قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم - الصفحة 6 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4946 - عددالزوار : 2046683 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4522 - عددالزوار : 1315587 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1430 - عددالزوار : 142984 )           »          معالجات نبوية لداء الرياء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          التربية بالحوار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          صور من فن معالجة أخطاء الأصدقاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          في صحوةِ الغائب: الذِّكر بوابة الحضور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          آيات السَّكِينة لطلب الطُّمأنينة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (العليم, العالم. علام الغيوب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          سبل إحياء الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #51  
قديم 08-11-2012, 04:47 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

الدرس الثامن بفضل الله تعالى..
__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
رد مع اقتباس
  #52  
قديم 08-11-2012, 04:47 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على خير المرسلين وعلى آله الطاهرين و أصحابه الغر الميامين..
ثم أما بعد


فهذه قاعدة أخرى في مسرد موضوعنا الممتد: (قواعد قرآنية)، وهي قاعدة سامقة الفروع، باسقة الجذوع؛ لأنها من القواعد السلوكية التي تدل على عظمة هذا الدين، وشموله، وروعة مبادئه، إنها القاعدة التي دلّ عليها قوله تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم)، وهذه الآية الكريمة جاءت في سياق آيات الطلاق في سورة البقرة، يقول ربنا تبارك وتعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
والمعنى: أن الله تعالى يأمر من جمعتهم علاقة من أقدس العلاقات الإنسانية ـ وهي علاقة الزواج ـ أن لا ينسوا ـ في غمرة التأثر بهذا الفراق والانفصال ـ ما بينهم من سابق العشرة، والمودة والرحمة، والمعاملة.


وهذه القاعدة جاءت بعد ذلك التوجيه بالعفو: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} كلُّ ذلك لزيادة الترغيب في العفو والتفضل الدنيوي.
وتأمل في التأكيد على عدم النسيان، والمراد به الإهمال وقلة الاعتناء، وليس المراد النهي عن النسيان بمعناه المعروف؛ فإن هذا ليس بوسع الإنسان.
وفي قوله: {إن الله بما تعملون بصير} تعليل للترغيب في عدم إهمال الفضل، وتعريض بأن في العفو مرضاة الله تعالى، فهو يرى ذلك منا فيجازي عليه(1).


إن العلاقة الزوجية ـ في الأعم الأغلب ـ لا تخلو من جوانب مشرقة، ومن وقفات وفاء من الزوجين لبعضهما، فإذا قُدّر وآل هذا العقد إلى حل عقدته بالطلاق، فإن هذا لا يعني نسيان ما كان بين الزوجين من مواقف الفضل والوفاء، ولئن تفارقت الأبدان، فإن الجانب الخلقي يبقى ولا يذهبه مثل هذه الأحوال العارضة.
وتأمل في أثر العفو، فإنه: يقرّب إليك البعيد، ويصيّر العدو لك صديقاً.
بل وتذكر ـ يا من تعفو ـ أنه يوشك أن تقترف ذنباً، فيُعفى عنك إذا تعارف الناس الفضل بينهم، بخلاف ما إذا أصبحوا لا يتنازلون عن الحق.


ولله ! ما أعظم هذه القاعدة لو تم تطبيقها بين الأزواج، وبين كل من تجمعنا بهم رابطة أو علاقة من العلاقات!
لقد ضرب بعض الأزواج ـ من الجنسين ـ أروع الأمثلة في الوفاء، وحفظ العشرة، سواء لمن حصل بينهم وبين أزواجهم فراق بالطلاق، أو بالوفاة، أذكر نموذجاً وقفتُ عليه، ربما يكون نادراً، وهو لشخص أعرفه، طلق زوجته ـ التي له منها أولاد ـ فما كان منه إلا أسكنها في الدور العلوي مع أولاده الذين بقوا عندها، وسكن هو في الدور الأرضي، وصار هو الذي يسدد فواتير الاتصالات والكهرباء ويقوم تفضلاً بالنفقة على مطلقته، حتى إن كثيراً ممن حوله من سكان الحي لا يدرون أنه مطلق! وإني لأحسبه ممن بلغ الغاية في امتثال هذا التوجيه الرباني: {ولا تنسوا الفضل بينكم}، نعم هذا مثال عزيز؛ لكني أذكره لأبين أن في الناس خيراً، وكما قال الحطيئة:


من يفعل الخير لا يعدم جوازيه *** لا يذهب العرف بين الله والناس


أيها القراء الكرام:

دعونا نتوقف قليلاً عند موقف عملي ممن كان خلقَه القرآن ج، لنرى كيف كان يتمثل ويمتثل القرآن عملياً في حياته: وذلك أن أنه ج لما رجع من الطائف، بعد أن بقي شهراً يدعو أهلها، ولم يجد منهم إلا الأذى، رجع إلى مكة، فدخل في جوار المطعم بن عدي، فأمر أولاده الأربعة فلبسوا السلاح، وقام كل واحد منهم عند الركن من الكعبة، فبلغ ذلك قريشاً فقالوا له: أنت الرجل الذي لا تخفر ذمتك!
ومات المطعم مشركاً، لكن النبي ج لم ينس له ذلك الفضل، فأراد أن يعبر عن امتنانه لقبول المطعم بن عدي أن يكون في جواره في وقت كانت مكة كلها إلا نفراً يسيراً ضد النبي ج، فلما انتهت غزوة بدر ـ كما في البخاري ـ: "لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له"(2).


والمعنى: لو طلب مني تركهم وإطلاقهم من الأسر بغير فداء لفعلت؛ ذلك مكافأة له على فضله السابق في قبول الجوار، فصلوات الله وسلامه على معلم الناس الخير.
وإن في حياتنا صنوفاً من العلاقات ـ سوى علاقة الزواج ـ: إما علاقة قرابة، أو مصاهرة، أو علاقة عمل، أو صداقة، أو يد فضل، فما أحرانا أن نطبق هذه القاعدة في حياتنا؛ ليبقى الود نهرًا مطردًا، ولتحفظ الحقوق، وتتصافى القلوب كبياض البدر بل أبهى، وكصفاء الشهد بل أنقى، وكرونق الزهر بل أعطر و أزكى؛ وإلا فإن مجانبة تطبيق هذه القاعدة الأخلاقية العظيمة، يعني مزيداً من التفكك والتباعد والشقاق، ووأداً لبعض الأخلاق الشريفة.


ومن العلاقات التي لا يكاد ينفك عنها أحدنا: علاقة العمل: سواء كان حكومياً أو خاصاً، أو تجارةً، فقد تجمعنا بأحد من الناس علاقة عمل، وقد تقتضي الظروف أن يحصل الاستغناء عن أحد الموظفين، أو انتقال أحد الأطراف إلى مكان عمل آخر برغبته واختياره، وهذا موضع من مواضع هذه القاعدة: فلا ينبغي أن ينسى الفضل بين الطرفين، فكم هو جميل أن يبادر أحد الطرفين إلى إشعار الطرف الآخر، أنه وإن تفرقنا ـ بعد مدة من التعاون ـ فإن ظرف الانتقال لا يمكن أن ينسينا ما كان بيننا من ود واحترام، وصفاء ووئام، وتعاون على مصالح مشتركة، ولذا فإنك تشكر أولئك الأفراد، وتلك المؤسسات التي تعبر عن هذه القاعدة عملياً بحفل تكريمي أو توديعي لذلك الطرف، فإن هذا من الذكريات الجميلة التي لا ينساها المحتفى به، وإذا أردتَ أن تعرف موقع وأثر مثل هذه المواقف الجميلة، فانظر إلى الأثر النفسي السلبي الذي يتركه عدم المبالاة بمن بذلوا وخدموا في مؤسساتهم الحكومية أو الخاصة لعدة سنوات، فلا يصلهم ولا خطاب شكر!.


ـ ومن ميادين تطبيق هذه القاعدة: الوفاء للمعلمين، وحفظ أثرهم الحسن في نفس المتعلم.
أعرف معلماً(3) من رواد التعليم في إحدى مناطق بلادنا من ضرب مثالاً للوفاء، إذ لم يقتصر وفاؤه لأستاذته الذين درسوه، بل امتد لأبنائهم حينما مات أستاذته ـ رحمهم الله ـ ويزداد عجبك حين تعلم أنه يتواصل معهم وهم خارج المملكة سواء في مصر أو الشام، فلله در هذا الرجل، وأكثر في الأمة من أمثاله.
ورحم الله الإمام الشافعي يوم قال: الحر من حفظ وداد لحظة، ومن أفاده لفظة.



وفي واقعنا مواضع كثيرة لتفعيل هذه القاعدة القرآنية الكريمة {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}: فللجيران الذين افترقوا منها نصيب، ولجماعة المسجد منها حظ، بل حتى العامل والخادم الذي أحسن الخدمة، ولهذه القاعدة حضورها القوي في المعاملة، حتى قال بعض أهل العلم: "من بركة الرزق: أن لا ينسى العبد الفضل في المعاملة، كما قال تعالى: {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}[البقرة:237], بالتيسير على الموسرين، وإنظار المعسرين، والمحاباة عند البيع والشراء، بما تيسر من قليل أو كثير، فبذلك ينال العبد خيراً كثيراً"(4).


