|
|||||||
| ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#551
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء (14) تفسير سورة الفجر من صــ/ الى صــ / الحلقة (551) تفسير سورة الفجر وهي مكية . قال النسائي : أخبرنا عبد الوهاب بن الحكم ، أخبرني يحيى بن سعيد ، عن سليمان ، عن محارب بن دثار وأبي صالح ، عن جابر قال : صلى معاذ صلاة ، فجاء رجل فصلى معه فطول ، فصلى في ناحية المسجد ثم انصرف ، فبلغ ذلك معاذا فقال : منافق . فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل الفتى ، فقال : يا رسول الله ، جئت أصلي معه فطول علي ، فانصرفت وصليت في ناحية المسجد ، فعلقت ناضحي . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أفتان يا معاذ ؟ أين أنت من ( سبح اسم ربك الأعلى ) ( والشمس وضحاها ) ( والفجر ) ( والليل إذا يغشى ) . بسم الله الرحمن الرحيم ( والفجر ( 1 ) وليال عشر ( 2 ) والشفع والوتر ( 3 ) والليل إذا يسر ( 4 ) هل في ذلك قسم لذي حجر ( 5 ) ألم تر كيف فعل ربك بعاد ( 6 ) إرم ذات العماد ( 7 ) التي لم يخلق مثلها في البلاد ( 8 ) وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ( 9 ) وفرعون ذي الأوتاد ( 10 ) الذين طغوا في البلاد ( 11 ) فأكثروا فيها الفساد ( 12 ) فصب عليهم ربك سوط عذاب ( 13 ) إن ربك لبالمرصاد ( 14 ) ) أما الفجر فمعروف ، وهو : الصبح . قاله علي ، وابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والسدي . وعن مسروق ، ومجاهد ، ومحمد بن كعب : المراد به فجر يوم النحر خاصة ، وهو خاتمة الليالي العشر . وقيل : المراد بذلك الصلاة التي تفعل عنده ، كما قاله عكرمة . وقيل : المراد به جميع النهار . وهو رواية عن ابن عباس . والليالي العشر : المراد بها عشر ذي الحجة . كما قاله ابن عباس ، وابن الزبير ، ومجاهد ، وغير واحد من السلف والخلف . وقد ثبت في صحيح البخاري ، عن ابن عباس مرفوعا : " ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام " - يعني عشر ذي الحجة - قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : " ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجلا خرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع من ذلك بشيء " . [ ص: 391 ] وقيل : المراد بذلك العشر الأول من المحرم ، حكاه أبو جعفر بن جرير ولم يعزه إلى أحد وقد روى أبو كدينة ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( وليال عشر ) قال : هو العشر الأول من رمضان . والصحيح القول الأول ; قال الإمام أحمد : حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا عياش بن عقبة ، حدثني خير بن نعيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن العشر عشر الأضحى ، والوتر يوم عرفة ، والشفع يوم النحر " . ورواه النسائي عن محمد بن رافع وعبدة بن عبد الله ، كل منهما عن زيد بن الحباب ، به ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم ، من حديث زيد بن الحباب ، به وهذا إسناد رجاله لا بأس بهم ، وعندي أن المتن في رفعه نكارة ، والله أعلم . وقوله : ( والشفع والوتر ) قد تقدم في هذا الحديث أن الوتر يوم عرفة ، لكونه التاسع ، وأن الشفع يوم النحر لكونه العاشر . وقاله ابن عباس ، وعكرمة ، والضحاك أيضا . قول ثان : وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثني عقبة بن خالد ، عن واصل بن السائب قال : سألت عطاء عن قوله : ( والشفع والوتر ) قلت : صلاتنا وترنا هذا ؟ قال : لا ولكن الشفع يوم عرفة ، والوتر ليلة الأضحى . قول ثالث : قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عامر بن إبراهيم الأصبهاني ، حدثني أبي ، عن النعمان - يعني ابن عبد السلام - عن أبي سعيد بن عوف ، حدثني بمكة قال : سمعت عبد الله بن الزبير يخطب الناس ، فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن الشفع والوتر . فقال : الشفع قول الله ، - عز وجل - : ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ) والوتر قوله : ( ومن تأخر فلا إثم عليه ) [ البقرة : 203 ] . وقال ابن جريج : أخبرني محمد بن المرتفع أنه سمع ابن الزبير يقول : الشفع أوسط أيام التشريق ، والوتر آخر أيام التشريق . وفي الصحيحين من رواية أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن لله تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحدا ، من أحصاها دخل الجنة ، وهو وتر يحب الوتر " . قول رابع : قال الحسن البصري ، وزيد بن أسلم : الخلق كلهم شفع ، ووتر ، أقسم تعالى بخلقه . وهو رواية عن مجاهد ، والمشهور عنه الأول . [ ص: 392 ] وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( والشفع والوتر ) قال : الله وتر واحد ، وأنتم شفع . ويقال : الشفع صلاة الغداة ، والوتر : صلاة المغرب . قول خامس : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عبيد بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد : ( والشفع والوتر ) قال : الشفع الزوج ، والوتر : الله - عز وجل - . وقال أبو عبد الله ، عن مجاهد : الله الوتر ، وخلقه الشفع ، الذكر والأنثى . وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( والشفع والوتر ) كل شيء خلقه الله شفع ، السماء والأرض ، والبر والبحر ، والجن والإنس ، والشمس والقمر ، ونحو هذا . ونحا مجاهد في هذا ما ذكروه في قوله تعالى : ( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) [ الذاريات : 49 ] أي : لتعلموا أن خالق الأزواج واحد . قول سادس : قال قتادة ، عن الحسن : ( والشفع والوتر ) هو العدد ، منه شفع ومنه وتر . قول سابع : في الآية الكريمة رواه ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق ابن جريج ، ثم قال ابن جرير : وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر يؤيد القول الذي ذكرنا عن أبي الزبير : حدثني عبد الله بن أبي زياد القطواني ، حدثنا زيد بن الحباب ، أخبرني عياش بن عقبة ، حدثني خير بن نعيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الشفع اليومان ، والوتر اليوم الثالث " . هكذا ورد هذا الخبر بهذا اللفظ ، وهو مخالف لما تقدم من اللفظ في رواية أحمد والنسائي وابن أبي حاتم ، وما رواه هو أيضا ، والله أعلم . قال أبو العالية ، والربيع بن أنس ، وغيرهما : هي الصلاة ، منها شفع كالرباعية والثنائية ، ومنها وتر كالمغرب ، فإنها ثلاث ، وهي وتر النهار . وكذلك صلاة الوتر في آخر التهجد من الليل . وقد قال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن عمران بن حصين : ( والشفع والوتر ) قال : هي الصلاة المكتوبة ، منها شفع ومنها وتر . وهذا منقطع وموقوف ، ولفظه خاص بالمكتوبة . وقد روي متصلا مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولفظه عام ، قال الإمام أحمد : حدثنا أبو داود - هو الطيالسي - حدثنا همام ، عن قتادة ، عن عمران بن عصام : أن شيخا حدثه من أهل البصرة ، عن عمران بن حصين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الشفع والوتر ، فقال : " هي الصلاة ، بعضها شفع ، وبعضها وتر " . هكذا وقع في المسند ، وكذا رواه ابن جرير عن بندار ، عن عفان وعن أبي كريب ، عن عبيد الله بن موسى ، كلاهما عن همام - وهو ابن يحيى - عن قتادة ، عن عمران بن عصام ، عن [ ص: 393 ] شيخ ، عن عمران بن حصين وكذا رواه أبو عيسى الترمذي ، عن عمرو بن علي ، عن ابن مهدي وأبي داود ، كلاهما عن همام ، عن قتادة ، عن عمران بن عصام ، عن رجل من أهل البصرة ، عن عمران بن حصين ، به . ثم قال : غريب ، لا نعرفه إلا من حديث قتادة ، وقد رواه خالد بن قيس أيضا عن قتادة . وقد روي عن عمران بن عصام ، عن عمران نفسه ، والله أعلم . قلت : ورواه ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا همام عن قتادة ، عن عمران بن عصام الضبعي - شيخ من أهل البصرة - عن عمران بن حصين ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره ، هكذا رأيته في تفسيره ، فجعل الشيخ البصري هو عمران بن عصام [ الضبعي ] . وهكذا رواه ابن جرير : حدثنا نصر بن علي ، حدثني أبي ، حدثني خالد بن قيس ، عن قتادة ، عن عمران بن عصام ، عن عمران بن حصين ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشفع والوتر قال : " هي الصلاة منها شفع ، ومنها وتر " . فأسقط ذكر الشيخ المبهم ، وتفرد به عمران بن عصام الضبعي أبو عمارة البصري ، إمام مسجد بني ضبيعة وهو والد أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي . روى عنه قتادة ، وابنه أبو جمرة والمثنى بن سعيد ، وأبو التياح يزيد بن حميد . وذكره ابن حبان في كتاب الثقات وذكره خليفة بن خياط في التابعين من أهل البصرة ، وكان شريفا نبيلا حظيا عند الحجاج بن يوسف ، ثم قتله يوم الزاوية سنة ثلاث وثمانين لخروجه مع ابن الأشعث ، وليس له عند الترمذي سوى هذا الحديث الواحد . وعندي أن وقفه على عمران بن حصين أشبه ، والله أعلم . ولم يجزم ابن جرير بشيء من هذه الأقوال في الشفع والوتر . وقوله : ( والليل إذا يسر ) قال العوفي ، عن ابن عباس : أي إذا ذهب . وقال عبد الله بن الزبير : ( والليل إذا يسر ) حتى يذهب بعضه بعضا . وقال مجاهد ، وأبو العالية ، وقتادة ، ومالك ، عن زيد بن أسلم وابن زيد : ( والليل إذا يسر ) إذا سار . وهذا يمكن حمله على ما قاله ابن عباس ، أي : ذهب . ويحتمل أن يكون المراد إذا سار ، [ ص: 394 ] أي : أقبل . وقد يقال : إن هذا أنسب ; لأنه في مقابلة قوله : ( والفجر ) فإن الفجر هو إقبال النهار وإدبار الليل ، فإذا حمل قوله : ( والليل إذا يسر ) على إقباله كان قسما بإقبال الليل وإدبار النهار ، وبالعكس ، كقوله : ( والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ) [ التكوير : 17 ، 18 ] . وكذا قال الضحاك : ( [ والليل ] إذا يسر ) أي : يجري . وقال عكرمة : ( والليل إذا يسر ) يعني : ليلة جمع . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم . ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام ، حدثنا أبو عامر ، حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو قال : سمعت محمد بن كعب القرظي ، يقول في قوله : ( والليل إذا يسر ) قال : اسر يا سار ولا تبين إلا بجمع . وقوله : ( هل في ذلك قسم لذي حجر ) أي : لذي عقل ولب وحجا [ ودين ] وإنما سمي العقل حجرا لأنه يمنع الإنسان من تعاطي ما لا يليق به من الأفعال والأقوال ، ومنه حجر البيت لأنه يمنع الطائف من اللصوق بجداره الشامي . ومنه حجر اليمامة ، وحجر الحاكم على فلان : إذا منعه التصرف ، ( ويقولون حجرا محجورا ) [ الفرقان : 22 ] ، كل هذا من قبيل واحد ، ومعنى متقارب ، وهذا القسم هو بأوقات العبادة ، وبنفس العبادة من حج وصلاة وغير ذلك من أنواع القرب التي يتقرب بها [ إليه عباده ] المتقون المطيعون له ، الخائفون منه ، المتواضعون لديه ، الخاشعون لوجهه الكريم . ولما ذكر هؤلاء وعبادتهم وطاعتهم قال بعده : ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد ) وهؤلاء كانوا متمردين عتاة جبارين ، خارجين عن طاعته مكذبين لرسله ، جاحدين لكتبه . فذكر تعالى كيف أهلكهم ودمرهم ، وجعلهم أحاديث وعبرا ، فقال : ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد ) وهؤلاء عاد الأولى ، وهم أولاد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح ، قاله ابن إسحاق وهم الذين بعث الله فيهم رسوله هودا ، عليه السلام ، فكذبوه وخالفوه ، فأنجاه الله من بين أظهرهم ومن آمن معه منهم ، وأهلكهم بريح صرصر عاتية ، ( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية ) [ الحاقة : 7 ، 8 ] وقد ذكر الله قصتهم في القرآن في غير ما موضع ، ليعتبر بمصرعهم المؤمنون . فقوله تعالى : ( إرم ذات العماد ) عطف بيان ; زيادة تعريف بهم . وقوله : ( ذات العماد ) لأنهم كانوا يسكنون بيوت الشعر التي ترفع بالأعمدة الشداد ، وقد كانوا أشد الناس في زمانهم خلقة وأقواهم بطشا ، ولهذا ذكرهم هود بتلك النعمة وأرشدهم إلى أن يستعملوها في طاعة ربهم الذي خلقهم ، فقال : ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله [ لعلكم تفلحون ] ) [ الأعراف : 69 ] . وقال تعالى : [ ص: 395 ] ( فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ) [ فصلت : 15 ] ، وقال هاهنا : ( التي لم يخلق مثلها في البلاد ) أي : القبيلة التي لم يخلق مثلها في بلادهم ، لقوتهم وشدتهم وعظم تركيبهم . قال مجاهد : إرم : أمة قديمة . يعني : عادا الأولى ، كما قال قتادة بن دعامة ، والسدي : إن إرم بيت مملكة عاد . وهذا قول حسن جيد قوي . وقال مجاهد ، وقتادة ، والكلبي في قوله : ( ذات العماد ) كانوا أهل عمود لا يقيمون . وقال العوفي ، عن ابن عباس : إنما قيل لهم : ( ذات العماد ) لطولهم . واختار الأول ابن جرير ، ورد الثاني فأصاب . وقوله : ( التي لم يخلق مثلها في البلاد ) أعاد ابن زيد الضمير على العماد ; لارتفاعها ، وقال : بنوا عمدا بالأحقاف لم يخلق مثلها في البلاد . وأما قتادة وابن جرير فأعاد الضمير على القبيلة ، أي : لم يخلق مثل تلك القبيلة في البلاد ، يعني في زمانهم . وهذا القول هو الصواب ، وقول ابن زيد ومن ذهب مذهبه ضعيف ; لأنه لو كان أراد ذلك لقال : التي لم يعمل مثلها في البلاد ، وإنما قال : ( لم يخلق مثلها في البلاد ) وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح كاتب الليث ، حدثنا معاوية بن صالح ، عمن حدثه ، عن المقدام ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر إرم ذات العماد فقال : " كان الرجل منهم يأتي على صخرة فيحملها على الحي فيهلكهم " . ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أبو الطاهر ، حدثنا أنس بن عياض ، عن ثور بن زيد الديلي . قال : قرأت كتابا - قد سمى حيث قرأه - : أنا شداد بن عاد ، وأنا الذي رفعت العماد ، وأنا الذي شددت بذراعي نظر واحد ، وأنا الذي كنزت كنزا على سبعة أذرع ، لا يخرجه إلا أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - . قلت : فعلى كل قول سواء كانت العماد أبنية بنوها ، أو أعمدة بيوتهم للبدو ، أو سلاحا يقاتلون به ، أو طول الواحد منهم - فهم قبيلة وأمة من الأمم ، وهم المذكورون في القرآن في غير ما موضع ، المقرونون بثمود كما هاهنا ، والله أعلم . ومن زعم أن المراد بقوله : ( إرم ذات العماد ) مدينة إما دمشق ، كما روي عن سعيد بن المسيب وعكرمة ، أو إسكندرية كما روي عن القرظي أو غيرهما ، ففيه نظر ، فإنه كيف يلتئم الكلام على هذا : ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد ) إن جعل ذلك بدلا أو عطف بيان ، فإنه لا يتسق الكلام حينئذ . ثم المراد إنما هو الإخبار عن إهلاك القبيلة المسماة بعاد ، وما أحل الله بهم من بأسه الذي لا يرد ، لا أن المراد الإخبار عن مدينة أو إقليم . [ ص: 396 ] وإنما نبهت على ذلك لئلا يغتر بكثير مما ذكره جماعة من المفسرين عند هذه الآية ، من ذكر مدينة يقال لها : ( إرم ذات العماد ) مبنية بلبن الذهب والفضة ، قصورها ودورها وبساتينها ، وإن حصباءها لآلئ وجواهر ، وترابها بنادق المسك ، وأنهارها سارحة ، وثمارها ساقطة ، ودورها لا أنيس بها ، وسورها وأبوابها تصفر ، ليس بها داع ولا مجيب . وأنها تنتقل فتارة تكون بأرض الشام ، وتارة باليمن ، وتارة بالعراق ، وتارة بغير ذلك من البلاد - فإن هذا كله من خرافات الإسرائيليين ، من وضع بعض زنادقتهم ، ليختبروا بذلك عقول الجهلة من الناس أن تصدقهم في جميع ذلك . وذكر الثعلبي وغيره أن رجلا من الأعراب - وهو عبد الله بن قلابة - في زمان معاوية ذهب في طلب أباعر له شردت ، فبينما هو يتيه في ابتغائها ، إذ طلع على مدينة عظيمة لها سور وأبواب ، فدخلها فوجد فيها قريبا مما ذكرناه من صفات المدينة الذهبية التي تقدم ذكرها ، وأنه رجع فأخبر الناس ، فذهبوا معه إلى المكان الذي قال فلم يروا شيئا . وقد ذكر ابن أبي حاتم قصة ( إرم ذات العماد ) هاهنا مطولة جدا ، فهذه الحكاية ليس يصح إسنادها ، ولو صح إلى ذلك الأعرابي فقد يكون اختلق ذلك ، أو أنه أصابه نوع من الهوس والخبال فاعتقد أن ذلك له حقيقة في الخارج ، وليس كذلك . وهذا مما يقطع بعدم صحته . وهذا قريب مما يخبر به كثير من الجهلة والطامعين والمتحيلين ، من وجود مطالب تحت الأرض ، فيها قناطير الذهب والفضة ، وألوان الجواهر واليواقيت واللآلئ والإكسير الكبير ، لكن عليها موانع تمنع من الوصول إليها والأخذ منها ، فيحتالون على أموال الأغنياء والضعفة والسفهاء ، فيأكلونها بالباطل في صرفها في بخاخير وعقاقير ، ونحو ذلك من الهذيانات ، ويطنزون بهم . والذي يجزم به أن في الأرض دفائن جاهلية وإسلامية وكنوزا كثيرة ، من ظفر بشيء منها أمكنه تحويله فأما على الصفة التي زعموها فكذب وافتراء وبهت ، ولم يصح في ذلك شيء مما يقولون إلا عن نقلهم أو نقل من أخذ عنهم ، والله سبحانه وتعالى الهادي للصواب . وقول ابن جرير : يحتمل أن يكون المراد بقوله : ( إرم ) قبيلة أو بلدة كانت عاد تسكنها فلذلك لم تصرف فيه نظر ; لأن المراد من السياق إنما هو الإخبار عن القبيلة ، ولهذا قال بعده : (وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ) يعني : يقطعون الصخر بالوادي . قال ابن عباس : ينحتونها ويخرقونها . وكذا قال مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد . ومنه يقال : " مجتابي النمار " . إذا خرقوها ، واجتاب الثوب : إذا فتحه . ومنه الجيب أيضا . وقال الله تعالى : ( وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ) [ الشعراء : 149 ] . وأنشد ابن جرير وابن أبي حاتم هاهنا قول الشاعر : [ ص: 397 ] ألا كل شيء - ما خلا الله - بائد كما باد حي من شنيف ومارد هم ضربوا في كل صماء صعدة بأيد شداد أيدات السواعد وقال ابن إسحاق : كانوا عربا ، وكان منزلهم بوادي القرى . وقد ذكرنا قصة " عاد " مستقصاة في سورة " الأعراف " بما أغنى عن إعادته . وقوله : ( وفرعون ذي الأوتاد ) قال العوفي ، عن ابن عباس : الأوتاد : الجنود الذين يشدون له أمره . ويقال : كان فرعون يوتد أيديهم وأرجلهم في أوتاد من حديد يعلقهم بها . وكذا قال مجاهد : كان يوتد الناس بالأوتاد . وهكذا قال سعيد بن جبير ، والحسن ، والسدي . قال السدي : كان يربط الرجل ، كل قائمة من قوائمه في وتد ثم يرسل عليه صخرة عظيمة فتشدخه . وقال قتادة : بلغنا أنه كانت له مطال وملاعب ، يلعب له تحتها ، من أوتاد وحبال . وقال ثابت البناني ، عن أبي رافع : قيل لفرعون ( ذي الأوتاد ) ; لأنه ضرب لامرأته أربعة أوتاد ، ثم جعل على ظهرها رحى عظيمة حتى ماتت . وقوله : ( الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد ) أي : تمردوا وعتوا وعاثوا في الأرض بالإفساد والأذية للناس ، ( فصب عليهم ربك سوط عذاب ) أي : أنزل عليهم رجزا من السماء ، وأحل بهم عقوبة لا يردها عن القوم المجرمين . وقوله : ( إن ربك لبالمرصاد ) قال ابن عباس : يسمع ويرى . يعني : يرصد خلقه فيما يعملون ، ويجازي كلا بسعيه في الدنيا والأخرى ، وسيعرض الخلائق كلهم عليه ، فيحكم فيهم بعدله ، ويقابل كلا بما يستحقه . وهو المنزه عن الظلم والجور . وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديثا غريبا جدا - وفي إسناده نظر وفي صحته - فقال : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثنا يونس الحذاء ، عن أبي حمزة البيساني ، عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا معاذ ، إن المؤمن لدى الحق أسير . يا معاذ ، إن المؤمن لا يسكن روعه ولا يأمن اضطرابه حتى يخلف جسر جهنم خلف ظهره . يا معاذ ، إن المؤمن قيده القرآن عن كثير من شهواته ، وعن أن يهلك فيها هو بإذن الله ، - عز وجل - فالقرآن دليله ، والخوف محجته ، والشوق مطيته ، والصلاة كهفه ، والصوم جنته ، والصدقة فكاكه ، والصدق أميره ، والحياء وزيره ، وربه ، - عز وجل - من وراء ذلك كله بالمرصاد " . قال ابن أبي حاتم : يونس الحذاء وأبو حمزة مجهولان ، وأبو حمزة عن معاذ مرسل . ولو كان عن أبي حمزة لكان حسنا . أي : لو كان من كلامه لكان حسنا . ![]()
__________________
|
|
#552
