد بن هلال عن هشام بن عامر قال: (قتل أبي يوم أحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احفروا وأوسعوا وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر، وقدموا أكثرهم قرآناً فكان أبي ثالث ثلاثة وكان أكثرهم قرآناً فقدم)].
هنا أورد النسائي حديث هشام بن عامر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وفيه: أن أباه أحد ثلاثة، وأنه كان أكثرهم قرآناً، وأنه قدم على غيره بناءً إلى ما أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من تقديم من يكون أكثر قرآناً.

تراجم رجال إسناد حديث: (... وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر وقدموا أكثرهم قرآناً ...)

قوله:
[حدثنا محمد بن منصور].
هو محمد بن منصور الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
[عن سفيان].
هو ابن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب عن حميد عن هشام].
قد مر ذكرهم.


الأسئلة


مدى صحة حديث: (من ترك جمعة متعمداً فعليه دينار ...)

السؤال: حفظكم الله، حديث النسائي: (من ترك جمعة متعمداً فعليه دينار، فإن لم يجد فنصف دينار) هل هذا الحديث صحيح؟الجواب: لا أدري.

حكم من أخذ شيء من شعر لحيته

السؤال: حفظكم الله، يوجد شخص يحلق شعر لحيته من جهة الخدين، ويترك الذي على الذقن، فهل فعله جائز؟


الجواب: الإنسان عليه ألَّا يتعرض لشعر لحيته، والإنسان إذا وضع الموس حولها، فإنه يمشي عليها ويقضي عليها، فالإنسان لا يتعرض لشعر خديه، ولا لأسفل ذقنه، وإنما يتركه ولا يتعرض له.

حكم إعطاء الزكاة لحالق اللحية

السؤال: حفظكم الله، بعد أن نصحه احتج بأنه لا ينبت له إلا شعر قليل في هذا المكان فلذلك هو يزيله، ثم يقول: إذا كان كذلك فهل لنا أن نعطيه من الزكاة؟


الجواب: إذا كان فقيراً يعطى من الزكاة، ولكنه ينصح ويبصر.

حكم إعطاء شيء من الأضحية للجزار كأجرة

السؤال: حفظكم الله، الرجل الذي يذبح ذبيحة أو الهدي هل يعطى شيئاً من الهدي كأجرة؟


الجواب: لا، الجزار لا يعطى أجرته من الهدي، ولا من الأضحية، وإنما أجرته من خارج الهدي، فالأضحية والهدي لا يعطى الجزار أجرته منهما، وإنما يعطى من خارجهما مما سواهما.
وإذا أعطاه لكونه هدية أو لكونه فقيراً فلا بأس بذلك، المهم ألا تكون الأجرة هي من اللحم؛ لأن هذا معناه يؤدي إلى أن جزءاً من اللحم يذهب في مقابل العمل، ولا يصرف في المواضع التي أريد أن يصرف فيها.

مدى إجزاء الأنثى في الهدي

السؤال: حفظكم الله، هل تجزئ الأنثى في الهدي؟

الجواب: طبعاً الذكر والأنثى كلها مجزئة إذا كانت قد بلغت السن المطلوب، وهي إذا كانت من الماعز أكملت سنة، ومن الضأن أكملت ستة أشهر، ومن البقر أكملت سنتين، ومن الإبل أكملت خمس سنوات.

مدى دخول الجهمية في الثنتين والسبعين الفرقة

السؤال: حفظكم الله، هل من العلماء من حدد أو حصر عدد الفرق التي جاءت بحديث أن الأمة تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، وهل الجهمية من هذه الفرق؟


الجواب: ذكروا أصول هذه الفرق، وأما الجهمية فقد جاء عن عدد من أهل العلم أنهم ليسوا من الثنتين والسبعين الفرقة؛ لأن الفرق الثنتين والسبعين من أمة الإجابة الذين هم من المسلمين، ولهذا بعض العلماء أو جماعة من العلماء كفروا الجهمية وقالوا: إنهم خارجون عن الثنتين والسبعين، وليسوا من الثنتين والسبعين التي هي فرق إسلامية.

كيفية معرفة التشابه بالأسماء في السند

السؤال: حفظكم الله، إذا ذكر راوٍ في السند باسم ما، ويكون هذا الاسم أيضاً لراوٍ آخر؟ يعني: يقول إذا تشابهت الأسماء كيف يفرق بينها مثل معاوية بن صالح يوجد أكثر من شخص؟


الجواب: أولاً: ينظر في الطبقات؛ لأنه إذا عرفت الطبقات، وأن هذا شخص متقدم، وهذا شخص متأخر، يعرف تمييز المتقدم والمتأخر باعتبار الطبقة، بحيث يعرف أن هذا متأخر وذاك متقدم مثل: يحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن سعيد القطان، يحيى بن سعيد القطان متأخر؛ لأنه من طبقة شيوخ شيوخ البخاري، وهو شيوخ أصحاب الكتب الستة، وأما يحيى بن سعيد الأنصاري، فهو من طبقة صغار التابعين يروي عنه الإمام مالك، فبمعرفة الطبقة يعرف أنه هذا أو هذا، فإذا جاء شخص من طبقة شيوخ شيوخ البخاري ما يقال: إنه يحيى بن سعيد الأنصاري وإنما يحيى بن سعيد القطان؛ شخص متقدم في التابعين يعني: يقال يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم أيضاً قد يكونوا في طبقة واحدة، هذا الذي ذكرته فيما إذا كانوا في طبقات يميز باعتبار الطبقات، لكن إذا كانوا في طبقة واحدة فإنه في هذه الحالة ينظر إلى الشيوخ والتلاميذ، فإذا كان مثلاً: هذا الشخص يروي عن فلان مثل: عن سفيان وسفيان جاء وكيع يروي عن سفيان فإن سفيان يحمل على أنه الثوري؛ لأن وكيعاً معروف بالرواية عن سفيان الثوري، وقد يكون يتفق التلاميذ، والشيوخ بأن يكون هذا عنه، يعني: الذي أخذ عن هذا وكذلك بالنسبة للشيوخ، وفي هذه الحالة ينظر إلى من يكون أكثر ملازمة، وأكثر اتصال، أو من أهل بلده، أو ما إلى ذلك.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-06-2022, 07:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,234
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجنائز

(351)

- (باب إخراج الميت من اللحد بعد أن يوضع فيه) إلى (باب الركوب بعد الفراغ من الجنازة)

لقد بينت الشريعة الإسلامية كل ما يحتاجه الإنسان في حياته وبعد موته، ومن ذلك أحكام الجنازة، وأنه يجوز الصلاة على الميت في المسجد، وكذلك الركوب بعد الفراغ من الدفن، كما يشرع الصلاة على القبر، وجواز إخراج الميت من القبر إن وجدت مصلحة تقتضي لذلك.

إخراج الميت من اللحد بعد أن يوضع فيه


شرح حديث: (... فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [إخراج الميت من اللحد بعد أن يوضع فيه.قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن سفيان: سمع عمرو جابراً رضي الله تعالى عنه يقول (أتى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعدما أدخل في قبره، فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه، ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه) والله أعلم].
يقول النسائي رحمه الله: إخراج الميت من اللحد بعد أن يوضع فيه، ومراد النسائي رحمه الله من هذه الترجمة أن إخراج الميت من اللحد بعد وضعه فيه لأمرٍ يعود إلى منفعته وإلى فائدته أن ذلك سائغ.
وقد أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى عبد الله بن أبي، وقد أدخل في قبره، ووضع في لحده، فأمر به، فأخرج، فوضعه على ركبته، ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه.
والحديث سبق أن مر بنا فيما مضى في إخراجه من القبر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ألبسه قميصه، وسبق أن مر بنا أن هذا مكافأة له على إلباس قميصه للعباس عمه لما أسلم، فبحثوا عن قميصٍ له فوجدوا الذي يناسبه قميص عبد الله بن أبي، فكافأه الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، وصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك قبل أن ينهى عن الصلاة على المنافقين، ونزلت الآية في النهي عن الصلاة عليهم، فلم يصل عليهم بعد ذلك صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (... فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه ...)

قوله: [قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع].لم يقل النسائي: أخبرني الحارث بن مسكين، وإنما قال: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، وقد مر بنا طرق عديدة يقول فيها النسائي: أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، والسبب في هذا والله أعلم أن النسائي حصل بينه وبين شيخه الحارث بن مسكين في بعض الفترات وحشة، ومنعه من حضور درسه، وسماع الحديث منه، فكان يأتي ويجلس من وراء الستار، ويسمع قراءة القارئ عليه، فيحدث بذلك، ولكنه لا يقول: أخبرني؛ لأن الحارث بن مسكين لم يرد إخباره، بل قد منعه من أن يحضر لأخذ الحديث عنه، فكان من حسن تعبيره، وحسن أدائه أن لا يقول: أخبرني، وهو لم يخبره ولم يرده بالتحمل، فكان يقول: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، أما الحالات التي كان قد أذن له فيها فإنه يعبر عنها بقوله: أخبرني الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، أو أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع.
إذاً: هذا هو الفرق بين قول النسائي: أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، وبين قوله: قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع.
وهذا من حسن التعبير والأمانة في التحمل، ومعلوم أن الأخذ عن الشيخ، وإن لم يرد أن يحدثه، بل حدثه غيره أن ذلك سائغ عند المحدثين؛ لأنه ليس من شرطه أن يكون أذن له أن يتحمل منه، بل لو سمعه يحدث، أو يقرأ عليه، أو يسمع فله أن يتحمل بهذه الطريقة، وليس من شرط ذلك أن يكون آذناً له أو عالماً به.
والحارث بن مسكين هو المصري الفقيه، وحديثه أخرجه أبو داود، والنسائي.
[عن سفيان].
هو ابن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمع عمرو].
هو ابن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ جابراً].
هو ابن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه رباعي؛ لأن فيه بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص: الحارث بن مسكين، وسفيان بن عيينة، وعمرو بن دينار، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وهؤلاء أربعة أشخاص بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه ليس عنده ثلاثيات، فأعلى ما عنده الرباعيات، وهذا منها.

شرح حديث: (إن النبي أمر بـعبد الله بن أبي فأخرجه من قبره ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسين بن حريث أخبرنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد حدثنا عمرو بن دينار سمعت جابراً رضي الله تعالى عنه يقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بـعبد الله بن أبي فأخرجه من قبره فوضع رأسه على ركبتيه، فتفل فيه من ريقه، وألبسه قميصه -قال جابر-: وصلى عليه) والله أعلم].أورد النسائي حديث جابر من طريق أخرى، وهي مثل التي قبلها؛ فيه ذكر إخراجه من القبر، والنفث عليه، وإلباسه القميص، وفيه أيضاً أنه صلى عليه، وقد سبق أن مر بنا أن عمر رضي الله عنه قال له: تصلي عليه وهو منافق، وقد قال كذا، وكذا، فقال عليه الصلاة والسلام: إنه خير، ولو علم أنه يزيد على السبعين، يعني: يستغفر، ويغفر لفعل، وصلى عليه، ثم أنزل الله عز وجل: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]، فترك الصلاة على المنافقين بعد نزول هذه الآية الكريمة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن النبي أمر بـعبد الله بن أبي فأخرجه من قبره ...)

قوله: [أخبرنا الحسين بن حريث].هو المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
[أخبرنا الفضل].
هو ابن موسى المروزي أيضاً، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن حسين بن واقد].
هو حسين بن واقد المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا عمرو بن دينار سمعت جابراً].
وقد مر ذكرهم، وهذا الإسناد أنزل من الإسناد الذي قبله؛ لأن الإسناد الذي قبله رباعي، وأما هذا خماسي، فيه الحسين بن حريث عن الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن عمرو بن دينار عن جابر خمسة، أما الطريق الأولى فهي أربعة.


إخراج الميت من القبر بعد أن يدفن فيه


شرح حديث جابر: (دفن مع أبي رجل في القبر فلم يطب قلبي حتى أخرجته ودفنته على حدة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب إخراج الميت من القبر بعد أن يدفن فيه.أخبرنا العباس بن عبد العظيم عن سعيد بن عامر عن شعبة عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: (دفن مع أبي رجل في القبر فلم يطب قلبي حتى أخرجته ودفنته على حدة)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي إخراج الميت من القبر بعد أن يدفن فيه، الترجمة السابقة هي إخراجه من اللحد قبل أن يدفن، وكان ذلك لمصلحة تعود للميت، وأما هذه الترجمة فهي ترجمة أخرى، وهي إخراج الميت من قبره بعد أن يدفن فيه، يعني: بعد الدفن يخرج للحاجة، أو لأمر يقتضي ذلك.
وهنا أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله، أن أباه دفن معه شخص في قبره، فلم تطب نفسه بذلك، فأخرجه ودفنه على حدة، يعني: الذي دفعه إلى ذلك ما وقع في نفسه من عدم الارتياح إلى دفنه معه، فنبشه، ودفنه على حدة.

تراجم رجال إسناد حديث جابر: (دفن مع أبي رجل في القبر فلم يطب قلبي حتى أخرجته ودفنته على حدة)

قوله:
[أخبرنا العباس بن عبد العظيم].
هو العباس بن عبد العظيم العنبري، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن سعيد بن عامر].
ثقة، صالح، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي نجيح].
هو عبد الله بن يسار بن أبي نجيح المكي، وهو ثقة، ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء].
هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
وقد مر ذكره.


الصلاة على القبر


‏ شرح حديث يزيد بن ثابت: (أنهم خرجوا مع رسول الله ذات يوم فرأى قبراً جديداً ... فقام رسول الله وصف الناس خلفه وكبر عليها أربعاً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [الصلاة على القبر. أخبرنا عبيد الله بن سعيد أبو قدامة حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا عثمان بن حكيم عن خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت (أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فرأى قبراً جديداً، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذه فلانة مولاة بني فلان -فعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم- ماتت ظهراً وأنت نائم قائل، فلم نحب أن نوقظك بها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف الناس خلفه، وكبر عليها أربعاً، ثم قال صلى الله عليه وسلم: لا يموت فيكم ميت ما دمت بين أظهركم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي له رحمة)].
أورد النسائي رحمه الله الصلاة على القبر، يعني: صلاة الجنازة على القبر بعد الدفن، وقد أورد النسائي حديث يزيد بن ثابت، أخي زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه، أنهم خرجوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى البقيع، فوجدوا قبراً جديداً، يعني: يظهر عليه أنه حديث الدفن، (فقال: ما هذا؟ قالوا: فلانة مولاة بني فلان)]، يعني: أتوا بها في القيلولة والرسول صلى الله عليه وسلم قائل، فكرهوا أن يوقظوه، فصلوا عليها ودفنوها، فالرسول صلى الله عليه وسلم صفهم وصلى عليها، وهذا هو محل الشاهد، أنه صلى على القبر بعد الدفن، والصلاة على القبر بعد الدفن سائغة، وجاءت بها السنة، وليس هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، بل هو له وللأمة؛ لأن عمل الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو للأمة، إلا أن يأتي شيء يدل على اختصاصه به، وأنه لا يشاركه فيه غيره، ولهذا صلى معه بعض الناس وصفهم، فدل هذا على أنه ليس من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وأن الصلاة على القبر بعد الدفن سائغة، ولكن ليس هذا بصفة دائمة، بل حيث يكون العهد قريباً، أما إذا كان العهد بعيداً فإنه لا يصلى على القبر، وهذا الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه كان القبر جديداً، أي: أنه فعل ذلك بعد الدفن بوقت يسير، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(ما من مسلم يموت إلا وقد آذنتموني حتى أصلي عليه، فإن صلاتي عليهم رحمة)] فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى أن يخبروه بمن يموت حتى يصلي عليه، وحتى تحصل شفاعته له بأن يدعو له في صلاته عليه، فإن في ذلك المصلحة، والفائدة الكبيرة للأموات، حيث يصلي عليهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث يزيد بن ثابت: (أنهم خرجوا مع رسول الله ذات يوم فرأى قبراً جديداً ... فقام رسول الله وصف الناس خلفه وكبر عليها أربعاً)

قوله:
[أخبرنا عبيد الله بن سعيد أبو قدامة].
هو عبيد الله بن سعيد أبو قدامة السرخسي، وهو ثقة، مأمون سني، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
[حدثنا عبد الله بن نمير].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عثمان بن حكيم].
هو عثمان بن حكيم الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن خارجة بن زيد بن ثابت].
ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة، ومن الستة المتفق على عدهم في السبعة، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، هذا وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وحديث خارجة بن زيد بن ثابت أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمه يزيد بن ثابت].
وهو أخو زيد بن ثابت صحابي، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، والنسائي وابن ماجه.