إن الوفاء على الكرام فريضة *** واللؤم مقرون بذي النسيان

وترى الكريم لمن يعاشر حافظا *** وترى اللئيم مضيع الإخوان

نسأل الله تعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا هو،وأن يعيذنا من سيئها لا يعيذ منها إلا هو سبحانه.

____________________
(1) ينظر: التحرير والتنوير لابن عاشور بتصرف.
(2) صحيح البخاري، رقم (3139).
(3) هو الأستاذ عبدالعزيز بن إبراهيم الخريف من وجهاء حريملاء.
(4) بهجة قلوب الأبرار: (37).

__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
رد مع اقتباس
  #53  
قديم 14-11-2012, 07:46 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

الدرس التاسع باذن الله
__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
رد مع اقتباس
  #54  
قديم 14-11-2012, 07:47 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

الحمد لله ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ،
وبعد .
.
حديثنا في هذه الحلقة مع قاعدة عظيمة مُباركة لها أثرٌ بالغ في حياة الذين وعوها وعقلوها ، واهتدوا بهداها ، قاعدة لها صلة بأحد أصول الإيمان العظيمة : ألا وهو : الإيمان بالقضاء والقدر ، وتلكم القاعدة هي قوله سبحانه وتعالى ـ في سورة البقرة في سياق الكلام على فرض الجهاد في سبيل الله : {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} .. البقرة : 216

وهذا الخير المُجمل ، فسره قوله تعالى في سورة النساء ـ في سياق الحديث عن الفراق بين الزوجين في قوله تعالى : {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} . النساء : 19 ، فقوله (خيراً كثيراً) مُفسر ومُوضح للخير الذي ذُكر في آية البقرة ، وهي الآية الأولى التي استفتحنا بهذا هذا الحديث .

ومعنى القاعدة بإيجاز : أن الإنسان قد يقع له شيء من الأقدار المُؤلمة ، والمصائب المُوجعة ، التي تكرهها نفسه ، فربما جزع ، أو أصابه الحزن ، وظن أن ذلك المقدور هو الضربة القاضية ، والفاجعة المُهلكة ، لآماله وحياته ، فإذا بذلك المقدور يُصبح خيرا عليه من حيث لا يدري .. يُصبح منحة في ثوب محنة ، وعطية في رداء بلية ، وفوائد لأقوام ظنوها مصائب ، وكم أتى نفع الإنسان من حيث لا يحتسب !.والعكس صحيح : فكم من إنسان سعى في شيءٍ ظاهره خيرٌ ، واستمات في سبيل الحصول عليه ، وبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إليه ، فإذا بالأمر يأتي على خلاف ما يريد ، و هذا هو معنى القاعدة القرآنية التي تضمنتها هذه الآية باختصار ..

أيها القارئ الموفق :
ما إن تُمعن بناظريك ، مُتأملاً الآيتين الكريمتين الأولى والثانية ، إلا و تجد الآية الأولى ـ التي تحدثت عن فرض الجهاد ـ تتحدث عن ألم بدني وجسميًّ قد يلحق المُجاهدين في سبيل الله ، كما هو الغالب ، و هو أيضا حديث عن عبادة من العبادات ؛ وإذا تأملت الآية الثانية ـ آية مُفارقة النساء ـ وجدتها تتحدث عن ألم نفسي قد يلحق أحد الزوجين بسب فراقه لزوجه ! وإذا تمعنت آية النساء ، وجدتها تتحدث عن أحد أوثق العلاقات الإجتماعية .. إذن فنحن أمام قاعدة تناولت أحوالاً شتى : دينية ودنيوية ، بدنية ونفسية ، وهي أحوال لا يكاد ينفك عنها أحد في هذه الحياة التي :
جُبلت على كدر وأنت تُريدها *** صفوا من الأقذاء والأقذار
وقول الله عز وجل أبلغ و أوجز و أعجز ، {لقد خلقنا الإنسان في كبد } .. البلد : 4

إذا تبين هذا ـ أيها المؤمن بكتاب ربه ـ فاعلم أن إعمال هذه القاعدة القرآنية : {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} .. من أعظم ما يملأ القلب طمأنينة وراحةً ، ومن أهم أسباب دفع القلق الذي عصف بحياة كثير من الناس ، بسبب موقف من المواقف ، أو بسبب قدر من الأقدار المُؤلمة ـ في الظاهر ـ جرى علي هذا الإنسان في يوم من الأيام ..