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء (14) تفسير سورة الفجر من صــ/ الى صــ / الحلقة (552) ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا صفوان بن صالح ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، عن أيفع بن عبد الكلاعي : أنه سمعه وهو يعظ الناس يقول : إن لجهنم سبع قناطر - قال : والصراط عليهن ، قال : فيحبس الخلائق عند القنطرة الأولى ، فيقول : ( وقفوهم إنهم مسئولون ) [ الصافات : 24 ] ، قال : فيحاسبون على الصلاة ويسألون عنها ، قال : فيهلك فيها من هلك ، وينجو من نجا ، فإذا بلغوا القنطرة الثانية حوسبوا على الأمانة كيف أدوها ، وكيف خانوها ؟ قال : فيهلك من هلك وينجو من نجا . فإذا بلغوا القنطرة الثالثة سئلوا عن الرحم كيف وصلوها وكيف قطعوها ؟ قال : فيهلك من هلك وينجو من نجا . قال : والرحم يومئذ متدلية إلى الهوي في جهنم تقول : اللهم من وصلني فصله ، ومن قطعني فاقطعه . قال : وهي التي يقول الله - عز وجل - : ( إن ربك لبالمرصاد ) . هكذا أورد هذا الأثر ، ولم يذكر تمامه . ( فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ( 15 ) وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن ( 16 ) كلا بل لا تكرمون اليتيم ( 17 ) ولا تحاضون على طعام المسكين ( 18 ) وتأكلون التراث أكلا لما ( 19 ) وتحبون المال حبا جما ( 20 ) ) يقول تعالى منكرا على الإنسان في اعتقاده إذا وسع الله عليه في الرزق ليختبره في ذلك ، فيعتقد أن ذلك من الله إكرام له وليس كذلك ، بل هو ابتلاء وامتحان . كما قال تعالى : ( أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ) [ المؤمنون : 55 ، 56 ] . وكذلك في الجانب الآخر إذا ابتلاه وامتحنه وضيق عليه في الرزق ، يعتقد أن ذلك من الله إهانة له . قال الله : ( كلا ) أي : ليس الأمر كما زعم ، لا في هذا ولا في هذا ، فإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب ، ويضيق على من يحب ومن لا يحب ، وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين ، إذا كان غنيا بأن يشكر الله على ذلك ، وإذا كان فقيرا بأن يصبر . وقوله : ( بل لا تكرمون اليتيم ) فيه أمر بالإكرام له ، كما جاء في الحديث الذي رواه عبد الله بن المبارك ، عن سعيد بن أبي أيوب ، عن يحيى بن سليمان ، عن زيد بن أبي عتاب عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه " ثم قال بأصبعه : " أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا " . وقال أبو داود : حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان ، أخبرنا عبد العزيز - يعني ابن أبي حازم - حدثني أبي ، عن سهل - يعني ابن سعد - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة " . وقرن بين إصبعيه : الوسطى والتي تلي الإبهام . [ ص: 399 ] ( ولا تحاضون على طعام المسكين ) يعني : لا يأمرون بالإحسان إلى الفقراء والمساكين ، ويحث بعضهم على بعض في ذلك ، ( وتأكلون التراث ) يعني : الميراث ( أكلا لما ) أي : من أي جهة حصل لهم ، من حلال أو حرام ، ( وتحبون المال حبا جما ) أي : كثيرا - زاد بعضهم : فاحشا . ( كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ( 21 ) وجاء ربك والملك صفا صفا ( 22 ) وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ( 23 ) ) ( يقول ياليتني قدمت لحياتي ( 24 ) فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ( 25 ) ولا يوثق وثاقه أحد ( 26 ) يا أيتها النفس المطمئنة ( 27 ) ارجعي إلى ربك راضية مرضية ( 28 ) فادخلي في عبادي ( 29 ) وادخلي جنتي ( 30 ) ) يخبر تعالى عما يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة ، فقال : ( كلا ) أي : حقا ( إذا دكت الأرض دكا دكا ) أي : وطئت ومهدت وسويت الأرض والجبال ، وقام الخلائق من قبورهم لربهم ، ( وجاء ربك ) يعني : لفصل القضاء بين خلقه ، وذلك بعد ما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد - صلى الله عليه وسلم - بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحدا بعد واحد ، فكلهم يقول : لست بصاحب ذاكم ، حتى تنتهي النوبة إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فيقول : " أنا لها ، أنا لها " . فيذهب فيشفع عند الله في أن يأتي لفصل القضاء فيشفعه الله في ذلك ، وهي أول الشفاعات ، وهي المقام المحمود كما تقدم بيانه في سورة " سبحان " فيجيء الرب تعالى لفصل القضاء كما يشاء ، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا . وقوله : ( وجيء يومئذ بجهنم ) قال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه : حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، عن العلاء بن خالد الكاهلي ، عن شقيق ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها " . وهكذا رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن عمر بن حفص ، به ورواه أيضا عن عبد بن حميد ، عن أبي عامر ، عن سفيان الثوري ، عن العلاء بن خالد ، عن شقيق بن سلمة - وهو أبو وائل - عن عبد الله بن مسعود ، قوله ولم يرفعه وكذا رواه ابن جرير ، عن الحسن بن عرفة ، عن مروان بن معاوية الفزاري ، عن العلاء بن خالد ، عن شقيق ، عن عبد الله ، قوله . [ ص: 400 ] وقوله : ( يومئذ يتذكر الإنسان ) أي : عمله وما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه ، ( وأنى له الذكرى ) أي : وكيف تنفعه الذكرى ؟ ( يقول ياليتني قدمت لحياتي ) يعني : يندم على ما كان سلف منه من المعاصي - إن كان عاصيا - ويود لو كان ازداد من الطاعات - إن كان طائعا - كما قال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا علي بن إسحاق ، حدثنا عبد الله - يعني ابن المبارك - حدثنا ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن جبير بن نفير ، عن محمد بن أبي عميرة - وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لو أن عبدا خر على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت هرما في طاعة الله ، لحقره يوم القيامة ، ولود أنه يرد إلى الدنيا كيما يزداد من الأجر والثواب . ورواه بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن عتبة بن عبد ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال الله تعالى : ( فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ) أي : ليس أحد أشد عذابا من تعذيب الله من عصاه ، ( ولا يوثق وثاقه أحد ) أي : وليس أحد أشد قبضا ووثقا من الزبانية لمن كفر بربهم ، - عز وجل - هذا في حق المجرمين من الخلائق والظالمين فأما النفس الزكية المطمئنة وهي الساكنة الثابتة الدائرة مع الحق فيقال لها : ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك ) أي : إلى جواره وثوابه وما أعد لعباده في جنته ، ( راضية ) أي : في نفسها ( مرضية ) أي : قد رضيت عن الله ورضي عنها وأرضاها ، ( فادخلي في عبادي ) أي : في جملتهم ، ( وادخلي جنتي ) وهذا يقال لها عند الاحتضار ، وفي يوم القيامة أيضا ، كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره ، وكذلك هاهنا . ثم اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآية ، فروى الضحاك ، عن ابن عباس : نزلت في عثمان بن عفان . وعن بريدة بن الحصيب : نزلت في حمزة بن عبد المطلب ، رضي الله عنه . وقال العوفي ، عن ابن عباس : يقال للأرواح المطمئنة يوم القيامة : ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك ) يعني : صاحبك ، وهو بدنها الذي كانت تعمره في الدنيا ، ( راضية مرضية ) وروي عنه أنه كان يقرؤها : " فادخلي في عبدي وادخلي جنتي " . وكذا قال عكرمة والكلبي ، واختاره ابن جرير ، وهو غريب ، والظاهر الأول ; لقوله : ( ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ) [ الأنعام : 62 ] ( وأن مردنا إلى الله ) [ غافر : 43 ] أي : إلى حكمه والوقوف بين يديه . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في [ ص: 401 ] قوله : ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) قال : نزلت وأبو بكر جالس ، فقال : يا رسول الله ، ما أحسن هذا . فقال : " أما إنه سيقال لك هذا " . ثم قال : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن سعيد بن جبير قال : قرأت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) فقال أبو بكر ، رضي الله عنه : إن هذا حسن . فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أما إن الملك سيقول لك هذا عند الموت " . وكذا رواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن ابن يمان ، به . وهذا مرسل حسن . ثم قال ابن أبي حاتم : وحدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا مروان بن شجاع الجزري ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير قال : مات ابن عباس بالطائف ، فجاء طير لم ير على خلقه فدخل نعشه ، ثم لم ير خارجا منه فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر ، ما يدرى من تلاها : ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) . رواه الطبراني عن عبد الله بن أحمد عن أبيه ، عن مروان بن شجاع ، عن سالم بن عجلان الأفطس ، به فذكره . وقد ذكر الحافظ محمد بن المنذر الهروي - المعروف بشكر - في كتاب " العجائب " بسنده عن قباث بن رزين أبي هاشم قال : أسرت في بلاد الروم ، فجمعنا الملك وعرض علينا دينه ، على أن من امتنع ضربت عنقه . فارتد ثلاثة ، وجاء الرابع فامتنع ، فضربت عنقه ، وألقي رأسه في نهر هناك ، فرسب في الماء ثم طفا على وجه الماء ، ونظر إلى أولئك الثلاثة فقال : يا فلان ، ويا فلان ، ويا فلان - يناديهم بأسمائهم - قال الله تعالى في كتابه : ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) ثم غاص في الماء ، [ قال ] فكادت النصارى أن يسلموا ، ووقع سرير الملك ، ورجع أولئك الثلاثة إلى الإسلام . قال : وجاء الفداء من عند الخليفة أبي جعفر المنصور فخلصنا . وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة رواحة بنت أبي عمرو الأوزاعي ، عن أبيها : حدثني سليمان بن حبيب المحاربي ، حدثني أبو أمامة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل : " قل اللهم ، إني أسألك نفسا بك مطمئنة ، تؤمن بلقائك ، وترضى بقضائك ، وتقنع بعطائك " ثم روى عن أبي سليمان بن زبر أنه قال : حديث رواحة هذا واحد أمه . آخر تفسير سورة " الفجر " ولله الحمد [ والمنة ] .
__________________
|
|
#553
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء (14) تفسير سورة البلد من صــ/ الى صــ / الحلقة (553) تفسير سورة البلد وهي مكية . بسم الله الرحمن الرحيم ( لا أقسم بهذا البلد ( 1 ) وأنت حل بهذا البلد ( 2 ) ووالد وما ولد ( 3 ) لقد خلقنا الإنسان في كبد ( 4 ) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ( 5 ) يقول أهلكت مالا لبدا ( 6 ) أيحسب أن لم يره أحد ( 7 ) ألم نجعل له عينين ( 8 ) ولسانا وشفتين ( 9 ) وهديناه النجدين ( 10 ) ) هذا قسم من الله - عز وجل - بمكة أم القرى في حال كون الساكن فيها حالا ; لينبه على عظمة قدرها في حال إحرام أهلها . قال خصيف ، عن مجاهد : ( لا أقسم بهذا البلد ) لا رد عليهم ; أقسم بهذا البلد . وقال شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( لا أقسم بهذا البلد ) يعني : مكة ، ( وأنت حل بهذا البلد ) قال : أنت - يا محمد - يحل لك أن تقابل به . وكذا روي عن سعيد بن جبير ، وأبي صالح ، وعطية ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد . وقال مجاهد : ما أصبت فيه فهو حلال لك . وقال قتادة : ( وأنت حل بهذا البلد ) قال : أنت به من غير حرج ولا إثم . وقال الحسن البصري : أحلها الله له ساعة من نهار . وهذا المعنى الذي قالوه قد ورد به الحديث المتفق على صحته : " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه . وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب " . وفي لفظ [ آخر ] فإن أحد ترخص بقتال رسول الله فقولوا : إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم " . وقوله : ( ووالد وما ولد ) قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن عطية ، عن شريك ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( ووالد وما ولد ) الوالد : الذي يلد ، وما ولد : العاقر الذي لا يولد له . [ ص: 403 ] ورواه [ ابن جرير و ] ابن أبي حاتم ، من حديث شريك - وهو ابن عبد الله القاضي - به . وقال عكرمة : الوالد : العاقر ، وما ولد : الذي يلد . رواه ابن أبي حاتم . وقال مجاهد ، وأبو صالح ، وقتادة ، والضحاك ، وسفيان الثوري ، وسعيد بن جبير ، والسدي ، والحسن البصري ، وخصيف ، وشرحبيل بن سعد وغيرهم : يعني بالوالد آدم ، وما ولد ولده . وهذا الذي ذهب إليه مجاهد وأصحابه حسن قوي ; لأنه تعالى لما أقسم بأم القرى وهي المساكن أقسم بعده بالساكن ، وهو آدم أبو البشر وولده . وقال أبو عمران الجوني : هو إبراهيم وذريته . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم . واختار ابن جرير أنه عام في كل والد وولده . وهو محتمل أيضا . وقوله : ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) روي عن ابن مسعود ، وابن عباس ، وعكرمة ، ومجاهد ، وإبراهيم النخعي ، وخيثمة ، والضحاك ، وغيرهم : يعني منتصبا - زاد ابن عباس في رواية عنه - في بطن أمه . والكبد : الاستواء والاستقامة . ومعنى هذا القول : لقد خلقنا الإنسان سويا مستقيما كقوله : ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك ) [ الانفطار : 6 ، 7 ] ، وكقوله ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) [ التين : 4 ] . وقال ابن [ أبي نجيح ] عن جريج وعطاء عن ابن عباس : في كبد ، قال : في شدة خلق ، ألم تر إليه . . وذكر مولده ونبات أسنانه . قال مجاهد : ( في كبد ) نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة يتكبد في الخلق - قال مجاهد : وهو كقوله : ( حملته أمه كرها ووضعته كرها ) وأرضعته كرها ، ومعيشته كره ، فهو يكابد ذلك . وقال سعيد بن جبير : ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) في شدة وطلب معيشة . وقال عكرمة : في شدة وطول . وقال قتادة : في مشقة . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام ، حدثنا أبو عاصم ، أخبرنا عبد الحميد بن جعفر ، سمعت محمد بن علي أبا جعفر الباقر سأل رجلا من الأنصار عن قول الله : ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) قال : في قيامه واعتداله . فلم ينكر عليه أبو جعفر . وروى من طريق أبي مودود : سمعت الحسن قرأ هذه الآية : ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) قال : يكابد أمرا من أمر الدنيا ، وأمرا من أمر الآخرة - وفي رواية : يكابد مضايق الدنيا وشدائد الآخرة . [ ص: 404 ] وقال ابن زيد : ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) قال : آدم خلق في السماء ، فسمي ذلك الكبد . واختار ابن جرير أن المراد [ بذلك ] مكابدة الأمور ومشاقها . وقوله : ( أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ) قال الحسن البصري : يعني أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يأخذ ماله . وقال قتادة : ( أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ) قال : ابن آدم يظن أن لن يسأل عن هذا المال : من أين اكتسبه ؟ وأين أنفقه ؟ وقال السدي : ( أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ) قال : الله - عز وجل - . وقوله : ( يقول أهلكت مالا لبدا ) أي : يقول ابن آدم : أنفقت مالا لبدا ، أي : كثيرا . قاله مجاهد [ والحسن ] وقتادة ، والسدي ، وغيرهم . ( أيحسب أن لم يره أحد ) قال مجاهد : أي أيحسب أن لم يره الله - عز وجل - . وكذا قال غيره من السلف . وقوله : ( ألم نجعل له عينين ) أي : يبصر بهما ، ( ولسانا ) أي : ينطق به ، فيعبر عما في ضميره ، ( وشفتين ) يستعين بهما على الكلام وأكل الطعام ، وجمالا لوجهه وفمه . وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي الربيع الدمشقي ، عن مكحول قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يقول الله تعالى : يا ابن آدم ، قد أنعمت عليك نعما عظاما لا تحصي عددها ولا تطيق شكرها ، وإن مما أنعمت عليك أن جعلت لك عينين تنظر بهما ، وجعلت لهما غطاء ، فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك ، وإن رأيت ما حرمت عليك فأطبق عليهما غطاءهما . وجعلت لك لسانا ، وجعلت له غلافا ، فانطق بما أمرتك وأحللت لك ، فإن عرض لك ما حرمت عليك فأغلق عليك لسانك . وجعلت لك فرجا ، وجعلت لك سترا ، فأصب بفرجك ما أحللت لك ، فإن عرض لك ما حرمت عليك فأرخ عليك سترك . يا ابن آدم ، إنك لا تحمل سخطي ، ولا تطيق انتقامي " . ( وهديناه النجدين ) قال سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - : ( وهديناه النجدين ) قال : الخير والشر . وكذا روي عن علي ، وابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأبي وائل ، وأبي صالح ، ومحمد بن كعب ، والضحاك ، وعطاء الخراساني في آخرين . وقال عبد الله بن وهب : أخبرني ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سنان بن سعد ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هما نجدان ، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير " . [ ص: 405 ] تفرد به سنان بن سعد - ويقال : سعد بن سنان - وقد وثقه ابن معين . وقال الإمام أحمد والنسائي والجوزجاني : منكر الحديث . وقال أحمد : تركت حديثه لاضطرابه . وروى خمسة عشر حديثا منكرة كلها ، ما أعرف منها حديثا واحدا . يشبه حديثه حديث الحسن - يعني البصري - لا يشبه حديث أنس . وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء قال : سمعت الحسن يقول : ( وهديناه النجدين ) قال : ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : " يا أيها الناس ، إنهما النجدان ، نجد الخير ونجد الشر ، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير " . وكذا رواه حبيب بن الشهيد ، ويونس بن عبيد ، وأبو وهب ، عن الحسن مرسلا . وهكذا أرسله قتادة . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا عيسى بن عقال عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : ( وهديناه النجدين ) قال : الثديين . وروي عن الربيع بن خثيم وقتادة وأبي حازم ، مثل ذلك . ورواه ابن جرير عن أبي كريب ، عن وكيع ، عن عيسى بن عقال ، به . ثم قال : والصواب القول الأول . ونظير هذه الآية قوله : ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) [ سورة الإنسان : 2 ، 3 ] . ( فلا اقتحم العقبة ( 11 ) وما أدراك ما العقبة ( 12 ) فك رقبة ( 13 ) أو إطعام في يوم ذي مسغبة ( 14 ) يتيما ذا مقربة ( 15 ) أو مسكينا ذا متربة ( 16 ) ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ( 17 ) أولئك أصحاب الميمنة ( 18 ) والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة ( 19 ) عليهم نار مؤصدة ( 20 ) ) قال ابن جرير : حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد ، حدثنا عبد الله بن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية ، عن ابن عمر في قوله : ( فلا اقتحم العقبة ) قال : جبل في جهنم . وقال كعب الأحبار : ( فلا اقتحم العقبة ) هو سبعون درجة في جهنم . وقال الحسن البصري : ( فلا اقتحم العقبة ) قال : عقبة في جهنم . وقال قتادة : إنها قحمة شديدة فاقتحموها بطاعة الله - عز وجل - . وقال قتادة ( وما أدراك ما العقبة ) ثم أخبر عن اقتحامها . فقال : ( فك رقبة أو إطعام ) [ ص: 406 ] وقال ابن زيد : ( اقتحم العقبة ) أي : أفلا سلك الطريق التي فيها النجاة والخير . ثم بينها فقال : ( وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام ) قرئ : ( فك رقبة ) بالإضافة ، وقرئ على أنه فعل ، وفيه ضمير الفاعل والرقبة مفعوله وكلتا القراءتين معناهما متقارب . قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إبراهيم ، حدثنا عبد الله - يعني ابن سعيد بن أبي هند - عن إسماعيل بن أبي حكيم - مولى آل الزبير - عن سعيد بن مرجانة : أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إربا منه من النار ، حتى إنه ليعتق باليد اليد ، وبالرجل الرجل ، وبالفرج الفرج " . فقال علي بن الحسين : أنت سمعت هذا من أبي هريرة ؟ فقال سعيد : نعم . فقال علي بن الحسين لغلام له - أفره غلمانه - : ادع مطرفا . فلما قام بين يديه قال : اذهب فأنت حر لوجه الله . وقد رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ، من طرق ، عن سعيد بن مرجانة ، به وعند مسلم أن هذا الغلام الذي أعتقه علي بن الحسين زين العابدين كان قد أعطي فيه عشرة آلاف درهم . وقال قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة ، عن أبي نجيح قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أيما مسلم أعتق رجلا مسلما ، فإن الله جاعل وفاء كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار ، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة ، فإن الله جاعل وفاء كل عظم من عظامها عظما من عظامها من النار " . رواه ابن جرير هكذا وأبو نجيح هذا هو عمرو بن عبسة السلمي ، رضي الله عنه . قال الإمام أحمد : حدثنا حيوة بن شريح ، حدثنا بقية ، حدثني بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن كثير بن مرة ، عن عمرو بن عبسة أنه حدثهم : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من بنى مسجدا ليذكر الله فيه ، بنى الله له بيتا في الجنة . ومن أعتق نفسا مسلمة ، كانت فديته من جهنم . ومن شاب شيبة في الإسلام ، كانت له نورا يوم القيامة " . طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا الحكم بن نافع ، حدثنا حريز ; عن سليم بن عامر : أن شرحبيل بن السمط قال لعمرو بن عبسة حدثنا حديثا ليس فيه تزيد ولا نسيان . قال عمرو : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من أعتق رقبة مسلمة كانت فكاكه من النار ، عضوا بعضو . ومن [ ص: 407 ] شاب شيبة في سبيل الله ، كانت له نورا يوم القيامة ، ومن رمى بسهم فبلغ فأصاب أو أخطأ ، كان كمعتق رقبة من بني إسماعيل " . وروى أبو داود ، والنسائي بعضه . طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا الفرج ، حدثنا لقمان ، عن أبي أمامة ، عن عمرو بن عبسة قال السلمي قلت له : حدثنا حديثا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس فيه انتقاص ولا وهم . قال : سمعته يقول : " من ولد له ثلاثة أولاد في الإسلام فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث ، أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم ، ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة ، ومن رمى بسهم في سبيل الله ، بلغ به العدو ، أصاب أو أخطأ ، كان له عتق رقبة . ومن أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار ، ومن أنفق زوجين في سبيل الله ، فإن للجنة ثمانية أبواب ، يدخله الله من أي باب شاء منها " . وهذه أسانيد جيدة قوية ، ولله الحمد [ والمنة ] . حديث آخر : قال أبو داود : حدثنا عيسى بن محمد الرملي ، حدثنا ضمرة ، عن ابن أبي عبلة ، عن الغريف بن الديلمي قال : أتينا واثلة بن الأسقع فقلنا له : حدثنا حديثا ليس فيه زيادة ولا نقصان . فغضب وقال : إن أحدكم ليقرأ ومصحفه معلق في بيته ، فيزيد وينقص . قلنا : إنما أردنا حديثا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال : أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صاحب لنا قد أوجب - يعني النار - بالقتل ، فقال : " أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار " . وكذا رواه النسائي من حديث إبراهيم بن أبي عبلة ، عن الغريف بن عياش الديلمي ، عن واثلة ، به . حديث آخر : قال أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن قيس الجذامي ، عن عقبة بن عامر الجهني : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أعتق رقبة مسلمة فهو فداؤه من النار " . وحدثنا عبد الوهاب الخفاف ، عن سعيد ، عن قتادة قال : ذكر أن قيسا الجذامي حدث عن عقبة بن عامر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أعتق رقبة مؤمنة فهي فكاكه من النار " . تفرد به أحمد من هذا الوجه . حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم وأبو أحمد قالا حدثنا عيسى بن عبد [ ص: 408 ] الرحمن البجلي - من بني بجيلة - من بني سليم - عن طلحة - قال أبو أحمد : حدثنا طلحة بن مصرف - عن عبد الرحمن بن عوسجة ، عن البراء بن عازب قال : جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، علمني عملا يدخلني الجنة . فقال : " لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة . أعتق النسمة ، وفك الرقبة " . فقال : يا رسول الله ، أوليستا بواحدة ؟ قال : " لا إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين في عتقها . والمنحة الوكوف ، والفيء على ذي الرحم الظالم ; فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع ، واسق الظمآن ، وأمر بالمعروف ، وانه عن المنكر ، فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من الخير " . وقوله : ( أو إطعام في يوم ذي مسغبة ) قال ابن عباس : ذي مجاعة . وكذا قال عكرمة ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وغير واحد . والسغب : هو الجوع . وقال إبراهيم النخعي : في يوم الطعام فيه عزيز . وقال قتادة : في يوم يشتهى فيه الطعام . وقوله : ( يتيما ) أي : أطعم في مثل هذا اليوم يتيما ، ( ذا مقربة ) أي : ذا قرابة منه . قاله ابن عباس ، وعكرمة ، والحسن ، والضحاك ، والسدي . كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أخبرنا هشام ، عن حفصة بنت سيرين ، عن سليمان بن عامر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الصدقة على المسكين صدقة ، وعلى ذي الرحم اثنتان ، صدقة وصلة " . وقد رواه الترمذي والنسائي وهذا إسناد صحيح . وقوله : ( أو مسكينا ذا متربة ) أي : فقيرا مدقعا لاصقا بالتراب ، وهو الدقعاء أيضا . قال ابن عباس : ( ذا متربة ) هو المطروح في الطريق الذي لا بيت له ، ولا شيء يقيه من التراب - وفي رواية : هو الذي لصق بالدقعاء من الفقر والحاجة ، ليس له شيء - وفي رواية عنه : هو البعيد التربة . قال ابن أبي حاتم : يعني الغريب عن وطنه . وقال عكرمة : هو الفقير المديون المحتاج . وقال سعيد بن جبير : هو الذي لا أحد له . وقال ابن عباس ، وسعيد ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان : هو ذو العيال . وكل هذه قريبة المعنى . وقوله : ( ثم كان من الذين آمنوا ) أي : ثم هو مع هذه الأوصاف الجميلة الطاهرة [ ص: 409 ] مؤمن بقلبه ، محتسب ثواب ذلك عند الله - عز وجل - . كما قال تعالى : ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ) [ الإسراء : 19 ] وقال ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ) الآية [ النحل : 97 ] . وقوله : ( وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ) أي : كان من المؤمنين العاملين صالحا ، المتواصين بالصبر على أذى الناس ، وعلى الرحمة بهم . كما جاء في الحديث : " الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " وفي الحديث الآخر : " لا يرحم الله من لا يرحم الناس " . وقال أبو داود : حدثنا [ أبو بكر ] بن أبي شيبة ، حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن ابن عامر عن عبد الله بن عمرو - يرويه - قال : " من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا ، فليس منا " . وقوله : ( أولئك أصحاب الميمنة ) أي : المتصفون بهذه الصفات من أصحاب اليمين . ثم قال : ( والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة ) أي : أصحاب الشمال ، ( عليهم نار مؤصدة ) أي : مطبقة عليهم ، فلا محيد لهم عنها ، ولا خروج لهم منها . قال أبو هريرة ، وابن عباس ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، ومحمد بن كعب القرظي ، وعطية العوفي ، والحسن ، وقتادة ، والسدي : ( مؤصدة ) أي : مطبقة - قال ابن عباس : مغلقة الأبواب . وقال مجاهد : أصد الباب بلغة قريش : أي أغلقه . وسيأتي في ذلك حديث في سورة : ( ويل لكل همزة لمزة ) وقال الضحاك : ( مؤصدة ) حيط لا باب له . وقال قتادة : ( مؤصدة ) مطبقة فلا ضوء فيها ولا فرج ، ولا خروج منها آخر الأبد . وقال أبو عمران الجوني : إذا كان يوم القيامة أمر الله بكل جبار وكل شيطان وكل من كان يخاف الناس في الدنيا شره ، فأوثقوا في الحديد ، ثم أمر بهم إلى جهنم ، ثم أوصدوها عليهم ، أي : أطبقوها - قال : فلا والله لا تستقر أقدامهم على قرار أبدا ، ولا والله لا ينظرون فيها إلى أديم سماء أبدا ، ولا والله لا تلتقي جفون أعينهم على غمض نوم أبدا ، . ولا والله لا يذوقون فيها بارد شراب أبدا . رواه ابن أبي حاتم . آخر تفسير سورة " البلد " ولله الحمد والمنة
__________________
|
|
#554
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء (14) تفسير سورة البلد من صــ/ الى صــ / الحلقة (554) تفسير سورة والشمس وضحاها وهي مكية . تقدم حديث جابر الذي في الصحيحين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ : " هلا صليت ب ( سبح اسم ربك الأعلى ) ( والشمس وضحاها ) ( والليل إذا يغشى ) ؟ بسم الله الرحمن الرحيم ( والشمس وضحاها ( 1 ) والقمر إذا تلاها ( 2 ) والنهار إذا جلاها ( 3 ) والليل إذا يغشاها ( 4 ) والسماء وما بناها ( 5 ) والأرض وما طحاها ( 6 ) ونفس وما سواها ( 7 ) فألهمها فجورها وتقواها ( 8 ) قد أفلح من زكاها ( 9 ) وقد خاب من دساها ( 10 ) ) قال مجاهد : ( والشمس وضحاها ) أي : وضوئها . وقال قتادة : ( وضحاها ) النهار كله . قال ابن جرير : والصواب أن يقال : أقسم الله بالشمس ونهارها ; لأن ضوء الشمس الظاهر هو النهار . ( والقمر إذا تلاها ) قال مجاهد : تبعها . وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( والقمر إذا تلاها ) قال : يتلو النهار . وقال قتادة : ( إذا تلاها ) ليلة الهلال ، إذا سقطت الشمس رؤي الهلال . وقال ابن زيد : هو يتلوها في النصف الأول من الشهر ، ثم هي تتلوه . وهو يتقدمها في النصف الأخير من الشهر . وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : إذا تلاها ليلة القدر . وقوله : ( والنهار إذا جلاها ) قال مجاهد : أضاء . وقال قتادة : ( والنهار إذا جلاها ) إذا غشيها النهار . قال ابن جرير : وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى : والنهار إذا جلا الظلمة ، لدلالة الكلام عليها . قلت : ولو أن هذا القائل تأول [ ذلك ] بمعنى ( والنهار إذا جلاها ) أي : البسيطة ، لكان أولى ، ولصح [ تأويله في ] قول الله ( والليل إذا يغشاها ) فكان أجود وأقوى ، والله أعلم . ولهذا قال مجاهد : ( والنهار إذا جلاها ) إنه كقوله : ( والنهار إذا تجلى ) [ الليل : 2 ] . [ ص: 411 ] وأما ابن جرير فاختار عود الضمير في ذلك كله على الشمس ، لجريان ذكرها . وقالوا في قوله : ( والليل إذا يغشاها ) يعني : إذا يغشى الشمس حين تغيب ، فتظلم الآفاق . وقال بقية بن الوليد ، عن صفوان ، حدثني يزيد بن ذي حمامة قال : إذا جاء الليل قال الرب جل جلاله : غشي عبادي خلقي العظيم ، فالليل يهابه ، والذي خلقه أحق أن يهاب . رواه ابن أبي حاتم . وقوله : ( والسماء وما بناها ) يحتمل أن تكون " ما " هاهنا مصدرية ، بمعنى : والسماء وبنائها . وهو قول قتادة ، ويحتمل أن تكون بمعنى " من " يعني : والسماء وبانيها . وهو قول مجاهد ، وكلاهما متلازم ، والبناء هو الرفع ، كقوله : ( والسماء بنيناها بأيد ) أي : بقوة ( وإنا لموسعون والأرض فرشناها فنعم الماهدون ) [ الذاريات : 47 ، 48 ] . وهكذا قوله : ( والأرض وما طحاها ) قال مجاهد : ( طحاها ) دحاها . وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( وما طحاها ) أي : خلق فيها . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( طحاها ) قسمها . وقال مجاهد ، وقتادة والضحاك ، والسدي ، والثوري ، وأبو صالح ، وابن زيد : ( طحاها ) بسطها . وهذا أشهر الأقوال ، وعليه الأكثر من المفسرين ، وهو المعروف عند أهل اللغة ، قال الجوهري : طحوته مثل دحوته ، أي : بسطته . وقوله : ( ونفس وما سواها ) أي : خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة ، كما قال تعالى : ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) [ الروم : 30 ] وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ " . أخرجاه من رواية أبي هريرة وفي صحيح مسلم من رواية عياض بن حمار المجاشعي ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يقول الله - عز وجل - : إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم " . وقوله : ( فألهمها فجورها وتقواها ) أي : فأرشدها إلى فجورها وتقواها ، أي : بين لها ذلك ، وهداها إلى ما قدر لها . قال ابن عباس : ( فألهمها فجورها وتقواها ) بين لها الخير والشر . وكذا قال مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والثوري . [ ص: 412 ] وقال سعيد بن جبير : ألهمها الخير والشر . وقال ابن زيد : جعل فيها فجورها وتقواها . وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار ، حدثنا صفوان بن عيسى وأبو عاصم النبيل قالا حدثنا عزرة بن ثابت ، حدثني يحيى بن عقيل ، عن يحيى بن يعمر ، عن أبي الأسود الديلي قال : قال لي عمران بن حصين : أرأيت ما يعمل فيه الناس ويتكادحون فيه ، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق ، أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وأكدت عليهم الحجة ؟ قلت : بل شيء قضي عليهم . قال : فهل يكون ذلك ظلما ؟ قال : ففزعت منه فزعا شديدا ، قال : قلت له : ليس شيء إلا وهو خلقه وملك يده ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون . قال : سددك الله ، إنما سألت لأخبر عقلك ، إن رجلا من مزينة - أو جهينة - أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون ، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق ، أم شيء مما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم ، وأكدت به عليهم الحجة ؟ قال : " بل شيء قد قضي عليهم " . قال : ففيم نعمل ؟ قال : " من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين يهيئه لها ، وتصديق ذلك في كتاب الله : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) رواه أحمد ومسلم ، من حديث عزرة بن ثابت به . وقوله : ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) يحتمل أن يكون المعنى : قد أفلح من زكى نفسه ، أي : بطاعة الله - كما قال قتادة - وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل . ويروى نحوه عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير . وكقوله : ( قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى ) [ الأعلى : 14 ، 15 ] . ( وقد خاب من دساها ) أي : دسسها ، أي : أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهدى ، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله - عز وجل - . وقد يحتمل أن يكون المعنى : قد أفلح من زكى الله نفسه ، وقد خاب من دسى الله نفسه ، كما قال العوفي وعلي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي وأبو زرعة قالا حدثنا سهل بن عثمان ، حدثنا أبو مالك - يعني عمرو بن هشام - عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في قول الله : ( قد أفلح من زكاها ) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أفلحت نفس زكاها الله " . ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي مالك ، به . وجويبر [ هذا ] هو ابن سعيد ، متروك الحديث ، والضحاك لم يلق ابن عباس . [ ص: 413 ] وقال الطبراني : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مر بهذه الآية : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) وقف ، ثم قال : " اللهم آت نفسي تقواها ، أنت وليها ومولاها ، وخير من زكاها " . حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يعقوب بن حميد المدني ، حدثنا عبد الله بن عبد الله الأموي ، حدثنا معن بن محمد الغفاري ، عن حنظلة بن علي الأسلمي ، عن أبي هريرة قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ : ( فألهمها فجورها وتقواها ) قال : " اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها " لم يخرجوه من هذا الوجه . وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن نافع - عن ابن عمر - عن صالح بن سعيد ، عن عائشة : أنها فقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - من مضجعه ، فلمسته بيدها ، فوقعت عليه وهو ساجد ، وهو يقول : " رب ، أعط نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها " تفرد به . حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا عاصم الأحول ، عن عبد الله بن الحارث ، عن زيد بن أرقم قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " اللهم ، إني أعوذ بك من العجز والكسل والهرم ، والجبن والبخل وعذاب القبر . اللهم ، آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم ، إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، وعلم لا ينفع ، ودعوة لا يستجاب لها " . قال زيد : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمناهن ونحن نعلمكوهن . رواه مسلم من حديث أبي معاوية ، عن عاصم الأحول ، عن عبد الله بن الحارث - وأبي عثمان النهدي ، عن زيد بن أرقم ، به . ( كذبت ثمود بطغواها ( 11 ) إذ انبعث أشقاها ( 12 ) فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها ( 13 ) فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ( 14 ) ولا يخاف عقباها ( 15 ) ) يخبر تعالى عن ثمود أنهم كذبوا رسولهم ، بسبب ما كانوا عليه من الطغيان والبغي . وقال محمد بن كعب : ( بطغواها ) أي : بأجمعها . والأول أولى ، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما . فأعقبهم ذلك تكذيبا في قلوبهم بما جاءهم به [ ص: 414 ] رسولهم من الهدى واليقين . ( إذ انبعث أشقاها ) أي : أشقى القبيلة ، هو قدار بن سالف عاقر الناقة ، وهو أحيمر ثمود ، وهو الذي قال تعالى : ( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ) [ القمر : 29 ] . وكان هذا الرجل عزيزا فيهم ، شريفا في قومه ، نسيبا رئيسا مطاعا ، كما قال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير ، حدثنا هشام ، عن أبيه ، عن عبد الله بن زمعة قال : خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الناقة ، وذكر الذي عقرها ، فقال : " ( إذ انبعث أشقاها ) انبعث لها رجل عارم عزيز منيع في رهطه ، مثل أبي زمعة " . ورواه البخاري في التفسير ، ومسلم في صفة النار ، والترمذي والنسائي في التفسير من سننهما وكذا ابن جرير وابن أبي حاتم [ من طرق ] عن هشام بن عروة ، به . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثني يزيد بن محمد بن خثيم عن محمد بن كعب القرظي ، عن محمد بن خثيم أبي يزيد عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي : " ألا أحدثك بأشقى الناس ؟ " . قال : بلى : قال : " رجلان ; أحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك يا علي على هذا - يعني قرنه - حتى تبتل منه هذه " يعني : لحيته . وقوله : ( فقال لهم رسول الله ) يعني صالحا ، عليه السلام : ( ناقة الله ) أي : احذروا ناقة الله أن تمسوها بسوء ، ( وسقياها ) أي : لا تعتدوا عليها في سقياها ، فإن لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم . قال الله : ( فكذبوه فعقروها ) أي : كذبوه فيما جاءهم به فأعقبهم ذلك أن عقروا الناقة التي أخرجها الله من الصخرة آية لهم وحجة عليهم ، ( فدمدم عليهم ربهم بذنبهم ) أي : غضب عليهم ، فدمر عليهم ، ( فسواها ) أي : فجعل العقوبة نازلة عليهم على السواء . قال قتادة : بلغنا أن أحيمر ثمود لم يعقر الناقة حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم ، وذكرهم وأنثاهم ، فلما اشترك القوم في عقرها دمدم الله عليهم بذنوبهم فسواها . وقوله : ( ولا يخاف عقباها ) وقرئ : " فلا يخاف عقباها " . [ ص: 415 ] قال ابن عباس : لا يخاف الله من أحد تبعة . وكذا قال مجاهد ، والحسن ، وبكر بن عبد الله المزني ، وغيرهم . وقال الضحاك والسدي : ( ولا يخاف عقباها ) أي : لم يخف الذي عقرها عاقبة ما صنع . والقول الأول أولى ; لدلالة السياق عليه ، والله أعلم . آخر تفسير " والشمس وضحاها " .