شرح حديث: (أخبرني من مر مع رسول الله على قبر منتبذ فأمهم وصف خلفه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد عن شعبة عن سليمان الشيباني عن الشعبي أخبرني من مر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر منتبذ، فأمهم وصف خلفه، قلت: من هو يا أبا عمرو؟ قال: ابن عباس رضي الله تعالى عنه].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام مر على قبر منتبذ، أي: أنه منعزل عن القبور، أو متميز عن القبور، فصلى عليه.
قوله: [(فأمهم وصف خلفه)].
أي: خلف القبر، وهذا دال على جواز الصلاة على القبر بعد الدفن، والحديث الأول يدل عليه، وهذا الحديث أيضاً يدل عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (أخبرني من مر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر منتبذ فأمهم وصف خلفه)


قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].هو إسماعيل بن مسعود البصري أبو مسعود، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
[عن خالد].
هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
وقد مر ذكره.
[عن سليمان الشيباني].
هو سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي].
هو عامر بن شرحبيل الشعبي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حديث: (أخبرني من رأى النبي مر بقبر منتبذ فصلى عليه وصف أصحابه خلفه) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم قال الشيباني: أنبأنا عن الشعبي، قال: (أخبرني من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر منتبذ فصلى عليه، وصف أصحابه خلفه، قيل: من حدثك؟ قال: ابن عباس)].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله.
قوله: [أخبرنا يعقوب بن إبراهيم].
هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا هشيم].
هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، كثير التدليس والإرسال الخفي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قال الشيباني].
هو سليمان بن أبي سليمان الشيباني، وقد مر ذكره.
[عن الشعبي ... ابن عباس].
وقد مر ذكرهما.

حديث: (أن النبي صلى على قبر امرأة بعدما دفنت) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن حدثنا زيد بن علي وهو أبو أسامة حدثنا جعفر بن برقان عن حبيب بن أبي مرزوق عن عطاء عن جابر رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة بعد ما دفنت)].أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة بعد ما دفنت، وهذا مطابق للترجمة، وهي الصلاة على القبر، ودال على ما دلت عليه الأحاديث التي قبله.
قوله: [أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن].
هو المغيرة بن عبد الرحمن الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا زيد بن علي وهو أبو أسامة].
هو زيد بن علي أبو أسامة النخعي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا جعفر بن برقان].
صدوق يهم، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن حبيب بن أبي مرزوق].
هو حبيب بن أبي مرزوق الرقي، وهو ثقة، فاضل، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[عن عطاء بن أبي رباح عن جابر].
وقد مر ذكرهما.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 07-06-2022, 07:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,234
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

الركوب بعد الفراغ من الجنازة


‏ شرح حديث: (خرج رسول الله على جنازة أبي الدحداح ... فركب ومشينا معه)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [الركوب بعد الفراغ من الجنازة.أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا أبو نعيم ويحيى بن آدم حدثنا مالك بن مغول عن سماك عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة أبي الدحداح فلما رجع أتي بفرس معروري، فركب ومشينا معه)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي الركوب بعد الفراغ من الجنازة، أي: بالانصراف، فالركوب في الذهاب والإياب، إلى المقبرة سائغ، وهذا يتعلق في الإياب والرجوع من المقبرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما فرغ من دفن الجنازة أتي بفرس معروري فركب عليه، والمعروري هو الذي عري، ليس عليه سرج، وليس عليه شيء يركب عليه، فهو دال على ما ترجم له من جهة الركوب بعد الفراغ من الجنازة، كما أن الركوب في الذهاب إليها جاءت به الأحاديث التي سبق أن مر ذكرها، وهو أن الراكب يكون وراءها، والماشي يكون وراءها، وأمامها، ويمينها، وشمالها، وهذا الحديث يتعلق بالانصراف، وأنه يركب وهو منصرف، وآيب من المقبرة.


تراجم رجال إسناد حديث: (خرج رسول الله على جنازة أبي الدحداح ... فركب ومشينا معه)


قوله:
[أخبرنا أحمد بن سليمان].
هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا أبو نعيم].
هو الفضل بن دكين الكوفي، مشهور بكنيته أبي نعيم، وهو من شيوخ البخاري، ويروي عنه النسائي بواسطة؛ لأنه من كبار شيوخ البخاري، والنسائي يروي عنه بواسطة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، ووصف بأنه فيه تشيع، ولكن قال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح: صح عنه أنه قال: ما كتبت عليّ الحفظة أنني سببت معاوية، ومن المعلوم أن من يكون كذلك لا يضره ما يوصف به من التشيع؛ لأن كونه لا يسب معاوية، ويخبر بأن الملائكة ما كتبت عليه أنه سب معاوية فهذا يدل على سلامة لسانه، وعلى سلامة قلبه من الوقوع في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن الوقوع في معاوية رضي الله عنه من أسهل الأشياء على من لم يوفق لسلوك طريق أهل السنة والجماعة، فالكلام فيه سهل عليهم، فـأبو نعيم الفضل بن دكين يقول: (ما كتبت عليّ الحفظة أنني سببت معاوية).
[يحيى بن آدم].
هو يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، مصنف، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك بن مغول].
هو مالك بن مغول الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك].
هو سماك بن حرب، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن جابر بن سمرة].
هو جابر بن سمرة بن جنادة، وهو صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.


الأسئلة


سفر المرأة مع أم وأخي زوجها لأجل الحج

السؤال: امرأة تريد أن تحج، ولكن زوجها لا يستطيع المجيء لسبب ما، وليس لديها محرم غير زوجها؛ حيث إن أقاربها وأبويها كفار، والآن تريد أن تحج مع أم زوجها وأخي زوجها، فهل هذا جائز؟


الجواب: ليس للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم).
مداخلة: فضيلة الشيخ! الله يحفظكم. إذا كان قريبها كافراً فهل يكون لها محرماً؟
الشيخ: الكافر لا يذهب إلى مكة؛ لأنه الآن في الحج، والكافر لا يكون لها محرماً، ولا يسافر بها، يعني: حتى في غير الحج. فهي غير مستطيعة، ومن الاستطاعة وجود محرم.

مناداة الزوجة لأم زوجها بلفظ العمة والخالة

السؤال: هل للمرأة أن تنادي أم زوجها بلفظ عمتي مثلاً أو خالتي؟

الجواب: المناداة بهذا لا بأس بها، ومن المعلوم أن إطلاق لفظ العم هو من الآداب التي يتأدب بها الصغار مع الكبار، بحيث يقول له: يا عم، وهو ليس من قرابته، أو كذلك يقول له: يا بني، وهو ليس ابناً له، مثل ما كان الرسول يقول لـأنس: يا بني، وكذلك بعض الصحابة كان يقول بعضهم لبعض: يا عم، وهو ليس من أعمامه، والحديث الذي فيه ذكر الشابين اللذين كانا عن يمين عبد الرحمن بن عوف وشماله في غزوة بدر، وكان أحدهما الذي عن يمينه غمزه وقال له: يا عم، أتعرف أبا جهل؟ قال: وماذا تريد منه؟ قال: إنه يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأقرب منا أجلاً، والحاصل أنه قال له: يا عم، والثاني الذي عن يساره قال له: يا عم، وقال له مثل ما قال الأول، فلما رأى أبا جهل قال: هو هذا, فذهبا إليه وقتلاه، فمحل الشاهد قول كل منهما لـعبد الرحمن بن عوف: يا عم، وهما أنصاريان، وعبد الرحمن بن عوف من المهاجرين.

ضابط الكثرة في المبيت في مزدلفة ومنى

السؤال: ذكرتم أن المبيت بمزدلفة ومنى الواجب أن يكون أكثر الليل، فما ضابط الكثرة، ومدة الليل في هذه الأيام متسعة؟


الجواب: معلوم أن الكثرة هي أغلب الليل، يعني: ما زاد شيء على النصف، تصدق الكثرة فيه، لكن الذي ينبغي أن يكون أغلب الليل، وأن يكون الشيء الذي هو خارج منى شيئاً قليلاً بالنسبة للذي كان فيه بمنى.

حكم الرمي والحلق قبل يوم النحر للنافر من مزدلفة ليلاً

السؤال: إذا نفر من مزدلفة الساعة الثانية ليلاً فهل له أن يرمي الجمرة، وأن يحلق، ويتحلل في هذا الوقت؟


الجواب: الذين لهم حق الانصراف، ومغادرة مزدلفة في آخر الليل هم الذين يرخص لهم أن يرموا الجمرة، ولهم أن يحلقوا، ولهم أن يطوفوا، فكل ذلك لهم أن يفعلوه.

تفسير معنى حديث: (إن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء)


السؤال: حديث: (إن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء) هل يعني هذا أنه لو نبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم لوجد فيه كما دفن؟


الجواب: نعم هذا هو معناه، أن الأنبياء عندما يدفنون في قبورهم يبقون فيها إلى يوم البعث والنشور، لا تتأثر أجسادهم، ولا تأكلها الأرض، فهذا هو معنى الحديث.

الدليل على اشتراط قرب العهد في جواز الصلاة على القبر

السؤال: ما الدليل على التفريق بين قرب العهد وبعده على الصلاة على القبر؟

الجواب: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا في عهدٍ قريب) يعني: فلو أن إنساناً علم بموت شخص بعد سنة فلا يأتي ويصلي على القبر؛ لأن هذا بعيد.

وصف حديث في الصحيحين بالحسن إذا كان في إسناده رجل صدوق

السؤال: إذا كان الحديث عند البخاري، ومسلم وفي إسناده رجل صدوق، فهل نقول بأن الحديث حسن وهو في الصحيحين؟


الجواب: هو ثقة عند البخاري، ومسلم، ولهذا يقال له: صحيح، ولا يقال له: حسن.

كيفية معرفة موت الإنسان

السؤال: إذا انقطع نفس الإنسان، ولم يعلم هل هو ميت أم حي، فكيف يعرف حاله؟


الجواب: من السهل معرفة حاله في الوقت الحاضر، وذلك عن طريق الأطباء، وقبل ذلك كانوا يعرفون ذلك، ولكن أحياناً وفي حالات نادرة كانوا يكفنون الشخص، ويذهبون به للدفن، ثم بعد ذلك يتحرك، فيرجعون به، وقد ذكروا في ترجمة سعير بن الخمس، وهو من رجال مسلم واسمه واسم أبيه من الأسماء المفردة التي ما تكررت التسمية بها، فاسمه سعير، وأبوه الخمس، فهي من الأسماء المفردة، ذكروا في ترجمته أنه أصابه إغماء فغسلوه، وكفنوه، وحملوه على النعش، ثم بعد ذلك تحرك، فرجعوا به، وعاش بعد ذلك وولد له ابن اسمه: مالك.

حكم قتل المحرم للذباب

السؤال: هل للمحرم أن يقتل الذباب؟

الجواب: نعم، هذه الأشياء التي هي مؤذية مثل: الذباب والبعوض إذا رشها له ذلك.
وكذلك العقرب، والحية، والعقرب جاء فيها النص.

حكم استقبال القبلة داخل البنيان عند قضاء الحاجة

السؤال: هل يجوز استقبال القبلة داخل البنيان عند قضاء الحاجة؟

الجواب: الأولى أن لا يستقبل، والذي ينبغي أن تبنى المراحيض وليست متجهة إلى القبلة ولا مستدبرة لها، وإنما تكون في الجهتين اللتين ليس فيهما استقبال ولا استدبار، وإذا وجدت الحمامات، أو المراحيض إلى جهة الاستقبال والاستدبار، فللإنسان أن يفعل ذلك، ولكن عندما تبنى المراحيض فالمشروع أن يكون اتجاهها إلى غير جهة القبلة لا استقبالاً، ولا استدباراً، فتكون في مثل المدينة للشرق والغرب، فهذا هو الذي ينبغي، وإذا وجدت المراحيض واستعملها الإنسان فلا بأس بذلك؛ لأن عبد الله بن عمر رضي الله عنه جاء في حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة، ولكن الإنسان يحرص على أن لا يستدبر الكعبة، ولا يستقبلها، لا في بنيان، ولا في غيره، وإن احتاج إلى ذلك في البنيان؛ لوجود المراحيض على هذه الصفة المستقبلة للقبلة والمستدبرة لها فله أن يستعملها على وضعها، ولهذا أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: فلما قدمنا الشام وجدنا المراحيض بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها يسيراً، ونستغفر الله.

الجمع والقصر في السفر ولزوم الجماعة على المسافر

السؤال: هل إذا وصل المسافر إلى البلد الذي سافر إليه له أن يقصر أربعة أيام ويجمع، وهل تلزمه الجماعة؟

الجواب: إذا كان الإنسان سيقيم أربعة أيام فأقل فيعتبر مسافراً، وله حق القصر والجمع، فله أن يقصر إذا صلى وحده، والأولى له ألا يجمع، وإن جمع فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في تبوك وهو مقيم، يعني: ليس سائراً، وليس منتقلاً، وجاداً به السير، بل جمع بين الصلاتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في تبوك، وهو مقيم بها وهو مسافر غير جادٍ به السير، لكن الإنسان عليه أن يحضر الجماعة، وإذا سمع النداء فعليه أن يذهب للمسجد ولا يصلي في البيت بحجة أنه مسافر، بل عليه أن يذهب إلى المسجد، ويصلي مع الجماعة، وإذا صلى مع إمام مقيم فإن عليه أن يتم، وليس له أن يقصر، وإنما القصر إذا صلى وحده.

حكم الفرش المتنجس الذي يشق إخراجه لغسله

السؤال: إذا أصاب الفرش نجاسة وشق إخراجه لغسله، فما الحكم حينئذٍ؟

الجواب: إن أمكن إخراجه غسل، وإلا فإنه يكاثر عليه الماء، ويصب عليه الماء، ويكثر من غسله حتى يتحقق بأن النجاسة زالت، وكونه يشق فهذا لا يشق؛ لأنه كما أدخل يخرج، لكنه يمكن أن يكاثر عليه الماء، وأن يصب عليه الماء، وأن يكثر حتى يتحقق من طهارته.

معنى صفة الجبار لله عز وجل

السؤال: ما معنى صفة الجبار لله عز وجل؟

الجواب: الجبار اسم من أسماء الله، وصفته الجبروت، يعني: صاحب هذا الوصف، والجبار كما هو معلوم لفظه واضح؛ لأن بعض الأسماء تتقارب، لكن بينها فرق، مثل الجبار المتكبر، وبعض الناس يوصف بأنه جبار، لكنه مذموم، ويكون وصف ذم إذا أضيف إلى المخلوق، وأما إذا أضيف إلى الخالق فهو كمال ومدح.

قصر الصلاة لمن يسكن في منزل خارج منى بقليل

السؤال: هل يقصر من يسكن في منزل خارج منى بقليل؟

الجواب: الحجاج يقصرون الصلاة، وأما أهل مكة فإنهم يقصرون في منى، وفي عرفات، وفي مزدلفة مع الحجاج، ولكنهم إذا كانوا في منازلهم أو كانوا في غير منى فإنهم لا يقصرون.

حكم إقامة جماعة أخرى في مسجد لا تقام فيه جمعة

السؤال: هل للإنسان أن يصلي في جماعة بعد أن فاتته الجماعة الأولى؟ علماً أن للمسجد إماماً راتباً، ولكن لا يصلى فيه الجمعة؟.