ولو قلبنا قصص القرآن ، وصفحات التاريخ ، أو نظرنا في الواقع لوجدنا من ذلك عِبراً و وجدنا شواهدَ كثيرة ، لعلنا نُذّكر ببعض منها ، عسى أن يكون في ذلك سلوى لكل محزون ، وعزاء لكل مهموم :
1ـ تأمل قصة إلقاء أم موسى لولدها في البحر ! فأنت ـ إذا تأملتَ ـ وجدتَ أنه لا أكره لأم موسى من وقوع ابنها بيد آل فرعون ، ومع ذلك ظهرت عواقب هذا الإلقاء الحميدة ، وآثاره الطيبة في مستقبل الأيام ، وصدق الله عز و جل : {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } ..

2- و تأمل في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام : تجد أن هذه الآية مُنطبقة تمام الانطباق على ما جرى على يوسف وعلى أبيه يعقوب عليهما الصلاة والسلام .. كم وقع في هذه القصة - التي امتدت تفاصيلها عشرات السنين – كم وقع فيها من آلام كانت سببا في رفعة هذين النبيين عليهما و على نبينا الصلاة و السلام ..

3-و تأمل في قصة الغلام الذي قتله الخضر بأمر الله تعالى :: فإنه علل قتله بقوله : {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} ، الكهف: 80، 81
توقف ـ أيها المُعظم لكلام الله عز و جل .. وتوقفي أيتها المؤمنة عندها قليلاً ـ! كم من إنسان لم يُقدر الله تعالى أن يرزقه بالولد ، فضاق ذرعا بذلك ، واهتم واغتم وصار ضيقا صدره ـ وهذه طبيعة البشر ـ لكن الذي لا ينبغي أن يحدث هو الحزن الدائم ، والشعور بالحرمان الذي يقضي على بقية مشاريعه في الحياة !
وليت من حُرم نعمة الولد أن يتأمل هذه الآية لا ليذهب حزنه فحسب ، بل ليطمئن قلبه ، وينشرح صدره ، ويرتاح خاطره ، وليته ينظر إلى هذا القدر بعين النعمة ، وبصر الرحمة ، وأن الله تعالى رُبَما صرف هذه النعمة ( أعني نعمة الولد ) رحمةً به ! وما يدريه ؟ لعله إذا رزق بولد صار - هذا الولد - سبباً في شقاء والديه ، وتعاستهما ، وتنغيص عيشهما ! أو تشويه سمعته ، حتى لو نطق لكاد أن يقول : يا ليتني لم أُرزق بهذا الولد ..

4 ـ وفي السنة النبوية نجد هذاحينما مات زوج أم سلمة : أبو سلمة رضي الله عنهم جميعاً ، تقول أم سلمة رضي الله عنها : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم يقول : «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها . إلا أخلف الله له خيرا منها » . قالت : فلما مات أبو سلمة ، قلت : أي المسلمين خير من أبى سلمة ؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ؟ ثم إني قلتها ، فأخلف الله لي من هو خبر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه !
فتأمل هذا الشعور الذي انتاب أم سلمة ـ وهو بلا شك شعور ينتاب بعض النساء اللاتي يُبتلين بفقد أزواجهن ويتعرض لهن الخُطاب ـ ولسان حالهن : ومن خير من أبي فلان ؟! فلما فعلتْ أم سلمة ما أمرها الشرع به من الصبر والاسترجاع وقول المأثور ، أعقبها الله خيراً لم تكن تحلمُ به ، ولا يجول في خلدها .وهكذا المؤمنة .. يجب عليها أن لا تختصر سعادتها ، أو تحصرها في باب واحد من أبواب الحياة ، نعم .. الحزن العارض شيء لم يسلم منه حتى الأنبياء والمُرسلون عليهم صلوات الله أجمعين ! بل المُراد أن لا نُحصر الحياة أو السعادة في شيء واحد ، أو رجل ، أو خِطبة امرأة مُعينة ، أو ربما يحدث ذلك لطالب علم مات شيخه فيظن أن حياته العلمية قد انتهت بموت هذا الشيخ . !