__________________
|
|
#555
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء (14) تفسير سورة الليل من صــ/ الى صــ / الحلقة (555) تفسير سورة الليل وهي مكية . تقدم قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ : " فهلا صليت ب " سبح اسم ربك الأعلى " " والشمس وضحاها " " والليل إذا يغشى " ؟ " . بسم الله الرحمن الرحيم ( والليل إذا يغشى ( 1 ) والنهار إذا تجلى ( 2 ) وما خلق الذكر والأنثى ( 3 ) إن سعيكم لشتى ( 4 ) فأما من أعطى واتقى ( 5 ) وصدق بالحسنى ( 6 ) فسنيسره لليسرى ( 7 ) وأما من بخل واستغنى ( 8 ) وكذب بالحسنى ( 9 ) فسنيسره للعسرى ( 10 ) وما يغني عنه ماله إذا تردى ( 11 ) ) قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن علقمة : أنه قدم الشام فدخل مسجد دمشق ، فصلى فيه ركعتين وقال : اللهم ، ارزقني جليسا صالحا . قال : فجلس إلى أبي الدرداء ، فقال له أبو الدرداء : ممن أنت ؟ قال : من أهل الكوفة . قال : كيف سمعت ابن أم عبد يقرأ : ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ) ؟ قال علقمة : " والذكر والأنثى " . فقال أبو الدرداء : لقد سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما زال هؤلاء حتى شككوني . ثم قال : ثم ألم يكن فيكم صاحب الوساد وصاحب السر الذي لا يعلمه أحد غيره ، والذي أجير من الشيطان على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ . وقد رواه البخاري هاهنا ومسلم ، من طريق الأعمش ، عن إبراهيم قال : قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء ، فطلبهم فوجدهم ، فقال : أيكم يقرأ علي قراءة عبد الله ؟ قالوا : كلنا ، قال : أيكم أحفظ ؟ فأشاروا إلى علقمة ، فقال : كيف سمعته يقرأ : ( والليل إذا يغشى ) ؟ قال : " والذكر والأنثى " . قال : أشهد أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هكذا ، وهؤلاء يريدوني أن أقرأ : ( وما خلق الذكر والأنثى ) والله لا أتابعهم . هذا لفظ البخاري : هكذا قرأ ذلك ابن مسعود ، وأبو الدرداء - ورفعه أبو الدرداء - وأما الجمهور فقرأوا ذلك كما هو مثبت في المصحف الإمام العثماني في سائر الآفاق : ( وما خلق الذكر والأنثى ) [ ص: 417 ] فأقسم تعالى ب ( والليل إذا يغشى ) أي : إذا غشي الخليقة بظلامه ، ( والنهار إذا تجلى ) أي : بضيائه وإشراقه ، ( وما خلق الذكر والأنثى ) كقوله : ( وخلقناكم أزواجا ) [ النبأ : 8 ] ، وكقوله : ( ومن كل شيء خلقنا زوجين ) [ الذاريات : 49 ] . ولما كان القسم بهذه الأشياء المتضادة كان القسم عليه أيضا متضادا ; ولهذا قال : ( إن سعيكم لشتى ) أي : أعمال العباد التي اكتسبوها متضادة أيضا ومتخالفة ، فمن فاعل خيرا ومن فاعل شرا . قال الله تعالى : ( فأما من أعطى واتقى ) أي : أعطى ما أمر بإخراجه ، واتقى الله في أموره ، ( وصدق بالحسنى ) أي : بالمجازاة على ذلك - قاله قتادة ، وقال خصيف : بالثواب . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأبو صالح ، وزيد بن أسلم : ( وصدق بالحسنى ) أي : بالخلف . وقال أبو عبد الرحمن السلمي ، والضحاك : ( وصدق بالحسنى ) أي : بلا إله إلا الله . وفي رواية عن عكرمة : ( وصدق بالحسنى ) أي : بما أنعم الله عليه . وفي رواية عن زيد بن أسلم : ( وصدق بالحسنى ) قال : الصلاة والزكاة والصوم . وقال مرة : وصدقة الفطر . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا زهير بن محمد ، حدثني من سمع أبا العالية الرياحي يحدث عن أبي بن كعب قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحسنى قال : " الحسنى : الجنة " . وقوله : ( فسنيسره لليسرى ) قال ابن عباس : يعني للخير . وقال زيد بن أسلم : يعني للجنة . وقال بعض السلف : من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ، ومن جزاء السيئة السيئة بعدها ; ولهذا قال تعالى : ( وأما من بخل ) أي : بما عنده ، ( واستغنى ) قال عكرمة ، عن ابن عباس : أي بخل بماله ، واستغنى عن ربه ، - عز وجل - . رواه ابن أبي حاتم . ( وكذب بالحسنى ) أي : بالجزاء في الدار الآخرة . ( فسنيسره للعسرى ) أي : لطريق الشر ، كما قال تعالى : ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون ) [ الأنعام : 11 ] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة دالة على أن الله ، - عز وجل - يجازي من قصد الخير بالتوفيق له ، ومن قصد الشر بالخذلان . وكل ذلك بقدر مقدر ، والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة : رواية أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عياش ، حدثني العطاف بن خالد ، حدثني رجل من أهل البصرة ، عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، عن أبيه قال : سمعت أبي يذكر أن أباه سمع أبا بكر وهو يقول : قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ، أنعمل على ما فرغ منه أو على أمر مؤتنف ؟ قال : " بل على أمر قد فرغ منه " . [ ص: 418 ] قال : ففيم العمل يا رسول الله ؟ قال : " كل ميسر لما خلق له " . رواية علي ، رضي الله عنه : قال البخاري ، حدثنا أبو نعيم : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي بن أبي طالب قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بقيع الغرقد في جنازة ، فقال : " ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار " . فقالوا : يا رسول الله ، أفلا نتكل ؟ فقال : " اعملوا ، فكل ميسر لما خلق له " . قال : ثم قرأ : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ) إلى قوله : ( للعسرى ) . وكذا رواه من طريق شعبة ووكيع ، عن الأعمش ، بنحوه ثم رواه عن عثمان بن أبي شيبة ، عن جرير ، عن منصور ، عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : كنا في جنازة في بقيع الغرقد ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقعد وقعدنا حوله ، ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته ، ثم قال : " ما منكم من أحد - أو : ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار ، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة " . فقال رجل : يا رسول الله ، أفلا نتكل وندع العمل ؟ فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة ، ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى أهل الشقاء ؟ فقال : " أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاء فييسرون إلى عمل أهل الشقاء " . ثم قرأ : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ) الآية . وقد أخرجه بقية الجماعة ، من طرق ، عن سعد بن عبيدة ، به . رواية عبد الله بن عمر : وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله قال : سمعت سالم بن عبد الله يحدث عن ابن عمر : قال : قال عمر : يا رسول الله ، أرأيت ما نعمل فيه ؟ أفي أمر قد فرغ أو مبتدأ أو مبتدع ؟ قال : " فيما قد فرغ منه ، فاعمل يا ابن الخطاب ، فإن كلا ميسر ، أما من كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء " . ورواه الترمذي في القدر ، عن بندار ، عن ابن مهدي ، به وقال : حسن صحيح . حديث آخر من رواية جابر : قال ابن جرير : حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله أنه قال : يا رسول الله ، أنعمل لأمر قد فرغ [ ص: 419 ] منه ، أو لأمر نستأنفه ؟ فقال : " لأمر قد فرغ منه " . فقال سراقة : ففيم العمل إذا ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كل عامل ميسر لعمله " . ورواه مسلم عن أبي الطاهر ، عن ابن وهب ، به . حديث آخر : قال ابن جرير : حدثني يونس ، حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن طلق بن حبيب ، عن بشير بن كعب العدوي قال : سأل غلامان شابان النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالا يا رسول الله ، أنعمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير ، أو في شيء يستأنف ؟ فقال : " بل فيما جفت به الأقلام ، وجرت به المقادير " . قالا ففيم العمل إذا ؟ قال : " اعملوا فكل عامل ميسر لعمله الذي خلق له " . قالا فالآن نجد ونعمل . رواية أبي الدرداء : قال الإمام أحمد : حدثنا هيثم بن خارجة ، حدثنا أبو الربيع سليمان بن عتبة السلمي ، عن يونس بن ميسرة بن حلبس ، عن أبي إدريس ، عن أبي الدرداء قال : قالوا : يا رسول الله ، أرأيت ما نعمل ، أمر قد فرغ منه أم شيء نستأنفه ؟ قال : " بل أمر قد فرغ منه " . قالوا : فكيف بالعمل يا رسول الله ؟ قال : " كل امرئ مهيأ لما خلق له " . تفرد به أحمد من هذا الوجه . حديث آخر : قال ابن جرير : حدثني الحسن بن سلمة بن أبي كبشة ، حدثنا عبد الملك بن عمرو ، حدثنا عباد بن راشد ، عن قتادة ، حدثني خليد العصري ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من يوم غربت فيه شمسه إلا وبجنبتيها ملكان يناديان بصوت يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين : اللهم أعط منفقا خلفا ، وأعط ممسكا تلفا " . وأنزل الله في ذلك القرآن : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) . ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن ابن أبي كبشة ، بإسناده مثله . حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثني أبو عبد الله الطهراني ، حدثنا حفص بن عمر العداني ، حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة ، عن ابن عباس ; أن رجلا كان له نخل ، ومنها نخلة فرعها إلى دار رجل صالح فقير ذي عيال ، فإذا جاء الرجل فدخل داره وأخذ الثمر من نخلته ، فتسقط الثمرة فيأخذها صبيان الفقير فنزل من نخلته فنزع الثمرة من أيديهم ، وإن أدخل أحدهم [ ص: 420 ] الثمرة في فمه أدخل أصبعه في حلق الغلام ونزع الثمرة من حلقه . فشكا ذلك الرجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بما هو فيه من صاحب النخلة ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اذهب " . ولقي النبي - صلى الله عليه وسلم - صاحب النخلة ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أعطني نخلتك التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة " فقال له : لقد أعطيت ، ولكن يعجبني ثمرها ، وإن لي لنخلا كثيرا ما فيها نخلة أعجب إلي ثمرة من ثمرها . فذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - فتبعه رجل كان يسمع الكلام من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن صاحب النخلة . فقال الرجل : يا رسول الله ، إن أنا أخذت النخلة فصارت لي النخلة فأعطيتها أتعطيني بها ما أعطيته بها نخلة في الجنة ؟ قال : " نعم " . ثم إن الرجل لقي صاحب النخلة ، ولكلاهما نخل ، فقال له : أخبرك أن محمدا ، [ قد ] أعطاني بنخلتي المائلة في دار فلان نخلة في الجنة ، فقلت ، له : قد أعطيت ولكن يعجبني ثمرها . فسكت عنه الرجل ، فقال له : أتراك إذا بعتها ؟ قال : لا إلا أن أعطى بها شيئا ، ولا أظنني أعطاه . قال : وما مناك بها ؟ قال : أربعون نخلة . فقال الرجل : لقد جئت بأمر عظيم ، نخلتك تطلب بها أربعين نخلة ؟! ثم سكتا وأنشأ في كلام [ آخر ] ثم قال : أنا أعطيتك أربعين نخلة ، فقال : أشهد لي إن كنت صادقا . فأمر بأناس فدعاهم فقال : اشهدوا أني قد أعطيته من نخلي أربعين نخلة بنخلته التي فرعها في دار فلان ابن فلان . ثم قال : ما تقول ؟ فقال صاحب النخلة : قد رضيت . ثم قال بعد : ليس بيني وبينك بيع لم نفترق قال له : قد أقالك الله ، ولست بأحمق حين أعطيتك أربعين نخلة بنخلتك المائلة . فقال صاحب النخلة : قد رضيت على أن تعطيني الأربعين على ما أريد . قال : تعطينيها على ساق . ثم مكث ساعة ، ثم قال : هي لك على ساق وأوقف له شهودا وعد له أربعين نخلة على ساق ، فتفرقا ، فذهب الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إن النخلة المائلة في دار فلان قد صارت لي ، فهي لك . فذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرجل صاحب الدار فقال له : " النخلة لك ولعيالك " . قال عكرمة : قال ابن عباس : فأنزل الله - عز وجل - : ( والليل إذا يغشى ) إلى قوله : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ) إلى آخر السورة . هكذا رواه ابن أبي حاتم ، وهو حديث غريب جدا . قال ابن جرير : وذكر أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه : حدثني هارون بن إدريس الأصم ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال : كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة ، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن ، فقال له أبوه : أي بني ، أراك تعتق أناسا ضعفاء ، فلو أنك تعتق رجالا جلداء يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك ؟! فقال : أي أبت ، إنما أريد - أظنه قال - ما عند الله : قال : فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية [ ص: 421 ] أنزلت فيه : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ) . وقوله : ( وما يغني عنه ماله إذا تردى ) قال مجاهد : أي إذا مات . وقال أبو صالح ، ومالك عن زيد بن أسلم : إذا تردى في النار . ( إن علينا للهدى ( 12 ) وإن لنا للآخرة والأولى ( 13 ) فأنذرتكم نارا تلظى ( 14 ) ) ( لا يصلاها إلا الأشقى ( 15 ) الذي كذب وتولى ( 16 ) وسيجنبها الأتقى ( 17 ) الذي يؤتي ماله يتزكى ( 18 ) وما لأحد عنده من نعمة تجزى ( 19 ) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( 20 ) ولسوف يرضى ( 21 ) ) قال قتادة : ( إن علينا للهدى ) أي : نبين الحلال والحرام . وقال غيره : من سلك طريق الهدى وصل إلى الله . وجعله كقوله تعالى : ( وعلى الله قصد السبيل ) [ النحل : 9 ] . حكاه ابن جرير . وقوله : ( وإن لنا للآخرة والأولى ) أي : الجميع ملكنا وأنا المتصرف فيهما . وقوله : ( فأنذرتكم نارا تلظى ) قال مجاهد : أي توهج . قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يقول : " أنذركم النار [ أنذرتكم النار ، أنذرتكم النار ] حتى لو أن رجلا كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا . قال : حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه . وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، حدثني أبو إسحاق : سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منها دماغه " . رواه البخاري وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو أسامة ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ، ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا ، وإنه لأهونهم عذابا " . وقوله : ( لا يصلاها إلا الأشقى ) أي : لا يدخلها دخولا يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى . ثم فسره فقال : ( الذي كذب ) أي : بقلبه ، ( وتولى ) أي : عن العمل بجوارحه وأركانه . [ ص: 422 ] قال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا عبد ربه بن سعيد ، عن المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يدخل النار إلا شقي " . قيل : ومن الشقي ؟ قال : " الذي لا يعمل بطاعة ، ولا يترك لله معصية " . وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس وسريج قالا حدثنا فليح ، عن هلال بن علي ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى " . قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال : " من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى " . ورواه البخاري عن محمد بن سنان ، عن فليح ، به وقوله : ( وسيجنبها الأتقى ) أي : وسيزحزح عن النار التقي النقي الأتقى . ثم فسره بقوله : ( الذي يؤتي ماله يتزكى ) أي : يصرف ماله في طاعة ربه ; ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا . ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى ) أي : ليس بذله حاله في مكافأة من أسدى إليه معروفا ، فهو يعطي في مقابلة ذلك ، وإنما دفعه ذلك ( ابتغاء وجه ربه الأعلى ) أي : طمعا في أن يحصل له رؤيته في الدار الآخرة في روضات الجنات ، قال الله تعالى : ( ولسوف يرضى ) أي : ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات . وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك . ولا شك أنه داخل فيها ، وأولى الأمة بعمومها ، فإن لفظها لفظ العموم ، وهو قوله تعالى : ( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى ) ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة ; فإنه كان صديقا تقيا كريما جوادا بذالا لأمواله في طاعة مولاه ، ونصرة رسول الله ، فكم من دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم ، ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها ، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل ; ولهذا قال له عروة بن مسعود - وهو سيد ثقيف ، يوم صلح الحديبية - : أما والله لولا يد لك كانت عندي لم أجزك بها لأجبتك . وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة ، فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل ، فكيف بمن عداهم ؟ ولهذا قال : ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى ) وفي الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة : يا عبد الله ، هذا خير " ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ، ما على من يدعى منها ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد ؟ قال : " نعم ، وأرجو أن تكون منهم " . آخر تفسير سورة " الليل " ولله الحمد والمنة