الجواب: على كل قضية الجمعة، يعني: ما كل مسجد يصلى فيه جمعة، ولكن كونه يصلى فيه، وله إمام راتب فهذه هي الجماعة، وإذا فاتت الجماعة وجاءوا وقد فاتتهم الصلاة فلهم أن يصلوا جماعة، ولمن صلى الجماعة أن يصلي معهم؛ سواء كان إماماً، أو مأموماً، ولكن تكون له نافلة، أي: الذي صلى مع الجماعة وأراد أن يصلي مع الذي فاتته الصلاة أو مع الذين فاتتهم الصلاة؛ سواء كان إماماً، أو مأموماً، سواء كان الجماعة الذين فاتتهم الصلاة عدداً، وصلى واحد منهم ببعضهم، أو جاء واحد قد صلى وصلى معهم عند إعادة الصلاة كل ذلك سائغ.

صحة ادعاء نسخ النهي عن الجمع بين اسم النبي وكنيته بموته صلى الله عليه وسلم


السؤال: هل النهي الذي ورد بين الجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته منسوخ بموته عليه الصلاة والسلام أم لا؟


الجواب: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (سموا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي) بعض العلماء يقول: إن هذا خاص بزمنه عليه الصلاة والسلام، وبعض العلماء يقول: إن هذا مستمر، ومن المعلوم أن الذي فيه الراحة والطمأنينة كون الإنسان يتكنى بغير هذه الكنية، لا شك أن هذا هو الذي فيه الاحتياط، وفيه طمأنينة النفس تماماً.

مدى إمكانية الإحرام من منى بالحج

السؤال: هل يمكن للشخص أن يحرم من منى للحج؟

الجواب: يمكن إذا كان نازلاً بمنى، وجاء اليوم الثامن وهو بمنى، فله أن يحرم من منى، ولا يلزمه أن ينزل إلى مكة، بل يحرم من منزله؛ سواء كان بمكة أو بمنى، إن كان بمكة فإنه يحرم ويذهب إلى منى، وإن كان مقيماً بمنى قبل يوم ثمانية فإنه يحرم من منزله بمنى، ولا يحتاج الأمر إلى أن ينزل مكة ليحرم فيها ثم يرجع.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 07-06-2022, 07:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,234
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجنائز

(352)

- (باب الزيادة على القبر) إلى (باب تسوية القبور إذا رفعت)

جاء الإسلام بالنهي عن الغلو وذمه وبيان خطره على توحيد المسلم وعقيدته، ومن ذلك: المبالغة والغلو في تجصيص القبور، والبناء عليها، والزيادة في رفعها؛ لأن هذا الفعل قد يستوجب فتنة الناس بها، وربما وصل الأمر إلى الاستغاثة والشرك بأصحابها.

الزيادة على القبر


شرح حديث: (نهى رسول الله أن يبنى على القبر أو يزاد عليه ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الزيادة على القبر. أخبرنا هارون بن إسحاق حدثنا حفص عن ابن جريج عن سليمان بن موسى وأبي الزبير عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى على القبر، أو يزاد عليه، أو يجصص، زاد سليمان بن موسى: أو يكتب عليه)].
يقول النسائي رحمه الله: الزيادة على القبر، المراد من هذه الترجمة هو: أن الزيادة على القبر بأن يضاف إليه شيء غير ترابه أن ذلك لا يجوز، فلا يزاد على القبر شيء يؤتى به من خارج، ويضاف إليه، وإنما يكتفى، ويقتصر على التراب الذي أخرج منه، فإنه يعاد فيه، ولا يزاد عليه شيء سوى ذلك، هذا هو المقصود من الترجمة.
وقد أورد النسائي في ذلك حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه وأرضاه، (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يبنى على القبر، وأن يزاد عليه وأن يجصص، وأن يكتب عليه)، هذه أمور أربعة اشتمل عليها الحديث، وفيها نهي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن فعلها، أولها: البناء على القبور، والبناء على القبور لا يجوز، بل يدفن الموتى في المقابر مكشوفين، قبورهم بارزة لا بناء عليهم، كما هو الحال في مقبرة البقيع التي قبر فيها الصحابة ومن بعدهم إلى يومنا هذا، هكذا يجب أن تكون القبور، لا يبنى بنيان لا حجر، ولا قباب، ولا مساجد، ولا غير ذلك، هذا هو الواجب فيها.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البناء على القبور كما جاء في هذا الحديث، وجاء عنه التحذير من اتخاذها مساجد، أو يبنى عليها مساجد، أو يدفن الموتى في المساجد، كل ذلك لا يسوغ، وهي من الأمور المحرمة التي لا تقرها هذه الشريعة المطهرة بل تمنع منها وتحذر منها.
وكان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حذر من اتخاذ القبور مساجد قبيل وفاته صلى الله عليه وسلم، وعند نزع روحه صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليلاً، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً -ثم قال-: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك).
وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه لما نزل به الموت، طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فهذه الأحاديث الواضحة، الجلية، المحكمة، الثابتة، التي لا تقبل النسخ بحال، دالة على تحريم اتخاذ القبور مساجد، والحديث الذي معنا دال على تحريم البناء على القبور، وأنه لا يجوز البناء عليها لا حجر، ولا قباب، ولا مساجد، ولا غير ذلك، بل تكون كما هو الحال في مقابر المسلمين يدفن الموتى في المقابر، قبورهم بارزة مكشوفة لا بناء عليها.
أما كون النبي عليه الصلاة والسلام قبر في حجرة عائشة أم المؤمنين فهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لأحد أن يدفن أحدٍ في بنيان احتجاجاً بما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا من خصائصه، وللنبي عليه الصلاة والسلام خصائص حصلت بعد موته، وهي مختصة به، وقد ذكرها الذهبي رحمه الله، في ترجمة عبد الله بن لهيعة في سير أعلام النبلاء، ومنها: كون النبي عليه الصلاة والسلام دفن في داخل الحجرة، وأن هذا من خصائصه، ومنها: كون الصحابة صلوا عليه فرادى، ولم يصلوا عليه جماعة، بل كل يأتي، ويصلي عليه لوحده، وكذلك كونه وضع تحته قطيفة كل هذه من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تتخذوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) وقوله: (لا تتخذوا بيوتكم قبوراً) يشمل معنيين أحدهما: أن يدفن الموتى في القبور، والثاني: أن لا تتخذ البيوت قبوراً. أو تكون البيوت تشبه المقابر بحيث لا يقرأ فيها، ولا يصلى فيها، بل يكون لها نصيب من الصلاة، ولها نصيب من القراءة.
هذه هي النقطة الأولى، وهي: البناء على القبور، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور، وأن تجصص وهي: الثانية، والمراد بالجص هو: ما يتخذ من الأرض، وفي أماكن من الأرض بحيث يقتطع منها ومن جوفها قطع، ثم تحرق بالنار، ثم تستعمل في طلاء الجدران ولونها أبيض، يعني: يلوح بياضاً، هذا هو المقصود بالجص، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجصص القبور، بمعنى: أنه إذا دفن الميت وأهيل عليه التراب، يؤتى بجص فيوضع على القبر، بحيث يكون القبر على هيئة بيضاء تلوح، قد طلي وغطي بالجص، هذا هو المراد بالجص، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن تجصص القبور؛ وقيل: لأن الجص يحرق بالنار، وقيل غير ذلك، وهو أنه لا يزاد على القبر شيء غير ترابه، وهذه زيادة فلا تجوز، وهذا هو الأوضح، ولهذا: يكون في معنى الجص، مثل الإسمنت، وغير ذلك من الأشياء التي تضاف إليه، بل القبور يهال عليها ترابها، ولا يزاد عليها شيء غير ترابها، ويرش عليها الماء بحيث يتلبد التراب، وأما كونها تجصص، أو تطين، أو يؤتى بطين يضاف إليها، أو يؤتى بجص يضاف إليها، أو يؤتى بإسمنت يضاف إليها كل ذلك لا يسوغ، والحديث جاء في التنصيص على الجص وغيره مثله، ويعطى حكمه.
والثالث: أن يزاد على القبر غير ترابه، بأن يؤتى بأشياء غير تراب القبر تضاف إليه، فإنه يقتصر على التراب الذي خرج من القبر لا يضاف إليه شيء آخر سوى ذلك.
والأمر الرابع: الكتابة على القبور، فلا يكتب عليها، لا أسماء أصحابها، ولا تاريخ الوفاة، ولا شيء من القرآن، ولا غير ذلك، هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله أن يبنى على القبر أو يزاد عليه ...)

قوله: [أخبرنا هارون بن إسحاق].صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا حفص].
هو ابن غياث، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان بن موسى].
صدوق، فقيه، في حديثه بعض اللين، أخرج حديثه مسلم في مقدمة الصحيح، وأصحاب السنن الأربعة.
[وأبو الزبير].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو ابن عبد الله الأنصاري، صحابي ابن صحابي رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء السبعة هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.


البناء على القبر


شرح حديث: (نهى رسول الله عن تجصيص القبور أو يبنى عليها ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [البناء على القبر. أخبرنا يوسف بن سعيد حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً رضي الله تعالى عنه يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور أو يبنى عليها أو يجلس عليها أحد)].
أورد النسائي الترجمة وهي: البناء على القبر، والترجمة السابقة هي: الزيادة على القبر، وهنا البناء على القبر، وأورد فيه حديث جابر رضي الله عنه، من طريق أخرى، وهو مشتمل على بعض ما اشتملت عليه الطريق الأولى، ولكن المقصود منها مشتمل على بعض الطريق الأولى وزيادة وهو: النهي عن الجلوس على القبر، والمقصود منه ذكر البناء، قد مر في الطريق السابقة، وجاء في هذه الطريق والمقصود من ذلك المنع من البناء على القبور، فلا يبنى عليها، لا يتخذ عليها بناء.

تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله عن تجصيص القبور أو يبنى عليها ...)

قوله: [أخبرنا يوسف بن سعيد].هو يوسف بن سعيد المصيصي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا حجاج].
هو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج أخبرني أبي الزبير أنه سمع جابراً].
وقد مر ذكرهم.


تجصيص القبور


شرح حديث: (نهى رسول الله عن تجصيص القبور..) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [تجصيص القبور.أخبرنا عمران بن موسى حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن أبي الزبير عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تجصيص القبور، أي: أنها لا تجصص، قد عرفنا المراد بتجصيصها وأن الحديث دل على منعه وأنه لا يزاد على القبر منه شيء آخر لا جص، ولا سمنت، ولا طين، ولا غير ذلك، وأورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه، من طريق أخرى، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن تجصيص القبور.
فالحديث الأول نهى أن يجلس على القبر يعني: فيه أمر آخر غير ما تقدم في الطريق الأولى وهو الجلوس على القبر، فالإنسان لا يجوز له أن يجلس على القبر؛ لأن فيه إهانة للمقبور، فلا يجوز للإنسان أن يجلس عليه، ومن باب أولى أن لا يقضي حاجته عليه؛ لأن فيه إهانة، فإن التبول عليه، أو قضاء الحاجة عليه من باب أولى أن ذلك لا يسوغ، ولا يصح.
فإذاً: لا يبنى على القبور، ولا يزاد عليها، ولا تجصص، ولا يكتب عليها، ولا يجلس عليها، كل هذه أمور جاءت الشريعة بمنعها.

تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله عن تجصيص القبور..) من طريق أخرى

قوله:
[أخبرنا عمران بن موسى].
صدوق، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا عبد الوارث].
هو ابن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السخسياني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير عن جابر].
وقد مر ذكرهما.


تسوية القبور إذا رفعت


‏ شرح حديث فضالة بن عبيد في القبور: (سمعت رسول الله يأمر بتسويتها)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [تسوية القبور إذا رفعت. أخبرنا سليمان بن داود قال ابن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث أن ثمامة بن شفي حدثه: (كنا مع فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه بأرض الروم فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بقبره فسوي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها)].
أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: تسوية القبور إذا رفعت، يعني: بأن يزيد عليها شيء في دفنها، أو بني عليها فإنه يجب تسويتها، أي: إزالة ذلك الذي وضع، والذي يحصل لها من رفعها بالبناء عليها أو بوضع شيء ارتفع القبر بسببه، بل الواجب كما ذكرت آنفاً هو الاقتصار على تراب القبر، وأن لا يزاد عليه شيء آخر سوى ذلك، هذا هو الواجب، فهذا هو المقصود بالترجمة، وقد أورد النسائي حديث فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه، وهو أن ثمامة بن شفي قال: كنا مع فضالة بن عبيد في أرض الروم، فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بن عبيد بتسوية قبره وقال: [(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها)].
أي: أنها لا ترفع، ولا يضاف عليها شيء آخر، ولا يبنى حولها بنيان تدخل تحته كالمسجد، أو المدرسة، أو الحجرة، أو قبة، أو ما إلى ذلك، كل هذا من البنيان الذي لا يسوغ، وإذا وجد فإنه يجب تسويته، وإزالته.

تراجم رجال إسناد حديث فضالة بن عبيد في القبور: (سمعت رسول الله يأمر بتسويتها)

قوله:
[أخبرنا سليمان بن داود]
.هو سليمان بن داود أبو الربيع المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[قال ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عمرو].
هو ابن الحارث المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أن ثمامة].
هو ابن شفي أبو علي الهمداني المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي في النسخة الشامية.
والمشهور في النسخة المصرية لا يوجد فيها ثمامة، ولكنه يوجد في التهذيب، وفي ظني أن فيه أربعة، والحقيقة: التحقق من ذلك يكون بالرجوع إلى تهذيب الكمال، هذا هو الذي فيه التوضيح والبيان، فالذي في ذهني أن مسلماً معه ثلاثة من أصحاب السنن الأربعة.
[عن فضالة بن عبيد].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

شرح حديث: (... لا تدعن قبراً مشرفاً إلا سويته ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى حدثنا سفيان عن حبيب عن أبي وائل عن أبي الهياج قال علي رضي الله تعالى عنه: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا تدعن قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا صورة في بيت إلا طمستها)].أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال لـأبي الهياج الأسدي: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تدعن قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا صورة في بيت إلا طمستها) قول علي رضي الله عنه لـأبي الهياج الأسدي: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذه العبارة هي من العبارات التي يراد بها تهيؤ السامع لما يلقى عليه؛ لأن هذا عرض، وفيه حفز للسامع إلى أن يتنبه، وإلى أن يستعد للشيء الذي يراد أن يبين له، وقد مهد له بهذا التمهيد، فمثل هذا التمهيد يقتضي التطلع، والتشوق إلى ما يلقى عليه ليكون ذلك أمكن في حفظه، وليكون ذلك أمكن في استيعابه له، وعدم فواته عليه: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) ثم بين له الذي بعثه عليه أن لا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه (ألا تدعن قبراً مشرفاً إلا سويته)، مشرف أي: مرتفع، سواء ذلك الارتفاع ببنيان جعل فوقه، أو حوله، أو بإضافة إلى القبر نفسه حتى كان مرتفعاً بسبب هذه الإضافات التي أضيفت إليه، وهذا هو المقصود من الترجمة،وقد عرفنا أنه لا يزاد على القبر شيء سوى ترابه، ويكتفى به، وإذا زيد عليه شيء آخر يضاف إليه فيرتفع بسبب ذلك فإن ذلك سائغ، والواجب هو: إزالة ذلك الزائد الذي أضيف إليه، وكذلك أيضاً لا يدع صورة في بيت إلا طمسها، والمراد بالصورة أي: صور ذات الأرواح من الآدميين والحيوانات والطيور وغير ذلك من الأشياء التي فيها روح، هذه هي التي يحرم تصويرها، وأما غير ذوات الأرواح مثل: الجدران، والبنيان، والشجر، وغير ذلك، فإن هذا لا بأس به، ولا مانع منه، وإنما المحذور هو: ذوات الأرواح، وطمسها يكون بمحوها، أو بإزالة الرأس، والوجه، وطمسه، وإزالته، هذا هو المقصود بالطمس للصورة، وهذا هو المقصود من تسوية القبر المشرف.

تراجم رجال إسناد حديث: (... لا تدعن قبراً مشرفاً إلا سويته ...)