وفي الواقع قصص كثيرة جداً ،أذكر منها ما ذكره الشيخ الطنطاوي رحمه الله عن صاحب له : أن رجلاً قدم إلى المطار ، وكان حريصا على رحلته ، وهو مُجهد بعض الشيء ، فأخذته نومةٌ ترتب عليها أن أقلعت الطائرة ، وفيها ركاب كثيرون يزيدون على ثلاث مئة راكب ، فلما أفاق إذا بالطائرة قد أقلعت قبل قليل ، وفاتته الرحلة ، فضاق صدره ، وندم ندماً شديداً ، ولم تمض دقائق على هذه الحال التي هو عليها حتى أُعلن عن سقوط الطائرة ، واحتراق من فيها بالكامل ! والسؤال أخي : ألم يكن فوات الرحلة خيراً لهذا الرجل ؟! ولكن أين المُعتبرون والمُتعظون ؟

والخلاصة اخي الكريم أن المؤمن عليه : أن يسعى إلى الخير جهده *** وليس عليه أن تتم المقاصد
وأن يتوكل على الله عز و جل ، ويبذل ما يستطيع من الأسباب المشروعة ، فإذا وقع شيءٌ على خلاف ما يحب ،فليتذكر هذه القاعدة القرآنية العظيمة : {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ،البقرة : 216 ،،
وليتذكر أن :
(من لُطف الله بعباده أنه يقدر عليهم أنواع المصائب ، وضروب المحن ، و الابتلاء بالأمر والنهي الشاق رحمة بهم ، ولطفاً ، وسوقا إلى كمالهم ، وكمال نعيمهم ) . تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي : (74) .
و ليتذكر أيضا أن من ألطاف الله العظيمة و حِكمه الباهرة أنه لم يجعل حياة الناس وسعادتهم مُرتبطة يشخص من الأشخاص حتى لو كان رسولا من عند الله عز و جل .. بل جعلها ( سبحانه ) مُرتبطة ارتباطا تاماً به وحده سبحانه وتعالى ، و بِشرعه العظيم ؛ وبقية الأشياء يُمكن تعويضها ، أو تعويض بعضها :::
من كل شيء إذا ضيعته عوضٌ *** وما من الله إن ضيعتهُ عوضُ

وإلى لقاء قريب في حلقة قادمة بإذن الله ...
__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
رد مع اقتباس
  #55  
قديم 05-12-2012, 06:33 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

قال الإمام ابن القيم رحمه الله ::
قوله تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا) [البقرة: 268] .

قيل: (يعدكم الفقر) [البقرة: 268] : يخوفكم به، يقول: إن أنفقتم أموالكم افتقرتم، (ويأمركم بالفحشاء) [البقرة: 268] قالوا: هى البخل فى هذا الموضع خاصة، ويذكر عن مقاتل والكلبى كل فحشاء فى القرآن فهى الزنا إلا فى هذا الموضع فإنها البخل.

والصواب: أن الفحشاء على بابها، وهى كل فاحشة، فهى صفة لموصوف محذوف، فحذف موصوفها إرادة للعموم، أى بالفعلة الفحشاء والخلة الفحشاء، ومن جملتها البخل، فذكر سبحانه وعد الشيطان وأمره يأمرهم بالشر ويخوفهم من فعل الخير، وهذان الأمران هما جماع ما يطلبه الشيطان من الإنسان فإنه إذا خوفه من فعل الخير تركه، وإذا أمره بالفحشاء وزينها له ارتكبها، وسمى سبحانه تخويفه وعد الانتظار الذى خوفه إياه كما ينتظر الموعود ما وعد به ثم ذكر سبحانه وعده على طاعته، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وهى المغفرة والفضل، فالمغفرة: وقاية الشر، والفضل: إعطاء الخير، وفى الحديث المشهور: "إن للمَلك بقلب ابن آدم لمة، وللشيطان لمة، فلمة الملك: إيعاد بالخير، وتصديق بالوعد، ولمة الشيطان: إيعاد بالشر، وتكذيب بالوعد"، ثم قرأ: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) [البقرة: 268] الآية.

فالملك والشيطان يتعاقبان على القلب تعاقب الليل والنهار، فمن الناس من يكون ليله أطول من نهاره، وآخر بضده، ومنهم من يكون زمنه نهاراً كله، وآخر بضده، نستعيذ بالله تعالى من شر الشيطان.



إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان– المجلد الأول






__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
رد مع اقتباس
  #56  
قديم 05-12-2012, 09:55 PM
الصورة الرمزية أبو الشيماء
أبو الشيماء أبو الشيماء غير متصل
مراقب الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2008
مكان الإقامة: أينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 6,416
الدولة : Morocco
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..
الأخت الفاضلة-ورد جوري-
أولا أقر بتقصيري لهذا القسم،وأطلب من الله تعالى أن يتجاوز عنا.
-----
الدرس العاشر..
----
الحمد لله ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ،لا سيما امهات المؤمنين والخلفاء الراشدين.

، وبعد :

هذه حلقة جديدة من برنامج (قواعد قرآنية) ، نقف فيها مع قاعدة من قواعد التعامل مع النفس ، ووسيلة من وسائل علاجها من أدوائها ، وهي في الوقت ذاته سلّمٌ لتترقى فيه النفس قي مراقي التزكية ، فإن الله تعالى قد أقسم أحد عشر قسماً في سورة الشمس على هذا المعنى العظيم ، فقال سبحانه : "قد أفلح من زكاها" ، تلكم القاعدة هي قول الله تعالى : {بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } .. القيامة : 14-15
والمعنى : أن الإنسان وإن حاول أن يُجادل أو يُماري عن أفعاله و أقواله التي يعلم من نفسه بطلانها أو خطأها ، واعتذر عن أخطاء نفسه باعتذارات ؛ فهو يعرف تماماً ما قاله وما فعله ، ولو حاول أن يستر نفسه أمام الناس ، أو يُلقي الاعتذارات ، فلا أحد أبصر ولا أعرف بما في نفسه منه .وتأمل ـ أيها المبارك ـ كيف جاء التعبير بقوله : "بصيرة" دون غيرها من الألفاظ ؛ لأن البصيرة مُتضمنة معنى الوضوح والحُجة ، كما يُقال للإنسان : أنت حجة على نفسك ! أو انت خصيم نفسك و العلم عند الله تعالى ..

و لهذه القاعدة القرآنية الكريمة مجالات كثيرة في واقعنا العام والخاص ، فلعنا نقف مع شيء من هذه المجالات ؛ علّنا أن نفيد منها في تقويم أخطائنا ، وتصحيح ما ندّ من سلوكنا ، فمن ذلك :
1- طريقة تعامل بعض من الناس مع النصوص الشرعية ! فلربما بلغ بعضَ الناس نصٌ واضح مُحكمٌ ، لم يختلف العلماء في دلالته على إيجاب أو تحريم ، أو تكون نفسه اطمأنت إلى حكمٍ شرعي ما في تلك المسألة ، ومع هذا تجد البعض يقع في نفسه حرجٌ ! ويُحاول أن يجد مدفعاً لهذا النص أو ذاك لأنه لم يُوافق هواه !
يقول ابن القيم رحمه الله : "فسبحان الله ! كم من حزازة في نفوس كثير من الناس من كثير من النصوص وبودهم أن لو لم ترد ؟ وكم من حرارة في أكبادهم منها ، وكم من شجى في حلوقهم منها ومن موردها ؟ " .. الرسالة التبوكية .
ولا ينفع الإنسان أن يُحاول دفع النصوص بالصدر فإن الإنسان على نفسه بصيرة ، وشأن المؤمن أن يكون في هذا المقام كما قال ربنا تعالى : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.. النساء : 65
يقول ابن الجوزي ( رحمه الله ) ، في كتابه الماتع الذائع الرائع (صيد الخاطر ) وهو يحكي مشاعر إنسان يعيش هذه الحال مع النصوص الشرعية ـ:
"قدرتُ مرة على لذة ظاهرها التحريم ، وتحتمل الإباحة ، إذ الأمر فيها مُتردد ، فجاهدت النفس فقالت : أنت ما تقدر فلهذا تترك ! فقارِبِ المقدورَ عليه ، فإذا تمكنتَ فتركتَ ، كنت تاركاً حقيقة ! ففعلتُ وتركتُ ، ثم عاودت مرة أخرى في تأويل أرتني فيه نفسي الجواز ـ و إن كان الأمر يحتمل ـ فلما وافقتها أثّر ذلك ظلمه في قلبي ؛ لخوفي أن يكون الأمر مُحرماً ، فرأيت أنها تارةً تقوى عليّ بالترخص والتأويل ، وتارةً أقوى عليها بالمُجاهدة والامتناع ، فإذا ترخصتُ لم آمن أن يكون ذلك الأمر محظوراً ، ثم أرى عاجلاً تأثير ذلك الفعل في القلب ، فلما لم آمن عليها بالتأويل ،... إلى أن قال رحمه الله : فأجود الأشياء قطع أسباب الفتن ، وترك الترخص فيما يجوز إذا كان حاملاً ومؤدياً إلى ما لا يجوز " .. صيد الخاطر : (152)

ومن مجالات تفعيل هذه القاعدة ـ في مجال التعامل مع النفس : أن مِنَ الناس مَنْ شُغف ـ عياذاً بالله ـ بتتبع أخطاء الناس وعُيوبهم ، مع غفلة عن عيوب نفسه ، كما قال قتادة (رحمه الله ) في تفسيره لهذه الآية : {بل الإنسان على نفسه بصيرة} .. قال : إذا شئت والله رأيته بصيراً بعيوب الناس وذنوبهم ، غافلاً عن ذنوبه ..تفسير ابن جرير .. وهذا ـ بلا ريب ـ من علامات الخُذلان ، كما قال بكر بن عبدالله المُزني ( رحمه الله ) : إذا رأيتم الرجل مُوكلاً بعيوب الناس ، ناسيا لعيبه ، فاعلموا أنه قد مُكِرَ بِهِ .
ويقول الشافعي ( رحمه الله ) : بلغني أن عبدالملك بن مروان قال للحجاج بن يوسف : ما من أحد إلا وهو عارف بعيوب نفسه ، فعِب نفسك ولا تخبىء منها شيئاً .. حلية الأولياء ( 9/146 ) ، ولهذا يقول أحد السلف : أنفع الصدق أن تقر لله بعيوب نفسك .. حلية الأولياء (9/282) ..

3-ومن مواضع تطبيق هذه القاعدة أن ترى بعض الناس يُجادل عن نفسه في بعض المواضع ـ التي تبين فيها خطؤه ـ بما يعلم في قرارة نفسه أنه غير مُصيب ، فيعتذر عن نفسه بأعذار ويُجادل عنها ، وهو يبُصرها بخلاف ذلك .. و هذا ما لا ينبغي البتة .

4 ـ ومن دلالات هذه القاعدة الشريفة : أن يسعى المرء إلى التفتيش عن عيوبه ، وأن يسعى في التخلص منها قدر الطاقة ، فإن هذا نوع من جهاد النفس المحمود ، وأن لا يركن الإنسان إلى ما فيه من عيوب أو أخطاء ، بحجة أنه نشأ على هذا الخُلق أو ذاك ، أو اعتاد عليه ، فإنه لا أحد من الناس أعلم منك بنفسك وعيوبها وأخطائها وذنوبها ، وما تُسره من أخلاق .
وإليك هذا النموذج المُشرق من حياة العلامة ابن حزم ( رحمه الله ) حيث يقول ـ في تقرير هذا المعنى :
"كانت فيَّ عيوب ، فلم أزل بالرياضة ( يعني : ترويض النفس ) واطلاعي على ما قالت الأنبياء صلوات الله عليهم ، والأفاضل من الحكماء المُتأخرين والمُتقدمين ـ في الأخلاق وفي آداب النفس ـ أعاني مُداواتها ، حتى أعان الله عز وجل على أكثر ذلك بتوفيقه ومَنّه ، وتمام العدل ورياضة النفس والتصرف بأزمّة الحقائق هو الإقرار بها ، ليتعظ بذلك مُتعظ يوماً إن شاء الله . ثم ساق الإمام ابن حزم جملة من العيوب التي كانت فيه ، وكيف حاول التغلب عليها ، ومقدار ما نجح فيه نجاحاً تاماً ، وما نجح فيه نجاحاً نسبياً ... رسائل ابن حزم (1 / 354) ..

5- ومن مواطن استفادة المؤمن من هذه القاعدة أن الإنسان ما دام يُدرك أنه أعلم بنفسه من غيره ، وجب عليه أن يتفطن إلى أن الناس قد يمدحونه في يومٍ من الأيام ، بل قد يُفرطون في ذلك ، وفي المُقابل قد يسمع يوماً من الأيام من يضع من قدره ، أو يخفض من شأنه بنوع من الظلم والبغي ، فمن عرف نفسه لم يغتر بمدحه بما ليس فيه ، ولم يتضرر بقدحه بما ليس فيه ، بل العاقل يستفيد من ذلك بتصحيح ما فيه من أخطاء وزلات ويسعى لتكميل نفسه بأنواع الكمالات البشرية قدر المستطاع .

6- وخاتمة هذه المجالات التي يُمكن الاستفادة منها في ظل هذه القاعدة القرآنية الشريفة :: أن من أكبر ثمرات البصيرة بالنفس ، أن يُوفق الإنسان إلى الاعتراف بالذنب والخطأ ، وهذا مقام الأنبياء والصديقين والصالحين ، وتأمل في قول أبوينا ( عليهما الصلاة و السلام ) ـ حين أكلا من الشجرة ـ: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 23 ] ، ثم نقرأ في القرآن الكريم اعتراف نوح وموسى عليهما السلام في سلسلة مُتتابعة من الإعترافات بالذنب كان من آخرها ما أثبته القرآن عن أولئك المُنافقين الذين اعترفوا بذنوبهم فسلموا فتِيب عليهم ، قال تعالى : {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .. التوبة : 102 ،،،، "فعلم أن من لم يعترف بذنبه كان من المنافقين" .. الصارم المسلول - (1 / 362) .
ومع توديعة الختام أهمس :
أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزه *** عنك فإن جحودَ الذنب ذنبانِ
أسأل الله تعالى أن يُبصرنا بعيوبنا ، وأن يقينا شح أنفسنا .


__________________
الحمد لله الذي أمـر بالجهاد دفاعـاً عن الدين، وحرمة المسلمين، وجعله ذروة السنام، وأعظـم الإسلام، ورفعـةً لأمّـة خيـرِ الأنـام.
والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد ، وعلى آلـه ، وصحبه أجمعيـن ، لاسيما أمّهـات المؤمنين ، والخلفاء الراشدين،الصديق الأعظم والفاروق الأفخم وذي النورين وأبو السبطين...رضي الله عنهم أجمعين.



التعديل الأخير تم بواسطة أبو الشيماء ; 11-12-2012 الساعة 07:38 PM.
رد مع اقتباس
  #57  
قديم 06-12-2012, 12:09 PM
ام عبد الحق ام عبد الحق غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
مكان الإقامة: ليبيا
الجنس :
المشاركات: 28
64 64 رد: وفي ذلك فليتنافس التنافسون

صدقتي يا وردتي الجورية لقد سبق وان ختمت القران ولكن لم اتمكن من تتبيته جيدا بعد متعللة بالوقت والظروف فارجو مساعدتي لحفظ القران ولنشد ايدي بعضنا لنكون من اهل القران وخاصته
اللهم صلي وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه تسليما كثيرا

التعديل الأخير تم بواسطة ام عبد الحق ; 06-12-2012 الساعة 12:17 PM. سبب آخر: رد وفي ذلك فليتنافس المتنافسون
رد مع اقتباس
  #58  
قديم 06-12-2012, 09:19 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الشيماء مشاهدة المشاركة
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..

الأخت الفاضلة-ورد جوري-
أولا أقر بتقصيري لهذا القسم،وأطلب من الله تعالى أن يتجاوز عنا.
-----
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
شيخنا الفاضل ومراقبنا الكريم
ابو الشيماء
صدقا, خشيت ان يكون هناك امرا صعبا جعلك تتوقف عن مواصلة جهودك الطيبة
لكن الحمد لله اراك بخير
بارك الله لك في عمرك وعملك ووقتك
واثقل لك في الميزان

ان شاء الله اعود لاحقا لمتابعة الدرس
نفع الله بك..

في حفظ الله
__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
رد مع اقتباس
  #59  
قديم 06-12-2012, 09:23 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: وفي ذلك فليتنافس التنافسون

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام عبد الحق مشاهدة المشاركة
صدقتي يا وردتي الجورية لقد سبق وان ختمت القران ولكن لم اتمكن من تتبيته جيدا بعد متعللة بالوقت والظروف فارجو مساعدتي لحفظ القران ولنشد ايدي بعضنا لنكون من اهل القران وخاصته
اللهم صلي وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه تسليما كثيرا
اهلا بكِ اختنا الكريمة
ام عبد الحق

سعيدة بزيارتك لهذه الصفحة
اسأل الله ان ينفعم بمحتواها

اظنك وصلتي للمكان الآمن لمتابعة طريقك مع كتاب الله وتثبيته
مع اختنا
راغبة في رضا الله
وفقك الله اخيه وفتح عليك وثبت كتابه في صدرك ونفعك ونفع من حولك به

في حفظ الله
__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
رد مع اقتباس
  #60  
قديم 06-12-2012, 09:42 PM
الصورة الرمزية أم اسراء
أم اسراء أم اسراء غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
مكان الإقامة: اينما شاء الله
الجنس :
المشاركات: 3,066
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله بك وجزاك خيرا مشرفتنا الخلوقة ورد جورى

وجعله فى موازين حسناتك
__________________

مهما يطول ظلام الليل ويشتد لابد من أن يعقبه فجرا .
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مع القرآن


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 119.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 113.01 كيلو بايت... تم توفير 6.02 كيلو بايت...بمعدل (5.06%)]