__________________
|
|
#556
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء (14) تفسير سورة الضحى من صــ/ الى صــ / الحلقة (556) تفسير سورة الضحى وهي مكية . روينا من طريق أبي الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة المقرئ قال : قرأت على عكرمة بن سليمان ، وأخبرني أنه قرأ على إسماعيل بن قسطنطين وشبل بن عباد ، فلما بلغت " والضحى " قالا : لي : كبر حتى تختم مع خاتمة كل سورة ، فإنا قرأنا على ابن كثير فأمرنا بذلك . وأخبرنا أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك ، وأخبره مجاهد أنه قرأ على ابن عباس فأمره بذلك ، وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أبي بن كعب فأمره بذلك ، وأخبره أبي أنه قرأ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمره بذلك . فهذه سنة تفرد بها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله البزي من ولد القاسم بن أبي بزة ، وكان إماما في القراءات ، فأما في الحديث فقد ضعفه أبو حاتم الرازي وقال : لا أحدث عنه ، وكذلك أبو جعفر العقيلي قال : هو منكر الحديث . لكن حكى الشيخ شهاب الدين أبو شامة في شرح الشاطبية عن الشافعي أنه سمع رجلا يكبر هذا التكبير في الصلاة ، فقال له : أحسنت وأصبت السنة . وهذا يقتضي صحة هذا الحديث . ثم اختلف القراء في موضع هذا التكبير وكيفيته ، فقال بعضهم : يكبر من آخر " والليل إذا يغشى " وقال آخرون : من آخر " والضحى " وكيفية التكبير عند بعضهم أن يقول : الله أكبر ويقتصر ، ومنهم من يقول الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر . وذكر الفراء في مناسبة التكبير من أول سورة " الضحى " : أنه لما تأخر الوحي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفتر تلك المدة [ ثم ] جاءه الملك فأوحى إليه : " والضحى والليل إذا سجى " السورة بتمامها ، كبر فرحا وسرورا . ولم يرو ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف ، فالله أعلم . بسم الله الرحمن الرحيم ( والضحى ( 1 ) والليل إذا سجى ( 2 ) ما ودعك ربك وما قلى ( 3 ) وللآخرة خير لك من الأولى ( 4 ) ولسوف يعطيك ربك فترضى ( 5 ) ألم يجدك يتيما فآوى ( 6 ) ووجدك ضالا فهدى ( 7 ) ووجدك عائلا فأغنى ( 8 ) فأما اليتيم فلا تقهر ( 9 ) وأما السائل فلا تنهر ( 10 ) وأما بنعمة ربك فحدث ( 11 ) ) [ ص: 424 ] قال الإمام أحمد : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن الأسود بن قيس قال : سمعت جندبا يقول : اشتكى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يقم ليلة أو ليلتين ، فأتت امرأة فقالت : يا محمد ، ما أرى شيطانك إلا قد تركك . فأنزل الله - عز وجل - : ( والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ) . رواه البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن أبي حاتم ، وابن جرير من طرق ، عن الأسود بن قيس ، عن جندب - هو ابن عبد الله البجلي ثم العلقي به . وفي رواية سفيان بن عيينة عن الأسود بن قيس : سمع جندبا قال : أبطأ جبريل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال المشركون : ودع محمد ، فأنزل الله : ( والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ) . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج وعمرو بن عبد الله الأودي قالا : حدثنا أبو أسامة ، حدثني سفيان ، حدثني الأسود بن قيس ، أنه سمع جندبا يقول : رمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحجر في أصبعه فقال : هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت ؟ قال : فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يقوم ، فقالت له امرأة : ما أرى شيطانك إلا قد تركتك فنزلت : ( والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ) والسياق لأبي سعيد . قيل : إن هذه المرأة هي : أم جميل امرأة أبي لهب ، وذكر أن أصبعه ، عليه السلام ، دميت . وقوله - هذا الكلام الذي اتفق أنه موزون - ثابت في الصحيحين ولكن الغريب هاهنا جعله سببا لتركه القيام ، ونزول هذه السورة . فأما ما رواه ابن جرير : حدثنا ابن أبي الشوارب ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا سليمان الشيباني ، عن عبد الله بن شداد : أن خديجة قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ما أرى ربك إلا قد قلاك . فأنزل الله : ( والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ) وقال أيضا : حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : أبطأ جبريل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فجزع جزعا شديدا ، فقالت خديجة : إني أرى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك . قال : فنزلت : ( والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ) إلى آخرها . [ ص: 425 ] فإنه حديث مرسل من [ هذين الوجهين ] ولعل ذكر خديجة ليس محفوظا ، أو قالته على وجه التأسف والتحزن ، والله أعلم . وقد ذكر بعض السلف - منهم ابن إسحاق - أن هذه السورة هي التي أوحاها جبريل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين تبدى له في صورته التي خلقه الله عليها ، ودنا إليه وتدلى منهبطا عليه وهو بالأبطح ، ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) [ النجم : 10 ] . قال : قال له هذه السورة : ( والضحى والليل إذا سجى ) قال العوفي ، عن ابن عباس : لما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن ، أبطأ عنه جبريل أياما ، فتغير بذلك ، فقال المشركون : ودعه ربه وقلاه . فأنزل الله : ( ما ودعك ربك وما قلى ) وهذا قسم منه تعالى بالضحى وما جعل فيه من الضياء ، ( والليل إذا سجى ) أي : سكن فأظلم وادلهم . قاله مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد ، وغيرهم . وذلك دليل ظاهر على قدرة خالق هذا وهذا . كما قال : ( والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ) [ الليل : 1 ، 2 ] ، وقال : ( فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم ) [ الأنعام : 96 ] . وقوله : ( ما ودعك ربك ) أي : ما تركك ، ( وما قلى ) أي : وما أبغضك ، ( وللآخرة خير لك من الأولى ) أي : والدار الآخرة خير لك من هذه الدار . ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أزهد الناس في الدنيا ، وأعظمهم لها إطراحا ، كما هو معلوم [ بالضرورة ] من سيرته . ولما خير ، عليه السلام في آخر عمره بين الخلد في الدنيا إلى آخرها ثم الجنة ، وبين الصيرورة إلى الله - عز وجل - اختار ما عند الله على هذه الدنيا الدنية . قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا المسعودي ، عن عمرو بن مرة ، عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : اضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حصير ، فأثر في جنبه ، فلما استيقظ جعلت أمسح جنبه وقلت : يا رسول الله ، ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئا ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما لي وللدنيا ؟! ما أنا والدنيا ؟! إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة ، ثم راح وتركها . ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث المسعودي به ، وقال الترمذي : حسن صحيح . وقوله : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) أي : في الدار الآخرة يعطيه حتى يرضيه في أمته ، وفيما أعده له من الكرامة ، ومن جملته نهر الكوثر الذي حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف ، وطينه [ من ] مسك أذفر كما سيأتي . وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي ، عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي ، عن [ ص: 426 ] علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال : عرض على رسول الله ما هو مفتوح على أمته من بعده كنزا كنزا ، فسر بذلك ، فأنزل الله : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) فأعطاه في الجنة ألف ألف قصر ، في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم . رواه ابن جرير من طريقه ، وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس : ومثل هذا ما يقال إلا عن توقيف . وقال السدي ، عن ابن عباس : من رضاء محمد - صلى الله عليه وسلم - ألا يدخل أحد من أهل بيته النار . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم . وقال الحسن : يعني بذلك الشفاعة . وهكذا قال أبو جعفر الباقر . وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا معاوية بن هشام ، عن علي بن صالح ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) . ثم قال تعالى يعدد نعمه على عبده ورسوله محمد ، صلوات الله وسلامه عليه : ( ألم يجدك يتيما فآوى ) وذلك أن أباه توفي وهو حمل في بطن أمه ، وقيل : بعد أن ولد ، عليه السلام ، ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب وله من العمر ست سنين . ثم كان في كفالة جده عبد المطلب ، إلى أن توفي وله من العمر ثمان سنين ، فكفله عمه أبو طالب . ثم لم يزل يحوطه وينصره ويرفع من قدره ويوقره ، ويكف عنه أذى قومه بعد أن ابتعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره ، هذا وأبو طالب على دين قومه من عبادة الأوثان ، وكل ذلك بقدر الله وحسن تدبيره ، إلى أن توفي أبو طالب قبل الهجرة بقليل ، فأقدم عليه سفهاء قريش وجهالهم ، فاختار الله له الهجرة من بين أظهرهم إلى بلد الأنصار من الأوس والخزرج ، كما أجرى الله سنته على الوجه الأتم والأكمل . فلما وصل إليهم آووه ونصروه وحاطوه وقاتلوا بين يديه ، رضي الله عنهم أجمعين ، وكل هذا من حفظ الله له وكلاءته وعنايته به . وقوله : ( ووجدك ضالا فهدى ) كقوله ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) [ الشورى : 52 ] ومنهم من قال [ إن ] المراد بهذا أنه ، عليه السلام ، ضل في شعاب مكة وهو صغير ، ثم رجع . وقيل : إنه ضل وهو مع عمه في طريق الشام ، وكان راكبا ناقة في الليل ، فجاء إبليس يعدل بها عن الطريق ، فجاء جبريل ، فنفخ إبليس نفخة ذهب منها إلى الحبشة ، ثم عدل بالراحلة إلى الطريق . حكاهما البغوي . [ ص: 427 ] وقوله : ( ووجدك عائلا فأغنى ) أي : كنت فقيرا ذا عيال ، فأغناك الله عمن سواه ، فجمع له بين مقامي الفقير الصابر والغني الشاكر ، صلوات الله وسلامه عليه . وقال قتادة في قوله : ( ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى ) قال : كانت هذه منازل الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعثه الله عز وجل . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم . وفي الصحيحين - من طريق عبد الرزاق - عن معمر ، عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس الغنى عن كثرة العرض ، ولكن الغنى غنى النفس " . وفي صحيح مسلم ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد أفلح من أسلم ، ورزق كفافا ، وقنعه الله بما آتاه " . ثم قال : ( فأما اليتيم فلا تقهر ) أي : كما كنت يتيما فآواك الله فلا تقهر اليتيم ، أي : لا تذله وتنهره وتهنه ، ولكن أحسن إليه ، وتلطف به . قال قتادة : كن لليتيم كالأب الرحيم . ( وأما السائل فلا تنهر ) أي : وكما كنت ضالا فهداك الله ، فلا تنهر السائل في العلم المسترشد . قال ابن إسحاق : ( وأما السائل فلا تنهر ) أي : فلا تكن جبارا ، ولا متكبرا ، ولا فحاشا ، ولا فظا على الضعفاء من عباد الله . وقال قتادة : يعني رد المسكين برحمة ولين . ( وأما بنعمة ربك فحدث ) أي : وكما كنت عائلا فقيرا فأغناك الله ، فحدث بنعمة الله عليك ، كما جاء في الدعاء المأثور النبوي : " واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها ، قابليها ، وأتمها علينا " . وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، حدثنا سعيد بن إياس الجريري ، عن أبي نضرة قال : كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدث بها . وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، حدثنا الجراح بن مليح ، عن أبي عبد الرحمن ، عن الشعبي ، عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر : " من لم يشكر القليل ، لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله . والتحدث بنعمة الله شكر ، وتركها كفر . والجماعة رحمة ، والفرقة عذاب " إسناد ضعيف . [ ص: 428 ] وفي الصحيحين ، عن أنس أن المهاجرين قالوا : يا رسول الله ، ذهب الأنصار بالأجر كله . قال : " لا ما دعوتم الله لهم ، وأثنيتم عليهم " . وقال أبو داود : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا الربيع بن مسلم ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يشكر الله من لا يشكر الناس " . ورواه الترمذي ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن المبارك ، عن الربيع بن مسلم وقال : صحيح . وقال أبو داود : حدثنا عبد الله بن الجراح ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أبلي بلاء فذكره فقد شكره ، وإن كتمه فقد كفره " . تفرد به أبو داود . وقال أبو داود : حدثنا مسدد ، حدثنا بشر ، حدثنا عمارة بن غزية ، حدثني رجل من قومي ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أعطي عطاء فوجد فليجز به ، فإن لم يجد فليثن به ، فمن أثنى به فقد شكره ، ومن كتمه فقد كفره " . قال أبو داود : ورواه يحيى بن أيوب ، عن عمارة بن غزية ، عن شرحبيل ، عن جابر - كرهوه فلم يسموه . تفرد به أبو داود . وقال مجاهد : يعني النبوة التي أعطاك ربك . وفي رواية عنه : القرآن . وقال ليث عن رجل عن الحسن بن علي : ( وأما بنعمة ربك فحدث ) قال : ما عملت من خير فحدث إخوانك . وقال محمد بن إسحاق : ما جاءك الله من نعمة وكرامة من النبوة فحدث بها واذكرها ، وادع إليها . وقال : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما أنعم الله به عليه من النبوة سرا إلى من يطمئن إليه من أهله ، وافترضت عليه الصلاة ، فصلى . آخر تفسير سورة " الضحى " [ ولله الحمد ] .