قوله:
[أخبرنا عمرو بن علي].
هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث وهي أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن حبيب].
هو حبيب بن أبي ثابت الكوفي، وهو ثقة، فقيه، كثير التدليس، والإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي وائل].
هو شقيق بن سلمة الكوفي مشهور بكنيته، ومشهور باسمه، وهو ثقة مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الهياج].
هو أبو الهياج الأسدي واسمه: حيان بن حصين، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
[قال علي].
هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أبي الحسنين ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورابع الخلفاء الراشدين، الهادين، المهديين رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 07-06-2022, 07:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,234
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

الأسئلة


حكم ذكر البسملة في وسط السورة

السؤال: حفظكم الله، هل تجوز البسملة في وسط السورة؟

الجواب: إذا قرأ القرآن، وبدأ من أول السورة فالبسملة موجودة فيها، لكن المطلوب هو: الاستعاذة.. (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ )[النحل:98] فيستعاذ بالله عند بداية القرآن، وإذا أتم أي: استعاذ بالله وبسمل، فلا بأس بذلك.

حكم القبة التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال: حفظكم الله، ما حكم القبة التي على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: اتخاذ القباب، والبناء على القبور، وإظهار ذلك: غير سائغ، القبة، وغير القبة الرسول دفن بحجرة وفي بنيان مسطح، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما عرفنا ذلك أنه من خصائصه دفنه في بيته، أما وضعه على هذا الوضع الذي هو عليه فهذا من الأمور المحدثة.

بيان زمن بناء القبة التي على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم

السؤال: هل وضع القبة على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم هو من فعل الصحابة؟

الجواب: لا أبداً، هذه القبة بناء جديد وقريب، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ما عملوا شيئاً بحجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، بل دفن فيها، وبقيت على ما هي عليه حتى أزيلت، أو أدخلت في المسجد.

حجية الاكتفاء بما ورد في أحد الصحيحين عن غيرهما

السؤال: حفظكم الله، إذا ورد الحديث في الصحيحين فهل يكتفى به عن غيرهما؟

الجواب: نعم يكفي، لكن البحث يعني: كونه يوجد في غير الصحيحين، ويوجد عن طريق جماعة من الصحابة يمكن أن يصل إلى حد التواتر بهذه الطرق، فيبحث عن وروده من طريق الصحابي، أو من طرق أخرى، فيكون مشهوراً، ويكون عزيزاً، ويكون متواتراً في البحث، وأما من حيث الكفاية، والاعتماد على الحديث، فإن وجوده في الصحيحين كافٍ ولا يحتاج إلى أن يبحث عن شيء وراء ذلك من أجل إثباته، وإنما من أجل معرفة كونه يصل إلى حد التواتر، أو لا يصل، أو يكون مثلاً فيه زيادات في بعض الروايات خارج الصحيحين وهي ليست في الصحيحين، فهو من هذه الناحية يمكن أن يبحث عن الحديث الذي في الصحيحين، وقد يبحث عنه في غير الصحيحين لهذه الأغراض، لا للتثبت أو لتقويته، فإن الحديث في الصحيحين كافٍ، وقوي، ويحتج به، ويعمل به، وإن لم يأت شيء يؤيده، ويضاف إليه.

فائدة قول الراوي أخبرني وأخبرنا

السؤال: حفظكم الله، لماذا يقول النسائي رحمه الله تعالى في كتابه في موضع: أخبرني إبراهيم بن يعقوب، وفي موضع آخر يقول: أخبرنا مع أنه شخص واحد؟


الجواب: التعبير بأخبرني وأخبرنا المقصود منه أن الراوي إذا سمع من الشيخ وحده وليس معه أحد فإنه يقول أخبرني، وأما إذا سمع هو وغيره فإنه يعبر بأخبرنا.

الفرق بين (قلت) و(قيل) من كلام النسائي

السؤال: ورد في حديث إسماعيل بن مسعود عبارة قلت: من هو يا أبا عمرو، قال: ابن عباس، وأوردها الشيخ الألباني بصيغة المجهول في صحيح السنن في قوله: قيل من حدثك؟ قال: ابن عباس، ما وجه التوفيق بين قلت وقيل؟


الجواب: التعبير الذي فيه قلت، واضح بأن الذي قال ذلك هو الذي أبهم، الذي قال بعض ما مر معنا في الحديث وهو قوله: (من مر على قبر منتبذ فصلى عليه، قلت: من حدثك؟ قال: ابن عباس)، يعني: هذا الرجل الذي أبهمت من هو والذي مر مع الرسول صلى الله عليه وسلم على قبر منتبذ فقال: هو ابن عباس، فقوله: (قلت) واضح بأن الذي قال هذا هو الراوي عن ابن عباس، هو الذي أخذ عن ابن عباس، وأما (قيل) فكما هو معلوم: يحتمل أن يكون الذي قال ذلك هو نفس الذي قال: قلت، وهذه فيها عدم التنصيص على نفس الإنسان، وهذا سائغ، أحياناً يكون الرجل الذي سأل هو نفس صاحب الحديث فيقول: قال رجل، وهو يعني نفسه، ما يقول قلت، وإنما يقول قال رجل أو سأله رجل، ويعني به نفسه، ويحتمل أن يكون الذي قال ذلك هو الذي دونه، وأنه قيل لـابن عباس كذا وكذا، ومن المعلوم: أن الذي قاله هو الراوي عنه.

أهم كتب الجرح والتعديل

السؤال: حفظكم الله، ما هو الكتاب الذي ممكن نتعلم منه الجرح والتعديل لنحكم على الحديث بالصحة والضعف؟

الجواب: كتب الرجال ليس هناك كتاب معين يرجع إليه، وإنما يرجع إلى كتب الرجال وكلام الحفاظ في الرجال جرحاً وتعديلاً، فمثلاً رجال أصحاب الكتب الستة، مثل تهذيب الكمال وما تفرع منه، وكذلك الرجوع إلى كتاب الميزان للذهبي، والرجوع إلى لسان الميزان لـابن حجر وغيرها من الكتب التي تتكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وكذلك كتب الجرح والتعديل المختلفة المتعددة مثل الجرح والتعديل لـابن أبي حاتم ولغيره، فهذه هي الكتب التي يرجع إليها لمعرفة أحوال الرواة، ومعرفة الحكم على الراوي من حيث قبول خبره أو عدم قبوله.

كيفية قطع رأس الصورة

السؤال: حفظكم الله، هل يكتفى بإزالة الصورة بوضع خط على رقبة الصورة كما يفعله بعض الناس؟


الجواب: لا يكفي أن يوضع الخط، بل يمكن أن تكون الصورة هي الرأس فقط، فهي تزال، وتغطى أو تطمس.

بيان حكم الرسم ثم طمس ما رُسم

السؤال: ما حكم من يرسم الصورة، ثم يطمسها؟


الجواب: كل ذلك لا يجوز فالطمس واجب ومتعين، لكنه فعل التصوير، والتصوير نفسه حرام، ولو طمسها بعد ذلك؛ فهو فعل المحرم.

حكم الكتابة على القبور


السؤال: نجد الآن كثيراً من القبور يكتب على أطرافها بالحجر أو بالرخام اسم الميت فهل يجوز هذا؟

الجواب: لا يجوز هذا أبداً، لا يجوز الكتابة عليها لا اسم، ولا تاريخ وفاة، ولا قرآن، ولا أي شيء.

حكم نفاذ عقد الإجارة وإن لم يستوفِ المنفعة

السؤال: حفظكم الله، شخص استأجر غرفة في فندق لمدة أربعة أيام، ثم سافر في الليل لأمر طارئ، وقبل أن يتم المدة، وقد دفع مبلغ أربعة أيام عند كتابة العقد، فهل له حق أن يطلب بقية المال؟

الجواب: إذا كان الاستئجار لمدة أربعة أيام والاتفاق على أربعة أيام فالعقد ينفذ، إلا إذا حصل اتفاق بين الطرفين على فسخ ذلك العقد.

مدى جواز توكيل شخص في الفدية

السؤال: ما حكم التوكيل في الفدية لمن عليه فدية؟


الجواب: هذا سائغ، فالذي عليه فدية له أن يوكل غيره بحيث يقوم بشرائها، وذبحها، وتوزيعها، ولا يلزم أن يتولى ذلك بنفسه، بل لو كان عليه فدية، وسافر، وأرسل مع من يأتي إلى مكة نقوداً ليشترى بها ذبيحة تذبح، وتوزع على فقراء الحرم حصل المقصود بذلك، فلا بأس.

النهي الوارد في البناء على القبور للتحريم

السؤال: هل النهي الوارد في البناء على القبور للتحريم أو الكراهة؟

الشيخ: لا، للتحريم طبعاً.

حكم بناء القباب على المساجد

السؤال: بناء القبة في المسجد هل هو مكروه أو محرم؟

الجواب: القباب في المساجد ليست محرمة، يعني: كونه يجعل المساجد فيها قباب، أو يكون فيها قبة لا بأس بذلك، ولكن عدمها أولى؛ لأن القباب لا يستفاد من السطوح بسببها، فإذا كان البناء مقبب، والسطح مقبب، فإن السطح لا يستفاد منه، وأما إذا كان متساوياً فإنه يستفاد منه.

النهي عن استعمال الشمال في الأكل والشرب

السؤال: استعمال الشمال في الأكل والشرب؟

الجواب: لا يجوز للإنسان أن يأكل بشماله، ولا يشرب بشماله بل يأكل بيمينه، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالأكل والشرب باليمين وقال: (إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله).

بعض الأمثلة على وجود أحاديث قليلة شاذة في الصحيحين

السؤال: هل في الصحيحين أحاديث شاذة؟

الجواب: نعم، فيه أشياء شاذة، ولكنها يسيرة جداً، يعني: حصل خطأ من بعض الرواة، فقد خالفوا من هو أحفظ منهم، وروايتهم محفوظة، ومن هم دونهم روايتهم شاذة، وقد ذكرنا أمثلة بما في صحيح مسلم من الشذوذ في حديث صلاة الكسوف، وهو أنه جاء في بعض الروايات في صحيح مسلم أنه صلى كل ركعة بثلاثة ركوعات، والروايات المحفوظة التي جاءت عن الثقاة الأثبات أنها كل ركعة بركوعين، وكلها تحكي صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم.
إذاً: هذه رواية شاذة، وإسنادها صحيح، ولكنها مخالفة لرواية من هو أحفظ منه، وكذلك رواية لا يرقون، في السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فإن أكثر الروايات يسترقون، وجاء في صحيح مسلم، في بعض الروايات يرقون بدل يسترقون وهذه شاذة؛ لأنها أولاً: مخالفة لتلك الروايات، ثم أيضاً فيها أنهم لا يرقون، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رقى نفسه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لكنه لم يسترق، وفرق بين الرقية والاسترقاء.

حكم رواية المدلسين في الصحيحين وحملها على الاتصال

السؤال: ورد في آخر الحديث في ترجمة حديث ابن أبي ثابت أنه يرسل ويدلس، فهل هذا يعني: أن الحديث ضعيف، حديث أبي الهياج الأسدي؟

الجواب: الحديث في صحيح مسلم كما هو معلوم، ومن المعلوم: أن ما جاء في الصحيحين من أحاديث المدلسين فإنه محمول على الاتصال.

حكم التصوير بأشكاله وما كان لحاجة

السؤال: حفظكم الله ما حكم الصور الفوتوغرافية والتصوير الذي في أشرطة الفيديو في التلفزيون وغيرها؟

الجواب: الصور الفوتوغرافية، أو في الفيديو، أو ما إلى ذلك، كل ذلك صور، ولا يجوز التصوير إلا للضرورة مثل جواز السفر، أو حفيظة النفوس، أو رخصة قيادة سيارة أو ما إلى ذلك، أما الصور للتذكار أو لأمور أخرى، فإن ذلك لا يسوغ.

مدة البقاء في مزدلفة

السؤال: حفظكم الله، هل يجوز للحاج أن يمشي أو يخرج من مزدلفة بعد أكثر الليل، ثم يرمي الجمرة، ويحلق، ويتحلل؟

الجواب: السنة: أن الحجاج يبقون بمزدلفة حتى يصلوا الفجر، ثم يدعون بعد صلاة الفجر حتى يسفروا جداً، ثم ينطلقون إلى منى، هذا هو الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن رخص للضعفة أن ينصرفوا آخر الليل، ومن انصرف آخر الليل فله أن يرمي جمرة العقبة إذا وصل إلى منى في آخر الليل ويحلق ويطوف.

أفضل الأنساك في الحج

السؤال: حفظكم الله، أيهما في الحج أفضل القرآن أم التمتع أو الإفراد وما الفرق بينها؟


الجواب: التمتع هو: أن يحرم بالعمرة وحدها من الميقات في أشهر الحج، ثم إذا دخل مكة طاف، وسعى، وقصر وتحلل من عمرته، فإذا جاء اليوم الثامن أحرم بالحج، وأتى بأعماله وعليه سعي بعد طواف الإفاضة وعليه هدي، هذا هو التمتع، ينويهما معاً، وأما القارن: إذا وصل إلى مكة طاف وسعى، وبقي على إحرامه حتى يأتي من عرفه ومزدلفة، ويرمي جمرة العقبة ويحلق رأسه ويتحلل، وعليه هدي كالمتمتع، أما المفرد: فهو يحرم من الميقات بالحج وحده ليس معه عمرة، ثم يعمل كما يعمل القارن؛ لأن أعمال القران وأعمال الإفراد واحدة إلا أن القارن عليه هدي، والمفرد لا هدي عليه، وأفضل هذه الأنساك التمتع، ثم القران، ثم الإفراد.

كيفية حج الصغير مع والده

السؤال: حفظكم الله، رجل نوى الحج مع ولدٍ له صغير، فكيف يؤدي المناسك مع ولده بوقت واحد، وولده هذا محمول معه؟


الجواب: إذا حمله ينوي أنه هو طائف وابنه معه طائف، ويحصل بذلك أداء النسك، وليس يلزم أن يطوف به أولاً ثم يطوف بنفسه، وإنما يكفي أن يطوف به وينوي عن نفسه أنه طائف، ولا يتلفظ بالألفاظ الواردة مرتين وإنما يأتي بالأذكار لنفسه أما المحمول فإنه لا يحتاج أن يأتي بذكر له.

مدى صحة حج الإنسان لأبيه بعد حجه لنفسه

السؤال: حفظكم الله، حج لنفسه سابقاً، والآن يريد أن يحج لأبيه فهل يصح عمله هذا أم يجعل الحج لنفسه والعمرة لأبيه؟


الجواب: كل ذلك سائغ، إن حج عن نفسه، واعتمر عن نفسه، أو حج عن أبيه، واعتمر عن أبيه، أو العمرة له والحج لأبيه، أو العكس كل ذلك سائغ.

حكم إهداء قراءة القرآن للميت وقياسه على غيره من الصدقات

السؤال: حفظكم الله، هل ينتفع الميت بقراءة القرآن؟

الجواب: ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن القرآن يقرأ، ويهدى للأموات، الذي ورد أنه يتصدق على الأموات، ويحج عن الأموات، ويعتمر عنهم، ويدعى لهم، ويضحى لهم، وكذلك يصام عنهم الصيام الواجب، يعني: سواء عن الفرض أو عن النذر، أما قراءة القرآن فلم ترد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أراد أن ينفع موتاه، فلينفعهم بما ورد من الصدقة وغيرها، وأما قراءة القرآن، فلكونه لم يرد الأولى بالإنسان أن لا يفعله، وقد أجازه جماعة من أهل العلم أو كثيرون من أهل العلم قياساً على ما ورد، لكن الأرجح في ذلك هو الاقتصار على ما ورد به النص.

مدى جواز الحج عمن كان تاركاً للصلاة

السؤال: حفظكم الله، هل يجوز الحج عن شخص كان يصلي أحياناً ويترك أحياناً؟


الجواب: إذا كان لا يصلي فلا يحج عنه.

الأعمال التي يتم بها التحلل الأول في الحج

السؤال: حفظكم الله، التحلل الأول هل يكون بفعل اثنين من ثلاث، وهي: الرمي، والحلق، والطواف، والسعي أو يفعل فعلاً واحداً؟


الجواب: يكون باثنين، وهذا هو الأولى، وإن اكتفى بالرمي فيصح، لكن الأولى هو الجمع بينهما.