__________________
|
|
#557
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء (14) تفسير سورة الشرح من صــ/ الى صــ / الحلقة (557) تفسير سورة ألم نشرح وهي مكية . بسم الله الرحمن الرحيم ( ألم نشرح لك صدرك ( 1 ) ووضعنا عنك وزرك ( 2 ) الذي أنقض ظهرك ( 3 ) ورفعنا لك ذكرك ( 4 ) فإن مع العسر يسرا ( 5 ) إن مع العسر يسرا ( 6 ) فإذا فرغت فانصب ( 7 ) وإلى ربك فارغب ( 8 ) ) يقول تعالى : ( ألم نشرح لك صدرك ) يعني : أما شرحنا لك صدرك ، أي : نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا كقوله : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) [ الأنعام : 125 ] ، وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحا واسعا سمحا سهلا لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق . وقيل : المراد بقوله : ( ألم نشرح لك صدرك ) شرح صدره ليلة الإسراء ، كما تقدم من رواية مالك بن صعصعة ، وقد أورده الترمذي هاهنا . وهذا وإن كان واقعا ، ولكن لا منافاة ، فإن من جملة شرح صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء ، وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضا ، والله أعلم . قال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثني محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا معاذ بن محمد بن معاذ بن محمد بن أبي بن كعب ، حدثني أبي محمد بن معاذ ، عن معاذ ، عن محمد ، عن أبي بن كعب : أن أبا هريرة كان جريا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنها غيره ، فقال : يا رسول الله ، ما أول ما رأيت من أمر النبوة ؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وقال : " لقد سألت يا أبا هريرة ، إني لفي الصحراء ابن عشر سنين وأشهر ، وإذا بكلام فوق رأسي ، وإذا رجل يقول لرجل : أهو هو ؟ [ قال : نعم ] فاستقبلاني بوجوه لم أرها [ لخلق ] قط ، وأرواح لم أجدها من خلق قط ، وثياب لم أرها على أحد قط . فأقبلا إلي يمشيان ، حتى أخذ كل واحد منهما بعضدي ، لا أجد لأحدهما مسا ، فقال أحدهما لصاحبه : أضجعه . فأضجعاني بلا قصر ولا هصر . فقال أحدهما لصاحبه : افلق صدره . فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع ، فقال له : أخرج الغل والحسد ، فأخرج شيئا كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها ، فقال له : أدخل الرأفة والرحمة ، فإذا مثل الذي أخرج ، شبه الفضة ، ثم هز [ ص: 430 ] إبهام رجلي اليمنى فقال : اغد واسلم . فرجعت بها أغدو ، رقة على الصغير ، ورحمة للكبير " . وقوله : ( ووضعنا عنك وزرك ) بمعنى : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) [ الفتح : 2 ] ( الذي أنقض ظهرك ) الإنقاض : الصوت . وقال غير واحد من السلف في قوله : ( الذي أنقض ظهرك ) أي : أثقلك حمله . وقوله : ( ورفعنا لك ذكرك ) قال مجاهد : لا أذكر إلا ذكرت معي : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله . وقال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله . قال ابن جرير : حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أتاني جبريل فقال : إن ربي وربك يقول : كيف رفعت ذكرك ؟ قال : الله أعلم . قال : إذا ذكرت ذكرت معي " ، وكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن يونس بن عبد الأعلى به ، ورواه أبو يعلى من طريق ابن لهيعة ، عن دراج . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا أبو عمر الحوضي ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته ، قلت : قد كانت قبلي أنبياء ، منهم من سخرت له الريح ومنهم من يحيي الموتى . قال : يا محمد ألم أجدك يتيما فآويتك ؟ قلت : بلى يا رب . قال : ألم أجدك ضالا فهديتك ؟ قلت : بلى يا رب . قال : ألم أجدك عائلا فأغنيتك ؟ قال : قلت : بلى يا رب . قال : ألم أشرح لك صدرك ؟ ألم أرفع لك ذكرك ؟ قلت : بلى يا رب " . وقال أبو نعيم في " دلائل النبوة " : حدثنا أبو أحمد الغطريفي ، حدثنا موسى بن سهل الجوني ، حدثنا أحمد بن القاسم بن بهرام الهيتي ، حدثنا نصر بن حماد ، عن عثمان بن عطاء ، عن الزهري ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما فرغت مما أمرني الله به من أمر السموات والأرض قلت : يا رب ، إنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد كرمته ، جعلت إبراهيم خليلا وموسى كليما ، وسخرت لداود الجبال ولسليمان الريح والشياطين ، وأحييت لعيسى الموتى ، فما جعلت لي ؟ قال : أوليس قد أعطيتك أفضل من ذلك كله ، أني لا أذكر إلا ذكرت معي ، وجعلت صدور أمتك أناجيل يقرءون القرآن ظاهرا ، ولم أعطها أمة ، وأعطيتك كنزا من كنوز عرشي : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " . [ ص: 431 ] وحكى البغوي ، عن ابن عباس ومجاهد : أن المراد بذلك : الأذان . يعني : ذكره فيه ، وأورد من شعر حسان بن ثابت : أغر عليه للنبوة خاتم من الله من نور يلوح ويشهد وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن : أشهد وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد وقال آخرون : رفع الله ذكره في الأولين والآخرين ، ونوه به ، حين أخذ الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا به ، وأن يأمروا أممهم بالإيمان به ، ثم شهر ذكره في أمته فلا يذكر الله إلا ذكر معه . وما أحسن ما قال الصرصري رحمه الله : لا يصح الأذان في الفرض إلا باسمه العذب في الفم المرضي وقال أيضا : [ ألم تر أنا لا يصح أذاننا ولا فرضنا إن لم نكرره فيهما ] وقوله : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) أخبر تعالى أن مع العسر يوجد اليسر ، ثم أكد هذا الخبر . قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا حميد بن حماد بن خوار أبو الجهم ، حدثنا عائذ بن شريح قال : سمعت أنس بن مالك يقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا وحياله جحر ، فقال : " لو جاء العسر فدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه " ، فأنزل الله عز وجل : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) . ورواه أبو بكر البزار في مسنده عن محمد بن معمر ، عن حميد بن حماد به ، ولفظه : " لو جاء العسر حتى يدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يخرجه " ثم قال : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) ثم قال البزار : لا نعلم رواه عن أنس إلا عائذ بن شريح . قلت : وقد قال فيه أبو حاتم الرازي : في حديثه ضعف ، ولكن رواه شعبة ، عن معاوية بن قرة ، عن رجل ، عن عبد الله بن مسعود موقوفا . [ ص: 432 ] وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا أبو قطن ، حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال : كانوا يقولون : لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين . وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما مسرورا فرحا وهو يضحك ، وهو يقول : " لن يغلب عسر يسرين ، لن يغلب عسر يسرين ، فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا " . وكذا رواه من حديث عوف الأعرابي ويونس بن عبيد ، عن الحسن مرسلا . وقال سعيد ، عن قتادة : ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه بهذه الآية فقال : " لن يغلب عسر يسرين " . ومعنى هذا : أن العسر معرف في الحالين ، فهو مفرد ، واليسر منكر فتعدد ; ولهذا قال : " لن يغلب عسر يسرين " ، يعني قوله : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) فالعسر الأول عين الثاني واليسر تعدد . وقال الحسن بن سفيان : حدثنا يزيد بن صالح ، حدثنا خارجة ، عن عباد بن كثير ، عن أبي الزناد ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نزل المعونة من السماء على قدر المؤونة ، ونزل الصبر على قدر المصيبة " . ومما يروى عن الشافعي رضي الله عنه ، أنه قال : صبرا جميلا ما أقرب الفرجا من راقب الله في الأمور نجا من صدق الله لم ينله أذى ومن رجاه يكون حيث رجا وقال ابن دريد : أنشدني أبو حاتم السجستاني : إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق لما به الصدر الرحيب وأوطأت المكاره واطمأنت وأرست في أماكنها الخطوب ولم تر لانكشاف الضر وجها ولا أغنى بحيلته الأريب [ ص: 433 ] أتاك على قنوط منك غوث يمن به اللطيف المستجيب وكل الحادثات إذا تناهت فموصول بها الفرج القريب وقال آخر : ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج كملت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظنها لا تفرج وقوله : ( فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب ) أي : إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها ، فانصب في العبادة ، وقم إليها نشيطا فارغ البال ، وأخلص لربك النية والرغبة . ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته : " لا صلاة بحضرة طعام ، ولا وهو يدافعه الأخبثان " وقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء ، فابدءوا بالعشاء " . قال مجاهد في هذه الآية : إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة ، فانصب لربك . وفي رواية عنه : إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك ، وعن ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل . وعن ابن عياض نحوه . وفي رواية عن ابن مسعود : ( فانصب وإلى ربك فارغب ) بعد فراغك من الصلاة وأنت جالس . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : ( فإذا فرغت فانصب ) يعني : في الدعاء . وقال زيد بن أسلم والضحاك : ( فإذا فرغت ) أي : من الجهاد ( فانصب ) أي : في العبادة . ( وإلى ربك فارغب ) قال الثوري : اجعل نيتك ورغبتك إلى الله عز وجل . آخر تفسير سورة " ألم نشرح " ولله الحمد . ![]()
__________________
|
|
#558
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء (14) تفسير سورة العلق من صــ/ الى صــ / الحلقة (558) تفسير سورة والتين والزيتون وهي مكية . قال مالك وشعبة ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في سفر في إحدى الركعتين بالتين والزيتون ، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه . أخرجه الجماعة في كتبهم . بسم الله الرحمن الرحيم ( والتين والزيتون ( 1 ) وطور سينين ( 2 ) وهذا البلد الأمين ( 3 ) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ( 4 ) ثم رددناه أسفل سافلين ( 5 ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ( 6 ) فما يكذبك بعد بالدين ( 7 ) أليس الله بأحكم الحاكمين ( 8 ) ) اختلف المفسرون هاهنا على أقوال كثيرة فقيل : المراد بالتين مسجد دمشق . وقيل : هي نفسها . وقيل : الجبل الذي عندها . وقال القرطبي : هو مسجد أصحاب الكهف . وروى العوفي ، عن ابن عباس : أنه مسجد نوح الذي على الجودي . وقال مجاهد : هو تينكم هذا . ( والزيتون ) قال كعب الأحبار وقتادة وابن زيد ، وغيرهم : هو مسجد بيت المقدس . وقال مجاهد وعكرمة : هو هذا الزيتون الذي تعصرون . ( وطور سينين ) قال كعب الأحبار وغير واحد : هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى . ( وهذا البلد الأمين ) يعني : مكة . قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وإبراهيم النخعي وابن زيد وكعب الأحبار . ولا خلاف في ذلك . وقال بعض الأئمة : هذه محال ثلاثة ، بعث الله في كل واحد منها نبيا مرسلا من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار ، فالأول : محلة التين والزيتون ، وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم . والثاني : طور سينين ، وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران . والثالث : مكة وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنا ، وهو الذي أرسل فيه محمدا صلى الله عليه وسلم . [ ص: 435 ] قالوا : وفي آخر التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة : جاء الله من طور سيناء - يعني الذي كلم الله عليه موسى [ بن عمران ] - وأشرق من ساعير - يعني بيت المقدس الذي بعث الله منه عيسى - واستعلن من جبال فاران - يعني : جبال مكة التي أرسل الله منها محمدا - فذكرهم على الترتيب الوجودي بحسب ترتيبهم في الزمان ، ولهذا أقسم بالأشرف ، ثم الأشرف منه ، ثم بالأشرف منهما . وقوله : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) هذا هو المقسم عليه ، وهو أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة وشكل ، منتصب القامة ، سوي الأعضاء حسنها . ( ثم رددناه أسفل سافلين ) أي : إلى النار . قاله مجاهد وأبو العالية والحسن وابن زيد ، وغيرهم . ثم بعد هذا الحسن والنضارة مصيره إلى النار إن لم يطع الله ويتبع الرسل ; ولهذا قال : ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) وقال بعضهم : ( ثم رددناه أسفل سافلين ) أي : إلى أرذل العمر . روي هذا عن ابن عباس وعكرمة - حتى قال عكرمة : من جمع القرآن لم يرد إلى أرذل العمر . واختار ذلك ابن جرير . ولو كان هذا هو المراد لما حسن استثناء المؤمنين من ذلك ; لأن الهرم قد يصيب بعضهم ، وإنما المراد ما ذكرناه ، كقوله : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) [ العصر : 1 - 3 ] . وقوله : ( فلهم أجر غير ممنون ) أي : غير مقطوع ، كما تقدم . ثم قال : ( فما يكذبك ) يعني : يا ابن آدم ( بعد بالدين ) ؟ أي : بالجزاء في المعاد ، وقد علمت البدأة ، وعرفت أن من قدر على البدأة ، فهو قادر على الرجعة بطريق الأولى ، فأي شيء يحملك على التكذيب بالمعاد وقد عرفت هذا ؟ قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان عن منصور قال : قلت لمجاهد : ( فما يكذبك بعد بالدين ) عنى به النبي صلى الله عليه وسلم قال : معاذ الله! عنى به الإنسان . وهكذا قال عكرمة وغيره . وقوله : ( أليس الله بأحكم الحاكمين ) أي : أما هو أحكم الحاكمين ، الذي لا يجور ولا يظلم أحدا ، ومن عدله أن يقيم القيامة فينصف المظلوم في الدنيا ممن ظلمه . وقد قدمنا في حديث أبي هريرة مرفوعا : " فإذا قرأ أحدكم ( والتين والزيتون ) فأتى على آخرها : ( أليس الله بأحكم الحاكمين ) فليقل : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين " . آخر تفسير [ سورة ] " والتين والزيتون " ولله الحمد . تفسير سورة اقرأ وهي أول شيء نزل من القرآن . بسم الله الرحمن الرحيم ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ( 1 ) خلق الإنسان من علق ( 2 ) اقرأ وربك الأكرم ( 3 ) الذي علم بالقلم ( 4 ) علم الإنسان ما لم يعلم ( 5 ) ) قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة عن عائشة قالت : أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح . ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه - وهو : التعبد - الليالي ذوات العدد ، ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزود لمثلها حتى فجأه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فيه فقال : اقرأ . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فقلت : ما أنا بقارئ " . قال : " فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني ، فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) حتى بلغ : ( ما لم يعلم ) قال : فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال : " زملوني زملوني " . فزملوه حتى ذهب عنه الروع . فقال : يا خديجة ، ما لي : فأخبرها الخبر وقال : " قد خشيت علي " . فقالت له : كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا ; إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق . ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن قصي - وهو ابن عم خديجة أخو أبيها ، وكان امرأ تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العربي ، وكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي - فقالت خديجة : أي ابن عم ، اسمع من ابن أخيك . فقال ورقة : ابن أخي ، ما ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى ، فقال ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ليتني فيها جذعا أكون حيا حين يخرجك قومك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أومخرجي هم ؟ " . فقالورقة : نعم ، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا . [ ثم ] لم ينشب ورقة أن توفي ، وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال ، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه ، تبدى له [ ص: 437 ] جبريل فقال : يا محمد إنك رسول الله حقا . فيسكن بذلك جأشه ، وتقر نفسه فيرجع . فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك ، فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك . وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث الزهري وقد تكلمنا على هذا الحديث من جهة سنده ومتنه ومعانيه في أول شرحنا للبخاري مستقصى ، فمن أراده فهو هناك محرر ، ولله الحمد والمنة . فأول شيء [ نزل ] من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات وهن أول رحمة رحم الله بها العباد ، وأول نعمة أنعم الله بها عليهم . وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقة ، وأن من كرمه تعالى أن علم الإنسان ما لم يعلم ، فشرفه وكرمه بالعلم ، وهو القدر الذي امتاز به أبو البرية آدم على الملائكة والعلم تارة يكون في الأذهان ، وتارة يكون في اللسان ، وتارة يكون في الكتابة بالبنان ، ذهني ولفظي ورسمي ، والرسمي يستلزمهما من غير عكس ، فلهذا قال : ( اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ) وفي الأثر : قيدوا العلم بالكتابة . وفيه أيضا : " من عمل بما علم رزقه الله علم ما لم يكن [ يعلم ] . ( كلا إن الإنسان ليطغى ( 6 ) أن رآه استغنى ( 7 ) إن إلى ربك الرجعى ( 8 ) أرأيت الذي ينهى ( 9 ) عبدا إذا صلى ( 10 ) أرأيت إن كان على الهدى ( 11 ) أو أمر بالتقوى ( 12 ) أرأيت إن كذب وتولى ( 13 ) ألم يعلم بأن الله يرى ( 14 ) كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ( 15 ) ناصية كاذبة خاطئة ( 16 ) فليدع ناديه ( 17 ) سندع الزبانية ( 18 ) كلا لا تطعه واسجد واقترب ( 19 ) ) يخبر تعالى عن الإنسان أنه ذو فرح وأشر وبطر وطغيان ، إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله . ثم تهدده وتوعده ووعظه فقال : ( إن إلى ربك الرجعى ) أي : إلى الله المصير والمرجع ، وسيحاسبك على مالك : من أين جمعته ؟ وفيم صرفته ؟ قال ابن أبي حاتم : حدثنا زيد بن إسماعيل الصائغ ، حدثنا جعفر بن عون ، حدثنا أبو عميس ، عن عون ، قال : قال عبد الله : منهومان لا يشبعان ، صاحب العلم وصاحب الدنيا ، ولا يستويان [ ص: 438 ] فأما صاحب العلم فيزداد رضا الرحمن ، وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان . قال ثم قرأ عبد الله : ( إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) وقال للآخر : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) [ فاطر : 28 ] . وقد روي هذا مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : " منهومان لا يشبعان : طالب علم ، وطالب دنيا " . ثم قال تعالى : ( أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ) نزلت في أبي جهل ، لعنه الله ، توعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت ، فوعظه الله تعالى بالتي هي أحسن أولا ، فقال : ( أرأيت إن كان على الهدى ) أي : فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيمة في فعله ، أو ( أمر بالتقوى ) بقوله ، وأنت تزجره وتتوعده على صلاته ; ولهذا قال : ( ألم يعلم بأن الله يرى ) أي : أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه ويسمع كلامه ، وسيجازيه على فعله أتم الجزاء . ثم قال تعالى متوعدا ومتهددا : ( كلا لئن لم ينته ) أي : لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والعناد ( لنسفعن بالناصية ) أي : لنسمنها سوادا يوم القيامة . ثم قال : ( ناصية كاذبة خاطئة ) يعني : ناصية أبي جهل كاذبة في مقالها خاطئة في فعالها . ( فليدع ناديه ) أي : قومه وعشيرته ، أي : ليدعهم يستنصر بهم ( سندع الزبانية ) وهم ملائكة العذاب ، حتى يعلم من يغلب : أحزبنا أو حزبه . قال البخاري : حدثنا يحيى ، حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : قال أبو جهل : لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه . فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " لئن فعله لأخذته الملائكة " . ثم قال : تابعه عمرو بن خالد ، عن عبيد الله - يعني ابن عمرو - ، عن عبد الكريم . وكذا رواه الترمذي والنسائي في تفسيرهما من طريق عبد الرزاق به ، وهكذا رواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن زكريا بن عدي ، عن عبيد الله بن عمرو به . وروى أحمد والترمذي وابن جرير - وهذا لفظه - من طريق داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام ، فمر به أبو جهل بن هشام ، فقال : يا محمد ألم أنهك عن هذا ؟ - وتوعده - فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره ، فقال : يا محمد [ ص: 439 ] بأي شيء تهددني ؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديا ! فأنزل الله : ( فليدع ناديه سندع الزبانية ) قال ابن عباس : لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته وقال الترمذي : حسن صحيح . وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا إسماعيل بن زيد أبو يزيد ، حدثنا فرات ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال أبو جهل : لئن رأيت رسول الله يصلي عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه . قال : فقال : " لو فعل لأخذته الملائكة عيانا ، ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار ، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا " . وقال ابن جرير أيضا : حدثنا ابن حميد ، حدثنا يحيى بن واضح ، أخبرنا يونس بن أبي إسحاق ، عن الوليد بن العيزار ، عن ابن عباس ، قال : قال أبو جهل : لئن عاد محمد يصلي عند المقام لأقتلنه . فأنزل الله عز وجل : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق [ خلق الإنسان من علق ] ) حتى بلغ هذه الآية : ( لنسفعن بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية ) فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى فقيل : ما يمنعك ؟ قال : قد اسود ما بيني وبينه من الكتائب . قال ابن عباس : والله لو تحرك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه . وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، حدثنا نعيم بن أبي هند ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قالوا : نعم . قال : فقال : واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه في التراب ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته ، قال : فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه ، قال : فقيل له : ما لك ؟ فقال : إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة . قال : فقال رسول الله : " لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا " . قال : وأنزل الله - لا أدري في حديث أبي هريرة أم لا - : ( كلا إن الإنسان ليطغى ) إلى آخر السورة . وقد رواه أحمد بن حنبل ومسلم والنسائي وابن أبي حاتم ، من حديث معتمر بن سليمان به . وقوله : ( كلا لا تطعه ) يعني : يا محمد لا تطعه فيما ينهاك عنه من المداومة على العبادة وكثرتها ، وصل حيث شئت ولا تباله ; فإن الله حافظك وناصرك ، وهو يعصمك من الناس ( واسجد واقترب ) كما ثبت في الصحيح - عند مسلم - من طريق عبد الله بن وهب ، عن [ ص: 440 ] عمرو بن الحارث ، عن عمارة بن غزية ، عن سمي ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا الدعاء " . وتقدم أيضا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد في : ( إذا السماء انشقت ) و ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) آخر تفسير سورة " اقرأ " .
__________________
|
|
#559
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء (14) تفسير سورة القدر من صــ/ الى صــ / الحلقة (559) تفسير سورة القدر وهي مكية . بسم الله الرحمن الرحيم ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ( 1 ) وما أدراك ما ليلة القدر ( 2 ) ليلة القدر خير من ألف شهر ( 3 ) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ( 4 ) سلام هي حتى مطلع الفجر ( 5 ) ) يخبر الله تعالى أنه أنزل القرآن ليلة القدر ، وهي الليلة المباركة التي قال الله عز وجل : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) [ الدخان : 3 ] وهي ليلة القدر ، وهي من شهر رمضان ، كما قال تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) [ البقرة : 185 ] . قال ابن عباس وغيره : أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا ، ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم قال تعالى معظما لشأن ليلة القدر ، التي اختصها بإنزال القرآن العظيم فيها ، فقال : ( وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر ) قال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الآية : حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا أبو داود الطيالسي ، حدثنا القاسم بن الفضل الحداني ، عن يوسف بن سعد قال : قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية فقال : سودت وجوه المؤمنين - أو : يا مسود وجوه المؤمنين - فقال : لا تؤنبني ، رحمك الله ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم أري بني أمية على منبره ، فساءه ذلك ، فنزلت : ( إنا أعطيناك الكوثر ) يا محمد يعني نهرا في الجنة ، ونزلت : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر ) يملكها بعدك بنو أمية يا محمد . قال القاسم : فعددنا فإذا هي ألف شهر ، لا تزيد يوما ولا تنقص يوما . ثم قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث القاسم بن الفضل ، وهو ثقة وثقه يحيى القطان وابن مهدي . قال : وشيخه يوسف بن سعد - ويقال : يوسف بن مازن - رجل مجهول ، ولا نعرف هذا الحديث ، على هذا اللفظ إلا من هذا الوجه . وقد روى هذا الحديث الحاكم في مستدركه ، من طريق القاسم بن الفضل ، عن يوسف بن [ ص: 442 ] مازن به . وقول الترمذي : إن يوسف هذا مجهول - فيه نظر ; فإنه قد روى عنه جماعة ، منهم : حماد بن سلمة وخالد الحذاء ويونس بن عبيد . وقال فيه يحيى بن معين : هو مشهور ، وفي رواية عن ابن معين [ قال ] هو ثقة . ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل ، عن عيسى بن مازن ، كذا قال ، وهذا يقتضي اضطرابا في هذا الحديث ، والله أعلم . ثم هذا الحديث على كل تقدير منكر جدا ، قال شيخنا الإمام الحافظ الحجة أبو الحجاج المزي : هو حديث منكر . قلت : وقول القاسم بن الفضل الحداني إنه حسب مدة بني أمية فوجدها ألف شهر لا تزيد يوما ولا تنقص ، ليس بصحيح ; فإن معاوية بن أبي سفيان ، رضي الله عنه ، استقل بالملك حين سلم إليه الحسن بن علي الإمرة سنة أربعين ، واجتمعت البيعة لمعاوية وسمي ذلك عام الجماعة ، ثم استمروا فيها متتابعين بالشام وغيرها ، لم تخرج عنهم إلا مدة دولة عبد الله بن الزبير في الحرمين والأهواز وبعض البلاد قريبا من تسع سنين ، لكن لم تزل يدهم عن الإمرة بالكلية ، بل عن بعض البلاد ، إلى أن استلبهم بنو العباس الخلافة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة ، فيكون مجموع مدتهم اثنتين وتسعين سنة ، وذلك أزيد من ألف شهر ، فإن الألف شهر عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر ، وكأن القاسم بن الفضل أسقط من مدتهم أيام ابن الزبير ، وعلى هذا فتقارب ما قاله للصحة في الحساب ، والله أعلم . ومما يدل على ضعف هذا الحديث أنه سيق لذم دولة بني أمية ، ولو أريد ذلك لم يكن بهذا السياق ; فإن تفضيل ليلة القدر على أيامهم لا يدل على ذم أيامهم ، فإن ليلة القدر شريفة جدا ، والسورة الكريمة إنما جاءت لمدح ليلة القدر ، فكيف تمدح بتفضيلها على أيام بني أمية التي هي مذمومة ، بمقتضى هذا الحديث ، وهل هذا إلا كما قال القائل : ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا وقال آخر : إذا أنت فضلت امرأ ذا براعة على ناقص كان المديح من النقص ثم الذي يفهم من ولاية الألف شهر المذكورة في الآية هي أيام بني أمية ، والسورة مكية ، فكيف يحال على ألف شهر هي دولة بني أمية ، ولا يدل عليها لفظ الآية ولا معناها ؟! والمنبر إنما صنع بالمدينة بعد مدة من الهجرة ، فهذا كله مما يدل على ضعف هذا الحديث ونكارته ، والله أعلم . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا مسلم - يعني ابن خالد - ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في [ ص: 443 ] سبيل الله ألف شهر ، قال : فعجب المسلمون من ذلك ، قال : فأنزل الله عز وجل : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر ) التي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر . وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا حكام بن سلم ، عن المثنى بن الصباح عن مجاهد قال : كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح ، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي ، ففعل ذلك ألف شهر ، فأنزل الله هذه الآية : ( ليلة القدر خير من ألف شهر ) قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل . وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، حدثني مسلمة بن علي ، عن علي بن عروة قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أربعة من بني إسرائيل ، عبدوا الله ثمانين عاما ، لم يعصوه طرفة عين : فذكر أيوب وزكريا وحزقيل بن العجوز ويوشع بن نون - قال : فعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ، فأتاه جبريل فقال : يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة ، لم يعصوه طرفة عين ; فقد أنزل الله خيرا من ذلك . فقرأ عليه : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر ) هذا أفضل مما عجبت أنت وأمتك . قال : فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه . وقال سفيان الثوري : بلغني عن مجاهد : ليلة القدر خير من ألف شهر . قال : عملها ، صيامها وقيامها خير من ألف شهر . رواه ابن جرير . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا ابن أبي زائدة ، عن ابن جريج عن مجاهد : ليلة القدر خير من ألف شهر ، ليس في تلك الشهور ليلة القدر . وهكذا قال قتادة بن دعامة والشافعي وغير واحد . وقال عمرو بن قيس الملائي : عمل فيها خير من عمل ألف شهر . وهذا القول بأنها أفضل من عبادة ألف شهر - وليس فيها ليلة القدر - هو اختيار ابن جرير . وهو الصواب لا ما عداه ، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم : " رباط ليلة في سبيل الله خير من ألف ليلة فيما سواه من المنازل " . رواه أحمد وكما جاء في قاصد الجمعة بهيئة حسنة ، ونية صالحة : " أنه يكتب له عمل سنة ، أجر صيامها وقيامها " إلى غير ذلك من المعاني المشابهة لذلك . وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي هريرة قال : لما حضر رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد جاءكم شهر رمضان ، شهر مبارك ، افترض الله [ ص: 444 ] عليكم صيامه ، تفتح فيه أبواب الجنة ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه الشياطين ، فيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرم خيرها فقد حرم " . ورواه النسائي من حديث أيوب به . ولما كانت ليلة القدر تعدل عبادتها عبادة ألف شهر ، ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " . وقوله : ( تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ) أي : يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها ، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة ، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ويحيطون بحلق الذكر ، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيما له . وأما الروح فقيل : المراد به هاهنا جبريل عليه السلام ، فيكون من باب عطف الخاص على العام . وقيل : هم ضرب من الملائكة . كما تقدم في سورة " النبأ " . والله أعلم . وقوله : ( من كل أمر ) قال مجاهد : سلام هي من كل أمر . وقال سعيد بن منصور : حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا الأعمش عن مجاهد في قوله : ( سلام هي ) قال : هي سالمة ، لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو يعمل فيها أذى . وقال قتادة وغيره : تقضى فيها الأمور ، وتقدر الآجال والأرزاق ، كما قال تعالى : ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) وقوله : ( سلام هي حتى مطلع الفجر ) قال سعيد بن منصور : حدثنا هشيم ، عن أبي إسحاق عن الشعبي في قوله تعالى : ( من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر ) قال : تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد ، حتى يطلع الفجر . وروى ابن جرير عن ابن عباس أنه كان يقرأ : " من كل امرئ سلام هي حتى مطلع الفجر " . وروى البيهقي في كتابه " فضائل الأوقات " عن علي أثرا غريبا في نزول الملائكة ، ومرورهم على المصلين ليلة القدر ، وحصول البركة للمصلين . وروى ابن أبي حاتم ، عن كعب الأحبار أثرا غريبا عجيبا مطولا جدا ، في تنزل الملائكة من سدرة المنتهى صحبة جبريل عليه السلام إلى الأرض ، ودعائهم للمؤمنين والمؤمنات . وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا عمران - يعني القطان - ، عن قتادة ، عن أبي ميمونة ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر : " إنها ليلة سابعة - أو : تاسعة - وعشرين ، وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى " . [ ص: 445 ] وقال الأعمش ، عن المنهال عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في قوله : ( من كل أمر سلام ) قال : لا يحدث فيها أمر . وقال قتادة وابن زيد في قوله : ( سلام هي ) يعني هي خير كلها ، ليس فيها شر إلى مطلع الفجر . ويؤيد هذا المعنى ما رواه الإمام أحمد : حدثنا حيوة بن شريح ، حدثنا بقية ، حدثني بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن عبادة بن الصامت : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليلة القدر في العشر البواقي ، من قامهن ابتغاء حسبتهن ، فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وهي ليلة وتر : تسع أو سبع ، أو خامسة ، أو ثالثة ، أو آخر ليلة " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة ، كأن فيها قمرا ساطعا ، ساكنة سجية ، لا برد فيها ولا حر ، ولا يحل لكوكب يرمى به فيها حتى تصبح . وأن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ، ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر ، ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ " . وهذا إسناد حسن ، وفي المتن غرابة ، وفي بعض ألفاظه نكارة . وقال أبو داود الطيالسي ، حدثنا زمعة ، عن سلمة بن وهرام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر : " ليلة سمحة طلقة ، لا حارة ولا باردة ، وتصبح شمس صبيحتها ضعيفة حمراء " . وروى ابن أبي عاصم النبيل بإسناده عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إني رأيت ليلة القدر فأنسيتها ، وهي في العشر الأواخر ، من لياليها ليلة طلقة بلجة ، لا حارة ولا باردة ، كأن فيها قمرا ، لا يخرج شيطانها حتى يضيء فجرها " . فصل اختلف العلماء : هل كانت ليلة القدر في الأمم السالفة ، أو هي من خصائص هذه الأمة ؟ على قولين : قال أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري : حدثنا مالك : أنه بلغه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله - أو : ما شاء الله من ذلك - فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر ، فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر وقد أسند من وجه آخر . [ ص: 446 ] وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأمة بليلة القدر ، وقد نقله صاحب " العدة " أحد أئمة الشافعية عن جمهور العلماء ، فالله أعلم . وحكى الخطابي عليه الإجماع [ ونقله الرافعي جازما به عن المذهب ] والذي دل عليه الحديث أنها كانت في الأمم الماضين كما هي في أمتنا . قال أحمد بن حنبل : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عكرمة بن عمار : حدثني أبو زميل سماك الحنفي : حدثني مالك بن مرثد بن عبد الله ، حدثني مرثد قال : سألت أبا ذر قلت : كيف سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر ؟ قال : أنا كنت أسأل الناس عنها ، قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن ليلة القدر ، أفي رمضان هي أو في غيره ؟ قال : " بل هي في رمضان " . قلت : تكون مع الأنبياء ما كانوا ، فإذا قبضوا رفعت ؟ أم هي إلى يوم القيامة ؟ قال : " بل هي إلى يوم القيامة " . قلت : في أي رمضان هي ؟ قال : " التمسوها في العشر الأول ، والعشر الأواخر " . ثم حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدث ، ثم اهتبلت غفلته قلت : في أي العشرين هي ؟ قال : " ابتغوها في العشر الأواخر ، لا تسألني عن شيء بعدها " . ثم حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم اهتبلت غفلته فقلت : يا رسول الله ، أقسمت عليك بحقي عليك لما أخبرتني في أي العشر هي ؟ فغضب علي غضبا لم يغضب مثله منذ صحبته ، وقال : " التمسوها في السبع الأواخر ، لا تسألني عن شيء بعدها " . ورواه النسائي ، عن الفلاس ، عن يحيى بن سعيد القطان به . ففيه دلالة على ما ذكرناه ، وفيه أنها تكون باقية إلى يوم القيامة في كل سنة [ بعد النبي صلى الله عليه وسلم ] لا كما زعمه بعض طوائف الشيعة من رفعها بالكلية ، على ما فهموه من الحديث الذي سنورده بعد من قوله ، عليه السلام : " فرفعت ، وعسى أن يكون خيرا لكم " ; لأن المراد رفع علم وقتها عينا . وفيه دلالة على أنها ليلة القدر يختص وقوعها بشهر رمضان من بين سائر الشهور ، لا كما روي عن ابن مسعود ، ومن تابعه من علماء أهل الكوفة ، من أنها توجد في جميع السنة ، وترجى في جميع الشهور على السواء . وقد ترجم أبو داود في سننه على هذا فقال : " باب بيان أن ليلة القدر في كل رمضان " : حدثنا حميد بن زنجويه النسائي ، أخبرنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير ، حدثني موسى بن عقبة ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله بن عمر قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر ، فقال : " هي في كل رمضان " . وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن أبا داود قال : رواه شعبة وسفيان ، عن أبي إسحاق فأوقفاه . وقد حكي عن أبي حنيفة ، رحمه الله ، رواية أنها ترجى في جميع شهر رمضان . وهو وجه [ حكاه ] الغزالي واستغربه الرافعي جدا . [ ص: 447 ] فصل ثم قد قيل : إنها في أول ليلة من شهر رمضان ، يحكى هذا عن أبي رزين . وقيل : إنها تقع ليلة سبع عشرة . وروى فيه أبو داود حديثا مرفوعا عن ابن مسعود . وروي موقوفا عليه ، وعلى زيد بن أرقم وعثمان بن أبي العاص . وهو قول عن محمد بن إدريس الشافعي ، ويحكى عن الحسن البصري . ووجهوه بأنها ليلة بدر ، وكانت ليلة جمعة هي السابعة عشر من شهر رمضان ، وفي صبيحتها كانت وقعة بدر ، وهو اليوم الذي قال الله تعالى فيه : ( يوم الفرقان ) [ الأنفال : 41 ] . وقيل : ليلة تسع عشرة ، يحكى عن علي وابن مسعود أيضا ، رضي الله عنهما . . وقيل : ليلة إحدى وعشرين ; لحديث أبي سعيد الخدري قال : اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم [ في ] العشر الأول من رمضان واعتكفنا معه ، فأتاه جبريل فقال : إن الذي تطلب أمامك . فاعتكف العشر الأوسط فاعتكفنا معه ، فأتاه جبريل فقال : [ إن ] الذي تطلب أمامك . ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا صبيحة عشرين من رمضان ، فقال : " من كان اعتكف معي فليرجع ، فإني رأيت ليلة القدر ، وإني أنسيتها ، وإنها في العشر الأواخر وفي وتر ، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء " . وكان سقف المسجد جريدا من النخل ، وما نرى في السماء شيئا ، فجاءت قزعة فمطرنا ، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديق رؤياه . وفي لفظ : " في صبح إحدى وعشرين " أخرجاه في الصحيحين . قال الشافعي : وهذا الحديث أصح الروايات . وقيل : ليلة ثلاث وعشرين ; لحديث عبد الله بن أنيس في " صحيح مسلم " وهو قريب السياق من رواية أبي سعيد ، فالله أعلم . وقيل : ليلة أربع وعشرين ، قال أبو داود الطيالسي : حدثنا حماد بن سلمة ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليلة القدر ليلة أربع وعشرين " إسناده رجاله ثقات . وقال أحمد : حدثنا موسى بن داود ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن الصنابحي ، عن بلال قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليلة القدر ليلة أربع وعشرين " . [ ص: 448 ] ابن لهيعة ضعيف . وقد خالفه ما رواه البخاري ، عن أصبغ ، عن ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن أبي عبد الله الصنابحي قال : أخبرني بلال - مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنها أول السبع من العشر الأواخر ، فهذا الموقوف أصح ، والله أعلم . وهكذا روي عن ابن مسعود وابن عباس وجابر والحسن وقتادة وعبد الله بن وهب : أنها ليلة أربع وعشرين . وقد تقدم في سورة " البقرة " حديث واثلة بن الأسقع مرفوعا : " إن القرآن أنزل ليلة أربع وعشرين " . وقيل : تكون ليلة خمس وعشرين ; لما رواه البخاري ، عن عبد الله بن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ، في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى " . فسره كثيرون بليالي الأوتار ، وهو أظهر وأشهر . وحمله آخرون على الأشفاع كما رواه مسلم ، عن أبي سعيد ، أنه حمله على ذلك . والله أعلم . وقيل : إنها تكون ليلة سبع وعشرين ; لما رواه مسلم في صحيحه عن أبي بن كعب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنها ليلة سبع وعشرين " . قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان : سمعت عبدة وعاصما عن زر : سألت أبي بن كعب قلت : أبا المنذر ، إن أخاك ابن مسعود يقول : من يقم الحول يصب ليلة القدر . قال : يرحمه الله ، لقد علم أنها في شهر رمضان ، وأنها ليلة سبع وعشرين . ثم حلف . قلت : وكيف تعلمون ذلك ؟ قال : بالعلامة - أو : بالآية - التي أخبرنا بها ، تطلع ذلك اليوم لا شعاع لها ، أعني الشمس . وقد رواه مسلم من طريق سفيان بن عيينة وشعبة والأوزاعي ، عن عبدة ، عن زر عن أبي فذكره ، وفيه : فقال : والله الذي لا إله إلا هو ، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - والله إني لأعلم أي ليلة القدر هي التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها ، هي ليلة سبع وعشرين ، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها . وفي الباب عن معاوية وابن عمر وابن عباس وغيرهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنها ليلة سبع وعشرين . وهو قول طائفة من السلف ، وهو الجادة من مذهب أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، وهو رواية عن أبي حنيفة أيضا . وقد حكي عن بعض السلف أنه حاول استخراج كونها ليلة سبع وعشرين من القرآن ، من قوله : ( هي ) لأنها الكلمة السابعة والعشرون من السورة ، والله أعلم . وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن قتادة وعاصم : أنهما سمعا عكرمة يقول : قال ابن عباس : دعا عمر بن الخطاب [ ص: 449 ] أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فسألهم عن ليلة القدر ، فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر . قال ابن عباس : فقلت لعمر : إني لأعلم - أو : إني لأظن - أي ليلة القدر هي ؟ فقال عمر : أي ليلة هي ؟ [ فقلت ] سابعة تمضي - أو : سابعة تبقى - من العشر الأواخر . فقال عمر : ومن أين علمت ذلك ؟ قال ابن عباس : فقلت : خلق الله سبع سموات ، وسبع أرضين ، وسبعة أيام ، وإن الشهر يدور على سبع ، وخلق الإنسان من سبع ، ويأكل من سبع ، ويسجد على سبع ، والطواف بالبيت سبع ، ورمي الجمار سبع . . . لأشياء ذكرها . فقال عمر : لقد فطنت لأمر ما فطنا له . وكان قتادة يزيد عن ابن عباس في قوله : ويأكل من سبع ، قال : هو قول الله تعالى : ( فأنبتنا فيها حبا وعنبا [ وقضبا ] ) الآية [ عبس : 27 ، 28 ] . وهذا إسناد جيد قوي ، ونص غريب جدا ، والله أعلم . وقيل : إنها تكون في ليلة تسع وعشرين . قال أحمد بن حنبل : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا سعيد بن سلمة ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن عمر بن عبد الرحمن ، عن عبادة بن الصامت : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " في رمضان ، فالتمسوها في العشر الأواخر ، فإنها في وتر إحدى وعشرين ، أو ثلاث وعشرين ، أو خمس وعشرين ، أو سبع وعشرين ، [ أو تسع وعشرين ] أو في آخر ليلة " . وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود - وهو : أبو داود الطيالسي - ، حدثنا عمران القطان ، عن قتادة ، عن أبي ميمونة ، عن أبي هريرة . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر : " إنها ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين ، وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى " . تفرد به أحمد وإسناده لا بأس به . وقيل : إنها تكون في آخر ليلة ، لما تقدم من هذا الحديث آنفا ، ولما رواه الترمذي والنسائي من حديث عيينة بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي بكرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " في تسع يبقين ، أو سبع يبقين ، أو خمس يبقين ، أو ثلاث ، أو آخر ليلة " . يعني : التمسوا ليلة القدر . [ ص: 450 ] وقال الترمذي : حسن صحيح . وفي المسند من طريق أبي سلمة ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر : " إنها آخر ليلة " .