حكم ترديد الأذكار أثناء الطواف بتلقين شخص آخر

السؤال: حفظكم الله، شخص يطوف أو يسعى ومعه رجل لا يحفظ الأدعية، والأذكار فهو يذكر الله عز وجل والآخر يردد وراءه فما حكم ذلك؟

الجواب: ما فيه بأس، لكن لو أن الإنسان يحفظ له شيئاً من الأذكار أو ردد شيئاً من القرآن فإنه يكفيه؛ لأنه ليس بلازم أن يقول وراء شخص آخر يدعو، وهو يتكلم وراءه وينطق، قد يفهم ما يقول، وقد لا يفهم، والطواف والسعي لا يلزم أن الإنسان يأتي فيها بأذكار معينة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 07-06-2022, 07:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,234
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجنائز

(353)

- (باب زيارة القبور) إلى (باب النهي عن الاستغفار للمشركين)



من حكمة الشارع أن ندب الناس وحثهم على أعمال تكون سبباً في رقة قلوبهم، وعظتهم، وخشوعهم، ومن ذلك: زيارة القبور الزيارة المشروعة، لما فيها من تذكير بالآخرة والموت، وزوال الدنيا، والزهد فيها، والميت ينتفع بهذه الزيارة؛ لأن من يزوره يستغفر له ويدعو له، وتشرع زيارة قبور الكفار والمشركين للعظة والعبرة فقط، ولا يجوز الاستغفار أو الدعاء لهم.
زيارة القبور



شرح حديث: (نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [زيارة القبور.أخبرني محمد بن آدم عن ابن فضيل عن أبي سنان عن محارب بن دثار عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام، فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها، ولا تشربوا مسكراً)].
يقول النسائي رحمه الله: زيارة القبور، أي: حكم زيارة القبور، وهي: أنها مستحبة، وسنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي على أمرين: تكون على وجه مشروع، وعلى وجه ممنوع، تكون على طريقة سنة وتكون على طريقة بدعة.
أما الوجه المشروع: فهو الذي يستفيد منه الحي الزائر والميت المزور، وكل منهما يستفيد من الزيارة، أما الفوائد التي يستفيدها الزائر فهي أولاً: أنه يتذكر الموت، ويتذكر الآخرة، ويتذكر أنه سيصير إلى ما صار إليه أصحاب القبور، وأنه سيأتي عليه يوم من الأيام يكون من أهل القبور، وإذا تذكر الموت استعد له بالأعمال الصالحة التي تنفعه عند الله عز وجل، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: [(فزوروا القبور، فإنها تذكركم الآخرة)] أو تذكركم الموت.
إذاً: فهذه فائدة عظيمة وكبيرة تحصل للمسلم الزائر للقبور، رجاء أنه يتذكر الموت، ويستعد له بالأعمال الصالحة، والبلاء الذي يحصل للناس إنما هو من الغفلة عن الموت، والغفلة عن الدار الآخرة، وكون الإنسان يكون عنده طول الأمل وحب الدنيا، فيغفل عن الموت، وإلا فإنه يتذكر الموت، ويستعد له بالأعمال الصالحة، ويكون على خير، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه رجل وقال: (يا رسول الله، متى الساعة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: وماذا أعددت لها؟) قلب عليه الصلاة والسلام السؤال عليه، ولفت نظره إلى الأمر المهم، وهو: أنه ليس المهم أن يعرف الإنسان متى تقوم الساعة، فالساعة آتية وكل آت قريب، ولكن المهم في الأمر: أن يعرف الإنسان ماذا قدم لنفسه إذا قامت الساعة؟، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (وماذا أعددت لها؟) فالسائل وفق في الجواب وقال: (أعددت لها حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: المرء مع من أحب) قال أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (فوالله ما فرحنا بشيء بعد الإسلام أشد منا فرحاً بهذا الحديث)؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (المرء مع من أحب) ثم قال أنس: (فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب أبا بكر، وعمر، وأرجو من الله أن يلحقني بهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل مثل أعمالهم).
الفائدة الثانية التي تحصل للزائر: أنه يفعل سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي زيارة القبور فيؤجر على فعله السنة، فهو يعمل أمراً مشروعاً، ويعمل أمراً مستحباً، فيؤجر على فعله ذلك.
الفائدة الثالثة: أنه يدعو للأموات، فيؤجر على دعائه لهم.
إذاً: فهذه ثلاث فوائد تحصل للزائر الذي يزور القبور، وهي: أنه يتذكر الموت، ويستعد له بالأعمال الصالحة، وأنه يفعل أمراً مشروعاً مستحباً، فيؤجر عليه، وأنه يحسن إلى إخوانه الأموات بالدعاء لهم، فيؤجر على ذلك.
أما الميت فإنه يستفيد من الزيارة الشرعية، وهي أنه يدعى له، ومن المعلوم أن الأموات انتقلوا من دار العمل إلى دار الجزاء كما جاء عن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل).
فأصحاب القبور انتقلوا من دار العمل إلى دار الجزاء، فإذا دعا لهم إخوانهم الأحياء فإنهم يستفيدون من دعائهم، وينتفعون بدعائهم لهم.
إذاً: فالأموات إذا زارهم الأحياء ودعوا لهم، فإنهم يستفيدون من هذه الزيارة ويستفيدون من هذا الدعاء لهم.
إذاً: عرفنا أن الزيارة الشرعية هي: التي تشتمل على فائدة للحي وفائدة للميت، أما الزيارة البدعية: فهي التي تأتي إلى أصحاب القبور ويعلق آمالهم بهم، ويسألهم قضاء حاجاته، وكشف كرباته، فيدعوهم ويغفل عن دعاء الله عز وجل، فيجعلهم هم المدعوين، وهم الذين يطلب منهم قضاء الحاجات، ومن المعلوم: أن قضاء الحاجات إنما يكون من الله عز وجل، وهو الذي يفزع إليه، وهو الذي يلجأ إليه، وهو الذي يعتصم به، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء سبحانه وتعالى، ولهذا يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ )[النمل:62] يعني: لا أحد سوى الله عز وجل يحقق هذه الأمور، ويفزع إليه في هذه الأمور.
فالميت يدعى له ولا يدعى، فعندما يزور الإنسان الأموات يدعو لهم بأن يسأل الله عز وجل لهم المغفرة، والرحمة، والعافية، ولا يطلب منهم أشياء، بل الأشياء تطلب من الله عز وجل، والله تعالى هو الذي يدعى وهو الذي يرجى، وهو الذي يتوكل عليه، وهو الذي يعتمد عليه، وهو الذي يلتجأ إليه، وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء.
وعلى هذا، فإن الزيارة البدعية: هي التي يأتي الإنسان بها على وجه غير مشروع، فيدعو الأموات، ويستغيث بالأموات، ويطلب حاجاته من الأموات، ويعول على الأموات في حاجاته، وفي رغباته، فيكون بذلك تضرر، ولم يستفد الميت من هذه الزيارة.
والزيارة البدعية يتضرر فيها الزائر؛ لأنه دعا غير الله، ولأنه علق آماله بغير الله، والميت لا يستفيد؛ لأنه دعي وطلب منه أشياء لا تطلب إلا من الله، ولم يدع له، فالزيارة الشرعية يستفيد منها الحي والميت، والزيارة البدعية يتضرر منها الحي، ولا يستفيد منها الميت شيئاً.
وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث بريدة بن حصيب الأسلمي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، والذي اشتمل على ثلاثة أمور فيها الناسخ والمنسوخ، فقال عليه الصلاة والسلام: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها) وهذا هو محل الشاهد، والرسول صلى الله عليه وسلم كان نهاهم عن زيارة القبور، ثم أرشدهم إلى زيارتها، وشرع لهم زيارتها، وهذا فيه الجمع بين الناسخ والمنسوخ، فالمنسوخ في أول الجملة والناسخ في آخرها.
[(كنت نهيتكم عن زيارة القبور)] معناه: كانت زيارة القبور منهي عنها، ثم أمر بها وشرعت، فكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم مشروعية زيارة القبور، واستحباب زيارة القبور.
وقوله: [(ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام، فأمسكوا ما بدا لكم)].
أي: قد كان عليه الصلاة والسلام منع الناس أن يدخروا لحوم الأضاحي، وإنما يأكلوا في حدود ثلاثة أيام، والزائد على ذلك يقسم، ويوزع، فهذا هو الذي كان أولاً، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام رخص لهم بأن يدخروا ما بدا لهم، معناه: يأكلوا، ويدخروا، ولو زاد ذلك على ثلاثة أيام، فالحكم المنسوخ: أن لا يدخروا ما زاد على حاجة ثلاثة أيام من لحوم الأضاحي، وما زاد فإنه يوزع، ويعطى للفقراء، ولا يدخر أكثر من ثلاثة أيام، ثم جاء الناسخ وهو: أنهم يدخرون ما بدا لهم كما يريدون، فيأكلون، ويتصدقون، ويهدون.
قوله: [(ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء، فاشربوا في الأسقية، ولا تشربوا مسكراً)].
أي: نهاهم أن ينتبذوا في أوعية معينة جاء تبيينها في بعض الروايات، وتلك الأوعية التي جاء النهي عنها عن الانتباذ فيها، فيها قوة، وفيها صلابة، قد يحصل الإسكار، ولا يتبين، فمنعوا من أن ينتبذوا فيها، وأمروا أن ينتبذوا في الأسقية، وهي: القرب التي هي من الجلود، والتي إذا تغير ما في داخلها يظهر ذلك التغير على ظاهرها، والأوعية المنهي عنها هي: الدباء، والمزفت، والنقير، والحنتم، وهذه أوعية غليظة، صلبة، قاسية ليست لينة، وليست سهلة، فإنهم إذا انتبذوا فيها قد يحصل الإسكار، وهم لم يعرفوا أنه وصل إلى حد الإسكار، فيشربون منه، فيكون مسكراً، فنهوا عن ذلك في أول الأمر، ثم أمروا بأن ينتبذوا في كل وعاء، بشرط أن لا يشربوا مسكراً، فالدباء، والحنتم، والمزفت، والنقير كل هذه أشياء صلبة قوية يحصل التغير ولا يعرف ذلك، بخلاف الأسقية فإنه يظهر على ظاهرها إذا حصل التغير في داخلها، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان نهاهم أن ينتبذوا بتلك الظروف الصلبة القوية، وأن يكون انتباذهم في أسقية، رطبة، لينة، ثم بعد ذلك نسخ هذا المنع، فأمروا أن ينتبذوا في كل وعاء سواء كان صلباً، أو ليناً، ولكن بشرط أن لا يصل إلى حد الإسكار، هذه أمور ثلاثة جاءت في حديث بريدة بن حصيب الأسلمي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهي مشتملة على الناسخ والمنسوخ معاً.


تراجم رجال إسناد حديث: (نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ...)


قوله: [أخبرني محمد بن آدم].هو محمد بن آدم الجهني، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن ابن فضيل].
هو محمد بن فضيل بن غزوان، وهو صدوق، رمي بالتشيع، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، لكن التشيع الذي رمي به لا يؤثر؛ لأنه جاء عنه أنه قال: رحم الله عثمان، ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان، أي: عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، وهذا يدل على سلامته، وعلى بعده عن مذهب الرافضة الذين يبغضون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسبونهم، فهذه الكلمة التي قالها محمد بن فضيل بن غزوان هي مثل الكلمة التي قالها أبو نعيم الفضيل بن دكين يقول: (ما كتبت عليّ الحفظة أني سببت معاوية)، وهذا يدل على سلامته مما رمي به من بدعة التشيع.
[عن أبي سنان].
هو ضرار بن مرة الهمداني، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب، ومسلم، وأبو داود في المراسيل، والترمذي، والنسائي.
[عن محارب بن دثار].
ثقة، عالم، زاهد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن بريدة].
هو عبد الله بن بريدة بن حصيب الأسلمي المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو بريدة بن حصيب الأسلمي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (... ونهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجراً)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن قدامة حدثنا جرير عن أبي فروة عن المغيرة بن سبيع حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله تعالى عنه أنه كان في مجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إني كنت نهيتكم أن تأكلوا لحوم الأضاحي إلا ثلاثاً، فكلوا، وأطعموا، وادخروا ما بدا لكم، وذكرت لكم أن لا تنتبذوا في الظروف الدباء، والمزفت، والنقير، والحنتم، انتبذوا فيما رأيتم، واجتنبوا كل مسكر، ونهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجراً)].أورد النسائي حديث بريدة بن حصيب من طريق أخرى، وهو مشتمل على الأمور الثلاثة التي فيها الناسخ والمنسوخ، ولكنه هنا صرح بذكر الأمور التي كان نهى عن الانتباذ بها وهي قوية صلبة، فالدباء هي: القرع، فكانوا يستخرجون اللب، ويبقى قشرها وغلافها، فييبس ويكون وعاءً ينتبذون به، والنقير: كانوا ينقرون النخل، وجذوع النخل، وسوق النخل، وينتبذون بها النقير، والمزفت هي: المطلي بالزفت، والحنتم هي: جرار خضر قاسية كانوا ينتبذون بها، وهي معلومة عندهم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ بها، وأن ينتبذوا بالأسقية وهي: القرب اللينة، وليست القاسية: التي إذا حصل الفساد والتغير في داخلها يظهر على ظاهرها.
ثم إنه رخص لهم في أن ينتبذوا في كل وعاء لكن بشرط؛ أن لا يصل إلى حد الإسكار، ثم ذكر محل الشاهد، وهو النهي عن زيارة القبور وأنه أمر بزيارتها، وقال: (ولا تقولوا هجراً)، والهجر هو: الفاحش أو البذيء من الكلام، وإنما يزورون القبور وهم في هدوء، وفي كلام حسن، وفي تذكرهم الآخرة، من غير أن يقولوا كلاماً سيئاً، فلا يقولون هجراً لا في حديثهم مع بعض ولا في دعائهم، وهو الكلام البذيء غير الصحيح، الكلام الفاسد الذي لا قيمة له ولا عبرة به، وزيارة القبور كما أسلفت هي سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا في حق الرجال.
أما في حق النساء فقد اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من رأى: أن النساء يزرن، ومنهم من رأى: أنهن لا يزرن القبور لما فيهن من الضعف، ولما عندهن من عدم الصبر وعدم التحمل، فيكون زيارتها تذكرها فيحصل منها النياحة، الصياح، ويحصل منها الأمور التي لا تسوغ ولا تجوز، ولهذا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله زوارات القبور) فدل هذا على منع النساء من زيارة القبور، والمسألة خلافية بين أهل العلم، والأظهر هو القول بمنعها، وكما أنه الأظهر فهو أيضاً الأحوط؛ لأن المرأة إذا لم تزر فإنها لا يترتب على عدم زيارتها إلا أنها تركت سنة، أما إذا زارت، فإنها تتعرض للعنة، ومن المعلوم أن كونها تترك سنة أهون من كونها تتعرض للعنة؛ وعلى هذا، فالنساء لا يشرع لهن زيارة القبور على القول الراجح والصحيح، وأما الرجال، فإنه يشرع لهم زيارة القبور، ولكن بالطريقة التي أشرت إليها، وهي الطريقة المشروعة التي يستفيد منها الحي والميت.

تراجم رجال إسناد حديث: (... ونهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجراً)


قوله: [أخبرنا محمد بن قدامة].هو محمد بن قدامة بن أعين المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[حدثنا جرير].
هو جرير بن عبد الحميد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي فروة].
هو عروة بن الحارث، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
[عن المغيرة بن سبيع].
ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه].
وقد مر ذكرهما.

يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 07-06-2022, 07:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,234
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

زيارة قبر المشرك



شرح حديث: (زار رسول الله قبر أمه فبكى ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [زيارة قبر المشرك. أخبرنا قتيبة حدثنا محمد بن عبيد عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى، وأبكى من حوله، وقال صلى الله عليه وسلم: استأذنت ربي عز وجل في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنت في أن أزور قبرها، فأذن لي، فزوروا القبور، فإنها تذكركم الموت)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: زيارة قبر المشرك.
الزيارة للقبور مشروعة سواء كانت القبور قبور مسلمين أو مشركين، لكن قبور المسلمين تزار ليتذكر الموت، وليدعى لأصحابها، أما المشركون، فزيارة قبورهم لتذكر الموت فقط، ولا يدعى لأصحابها، هذا هو الفرق بين قبر المسلم وقبر المشرك.
وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استأذنت ربي في أن استغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنت بأن أزور قبرها، فأذن لي، فزوروا القبور، فإنها تذكركم الموت)، وهنا فيه: الإشارة إلى الفائدة من زيارة قبر المشرك وهي تذكر الموت، وأما الاستغفار والدعاء، فإنه لا يدعى لهم، لا يدعى للمشركين ولا يدعى للكفار، وإن الدعاء إنما هو للمسلمين، فقوله عليه الصلاة والسلام: [(فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت)]، دال على زيارة قبور المشركين وتذكر الموت، ودال على منع الاستغفار للمشركين.
تراجم رجال إسناد حديث: (زار رسول الله قبر أمه فبكى ...)


قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن عبيد].
هو محمد بن عبيد بن أبي أمية الطنافسي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن كيسان].
صدوق، يخطئ، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي حازم].
هو سلمان الأشجعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه حديثاً، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.


النهي عن الاستغفار للمشركين



شرح حديث: (... لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزلت: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن الاستغفار للمشركين. أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا محمد وهو ابن ثور عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: (لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية فقال: أي عم، قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله عز وجل، فقال له أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب، فلم يزالا يكلمانه حتى كان آخر شيء كلمهم به على ملة عبد المطلب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزلت: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ )[التوبة:113] ونزلت: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ )[القصص:56])].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: النهي عن الاستغفار للمشركين، وأورد تحتها حديث المسيب بن حزن والد سعيد بن المسيب، أنه لما حضرت عمه أبا طالب الوفاة جاء إليه الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، ويطلب منه أن يشهد لله بالوحدانية ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وكان عنده أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب، فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فكان آخر شيء أن قال: هو على ملة عبد المطلب، ومات وهو على ذلك، ولم يشهد أن لا إله إلا الله، ولم يحقق ما طلبه منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمات مشركاً، ومات كافراً، وقال عليه الصلاة والسلام: [(لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فأنزل الله عز وجل: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى [التوبة:113]، وأنزل الله عز وجل أيضاً: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ )[القصص:56]،)] فدل هذا الحديث على عدم جواز الاستغفار للمشركين وفيه: بيان أن هذا سبب نزول هذه الآية، وهي: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى [التوبة:113] أي: كونه أراد أن يستغفر لعمه أبي طالب، فأنزل الله عز وجل عليه هذه الآية التي فيها منع الرسول صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين بأن يستغفروا للمشركين، وكذلك أيضاً نزل قول الله عز وجل: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان حريصاً على هداية عمه، ولكن الهداية التي هي هداية التوفيق والتسديد هذه لله عز وجل، ولا يملكها سواه، ولهذا قال الله عز وجل: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:56]، فهذه هي الهداية المنفية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي هداية التوفيق والتسديد، أما هداية الدلالة والإرشاد فهي مثبة للرسول صلى الله عليه وسلم وذلك في قول الله عز وجل: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52].
والحديث دال على ما كان عليه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من الحرص الشديد على هداية عمه أبي طالب الذي نصره، وأيده، وقام في الدفاع عنه، ومنع كفار قريش أن يصلوا إليه، وأن يلحقوا به الأذى، فالله عز وجل سخر عمه بأن يدافع عنه وأن يمنع كفار قريش أن يصلوا إليه بأذى، وقد حرص على هدايته ولكن الله عز وجل لم يهده، فمات على الكفر ومات على الشرك، وأنزل الله عز وجل: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56].
وفيه أيضاً: مخاطبته إياه بقوله: (يا عم)، وهذا يدلنا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من التلطف مع عمه، وحرصه على أن يهتدي، ولهذا مهد له بهذا التمهيد، وخاطبه بهذا الخطاب بقوله: (يا عم)، وفي هذا دليل على أن مثل ذلك مخاطبة الكافر القريب بأن يقول له: (يا عم)، وإذا كان أباً يقول له: يا أبت، أو خالاً يقول له: يا خال, وما إلى ذلك وأن ذلك سائغ، وأنه لا مانع منه.
وفيه: أيضاً مضرة جلساء السوء على الإنسان، وذلك: أن أبا طالب كان عنده هذان الجليسان، وقد ذكراه بأن يبقى على ملة عبد المطلب، وأن لا يترك ملة عبد المطلب إلى الدين الذي جاء به النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
ففيه: أن ما حصل لـأبي طالب، أو الذي حصل منهما لـأبي طالب هو من مضرة جلساء السوء على الإنسان، وفيه أن أبا طالب مات كافراً، ولم يمت مسلماً، ولهذا جاء في الحديث أن كان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، ثم مات على ملة عبد المطلب، ولم يشهد أن لا إله إلا الله كما طلب ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.

تراجم رجال إسناد حديث: (... لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزلت: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ...)


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].هو الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا محمد وهو ابن ثور].
ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، والذي قال: هو ابن ثور، هو: النسائي أو من دون النسائي ليس محمد بن عبد الأعلى؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول: هو ابن فلان، بل ينسب شيخه كما يريد، ويسمي شيخه كما يريد، ويصفه كما يريد، وإنما الذي يحتاج إلى ذلك هو من دون التلميذ، وهو هنا النسائي أو من دون النسائي.
[عن معمر].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري نزيل اليمن، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن المسيب].
ثقة، فقيه، من الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وهم: سعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير، وخارجة بن زيد بن ثابت، وقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار هؤلاء الستة متفق على عدهم في فقهاء المدينة السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال، قيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
[عن أبيه].
هو المسيب بن حزن وهو صحابي، وأبوه صحابي، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.

شرح حديث علي: (سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان ... فنزلت: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الخليل عن علي رضي الله تعالى عنه قال: (سمعت رجلاً يستغفر لأبويه، وهما مشركان فقلت: أتستغفر لهما وهما مشركان؟ فقال: أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فنزلت: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ )[التوبة:114])].أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، [سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت: أتستغفر لهما وهما مشركان، فقال: إن إبراهيم استغفر لأبيه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ )[التوبة:114]] أي: أنه لا يعول على ذلك؛ لأنه كان قبل أن ينهى، ولكنه بعد النهي، فإنه لا يصار إلى ذلك، وفي هذه الشريعة شريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أنزل الله عز وجل عليه: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى )[التوبة:113].


تراجم رجال إسناد حديث علي: (سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان ... فنزلت: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه)


قوله: [أخبرنا إسحاق بن منصور].هو إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج المروزي، وهو ثقة، ثبت أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
[حدثنا عبد الرحمن].
هو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي ينسب إلى همدان نسبة عامة، وإلى سبيع نسبة خاصة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الخليل].
هو عبد الله بن خليل، وهو مقبول، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[عن علي رضي الله عنه].
هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، أبو الحسنين ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره، زوج ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين، وهو رابع الخلفاء الراشدين، الهادين، المهديين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.


الأسئلة



كيفية قضاء الركعات الفائتة من صلاة العصر


السؤال: كيف يقضي من أدرك الركعة الثالثة من العصر؟الجواب: من أدرك الركعة الثالثة من العصر معناه: أدرك ثنتين، فيبقى عليه بعد السلام ثنتين، وهذا شيء واضح.


مراتب القدر في الحوادث علاقة وعلم الله المسبق بها


السؤال: هل كانت الحوادث ستحصل ثم علمها الله قبل حدوثها أم أن الله أحدثها فقضاها؟الجواب: كل شيء يقع في الوجود فقد حصل فيه أمور أربعة هي: علم الله عز وجل الأزلي بأن ذلك سيقع، وكتب في اللوح المحفوظ بأنه سيقع، وأراد أن يقع، ثم وقع، هذه أمور أربعة تحصل لكل شيء يقع، ولهذا عقيدة المسلمين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 07-06-2022, 07:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,234
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجنائز

(354)

- باب الأمر بالاستغفار للمؤمنين



مما يستحب للمسلم فعله زيارة القبور؛ لأنها تذكر بالآخرة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وبين ما يستحب قوله عند زيارتها؛ ومنها الاستغفار للأموات والدعاء لهم.
الأمر بالاستغفار للمؤمنين

شرح حديث: (... قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [الأمر بالاستغفار للمؤمنين.أخبرنا يوسف بن سعيد حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن أبي مليكة أنه سمع محمد بن قيس بن مخرمة يقول: سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها تحدث قالت: ألا أحدثكم عني وعن النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: بلى، قالت: (لما كانت ليلتي التي هو عندي -تعني: النبي صلى الله عليه وسلم- انقلب فوضع نعليه عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فلم يلبث إلا ريثما ظن أني قد رقدت، ثم انتعل رويداً وأخذ رداءه رويداً، ثم فتح الباب رويداً وخرج رويداً، وجعلت درعي في رأسي، واختمرت، وتقنعت إزاري، وانطلقت في أثره حتى جاء البقيع فرفع يديه ثلاث مرات، فأطال ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت، وسبقته فدخلت، فليس إلا أن اضطجعت، فدخل صلى الله عليه وسلم فقال: ما لك يا عائشة! حشياً رابية، قالت: لا، قال: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، فأخبرته الخبر قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟ قالت: نعم فلهزني في صدري لهزة أوجعتني، ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قلت: مهما يكتم الناس فقد علمه الله، قال: فإن جبريل أتاني حين رأيت ولم يدخل علي، وقد وضعت ثيابك، فناداني فأخفى منك، فأجبته فأخفيته منك، فظننت أن قد رقدت وكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي، فأمرني أن آتى البقيع فأستغفر لهم، قلت: كيف أقول يا رسول الله،؟! قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)].
يقول النسائي رحمه الله تعالى: الأمر بالاستغفار للمؤمنين.
بعدما ذكر في التراجم السابقة زيارة القبور سواء كان أهلها مسلمين أو مشركين، وكذلك النهي عن استغفار المشركين، ذكر بعد ذلك الأمر بالاستغفار للمؤمنين، وفي التراجم السابقة ذكر زيارة القبور، وأنها سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن فيها فوائد ترجع إلى الحي وإلى الميت، وهذه هي الزيارة الشرعية، وأما الزيارة البدعية، فإن فيها مضرة على الزائر وليس فيها منفعة للمزور، وزيارة قبور المسلمين فيها تذكر الموت، وفيها الدعاء للأموات، أما زيارة المشركين ففي زيارتهم تذكر الموت، ولكن لا يجوز فيها الدعاء والاستغفار للأموات المشركين؛ لأنه لا يدعى إلا للمؤمنين، ولا يستغفر إلا للمؤمنين.
ثم بعد ذلك ذكر ترجمة النهي عن الاستغفار للمشركين، وأرود فيه ما جاء في قصة أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لأستغفرن لك ما لم أنه)، فأنزل الله عز وجل: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى [التوبة:113] ثم ذكر هذه الترجمة وهي: الأمر بالاستغفار للمؤمنين.
والترجمة المراد منها: الأمر بالاستغفار للمؤمنين، سواء كان ذلك عند زيارتهم أو عند حصول الموت، فإنه يستغفر للميت ويدعى له، وقد أورد النسائي حديث أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في ليلتها التي يكون عندها، فانقلب من صلاة العشاء فاضطجع أو جلس على فراشه صلى الله عليه وسلم، وظن أن عائشة قد رقدت، وأنها نامت، فجاء جبريل وناداه ولم يدخل؛ لأن عائشة قد وضعت ثيابها، وخرج النبي عليه الصلاة والسلام دون أن تعلم أم المؤمنين عائشة بالذي حصل، والذي دفعه إلى ذلك، فانسل رويداً، ولبس نعاله رويداً، وخرج وفتح الباب رويداً، ومشى رويداً يعني: على مهل وخفية حتى لا تستيقظ عائشة، وحتى لا يتكدر نومها، فقامت عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ولحقت النبي عليه الصلاة والسلام ووجدته قد ذهب إلى أهل البقيع يدعو لهم، ويستغفر لهم، فرجعت، وأسرع، وأسرعت، وهرول، وهرولت حتى سبقته، ووصلت إلى البيت، واضطجعت في منامها، وكأنها على ما كانت عليه من قبل، والرسول صلى الله عليه وسلم سمع نفسها وما حصل لها من العدو والسرعة وقد صار النفس، وظهر ذلك عليها، فقال عليه الصلاة والسلام حشياً رابية، أي: أن نفسها قد ارتفعت، وكذلك بطنها قد ارتفعت، وذلك: من شدة ركضها وجريها، وقالت: لا، قال عليه الصلاة والسلام: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير، فأخبرته بالذي كان منها فقال: أنت السواد الذي أمامي؟ قالت: نعم، فوكزها على بطنها، ثم أخبرها بالذي حصل منه، وأن جبريل جاء إليه وناداه، وخرج إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمره بأن يذهب إلى أهل البقيع وأن يدعو لهم، فذهب إليهم ودعا لهم، قالت عائشة رضي الله عنها: ماذا أقول؟ قال: [قولي: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون]، فدل هذا الحديث على ما ترجم له المصنف من حصول الاستغفار للمؤمنين والدعاء لهم، وأن النبي عليه الصلاة والسلام ذهب في الليل ودعا لأهل البقيع، وقد جاءه جبريل وأمره بذلك، وذلك من الله عز وجل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
فقالت عائشة: ماذا أقول، فأخبرها بالدعاء الذي يدعو به من زار القبور، وزيارة القبور سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل ذلك كانت منهياً عنها، ثم بعد ذلك أجيزت كما مر بنا بيان ذلك في حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة).
أما النساء فإن للعلماء في زيارتهن قولين، منهم من قال بأن النساء يزرن القبور وأنهن كالرجال، ومنهم من قال: إن الزيارة خاصة بالرجال دون النساء، والقائلون بزيارة النساء للقبور يستدلون بما جاء في هذا الحديث عن عائشة أنها قالت: [ماذا أقول، فقال: قولي السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون]، والذين منعوا من زيارة النساء استدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام: (لعن الله زوارات القبور) وقالوا: إن النساء عندهن ضعف، فزيارتهن للقبور تؤدي إلى جزعهن، وإلى هلعهن، وإلى نياحتهن، وإلى غير ذلك من الأمور التي لا تسوغ.
ومن المعلوم: أن القول بمنع النساء من زيارة القبور هو الأولى وهو الأظهر، بل وهو الأحوط؛ لأن المرأة إذا تركت زيارة القبور ولم تزرها لم يكن هناك شيء إلا أنها تركت سنة، على أن الزيارة مشروعة لها، لكنها إذا حصلت منها الزيارة فإنها تكون متعرضة للعنة، ومن المعلوم: أن فوات السنة أهون من التعرض للعنة، وذلك بكونها تزور القبور؛ لأنها تدخل تحت قوله عليه الصلاة والسلام: (لعن الله زوارات القبور).
قولها: (بأبي أنت وأمي) أي: أنت مفدي بأبي وأمي، أو فداك أبي وأمي، المقصود من ذلك هو: الافتداء، وليس المراد من ذلك القسم؛ لأن القسم لا يجوز إلا بالله عز وجل، ولا يجوز لأحد أن يحلف بمخلوق، بل الحلف إنما هو بالخالق بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه وصفاته، أما المخلوقون، فإنه لا يحلف بهم، وقد جاء النهي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة منها قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تحلفوا بآبائكم، ولا بأمهاتكم، ولا تحلفوا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون)، فقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا إلا بالله) قصر الحلف على أن يكون بالله، وكذلك أيضاً على أن يكون بالصدق إذا وجد الحلف، ولهذا قال: (ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون) أي: في حال كونكم صادقين، فإنه عند ذلك لكم أن تحلفوا بالله، أما غير ذلك، أو أما في ما سوى ذلك، فإن الإنسان ليس له أن يحلف بغير الله.
قال: [أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله] يعني: كأنها ظنت أو وقع في بالها أن يكون خرج ليذهب إلى بعض نسائه صلى الله عليه وسلم.
قوله: [قلت: مهما يكتم الناس فقد علمه الله، قال: فإن جبريل أتاني حين رأيت ولم يدخل علي وقد وضعت ثيابك فناداني فأخفى منك].
يعني: لم يدخل عليه جبريل، فناداه من الخارج، ليخرج إليه وسبب ذلك وضع عائشة ثيابها.
قوله: [فأمرني أن آتي البقيع فأستغفر لهم] وهذا هو محل الشاهد من الترجمة؛ وهي: الأمر بالاستغفار للمؤمنين، وأمره إنما هو من الله، أي: وحي جاء به جبريل الرسول الملكي إلى محمد صلى الله عليه وسلم الرسول البشري.
قوله: [قلت: كيف أقول يا رسول الله؟! قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون]، فهذا هو السلام، وهذه من الصيغ التي يسلم بها الزائرون للقبور بأن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون.
قوله: [إنا إن شاء الله] هو خبر محقق وليس محتملاً بألا يلحقوا بهم، بل ليس هناك أمامهم إلا اللحاق بهم، فهم المتقدمون ومن كان على قيد الحياة فإنه سيلحق بالأموات، ولا بد أن يأتي عليه يوم من الأيام يصير إلى ما صاروا إليه، وينتقل من الحياة الدنيا إلى الحياة البرزخية في القبر، فيكون إما في نعيم وإما في عذاب، ولهذا يشرع للإنسان إذا زار القبور أن يحرص على معرفة الأدعية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدعو بها؛ لأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ويحذر من أن يأتي بأمور منكرة، وأن يستغيث بالأموات، وأن يطلب منهم الحاجات، وأن يطلب منهم كشف الكربات، وأن يطلب منهم ما لا يقدرون عليه، بل مهمة الإنسان إذا زار القبور أن يدعو لأصحابها ولا يدعوهم.
فالأموات يدعى لهم ولا يدعو؛ لأن الدعاء إنما يكون لله وحده لا شريك له، والدعاء عبادة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (الدعاء هو العبادة) ويقول الله عز وجل: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، فلا يسأل إلا الله، ولا يرجى إلا الله، ولا يستغاث إلا بالله، ولا يستعان إلا بالله؛ لأن جميع أنواع العبادة يجب أن تكون مصروفة لله وحده لا شريك له، ولا يجوز أن يصرف منها شيء لغيره سبحانه وتعالى، وكما أنه لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله، فلا يجوز أن تصرف العبادة لأحد سواه، بل يجب أن تكون العبادة خالصة لوجهه سبحانه وتعالى، والدعاء هو من جملة عبادة الله عز وجل؛ لأن عبادة الله تشمل الدعاء، والذبح، والنذر، والتوكل، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والإنابة، وغير ذلك، كل هذه أنواع العبادة، والدعاء هو منها.

تراجم رجال إسناد حديث: (... قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ...)

قوله: [أخبرنا يوسف بن سعيد].هو يوسف بن سعيد المصيصي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا حجاج].
هو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عبد الله بن أبي مليكة].
هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن قيس بن مخرمة].
يقال له رؤية؛ أي: أنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام، وقيل: بل هو تابعي، وقد وثقة جماعة، وحديثه أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في المراسيل، والترمذي، والنسائي.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق التي حفظ الله تعالى بها للأمة الشيء الكثير من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سيما ما يتعلق في الأمور المتعلقة في البيوت، وما يجري بين الرجل وأهل بيته، فإن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، حفظت هذه السنن للأمة وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكريم رضي الله عنهم وأرضاهم؛ وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.

شرح حديث: (... إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له عن ابن القاسم حدثني مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه أنها سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها تقول: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلبس ثيابه، ثم خرج، قالت: فأمرت جاريتي بريرة تتبعه فتبعته حتى جاء البقيع، فوقف في أدناه ما شاء الله أن يقف، ثم انصرف فسبقته بريرة، فأخبرتني فلم أذكر له شيئاً حتى أصبحت ثم ذكرت ذلك له، فقال: إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه قوله: [إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم] أي: ليدعو لهم، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث في الترجمة: الاستغفار للمؤمنين، وقد مر في الحديث السابق: (أن جبريل أمره بأن يذهب إلى البقيع، فيستغفر لهم)، وهنا قال: [إنني بعثت إلى أهل البقيع] أي: أمر بالذهاب إلى أهل البقيع [ليصلي عليهم]، أي: ليدعو لهم، والصلاة يراد بها الدعاء، والحديث فيه: [أن بريرة مولاة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، هي التي ذهبت، ثم انصرفت]، والحديث الأول فيه أن التي ذهبت عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فمن العلماء من قال بتعدد القصة، وأن هذه حالة أرسلت عائشة فيها بريرة، وحالة أخرى هي عائشة نفسها هي التي ذهبت وتبعت الرسول صلى الله عليه وسلم.
هذا على القول بصحة الحديث بأن القصة متعددة، وأن هذا يدل على قصة، وهذا يدل على قصة، ولكن لا تنافي بينهما، والشيخ الألباني ضعف الحديث، وقال: إنه ضعيف الإسناد، ولعل ذلك من جهة أم علقمة مرجانة، فإنها مقبولة وحديثها أخرجه أصحاب السنن الأربعة.

تراجم رجال إسناد حديث: (... إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم ...)

قوله: [أخبرنا محمد بن سلمة].هو المرادي المصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وهناك شخص آخر، وهو من طبقة شيوخ شيوخ النسائي يقال له: محمد بن سلمة الحراني؛ فإذا جاء محمد بن سلمة من شيوخ النسائي أو في شيوخ النسائي فالمراد به هذا الذي معنا المصري، وإذا جاء محمد بن سلمة بطبقة شيوخ شيوخه، فالمراد به الحراني.
[والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع].
هو الحارث بن مسكين المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، قال: [قراءة عليه وأنا أسمع] أي: أن الحارث بن مسكين كان يقرأ عليه والنسائي يسمع تلك القراءة.
[عن ابن القاسم].
هو عبد الرحمن بن القاسم المصري، صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
[حدثني مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.
[عن علقمة بن أبي علقمة].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب.
[عن أمه].
هي مرجانة أم علقمة، وهي مقبولة، أخرج حديثها البخاري في جزء رفع اليدين، والترمذي، والنسائي.
[عن عائشة].
قد مر ذكرها.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 07-06-2022, 07:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,234
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح حديث: (... اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل حدثنا شريك وهو ابن أبي نمر عن عطاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كانت ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في آخر الليل إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا وإياكم متواعدون غداً أو مواكلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)].هنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها؛ أنه كلما كانت ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يذهب في آخر الليل إلى البقيع، ويدعو لأصحابه ويقول: [السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا وإياكم متواعدون].
أي: أننا ينتهي أمرنا جميعاً وإياكم إلى الموت، ثم البعث، ثم الجزاء على الأعمال، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
قوله: [أو مواكلون].
أي: يشهد بعضهم على بعض، أو يشفع بعضهم لبعض.
قوله: [اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد] هذا هو الذي فيه المطابقة للترجمة من حيث الاستغفار للمؤمنين.

تراجم رجال إسناد حديث: (... اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)

قوله: [أخبرنا علي بن حجر].هو ابن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
[حدثنا إسماعيل].
هو ابن جعفر، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شريك].
هو شريك بن عبد الله بن أبي نمر، وهو صدوق يخطئ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، فإنه لم يخرج له في السنن، وإنما خرج له في الشمائل.
[عن عطاء].
هو ابن يسار، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
قد مر ذكرها.

شرح حديث: (أن رسول الله كان إذا أتى على المقابر قال: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا حرمي بن عمارة حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى على المقابر قال: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع، أسأل الله العافية لنا ولكم)].هنا أورد النسائي حديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه، وفيه ما يقوله الزائر عند زيارة القبور.
قوله: [أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع].
يعني: أنتم لنا فرط أي: سبقتمونا ونحن لكم تبع يعني: نلحق بكم.
قوله: [أسأل الله العافية لنا ولكم].
أي: نسأل الله العافية لنا ولكم، وهذا أيضاً يشتمل على ما ينبغي أن يدعو به الزائر في القبور، وهو سؤال العافية للأموات.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان إذا أتى على المقابر قال: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ...)


قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو عبيد الله بن سعيد السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
[حدثنا حرمي بن عمارة].
هو حرمي بن عمارة بن أبي حفصة، واسمه: نابت وهو بالنون، وقيل: ثابت كالجادة يعني: أن ما كان بهذه الصورة وبهذه الرسم، فالجادة هي: ثابت، وهذا هو الكثير في التسمية، وأما نابت، فهو اسم نادر، والتسمية به قليلة، ولهذا قيل: إنه نابت أي: جده وقيل: إنه ثابت وقوله: (كالجادة) أي: الذي التسمية فيه كثيرة، بخلاف نابت، فإنه على خلاف الجادة، يعني: ليست التسمية فيه كثيرة، بل هو من الأسماء النادرة أو القليلة.
وحرمي بن عمارة صدوق يهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
وحرمي اسم على صيغة النسب مثل: مكي بن إبراهيم، فاسماهما على صيغة النسب.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن علقمة بن مرثد].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان بن بريدة].
هو سليمان بن بريدة بن الحصيب المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه].
هو بريدة بن الحصيب الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (لما مات النجاشي قال النبي صلى الله عليه وسلم: استغفروا له)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (لما مات النجاشي قال النبي صلى الله عليه وسلم: استغفروا له)].هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة قال: [لما مات النجاشي قال النبي صلى الله عليه وسلم: استغفروا له]، وهذا هو المقصود بالترجمة: الأمر بالاستغفار للمؤمنين قال: [استغفروا له]، وهذا دعاء للميت، وأمر بالاستغفار، فدل على أن الميت يستغفر له، ويدعى له سواء عند الزيارة أو في غير الزيارة.

تراجم رجال إسناد حديث: (لما مات النجاشي قال النبي صلى الله عليه وسلم: استغفروا له)


قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو ابن عيينة، وإذا جاء قتيبة يروي عن سفيان غير منسوب فالمراد به: ابن عيينة وليس المراد به الثوري؛ لأن قتيبة عمّر؛ فأدرك آخر حياة الثوري وفي أول حياته إحدى عشرة سنة، وهو ليس معروفاً بالرواية عن الثوري، وسفيان بن عيينة هو الهلالي المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، فقيه، هو أحد الفقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه حديثاً.

شرح حديث: (أن رسول الله نعى لهم النجاشي ... فقال: استغفروا لأخيكم) من طريق أخرى


قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو داود حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن أبي صالح عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة وابن المسيب أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه أخبرهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى لهم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه فقال: استغفروا لأخيكم)].هنا أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مشتمل على ما اشتمل عليه الطريق السابقة؛ وهي: قوله صلى الله عليه وسلم: [استغفروا لأخيكم] يعني: النجاشي وأنه نعاه لهم في اليوم الذي مات فيه وقال: [استغفروا لأخيكم]، وفيه الأمر بالاستغفار للمؤمنين، وهذا هو محل الشاهد للترجمة.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله نعى لهم النجاشي ... فقال: استغفروا لأخيكم) من طريق أخرى


قوله: [أخبرنا أبو داود].هو أبو داود سليمان بن سيف الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن يعقوب].
هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه ثقة، حجة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح].
هو ذكوان السمان المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب عن أبي سلمة وابن المسيب عن أبي هريرة].
ابن شهاب، وأبو سلمة، وابن المسيب، وأبو هريرة قد مر ذكرهم إلا ابن المسيب، وهو سعيد بن المسيب بن حزن المدني، وهو ثقة، فقيه، وهو أحد الفقهاء السبعة، بل هو من الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة.


الأسئلة

حكم من جامع زوجته في نهار رمضان ناسياً ولم ينزل

السؤال: رجل جامع أهله في نهار رمضان ناسياً، وعندما ذكرته زوجته نزع قبل أن ينزل، فهل تلزمه الكفارة أم لا؟ وهل يجب عليه قضاء أم لا؟

الجواب: نعم عليه القضاء وعليه الكفارة؛ لأن الجماع قد حصل، ولا يشترط في ذلك الإنزال، ما دام أنه حصل الإيلاج، فالغسل قد وجب، والجماع قد حصل، والكفارة لازمة، والقضاء لازم.
وإن كان ناسياً فيه خلاف بين العلماء، والرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه الرجل الذي قال: (هلكت وأهلكت) ما سأله وقال: هل كنت عامداً أو ناسياً.

المقصود بابن علية الذي يقول بعدم رؤية الله في الآخرة


السؤال: قال الإمام الشافعي: إنه يخالف ابن علية في كل شيء حتى في قول: لا إله إلا الله، أي: أن الشافعي يقول: لا إله إلا الله الذي يرى في الآخرة، وهو يقول أي: ابن علية: لا إله إلا الله الذي لا يرى في الآخرة، ذكر هذا ابن القيم في الصواعق في الجزء الرابع صفحة كذا فمن ابن علية هذا؟

الجواب: ابن علية هو: إبراهيم بن إسماعيل الذي هو من الجهمية، والذي ذكره الذهبي في الميزان وقال: جهمي هالك، وهو الذي يأتي ذكره في مسائل الخلاف الشاذة، هذا هو ابن علية، والأثر ما أدري عن صحته، أما إسماعيل فهو إمام من أئمة أهل السنة، ويأتي ذكره كثيراً في كتب الحديث، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأخوه: محمد بن إسماعيل أيضاً ثقة، وهو شيخ للنسائي، وقد مر بنا ذكره في مواضع عديدة.

أحسن تحقيق لكتاب تقريب التهذيب لابن حجر


السؤال: ما هو أحسن تحقيق لكتاب تقريب التهذيب لـابن حجر؟

الجواب: كتاب تقريب التهذيب خرج له عدة طبعات، هناك طبعة هندية، وطبعة مصرية، وطبعة شامية، وهي آخر الطبعات التي هي الطبعة الشامية، وفيها أغلاط كثيرة، وقد سمعت أن هناك عملاً يقوم به بعض أهل الخبرة في هذا الشأن وتحت إشراف الشيخ: بكر أبو زيد، فإذا خرج هذا الكتاب فإنه يكون أحسن من غيره.


تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: (دار قوم مؤمنين)


السؤال: ما معنى (دار قوم مؤمنين)؟ وهل هذا يدل على المجاز مع التخصيص في موضوع المجاز حفظكم الله؟

!
الجواب: (دار قوم مؤمنين) كما هو معلوم: الدار هي محل السكنى، ومعلوم أن الأموات ساكنون في هذه الدار، أو في هذه الديار؛ لأنها هي ديارهم؛ لأن الديار هي محل السكنى، فهو ليس مجازاً، بل هو حقيقة، فالقبور هي دور الأموات التي يسكنونها في فترة البرزخ التي بعد الموت وقبل النشور.

حكم خروج المني بسبب المرض أو البرد

السؤال: هل خروج المني بسبب المرض أو البرد يوجب الغسل؟
الجواب: نعم، إذا وجد الإنزال، وخروج المني لأي سبب من الأسباب فإنه يوجب الغسل.

حكم حج من يتوسل بالأولياء والصالحين

السؤال: هل يصح حج من يتوسل بالأولياء والصالحين؟
الجواب: التوسل بالأولياء والصالحين هذا من البدع ومن الأمور المنكرة، والحج يصح؛ يعني: عمله منكر، وحجه صحيح.

حكم ذبيحة أهل الكتاب مع أن كتابهم محرف

السؤال: هل يصح الأكل من ذبيحة أهل الكتاب المعاصرين؟ مع العلم أن الكتاب الذي عندهم محرف ؟.
الجواب: الكتاب الذي عندهم محرف في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، فالتحريف موجود في اليهود والنصارى الذين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، واليهود والنصارى أهل الكتاب، وفي هذا الزمان حكمهم حكم أهل الكتاب في الأزمان السابقة، وفي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ما دام أنهم ينتمون إلى دين عيسى وإلى دين موسى فإنهم أهل كتاب.
وقضية التحريف موجود في زمنه صلى الله عليه وسلم، وكونهم كفاراً موجودين في زمنه، والله عز وجل قال: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ )[المائدة:73]، فهم كفار، وقال: (تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )[النمل:63] (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ )[التوبة:30] ثم قال الله: (تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )[النمل:63]، فهم كفار، وقد أبيح لنا أكل ذبائحهم؛ لأنهم ينتمون إلى دين سماوي.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 07-06-2022, 07:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,234
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الجنائز

(355)

- (باب التغليظ في اتخاذ السرج على القبور) إلى (باب مسألة الكافر)

رج عليها، كما أثبت حق الإنسان وكرامته حتى بعد موته بعدم المشي بالنعال فوق قبره، والعبد إذا مات يسمع حتى قرع نعال أصحابه عند مغادرتهم، فيأتيه ملكان فيسألانه سواء كان مؤمناً أم كافراً.
التغليظ في اتخاذ السرج على القبور

شرح حديث: (لعن رسول الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [التغليظ في اتخاذ السرج على القبور. أخبرنا قتيبة حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن جحادة عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد، والسرج)].
يقول النسائي رحمه الله: التغليظ في اتخاذ السرج على القبور، مراد النسائي رحمه الله من هذه الترجمة، هو أن اتخاذ السرج على القبور من الأمور المحرمة، بل التي جاء فيها التغليظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم: أن إسراجها غالباً يكون مع البناء عليها، وذلك من تعظيمها وهو من الغلو فيها، وقد يؤدي إلى أن يسأل أصحابها ويعول عليهم، فالإسراج يلازم غالباً البناء، وكل منهما فيه تعظيم، وهو خلاف ما جاءت به سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أن القبور لا يبنى عليها، ولا تتخذ فيها السرج، بل تكون كالمقابر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبر أصحابه، وكذلك المسلمون من بعده، حتى حدث بعد ذلك ما حدث من البناء على القبور واتخاذها مساجد، ووقعت في ذلك المخالفة لما جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
وقد أورد النسائي في هذا حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج).
والحديث يشتمل على ثلاثة أمور:
الأمر الأول: لعن زائرات القبور، وهن النساء اللاتي يزرن القبور، وقد عرفنا أن زيارة القبور كانت ممنوعة، ثم أبيحت وشرعت، وقد مر بنا حديث بريدة بن الحصيب حيث قال فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) فزيارة القبور كان منهياً عنها، ثم شرعت، واختلف هل مشروعيتها للرجال فقط، أو للرجال والنساء؟ فمن العلماء من قال: إن النساء يشرع لهن الزيارة كما يشرع للرجال، ويستدلون بما جاء في حديث عائشة الذي مر بنا قريباً، وهو أنها سألت رسول الله عليه الصلاة والسلام قائلة: (ماذا أقول إذا زرت القبور؟ فقال: قولي: السلام عليكم أهل الديار...) إلى آخر الحديث.
والقول الثاني: هو المنع وأن ذلك لا يجوز، ويستدلون على ذلك بهذا الحديث: (لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج)، ولكن الحديث بهذا اللفظ جاء بإسناد ضعيف؛ لأنه من رواية أبي صالح باذان مولى أم هانئ، وهو ضعيف، مدلس، ولكن جاء حديث آخر فيه ذكر النساء، ولعنهن إذا زرن القبور، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زوارات القبور) فإن هذا الحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والقول بالمنع أي: منع زيارة القبور في حق النساء هو الأظهر، وهو الأولى، وهو الأحوط أيضاً في الدين، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام لعن زوارات القبور، وقد يقال: إن زوارات هذه صيغة مبالغة، فيكون المنع إنما هو من كثرة الزيارة، وأما إذا كانت الزيارة قليلة فإن ذلك لا بأس به.
ولكن لفظ: (زوارات) يأتي للنسبة كما يأتي للمبالغة، زوارات يعني: منسوبات إلى الزيارة، وهذا مثل قول الله عز وجل: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46] فإن المقصود هو: نفي أصل الظلم، وليس المبالغة فيه، أي: وما ربك بمنسوب إلى الظلم مطلقاً، فهنا نفي النسبة إلى الظلم، فيكون قوله: (لعن الله زوارات القبور) أي: المنسوبات إلى الزيارة، وهن اللاتي تحصل منهن الزيارة، فليس الأمر مقصوراً على المبالغة، فالقول بالمنع هو الأسلم والأحوط؛ وذلك لأن المرأة إذا لم تزر فإنه لا يترتب على عدم زيارتها شيء، أكثر ما في الأمر أن تكون تركت سنة، أو تركت أمراً مستحباً، وترك الأمر المستحب لا يعاقب الإنسان عليه، ولكن كونها تزور، فهي تتعرض للعنة في قوله عليه الصلاة والسلام: (لعن الله زوارات القبور).
وكونها لا تزور فإنها تسلم من التعرض للعنة ولا يحصل لها شيء بعد ذلك، فالقول بالمنع هو الأظهر من القول بالجواز في حق النساء.
ثم إن النساء يتميزن عن الرجال بضعفهن، وجزعهن، وهلعهن، وعدم صبرهن وتحملهن، فزيارتها للقبور تهيجها وتجعلها تظهر الحزن، وقد تحصل النياحة، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وتوعد، وجاء عنه الوعيد في النياحة، وجاء عنه اللعن، كقوله: (لعن الله الصالقة، والحالقة، والشاقة) والصالقة هي: التي ترفع صوتها عند المصيبة، التي هي: النياحة، هذا هو الأمر الأول من الأمور الثلاثة التي اشتمل عليها الحديث.
أما الأمر الثاني: وهو اتخاذ المساجد على القبور، فالحديث كما عرفنا ضعيف، ولكن جاء التحذير من اتخاذ المساجد على القبور في أحاديث صحيحة ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين أو في أحدهما، ومما ورد في ذلك، ما جاء عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس -يعني: بخمس ليال- يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك) وكذلك جاء فيه حديث عائشة من طريقين، والذي سيأتي في الباب الذي بعد هذا، فالأحاديث في لعن الذين يتخذون المساجد قبوراً كثيرة وثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين وفي غير الصحيحين.
فلعن المتخذين القبور مساجد ثابت بالأحاديث الصحيحة، ولا يضره كون هذا الحديث الذي معنا ضعيفاً، فإن ما اشتمل عليه من لعن المتخذين المساجد قبوراً يغني عنه ما جاء في الصحيحين وغيرهما، من لعن اليهود والنصارى على اتخاذهم القبور مساجد.
أما المسألة الثالثة وهي: اتخاذ السرج في المساجد، فهي أيضاً محرمة، وهي ملازمة للبناء، واتخاذ القبور مساجد، وهي مخالفة للهيئة والطريقة التي عليها مقابر المسلمين في زمن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وفي زمن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، حيث كانوا لا يسلكون هذه المسالك، ولا يعملون هذه الأعمال المحرمة، التي فيها تعظيم للقبور، وإظهار للفتنة فيها، والغلو بأصحابها، ومجاوزة الحد فيما ينبغي في حقهم.

تراجم رجال إسناد حديث حديث: (لعن رسول الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج)

قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الوارث بن سعيد].
هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن جحادة].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح].
هو باذان مولى أم هانئ وهو ضعيف، ومع ذلك هو مدلس، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة، والحديث ضعف؛ لأن باذان أبو صالح مولى أم هانئ ضعيف.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.


التشديد في الجلوس على القبور

شرح حديث: (لأن يجلس أحدكم على جمرة ... خير له من أن يجلس على قبر)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [التشديد في الجلوس على القبور.أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك عن وكيع عن سفيان عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأن يجلس أحدكم على جمرة حتى تحرق ثيابه خير له من أن يجلس على قبر)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: التشديد في الجلوس على القبر، يعني: التشديد في منعه وتحريمه وبيان خطورته، وأن فيه إثماً عظيماً، وجرماً كبيراً، وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(لأن يجلس أحدكم على جمرة حتى تحرق ثيابه خير له من أن يجلس على قبر)]، فهذا يدل على تحريم الجلوس على القبر، وأن جلوس الإنسان على جمرة تحرق ثيابه أهون وأسهل من كونه يجلس على قبر، وذلك أن الجلوس على القبر إن كان لقضاء الحاجة فالأمر أشد وأخطر، وإن كان لغير ذلك ففيه امتهان للقبر، كونه يجلس عليه، ويطأ عليه، وهو غير سائغ، وغير جائز، وقد جاء النهي عن ذلك، والوعيد عليه، والتشديد فيه، ومما جاء في هذا الحديث الذي معنا: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه خير من أن يجلس على قبر)، وجاء عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: (لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها).
فهذا فيه منع أن الإنسان يستقبل القبور في الصلاة وأن يجعلها في قبلته، وكذلك أن يجلس عليها، كل ذلك جاء النهي فيه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بأحاديث ثابتة.

تراجم رجال إسناد حديث: (لأن يجلس أحدكم على جمرة ... خير له من أن يجلس على قبر)


قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[عن وكيع].
هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، حافظ، مصنف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو ابن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وسفيان هنا غير منسوب فالمراد به: سفيان الثوري، وليس سفيان بن عيينة.
[عن سهيل].
هو سهيل بن أبي صالح السمان، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر الحافظ في التقريب: أن البخاري روى عنه تعليقاً ومقروناً، ورمز له برجال أصحاب الكتب الستة، وهذا يفيد أن من خرج له في الصحيحين سواء كان ذلك استقلالاً أو مقروناً فإنه يرمز له برمز البخاري، ومسلم، وإذا كان الحديث رواه أصحاب الكتب يرمز له برواية أصحاب الكتب كما هنا؛ من روي عنه مقروناً فقد روي عنه بالأصول، وليس تعليقاً، واصطلاح المزي ومن بعده أنهم يأتون بالرمز، رمز الخاء والميم، البخاري، ومسلم، فيما إذا كان الرجل له رواية في الصحيحين بالأسانيد المتصلة، وليس تعليقاً، أما إذا كان تعليقاً فإنه يرمز له بالتعليق (هاك)، وأما إذا كان غير ذلك سواء كان مستقلاً أو مقروناً، فإنهم يرمزون له برمز الرواية عن البخاري، ومسلم استقلالاً، إذاً: الاستقلال والمقرون رمزهما واحد.
[عن أبيه].
أبوه هو ذكوان السمان، ويقال: الزيات، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
رضي الله تعالى عنه، هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، وقد مر ذكرهم آنفاً.

شرح حديث: (لا تقعدوا على القبور)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب حدثنا الليث حدثنا خالد عن ابن أبي هلال عن أبي بكر بن حزم عن النضر بن عبد الله السلمي عن عمرو بن حزم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقعدوا على القبور)].أورد النسائي حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(لا تقعدوا على القبور)] الحديث دال على ما دل عليه الحديث الذي قبله من النهي عن القعود على القبور، والجلوس عليها، وقد ورد بمعناه حديث آخر: [(لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)] فهنا قوله: [(لا تقعدوا على القبور)] هو مثل ما جاء في بعض الروايات أو بعض الأحاديث: (لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها).

تراجم رجال إسناد حديث: (لا تقعدوا على القبور)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم].هو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن شعيب].
شعيب وهو ابن الليث بن سعد، وهو ثقة، فقيه، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
[حدثنا الليث].
هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا خالد].
هو خالد بن يزيد الجمحي المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي هلال].
هو سعيد بن أبي هلال المصري، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بكر بن حزم].
هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني قيل كنيته واسمه، وقيل اسمه: أبو بكر وكنيته: أبو محمد، وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن النضر بن عبد الله السلمي].
مجهول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن عمرو بن حزم].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه.
والحديث في إسناده النضر بن عبد الله السلمي، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: أنه مجهول، ولكن الحديث جاء له شواهد تدل على ما دل عليه من النهي عن الجلوس على القبور، ومن التحذير من الجلوس على القبر كما جاء في الحديث الذي قبله، وهو: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه خير له من أن يجلس على قبر).


اتخاذ القبور مساجد

شرح حديث: (لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [اتخاذ القبور مساجد. أخبرنا عمرو بن علي حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: اتخاذ القبور مساجد، أي: التحذير من ذلك، والمنع منه واللعنة على ذلك، وقد أورد النسائي فيه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)]، وهذا يدل على تحريم اتخاذ القبور مساجد، وأن ذلك مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في أواخر أيامه وحياته صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرت أن الأحاديث في تحريم اتخاذ القبور مساجد كثيرة ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعن جماعة من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، لكن قد يقال: كيف يكون اتخاذ القبور مساجد محرماً ونحن نرى ونشاهد أن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجده، ومسجده خير المساجد بعد المسجد الحرام، وهو أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، ومع ذلك نجد قبره في مسجده؟
الجواب عن هذا الاستشكال، أو عن هذه الشبهة هو: أنه يجب الأخذ بالأحاديث المحكمة الثابتة التي لم تنسخ والتي لا تقبل النسخ، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام تكلم بها في آخر حياته كما جاء في حديث جندب بن عبد الله البجلي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، يعني: خمس ليال فقط، يقول: (ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) تأكيد بعد تأكيد في النهي؛ لأن قوله: (ألا فلا تتخذوا) هذا نهي كاف ولو لم يأتي شيء وراءه، لكنه جاء بعده: (فإني أنهاكم عن ذلك) فصار تأكيداً بعد تأكيد، وكان هذا قبل أن يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس ليال.
وجاء في حديث إحدى أمهات المؤمنين لما نزل بالرسول صلى الله عليه وسلم الموت، طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، قال: وهو كذلك: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).
إذاً: الواجب هو العمل بالأحاديث المحكمة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي لا تقبل النسخ بحال من الأحوال؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام تكلم بها في أواخر أيامه، بل في أواخر لحظاته صلى الله عليه وسلم.
أما قبر الرسول عليه الصلاة والسلام فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقبر في المسجد، وإنما قبر في بيته وقبره في البنيان من خصائصه عليه الصلاة والسلام؛ لأن مما اختص به النبي صلى الله عليه وسلم بعد الموت أنه يدفن في البنيان؛ لأنه دفن في بيت عائشة، وأن أصحابه صلوا عليه فرادى ولم يصلوا عليه جماعة، وأنه وضع تحته في اللحد قطيفة حمراء، قالوا: وهذه الأمور من خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم لا تعمل مع أحد سواه.
إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام دفن في خارج المسجد، ولم يدفن في المسجد، دفن في بيت عائشة في بيت كان يجامع أهله فيه، وكانت نساؤه تحيض فيه، وتجلس فيه، فهو ليس من المسجد، وإنما هو خارج المسجد، فلم يدفن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، ولم يبن المسجد على القبر، وإنما دفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحثوا أين يدفنون رسول الله عليه الصلاة والسلام، فمنهم من قال: يدفن مع الناس في البقيع، وروى بعضهم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (الأنبياء يدفنون حيث يموتون) أي: المكان الذي يموت فيه النبي فإنه يدفن فيه، ولهذا دفنوه، وأخذوا بالحديث الوارد عنه عليه الصلاة والسلام بأن (الأنبياء يدفنون حيث يموتون)، فدفن في المكان الذي مات فيه عليه الصلاة والسلام، وهو بيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، أما دخول القبر في المسجد فكان ذلك في زمن بني أمية، ولم يكن في زمن الخلفاء الراشدين، ولا في زمن معاوية الصحابي الجليل رضي الله عنه، وإنما كان بعد ذلك في زمن بني أمية، فهذا أمر محدث، وأمر طارئ، ولا يجوز أن يحتج به، ولا يجوز أن يحتج بخطأ حصل من بني أمية، وتترك الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فإنما يوجد في كثير من بلاد المسلمين من البناء على القبور، واتخاذها مساجد هذا مصادمة صريحة، ومخالفة واضحة جلية، لما جاءت به الأحاديث الكثيرة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي حصلت منه في أواخر أيامه، بل وفي أواخر لحظاته صلى الله عليه وسلم، وهي لا تقبل النسخ بحالٍ من الأحوال.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 9 ( الأعضاء 0 والزوار 9)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 402.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 396.62 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.46%)]