__________________
|
|
#560
|
||||
|
||||
![]() تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي الجزء (14) تفسير سورة البينة من صــ/ الى صــ / الحلقة (560) فصل بسم الله الرحمن الرحيمقال [ الإمام ] الشافعي في هذه الروايات : صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم جوابا للسائل إذ قيل له : ألتمس ليلة القدر في الليلة الفلانية ؟ يقول : " نعم " . وإنما ليلة القدر ليلة معينة : لا تنتقل . نقله الترمذي عنه بمعناه . وروي عن أبي قلابة أنه قال : ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر . وهذا الذي حكاه عن أبي قلابة نص عليه مالك ، والثوري ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو ثور ، والمزني ، وأبو بكر بن خزيمة ، وغيرهم . وهو محكي عن الشافعي - نقله القاضي عنه ، وهو الأشبه - والله أعلم . وقد يستأنس لهذا القول بما ثبت في الصحيحين ، عن عبد الله بن عمر : أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر من رمضان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر " . وفيها أيضا عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان " ولفظه للبخاري . ويحتج للشافعي أنها لا تنتقل ، وأنها معينة من الشهر ، بما رواه البخاري في صحيحه ، عن عبادة بن الصامت قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر ، فتلاحى رجلان من المسلمين ، فقال : " خرجت لأخبركم بليلة القدر ، فتلاحى فلان وفلان ، فرفعت ، وعسى أن يكون خيرا لكم ، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة " . وجه الدلالة منه : أنها لو لم تكن معينة مستمرة التعيين ، لما حصل لهم العلم بعينها في كل سنة ، إذا لو كانت تنتقل لما علموا تعينها إلا ذلك العام فقط ، اللهم إلا أن يقال : إنه إنما خرج ليعلمهم بها تلك السنة فقط . وقوله : " فتلاحى فلان وفلان فرفعت " : فيه استئناس لما يقال : إن المماراة تقطع الفائدة والعلم النافع ، وكما جاء في الحديث : " إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " . وقوله : " فرفعت " أي : رفع علم تعينها لكم ، لا أنها رفعت بالكلية من الوجود ، كما يقوله [ ص: 451 ] جهلة الشيعة ; لأنه قد قال بعد هذا : " فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة " . وقوله : " وعسى أن يكون خيرا لكم " يعني : عدم تعيينها لكم ، فإنها إذا كانت مبهمة اجتهد طلابها في ابتغائها في جميع محال رجائها ، فكان أكثر للعبادة ، بخلاف ما إذا علموا عينها فإنها كانت الهمم تتقاصر على قيامها فقط . وإنما اقتضت الحكمة إبهامها لتعم العبادة جميع الشهر في ابتغائها ، ويكون الاجتهاد في العشر الأواخر أكثر . ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، حتى توفاه الله عز وجل . ثم اعتكف أزواجه من بعده . أخرجاه من حديث عائشة . ولهما عن ابن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان . وقالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر ، أحيا الليل ، وأيقظ أهله ، وشد المئزر . أخرجاه . ولمسلم عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره . وهذا معنى قولها : " وشد المئزر " . وقيل : المراد بذلك : اعتزال النساء . ويحتمل أن يكون كناية عن الأمرين ، لما رواه الإمام أحمد : حدثنا سريج ، حدثنا أبو معشر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بقي عشر من رمضان شد مئزره ، واعتزل نساءه . انفرد به أحمد . وقد حكي عن مالك رحمه الله ، أن جميع ليالي العشر في تطلب ليلة القدر على السواء ، لا يترجح منها ليلة على أخرى : رأيته في شرح الرافعي رحمه الله . والمستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات ، وفي شهر رمضان أكثر ، وفي العشر الأخير منه ، ثم في أوتاره أكثر . والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء : " اللهم ، إنك عفو تحب العفو ، فاعف عني " ; لما رواه الإمام أحمد : حدثنا يزيد - هو ابن هارون - ، حدثنا الجريري - وهو سعيد بن إياس - ، عن عبد الله بن بريدة ، أن عائشة قالت : يا رسول الله ، إن وافقت ليلة القدر فما أدعو ؟ قال : " قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو ، فاعف عني " . [ ص: 452 ] وقد رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه ، من طريق كهمس بن الحسن ، عن عبد الله بن بريدة ، عن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله ، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ، ما أقول فيها ؟ قال : " قولي : اللهم ، إنك عفو تحب العفو ، فاعف عني " . وهذا لفظ الترمذي ، ثم قال : " هذا حديث حسن صحيح " . وأخرجه الحاكم في مستدركه ، وقال : " هذا صحيح على شرط الشيخين " ورواه النسائي أيضا من طريق سفيان الثوري ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن عائشة قالت : يا رسول الله ، أرأيت إن وافقت ليلة القدر ، ما أقول فيها ؟ قال : " قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو ، فاعف عني " . ذكر أثر غريب ونبأ عجيب ، يتعلق بليلة القدر ، رواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم ، عند تفسير هذه السورة الكريمة فقال : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي زياد القطواني ، حدثنا سيار بن حاتم ، حدثنا موسى بن سعيد - يعني الراسبي - ، عن هلال أبي جبلة ، عن أبي عبد السلام ، عن أبيه ، عن كعب أنه قال : إن سدرة المنتهى على حد السماء السابعة ، مما يلي الجنة ، فهي على حد هواء الدنيا وهواء الآخرة ، علوها في الجنة ، وعروقها وأغصانها من تحت الكرسي ، فيها ملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله عز وجل ، يعبدون الله عز وجل على أغصانها ، في كل موضع شعرة منها ملك . ومقام جبريل عليه السلام ، في وسطها ، فينادي الله جبريل أن ينزل في كل ليلة قدر مع الملائكة الذين يسكنون سدرة المنتهى ، وليس فيهم ملك إلا قد أعطي الرأفة والرحمة للمؤمنين ، فينزلون على جبريل في ليلة القدر ، حين تغرب الشمس ، فلا تبقى بقعة في ليلة القدر إلا وعليها ملك ، إما ساجد وإما قائم ، يدعو للمؤمنين والمؤمنات ، إلا أن تكون كنيسة أو بيعة ، أو بيت نار أو وثن ، أو بعض أماكنكم التي تطرحون فيها الخبث ، أو بيت فيه سكران ، أو بيت فيه مسكر ، أو بيت فيه وثن منصوب ، أو بيت فيه جرس معلق ، أو مبولة ، أو مكان فيه كساحة البيت ، فلا يزالون ليلتهم تلك يدعون للمؤمنين والمؤمنات ، وجبريل لا يدع أحدا من المؤمنين إلا صافحه ، وعلامة ذلك من اقشعر جلده ورق قلبه ودمعت عيناه ، فإن ذلك من مصافحة جبريل . وذكر كعب أنه من قال في ليلة القدر : " لا إله إلا الله " ، ثلاث مرات ، غفر الله له بواحدة ، ونجا من النار بواحدة ، وأدخله الجنة بواحدة . فقلنا لكعب الأحبار : يا أبا إسحاق ، صادقا ؟ فقال كعب وهل يقول : " لا إله إلا الله " في ليلة القدر إلا كل صادق ؟ والذي نفسي بيده ، إن ليلة القدر لتثقل على الكافر والمنافق ، حتى كأنها على ظهره جبل ، فلا تزال الملائكة هكذا حتى يطلع الفجر . فأول من يصعد جبريل حتى يكون في وجه الأفق الأعلى من الشمس ، فيبسط جناحيه - [ ص: 453 ] وله جناحان أخضران ، لا ينشرهما إلا في تلك الساعة - فتصير الشمس لا شعاع لها ، ثم يدعو ملكا فيصعد ، فيجتمع نور الملائكة ونور جناحي جبريل ، فلا تزال الشمس يومها ذلك متحيرة ، فيقيم جبريل ومن معه بين الأرض وبين السماء الدنيا يومهم ذلك ، في دعاء ورحمة واستغفار للمؤمنين والمؤمنات ، ولمن صام رمضان احتسابا ، ودعاء لمن حدث نفسه إن عاش إلى قابل صام رمضان لله . فإذا أمسوا دخلوا السماء الدنيا ، فيجلسون حلقا [ حلقا ] فتجتمع إليهم ملائكة سماء الدنيا ، فيسألونهم عن رجل رجل ، وعن امرأة امرأة فيحدثونهم حتى يقولوا : ماذا فعل فلان ؟ وكيف وجدتموه العام ؟ فيقولون : وجدنا فلانا عام أول في هذه الليلة متعبدا ووجدناه العام مبتدعا ، ووجدنا فلانا مبتدعا ووجدناه العام عابدا قال : فيكفون عن الاستغفار لذلك ، ويقبلون على الاستغفار لهذا ، ويقولون : وجدنا فلانا وفلانا يذكران الله ، ووجدنا فلانا راكعا ، وفلانا ساجدا ، ووجدناه تاليا لكتاب الله . قال : فهم كذلك يومهم وليلتهم ، حتى يصعدون إلى السماء الثانية ، ففي كل سماء يوم وليلة ، حتى ينتهوا مكانهم من سدرة المنتهى ، فتقول لهم سدرة المنتهى : يا سكاني ، حدثوني عن الناس وسموهم لي . فإن لي عليكم حقا ، وإني أحب من أحب الله . فذكر كعب الأحبار أنهم يعدون لها ، ويحكون لها الرجل والمرأة بأسمائهم وأسماء آبائهم . ثم تقبل الجنة على السدرة فتقول : أخبريني بما أخبرك سكانك من الملائكة . فتخبرها ، قال : فتقول الجنة : رحمة الله على فلان ، ورحمة الله على فلانة ، اللهم عجلهم إلي ، فيبلغ جبريل مكانه قبلهم ، فيلهمه الله فيقول : وجدت فلانا ساجدا فاغفر له . فيغفر له ، فيسمع جبريل جميع حملة العرش فيقولون : رحمة الله على فلان ، ورحمة الله على فلانة ، ومغفرته لفلان ، ويقول يا رب ، وجدت عبدك فلانا الذي وجدته عام أول على السنة والعبادة ، ووجدته العام قد أحدث حدثا وتولى عما أمر به . فيقول الله : يا جبريل ، إن تاب فأعتبني قبل أن يموت بثلاث ساعات غفرت له . فيقول جبريل : لك الحمد إلهي ، أنت أرحم من جميع خلقك ، وأنت أرحم بعبادك من عبادك بأنفسهم ، قال : فيرتج العرش وما حوله ، والحجب والسماوات ومن فيهن ، تقول : الحمد لله الرحيم ، الحمد لله الرحيم . قال : وذكر كعب أنه من صام رمضان وهو يحدث نفسه إذا أفطر بعد رمضان ألا يعصي الله ، دخل الجنة بغير مسألة ولا حساب . آخر تفسير سورة " ليلة القدر " [ ولله الحمد والمنة ] . تفسير سورة لم يكن وهي مدنية . قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد - وهو ابن سلمة - ، أخبرنا علي - هو ابن زيد - ، عن عمار بن أبي عمار قال : سمعت أبا حية البدري - وهو : مالك بن عمرو بن ثابت الأنصاري - قال : لما نزلت : " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب " إلى آخرها ، قال جبريل : يا رسول الله ، إن ربك يأمرك أن تقرئها أبيا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي : " إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة " . قال أبي : وقد ذكرت ثم يا رسول الله ؟ قال : " نعم " . قال : فبكى أبي . حديث آخر : وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب : " إن الله أمرني أن أقرأ عليك : " لم يكن الذين كفروا " قال : وسماني لك ؟ قال : " نعم " . فبكى . ورواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث شعبة به . حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا مؤمل ، حدثنا سفيان ، حدثنا أسلم المنقري ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، عن أبي بن كعب قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أمرت أن أقرأ عليك سورة كذا وكذا " . قلت : يا رسول الله ، وقد ذكرت هناك ؟ قال : " نعم " . فقلت له : يا أبا المنذر ، ففرحت بذلك . قال : وما يمنعني والله يقول : " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " [ يونس : 58 ] . قال مؤمل : قلت لسفيان : القراءة في الحديث ؟ قال : نعم . تفرد به من هذا الوجه . طريق أخرى : قال أحمد : حدثنا محمد بن جعفر وحجاج ، قالا : حدثنا شعبة ، عن عاصم بن بهدلة ، عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي : " إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن " . قال : فقرأ : " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب " قال : فقرأ فيها : ولو أن ابن آدم سأل واديا من مال ، فأعطيه لسأل ثانيا ، ولو سأل ثانيا فأعطيه لسأل ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب . وإن ذلك الدين عند الله الحنيفية ، غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ، ومن يفعل خيرا فلن يكفره . [ ص: 455 ] ورواه الترمذي من حديث أبي داود الطيالسي ، عن شعبة به ، وقال : حسن صحيح . طريق أخرى : قال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن خليد الحلبي ، حدثنا محمد بن عيسى الطباع ، حدثنا معاذ بن محمد بن معاذ بن أبي بن كعب ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا المنذر ، إني أمرت أن أعرض عليك القرآن " . قال : بالله آمنت ، وعلى يدك أسلمت ، ومنك تعلمت . قال : فرد النبي صلى الله عليه وسلم القول . [ قال ] فقال : يا رسول الله ، أذكرت هناك ؟ قال : " نعم ، باسمك ونسبك في الملأ الأعلى " . قال : فاقرأ إذا يا رسول الله . هذا غريب من هذا الوجه ، والثابت ما تقدم . وإنما قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم هذه السورة تثبيتا له ، وزيادة لإيمانه ، فإنه - كما رواه أحمد والنسائي من طريق أنس عنه ، ورواه أحمد وأبو داود ، من حديث سليمان بن صرد عنه ، ورواه أحمد ، عن عفان ، عن حماد ، عن حميد ، عن أنس ، عن عبادة بن الصامت عنه ، ورواه أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبد الله بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عنه كان قد أنكر على إنسان - وهو : عبد الله بن مسعود - قراءة شيء من القرآن على خلاف ما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقرأهما ، وقال ، لكل منهما : " أصبت " . قال أبي : فأخذني من الشك ولا إذ كنت في الجاهلية . فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره ، قال أبي : ففضت عرقا ، وكأنما أنظر إلى الله فرقا . وأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل أتاه فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف . فقلت : " أسأل الله معافاته ومغفرته " . فقال : على حرفين . فلم يزل حتى قال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف . كما قدمنا ذكر هذا الحديث بطرقه وألفاظه في أول التفسير . فلما نزلت هذه السورة الكريمة وفيها : " رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة " قرأها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة إبلاغ وتثبيت وإنذار ، لا قراءة تعلم واستذكار ، والله أعلم . وهذا كما أن عمر بن الخطاب لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية عن تلك الأسئلة ، وكان فيما قال : أولم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال : " بلى ، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا ؟ " . قال : لا . قال : " فإنك آتيه ، ومطوف به " . فلما رجعوا من الحديبية ، وأنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم سورة " الفتح " ، دعا عمر بن الخطاب وقرأها عليه ، وفيها قوله : " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين " الآية [ الفتح : 27 ] ، كما تقدم . وروى الحافظ أبو نعيم في كتابه " أسماء الصحابة " من طريق محمد بن إسماعيل الجعفري المدني : [ ص: 456 ] حدثنا عبد الله بن سلمة بن أسلم ، عن ابن شهاب ، عن إسماعيل بن أبي حكيم المدني ، حدثني فضيل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله ليسمع قراءة " لم يكن الذين كفروا " فيقول : أبشر عبدي ، فوعزتي لأمكننه لك في الجنة حتى ترضى " . حديث غريب جدا . وقد رواه الحافظ أبو موسى المديني وابن الأثير ، من طريق الزهري ، عن إسماعيل بن أبي حكيم ، عن نظير المزني - أو : المدني - عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليسمع قراءة " لم يكن الذين كفروا " ويقول : أبشر عبدي ، فوعزتي لا أنساك على حال من أحوال الدنيا والآخرة ، ولأمكنن لك في الجنة حتى ترضى " . ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ( 1 ) رسول من الله يتلو صحفا مطهرة ( 2 ) فيها كتب قيمة ( 3 ) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( 4 ) وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ( 5 ) ) أما أهل الكتاب فهم : اليهود والنصارى والمشركون ؛ عبدة الأوثان والنيران ، من العرب ومن العجم . وقال مجاهد : لم يكونوا ( منفكين ) يعني : منتهين حتى يتبين لهم الحق . وكذا قال قتادة . ( حتى تأتيهم البينة ) أي : هذا القرآن ; ولهذا قال تعالى : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ) ثم فسر البينة بقوله : ( رسول من الله يتلو صحفا مطهرة ) يعني : محمدا صلى الله عليه وسلم ، وما يتلوه من القرآن العظيم ، الذي هو مكتتب في الملأ الأعلى ، في صحف مطهرة كقوله : ( في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة ) [ عبس : 13 - 16 ] . وقوله : ( فيها كتب قيمة ) قال ابن جرير : أي في الصحف المطهرة كتب من الله ، قيمة : عادلة مستقيمة ، ليس فيها خطأ ; لأنها من عند الله عز وجل . قال قتادة : ( رسول من الله يتلو صحفا مطهرة ) يذكر القرآن بأحسن الذكر ، ويثني عليه بأحسن الثناء . وقال ابن زيد : ( فيها كتب قيمة ) مستقيمة معتدلة . وقوله : ( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) كقوله : [ ص: 457 ] ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ) [ آل عمران : 105 ] يعني بذلك أهل الكتب المنزلة على الأمم قبلنا ، بعد ما أقام الله عليهم الحجج والبينات تفرقوا واختلفوا في الذي أراده الله من كتبهم ، واختلفوا اختلافا كثيرا ، كما جاء في الحديث المروي من طرق : " إن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة ، وإن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة " . قالوا : من هم يا رسول الله ؟ قال : " ما أنا عليه وأصحابي " . وقوله : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) كقوله ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] ; ولهذا قال : حنفاء ، أي : متحنفين عن الشرك إلى التوحيد . كقوله : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) [ النحل : 36 ] وقد تقدم تقرير الحنيف في سورة " الأنعام " بما أغنى عن إعادته هاهنا . ( ويقيموا الصلاة ) وهي أشرف عبادات البدن ( ويؤتوا الزكاة ) وهي الإحسان إلى الفقراء والمحاويج . ( وذلك دين القيمة ) أي : الملة القائمة العادلة ، أو : الأمة المستقيمة المعتدلة . وقد استدل كثير من الأئمة كالزهري والشافعي بهذه الآية الكريمة على أن الأعمال داخلة في الإيمان ; ولهذا قال : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) ( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ( 6 ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ( 7 ) ) ( جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه ( 8 ) ) يخبر تعالى عن مآل الفجار ، من كفرة أهل الكتاب ، والمشركين المخالفين لكتب الله المنزلة وأنبياء الله المرسلة : أنهم يوم القيامة ( في نار جهنم خالدين فيها ) أي : ماكثين ، لا يحولون عنها ولا يزولون ( أولئك هم شر البرية ) أي : شر الخليقة التي برأها الله وذرأها . ثم أخبر تعالى عن حال الأبرار - الذين آمنوا بقلوبهم ، وعملوا الصالحات بأبدانهم - بأنهم خير [ ص: 458 ] البرية . وقد استدل بهذه الآية أبو هريرة وطائفة من العلماء ، على تفضيل المؤمنين من البرية على الملائكة ; لقوله : ( أولئك هم خير البرية ) ثم قال : ( جزاؤهم عند ربهم ) أي : يوم القيامة ( جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ) أي : بلا انفصال ولا انقضاء ولا فراغ . ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) ومقام رضاه عنهم أعلى مما أوتوه من النعيم المقيم ( ورضوا عنه ) فيما منحهم من الفضل العميم . وقوله : ( ذلك لمن خشي ربه ) أي : هذا الجزاء حاصل لمن خشي الله واتقاه حق تقواه ، وعبده كأنه يراه ، وقد علم أنه إن لم يره فإنه يراه . وقال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثنا أبو معشر ، عن أبي وهب - مولى أبي هريرة - ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بخير البرية ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله . قال : " رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله ، كلما كانت هيعة استوى عليه . ألا أخبركم بخير البرية ؟ " قالوا : بلى يا رسول الله . قال : " رجل في ثلة من غنمه ، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة . ألا أخبركم بشر البرية ؟ " . قالوا : بلى . قال : " الذي يسأل بالله ، ولا يعطي به " . آخر تفسير سورة " لم يكن " . ![]()
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |