|
|||||||
| هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
|
|
#1
|
||||
|
||||
![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (551) صــ 271 إلى صــ 290 11870 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني الليث ، عن يزيد وغيره ، بنحو هذا الحديث غير أن يونس قال في حديثه : "كأنك عبد بني أبي عقال ، من غير أن أشبهك به" . 11871 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، أن الصلت ، كاتب حيان بن سريج ، أخبرهم : أن حيان كتب إلى عمر بن عبد العزيز : "أن ناسا من القبط قامت عليهم البينة بأنهم حاربوا الله ورسوله وسعوا في الأرض فسادا ، وأن الله يقول : " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا " فقرأ حتى بلغ ، " وأرجلهم من خلاف " ، وسكت عن النفي . وكتب إليه : "فإن رأى أمير المؤمنين أن يمضي قضاء الله فيهم ، فليكتب بذلك" . فلما قرأ عمر بن عبد العزيز كتابه قال : لقد اجتزأ حيان ثم كتب إليه : "إنه قد بلغني كتابك وفهمته ، ولقد اجتزأت ، كأنما كتبت بكتاب يزيد بن أبي مسلم ، أو علج صاحب العراق ، من غير أن أشبهك بهما ، فكتبت [ ص: 273 ] بأول الآية ، ثم سكت عن آخرها ، وإن الله يقول : " أو ينفوا من الأرض " ، فإن كانت قامت عليهم البينة بما كتبت به ، فاعقد في أعناقهم حديدا ، ثم غيبهم إلى شغب وبدا . " قال أبو جعفر : "شغب و"بدا" ، موضعان . [ ص: 274 ] وقال آخرون : معنى" النفي من الأرض " ، في هذا الموضع : الحبس . ذكر من روى ذلك عنه : وهو قول أبي حنيفة وأصحابه . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : معنى"النفي من الأرض " في هذا الموضع ، هو نفيه من بلد إلى بلد غيره ، وحبسه في السجن في البلد الذي نفي إليه ، حتى تظهر توبته من فسوقه ، ونزوعه عن معصيته ربه . وإنما قلت ذلك أولى الأقوال بالصحة ، لأن أهل التأويل اختلفوا في معنى ذلك على أحد الأوجه الثلاثة التي ذكرت . وإذ كان ذلك كذلك وكان معلوما أن الله جل ثناؤه إنما جعل جزاء المحارب : القتل أو الصلب أو قطع اليد والرجل من خلاف ، بعد القدرة عليه ، لا في حال امتناعه كان معلوما أن النفي أيضا إنما هو جزاؤه بعد القدرة عليه ، لا قبلها . ولو كان هربه من الطلب نفيا له من الأرض ، كان قطع يده ورجله من خلاف في حال امتناعه وحربه على وجه القتال ، بمعنى إقامة الحد عليه بعد القدرة عليه . وفي إجماع الجميع أن ذلك لا يقوم مقام نفيه الذي جعله الله عز وجل حدا له بعد القدرة عليه ، [ بطل أن يكون نفيه من الأرض هربه من الطلب ] . وإذ كان كذلك ، فمعلوم أنه لم يبق إلا الوجهان الآخران ، وهو النفي من بلدة إلى أخرى غيرها ، أو السجن . فإذ كان كذلك ، فلا شك أنه إذا [ ص: 275 ] نفي من بلدة إلى أخرى غيرها ، فلم ينف من الأرض ، بل إنما نفي من أرض دون أرض . وإذ كان ذلك كذلك وكان الله جل ثناؤه إنما أمر بنفيه من الأرض كان معلوما أنه لا سبيل إلى نفيه من الأرض إلا بحبسه في بقعة منها عن سائرها ، فيكون منفيا حينئذ عن جميعها ، إلا مما لا سبيل إلى نفيه منه . وأما معنى"النفي" ، في كلام العرب ، فهو الطرد ، ومن ذلك قول أوس بن حجر : ينفون عن طرق الكرام كما تنفي المطارق ما يلي القرد ومنه قيل للدراهم الرديئة وغيرها من كل شيء : "النفاية" . وأما المصدر من "نفيت" ، فإنه "النفي" "والنفاية" ، ويقال : "الدلو ينفي الماء" ، ويقال لما تطاير من الماء من الدلو : "النفي" ، ومنه قول الراجز : [ ص: 276 ] كأن متنيه من النفي مواقع الطير على الصفي ومنه قيل : "نفى شعره" ، إذا سقط ، يقال : "حال لونك ، ونفى شعرك" . القول في تأويل قوله عز ذكره ( ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ( 33 ) ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "ذلك" ، هذا الجزاء الذي جازيت به الذين حاربوا الله ورسوله ، وسعوا في الأرض فسادا في الدنيا ، من قتل أو صلب أو قطع يد ورجل من خلاف "لهم" ، يعني : لهؤلاء المحاربين "خزي في الدنيا" ، يقول : هو لهم شر وعار وذلة ، ونكال وعقوبة في عاجل الدنيا قبل الآخرة . يقال منه : "أخزيت فلانا ، فخزي هو خزيا" . وقوله : "ولهم في الآخرة عذاب عظيم" ، يقول عز ذكره : لهؤلاء الذين حاربوا الله ورسوله وسعوا في الأرض فسادا ، فلم يتوبوا من فعلهم ذلك حتى هلكوا في [ ص: 277 ] الآخرة ، مع الخزي الذي جازيتهم به في الدنيا ، والعقوبة التي عاقبتهم بها فيها"عذاب عظيم" ، يعني : عذاب جهنم . القول في تأويل قوله عز ذكره ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ( 34 ) ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم : معنى ذلك : إلا الذين تابوا من شركهم ومناصبتهم الحرب لله ولرسوله والسعي في الأرض بالفساد ، بالإسلام والدخول في الإيمان ، من قبل قدرة المؤمنين عليهم ، فإنه لا سبيل للمؤمنين عليهم بشيء من العقوبات التي جعلها الله جزاء لمن حاربه ورسوله وسعى في الأرض فسادا ، من قتل ، أو صلب ، أو قطع يد ورجل من خلاف ، أو نفي من الأرض فلا تباعة قبله لأحد فيما كان أصاب في حال كفره وحربه المؤمنين ، في مال ولا دم ولا حرمة . قالوا : فأما المسلم إذا حارب المسلمين أو المعاهدين ، وأتى بعض ما يجب عليه العقوبة ، فلن تضع توبته عنه عقوبة ذنبه ، بل توبته فيما بينه وبين الله ، وعلى الإمام إقامة الحد الذي أوجبه الله عليه ، وأخذه بحقوق الناس . ذكر من قال ذلك : 11872 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة والحسن البصري قالا قوله : " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض " [ ص: 278 ] إلى قوله : " فاعلموا أن الله غفور رحيم " ، نزلت هذه الآية في المشركين ، فمن تاب منهم من قبل أن يقدر عليه ، لم يكن عليه سبيل . وليس تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد إن قتل ، أو أفسد في الأرض ، أو حارب الله ورسوله ، ثم لحق بالكفار قبل أن يقدر عليه . ذلك يقام عليه الحد الذي أصاب . 11873 - حدثنا بشار قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم " ، قال : هذا لأهل الشرك ، إذا فعلوا شيئا في شركهم ، فإن الله غفور رحيم ، إذا تابوا وأسلموا . 11874 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا " الزنا ، والسرقة ، وقتل النفس ، وإهلاك الحرث والنسل" إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم " ، على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم . 11875 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : كان قوم بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم ميثاق ، فنقضوا العهد وقطعوا السبيل ، وأفسدوا في الأرض ، فخير الله نبيه صلى الله عليه وسلم فيهم : فإن شاء قتل ، وإن شاء صلب ، وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف . فمن تاب من قبل أن تقدروا عليه ، قبل ذلك منه . 11876 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله " ، [ ص: 279 ] الآية فذكر نحو قول الضحاك ، إلا أنه قال : فإن جاء تائبا فدخل في الإسلام ، قبل منه ، ولم يؤاخذ بما سلف . 11877 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم " ، قال : هذا لأهل الشرك ، إذا فعلوا شيئا من هذا في شركهم ، ثم تابوا وأسلموا ، فإن الله غفور رحيم . 11878 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن عطاء الخراساني ، وقتادة : أما قوله : " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم " ، فهذه لأهل الشرك . فمن أصاب من المشركين شيئا من المسلمين وهو لهم حرب ، فأخذ مالا وأصاب دما ، ثم تاب قبل أن تقدروا عليه ، أهدر عنه ما مضى . وقال آخرون : بل هذه الآية معني بالحكم بها المحاربون الله ورسوله : الحراب من أهل الإسلام ، من قطع منهم الطريق وهو مقيم على إسلامه ، ثم استأمن فأومن على جناياته التي جناها ، وهو للمسلمين حرب ومن فعل ذلك منهم مرتدا عن الإسلام ، ثم لحق بدار الحرب ، ثم استأمن فأومن . قالوا : فإذا أمنه الإمام على جناياته التي سلفت ، لم يكن قبله لأحد تبعة في دم ولا مال أصابه قبل توبته ، وقبل أمان الإمام إياه . ذكر من قال ذلك : 11879 - حدثني علي بن سهل قال : حدثنا الوليد قال : أخبرني أبو أسامة ، [ ص: 280 ] عن أشعث بن سوار ، عن عامر الشعبي : أن حارثة بن بدر خرج محاربا ، فأخاف السبيل ، وسفك الدم ، وأخذ الأموال ، ثم جاء تائبا من قبل أن يقدر عليه ، فقبل علي بن أبي طالب عليه السلام توبته ، وجعل له أمانا منشورا على ما كان أصاب من دم أو مال . 11880 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن مجالد ، عن الشعبي : أن حارثة بن بدر حارب في عهد علي بن أبي طالب ، فأتى الحسن بن علي رضوان الله عليهما ، فطلب إليه أن يستأمن له من علي ، فأبى . ثم أتى ابن جعفر ، فأبى عليه . فأتى سعيد بن قيس الهمداني فأمنه ، وضمه إليه . وقال له : استأمن لي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب . قال : فلما صلى علي الغداة ، أتاه سعيد بن قيس فقال : يا أمير المؤمنين ، ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله؟ قال : أن يقتلوا ، أو يصلبوا ، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، أو ينفوا من الأرض . قال : ثم قال : " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم " . قال سعيد : وإن كان حارثة بن بدر؟ قال : وإن كان حارثة بن بدر ! قال : فهذا حارثة بن بدر قد جاء تائبا ، فهو آمن؟ قال : نعم! قال : فجاء به فبايعه ، وقبل ذلك منه ، وكتب له أمانا . 11881 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن مغراء ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : كان حارثة بن بدر قد أفسد في الأرض وحارب ، ثم تاب . وكلم له علي فلم يؤمنه . فأتى سعيد بن قيس فكلمه ، فانطلق سعيد بن قيس إلى علي فقال : يا أمير المؤمنين ، ما تقول فيمن حارب الله ورسوله؟ فقرأ الآية كلها فقال : أرأيت من تاب من قبل أن تقدر عليه؟ [ ص: 281 ] قال : أقول كما قال الله . قال : فإنه حارثة بن بدر ! قال : فأمنه علي ، فقال حارثة : ألا أبلغا همدان إما لقيتها على النأي لا يسلم عدو يعيبها لعمر أبيها إن همدان تتقي الإله ويقضي بالكتاب خطيبها 11882 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم " ، وتوبته من قبل أن يقدر عليه : أن يكتب إلى الإمام يستأمنه على ما قتل وأفسد في الأرض : "فإن لم يؤمني على ذلك ، ازددت فسادا وقتلا وأخذا للأموال أكثر مما [ ص: 282 ] فعلت ذلك قبل" . فعلى الإمام من الحق أن يؤمنه على ذلك . فإذا أمنه الإمام جاء حتى يضع يده في يد الإمام ، فليس لأحد من الناس أن يتبعه ، ولا يأخذه بدم سفكه ، ولا مال أخذه . وكل مال كان له فهو له ، لكيلا يقتل المؤمنين أيضا ويفسد . فإذا رجع إلى الله جل وعز فهو وليه ، يأخذه بما صنع ، وتوبته فيما بينه وبين الإمام والناس . فإذا أخذه الإمام ، وقد تاب فيما يزعم إلى الله جل ثناؤه قبل أن يؤمنه الإمام ، فليقم عليه الحد . 11883 - حدثنا علي بن سهل قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن سعيد بن عبد العزيز ، أخبرني مكحول ، أنه قال : إذا أعطاه الإمام أمانا ، فهو آمن ، ولا يقام عليه حد ما كان أصاب . وقال آخرون : معنى ذلك : كل من جاء تائبا من الحراب قبل القدرة عليه ، استأمن الإمام فأمنه أو لم يستأمنه ، بعد أن يجيء مستسلما تاركا للحرب . ذكر من قال ذلك : 11884 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن أشعث ، عن عامر قال : جاء رجل من مراد إلى أبي موسى ، وهو على الكوفة في إمرة عثمان ، بعد ما صلى المكتوبة فقال : يا أبا موسى ، هذا مقام العائذ بك ، أنا فلان بن فلان المرادي ، كنت حاربت الله ورسوله ، وسعيت في الأرض ، وإني تبت من قبل أن تقدر علي! فقام أبو موسى فقال : هذا فلان ابن فلان ، وإنه كان حارب الله ورسوله ، وسعى في الأرض فسادا ، وإنه تاب قبل أن يقدر عليه ، فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير . فأقام الرجل ما شاء الله ، ثم إنه خرج فأدركه الله جل وعز بذنوبه فقتله . [ ص: 283 ] 11885 - حدثني الحارث بن محمد قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل السدي ، عن الشعبي قال : جاء رجل إلى أبي موسى ، فذكر نحوه . 11886 - حدثني علي بن سهل قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : قلت لمالك : أرأيت هذا المحارب الذي قد أخاف السبيل ، وأصاب الدم والمال ، فلحق بدار الحرب ، أو تمنع في بلاد الإسلام ، ثم جاء تائبا من قبل أن يقدر عليه؟ قال : تقبل توبته . قال قلت : فلا يتبع بشيء من أحداثه؟ قال : لا إلا أن يوجد معه مال بعينه فيرد إلى صاحبه ، أو يطلبه ولي من قتل بدم في حربه يثبت ببينة أو اعتراف فيقاد به . وأما الدماء التي أصابها ولم يطلبها أولياؤها ، فلا يتبعه الإمام بشيء قال علي ، قال الوليد : فذكرت ذلك لأبي عمرو ، فقال : تقبل توبته إذا كان محاربا للعامة والأئمة ، قد آذاهم بحربه ، فشهر سلاحه ، وأصاب الدماء والأموال ، فكانت له منعة أو فئة يلجأ إليهم ، أو لحق بدار الحرب فارتد عن الإسلام ، أو كان مقيما عليه ، ثم جاء تائبا من قبل أن يقدر عليه ، قبلت توبته ، ولم يتبع بشيء منه . 11887 - حدثني علي قال : حدثنا الوليد قال : قال أبو عمرو : سمعت ابن شهاب الزهري يقول ذلك . 11888 - حدثني علي بن سهل قال : حدثنا الوليد قال : فذكرت قول أبي عمرو ومالك لليث بن سعد في هذه المسألة ، فقال : إذا أعلن بالمحاربة العامة والأئمة ، وأصاب الدماء والأموال ، فامتنع بمحاربته من الحكومة عليه ، أو لحق بدار الحرب ، ثم جاء تائبا من قبل أن يقدر عليه ، قبلت توبته ، ولم يتبع بشيء من أحداثه في حربه من دم خاصة ولا عامة ، وإن طلبه وليه . [ ص: 284 ] 11889 - حدثني علي قال : حدثنا الوليد قال : قال الليث وكذلك حدثني موسى بن إسحاق المدني ، وهو الأمير عندنا : أن عليا الأسدي حارب وأخاف السبيل وأصاب الدم والمال ، فطلبته الأئمة والعامة ، فامتنع ولم يقدر عليه حتى جاء تائبا ، وذلك أنه سمع رجلا يقرأ هذه الآية : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ) [ سورة الزمر : 53 ] . الآية ، فوقف عليه فقال : يا عبد الله ، أعد قراءتها . فأعادها عليه ، فغمد سيفه ، ثم جاء تائبا ، حتى قدم المدينة من السحر ، فاغتسل ، ثم أتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الصبح ، ثم قعد إلى أبي هريرة في غمار أصحابه . فلما أسفر عرفه الناس وقاموا إليه ، فقال : لا سبيل لكم علي ، جئت تائبا من قبل أن تقدروا علي! فقال أبو هريرة : صدق . وأخذ بيده أبو هريرة حتى أتى مروان بن الحكم في إمرته على المدينة في زمن معاوية ، فقال : هذا علي ، جاء تائبا ، ولا سبيل لكم عليه ولا قتل . قال : فترك من ذلك كله . قال : وخرج علي تائبا مجاهدا في سبيل الله في البحر ، فلقوا الروم ، فقربوا سفينته إلى سفينة من سفنهم ، فاقتحم على الروم في سفينتهم ، فهزموا منه إلى سفينتهم الأخرى ، فمالت بهم وبه ، فغرقوا جميعا . 11890 - حدثني أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا مطرف بن معقل قال : سمعت عطاء قال في رجل سرق سرقة فجاء بها تائبا من غير أن يؤخذ ، فهل عليه حد؟ قال : لا! ثم قال : " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم " ، الآية . [ ص: 285 ] 11891 - حدثنا ابن البرقي قال : حدثنا ابن أبي مريم قال : أخبرنا نافع بن يزيد قال : حدثني أبو صخر ، عن محمد بن كعب القرظي ، وعن أبي معاوية عن سعيد بن جبير قالا إن جاء تائبا لم يقتطع مالا ولم يسفك دما ، ترك . فذلك الذي قال الله : " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم " ، يعني بذلك أنه لم يسفك دما ولم يقتطع مالا . وقال آخرون : بل عنى بالاستثناء في ذلك ، التائب من حربه الله ورسوله والسعي في الأرض فسادا بعد لحاقه في حربه بدار الكفر . فأما إذا كانت حرابته وحربه وهو مقيم في دار الإسلام ، وداخل في غمار الأمة ، فليست توبته واضعة عنه شيئا من حدود الله جل وعز ، ولا من حقوق المسلمين والمعاهدين ، بل يؤخذ بذلك . ذكر من قال ذلك : 11892 - حدثني علي بن سهل قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : أخبرني إسماعيل ، عن هشام بن عروة : أنه أخبره أنهم سألوا عروة عمن تلصص في الإسلام فأصاب حدودا ثم جاء تائبا ، فقال : لا تقبل توبته ، لو قبل ذلك منهم اجترءوا عليه ، وكان فسادا كبيرا . ولكن لو فر إلى العدو ، ثم جاء تائبا ، لم أر عليه عقوبة . [ ص: 286 ] وقد روي عن عروة خلاف هذا القول ، وهو ما : - 11893 - حدثني به علي قال : حدثنا الوليد قال : أخبرني من سمع هشام بن عروة ، عن عروة قال : يقام عليه حد ما فر منه ، ولا يجوز لأحد فيه أمان يعني الذي يصيب حدا ، ثم يفر فيلحق الكفار ، ثم يجيء تائبا . وقال آخرون : إن كانت حرابته وحربه في دار الإسلام ، وهو في غير منعة من فئة يلجأ إليها ، ثم جاء تائبا قبل القدرة عليه ، فإن توبته لا تضع عنه شيئا من العقوبة ولا من حقوق الناس . وإن كانت حرابته وحربه في دار الإسلام ، أو هو لاحق بدار الكفر ، غير أنه في كل ذلك كان يلجأ إلى فئة تمنعه ممن أراده من سلطان المسلمين ، ثم جاء تائبا قبل القدرة عليه ، فإن توبته تضع عنه كل ما كان من أحداثه في أيام حرابته تلك ، إلا أن يكون أصاب حدا أو أمر الرفقة بما فيه عقوبة ، أو غرم لمسلم أو معاهد ، وهو غير ملتجئ إلى فئة تمنعه ، فإنه يؤخذ بما أصاب من ذلك وهو كذلك ، ولا يضع ذلك عنه توبته . ذكر من قال ذلك : 11894 - حدثني علي بن سهل قال : حدثنا الوليد قال : قال أبو عمرو : إذا قطع الطريق لص ، أو جماعة من اللصوص ، فأصابوا ما أصابوا من الدماء والأموال ، ولم يكن لهم فئة يلجئون إليها ولا منعة ، ولا يأمنون إلا بالدخول في غمار أمتهم وسواد عامتهم ، ثم جاء تائبا من قبل أن يقدر عليه ، لم تقبل توبته ، وأقيم عليه حده ما كان . 11895 - حدثني علي قال : حدثنا الوليد قال : ذكرت لأبي عمرو قول عروة : "يقام عليه حد ما فر منه ، ولا يجوز لأحد فيه أمان" ، فقال أبو عمرو : إن فر من حدثه في دار الإسلام ، فأعطاه إمام أمانا ، لم يجز أمانه . وإن هو [ ص: 287 ] لحق بدار الحرب ، ثم سأل إماما أمانا على أحداثه ، لم ينبغ للإمام أن يعطيه أمانا . وإن أعطاه الإمام أمانا وهو غير عالم بأحداثه ، فهو آمن . وإن جاء أحد يطلبه بدم أو مال رد إلى مأمنه ، فإن أبى أن يرجع فهو آمن ولا يتعرض له . قال : وإن أعطاه أمانا على أحداثه وهو يعرفها ، فالإمام ضامن واجب عليه عقل ما كان أصاب من دم أو مال ، وكان فيما عطل من تلك الحدود والدماء آثما ، وأمره إلى الله جل وعز . قال : وقال أبو عمرو : فإذا أصاب ذلك ، وكانت له منعة أو فئة يلجأ إليها ، أو لحق بدار الحرب فارتد عن الإسلام ، أو كان مقيما عليه ، ثم جاء تائبا من قبل أن يقدر عليه ، قبلت توبته ، ولم يتبع بشيء من أحداثه التي أصابها في حربه ، إلا أن يوجد معه شيء قائم بعينه فيرد إلى صاحبه . 11896 - حدثني علي قال : حدثنا الوليد قال : أخبرني ابن لهيعة ، عن ربيعة قال : تقبل توبته ، ولا يتبع بشيء من أحداثه في حربه ، إلا أن يطلبه أحد بدم كان أصابه في سلمه قبل حربه ، فإنه يقاد به . 11897 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا معمر الرقي قال : حدثنا الحجاج ، عن الحكم بن عتيبة قال : قاتل الله الحجاج ! إن كان ليفقه! أمن رجلا من محاربته ، فقال : انظروا هل أصاب شيئا قبل خروجه؟ وقال آخرون : تضع توبته عنه حد الله الذي وجب عليه بمحاربته ، ولا يسقط عنه حقوق بني آدم . وممن قال ذلك الشافعي . 11898 - حدثنا بذلك عنه الربيع . قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال : توبة المحارب الممتنع بنفسه أو بجماعة معه قبل القدرة عليه ، تضع عنه تبعات الدنيا [ ص: 288 ] التي كانت لزمته في أيام حربه وحرابته ، من حدود الله ، وغرم لازم ، وقود وقصاص ، إلا ما كان قائما في يده من أموال المسلمين والمعاهدين بعينه ، فيرد على أهله لإجماع الجميع على أن ذلك حكم الجماعة الممتنعة المحاربة لله ولرسوله ، الساعية في الأرض فسادا على وجه الردة عن الإسلام . فكذلك حكم كل ممتنع سعى في الأرض فسادا ، جماعة كانوا أو واحدا . فأما المستخفي بسرقته ، والمتلصص على وجه اغتفال من سرقه ، والشاهر السلاح في خلاء على بعض السابلة ، وهو عند الطلب غير قادر على الامتناع ، فإن حكم الله عليه تاب أو لم يتب ماض ، وبحقوق من أخذ ماله ، أو أصاب وليه بدم أو ختل مأخوذ ، وتوبته فيما بينه وبين الله جل وعز قياسا على إجماع الجميع على أنه لو أصاب شيئا من ذلك وهو للمسلمين سلم ، ثم صار لهم حربا ، أن حربه إياهم لن يضع عنه حقا لله عز ذكره ، ولا لآدمي ، فكذلك حكمه إذا أصاب ذلك في خلاء أو باستخفاء ، وهو غير ممتنع من السلطان بنفسه إن أراده ، ولا له فئة يلجأ إليها مانعة منه . وفي قوله : " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم " ، دليل واضح لمن وفق لفهمه ، أن الحكم الذي ذكره الله جل وعز في المحاربين يجري في المسلمين والمعاهدين ، دون المشركين الذين قد نصبوا للمسلمين حربا ، وذلك أن ذلك لو كان حكما في أهل الحرب من المشركين دون المسلمين ودون ذمتهم ، لوجب أن [ ص: 289 ] لا يسقط إسلامهم عنهم إذا أسلموا أو تابوا بعد قدرتنا عليهم ما كان لهم قبل إسلامهم وتوبتهم من القتل ، وما للمسلمين في أهل الحرب من المشركين . وفي إجماع المسلمين أن إسلام المشرك الحربي يضع عنه بعد قدرة المسلمين عليه ما كان واضعه عنه إسلامه قبل القدرة عليه ما يدل على أن الصحيح من القول في ذلك قول من قال : "عنى بآية المحاربين في هذا الموضع حراب أهل الملة أو الذمة ، دون من سواهم من مشركي أهل الحرب" . وأما قوله : " فاعلموا أن الله غفور رحيم " ، فإن معناه : فاعلموا أيها المؤمنون ، أن الله غير مؤاخذ من تاب من أهل الحرب لله ولرسوله ، الساعين في الأرض فسادا ، وغيرهم بذنوبه ، ولكنه يعفو عنه فيسترها عليه ، ولا يفضحه بها بالعقوبة في الدنيا والآخرة رحيم به في عفوه عنه ، وتركه عقوبته عليها . القول في تأويل قوله عز ذكره ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بذلك : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله فيما أخبرهم ووعد من الثواب وأوعد من العقاب "اتقوا الله" يقول : أجيبوا الله فيما أمركم ونهاكم بالطاعة له في ذلك ، وحققوا إيمانكم وتصديقكم ربكم ونبيكم [ ص: 290 ] بالصالح من أعمالكم " وابتغوا إليه الوسيلة " ، يقول : واطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه . و"الوسيلة" : هي"الفعيلة" من قول القائل : "توسلت إلى فلان بكذا" ، بمعنى : تقربت إليه ، ومنه قول عنترة : إن الرجال لهم إليك وسيلة إن يأخذوك ، تكحلي وتخضبي يعني ب"الوسيلة" ، القربة ، ومنه قول الآخر : إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ![]()
__________________
|
|
#2
|
||||
|
||||
![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (552) صــ 291 إلى صــ 305 ذكر من قال ذلك : 11899 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا [ ص: 291 ] سفيان ح ، وحدثنا ابن وكيع قال : حدثنا زيد بن الحباب ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي وائل : " وابتغوا إليه الوسيلة " ، قال : القربة في الأعمال . 11900 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ح ، وحدثنا سفيان قال : حدثنا أبي ، عن طلحة ، عن عطاء : " وابتغوا إليه الوسيلة " ، قال : القربة . 11901 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة " ، قال : فهي المسألة والقربة . 11902 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وابتغوا إليه الوسيلة " ، أي : تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه . 11902 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وابتغوا إليه الوسيلة " ، القربة إلى الله جل وعز . 11903 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق قال : خبرنا معمر ، عن الحسن في قوله : " وابتغوا إليه الوسيلة " ، قال : القربة . 11904 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير قوله : " وابتغوا إليه الوسيلة " ، قال : القربة . 11905 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وابتغوا إليه الوسيلة " ، قال : المحبة ، تحببوا إلى الله . وقرأ : ( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ) [ سورة الإسراء : 57 ] . [ ص: 292 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون ( 35 ) ) قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه للمؤمنين به وبرسوله : وجاهدوا ، أيها المؤمنون ، أعدائي وأعداءكم في سبيلي ، يعني في دينه وشريعته التي شرعها لعباده ، وهي الإسلام . يقول : أتعبوا أنفسكم في قتالهم وحملهم على الدخول في الحنيفية المسلمة ، "لعلكم تفلحون" ، يقول : كيما تنجحوا ، فتدركوا البقاء الدائم والخلود في جناته . وقد دللنا على معنى"الفلاح" فيما مضى بشواهده ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . القول في تأويل قوله عز ذكره ( إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم ( 36 ) ) قال أبو جعفر : يقول عز ذكره : إن الذين جحدوا ربوبية ربهم وعبدوا غيره ، من بني إسرائيل الذين عبدوا العجل ، ومن غيرهم الذين عبدوا الأوثان والأصنام ، وهلكوا على ذلك قبل التوبة لو أن لهم ملك ما في الأرض كلها وضعفه معه ، ليفتدوا به من عقاب الله إياهم على تركهم أمره ، وعبادتهم غيره يوم القيامة ، فافتدوا بذلك كله ، ما تقبل الله منهم ذلك فداء وعوضا من عذابهم وعقابهم ، بل هو معذبهم في حميم يوم القيامة عذابا موجعا لهم . [ ص: 293 ] وإنما هذا إعلام من الله جل ثناؤه لليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنهم وغيرهم من سائر المشركين به ، سواء عنده فيما لهم من العذاب الأليم والعقاب العظيم . وذلك أنهم كانوا يقولون : ( لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) ، اغترارا بالله جل وعز وكذبا عليه . فكذبهم تعالى ذكره بهذه الآية وبالتي بعدها ، وحسم طمعهم ، فقال لهم ولجميع الكفرة به وبرسوله : " إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم " ، يقول لهم جل ثناؤه : فلا تطمعوا أيها الكفرة في قبول الفدية منكم ، ولا في خروجكم من النار بوسائل آبائكم عندي بعد دخولكموها ، إن أنتم متم على كفركم الذي أنتم عليه ، ولكن توبوا إلى الله توبة نصوحا . القول في تأويل قوله عز ذكره ( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ( 37 ) ) قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " يريدون أن يخرجوا من النار " ، يريد هؤلاء الذين كفروا بربهم يوم القيامة ، أن يخرجوا من النار بعد دخولها ، وما هم بخارجين منها "لهم عذاب مقيم" يقول : لهم عذاب دائم ثابت لا يزول عنهم ولا ينتقل أبدا ، كما قال الشاعر : فإن لكم بيوم الشعب مني عذابا دائما لكم مقيما [ ص: 294 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 11906 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة : أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس رحمه الله : أعمى البصر أعمى القلب ، يزعم أن قوما يخرجون من النار ، وقد قال الله جل وعز : " وما هم بخارجين منها "؟ فقال ابن عباس : ويحك ، اقرأ ما فوقها! هذه للكفار . القول في تأويل قوله عز ذكره ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم ( 38 ) ) قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : ومن سرق من رجل أو امرأة ، فاقطعوا ، أيها الناس ، يده ولذلك رفع "السارق والسارقة" ، لأنهما غير معينين . ولو أريد بذلك سارق وسارقة بأعيانهما لكان وجه الكلام النصب . وقد روي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ ذلك : ( والسارقون والسارقات ) . 11907 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن ابن عون ، عن إبراهيم قال : في قراءتنا قال : وربما قال : في قراءة عبد الله ( والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما ) . [ ص: 295 ] 11908 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن إبراهيم : في قراءتنا : ( والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما ) . وفي ذلك دليل على صحة ما قلنا من معناه ، وصحة الرفع فيه ، وأن " السارق والسارقة " مرفوعان بفعلهما على ما وصفت ، للعلل التي وصفت . وقال تعالى ذكره : " فاقطعوا أيديهما " ، والمعنى : أيديهما اليمنى ، كما : - 11909 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "فاقطعوا أيديهما" اليمنى . 11910 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عامر قال : في قراءة عبد الله : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما ) . ثم اختلفوا في"السارق" الذي عناه الله عز ذكره . فقال بعضهم : عنى بذلك سارق ثلاثة دراهم فصاعدا . وذلك قول جماعة من أهل المدينة ، منهم مالك بن أنس ومن قال بقوله . واحتجوا لقولهم ذلك ، بأن : - 11911 - رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم . وقال آخرون : بل عنى بذلك سارق ربع دينار أو قيمته . وممن قال ذلك ، الأوزاعي ومن قال بقوله . واحتجوا لقولهم ذلك بالخبر الذي روي عن عائشة أنها قالت : 11912 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : القطع في ربع دينار فصاعدا . [ ص: 296 ] وقال آخرون : بل عنى بذلك سارق عشرة دراهم فصاعدا . وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه . واحتجوا في ذلك بالخبر الذي روي عن عبد الله بن عمرو ، وابن عباس : 11913 - أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته عشرة دراهم . وقال آخرون : بل عنى بذلك سارق القليل والكثير . واحتجوا في ذلك بأن الآية على الظاهر ، وأن ليس لأحد أن يخص منها شيئا ، إلا بحجة يجب التسليم لها . وقالوا : لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر بأن ذلك في خاص من السراق . قالوا : والأخبار فيما قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطربة مختلفة ، ولم يرو عنه أحد أنه أتي بسارق درهم فخلى عنه ، وإنما رووا عنه أنه قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم . قالوا : وممكن أن يكون لو أتي بسارق ما قيمته دانق أن يقطع . قالوا : وقد قطع ابن الزبير في درهم . وروي عن ابن عباس أنه قال : الآية على العموم . 11914 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا عبد المؤمن ، عن نجدة الحنفي قال : سألت ابن عباس عن قوله : " والسارق والسارقة " ، أخاص أم عام؟ فقال : بل عام . [ ص: 297 ] قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ، قول من قال : "الآية معني بها خاص من السراق ، وهم سراق ربع دينار فصاعدا أو قيمته" ، لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " القطع في ربع دينار فصاعدا " . وقد استقصيت ذكر أقوال المختلفين في ذلك مع عللهم التي اعتلوا بها لأقوالهم ، والبيان عن أولاها بالصواب ، بشواهده ، في كتابنا "كتاب السرقة" ، فكرهنا إطالة الكتاب بإعادة ذلك في هذا الموضع . وقوله : " جزاء بما كسبا نكالا من الله " ، يقول : مكافأة لهما على سرقتهما وعملهما في التلصص بمعصية الله "نكالا من الله" يقول : عقوبة من الله على لصوصيتهما . وكان قتادة يقول في ذلك ما : - 11915 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم " ، لا ترثوا لهم أن تقيموا فيهم الحدود ، فإنه والله ما أمر الله بأمر قط إلا وهو صلاح ، ولا نهى عن أمر قط إلا وهو فساد . [ ص: 298 ] وكان عمر بن الخطاب يقول : "اشتدوا على السراق ، فاقطعوهم يدا يدا ، ورجلا رجلا" . وقوله : "والله عزيز حكيم" يقول جل ثناؤه : "والله عزيز" في انتقامه من هذا السارق والسارقة وغيرهما من أهل معاصيه"حكيم" ، في حكمه فيهم وقضائه عليهم . يقول : فلا تفرطوا أيها المؤمنون ، في إقامة حكمي على السراق وغيرهم من أهل الجرائم الذين أوجبت عليهم حدودا في الدنيا عقوبة لهم ، فإني بحكمتي قضيت ذلك عليهم ، وعلمي بصلاح ذلك لهم ولكم . القول في تأويل قوله عز ذكره ( فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ( 39 ) ) قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : "فمن تاب" ، من هؤلاء السراق ، يقول : من رجع منهم عما يكرهه الله من معصيته إياه ، إلى ما يرضاه من طاعته "من بعد ظلمه" ، و"ظلمه" هو اعتداؤه وعمله ما نهاه الله عنه من سرقة أموال الناس "وأصلح" ، يقول : وأصلح نفسه بحملها على مكروهها في طاعة الله ، [ ص: 299 ] والتوبة إليه مما كان عليه من معصيته . وكان مجاهد - فيما ذكر لنا - يقول : توبته في هذا الموضع الحد الذي يقام عليه . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 11916 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح" ، فتاب عليه ، يقول : الحد . 11917 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا موسى بن داود قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن حيي بن عبد الله ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو قال : سرقت امرأة حليا ، فجاء الذين سرقتهم فقالوا : يا رسول الله ، سرقتنا هذه المرأة! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقطعوا يدها اليمنى . فقالت المرأة : هل من توبة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك! قال : فأنزل الله جل وعز : "فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه" . [ ص: 300 ] وقوله : "فإن الله يتوب عليه" ، يقول : فإن الله جل وعز يرجعه إلى ما يحب ويرضى ، عما يكره ويسخط من معصيته . وقوله : "إن الله غفور رحيم" يقول : إن الله عز ذكره ساتر على من تاب وأناب عن معاصيه إلى طاعته ذنوبه ، بالعفو عن عقوبته عليها يوم القيامة ، وتركه فضيحته بها على رءوس الأشهاد "رحيم" به وبعباده التائبين إليه من ذنوبهم . القول في تأويل قوله عز ذكره ( ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير ( 40 ) ) قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم يعلم هؤلاء [ يعني القائلين ] : " لن تمسنا النار إلا أياما معدودة " ، الزاعمين أنهم أبناء الله وأحباؤه أن الله مدبر ما في السماوات وما في الأرض ، ومصرفه وخالقه ، لا [ ص: 301 ] يمتنع شيء مما في واحدة منهما مما أراده ، لأن كل ذلك ملكه ، وإليه أمره ، ولا نسب بينه وبين شيء مما فيهما ولا مما في واحدة منهما ، فيحابيه بسبب قرابته منه ، فينجيه من عذابه ، وهو به كافر ، ولأمره ونهيه مخالف ، أو يدخله النار وهو له مطيع لبعد قرابته منه ، ولكنه يعذب من يشاء من خلقه في الدنيا على معصيته بالقتل والخسف والمسخ وغير ذلك من صنوف عذابه ، ويغفر لمن يشاء منهم في الدنيا بالتوبة عليه من كفره ومعصيته ، فينقذه من الهلكة ، وينجيه من العقوبة "والله على كل شيء قدير " ، يقول : والله جل وعز على تعذيب من أراد تعذيبه من خلقه على معصيته ، وغفران ما أراد غفرانه منهم باستنقاذه من الهلكة بالتوبة عليه وغير ذلك من الأمور كلها قادر ، لأن الخلق خلقه ، والملك ملكه ، والعباد عباده . وخرج قوله : " ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض " ، خطابا له صلى الله عليه وسلم ، والمعني به من ذكرت من فرق بني إسرائيل الذين كانوا بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما حواليها . وقد بينا استعمال العرب نظير ذلك في كلامها بشواهده فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . القول في تأويل قوله عز ذكره ( يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية . فقال بعضهم : نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر ، بقوله لبني قريظة حين حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم : "إنما هو الذبح ، فلا تنزلوا على حكم سعد " . [ ص: 302 ] ذكر من قال ذلك : 11918 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " ، قال : نزلت في رجل من الأنصار زعموا أنه أبو لبابة أشارت إليه بنو قريظة يوم الحصار ، ما الأمر؟ وعلام ننزل ؟ فأشار إليهم أنه الذبح . وقال آخرون : بل نزلت في رجل من اليهود سأل رجلا من المسلمين يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكمه في قتيل قتله . ذكر من قال ذلك : 11919 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا محمد بن بشر ، عن زكريا ، عن عامر : " لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر " ، قال : كان رجل من اليهود قتله رجل من أهل دينه ، فقال القاتل لحلفائهم من المسلمين : سلوا لي محمدا صلى الله عليه وسلم ، فإن بعث بالدية اختصمنا إليه ، وإن كان يأمرنا بالقتل لم نأته . 11920 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن زكريا ، عن عامر ، نحوه . [ ص: 303 ] وقال آخرون : بل نزلت في عبد الله بن صوريا ، وذلك أنه ارتد بعد إسلامه . ذكر من قال ذلك : 11921 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا : حدثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : حدثني الزهري قال : سمعت رجلا من مزينة يحدث ، عن سعيد بن المسيب : أن أبا هريرة حدثهم : أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المدراس حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وقد زنى رجل منهم بعد إحصانه بامرأة من يهود قد أحصنت ، فقالوا ، انطلقوا بهذا الرجل وبهذه المرأة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فاسألوه كيف الحكم فيهما ، وولوه الحكم عليهما ، فإن عمل فيهما بعملكم من التجبيه وهو الجلد بحبل من ليف مطلي بقار ، ثم تسود وجوههما ، ثم يحملان على حمارين ، وتحول وجوههما من قبل دبر الحمار فاتبعوه ، فإنما هو ملك . وإن هو حكم فيهما بالرجم ، فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكموه . فأتوه فقالوا : يا محمد ، هذا الرجل قد زنى بعد إحصانه بامرأة قد أحصنت ، فاحكم فيهما ، فقد وليناك الحكم فيهما . فمشى رسول الله صلى الله عليه [ ص: 304 ] وسلم حتى أتى أحبارهم إلى بيت المدراس ، فقال : " يا معشر اليهود ، أخرجوا إلي أعلمكم ! " فأخرجوا إليه عبد الله بن صوريا الأعور وقد روى بعض بني قريظة ، أنهم أخرجوا إليه يومئذ مع ابن صوريا ، أبا ياسر بن أخطب ، ووهب بن يهوذا ، فقالوا : هؤلاء علماؤنا ! فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حصل أمرهم ، إلى أن قالوا لابن صوريا : هذا أعلم من بقي بالتوراة فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان غلاما شابا من أحدثهم سنا ، فألظ به رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة ، يقول : يا ابن صوريا ، أنشدك الله وأذكرك أياديه عند بني إسرائيل ، هل تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم في التوراة؟ فقال : اللهم نعم! أما والله يا أبا القاسم إنهم ليعلمون أنك نبي مرسل ، ولكنهم يحسدونك! فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر بهما فرجما عند باب مسجده ، في بني غنم بن مالك بن النجار . ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا ، فأنزل الله جل وعز : " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " . 11922 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، ح ، وحدثنا هناد قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ح ، وحدثنا هناد قال : حدثنا عبيدة بن حميد عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن البراء بن عازب قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من علمائهم [ ص: 305 ] فقال : أهكذا تجدون حد الزاني فيكم؟ قال : نعم ! قال : فأنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى ، أهكذا تجدون حد الزنى فيكم؟ قال : لا ، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أحدثك ، ولكن الرجم ، ولكن كثر الزنا في أشرافنا ، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه ، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد ، فقلنا : " تعالوا نجتمع فنضع شيئا مكان الرجم ، فيكون على الشريف والوضيع " ، فوضعنا التحميم والجلد مكان الرجم ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا أول من أحيي أمرك إذ أماتوه ! فأمر به فرجم ، فأنزل الله : " لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر " الآية . 11923 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري قال : كنت جالسا عند سعيد بن المسيب ، وعند سعيد رجل يوقره ، فإذا هو رجل من مزينة كان أبوه شهد الحديبية ، وكان من أصحاب أبي هريرة قال : قال أبو هريرة : كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ![]()
__________________
|
|
#3
|
||||
|
||||
![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (553) صــ 306 إلى صــ 320 11924 - ح ، وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح كاتب الليث قال : حدثني الليث قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب قال : أخبرني رجل من مزينة [ ص: 306 ] ممن يتبع العلم ويعيه ، حدث عن سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة قال : بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من اليهود ، وكانوا قد تشاوروا في صاحب لهم زنى بعد ما أحصن ، فقال بعضهم لبعض : إن هذا النبي قد بعث ، وقد علمتم أن قد فرض عليكم الرجم في التوراة فكتمتموه ، واصطلحتم بينكم على عقوبة دونه ، فانطلقوا نسأل هذا النبي ، فإن أفتانا بما فرض علينا في التوراة من الرجم ، تركنا ذلك ، فقد تركنا ذلك في التوراة ، فهي أحق أن تطاع وتصدق ! فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم إنه زنى صاحب لنا قد أحصن ، فما ترى عليه من العقوبة؟ قال أبو هريرة : فلم يرجع إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام وقمنا معه ، فانطلق يؤم مدراس اليهود حتى أتاهم فوجدهم يتدارسون التوراة في بيت المدراس ، فقال لهم : يا معشر اليهود ، أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، ماذا تجدون في التوراة من العقوبة على من زنى وقد أحصن ؟ قالوا : إنا نجده يحمم ويجلد! وسكت حبرهم في جانب البيت ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صمته ، ألظ ينشده ، فقال حبرهم : اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد عليهم الرجم ! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : فماذا كان أول ما ترخصتم به أمر الله"؟ قال : زنى ابن عم ملك فلم يرجمه ، ثم زنى رجل آخر في أسرة من الناس ، فأراد ذلك الملك رجمه ، فقام دونه قومه فقالوا : والله لا ترجمه حتى ترجم فلانا ابن عم الملك! فاصطلحوا بينهم عقوبة دون الرجم وتركوا الرجم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإني أقضي بما في التوراة! فأنزل الله في ذلك : " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر " إلى قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " . [ ص: 307 ] وقال آخرون : بل عني بذلك المنافقون . ذكر من قال ذلك : 11925 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير في قوله : " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " ، قال : هم المنافقون . 11926 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " آمنا بأفواههم " قال يقول : هم المنافقون " سماعون لقوم آخرين " ، قال : هم أيضا سماعون لليهود . [ ص: 308 ] قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، أن يقال : عني بقوله : " لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " ، قوم من المنافقين . وجائز أن يكون كان ممن دخل في هذه الآية ابن صوريا ، وجائز أن يكون أبو لبابة وجائز أن يكون غيرهما ، غير أن أثبت شيء روي في ذلك ، ما ذكرناه من الرواية قبل عن أبي هريرة والبراء بن عازب ، لأن ذلك عن رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإذا كان ذلك كذلك ، كان الصحيح من القول فيه أن يقال : عني به عبد الله بن صوريا . وإذا صح ذلك ، كان تأويل الآية : يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في جحود نبوتك ، والتكذيب بأنك لي نبي ، من الذين قالوا : "صدقنا بك يا محمد أنك لله رسول مبعوث ، وعلمنا بذلك يقينا ، بوجودنا صفتك في كتابنا" . وذلك أن في حديث أبي هريرة الذي رواه ابن إسحاق عن الزهري : أن ابن صوريا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما والله يا أبا القاسم ، إنهم ليعلمون أنك نبي مرسل ، ولكنهم يحسدونك" . فذلك كان على هذا الخبر من ابن صوريا إيمانا برسول الله صلى الله عليه وسلم بفيه ، ولم يكن مصدقا لذلك بقلبه . فقال الله جل وعز لنبيهمحمد صلى الله عليه وسلم ، مطلعه على ضمير ابن صوريا وأنه لم يؤمن بقلبه ، يقول : ولم يصدق قلبه بأنك لله رسول مرسل . [ ص: 309 ] القول في تأويل قوله عز وجل ( ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك ) قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا أيها الرسول لا يحزنك تسرع من تسرع من هؤلاء المنافقين الذين يظهرون بألسنتهم تصديقك ، وهم معتقدون تكذيبك إلى الكفر بك ، ولا تسرع اليهود إلى جحود نبوتك . ثم وصف جل وعز صفتهم ، ونعتهم له بنعوتهم الذميمة وأفعالهم الرديئة ، وأخبره معزيا له على ما يناله من الحزن بتكذيبهم إياه ، مع علمهم بصدقه ، أنهم أهل استحلال الحرام والمآكل الرديئة والمطاعم الدنيئة من الرشى والسحت ، وأنهم أهل إفك وكذب على الله ، وتحريف لكتابه . ثم أعلمه أنه محل بهم خزيه في عاجل الدنيا ، وعقابه في آجل الآخرة . فقال : هم"سماعون للكذب " ، يعني هؤلاء المنافقين من اليهود ، يقول : هم يسمعون الكذب ، و"سمعهم الكذب " ، سمعهم قول أحبارهم : أن حكم الزاني المحصن في التوراة التحميم والجلد"سماعون لقوم آخرين لم يأتوك " ، يقول : يسمعون لأهل الزاني الذين أرادوا الاحتكام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم القوم الآخرون الذين لم يكونوا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا مصرين على أن يأتوه ، كما قال مجاهد : - 11927 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج ، قال مجاهد : " سماعون لقوم آخرين لم يأتوك " ، مع من أتوك . [ ص: 310 ] واختلف أهل التأويل في"السماعين للكذب السماعين لقوم آخرين" . فقال بعضهم : "سماعون لقوم آخرين " ، يهود فدك . و"القوم الآخرون " الذين لم يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يهود المدينة . ذكر من قال ذلك : 11928 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة قال ، حدثنا زكريا ومجالد ، عن الشعبي ، عن جابر في قوله : " ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين " ، قال : يهود المدينة " لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه " ، قال : يهود فدك ، يقولون ليهود المدينة : "إن أوتيتم هذا فخذوه" . وقال آخرون : المعني بذلك قوم من اليهود ، كان أهل المرأة التي بغت ، بعثوا بهم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحكم فيها . والباعثون بهم هم"القوم الآخرون " ، وهم أهل المرأة الفاجرة ، لم يكونوا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : 11929 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون " ، فإن بني إسرائيل أنزل الله عليهم : "إذا زنى منكم أحد فارجموه " ، فلم يزالوا بذلك حتى زنى رجل من خيارهم ، فلما اجتمعت بنو إسرائيل يرجمونه ، قام الخيار والأشراف فمنعوه . ثم زنى رجل من الضعفاء ، [ ص: 311 ] فاجتمعوا ليرجموه ، فاجتمعت الضعفاء فقالوا : لا ترجموه حتى تأتوا بصاحبكم فترجمونهما جميعا! فقالت بنو إسرائيل : إن هذا الأمر قد اشتد علينا ، فتعالوا فلنصلحه! فتركوا الرجم ، وجعلوا مكانه أربعين جلدة بحبل مقير ، ويحملونه على حمار ووجهه إلى ذنبه ، ويسودون وجهه ، ويطوفون به . فكانوا يفعلون ذلك حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم وقدم المدينة ، فزنت امرأة من أشراف اليهود يقال لها : " بسرة " ، فبعث أبوها ناسا من أصحابه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : سلوه عن الزنا وما نزل إليه فيه ، فإنا نخاف أن يفضحنا ويخبرنا بما صنعنا ، فإن أعطاكم الجلد فخذوه ، وإن أمركم بالرجم فاحذروه! فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه ، فقال : الرجم! فأنزل الله عز وجل : " ومن الذين هادوا سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه " ، حين حرفوا الرجم فجعلوه جلدا . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : إن"السماعين للكذب " ، هم"السماعون لقوم آخرين" . وقد يجوز أن يكون أولئك كانوا من يهود المدينة ، والمسموع لهم من يهود فدك ويجوز أن يكون كانوا من غيرهم . غير أنه أي ذلك كان ، فهو من صفة قوم من يهود ، سمعوا الكذب على الله في حكم المرأة التي كانت بغت فيهم وهي محصنة ، وأن حكمها في التوراة التحميم والجلد ، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحكم اللازم لها ، وسمعوا ما يقول فيها قوم المرأة الفاجرة قبل أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم محتكمين إليه فيها . وإنما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك [ ص: 312 ] لهم ، ليعلموا أهل المرأة الفاجرة ما يكون من جوابه لهم . فإن لم يكن من حكمه الرجم رضوا به حكما فيهم . وإن كان من حكمه الرجم ، حذروه وتركوا الرضى به وبحكمه . وبنحو الذي قلنا كان ابن زيد يقول . 11930 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين " ، قال : لقوم آخرين لم يأتوه من أهل الكتاب ، هؤلاء سماعون لأولئك القوم الآخرين الذين لم يأتوه ، يقولون لهم الكذب : " محمد كاذب ، وليس هذا في التوراة ، فلا تؤمنوا به" . [ ص: 313 ] القول في تأويل قوله عز وجل ( يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يحرف هؤلاء السماعون للكذب ، السماعون لقوم آخرين منهم لم يأتوك بعد من اليهود"الكلم " . وكان تحريفهم ذلك ، تغييرهم حكم الله تعالى ذكره الذي أنزله في التوراة في المحصنات والمحصنين من الزناة بالرجم إلى الجلد والتحميم . فقال تعالى ذكره : "يحرفون الكلم " ، يعني : هؤلاء اليهود ، والمعني حكم الكلم ، فاكتفى بذكر الخبر من "تحريف الكلم " عن ذكر"الحكم " ، لمعرفة السامعين لمعناه . وكذلك قوله : "من بعد مواضعه " ، والمعنى : من بعد وضع الله ذلك مواضعه ، فاكتفى بالخبر من ذكر"مواضعه " ، عن ذكر"وضع ذلك " ، كما قال تعالى ذكره : ( ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر ) [ سورة البقرة : 177 ] ، والمعنى : ولكن البر بر من آمن بالله واليوم الآخر . وقد يحتمل أن يكون معناه : يحرفون الكلم عن مواضعه فتكون"بعد " وضعت موضع"عن " ، كما يقال : "جئتك عن فراغي من الشغل " ، يريد : بعد فراغي من الشغل . ويعني بقوله : " إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " ، يقول هؤلاء الباغون السماعون للكذب : إن أفتاكم محمد بالجلد والتحميم في صاحبنا"فخذوه " ، يقول : فاقبلوه منه ، وإن لم يفتكم بذلك وأفتاكم بالرجم ، فاحذروا . وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 314 ] ذكر من قال ذلك : 11931 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال ، حدثني الزهري قال : سمعت رجلا من مزينة يحدث سعيد بن المسيب : أن أبا هريرة حدثهم في قصة ذكرها " ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك " ، قال : [ أي الذين بعثوا منهم من بعثوا وتخلفوا ، وأمروهم بما أمروهم به من تحريف الكلم عن مواضعه ، فقال : " يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه " ، للتجبيه " وإن لم تؤتوه فاحذروا " ، أي الرجم . 11932 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " إن أوتيتم هذا " ، إن وافقكم هذا فخذوه . يهود تقوله للمنافقين . 11933 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، " إن أوتيتم هذا فخذوه " ، إن وافقكم هذا فخذوه ، وإن لم يوافقكم فاحذروه . يهود تقوله للمنافقين . 11934 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " يحرفون الكلم من بعد مواضعه " ، حين حرفوا الرجم فجعلوه جلدا " يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " . 11935 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة قال ، حدثنا زكريا ومجالد ، عن الشعبي ، عن جابر : " يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه " ، يهود فدك ، يقولون ليهود [ ص: 315 ] المدينة : إن أوتيتم هذا الجلد فخذوه ، وإن لم تؤتوه فاحذروا الرجم . 11936 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " ، هم اليهود ، زنت منهم امرأة ، وكان الله قد حكم في التوراة في الزنا بالرجم ، فنفسوا أن يرجموها ، وقالوا : انطلقوا إلى محمد ، فعسى أن يكون عنده رخصة ، فإن كانت عنده رخصة فاقبلوها! فأتوه ، فقالوا : يا أبا القاسم ، إن امرأة منا زنت ، فما تقول فيها؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : كيف حكم الله في التوراة في الزاني؟ فقالوا : دعنا من التوراة ، ولكن ما عندك في ذلك؟ فقال : ائتوني بأعلمكم بالتوراة التي أنزلت على موسى ! فقال لهم : بالذي نجاكم من آل فرعون ، وبالذي فلق لكم البحر فأنجاكم وأغرق آل فرعون ، إلا أخبرتموني ما حكم الله في التوراة في الزاني؟! قالوا : حكمه الرجم! فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت . 11937 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " ، ذكر لنا أن هذا كان في قتيل من بني قريظة ، قتلته النضير . فكانت النضير إذا قتلت من بني قريظة لم يقيدوهم ، إنما يعطونهم الدية لفضلهم عليهم . وكانت قريظة إذا قتلت من النضير قتيلا لم يرضوا إلا بالقود لفضلهم عليهم في أنفسهم تعززا . فقدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة على تفئة قتيلهم هذا ، فأرادوا أن يرفعوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 316 ] فقال لهم رجل من المنافقين : إن قتيلكم هذا قتيل عمد ، متى ما ترفعونه إلى محمد صلى الله عليه وسلم أخشى عليكم القود ، فإن قبل منكم الدية فخذوه ، وإلا فكونوا منه على حذر! 11938 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " يحرفون الكلم من بعد مواضعه " ، يقول : يحرف هؤلاء الذين لم يأتوك الكلم عن مواضعه ، لا يضعونه على ما أنزله الله . قال : وهؤلاء كلهم يهود ، بعضهم من بعض . 11939 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو معاوية وعبيدة بن حميد ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن البراء بن عازب : " يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا " ، يقولون : ائتوا محمدا ، فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه ، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا . القول في تأويل قوله جل وعز ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا ) قال أبو جعفر : وهذا تسلية من الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من حزنه على مسارعة الذين قص قصتهم من اليهود والمنافقين في هذه الآية . يقول له تعالى ذكره : لا يحزنك تسرعهم إلى جحود نبوتك ، فإني قد حتمت عليهم أنهم [ ص: 317 ] لا يتوبون من ضلالتهم ، ولا يرجعون عن كفرهم ، للسابق من غضبي عليهم . وغير نافعهم حزنك على ما ترى من تسرعهم إلى ما جعلته سببا لهلاكهم واستحقاقهم وعيدي . ومعنى"الفتنة " في هذا الموضع : الضلالة عن قصد السبيل . يقول تعالى ذكره : ومن يرد الله ، يا محمد ، مرجعه بضلالته عن سبيل الهدى ، فلن تملك له من الله استنقاذا مما أراد الله به من الحيرة والضلالة . فلا تشعرنفسك الحزن على ما فاتك من اهتدائه للحق ، كما : - 11940 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا " . القول في تأويل قوله جل وعز ( أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ( 41 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من اليهود الذين وصفت لك صفتهم . وإن مسارعتهم إلى ذلك ، أن الله قد أراد فتنتهم ، وطبع على قلوبهم ، ولا يهتدون أبدا " أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم " ، يقول : هؤلاء الذين لم يرد الله أن يطهر من دنس [ ص: 318 ] الكفر ووسخ الشرك قلوبهم ، بطهارة الإسلام ونظافة الإيمان فيتوبوا ، بل أراد بهم الخزي في الدنيا وذلك الذل والهوان ، وفي الآخرة عذاب جهنم خالدين فيها أبدا . وبنحو الذي قلنا في معنى"الخزي " ، روي القول عن عكرمة . 11941 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، عن علي بن الأقمر وغيره ، عن عكرمة ، أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي " ، قال : مدينة في الروم تفتح فيسبون . القول في تأويل قوله ( سماعون للكذب أكالون للسحت ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : هؤلاء اليهود الذين وصفت لك ، يا محمد ، صفتهم ، سماعون لقيل الباطل والكذب ، ومن قيل بعضهم لبعض : " محمد كاذب ، ليس بنبي " ، وقيل بعضهم : "إن حكم الزاني المحصن في التوراة الجلد والتحميم " ، وغير ذلك من الأباطيل والإفك ويقبلون الرشى فيأكلونها على كذبهم على الله وفريتهم عليه ، كما : - 11942 - حدثني المثنى قال ، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال ، حدثنا أبو عقيل [ ص: 319 ] قال ، سمعت الحسن يقول في قوله : " سماعون للكذب أكالون للسحت " ، قال : تلك الحكام ، سمعوا كذبة وأكلوا رشوة . 11943 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " سماعون للكذب أكالون للسحت " ، قال : كان هذا في حكام اليهود بين أيديكم ، كانوا يسمعون الكذب ويقبلون الرشى . 11944 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " أكالون للسحت " ، قال : الرشوة في الحكم ، وهم يهود . 11945 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا سفيان بن وكيع قال ، حدثنا أبي وإسحاق الأزرق وحدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن عن سفيان ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله : " أكالون للسحت " ، قال : "السحت " ، الرشوة . 11946 - حدثنا سفيان بن وكيع وواصل بن عبد الأعلى قالا حدثنا ابن فضيل ، عن الأعمش ، عن سلمة بن كهيل ، عن سالم بن أبي الجعد قال : قيل لعبد الله : ما السحت؟ قال : الرشوة . قالوا : في الحكم؟ قال : ذاك الكفر . 11947 - حدثنا سفيان قال ، حدثنا غندر ووهب بن جرير ، عن شعبة ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : "السحت " ، الرشوة . 11948 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن حريث ، عن عامر ، عن مسروق قال : قلنا لعبد الله : ما كنا نرى"السحت " إلا الرشوة في الحكم! قال عبد الله : ذاك الكفر . 11949 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن مسروق ، عن عبد الله قال : [ ص: 320 ] "السحت " ، الرشى؟ قال : نعم . 11950 - حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن عمار الدهني ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن مسروق قال : سألت عبد الله عن"السحت " ، فقال : الرجل يطلب الحاجة للرجل فيقضيها ، فيهدي إليه فيقبلها . 11951 - حدثنا سوار قال ، حدثنا بشر بن المفضل قال ، حدثنا شعبة ، عن منصور وسليمان الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن مسروق ، عن عبد الله أنه قال : "السحت " ، الرشى . 11952 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا المحاربي ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله : "السحت " ، قال : الرشوة في الدين . 11953 - حدثني أبو السائب قال ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن خيثمة قال ، قال عمر : [ ما كان ] من"السحت " ، الرشى ومهر الزانية . 11954 - حدثني سفيان قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : "السحت " ، الرشوة . 11955 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : "أكالون للسحت " ، قال : الرشى . ![]()
__________________
|
|
#4
|
||||
|
||||
![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (554) صــ 321 إلى صــ 335 11956 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثني أبي عن طلحة ، عن أبي هريرة قال : مهر البغي سحت ، وعسب الفحل سحت ، وكسب الحجام سحت ، وثمن الكلب سحت . [ ص: 321 ] 11957 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : "السحت " ، الرشوة في الحكم . 11958 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو غسان قال ، حدثنا إسرائيل ، عن حكيم بن جبير ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن مسروق قال : سألت ابن مسعود عن"السحت " ، قال : الرشى . فقلت : في الحكم؟ قال : ذاك الكفر . 11959 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل ، قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "أكالون للسحت " ، يقول : للرشى . 11960 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سلمة بن كهيل ، عن مسروق ، وعلقمة : أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة ، فقال : هي السحت . قالا في الحكم؟ قال : ذاك الكفر! ثم تلا هذه الآية : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) [ سورة المائدة : 44 ] . 11961 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن المسعودي ، عن بكير بن أبي بكير ، عن مسلم بن صبيح قال : شفع مسروق لرجل في حاجة ، فأهدى له جارية ، فغضب غضبا شديدا وقال : لو علمت أنك تفعل هذا ما كلمت في حاجتك ، ولا أكلم فيما بقي من حاجتك ، سمعت ابن مسعود يقول : "من شفع شفاعة ليرد بها حقا ، أو يرفع بها ظلما ، فأهدي له [ ص: 322 ] فقبل ، فهو سحت " ، فقيل له : يا أبا عبد الرحمن ، ما كنا نرى ذلك إلا الأخذ على الحكم! قال : الأخذ على الحكم كفر . 11962 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " سماعون للكذب أكالون للسحت " ، وذلك أنهم أخذوا الرشوة في الحكم ، وقضوا بالكذب . 11963 - حدثنا هناد قال ، حدثنا عبيدة ، عن عمار ، عن مسلم بن صبيح ، عن مسروق قال : سألت ابن مسعود عن"السحت " ، أهو الرشى في الحكم؟ فقال : لا ، من لم يحكم بما أنزل الله فهو فاسق . ولكن " السحت " ، يستعينك الرجل على المظلمة فتعينه عليها ، فيهدي لك الهدية فتقبلها . 11964 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبد الله بن هبيرة السبائي قال : من السحت ثلاثة : مهر البغي ، والرشوة في الحكم ، وما كان يعطى الكهان في الجاهلية . 11965 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن مطيع ، عن حماد بن سلمة ، عن عطاء الخراساني ، عن ضمرة ، عن علي بن أبي طالب : أنه قال في كسب الحجام ، [ ص: 323 ] ومهر البغي ، وثمن الكلب ، والاستجعال في القضية ، وحلوان الكاهن ، وعسب الفحل ، والرشوة في الحكم ، وثمن الخمر ، وثمن الميتة : من السحت . 11966 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " أكالون للسحت " ، قال : الرشوة في الحكم . 11967 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الموال ، عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به . قيل : يا رسول الله ، وما السحت؟ قال : الرشوة في الحكم . 11968 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني عبد الجبار بن عمر ، عن الحكم بن عبد الله قال : قال لي أنس بن مالك : إذا انقلبت إلى أبيك فقل له : إياك والرشوة ، فإنها سحت ، وكان أبوه على شرط المدينة . 11969 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن سالم ، [ ص: 324 ] عن مسروق ، عن عبد الله قال : الرشوة سحت . قال مسروق : فقلنا لعبد الله : أفي الحكم؟ قال : لا ثم قرأ : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) [ سورة المائدة : 44 ] ، ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) [ سورة المائدة : 45 ] ، ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) [ سورة المائدة : 47 ] . وأصل"السحت" : كلب الجوع ، يقال منه : "فلان مسحوت المعدة " ، إذا كان أكولا لا يلفى أبدا إلا جائعا ، وإنما قيل للرشوة : "السحت " ، تشبيها بذلك ، كأن بالمسترشي من الشره إلى أخذ ما يعطاه من ذلك ، مثل الذي بالمسحوت المعدة من الشره إلى الطعام . يقال منه : " وسحته وأسحته " ، لغتان محكيتان عن العرب ، ومنه قول الفرزدق بن غالب : وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلف يعني ب "المسحت " ، الذي قد استأصله هلاكا بأكله إياه وإفساده ، ومنه قوله تعالى : ( فيسحتكم بعذاب ) [ سورة طه : 61 ] . وتقول العرب للحالق : "اسحت الشعر " ، أي : استأصله . [ ص: 325 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ( 42 ) ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " ، إن جاء هؤلاء القوم الآخرون الذين لم يأتوك بعد وهم قوم المرأة البغية محتكمين إليك ، فاحكم بينهم إن شئت بالحق الذي جعله الله حكما له فيمن فعل فعل المرأة البغية منهم ، أو أعرض عنهم فدع الحكم بينهم إن شئت ، والخيار إليك في ذلك . وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 11970 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "أو أعرض عنهم " ، يهود ، زنى رجل منهم له نسب حقير فرجموه ، ثم زنى منهم شريف فحمموه ، ثم طافوا به ، ثم استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليوافقهم . قال : فأفتاهم فيه بالرجم ، فأنكروه ، فأمرهم أن يدعوا أحبارهم ورهبانهم ، فناشدهم بالله : أتجدونه في التوراة؟ فكتموه ، إلا رجلا من أصغرهم أعور ، فقال : كذبوك يا رسول الله ، إنه لفي التوراة! 11971 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني الليث ، عن ابن شهاب : أن الآية التي في"سورة المائدة " ، " فإن جاءوك فاحكم بينهم " ، كانت في شأن الرجم . 11972 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : إنهم أتوه يعني اليهود [ ص: 326 ] في امرأة منهم زنت ، يسألونه عن عقوبتها ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة؟ فقالوا : نؤمر برجم الزانية! فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت ، وقد قال الله تبارك وتعالى : " وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين " . 11973 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير قوله : " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " ، قال : كانوا يحدون في الزنا ، إلى أن زنى شاب منهم ذو شرف ، فقال بعضهم لبعض : لا يدعكم قومه ترجمونه ، ولكن اجلدوه ومثلوا به! فجلدوه وحملوه على حمار إكاف ، وجعلوا وجهه مستقبل ذنب الحمار إلى أن زنى آخر وضيع ليس له شرف ، فقالوا : ارجموه! ثم قالوا : فكيف لم ترجموا الذي قبله؟ ولكن مثل ما صنعتم به فاصنعوا بهذا! فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا : سلوه ، لعلكم تجدون عنده رخصة! فنزلت : " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " إلى قوله : "إن الله يحب المقسطين" . وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في قتيل قتل في يهود منهم ، قتله بعضهم . ذكر من قال ذلك : 11974 - حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق قال ، حدثني داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن الآيات في"المائدة " ، قوله : " فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " ، إلى قوله : "المقسطين " ، إنما نزلت في الدية في بني النضير وبني قريظة ، وذلك أن قتلى بني النضير ، وكان لهم شرف ، تؤدي الدية كاملة ، وإن قريظة كانوا يؤدون [ ص: 327 ] نصف الدية ، فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله ذلك فيهم ، فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك ، فجعل الدية في ذاك سواء والله أعلم أي ذلك كان . 11975 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن علي بن صالح ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كانت قريظة والنضير ، وكان النضير أشرف من قريظة ، فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النضير ، قتل به . وإذا قتل رجل من النضير رجلا من قريظة ، أدى مائة وسق تمر . فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قتل رجل من النضير رجلا من قريظة فقالوا : ادفعوه إلينا! فقالوا : بيننا وبينكم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فنزلت " وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط " . 11976 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : كان في حكم حيي بن أخطب : للنضيري ديتان ، والقرظي دية لأنه كان من النضير . قال : وأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بما في التوراة ، قال : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ) [ سورة المائدة : 45 ] ، إلى آخر الآية . قال : فلما رأت ذلك قريظة ، لم يرضوا بحكم ابن أخطب ، فقالوا : نتحاكم [ ص: 328 ] إلى محمد ! فقال الله تبارك وتعالى : " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " ، فخيره " وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله " ، الآية كلها . وكان الشريف إذا زنى بالدنيئة رجموها هي ، وحمموا وجه الشريف ، وحملوه على البعير ، وجعلوا وجهه من قبل ذنب البعير . وإذا زنى الدنيء بالشريفة رجموه ، وفعلوا بها هي ذلك . فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرجمها . قال : وكان النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم : من أعلمكم بالتوراة؟ قالوا : فلان الأعور! فأرسل إليه فأتاه ، فقال : أنت أعلمهم بالتوراة؟ قال : كذاك تزعم يهود! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أنشدك بالله وبالتوراة التي أنزلها على موسى يوم طور سيناء ، ما تجد في التوراة في الزانيين؟ فقال : يا أبا القاسم ، يرجمون الدنيئة ، ويحملون الشريف على بعير ، ويحممون وجهه ، ويجعلون وجهه من قبل ذنب البعير ، ويرجمون الدنيء إذا زنى بالشريفة ، ويفعلون بها هي ذلك . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "أنشدك بالله وبالتوراة التي أنزلها على موسى يوم طور سيناء ، ما تجد في التوراة؟ فجعل يروغ ، والنبي صلى الله عليه وسلم ينشده بالله وبالتوراة التي أنزلها على موسى يوم طور سيناء ، حتى قال : يا أبا القاسم ، "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهو ذاك ، اذهبوا بهما فارجموهما . قال عبد الله : فكنت فيمن رجمهما فما زال يجنأ عليها ، ويقيها الحجارة بنفسه حتى مات . [ ص: 329 ] ثم اختلف أهل التأويل في حكم هذه الآية ، هل هو ثابت اليوم؟ وهل للحكام من الخيار في الحكم والنظر بين أهل الذمة والعهد إذا احتكموا إليهم ، مثل الذي جعل لنبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية ، أم ذلك منسوخ؟ فقال بعضهم : ذلك ثابت اليوم ، لم ينسخه شيء ، وللحكام من الخيار في كل دهر بهذه الآية ، مثل ما جعله الله لرسوله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : 11977 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن مغيرة ، عن إبراهيم والشعبي : إن رفع إليك أحد من المشركين في قضاء ، فإن شئت فاحكم بينهم بما أنزل الله ، وإن شئت أعرضت عنهم . 11978 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي وإبراهيم قالا : إذا أتاك المشركون فحكموك ، فاحكم بينهم أو أعرض عنهم . وإن حكمت فاحكم بحكم المسلمين ، ولا تعده إلى غيره . 11979 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، وحدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم والشعبي : " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " ، قال : إن شاء حكم ، وإن شاء لم يحكم . 11980 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : إن شاء حكم ، وإن شاء لم يحكم . 11981 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن محمد بن سالم ، عن الشعبي قال : إذا أتاك أهل الكتاب بينهم أمر ، فاحكم بينهم بحكم المسلمين ، أو خل عنهم وأهل دينهم يحكمون فيهم ، إلا في سرقة أو قتل . 11982 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرزاق عن ابن [ ص: 330 ] جريج قال ، قال لي عطاء ، نحن مخيرون ، إن شئنا حكمنا بين أهل الكتاب ، وإن شئنا أعرضنا فلم نحكم بينهم . وإن حكمنا بينهم حكمنا بحكمنا بيننا ، أو نتركهم وحكمهم بينهم ، قال ابن جريج : وقال مثل ذلك عمرو بن شعيب . وذلك قوله : " فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " . 11983 - حدثنا يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا مغيرة وحدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن مغيرة عن إبراهيم والشعبي في قوله : " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " ، قالا إذا جاءوا إلى حاكم المسلمين ، فإن شاء حكم بينهم ، وإن شاء أعرض عنهم . وإن حكم بينهم حكم بينهم بما في كتاب الله . 11984 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " فإن جاءوك فاحكم بينهم " ، يقول : إن جاءوك فاحكم بينهم بما أنزل الله ، أو أعرض عنهم . فجعل الله له في ذلك رخصة ، إن شاء حكم بينهم ، وإن شاء أعرض عنهم . 11985 - حدثنا هناد قال ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم والشعبي قالا : إذا أتاك المشركون فحكموك فيما بينهم ، فاحكم بينهم بحكم المسلمين ولا تعده إلى غيره ، أو أعرض عنهم وخلهم وأهل دينهم . وقال آخرون : بل التخيير منسوخ ، وعلى الحاكم إذا احتكم إليه أهل الذمة أن يحكم بينهم بالحق ، وليس له ترك النظر بينهم . ذكر من قال ذلك : 11986 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة والحسن البصري " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " ، نسخت بقوله : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) . [ سورة المائدة : 49 ] . [ ص: 331 ] 11987 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن السدي قال : سمعت عكرمة يقول : نسختها ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) . 11988 - حدثنا ابن وكيع ومحمد بن بشار قالا : حدثنا ابن مهدي ، عن سفيان ، عن السدي قال : سمعت عكرمة يقول : نسختها : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) . 11989 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مجاهد : لم ينسخ من " المائدة " إلا هاتان الآيتان : " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " ، نسختها : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ) [ سورة المائدة : 49 ] ، وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ) [ سورة المائدة : 2 ] ، نسختها : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [ سورة التوبة : 5 ] . 11990 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن منصور ، عن الحكم ، عن مجاهد قال : نسختها : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) . 11991 - حدثني المثنى قال ، حدثنا حجاج بن منهال قال ، حدثنا همام ، عن قتادة قوله : " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " ، يعني اليهود ، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم ، ورخص له أن يعرض عنهم إن شاء ، ثم أنزل الله تعالى ذكره الآية التي بعدها : ( وأنزلنا إليك الكتاب ) إلى قوله : ( فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ) [ سورة المائدة : 48 ] . فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما أنزل الله بعد ما رخص له ، إن شاء أن يعرض عنهم . [ ص: 332 ] 11992 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن عبد الكريم الجزري : أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن عدي : "إذا جاءك أهل الكتاب فاحكم بينهم" . 11993 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن السدي ، عن عكرمة قال : نسخت بقوله : ( فاحكم بينهم بما أنزل الله ) [ سورة المائدة : 48 ] . 11994 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن الزهري قوله : " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " ، قال : مضت السنة أن يردوا في حقوقهم ومواريثهم إلى أهل دينهم ، إلا أن يأتوا راغبين في حد ، يحكم بينهم فيه بكتاب الله . 11995 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما نزلت : " فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " ، كان النبي صلى الله عليه وسلم إن شاء حكم بينهم ، وإن شاء أعرض عنهم ، ثم نسخها فقال : ( فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ) ، وكان مجبورا على أن يحكم بينهم . 11996 - حدثنا محمد بن عمار قال ، حدثنا سعيد بن سليمان قال ، حدثنا عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مجاهد قال : آيتان نسختا من هذه السورة ، يعني"المائدة " ، آية القلائد ، وقوله : " فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم مخيرا ، إن شاء حكم ، وإن شاء أعرض عنهم ، فردهم إلى احتكامهم ، أن يحكم بينهم بما في كتابنا . [ ص: 333 ] قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : إن حكم هذه الآية ثابت لم ينسخ ، وأن للحكام من الخيار في الحكم بين أهل العهد إذا ارتفعوا إليهم فاحتكموا ، وترك الحكم بينهم والنظر ، مثل الذي جعله الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك في هذه الآية . وإنما قلنا ذلك أولاهما بالصواب ، لأن القائلين إن حكم هذه الآية منسوخ ، زعموا أنه نسخ بقوله : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) [ سورة المائدة : 49 ] وقد دللنا في كتابنا : "كتاب البيان عن أصول الأحكام" : أن النسخ لا يكون نسخا ، إلا ما كان نفيا لحكم غيره بكل معانيه ، حتى لا يجوز اجتماع الحكم بالأمرين جميعا على صحته بوجه من الوجوه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وإذ كان ذلك كذلك وكان غير مستحيل في الكلام أن يقال : " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " ، ومعناه : وأن احكم بينهم بما أنزل الله إذا حكمت بينهم ، باختيارك الحكم بينهم ، إذا اخترت ذلك ، ولم تختر الإعراض عنهم ، إذ كان قد تقدم إعلام المقول له ذلك من قائله : إن له الخيار في الحكم وترك الحكم كان معلوما بذلك أن لا دلالة في قوله : " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " ، أنه ناسخ قوله : " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط " ، لما وصفنا من احتمال ذلك ما بينا ، بل هو [ ص: 334 ] دليل على مثل الذي دل عليه قوله : " وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط " . وإذ لم يكن في ظاهر التنزيل دليل على نسخ إحدى الآيتين الأخرى ، ولا نفي أحد الأمرين حكم الآخر ولم يكن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يصح بأن أحدهما ناسخ صاحبه ولا من المسلمين على ذلك إجماع صح ما قلنا من أن كلا الأمرين يؤيد أحدهما صاحبه ، ويوافق حكمه حكمه ، ولا نسخ في أحدهما للآخر . وأما قوله : " وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا " ، فإن معناه : وإن تعرض يا محمد ، عن المحتكمين إليك من أهل الكتاب ، فتدع النظر بينهم فيما احتكموا فيه إليك ، فلا تحكم فيه بينهم "فلن يضروك شيئا " ، يقول : فلن يقدروا لك على ضر في دين ولا دنيا ، فدع النظر بينهم إذا اخترت ترك النظر بينهم . وأما قوله : " وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط " ، فإن معناه : وإن اخترت الحكم والنظر ، يا محمد ، بين أهل العهد إذا أتوك " فاحكم بينهم بالقسط " ، وهو العدل ، وذلك هو الحكم بما جعله الله حكما في مثله على جميع خلقه من أمة نبينا صلى الله عليه وسلم . وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 11997 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا مغيرة ، [ ص: 335 ] عن إبراهيم والشعبي : " وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط " ، قالا : إن حكم بينهم ، حكم بما في كتاب الله . 11998 - حدثنا سفيان قال ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن العوام بن حوشب ، عن إبراهيم : " وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط " ، قال : أمر أن يحكم فيهم بالرجم . 11999 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن العوام ، عن إبراهيم التيمي في قوله : " وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط " ، قال : بالرجم . 21000 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "بالقسط " بالعدل . 12001 - حدثنا هناد قال ، حدثنا هشيم ، عن العوام بن حوشب ، عن إبراهيم التيمي في قوله : " فاحكم بينهم بالقسط " ، قال : أمر أن يحكم بينهم بالرجم . وأما قوله : " إن الله يحب المقسطين " ، فمعناه : إن الله يحب العادلين في حكمهم بين الناس ، القاضين بينهم بحكم الله الذي أنزله في كتابه وأمره أنبياءه صلوات الله عليهم . يقال منه : "أقسط الحاكم في حكمه " ، إذا عدل وقضى بالحق ، "يقسط [ ص: 336 ] إقساطا " وأما"قسط " ، فمعناه : الجور ، ومنه قول الله تعالى ذكره : ( وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) [ سورة الجن : 15 ] ، يعني بذلك : الجائرين عن الحق . ![]()
__________________
|
|
#5
|
||||
|
||||
![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (555) صــ 336 إلى صــ 355 القول في تأويل قوله ( وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين ( 43 ) ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : وكيف يحكمك هؤلاء اليهود ، يا محمد ، بينهم ، فيرضون بك حكما بينهم"وعندهم التوراة " التي أنزلتها على موسى ، التي يقرون بها أنها حق ، وأنها كتابي الذي أنزلته إلى نبيي ، وأن ما فيه من حكم فمن حكمي ، يعلمون ذلك لا يتناكرونه ، ولا يتدافعونه ، ويعلمون أن حكمي فيها على الزاني المحصن الرجم ، وهم مع علمهم بذلك"يتولون " ، يقول : يتركون الحكم به ، بعد العلم بحكمي فيه ، جراءة علي وعصيانا لي . وهذا ، وإن كان من الله تعالى ذكره خطابا لنبيه صلى الله عليه وسلم ، فإنه تقريع منه لليهود الذين نزلت فيهم هذه الآية . يقول لهم تعالى ذكره : كيف تقرون ، أيها اليهود ، بحكم نبيي محمد صلى الله عليه وسلم ، مع جحودكم نبوته وتكذيبكم إياه ، وأنتم تتركون حكمي الذي تقرون به أنه حق عليكم واجب ، جاءكم به موسى من عند الله؟ يقول : فإذ كنتم تتركون حكمي الذي جاءكم به موسى الذي تقرون [ ص: 337 ] بنبوته في كتابي ، فأنتم بترك حكمي الذي يخبركم به نبيي محمد أنه حكمي - أحرى ، مع جحودكم نبوته . ثم قال تعالى ذكره مخبرا عن حال هؤلاء اليهود الذين وصف صفتهم في هذه الآية عنده ، وحال نظرائهم من الجائرين عن حكمه ، الزائلين عن محجة الحق"وما أولئك بالمؤمنين " ، يقول : ليس من فعل هذا الفعل - أي : من تولى عن حكم الله الذي حكم به في كتابه الذي أنزله على نبيه في خلقه بالذي صدق الله ورسوله فأقر بتوحيده ونبوة نبيه صلى الله عليه وسلم ، لأن ذلك ليس من فعل أهل الإيمان . وأصل " التولي عن الشيء " ، الانصراف عنه ، كما : - 12002 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير : " ثم يتولون من بعد ذلك " ، قال : "توليهم " ، ما تركوا من كتاب الله . 12003 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله " ، يعني : حدود الله ، فأخبر الله بحكمه في التوراة . 12004 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وعندهم التوراة فيها حكم الله " ، أي : بيان الله ما تشاجروا فيه من شأن قتيلهم " ثم يتولون من بعد ذلك " ، الآية . 12005 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال ، قال يعني الرب تعالى ذكره يعيرهم : " وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله " ، يقول : الرجم . [ ص: 338 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : إنا أنزلنا التوراة فيها بيان ما سألك هؤلاء اليهود عنه من حكم الزانيين المحصنين "ونور " ، يقول : فيها جلاء ما أظلم عليهم ، وضياء ما التبس من الحكم "يحكم " بها النبيون الذين أسلموا " ، يقول : يحكم بحكم التوراة في ذلك ، أي : فيما احتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه من أمر الزانيين"النبيون الذين أسلموا " ، وهم الذين أذعنوا لحكم الله وأقروا به . وإنما عنى الله تعالى ذكره بذلك نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم ، في حكمه على الزانيين المحصنين من اليهود بالرجم ، وفي تسويته بين دم قتلى النضير وقريظة في القصاص والدية ، ومن قبل محمد من الأنبياء يحكم بما فيها من حكم الله ، كما : - 12006 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا " ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم . 12007 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لما أنزلت هذه الآية : نحن نحكم على اليهود وعلى من سواهم من أهل الأديان . 12008 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، قال ، حدثنا رجل من مزينة ونحن عند سعيد بن المسيب ، [ ص: 339 ] عن أبي هريرة قال : زنى رجل من اليهود وامرأة ، فقال بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى هذا النبي ، فإنه نبي بعث بتخفيف ، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله وقلنا : "فتيا نبي من أنبيائك"!! قال : فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه ، فقالوا : يا أبا القاسم ، ما تقول في رجل وامرأة منهم زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة ، حتى أتى بيت مدراسهم ، فقام على الباب فقال : أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ، ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا : يحمم ويجبه ويجلد " والتجبيه " ، أن يحمل الزانيان على حمار ، تقابل أقفيتهما ، ويطاف بهما وسكت شاب [ منهم ] ، فلما رآه سكت ، ألظ به النشدة ، فقال : اللهم إذ نشدتنا ، فإنا نجد في التوراة الرجم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فما أول ما ارتخصتم أمر الله؟ قال : زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا ، فأخر عنه الرجم . ثم زنى رجل [ ص: 340 ] في أسوة من الناس ، فأراد رجمه ، فحال قومه دونه وقالوا : لا ترجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه! فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : فإني أحكم بما في التوراة! فأمر بهما فرجما قال الزهري : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم : "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا " ، فكان النبي منهم . 12009 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة قوله : " يحكم بها النبيون الذين أسلموا " ، النبي صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الأنبياء ، يحكمون بما فيها من الحق . [ ص: 341 ] 12010 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن في قوله : " يحكم بها النبيون الذين أسلموا " ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم"للذين هادوا " ، يعني اليهود ، فاحكم بينهم ولا تخشهم . القول في تأويل قوله عز ذكره ( والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ويحكم بالتوراة وأحكامها التي أنزل الله فيها في كل زمان - على ما أمر بالحكم به فيها - مع النبيين الذين أسلموا"الربانيون والأحبار" . و"الربانيون " جمع " رباني " ، وهم العلماء الحكماء البصراء بسياسة الناس ، وتدبير أمورهم ، والقيام بمصالحهم و"الأحبار " ، هم العلماء . وقد بينا معنى"الربانيين " فيما مضى بشواهده ، وأقوال أهل التأويل فيه . وأما " الأحبار " ، فإنهم جمع " حبر " ، وهو العالم المحكم للشيء ، ومنه قيل لكعب : " كعب الأحبار " . وكان الفراء يقول : أكثر ما سمعت العرب تقول في واحد"الأحبار " ، " حبر " بكسر " الحاء " . [ ص: 342 ] وكان بعض أهل التأويل يقول : عني ب"الربانيين والأحبار " في هذا الموضع : ابنا صوريا اللذان أقرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم الله تعالى ذكره في التوراة على الزانيين المحصنين . ذكر من قال ذلك : 12011 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : كان رجلان من اليهود أخوان ، يقال لهما ابنا صوريا ، وقد اتبعا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسلما ، وأعطياه عهدا أن لا يسألهما عن شيء في التوراة إلا أخبراه به . وكان أحدهما ربيا ، والآخر حبرا . وإنما اتبعا النبي صلى الله عليه وسلم يتعلمان منه . فدعاهما ، فسألهما ، فأخبراه الأمر كيف كان حين زنى الشريف وزنى المسكين ، وكيف غيروه ، فأنزل الله : " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا " ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم " والربانيون والأحبار " ، هما ابنا صوريا ، للذين هادوا . ثم ذكر ابني صوريا فقال : " والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء " . قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أن التوراة يحكم بها مسلمو الأنبياء لليهود ، والربانيون من خلقه والأحبار . وقد يجوز أن يكون عني بذلك ابنا صوريا وغيرهما ، غير أنه قد دخل في ظاهر التنزيل مسلمو الأنبياء وكل رباني وحبر . ولا دلالة في ظاهر التنزيل على أنه معني به خاص من الربانيين والأحبار ، ولا قامت بذلك حجة يجب التسليم لها . فكل رباني وحبر داخل في الآية بظاهر التنزيل . وبمثل الذي قلنا في تأويل " الأحبار " ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : [ ص: 343 ] 12012 - حدثنا سفيان بن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سلمة ، عن الضحاك : "الربانيون " و " الأحبار " ، قراؤهم وفقهاؤهم . 12013 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حفص ، عن أشعث ، عن الحسن : " الربانيون والأحبار " ، الفقهاء والعلماء . 12014 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "الربانيون " ، العلماء الفقهاء ، وهم فوق"الأحبار" . 12015 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "الربانيون " ، فقهاء اليهود "والأحبار " ، علماؤهم . 12016 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا سنيد بن داود قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : " والربانيون والأحبار " ، كلهم يحكم بما فيها من الحق . 12017 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد "الربانيون " ، الولاة ، "والأحبار " ، العلماء . وأما قوله : "بما استحفظوا من كتاب الله " ، فإن معناه : يحكم النبيون الذين أسلموا بحكم التوراة ، والربانيون والأحبار يعني العلماء بما استودعوا علمه من كتاب الله الذي هو التوراة . و"الباء " في قوله : "بما استحفظوا " ، من صلة " الأحبار " . وأما قوله : "وكانوا عليه شهداء " ، فإنه يعني : أن الربانيين والأحبار بما استودعوا من كتاب الله ، يحكمون بالتوراة مع النبيين الذين أسلموا للذين هادوا ، وكانوا على حكم النبيين الذين أسلموا للذين هادوا شهداء أنهم قضوا عليهم بكتاب الله الذي أنزله على نبيه موسى وقضائه عليهم ، كما : - [ ص: 344 ] 12018 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "وكانوا عليه شهداء " ، يعني الربانيين والأحبار ، هم الشهداء لمحمد صلى الله عليه وسلم بما قال ، أنه حق جاء من عند الله ، فهو نبي الله محمد ، أتته اليهود . فقضى بينهم بالحق . القول في تأويل قوله عز ذكره ( فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لعلماء اليهود وأحبارهم : لا تخشوا الناس في تنفيذ حكمي الذي حكمت به على عبادي ، وإمضائه عليهم على ما أمرت ، فإنهم لا يقدرون لكم على ضر ولا نفع إلا بإذني ، ولا تكتموا الرجم الذي جعلته حكما في التوراة على الزانيين المحصنين ، ولكن اخشوني دون كل أحد من خلقي ، فإن النفع والضر بيدي ، وخافوا عقابي في كتمانكم ما استحفظتم من كتابي . كما : - 12019 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " فلا تخشوا الناس واخشون " ، يقول : لا تخشوا الناس فتكتموا ما أنزلت . وأما قوله : " ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا " يقول : ولا تأخذوا بترك الحكم بآيات كتابي الذي أنزلته على موسى أيها الأحبار عوضا خسيسا وذلك هو " الثمن القليل " . [ ص: 345 ] وإنما أراد تعالى ذكره ، نهيهم عن أكل السحت على تحريفهم كتاب الله ، وتغييرهم حكمه عما حكم به في الزانيين المحصنين ، وغير ذلك من الأحكام التي بدلوها طلبا منهم للرشى ، كما : - 12020 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا " ، قال : لا تأكلوا السحت على كتابي ، وقال مرة أخرى ، قال قال ابن زيد في قوله : "ولا تشتروا بآياتي ثمنا " قال : لا تأخذوا به رشوة . 12021 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا " ، ولا تأخذوا طمعا قليلا على أن تكتموا ما أنزلت . القول في تأويل قوله عز ذكره ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( 44 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ومن كتم حكم الله الذي أنزله في كتابه وجعله حكما بين عباده ، فأخفاه وحكم بغيره ، كحكم اليهود في الزانيين المحصنين بالتجبيه والتحميم ، وكتمانهم الرجم ، وكقضائهم في بعض قتلاهم بدية كاملة وفي بعض بنصف الدية ، وفي الأشراف بالقصاص ، وفي الأدنياء بالدية ، وقد سوى الله بين جميعهم في الحكم عليهم في التوراة "فأولئك هم الكافرون " ، يقول : [ ص: 346 ] هؤلاء الذين لم يحكموا بما أنزل الله في كتابه ، ولكن بدلوا وغيروا حكمه ، وكتموا الحق الذي أنزله في كتابه "هم الكافرون " ، يقول : هم الذين ستروا الحق الذي كان عليهم كشفه وتبيينه ، وغطوه عن الناس ، وأظهروا لهم غيره ، وقضوا به ، لسحت أخذوه منهم عليه . وقد اختلف أهل التأويل في تأويل " الكفر " في هذا الموضع . فقال بعضهم بنحو ما قلنا في ذلك ، من أنه عنى به اليهود الذين حرفوا كتاب الله وبدلوا حكمه . ذكر من قال ذلك : 12022 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن البراء بن عازب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) [ سورة المائدة : 45 ] ، ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) [ سورة المائدة : 47 ] ، في الكافرين كلها . 12023 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا محمد بن القاسم قال ، حدثنا أبو حيان ، عن أبي صالح قال : الثلاث الآيات التي في"المائدة " ، " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ( فأولئك هم الظالمون ) ، ( فأولئك هم الفاسقون ) ، ليس في أهل الإسلام منها شيء ، هي في الكفار . [ ص: 347 ] 12024 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبي حيان ، عن الضحاك : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، و"الظالمون " و"الفاسقون " ، قال : نزلت هؤلاء الآيات في أهل الكتاب . 12025 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان قال ، سمعت عمران بن حدير قال ، أتى أبا مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس ، فقالوا : يا أبا مجلز ، أرأيت قول الله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، أحق هو؟ قال : نعم ! قالوا : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) ، أحق هو ؟ قال : نعم ! قالوا : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) ، أحق هو؟ قال : نعم! قال فقالوا : يا أبا مجلز ، فيحكم هؤلاء بما أنزل الله ؟ قال : هو دينهم الذي يدينون به ، وبه يقولون ، وإليه يدعون ، فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنبا ! فقالوا : لا والله ، ولكنك تفرق ! قال : أنتم أولى بهذا مني! لا أرى ، وإنكم أنتم ترون هذا ولا تحرجون ، ولكنها أنزلت في اليهود والنصارى وأهل الشرك أو نحوا من هذا . 12026 - حدثني المثنى قال ، حدثنا حجاج قال ، حدثنا حماد ، عن عمران بن حدير قال : قعد إلى أبي مجلز نفر من الإباضية ، قال فقالوا له : يقول الله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، "فأولئك هم الظالمون " ، "فأولئك هم الفاسقون"! قال أبو مجلز : إنهم يعملون بما يعلمون يعني الأمراء ويعلمون أنه ذنب! قال : وإنما أنزلت هذه الآية في اليهود ! والنصارى قالوا : [ ص: 348 ] أما والله إنك لتعلم مثل ما نعلم ، ولكنك تخشاهم! قال : أنتم أحق بذلك منا! أما نحن فلا نعرف ما تعرفون! [ قالوا ] : ولكنكم تعرفونه ، ولكن يمنعكم أن تمضوا أمركم من خشيتهم! [ ص: 349 ] 12027 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البختري ، عن حذيفة في قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال : نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل ، إن كانت لكم كل حلوة ، ولهم كل مرة!! ولتسلكن طريقهم قدى الشراك . [ ص: 350 ] 12028 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبي حيان ، عن الضحاك : "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، و"الظالمون " و"الفاسقون " ، قال : نزلت هؤلاء الآيات في أهل الكتاب . 12029 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البختري قال : قيل لحذيفة : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، ثم ذكر نحو حديث ابن بشار ، عن عبد الرحمن . 12030 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البختري قال : سأل رجل حذيفة عن هؤلاء الآيات : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، "فأولئك هم الظالمون" " فأولئك هم الفاسقون " ، قال فقيل : ذلك في بني إسرائيل؟ قال : نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل ، إن كانت لهم كل مرة ، ولكم كل حلوة ! كلا والله ، لتسلكن طريقهم قدى الشراك . [ ص: 351 ] 12031 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن رجل ، عن عكرمة قال : هؤلاء الآيات في أهل الكتاب . 12032 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، ذكر لنا أن هؤلاء الآيات أنزلت في قتيل اليهود الذي كان منهم . 12033 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، و"الظالمون " ، و"الفاسقون " ، لأهل الكتاب كلهم ، لما تركوا من كتاب الله . 12034 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن البراء بن عازب قال : مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود ، فدعاهم فقال : هكذا تجدون حد من زنى؟ قالوا : نعم ! فدعا رجلا من علمائهم فقال : أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى ، هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال : لا ، ولولا أنك أنشدتني بهذا لم أخبرك ، نجد حده في كتابنا الرجم ، ولكنه كثر في أشرافنا ، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه ، وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحد ، فقلنا : تعالوا فلنجتمع جميعا على التحميم والجلد مكان الرجم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم إني أول من أحيى أمرك إذ أماتوه! فأمر به فرجم ، فأنزل الله : " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر " إلى قوله : "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، يعني اليهود : " فأولئك هم الظالمون " ، يعني اليهود : " فأولئك هم الفاسقون " ، للكفار كلها . [ ص: 352 ] 12035 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال : من حكم بكتابه الذي كتب بيده ، وترك كتاب الله ، وزعم أن كتابه هذا من عند الله ، فقد كفر . 12036 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة ، عن البراء بن عازب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحو حديث القاسم ، عن الحسن ، غير أن هنادا قال في حديثه : فقلنا : تعالوا فلنجتمع في شيء نقيمه على الشريف والضعيف ، فاجتمعنا على التحميم والجلد مكان الرجم - وسائر الحديث نحو حديث القاسم . 12037 - حدثنا الربيع قال ، حدثنا ابن وهب قال ، حدثنا ابن أبي الزناد ، عن أبيه قال : كنا عند عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، فذكر رجل عنده : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " ، " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " ، فقال عبيد الله : أما والله إن كثيرا من الناس يتأولون هؤلاء الآيات على ما لم ينزلن عليه ، وما أنزلن إلا في حيين من يهود . ثم قال : هم قريظة والنضير ، وذلك أن إحدى الطائفتين كانت قد غزت الأخرى وقهرتها قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة ، فديته خمسون وسقا ، وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة ، فديته مائة وسق . فأعطوهم فرقا وضيما . فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك ، فذلت الطائفتان بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يظهر عليهما . فبينا هما على [ ص: 353 ] ذلك ، أصابت الذليلة من العزيزة قتيلا فقالت العزيزة : أعطونا مائة وسق ! فقالت الذليلة : وهل كان هذا قط في حيين دينهما واحد ، وبلدهما واحد ، دية بعضهم ضعف دية بعض ! إنما أعطيناكم هذا فرقا منكم وضيما ، فاجعلوا بيننا وبينكم محمدا صلى الله عليه وسلم . فتراضيا على أن يجعلوا النبي صلى الله عليه وسلم بينهم . ثم إن العزيزة تذاكرت بينها ، فخشيت أن لا يعطيها النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابها ضعف ما تعطي أصحابها منها ، فدسوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إخوانهم من المنافقين ، فقالوا لهم : اخبروا لنا رأي محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن أعطانا ما نريد حكمناه ، وإن لم يعطنا حذرناه ولم نحكمه ! فذهب المنافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأعلم الله تعالى ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ما أرادوا من ذلك الأمر كله قال عبيد الله : فأنزل الله تعالى ذكره فيهم : " يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر " ، هؤلاء الآيات كلهن ، حتى بلغ : " وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه " إلى"الفاسقون " قرأ عبيد الله ذلك آية آية ، وفسرها على ما أنزل ، حتى فرغ [ من ] تفسير ذلك لهم في الآيات . ثم قال : إنما عنى بذلك يهود ، وفيهم أنزلت هذه الصفة . وقال بعضهم : عنى ب"الكافرين " ، أهل الإسلام ، وب "الظالمين " اليهود ، وب "الفاسقين " النصارى . ذكر من قال ذلك : 12038 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن زكريا ، عن عامر قال : نزلت "الكافرون " في المسلمين ، و"الظالمون " في اليهود ، و"الفاسقون " في النصارى . [ ص: 354 ] 12039 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن ابن أبي السفر ، عن الشعبي ، قال : "الكافرون " ، في المسلمين ، و"الظالمون " في اليهود ، و"الفاسقون " ، في النصارى . 12040 - حدثنا ابن وكيع وأبو السائب وواصل بن عبد الأعلى قالوا : حدثنا ابن فضيل ، عن ابن شبرمة ، عن الشعبي قال : آية فينا ، وآيتان في أهل الكتاب : "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " فينا ، وفيهم : "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " ، و"الفاسقون " في أهل الكتاب . 12041 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عامر ، مثل حديث زكريا عنه . 12042 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال ، حدثنا شعبة ، عن ابن أبي السفر ، عن الشعبي : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال : هذا في المسلمين " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " ، قال : النصارى . 12043 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبي قال ، في هؤلاء الآيات التي في"المائدة" : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال : فينا أهل الإسلام " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " ، قال : في اليهود " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " ، قال : في النصارى . 12044 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ، حدثنا سفيان ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبي في قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال : نزلت الأولى في المسلمين ، والثانية في اليهود ، والثالثة في النصارى . [ ص: 355 ] 12045 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن زكريا ، عن الشعبي ، بنحوه . 12046 - حدثنا هناد قال ، حدثنا يعلى ، عن زكريا ، عن عامر ، بنحوه . وقال آخرون : بل عنى بذلك : كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق . ذكر من قال ذلك : 12047 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " ، " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " ، قال : كفر دون كفر ، وفسق دون فسق ، وظلم دون ظلم . 12048 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن عطاء ، مثله . 12049 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج قال ، حدثنا حماد ، عن أيوب بن أبي تميمة ، عن عطاء بن أبي رباح ، بنحوه . 12050 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، بنحوه . 12051 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، بنحوه . 12052 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن سعيد المكي ، عن طاوس : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال : ليس بكفر ينقل عن الملة . ![]()
__________________
|
|
#6
|
||||
|
||||
![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (556) صــ 356 إلى صــ 370 12053 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن معمر بن راشد ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن [ ص: 356 ] عباس : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال : هي به كفر ، وليس كفرا بالله وملائكته وكتبه ورسله . 12054 - حدثني الحسن قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : قال رجل لابن عباس في هذه الآيات : " ومن لم يحكم بما أنزل الله " ، فمن فعل هذا فقد كفر ؟ قال ابن عباس : إذا فعل ذلك فهو به كفر ، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر ، وبكذا وكذا . 12055 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : سئل ابن عباس عن قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال هي به كفر قال : ابن طاوس : وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله . 12056 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن رجل ، عن طاوس : " فأولئك هم الكافرون " ، قال : كفر لا ينقل عن الملة قال وقال عطاء : كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق . وقال آخرون : بل نزلت هذه الآيات في أهل الكتاب ، وهى مراد بها جميع الناس ، مسلموهم وكفارهم . ذكر من قال ذلك : 12057 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : نزلت هذه الآيات في بني إسرائيل ، ورضي لهذه الأمة بها . [ ص: 357 ] 12058 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال : نزلت في بني إسرائيل ، ورضي لكم بها . 12059 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم في هذه الآية : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال : نزلت في بني إسرائيل ، ثم رضي بها لهؤلاء . 12060 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن في قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال : نزلت في اليهود ، وهي علينا واجبة . 12061 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سلمة بن كهيل ، عن علقمة ومسروق : أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة ، فقال : من السحت . قال فقالا : أفي الحكم؟ قال : ذاك الكفر! ثم تلا هذه الآية : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " . 12062 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " ومن لم يحكم بما أنزل الله " ، يقول : ومن لم يحكم بما أنزلت ، فتركه عمدا وجار وهو يعلم ، فهو من الكافرين . وقال آخرون : معنى ذلك : ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به . فأما " الظلم " و" الفسق " ، فهو للمقر به . ذكر من قال ذلك : 12063 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال : من جحد ما أنزل الله فقد كفر . ومن أقر به ولم يحكم ، فهو ظالم فاسق . [ ص: 358 ] قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب ، قول من قال : نزلت هذه الآيات في كفار أهل الكتاب ، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات ففيهم نزلت ، وهم المعنيون بها . وهذه الآيات سياق الخبر عنهم ، فكونها خبرا عنهم أولى . فإن قال قائل : فإن الله تعالى ذكره قد عم بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله ، فكيف جعلته خاصا؟ قيل : إن الله تعالى عم بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين ، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم ، على سبيل ما تركوه ، كافرون . وكذلك القول في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به ، هو بالله كافر ، كما قال ابن عباس ، لأنه بجحوده حكم الله بعد علمه أنه أنزله في كتابه ، نظير جحوده نبوة نبيه بعد علمه أنه نبي . القول في تأويل قوله عز ذكره ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وكتبنا على هؤلاء اليهود الذين يحكمونك ، يا محمد ، وعندهم التوراة فيها حكم الله . ويعني بقوله : "وكتبنا " ، وفرضنا عليهم فيها أن يحكموا في النفس إذا قتلت نفسا بغير حق "بالنفس " ، يعني : أن تقتل النفس القاتلة بالنفس المقتولة ، [ ص: 359 ] "والعين بالعين " ، يقول : وفرضنا عليهم فيها أن يفقئوا العين التي فقأ صاحبها مثلها من نفس أخرى بالعين المفقوءة ، ويجدع الأنف بالأنف ، وتقطع الأذن بالأذن ، وتقلع السن بالسن ، ويقتص من الجارح غيره ظلما للمجروح . وهذا إخبار من الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن اليهود وتعزية منه له عن كفر من كفر منهم به بعد إقراره بنبوته ، وإدباره عنه بعد إقباله ، وتعريف منه له جراءتهم قديما وحديثا على ربهم وعلى رسل ربهم ، وتقدمهم على كتاب الله بالتحريف والتبديل . يقول تعالى ذكره له : وكيف يرضى هؤلاء اليهود ، يا محمد ، بحكمك ، إذا جاءوا يحكمونك وعندهم التوراة التي يقرون بها أنها كتابي ووحيي إلى رسولي موسى صلى الله عليه وسلم ، فيها حكمي بالرجم على الزناة المحصنين ، وقضائي بينهم أن من قتل نفسا ظلما فهو بها قود ، ومن فقأ عينا بغير حق فعينه بها مفقوءة قصاصا ، ومن جدع أنفا فأنفه به مجدوع ، ومن قلع سنا فسنه بها مقلوعة ، ومن جرح غيره جرحا فهو مقتص منه مثل الجرح الذي جرحه؟ ثم هم مع الحكم الذي عندهم في التوراة من أحكامي ، يتولون عنه ويتركون العمل به ، يقول : فهم بترك حكمك ، وبسخط قضائك بينهم ، أحرى وأولى . وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12064 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : لما رأت قريظة النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم بالرجم ، وكانوا يخفونه في كتابهم ، نهضت قريظة فقالوا : يا محمد ، اقض بيننا وبين إخواننا [ ص: 360 ] بني النضير وكان بينهم دم قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت النضير يتعززون على بني قريظة ، ودياتهم على أنصاف ديات النضير ، وكانت الدية من وسوق التمر : أربعين ومائة وسق لبني النضير ، وسبعين وسقا لبني قريظة فقال : دم القرظي وفاء من دم النضيري ! فغضب بنو النضير وقالوا : لا نطيعك في الرجم ، ولكن نأخذ بحدودنا التي كنا عليها ! فنزلت : ( أفحكم الجاهلية يبغون ) [ سورة المائدة : 50 ] ونزل : " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس " ، الآية . 12065 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص " ، قال : فما بالهم يخالفون ، يقتلون النفسين بالنفس ، ويفقئون العينين بالعين؟ 12066 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا خلاد الكوفي قال ، حدثنا الثوري ، عن السدي ، عن أبي مالك قال : كان بين حيين من الأنصار قتال ، فكان بينهم قتلى ، وكان لأحد الحيين على الآخر طول ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل يجعل الحر بالحر ، والعبد بالعبد ، والمرأة بالمرأة ، فنزلت : ( الحر بالحر والعبد بالعبد ) [ سورة البقرة : 178 ] قال سفيان : وبلغني عن ابن عباس أنه قال : نسختها : " النفس بالنفس " . 12067 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس " فيها [ ص: 361 ] في التوراة - "والعين بالعين " حتى : " والجروح قصاص " ، قال مجاهد عن ابن عباس قال : كان على بني إسرائيل القصاص في القتلى ، ليس بينهم دية في نفس ولا جرح . قال : وذلك قول الله تعالى ذكره : " وكتبنا عليهم فيها " في التوراة ، فخفف الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فجعل عليهم الدية في النفس والجراح ، وذلك تخفيف من ربكم ورحمة " فمن تصدق به فهو كفارة له " . 12068 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص " ، قال : إن بني إسرائيل لم تجعل لهم دية فيما كتب الله لموسى في التوراة من نفس قتلت ، أو جرح ، أو سن ، أو عين ، أو أنف . إنما هو القصاص ، أو العفو . 12069 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وكتبنا عليهم فيها " ، أي في التوراة " أن النفس بالنفس" . 12070 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " وكتبنا عليهم فيها " ، أي في التوراة ، بأن النفس بالنفس . 12071 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس " حتى بلغ " والجروح قصاص " ، بعضها ببعض . 12072 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : "أن النفس بالنفس " ، قال يقول : تقتل النفس بالنفس ، وتفقأ العين بالعين ، ويقطع الأنف بالأنف ، وتنزع السن بالسن ، وتقتص الجراح بالجراح . [ ص: 362 ] قال أبو جعفر : فهذا يستوي فيه أحرار المسلمين فيما بينهم ، رجالهم ونساؤهم ، إذا كان في النفس وما دون النفس ، ويستوي فيه العبيد رجالهم ونساؤهم فيما بينهم ، إذا كان عمدا في النفس وما دون النفس . القول في تأويل قوله عز ذكره ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في المعني به : " فمن تصدق به فهو كفارة له " . فقال بعضهم : عنى بذلك المجروح وولي القتيل . ذكر من قال ذلك : 12073 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن الهيثم بن الأسود ، عن عبد الله بن عمرو : " فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : يهدم عنه يعني المجروح مثل ذلك من ذنوبه . 12074 - حدثنا سفيان قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن الهيثم بن الأسود ، عن عبد الله بن عمرو ، بنحوه . 12075 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن الهيثم بن الأسود أبي العريان قال : رأيت معاوية قاعدا على السرير ، وإلى جنبه رجل أحمر كأنه مولى وهو [ ص: 363 ] عبد الله بن عمرو فقال في هذه الآية : " فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : يهدم عنه من ذنوبه مثل ما تصدق به . 12076 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : " فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : للمجروح . 12077 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال ، حدثنا شعبة ، عن عمارة بن أبي حفصة ، عن أبي عقبة ، عن جابر بن زيد : " فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : للمجروح . 12078 - حدثنا ابن المثنى قال ، حدثني حرمي بن عمارة قال ، حدثنا [ ص: 364 ] شعبة قال ، أخبرني عمارة ، عن رجل ، قال حرمي : نسيت اسمه ، عن جابر بن زيد ، بمثله . 12079 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن حماد ، عن إبراهيم : " فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : للمجروح . 12080 - حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي السفر قال : دفع رجل من قريش رجلا من الأنصار فاندقت ثنيته ، فرفعه الأنصاري إلى معاوية . فلما ألح عليه الرجل قال معاوية : شأنك وصاحبك ! قال : وأبو الدرداء عند معاوية ، فقال أبو الدرداء : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيهبه ، إلا رفعه الله به درجة وحط عنه به خطيئة . فقال له الأنصاري : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : سمعته أذناي ووعاه قلبي ! فخلى سبيل القرشي ، فقال معاوية : مروا له بمال . 12081 - حدثنا محمود بن خداش قال ، حدثنا هشيم بن بشير قال ، [ ص: 365 ] أخبرنا مغيرة ، عن الشعبي قال ، قال ابن الصامت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من جرح في جسده جراحة فتصدق بها ، كفر عنه ذنوبه بمثل ما تصدق به . 12082 - حدثنا سفيان بن وكيع قال ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن سفيان بن حسين ، عن الحسن في قوله : " فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : كفارة للمجروح . 12083 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن زكريا قال : سمعت عامرا يقول : كفارة لمن تصدق به . 12084 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " فمن تصدق به فهو كفارة له " ، يقول : لولي القتيل الذي عفا . 12085 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني شبيب بن سعيد ، عن شعبة بن الحجاج ، عن قيس بن مسلم ، عن الهيثم أبي العريان قال : كنت بالشأم ، وإذا برجل مع معاوية قاعد على السرير كأنه مولى ، قال : " فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : فمن تصدق به هدم الله عنه مثله من ذنوبه فإذا هو عبد الله بن عمرو . [ ص: 366 ] وقال آخرون : عنى بذلك الجارح . وقالوا : معنى الآية : فمن تصدق بما وجب له من قود أو قصاص على من وجب ذلك له عليه ، فعفا عنه ، فعفوه ذلك عن الجاني كفارة لذنب الجاني المجرم ، كما القصاص منه كفارة له . قالوا : فأما أجر العافي المتصدق ، فعلى الله . ذكر من قال ذلك : 12086 - حدثنا سفيان بن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : كفارة للجارح ، وأجر الذي أصيب على الله . 12087 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا يونس ، عن أبي إسحاق ، قال سمعت مجاهدا يقول لأبي إسحاق : " فمن تصدق به فهو كفارة له " ، يا أبا إسحاق ، [ لمن ] ؟ قال أبو إسحاق : للمتصدق فقال مجاهد : للمذنب الجارح . 12088 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال ، قال مغيرة ، قال مجاهد : للجارح . 12089 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن مجاهد ، مثله . 12090 - حدثنا هناد وسفيان بن وكيع قالا : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ومجاهد : " فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قالا : للذي تصدق عليه ، [ ص: 367 ] وأجر الذي أصيب على الله ، قال هناد في حديثه ، قالا : كفارة للذي تصدق به عليه . 12091 - حدثنا هناد قال ، حدثنا عبد بن حميد ، عن منصور ، عن مجاهد ، بنحوه . 12092 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن بشر ، عن زكريا ، عن عامر قال : كفارة لمن تصدق به عليه . 12093 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وإبراهيم قالا : كفارة للجارح ، وأجر الذي أصيب على الله . 12094 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان قال : سمعت زيد بن أسلم يقول : إن عفا عنه ، أو اقتص منه ، أو قبل منه الدية ، فهو كفارة له . 12095 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : كفارة للجارح ، وأجر للعافي ، لقوله : ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) [ سورة الشورى : 40 ] . 12096 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : كفارة للمتصدق عليه . 12097 - حدثني المثنى قال ، حدثنا معلى بن أسد قال ، حدثنا خالد قال ، حدثنا حصين ، عن ابن عباس : " فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : هي كفارة للجارح . 12098 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان ، عن [ ص: 368 ] عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : " فمن تصدق به فهو كفارة له " ، قال : فالكفارة للجارح ، وأجر المتصدق على الله . 12099 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد أنه كان يقول : " فمن تصدق به فهو كفارة له " ، يقول : للقاتل ، وأجر للعافي . 12100 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عمران بن ظبيان ، عن عدي بن ثابت قال ، هتم رجل على عهد معاوية ، فأعطي دية فلم يقبل ، ثم أعطي ديتين فلم يقبل ، ثم أعطي ثلاثا فلم يقبل . فحدث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فمن تصدق بدم فما دونه كان كفارة له من يوم تصدق إلى يوم ولد " . قال : فتصدق الرجل . 12101 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له " ، يقول : من جرح فتصدق بالذي جرح به على الجارح ، [ ص: 369 ] فليس على الجارح سبيل ولا قود ولا عقل ، ولا حرج عليه ، من أجل أنه تصدق عليه الذي جرح ، فكان كفارة له من ظلمه الذي ظلم . قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : عني به : " فمن تصدق به فهو كفارة له " المجروح ، فلأن تكون " الهاء " في قوله : " له " عائدة على " من " أولى من أن تكون من ذكر من لم يجر له ذكر إلا بالمعنى دون التصريح وأحرى ، إذ الصدقة هي المكفرة ذنب صاحبها دون المتصدق عليه في سائر الصدقات غير هذه ، فالواجب أن يكون سبيل هذه سبيل غيرها من الصدقات . فإن ظن ظان أن القصاص إذ كان يكفر ذنب صاحبه المقتص منه الذي أتاه في قتل من قتله ظلما ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذ أخذ البيعة على أصحابه " أن لا تقتلوا ولا تزنوا ولا تسرقوا " ثم قال : "فمن فعل من ذلك شيئا فأقيم عليه حده فهو كفارته " فالواجب أن يكون عفو العافي المجني عليه ، أو ولي المقتول عنه نظيره ، في أن ذلك له كفارة . فإن ذلك لو وجب أن يكون كذلك ، لوجب أن يكون عفو المقذوف عن قاذفه بالزنا وتركه أخذه بالواجب له من الحد وقد قذفه قاذفه وهو عفيف مسلم محصن كفارة للقاذف من ذنبه الذي ركبه ، ومعصيته التي أتاها . وذلك ما لا نعلم قائلا من أهل العلم يقوله . فإذ كان غير جائز أن يكون ترك المقذوف الذي وصفنا أمره أخذ قاذفه [ ص: 370 ] بالواجب له من الحد كفارة للقاذف من ذنبه الذي ركبه ، كان كذلك غير جائز أن يكون ترك المجروح أخذ الجارح بحقه من القصاص ، كفارة للجارح من ذنبه الذي ركبه . فإن قال قائل : أو ليس للمجروح عندك أخذ جارحه بدية جرحه مكان القصاص؟ قيل له : بلى! فإن قال : أفرأيت لو اختار الدية ثم عفا عنها ، أكانت له قبله في الآخرة تبعة ؟ قيل له : هذا كلام عندنا محال . وذلك أنه لا يكون عندنا مختارا لدية إلا وهو لها آخذ . فأما العفو فإنما هو عفو عن الدم ، وقد دللنا على صحة ذلك في موضع غير هذا ، بما أغنى عن تكريره في هذا الموضع إلا أن يكون مرادا بذلك هبتها لمن أخذت منه بعد الأخذ . مع أن عفوه عن الدية بعد اختياره إياها لو صح ، لم يكن في صحة ذلك ما يوجب أن يكون المعفو له عنها بريئا من عقوبة ذنبه عند الله ; لأن الله تعالى ذكره أوعد قاتل المؤمن بما أوعده به إن لم يتب من ذنبه ، والدية مأخوذة منه ، أحب أم سخط . والتوبة من التائب إنما تكون توبة إذا اختارها وأرادها وآثرها على الإصرار . فإن ظن ظان أن ذلك وإن كان كذلك ، فقد يجب أن يكون له كفارة ، كما كان القصاص له كفارة ، فإنا إنما جعلنا القصاص له كفارة مع ندمه وبذله نفسه لأخذ الحق منها تنصلا من ذنبه ، بخبر النبي صلى الله عليه وسلم . ![]()
__________________
|
|
#7
|
||||
|
||||
![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (557) صــ 371 إلى صــ 385 [ ص: 371 ] فأما الدية إذا اختارها المجروح ثم عفا عنها ، فلم يقض عليه بحد ذنبه ، فيكون ممن دخل في حكم النبي صلى الله عليه وسلم وقوله : " فمن أقيم عليه الحد فهو كفارته " . ثم مما يؤكد صحة ما قلنا في ذلك ، الأخبار التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : "فمن تصدق بدم " ، وما أشبه ذلك من الأخبار التي قد ذكرناها قبل . وقد يجوز أن يكون القائلون إنه عنى بذلك الجارح ، أرادوا المعنى الذي ذكر عن عروة بن الزبير الذي : - 12102 - حدثني به الحارث بن محمد قال ، حدثنا القاسم بن سلام قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال ، أخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد قال : إذا أصاب رجل رجلا ولا يعلم المصاب من أصابه ، فاعترف له المصيب ، فهو كفارة للمصيب . قال : وكان مجاهد يقول عند هذا : أصاب عروة بن الزبير عين إنسان عند الركن فيما يستلمون ، فقال له : يا هذا ، أنا عروة بن الزبير ، فإن كان بعينك بأس فأنا بها ! وإذا كان الأمر من الجارح على نحو ما كان من عروة من خطأ فعل على غير عمد ، ثم اعترف للذي أصابه بما أصابه ، فعفا له المصاب بذلك عن حقه قبله ، فلا تبعة له حينئذ قبل المصيب في الدنيا ولا في الآخرة . لأن الذي كان وجب له قبله مال لا قصاص ، وقد أبرأه منه : فإبراؤه منه ، كفارة للمبرأ من حقه [ ص: 372 ] الذي كان له أخذه به ، فلا طلبة له بسبب ذلك قبله في الدنيا ولا في الآخرة ، ولا عقوبة تلزمه بها بما كان منه إلى من أصابه ، لأنه لم يتعمد إصابته بما أصابه به ، فيكون بفعله آثما يستحق به العقوبة من ربه ، لأن الله عز وجل قد وضع الجناح عن عباده فيما أخطأوا فيه ولم يتعمدوه من أفعالهم ، فقال في كتابه : ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم ) . [ سورة الأحزاب : 5 ] و"التصدق " في هذا الموضع بالدم العفو عنه . القول في تأويل قوله عز ذكره ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ( 45 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ومن لم يحكم بما أنزل الله في التوراة من قود النفس القاتلة قصاصا بالنفس المقتولة ظلما . ولم يفقأ عين الفاقئ بعين المفقوء ظلما ، قصاصا ممن أمره الله به بذلك في كتابه ، ولكن أقاد من بعض ولم يقد من [ ص: 373 ] بعض ، أو قتل في بعض اثنين بواحد ، فإن من يفعل ذلك من "الظالمين " يعني : ممن جار عن حكم الله ، ووضع فعله ما فعل من ذلك في غير موضعه الذي جعله الله له موضعا . القول في تأويل قوله عز ذكره ( وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين ( 46 ) ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "وقفينا على آثارهم " ، أتبعنا . يقول : أتبعنا عيسى ابن مريم على آثار النبيين الذين أسلموا من قبلك يا محمد ، فبعثناه نبيا مصدقا لكتابنا الذي أنزلناه إلى موسى من قبله أنه حق ، وأن العمل بما لم ينسخه الإنجيل منه فرض واجب"وآتيناه الإنجيل " ، يقول : وأنزلنا إليه كتابنا الذي اسمه "الإنجيل " "فيه هدى ونور " يقول : في الإنجيل "هدى " ، وهو بيان ما جهله الناس من حكم الله في زمانه "ونور " ، يقول : وضياء من عمى الجهالة " ومصدقا لما بين يديه " ، يقول : أوحينا إليه ذلك وأنزلناه إليه بتصديق ما كان قبله من كتب الله التي كان أنزلها على كل أمة أنزل إلى نبيها كتاب للعمل بما أنزل إلى نبيهم في ذلك الكتاب ، من تحليل ما حلل ، وتحريم ما حرم "وهدى وموعظة " ، يقول : أنزلنا الإنجيل إلى عيسى مصدقا للكتب التي قبله ، وبيانا لحكم الله الذي ارتضاه لعباده المتقين في زمان عيسى ، "وموعظة " ، لهم يقول : وزجرا لهم عما يكرهه الله إلى ما يحبه من الأعمال ، وتنبيها لهم عليه . [ ص: 374 ] و"المتقون " ، هم الذين خافوا الله وحذروا عقابه ، فاتقوه بطاعته فيما أمرهم ، وحذروه بترك ما نهاهم عن فعله . وقد مضى البيان عن ذلك بشواهده قبل ، فأغنى ذلك عن إعادته . القول في تأويل قوله عز ذكره ( وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ( 47 ) ) قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة قوله : "وليحكم أهل الإنجيل" . فقرأته قرأة الحجاز والبصرة وبعض الكوفيين : "وليحكم " بتسكين "اللام " ، على وجه الأمر من الله لأهل الإنجيل : أن يحكموا بما أنزل الله فيه من أحكامه . وكأن من قرأ ذلك كذلك ، أراد : وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة ، وأمرنا أهله أن يحكموا بما أنزل الله فيه فيكون في الكلام محذوف ، ترك استغناء بما ذكر عما حذف . وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة : ( وليحكم أهل الإنجيل ) بكسر"اللام " ، من "ليحكم " ، بمعنى : كي يحكم أهل الإنجيل . وكأن معنى من قرأ ذلك كذلك : وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة ، كي يحكم أهله بما فيه من حكم الله . والذي نقول به في ذلك ، أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى ، فبأي ذلك قرأ قارئ فمصيب فيه الصواب . [ ص: 375 ] وذلك أن الله تعالى لم ينزل كتابا على نبي من أنبيائه إلا ليعمل بما فيه أهله الذين أمروا بالعمل بما فيه ، ولم ينزله عليهم إلا وقد أمرهم بالعمل بما فيه ، فللعمل بما فيه أنزله ، وأمرا بالعمل بما فيه أنزله . فكذلك الإنجيل ، إذ كان من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه ، فللعمل بما فيه أنزله على عيسى ، وأمرا بالعمل به أهله أنزله عليه . فسواء قرئ على وجه الأمر بتسكين "اللام " ، أو قرئ على وجه الخبر بكسرها ، لاتفاق معنييهما . وأما ما ذكر عن أبي بن كعب من قراءته ذلك ( وأن ليحكم ) على وجه الأمر ، فذلك مما لم يصح به النقل عنه . ولو صح أيضا ، لم يكن في ذلك ما يوجب أن تكون القراءة بخلافه محظورة ، إذ كان معناها صحيحا ، وكان المتقدمون من أئمة القرأة قد قرأوا بها . وإذ كان الأمر في ذلك على ما بينا ، فتأويل الكلام إذا قرئ بكسر"اللام " من "ليحكم" : وآتينا عيسى ابن مريم الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين ، وكي يحكم أهل الإنجيل بما أنزلنا فيه ، فبدلوا حكمه وخالفوه ، فضلوا بخلافهم إياه إذ لم يحكموا بما أنزل الله فيه وخالفوه " فأولئك هم الفاسقون " ، يعني : الخارجين عن أمر الله فيه ، المخالفين له فيما أمرهم ونهاهم في كتابه . فأما إذا قرئ بتسكين "اللام " ، فتأويله : وآتينا عيسى ابن مريم الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة ، وأمرنا أهله أن يحكموا بما أنزلنا [ ص: 376 ] فيه ، فلم يطيعونا في أمرنا إياهم بما أمرناهم به فيه ، ولكنهم خالفوا أمرنا ، فالذين خالفوا أمرنا الذي أمرناهم به فيه ، هم الفاسقون . وكان ابن زيد يقول : "الفاسقون " ، في هذا الموضع وفي غيره ، هم الكاذبون . 12103 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " ، قال : ومن لم يحكم من أهل الإنجيل أيضا بذلك " فأولئك هم الفاسقون " ، قال : الكاذبون . بهذا قال . وقال ابن زيد : كل شيء في القرآن إلا قليلا "فاسق " فهو كاذب . وقرأ قول الله : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ ) [ سورة الحجرات : 6 ] قال : " الفاسق " ، ههنا ، كاذب . وقد بينا معنى"الفسق " بشواهده فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . [ ص: 377 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ) قال أبو جعفر : وهذا خطاب من الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم . يقول تعالى ذكره : أنزلنا إليك ، يا محمد ، "الكتاب " ، وهو القرآن الذي أنزله عليه ويعني بقوله : "بالحق " بالصدق ، ولا كذب فيه ، ولا شك أنه من عند الله "مصدقا لما بين يديه من الكتاب " ، يقول : أنزلناه بتصديق ما قبله من كتب الله التي أنزلها إلى أنبيائه "ومهيمنا عليه " ، يقول : أنزلنا الكتاب الذي أنزلناه إليك يا محمد مصدقا للكتب قبله ، وشهيدا عليها أنها حق من عند الله ، أمينا عليها ، حافظا لها . وأصل "الهيمنة " ، الحفظ والارتقاب . يقال ، إذا رقب الرجل الشيء وحفظه وشهده : " قد هيمن فلان عليه ، فهو يهيمن هيمنة ، وهو عليه مهيمن" . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، إلا أنهم اختلفت عباراتهم عنه . فقال بعضهم : معناه : شهيدا . ذكر من قال ذلك : 12103 م - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : "ومهيمنا عليه " ، يقول : شهيدا . 12104 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "ومهيمنا عليه " ، قال : شهيدا عليه . [ ص: 378 ] 12105 - حدثني بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب " ، يقول : الكتب التي خلت قبله"ومهيمنا عليه " ، أمينا وشاهدا على الكتب التي خلت قبله . 12106 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : "ومهيمنا عليه " ، مؤتمنا على القرآن ، وشاهدا ومصدقا وقال ابن جريج : وقال آخرون : القرآن أمين على الكتب فيما إذا أخبرنا أهل الكتاب في كتابهم بأمر ، إن كان في القرآن فصدقوا ، وإلا فكذبوا . وقال بعضهم معناه : أمين عليه . ذكر من قال ذلك : 12107 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن وحدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا وكيع جميعا ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : "ومهيمنا عليه " ، قال : مؤتمنا عليه . 12108 - حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال ، حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس في قوله : " ومهيمنا عليه " ، قال : مؤتمنا عليه . 12109 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا سفيان وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس ، مثله . 12110 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، بإسناده عن ابن عباس مثله . 12111 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن عطية قال : حدثنا إسرائيل ، [ ص: 379 ] عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس ، مثله . 12112 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس مثله . 12113 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن مطرف ، عن أبي إسحاق ، عن رجل من تميم ، عن ابن عباس ، مثله . 12114 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : "ومهيمنا عليه " ، قال : والمهيمن الأمين : قال : القرآن أمين على كل كتاب قبله . 12115 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي ، قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب " ، وهو القرآن ، شاهد على التوراة والإنجيل ، مصدقا لهما "ومهيمنا عليه " ، يعني : أمينا عليه ، يحكم على ما كان قبله من الكتب . 12116 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن قيس ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : "ومهيمنا عليه " ، قال : مؤتمنا عليه . 12117 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن زهير ، عن أبي إسحاق ، عن رجل من بني تميم ، عن ابن عباس : "ومهيمنا عليه " ، قال : مؤتمنا عليه . [ ص: 380 ] 12118 - حدثني المثنى قال ، حدثنا يحيى الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس ، مثله . 12119 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان وإسرائيل ، عن علي بن بذيمة ، عن سعيد بن جبير : "ومهيمنا عليه " قال : مؤتمنا على ما قبله من الكتب . 12120 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء قال : سألت الحسين عن قوله : " وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه " ، قال : مصدقا لهذه الكتب ، وأمينا عليها . وسئل عنها عكرمة وأنا أسمع فقال : مؤتمنا عليه . وقال آخرون : معنى"المهيمن " ، المصدق . ذكر من قال ذلك : 12121 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " ومهيمنا عليه " ، قال : مصدقا عليه . كل شيء أنزله الله من توراة أو إنجيل أو زبور ، فالقرآن مصدق على ذلك . وكل شيء ذكر الله في القرآن ، فهو مصدق عليها وعلى ما حدث عنها أنه حق . وقال آخرون : عنى بقوله : " مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه " ، نبي الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : 12122 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن [ ص: 381 ] ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ومهيمنا عليه " ، محمد صلى الله عليه وسلم ، مؤتمن على القرآن . 12123 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "ومهيمنا عليه " ، قال : محمد صلى الله عليه وسلم ، مؤتمن على القرآن . قال أبو جعفر : فتأويل الكلام على ما تأوله مجاهد : وأنزلنا الكتاب مصدقا الكتب قبله إليك ، مهيمنا عليه فيكون قوله : "مصدقا " حالا من "الكتاب " وبعضا منه ، ويكون "التصديق " من صفة "الكتاب " ، و"المهيمن " حالا من "الكاف " التي في"إليك " ، وهي كناية عن ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم ، و"الهاء " في قوله : "عليه " ، عائدة على الكتاب . وهذا التأويل بعيد من المفهوم في كلام العرب ، بل هو خطأ . وذلك أن "المهيمن " عطف على"المصدق " ، فلا يكون إلا من صفة ما كان "المصدق " صفة له . ولو كان معنى الكلام ما روي عن مجاهد ، لقيل : وأنزلنا إليك الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب مهيمنا عليه " لأنه لم يتقدم من صفة "الكاف " التي في"إليك " بعدها شيء يكون"مهيمنا عليه " عطفا عليه ، وإنما عطف به على "المصدق " ، لأنه من صفة "الكتاب " الذي من صفته "المصدق" . [ ص: 382 ] فإن ظن ظان أن "المصدق " على قول مجاهد وتأويله هذا من صفة "الكاف " التي في "إليك " ، فإن قوله : "لما بين يديه من الكتاب " ، يبطل أن يكون تأويل ذلك كذلك ، وأن يكون "المصدق " من صفة "الكاف " التي في "إليك" . لأن "الهاء " في قوله : "بين يديه " ، كناية اسم غير المخاطب ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم في قوله"إليك" . ولو كان "المصدق " من صفة "الكاف " لكان الكلام : وأنزلنا إليك الكتاب مصدقا لما بين يديك من الكتاب ، ومهيمنا عليه ، فيكون معنى الكلام حينئذ كذلك . القول في تأويل قوله عز ذكره ( فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق ) قال أبو جعفر : وهذا أمر من الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين المحتكمين إليه من أهل الكتاب وسائر أهل الملل بكتابه الذي أنزله إليه ، وهو القرآن الذي خصه بشريعته . يقول تعالى ذكره : احكم يا محمد ، بين أهل الكتاب والمشركين بما أنزل إليك من كتابي وأحكامي في كل ما احتكموا فيه إليك ، من الحدود والجروح والقود والنفوس ، فارجم الزاني المحصن ، واقتل النفس القاتلة بالنفس المقتولة ظلما ، وافقأ العين بالعين ، واجدع الأنف بالأنف ، فإني أنزلت إليك القرآن مصدقا في ذلك ما بين يديه من الكتب ، ومهيمنا عليه رقيبا ، يقضي على ما قبله من سائر الكتب قبله ، ولا تتبع أهواء هؤلاء اليهود الذين [ ص: 383 ] يقولون : إن أوتيتم الجلد في الزاني المحصن دون الرجم ، وقتل الوضيع بالشريف إذا قتله ، وترك قتل الشريف بالوضيع إذا قتله فخذوه ، وإن لم تؤتوه فاحذروا عن الذي جاءك من عند الله من الحق ، وهو كتاب الله الذي أنزله إليك . يقول له : اعمل بكتابي الذي أنزلته إليك إذا احتكموا إليك فاخترت الحكم عليهم ، ولا تتركن العمل بذلك اتباعا منك أهواءهم ، وإيثارا لها على الحق الذي أنزلته إليك في كتابي ، كما : - 12124 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " فاحكم بينهم بما أنزل الله " ، يقول : بحدود الله " ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق " . 12125 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا هارون ، عن عنبسة ، عن جابر ، عن عامر ، عن مسروق : أنه كان يحلف اليهودي والنصراني بالله ، ثم قرأ : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ) [ سورة المائدة : 49 ] ، وأنزل الله : ( ألا تشركوا به شيئا ) [ سورة الأنعام : 151 ] . القول في تأويل قوله عز ذكره ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : لكل قوم منكم جعلنا شرعة . [ ص: 384 ] و"الشرعة " هي "الشريعة " بعينها ، تجمع "الشرعة " "شرعا " ، "والشريعة " "شرائع" . ولو جمعت "الشرعة " "شرائع " ، كان صوابا ، لأن معناها ومعنى "الشريعة " واحد ، فيردها عند الجمع إلى لفظ نظيرها . وكل ما شرعت فيه من شيء فهو "شريعة" . ومن ذلك قيل : لشريعة الماء "شريعة " ، لأنه يشرع منها إلى الماء . ومنه سميت شرائع الإسلام"شرائع " ، لشروع أهله فيه . ومنه قيل للقوم إذا تساووا في الشيء : "هم شرع " ، سواء . وأما"المنهاج " ، فإن أصله : الطريق البين الواضح ، يقال منه : "هو طريق نهج ، ومنهج " ، بين ، كما قال الراجز : من يك في شك فهذا فلج ماء رواء وطريق نهج ثم يستعمل في كل شيء كان بينا واضحا سهلا . فمعنى الكلام : لكل قوم منكم جعلنا طريقا إلى الحق يؤمه ، وسبيلا واضحا يعمل به . [ ص: 385 ] ثم اختلف أهل التأويل في المعني بقوله : " لكل جعلنا منكم" . فقال بعضهم : عنى بذلك أهل الملل المختلفة ، أي : أن الله جعل لكل ملة شريعة ومنهاجا . ذكر من قال ذلك : 12126 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " يقول : سبيلا وسنة . والسنن مختلفة : للتوراة شريعة ، وللإنجيل شريعة ، وللقرآن شريعة ، يحل الله فيها ما يشاء ، ويحرم ما يشاء بلاء ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه . ولكن الدين الواحد الذي لا يقبل غيره : التوحيد والإخلاص لله ، الذي جاءت به الرسل . 12127 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " ، قال : الدين واحد ، والشريعة مختلفة . 12128 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن هاشم قال أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي قال : الإيمان منذ بعث الله تعالى ذكره آدم صلى الله عليه وسلم : شهادة أن لا إله إلا الله ، والإقرار بما جاء من عند الله ، لكل قوم ما جاءهم من شرعة أو منهاج ، فلا يكون المقر تاركا ، ولكنه مطيع . ![]()
__________________
|
|
#8
|
||||
|
||||
![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (558) صــ 386 إلى صــ 400 وقال آخرون : بل عنى بذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وقالوا : إنما معنى الكلام : قد جعلنا الكتاب الذي أنزلناه إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 386 ] أيها الناس ، لكلكم ، أي لكل من دخل في الإسلام وأقر بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه لي نبي " شرعة ومنهاجا " . ذكر من قال ذلك : 12129 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " قال : سنة ، "ومنهاجا " ، السبيل "لكلكم " ، من دخل في دين محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد جعل الله له شرعة ومنهاجا . يقول : القرآن ، هو له شرعة ومنهاج . قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : معناه : لكل أهل ملة منكم ، أيها الأمم جعلنا شرعة ومنهاجا . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب ، لقوله : ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ) ولو كان عنى بقوله : " لكل جعلنا منكم " ، أمة محمد ، وهم أمة واحدة ، لم يكن لقوله : "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة " ، وقد فعل ذلك فجعلهم أمة واحدة معنى مفهوم . ولكن معنى ذلك على ما جرى به الخطاب من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أنه ذكر ما كتب على بني إسرائيل في التوراة ، وتقدم إليهم بالعمل بما فيها ، ثم ذكر أنه قفى بعيسى ابن مريم على آثار الأنبياء قبله ، وأنزل عليه الإنجيل ، وأمر من بعثه إليه بالعمل بما فيه . ثم ذكر نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم ، وأخبره أنه أنزل إليه الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب ، وأمره بالعمل بما فيه ، والحكم بما أنزل إليه فيه دون ما في سائر الكتب غيره ، وأعلمه أنه قد جعل له ولأمته شريعة غير شرائع الأنبياء والأمم قبله الذين قص عليهم قصصهم ، وإن كان دينه ودينهم - في توحيد الله ، والإقرار بما جاءهم به من عنده ، والانتهاء إلى أمره ونهيه - واحدا ، فهم مختلفو الأحوال فيما شرع لكم واحد منهم ولأمته فيما أحل لهم وحرم عليهم . [ ص: 387 ] وبنحو الذي قلنا في"الشرعة " و"المنهاج " من التأويل ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12130 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ، حدثنا مسعر ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " قال : سنة وسبيلا . 12131 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " ، قال : سنة وسبيلا . 12132 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان وإسرائيل وأبيه ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس ، مثله . 12133 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو يحيى الرازي ، عن أبي سنان ، عن أبي إسحاق ، عن يحيى بن وثاب قال : سألت ابن عباس عن قوله : " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " ، قال : سنة وسبيلا . 12134 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس : " شرعة ومنهاجا " ، قال : سنة وسبيلا . 12135 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن مطرف عن أبي إسحاق ، عن رجل من بني تميم ، عن ابن عباس ، بمثله . [ ص: 388 ] 12136 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس ، مثله . 12137 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " يعني : سبيلا وسنة . 12138 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن سفيان بن حسين قال : سمعت الحسن يقول : "الشرعة " ، السنة . 12139 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي يحيى القتات ، عن مجاهد قال : سنة وسبيلا . 12140 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره : "شرعة ومنهاجا " ، قال : "الشرعة " ، السنة " ومنهاجا " ، قال : السبيل . 12141 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه . 12142 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " ، يقول : سبيلا وسنة . 12143 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحوضي قال ، حدثنا شعبة قال ، حدثنا أبو إسحاق قال : سمعت رجلا من بني تميم ، عن ابن عباس ، بنحوه . 12144 - حدثني محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال ، [ ص: 389 ] حدثنا أسباط ، عن السدي : "شرعة ومنهاجا " ، يقول : سبيلا وسنة . 12145 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : السنة والسبيل . 12146 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " ، يقول : سبيلا وسنة . 12147 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال ، أخبرني عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "شرعة ومنهاجا " ، قال : سبيلا وسنة . القول في تأويل قوله عز ذكره ( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم ) " قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ولو شاء ربكم لجعل شرائعكم واحدة ، ولم يجعل لكل أمة شريعة ومنهاجا غير شرائع الأمم الأخر ومنهاجهم ، فكنتم تكونون أمة واحدة لا تختلف شرائعكم ومنهاجكم ، ولكنه تعالى ذكره يعلم ذلك ، فخالف بين شرائعكم ليختبركم ، فيعرف المطيع منكم من العاصي ، والعامل بما أمره في الكتاب الذي أنزله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم من المخالف . و"الابتلاء" : هو الاختبار ، وقد أبنت ذلك بشواهده فيما مضى قبل . وقوله : "فيما آتاكم " ، يعني : فيما أنزل عليكم من الكتب ، كما : - [ ص: 390 ] 12148 - حدثنا القاسم ، قال ، حدثنا الحسين ، قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ( ولكن ليبلوكم فيما آتاكم ) قال عبد الله بن كثير : لا أعلمه إلا قال ، ليبلوكم فيما آتاكم من الكتب . فإن قال قائل : وكيف قال : " ليبلوكم فيما آتاكم " ، ومن المخاطب بذلك؟ وقد ذكرت أن المعني بقوله : " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " نبينا مع الأنبياء الذين مضوا قبله وأممهم ، والذين قبل نبينا صلى الله عليه وسلم على حدة؟ قيل : إن الخطاب وإن كان لنبينا صلى الله عليه وسلم : فإنه قد أريد به الخبر عن الأنبياء قبله وأممهم . ولكن العرب من شأنها إذا خاطبت إنسانا وضمت إليه غائبا ، فأرادت الخبر عنه ، أن تغلب المخاطب ، فيخرج الخبر عنهما على وجه الخطاب ، فلذلك قال تعالى ذكره : " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " . القول في تأويل قوله عز ذكره ( فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ( 48 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فبادروا أيها الناس ، إلى الصالحات من الأعمال ، والقرب إلى ربكم ، بإدمان العمل بما في كتابكم الذي أنزله إلى [ ص: 391 ] نبيكم ، فإنه إنما أنزله امتحانا لكم وابتلاء ، ليتبين المحسن منكم من المسيء ، فيجازي جميعكم على عمله جزاءه عند مصيركم إليه ، فإن إليه مصيركم جميعا ، فيخبر كل فريق منكم بما كان يخالف فيه الفرق الأخرى ، فيفصل بينهم بفصل القضاء ، وتبين المحق مجازاته إياه بجناته ، من المسيء بعقابه إياه بالنار ، فيتبين حينئذ كل حزب عيانا ، المحق منهم من المبطل . فإن قال قائل : أولم ينبئنا ربنا في الدنيا قبل مرجعنا إليه ما نحن فيه مختلفون؟ قيل : إنه بين ذلك في الدنيا بالرسل والأدلة والحجج ، دون الثواب والعقاب عيانا ، فمصدق بذلك ومكذب . وأما عند المرجع إليه ، فإنه ينبئهم بذلك بالمجازاة التي لا يشكون معها في معرفة المحق والمبطل ، ولا يقدرون على إدخال اللبس معها على أنفسهم . فكذلك خبره تعالى ذكره أنه ينبئنا عند المرجع إليه بما كنا فيه نختلف في الدنيا . وإنما معنى ذلك : إلى الله مرجعكم جميعا ، فتعرفون المحق حينئذ من المبطل منكم ، كما : - 12149 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا زيد بن حباب ، عن أبي سنان قال : سمعت الضحاك يقول : " فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا " ، قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، البر والفاجر . [ ص: 392 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون ( 49 ) ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " ، وأنزلنا إليك ، يا محمد ، الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب ، وأن احكم بينهم ف"أن " في موضع نصب ب"التنزيل" . ويعني بقوله : "بما أنزل الله " ، بحكم الله الذي أنزله إليك في كتابه . وأما قوله : "ولا تتبع أهواءهم " ، فإنه نهي من الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يتبع أهواء اليهود الذين احتكموا إليه في قتيلهم وفاجريهم ، وأمر منه له بلزوم العمل بكتابه الذي أنزله إليه . وقوله : " واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك " ، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واحذر ، يا محمد ، هؤلاء اليهود الذين جاءوك محتكمين إليك "أن يفتنوك " ، فيصدوك عن بعض ما أنزل الله إليك من حكم كتابه ، فيحملوك على ترك العمل به واتباع أهوائهم . وقوله : " فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم " ، يقول تعالى ذكره : فإن تولى هؤلاء اليهود الذين اختصموا إليك عنك ، فتركوا العمل بما حكمت به [ ص: 393 ] عليهم وقضيت فيهم " فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم " ، يقول : فاعلم أنهم لم يتولوا عن الرضى بحكمك وقد قضيت بالحق ، إلا من أجل أن الله يريد أن يتعجل عقوبتهم في عاجل الدنيا ببعض ما قد سلف من ذنوبهم " وإن كثيرا من الناس لفاسقون " ، يقول : وإن كثيرا من اليهود "لفاسقون " ، يقول : لتاركو العمل بكتاب الله ، ولخارجون عن طاعته إلى معصيته . وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الرواية عن أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12150 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق قال ، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال ، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال كعب بن أسد ، وابن صوريا وشأس بن قيس ، بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى محمد ، لعلنا نفتنه عن دينه! فأتوه فقالوا : يا محمد ، إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم ، وأنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ولم يخالفونا ، وأن بيننا وبين قومنا خصومة ، فنحاكمهم إليك ، فتقضي لنا عليهم ، ونؤمن لك ونصدقك ! فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله فيهم : " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك " ، إلى قوله : " لقوم يوقنون " . 12151 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك " ، قال : أن يقولوا : " في [ ص: 394 ] التوراة كذا " ، وقد بينا لك ما في التوراة . وقرأ ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ) [ سورة المائدة : 45 ] ، بعضها ببعض . 12152 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، قال : دخل المجوس مع أهل الكتاب في هذه الآية : " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " . القول في تأويل قوله عز ذكره ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ( 50 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : أيبغي هؤلاء اليهود الذين احتكموا إليك ، فلم يرضوا بحكمك ، إذ حكمت فيهم بالقسط "حكم الجاهلية " ، يعني : أحكام عبدة الأوثان من أهل الشرك ، وعندهم كتاب الله فيه بيان حقيقة الحكم الذي حكمت به فيهم ، وأنه الحق الذي لا يجوز خلافه . ثم قال تعالى ذكره موبخا لهؤلاء الذين أبوا قبول حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ولهم من اليهود ، ومستجهلا فعلهم ذلك منهم : ومن هذا الذي هو أحسن حكما ، أيها اليهود ، من الله تعالى ذكره عند من كان يوقن بوحدانية الله ، ويقر بربوبيته؟ يقول تعالى ذكره : أي حكم أحسن من حكم الله ، إن كنتم موقنين أن لكم ربا ، وكنتم أهل توحيد وإقرار به؟ [ ص: 395 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال مجاهد . 12153 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " أفحكم الجاهلية يبغون " ، قال : يهود . 12154 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " أفحكم الجاهلية يبغون " ، يهود . 12155 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا شيخ ، عن مجاهد : " أفحكم الجاهلية يبغون " ، قال : يهود . القول في تأويل قوله عز ذكره ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في المعني بهذه الآية ، وإن كان مأمورا بذلك جميع المؤمنين . فقال بعضهم : عنى بذلك عبادة بن الصامت ، وعبد الله بن أبي ابن سلول ، في براءة عبادة من حلف اليهود ، وفي تمسك عبد الله بن أبي ابن سلول بحلف اليهود ، بعد ما ظهرت عداوتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وأخبره الله أنه إذا تولاهم وتمسك بحلفهم : أنه منهم في براءته من الله ورسوله كبراءتهم منهما . ذكر من قال ذلك : 12156 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس قال ، سمعت أبي ، عن عطية بن سعد قال : جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن لي موالي من يهود كثير [ ص: 396 ] عددهم ، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود ، وأتولى الله ورسوله . فقال عبد الله بن أبي : إني رجل أخاف الدوائر ، لا أبرأ من ولاية موالي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن أبي : يا أبا الحباب ، ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت فهو إليك دونه؟ قال : قد قبلت . فأنزل الله : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض " إلى قوله : " فترى الذين في قلوبهم مرض " . 12157 - حدثنا هناد قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثني عثمان بن عبد الرحمن ، عن الزهري قال : لما انهزم أهل بدر ، قال المسلمون لأوليائهم من يهود : آمنوا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر ! فقال مالك بن صيف : غركم أن أصبتم رهطا من قريش لا علم لهم بالقتال!! أما لو أمررنا العزيمة أن نستجمع عليكم ، لم يكن لكم يد أن تقاتلونا! فقال عبادة : يا رسول الله ، إن أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم ، كثيرا سلاحهم ، شديدة شوكتهم ، وإني أبرأ إلى الله وإلى رسوله من ولايتهم ، ولا مولى لي إلا الله ورسوله . فقال عبد الله بن أبي : لكني لا أبرأ من ولاء يهود ، إني رجل لا بد لي منهم ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا حباب ، أرأيت الذي نفست به من ولاء يهود على عبادة ، فهو لك دونه ؟ قال : إذا أقبل ! فأنزل الله تعالى ذكره : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض " إلى أن بلغ إلى قوله : " والله يعصمك من الناس " . 12158 - حدثنا هناد قال ، حدثنا يونس قال ، حدثنا ابن إسحاق قال ، [ ص: 397 ] حدثني والدي إسحاق بن يسار ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي وقام دونهم ، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحد بني عوف بن الخزرج ، له من حلفهم مثل الذي لهم من عبد الله بن أبي فخلعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم ، وقال : يا رسول الله ، أتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم ، وأتولى الله ورسوله والمؤمنين ، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم! ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات في"المائدة" : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض " ، الآية . وقال آخرون : بل عني بذلك قوم من المؤمنين كانوا هموا حين نالهم بأحد من أعدائهم من المشركين ما نالهم أن يأخذوا من اليهود عصما ، فنهاهم الله عن ذلك ، وأعلمهم أن من فعل ذلك منهم فهو منهم . ذكر من قال ذلك : 12159 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم " ، قال : لما كانت وقعة أحد ، اشتد على طائفة من الناس ، وتخوفوا أن يدال عليهم الكفار ، فقال رجل لصاحبه : أما أنا فألحق بدهلك اليهودي ، فآخذ منه أمانا وأتهود معه ، فإني أخاف أن تدال علينا اليهود . وقال الآخر : أما أنا فألحق بفلان النصراني ببعض أرض [ ص: 398 ] الشأم ، فآخذ منه أمانا وأتنصر معه ، فأنزل الله تعالى ذكره ينهاهما : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين " . وقال آخرون : بل عني بذلك أبو لبابة بن عبد المنذر ، في إعلامه بني قريظة إذ رضوا بحكم سعد : أنه الذبح . ذكر من قال ذلك : 12160 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم " ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة بن عبد المنذر ، من الأوس وهو من بني عمرو بن عوف فبعثه إلى قريظة حين نقضت العهد ، فلما أطاعوا له بالنزول ، أشار إلى حلقه : الذبح الذبح . قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين جميعا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارا وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله وغيرهم ، وأخبر أنه من اتخذهم نصيرا وحليفا ووليا من دون الله ورسوله والمؤمنين ، فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين ، وأن الله ورسوله منه بريئان . وقد يجوز أن تكون الآية نزلت في شأن عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي ابن سلول وحلفائهما من اليهود ويجوز أن تكون نزلت في أبي لبابة بسبب فعله في بني قريظة ويجوز أن تكون نزلت في شأن الرجلين اللذين ذكر السدي أن أحدهما هم باللحاق بدهلك اليهودي ، والآخر بنصراني بالشأم ولم [ ص: 399 ] يصح بواحد من هذه الأقوال الثلاثة خبر تثبت بمثله حجة ، فيسلم لصحته القول بأنه كما قيل . فإذ كان ذلك كذلك ، فالصواب أن يحكم لظاهر التنزيل بالعموم على ما عم ، ويجوز ما قاله أهل التأويل فيه من القول الذي لا علم عندنا بخلافه . غير أنه لا شك أن الآية نزلت في منافق كان يوالي يهودا أو نصارى خوفا على نفسه من دوائر الدهر ، لأن الآية التي بعد هذه تدل على ذلك ، وذلك قوله : ( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ) الآية . وأما قوله : " بعضهم أولياء بعض " ، فإنه عنى بذلك : أن بعض اليهود أنصار بعضهم على المؤمنين ، ويد واحدة على جميعهم ، وأن النصارى كذلك ، بعضهم أنصار بعض على من خالف دينهم وملتهم معرفا بذلك عباده المؤمنين : أن من كان لهم أو لبعضهم وليا ، فإنما هو وليهم على من خالف ملتهم ودينهم من المؤمنين ، كما اليهود والنصارى لهم حرب . فقال تعالى ذكره للمؤمنين : فكونوا أنتم أيضا بعضكم أولياء بعض ، ولليهودي والنصراني حربا كما هم لكم حرب ، وبعضهم لبعض أولياء ، لأن من والاهم فقد أظهر لأهل الإيمان الحرب ، ومنهم البراءة ، وأبان قطع ولايتهم . قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " ، ومن يتول اليهود والنصارى دون المؤمنين ، فإنه منهم . يقول : فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين ، فهو من أهل دينهم وملتهم ، فإنه لا يتولى متول أحدا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض . وإذا رضيه ورضي دينه ، فقد عادى ما خالفه وسخطه ، وصار حكمه حكمه ، ولذلك حكم من حكم من أهل العلم لنصارى بني تغلب في ذبائحهم ونكاح نسائهم وغير ذلك من أمورهم ، بأحكام نصارى بني إسرائيل ، لموالاتهم إياهم ، ورضاهم بملتهم ، ونصرتهم لهم عليها ، وإن كانت أنسابهم لأنسابهم مخالفة ، وأصل دينهم لأصل دينهم مفارقا . وفي ذلك الدلالة الواضحة على صحة ما نقول ، من أن كل من كان يدين بدين فله حكم أهل ذلك الدين ، كانت دينونته به قبل مجيء الإسلام أو بعده . إلا أن يكون مسلما من أهل ديننا انتقل إلى ملة غيرها ، فإنه لا يقر على ما دان به فانتقل إليه ، ولكن يقتل لردته عن الإسلام ومفارقته دين الحق ، إلا أن يرجع قبل القتل إلى الدين الحق وفساد ما خالفه من قول من زعم : أنه لا يحكم بحكم أهل الكتابين لمن دان بدينهم ، إلا أن يكون إسرائيليا أو منتقلا إلى دينهم من غيرهم قبل نزول الفرقان . فأما من دان بدينهم بعد نزول الفرقان ، ممن لم يكن منهم ، ممن خالف نسبه نسبهم وجنسه جنسهم ، فإنه حكمه لحكمهم مخالف . ![]()
__________________
|
|
#9
|
||||
|
||||
![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (559) صــ 401 إلى صــ 420 [ ص: 401 ] ذكر من قال بما قلنا من التأويل . 12161 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير قال : سئل ابن عباس عن ذبائح نصارى العرب ، فقرأ : " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " . 12162 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم " ، أنها في الذبائح . من دخل في دين قوم فهو منهم . 12163 - حدثني المثنى قال ، حدثنا حجاج قال ، حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كلوا من ذبائح بني تغلب ، وتزوجوا من نسائهم ، فإن الله يقول في كتابه : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم " ، ولو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم . 12164 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حسين بن علي ، عن زائدة ، عن هشام قال : كان الحسن لا يرى بذبائح نصارى العرب ولا نكاح نسائهم بأسا ، وكان يتلو هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم " . 12165 - حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد ، قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن [ ص: 402 ] هارون بن إبراهيم قال : سئل ابن سيرين عن رجل يبيع داره من نصارى يتخذونها بيعة ، قال : فتلا هذه الآية : " لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء " . القول في تأويل قوله ( إن الله لا يهدي القوم الظالمين ( 51 ) ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : إن الله لا يوفق من وضع الولاية في غير موضعها ، فوالى اليهود والنصارى مع عداوتهم الله ورسوله والمؤمنين على المؤمنين ، وكان لهم ظهيرا ونصيرا ، لأن من تولاهم فهو لله ولرسوله وللمؤمنين حرب . وقد بينا معنى"الظلم " في غير هذا الموضع ، وأنه وضع الشيء في غير موضعه ، بما أغنى عن إعادته . القول في تأويل قوله ( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ) اختلف أهل التأويل فيمن عنى بهذه الآية . فقال بعضهم : عنى بها عبد الله بن أبي ابن سلول . ذكر من قال ذلك : 12166 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس قال ، سمعت أبي ، عن عطية بن سعد : " فترى الذين في قلوبهم مرض " ، عبد الله بن أبي "يسارعون [ ص: 403 ] فيهم " ، في ولايتهم " يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة " ، إلى آخر الآية : " فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين " . 12167 - حدثنا هناد قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثنا ابن إسحاق قال ، حدثني والدي إسحاق بن يسار ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت : " فترى الذين في قلوبهم مرض " ، يعني عبد الله بن أبي " يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة " ، لقوله : إني أخشى دائرة تصيبني! وقال آخرون : بل عني بذلك قوم من المنافقين كانوا يناصحون اليهود ويغشون المؤمنين ، ويقولون : "نخشى أن تكون الدائرة لليهود على المؤمنين"! ذكر من قال ذلك : 12168 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره : " فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم " ، قال : المنافقون ، في مصانعة يهود ، ومناجاتهم ، واسترضاعهم أولادهم إياهم ، وقول الله تعالى ذكره : " نخشى أن تصيبنا دائرة " ، قال يقول : نخشى أن تكون الدائرة لليهود . 12169 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . 12170 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " فترى الذين في قلوبهم مرض " إلى قوله : "نادمين " ، أناس من المنافقين كانوا يوادون اليهود ويناصحونهم دون المؤمنين . 12171 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، [ ص: 404 ] حدثنا أسباط ، عن السدي : " فترى الذين في قلوبهم مرض " ، قال : شك " يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة " ، و"الدائرة " ، ظهور المشركين عليهم . قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن ذلك من الله خبر عن ناس من المنافقين كانوا يوالون اليهود والنصارى ويغشون المؤمنين ، ويقولون : نخشى أن تدور دوائر إما لليهود والنصارى ، وإما لأهل الشرك من عبدة الأوثان ، أو غيرهم على أهل الإسلام ، أو تنزل بهؤلاء المنافقين نازلة ، فيكون بنا إليهم حاجة . وقد يجوز أن يكون ذلك كان من قول عبد الله بن أبي ، ويجوز أن يكون كان من قول غيره ، غير أنه لا شك أنه من قول المنافقين . فتأويل الكلام إذا : فترى يا محمد ، الذين في قلوبهم شك ، ومرض إيمان بنبوتك وتصديق ما جئتهم به من عند ربك "يسارعون فيهم " ، يعني في اليهود والنصارى ويعني بمسارعتهم فيهم : مسارعتهم في موالاتهم ومصانعتهم " يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة " ، يقول هؤلاء المنافقون : إنما نسارع في موالاة هؤلاء اليهود والنصارى ، خوفا من دائرة تدور علينا من عدونا . ويعني ب"الدائرة " ، الدولة ، كما قال الراجز : ترد عنك القدر المقدورا ودائرات الدهر أن تدورا [ ص: 405 ] يعني : أن تدول للدهر دولة ، فنحتاج إلى نصرتهم إيانا ، فنحن نواليهم لذلك . فقال الله تعالى ذكره لهم : " فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين " . القول في تأويل قوله ( فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ( 52 ) ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده " ، فلعل الله أن يأتي بالفتح . ثم اختلفوا في تأويل"الفتح " في هذا الموضع . فقال بعضهم : عني به ههنا ، القضاء . ذكر من قال ذلك : 12172 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فعسى الله أن يأتي بالفتح " ، قال : بالقضاء . وقال آخرون : عني به فتح مكة . ذكر من قال ذلك : 12173 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " فعسى الله أن يأتي بالفتح " ، قال : فتح مكة . و"الفتح " في كلام العرب هو القضاء ، كما قال قتادة ، ومنه قول الله تعالى [ ص: 406 ] ذكره : ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق ) [ سورة الأعراف : 89 ] . وقد يجوز أن يكون ذلك القضاء الذي وعد الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بقوله : "فعسى الله أن يأتي بالفتح " فتح مكة ، لأن ذلك كان من عظيم قضاء الله ، وفصل حكمه بين أهل الإيمان والكفر ، ومقررا عند أهل الكفر والنفاق ، أن الله معلي كلمته وموهن كيد الكافرين . وأما قوله : "أو أمر من عنده " ، فإن السدي كان يقول في ذلك ، ما : - 12174 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "أو أمر من عنده " قال : " الأمر " ، الجزية . وقد يحتمل أن يكون "الأمر " الذي وعد الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يأتي به هو الجزية ، ويحتمل أن يكون غيرها . غير أنه أي ذلك كان ، فهو مما فيه إدالة المؤمنين على أهل الكفر بالله وبرسوله ، ومما يسوء المنافقين ولا يسرهم . وذلك أن الله تعالى ذكره قد أخبر عنهم أن ذلك الأمر إذا جاء ، أصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين . وأما قوله : " فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين " ، فإنه يعني هؤلاء المنافقين الذين كانوا يوالون اليهود والنصارى . يقول تعالى ذكره : لعل الله أن يأتي بأمر من عنده يديل به المؤمنين على الكافرين من اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر ، فيصبح هؤلاء المنافقون على ما أسروا في أنفسهم من مخالة اليهود والنصارى ومودتهم ، وبغضة المؤمنين ومحادتهم ، "نادمين " ، كما : - [ ص: 407 ] 12175 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين " ، من موادتهم اليهود ، ومن غشهم للإسلام وأهله . القول في تأويل قوله ( ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين ( 53 ) ) قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة قوله : "ويقول الذين آمنوا" . فقرأتها قرأة أهل المدينة : ( فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله ) بغير"واو" . وتأويل الكلام على هذه القراءة : فيصبح المنافقون إذا أتى الله بالفتح أو أمر من عنده ، على ما أسروا في أنفسهم نادمين ، يقول المؤمنون تعجبا منهم ومن نفاقهم وكذبهم واجترائهم على الله في أيمانهم الكاذبة بالله : أهؤلاء الذين أقسموا لنا بالله إنهم لمعنا ، وهم كاذبون في أيمانهم لنا؟ وهذا المعنى قصد مجاهد في تأويله ، ذلك الذي : - 12176 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده " ، حينئذ ، "يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين" . [ ص: 408 ] وكذلك ذلك في مصاحف أهل المدينة بغير"واو" . وقرأ ذلك بعض البصريين : ( ويقول الذين آمنوا ) بالواو ، ونصب "يقول " عطفا به على" فعسى الله أن يأتي بالفتح " . وذكر قارئ ذلك أنه كان يقول : إنما أريد بذلك : فعسى الله أن يأتي بالفتح ، وعسى أن يقول الذين آمنوا ومحال غير ذلك ، لأنه لا يجوز أن يقال : "وعسى الله أن يقول الذين آمنوا " ، وكان يقول : ذلك نحو قولهم : "أكلت خبزا ولبنا " ، كقول الشاعر : ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا فتأويل الكلام على هذه القراءة : فعسى الله أن يأتي بالفتح المؤمنين ، أو أمر من عنده يديلهم به على أهل الكفر من أعدائهم ، فيصبح المنافقون على ما أسروا في أنفسهم نادمين وعسى أن يقول الذين آمنوا حينئذ : أهؤلاء الذين أقسموا بالله كذبا جهد أيمانهم إنهم لمعكم؟ وهي في مصاحف أهل العراق بالواو : ( ويقول الذين آمنوا ) وقرأ ذلك قرأة الكوفيين ( ويقول الذين آمنوا ) بالواو ، ورفع "يقول " ، بالاستقبال والسلامة من الجوازم والنواصب . وتأويل من قرأ ذلك كذلك : فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم يندمون ، ويقول الذين آمنوا ، فيبتدئ "يقول " فيرفعها . قال أبو جعفر : وقراءتنا التي نحن عليها " ويقول " بإثبات "الواو " في [ ص: 409 ] "ويقول " ، لأنها كذلك هي في مصاحفنا مصاحف أهل المشرق بالواو ، وبرفع "يقول " على الابتداء . فتأويل الكلام إذ كانت القراءة عندنا على ما وصفنا : فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ، ويقول المؤمنون : أهؤلاء الذين حلفوا لنا بالله جهد أيمانهم كذبا إنهم لمعنا؟ يقول الله تعالى ذكره ، مخبرا عن حالهم عنده بنفاقهم وخبث أعمالهم "حبطت أعمالهم " ، يقول : ذهبت أعمالهم التي عملوها في الدنيا باطلا لا ثواب لها ولا أجر ، لأنهم عملوها على غير يقين منهم بأنها عليهم لله فرض واجب ، ولا على صحة إيمان بالله ورسوله ، وإنما كانوا يعملونها ليدفعوا المؤمنين بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم ، فأحبط الله أجرها ، إذ لم تكن له "فأصبحوا خاسرين " ، يقول : فأصبح هؤلاء المنافقون ، عند مجيء أمر الله بإدالة المؤمنين على أهل الكفر ، قد وكسوا في شرائهم الدنيا بالآخرة ، وخابت صفقتهم وهلكوا . القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله وبرسوله : "يا أيها الذين آمنوا " ، أي : صدقوا لله ورسوله ، وأقروا بما جاءهم به نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم" من يرتد منكم عن دينه " ، يقول : من يرجع منكم عن دينه الحق الذي [ ص: 410 ] هو عليه اليوم ، فيبدله ويغيره بدخوله في الكفر ، إما في اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك من صنوف الكفر ، فلن يضر الله شيئا ، وسيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ، يقول : فسوف يجيء الله بدلا منهم ، المؤمنين الذين لم يبدلوا ولم يغيروا ولم يرتدوا ، بقوم خير من الذين ارتدوا وبدلوا دينهم ، يحبهم الله ويحبون الله . وكان هذا الوعيد من الله لمن سبق في علمه أنه سيرتد بعد وفاة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . وكذلك وعده من وعد من المؤمنين ما وعده في هذه الآية ، لمن سبق له في علمه أنه لا يبدل ولا يغير دينه ، ولا يرتد . فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، ارتد أقوام من أهل الوبر ، وبعض أهل المدر ، فأبدل الله المؤمنين بخير منهم كما قال تعالى ذكره ، ووفى للمؤمنين بوعده ، وأنفذ فيمن ارتد منهم وعيده . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12177 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني عبد الله بن عياش ، عن أبي صخر ، عن محمد بن كعب : أن عمر بن عبد العزيز أرسل إليه يوما ، وعمر أمير المدينة يومئذ ، فقال : يا أبا حمزة ، آية أسهرتني البارحة ! قال محمد : وما هي ، أيها الأمير؟ قال : قول الله : " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه " حتى بلغ " ولا يخافون لومة لائم " . فقال محمد : أيها الأمير ، إنما عنى الله بالذين آمنوا ، الولاة من قريش ، من يرتد عن الحق . [ ص: 411 ] ثم اختلف أهل التأويل في أعيان القوم الذين أتى الله بهم المؤمنين ، وأبدل المؤمنين مكان من ارتد منهم . فقال بعضهم : هو أبو بكر الصديق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة حتى أدخلوهم من الباب الذي خرجوا منه . ذكر من قال ذلك : 12178 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا حفص بن غياث ، عن الفضل بن دلهم ، عن الحسن في قوله : " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " ، قال : هذا والله أبو بكر وأصحابه . 12179 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن الفضل بن دلهم ، عن الحسن ، مثله . 12180 - حدثنا هناد قال ، حدثنا عبدة بن سليمان ، عن جويبر ، عن سهل ، عن الحسن في قوله : " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " ، قال : أبو بكر وأصحابه . 12181 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا حسين بن علي ، عن أبي موسى قال : قرأ الحسن : " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " ، قال : هي والله لأبي بكر وأصحابه . 12182 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال ، حدثنا أحمد بن بشير ، عن هشام ، [ ص: 412 ] عن الحسن في قوله : " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " ، قال : نزلت في أبي بكر وأصحابه . 12183 - حدثني علي بن سعيد بن مسروق الكندي قال ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم " ، قال : هو أبو بكر وأصحابه . لما ارتد من ارتد من العرب عن الإسلام ، جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردهم إلى الإسلام . 12184 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " ، إلى قوله : "والله واسع عليم " ، أنزل الله هذه الآية وقد علم أن سيرتد مرتدون من الناس ، فلما قبض الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، ارتد عامة العرب عن الإسلام إلا ثلاثة مساجد : أهل المدينة ، وأهل مكة ، وأهل البحرين من عبد القيس قالوا : نصلي ولا نزكي ، والله لا تغصب أموالنا! فكلم أبو بكر في ذلك فقيل له : إنهم لو قد فقهوا لهذا أعطوها أو : أدوها فقال : لا والله ، لا أفرق بين شيء جمع الله بينه ، ولو منعوا عقالا مما فرض الله ورسوله لقاتلناهم عليه! [ ص: 413 ] فبعث الله عصابة مع أبي بكر ، فقاتل على ما قاتل عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم ، حتى سبى وقتل وحرق بالنيران أناسا ارتدوا عن الإسلام ومنعوا الزكاة ، فقاتلهم حتى أقروا بالماعون وهي الزكاة صغرة أقمياء . فأتته وفود العرب ، فخيرهم بين خطة مخزية أو حرب مجلية . فاختاروا الخطة المخزية ، وكانت أهون عليهم أن يقروا : أن قتلاهم في النار ، وأن قتلى المؤمنين في الجنة ، وأن ما أصابوا من المسلمين من مال ردوه عليهم ، وما أصاب المسلمون لهم من مال فهو لهم حلال . 12185 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " ، قال ابن جريج : ارتدوا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقاتلهم أبو بكر . 12186 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن هشام [ ص: 414 ] قال ، أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن أبي أيوب ، عن علي في قوله : " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه " ، قال : علم الله المؤمنين ، ووقع معنى السوء على الحشو الذي فيهم من المنافقين ومن في علمه أن يرتدوا ، قال : " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله " ، المرتدة في دورهم " بقوم يحبهم ويحبونه " ، بأبي بكر وأصحابه . وقال آخرون : يعني بذلك قوما من أهل اليمن . وقال بعض من قال ذلك منهم : هم رهط أبي موسى الأشعري ، عبد الله بن قيس . ذكر من قال ذلك : 12188 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، عن عياض الأشعري قال : لما نزلت هذه الآية ، " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " ، [ ص: 415 ] قال : أومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي موسى بشيء كان معه ، فقال : هم قوم هذا ! 12189 - حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا أبو الوليد قال ، حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، قال : سمعت عياضا يحدث عن أبي موسى : أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية : " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " ، قال : يعني قوم أبي موسى . 12190 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن شعبة قال أبو السائب : قال أصحابنا : هو : "عن سماك بن حرب " ، وأنا لا أحفظ " سماكا " عن عياض الأشعري ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هم قوم هذا ، يعني أبا موسى . 12191 - حدثنا سفيان بن وكيع قال حدثنا ابن إدريس ، عن شعبة ، عن سماك ، عن عياض الأشعري ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى : هم قوم هذا ، في قوله : " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " . 12192 - حدثنا مجاهد بن موسى قال ، حدثنا يزيد قال ، أخبرنا شعبة ، عن سماك بن حرب قال : سمعت عياضا الأشعري يقول : لما نزلت : " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هم قومك يا أبا موسى ! أو قال : هم قوم هذا يعني أبا موسى . [ ص: 416 ] 12193 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو سفيان الحميري ، عن حصين ، عن عياض أو : ابن عياض " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " ، قال : هم أهل اليمن . 12194 - حدثنا محمد بن عوف قال ، حدثنا أبو المغيرة قال ، حدثنا صفوان قال ، حدثنا عبد الرحمن بن جبير ، عن شريح بن عبيد قال : لما أنزل الله : " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه " إلى آخر الآية ، قال عمر : أنا وقومي هم يا رسول الله ؟ قال : " لا بل هذا وقومه ! يعني أبا موسى الأشعري . [ ص: 417 ] وقال آخرون منهم : بل هم أهل اليمن جميعا . ذكر من قال ذلك : 12195 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " يحبهم ويحبونه " ، قال : أناس من أهل اليمن . 12196 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . 12197 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد قال : هم قوم سبأ . 12198 - حدثنا مطر بن محمد الضبي قال ، حدثنا أبو داود قال ، أخبرنا شعبة قال ، أخبرني من سمع شهر بن حوشب قال : هم أهل اليمن . 12199 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني عبد الله بن عياش ، عن أبي صخر ، عن محمد بن كعب القرظي : أن عمر بن عبد العزيز أرسل إليه يوما ، وهو أمير المدينة ، يسأله عن ذلك : فقال محمد : "يأتي الله بقوم " ، وهم أهل اليمن ! قال عمر : يا ليتني منهم! قال : آمين ! وقال آخرون : هم أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : 12200 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، [ ص: 418 ] حدثنا أسباط ، عن السدي : " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " ، يزعم أنهم الأنصار . وتأويل الآية على قول من قال : عنى الله بقوله : " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه " ، أبا بكر وأصحابه في قتالهم أهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أيها الذين آمنوا ، من يرتد منكم عن دينه فلن يضر الله شيئا ، وسيأتي الله من ارتد منكم عن دينه بقوم يحبهم ويحبونه ، ينتقم بهم منهم على أيديهم . وبذلك جاء الخبر والرواية عن بعض من تأول ذلك كذلك : 12201 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن هشام قال ، أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي في قوله : " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم " ، قال يقول : فسوف يأتي الله المرتدة في دورهم "بقوم يحبهم ويحبونه " ، بأبي بكر وأصحابه . وأما على قول من قال : عنى الله بذلك أهل اليمن ، فإن تأويله : يا أيها الذين آمنوا ، من يرتد منكم عن دينه ، فسوف يأتي الله المؤمنين الذين لم يرتدوا ، بقوم يحبهم ويحبونه ، أعوانا لهم وأنصارا . وبذلك جاءت الرواية عن بعض من كان يتأول ذلك كذلك . 12202 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " فأصبحوا خاسرين ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه " الآية وعيد من الله أنه من ارتد منكم ، أنه سيستبدل خيرا منهم . وأما على قول من قال : عنى بذلك الأنصار ، فإن تأويله في ذلك نظير تأويل من تأوله أنه عني به أبو بكر وأصحابه . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، ما روي به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنهم أهل اليمن ، قوم أبي موسى الأشعري . ولولا الخبر الذي روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبر الذي روي عنه ، ما كان القول عندي في ذلك إلا قول من قال : "هم أبو بكر وأصحابه" . وذلك أنه لم يقاتل قوما كانوا أظهروا الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتدوا على أعقابهم كفارا ، غير أبي بكر ومن كان معه ممن قاتل أهل الردة معه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولكنا تركنا القول في ذلك للخبر الذي روي فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن كان صلى الله عليه وسلم معدن البيان عن تأويل ما أنزل الله من وحيه وآي كتابه . فإن قال لنا قائل : فإن كان القوم الذين ذكر الله أنه سيأتي بهم عند ارتداد من ارتد عن دينه ، ممن كان قد أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أهل اليمن ، فهل كان أهل اليمن أيام قتال أبي بكر رضي الله عنه أهل الردة أعوان أبي بكر على قتالهم ، فتستجيز أن توجه تأويل الآية إلى ما وجهت إليه؟ [ ص: 420 ] أم لم يكونوا أعوانا له عليهم ، فكيف استجزت أن توجه تأويل الآية إلى ذلك ، وقد علمت أنه لا خلف لوعد الله؟ قيل له : إن الله تعالى ذكره لم يعد المؤمنين أن يبدلهم بالمرتدين منهم يومئذ خيرا من المرتدين لقتال المرتدين ، وإنما أخبر أنه سيأتيهم بخير منهم بدلا منهم ، فقد فعل ذلك بهم قريبا غير بعيد ، فجاء بهم على عهد عمر ، فكان موقعهم من الإسلام وأهله أحسن موقع ، وكانوا أعوان أهل الإسلام وأنفع لهم ممن كان ارتد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من طغام الأعراب وجفاة أهل البوادي الذين كانوا على أهل الإسلام كلا لا نفعا؟ قال أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة قوله : " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه " . فقرأته قرأة أهل المدينة : ( يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه ) ، بإظهار التضعيف بدالين ، مجزومة "الدال " الآخرة . وكذلك ذلك في مصاحفهم . وأما قرأة أهل العراق ، فإنهم قرأوا ذلك : ( من يرتد منكم عن دينه ) بالإدغام ، بدال واحدة ، وتحريكها إلى الفتح ، بناء على التثنية ، لأن المجزوم الذي يظهر تضعيفه في الواحد ، إذا ثني أدغم . ويقال للواحد : " اردد يا فلان إلى فلان حقه " ، فإذا ثني قيل : "ردا إليه حقه " ، ولا يقال : "ارددا " ، وكذلك في الجمع : "ردوا " ، ولا يقال : "ارددوا " ، فتبني العرب أحيانا الواحد على الاثنين ، وتظهر [ ص: 421 ] أحيانا في الواحد التضعيف لسكون لام الفعل . وكلتا اللغتين فصيحة مشهورة في العرب . قال أبو جعفر : والقراءة في ذلك عندنا على ما هو به في مصاحفنا ومصاحف أهل المشرق ، بدال واحدة مشددة ، بترك إظهار التضعيف ، وبفتح"الدال " ، للعلة التي وصفت . ![]()
__________________
|
|
#10
|
||||
|
||||
![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (560) صــ 421 إلى صــ 435 القول في تأويل قوله ( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "أذلة على المؤمنين " ، أرقاء عليهم ، رحماء بهم . من قول القائل : "ذل فلان لفلان" . إذا خضع له واستكان . ويعني بقوله : " أعزة على الكافرين " ، أشداء عليهم ، غلظاء بهم . من قول القائل : " قد عزني فلان " ، إذا أظهر العزة من نفسه له ، وأبدى له الجفوة والغلظة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12203 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن هاشم [ ص: 422 ] قال ، أخبرنا سيف بن عمر ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي في قوله : " أذلة على المؤمنين " ، أهل رقة على أهل دينهم " أعزة على الكافرين " ، أهل غلظة على من خالفهم في دينهم . 12204 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " ، يعني بالأذلة : الرحماء . 12205 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج في قوله : " أذلة على المؤمنين " ، قال : رحماء بينهم " أعزة على الكافرين " ، قال : أشداء عليهم . 12206 - حدثنا الحارث بن محمد قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، قال سفيان : سمعت الأعمش يقول في قوله : " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " ، ضعفاء عن المؤمنين . القول في تأويل قوله ( يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ( 54 ) ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " يجاهدون في سبيل الله " ، هؤلاء المؤمنين الذين وعد الله المؤمنين أن يأتيهم بهم إن ارتد منهم مرتد بدلا منهم ، [ ص: 423 ] يجاهدون في قتال أعداء الله على النحو الذي أمر الله بقتالهم ، والوجه الذي أذن لهم به ، ويجاهدون عدوهم . فذلك مجاهدتهم في سبيل الله " ولا يخافون لومة لائم " ، يقول : ولا يخافون في ذات الله أحدا ، ولا يصدهم عن العمل بما أمرهم الله به من قتال عدوهم لومة لائم لهم في ذلك . وأما قوله : " ذلك فضل الله " ، فإنه يعني هذا النعت الذي نعتهم به تعالى ذكره من أنهم أذلة على المؤمنين ، أعزة على الكافرين ، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومة لائم ، فضل الله الذي تفضل به عليهم ، والله يؤتي فضله من يشاء من خلقه منة عليه وتطولا "والله واسع " ، يقول : والله جواد بفضله على من جاد به عليه ، لا يخاف نفاد خزائنه فتتلف في عطائه "عليم " ، بموضع جوده وعطائه ، فلا يبذله إلا لمن استحقه ، ولا يبذل لمن استحقه إلا على قدر المصلحة ، لعلمه بموضع صلاحه له من موضع ضره . [ ص: 424 ] القول في تأويل قوله ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ( 55 ) ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " ، ليس لكم ، أيها المؤمنون ، ناصر إلا الله ورسوله ، والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر تعالى ذكره . فأما اليهود والنصارى الذين أمركم الله أن تبرأوا من ولايتهم ، ونهاكم أن تتخذوا منهم أولياء ، فليسوا لكم أولياء لا نصراء ، بل بعضهم أولياء بعض ، ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا . وقيل إن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت ، في تبرئه من ولاية يهود بني قينقاع وحلفهم ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين . ذكر من قال ذلك : 12207 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثنا ابن إسحاق قال ، حدثني والدي إسحاق بن يسار ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحد بني عوف بن الخزرج فخلعهم إلى رسول الله ، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم ، وقال : أتولى الله ورسوله والمؤمنين ، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم! ففيه نزلت : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " لقول عبادة : "أتولى الله ورسوله والذين آمنوا " ، وتبرئه من بني قينقاع وولايتهم إلى [ ص: 425 ] قوله : " فإن حزب الله هم الغالبون " . 12208 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس قال : سمعت أبي ، عن عطية بن سعد قال : جاء عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نحوه . 12209 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " ، يعني : أنه من أسلم تولى الله ورسوله . وأما قوله : " والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " ، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني به . فقال بعضهم : عني به علي بن أبي طالب . وقال بعضهم : عني به جميع المؤمنين . ذكر من قال ذلك : 12210 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " ، هؤلاء جميع المؤمنين ، ولكن علي بن أبي طالب مر به سائل وهو راكع في المسجد ، فأعطاه خاتمه . 12211 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا عبدة ، عن عبد الملك ، عن أبي جعفر قال : سألته عن هذه الآية : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " [ ص: 426 ] ، قلت : من الذين آمنوا؟ قال : الذين آمنوا! قلنا : بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب ! قال : علي من الذين آمنوا . 12212 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن عبد الملك قال : سألت أبا جعفر عن قول الله : " إنما وليكم الله ورسوله " ، وذكر نحو حديث هناد ، عن عبدة . 12213 - حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال ، حدثنا أيوب بن سويد قال ، حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " ، قال : علي بن أبي طالب . 12214 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا غالب بن عبيد الله قال : سمعت مجاهدا يقول في قوله : " إنما وليكم الله ورسوله " ، الآية ، قال : نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدق وهو راكع . [ ص: 427 ] القول في تأويل قوله ( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ( 56 ) ) قال أبو جعفر : وهذا إعلام من الله تعالى ذكره عباده جميعا الذين تبرأوا من حلف اليهود وخلعوهم رضى بولاية الله ورسوله والمؤمنين ، والذين تمسكوا بحلفهم وخافوا دوائر السوء تدور عليهم ، فسارعوا إلى موالاتهم أن من وثق بالله وتولى الله ورسوله والمؤمنين ، ومن كان على مثل حاله من أولياء الله من المؤمنين ، لهم الغلبة والدوائر والدولة على من عاداهم وحادهم ، لأنهم حزب الله ، وحزب الله هم الغالبون ، دون حزب الشيطان ، كما : - 12215 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : أخبرهم يعني الرب تعالى ذكره من الغالب ، فقال : لا تخافوا الدولة ولا الدائرة ، فقال : " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون " ، و"الحزب " هم الأنصار . [ ص: 428 ] ويعني بقوله : " فإن حزب الله " ، فإن أنصار الله ، ومنه قول الراجز : وكيف أضوى وبلال حزبي ! يعني بقوله : "أضوى " ، أستضعف وأضام من الشيء"الضاوي" . ويعني بقوله : "وبلال حزبي " ، يعني : ناصري . القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ( 57 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الذين آمنوا " ، أي : صدقوا الله ورسوله " لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " ، يعني اليهود والنصارى الذين [ ص: 429 ] جاءتهم الرسل والأنبياء ، وأنزلت عليهم الكتب من قبل بعث نبينا صلى الله عليه وسلم ، ومن قبل نزول كتابنا " أولياء " ، يقول : لا تتخذوهم ، أيها المؤمنون ، أنصارا أو إخوانا أو حلفاء ، فإنهم لا يألونكم خبالا وإن أظهروا لكم مودة وصداقة . وكان اتخاذ هؤلاء اليهود الذين أخبر الله عنهم المؤمنين أنهم اتخذوا دينهم هزوا ولعبا بالدين على ما وصفهم به ربنا تعالى ذكره ، أن أحدهم كان يظهر للمؤمنين الإيمان وهو على كفره مقيم ، ثم يراجع الكفر بعد يسير من المدة بإظهار ذلك بلسانه قولا بعد أن كان يبدي بلسانه الإيمان قولا وهو للكفر مستبطن تلعبا بالدين واستهزاء به ، كما أخبر تعالى ذكره عن فعل بعضهم ذلك بقوله : ( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) [ سورة البقرة : 14 ، 15 ] . وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن ابن عباس . 12216 - حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا : حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثني ابن إسحاق قال ، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال ، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا ، وكان رجال من المسلمين يوادونهما ، فأنزل الله فيهما : " هم الغالبون ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء " إلى قوله " والله أعلم بما كانوا يكتمون " . فقد أبان هذا الخبر عن صحة ما قلنا ، من أن اتخاذ من اتخذ دين الله هزوا ولعبا من أهل الكتاب الذين ذكرهم الله في هذه الآية ، إنما كان بالنفاق منهم وإظهارهم للمؤمنين الإيمان ، واستبطانهم الكفر ، وقيلهم لشياطينهم من اليهود إذا خلوا بهم : "إنا معكم " ، فنهى الله عن موادتهم ومخالتهم ، والتمسك بحلفهم ، والاعتداد بهم أولياء ، وأعلمهم أنهم لا يألونهم خبالا وفي دينهم طعنا ، وعليه إزراء . وأما " الكفار " الذين ذكرهم الله تعالى ذكره في قوله : "من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء " ، فإنهم المشركون من عبدة الأوثان . نهى الله المؤمنين أن يتخذوا من أهل الكتاب ومن عبدة الأوثان وسائر أهل الكفر أولياء دون المؤمنين . وكان ابن مسعود فيما : - 12217 - حدثني به أحمد بن يوسف قال ، حدثنا القاسم بن سلام قال ، حدثنا حجاج ، عن هارون ، عن ابن مسعود يقرأ : ( من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا ) . ففي هذا بيان صحة التأويل الذي تأولناه في ذلك . [ ص: 431 ] واختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته جماعة من أهل الحجاز والبصرة والكوفة : ( والكفار أولياء ) بخفض"الكفار " ، بمعنى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ، ومن الكفار ، أولياء . وكذلك ذلك في قراءة أبي بن كعب فيما بلغنا : ( من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفار أولياء ) . وقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة والكوفة : ( والكفار أولياء ) بالنصب ، بمعنى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا والكفار عطفا ب"الكفار " على"الذين اتخذوا" . قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان متفقتا المعنى ، صحيحتا المخرج ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرأة ، فبأي ذلك قرأ القارئ فقد أصاب . لأن النهي عن اتخاذ ولي من الكفار ، نهي عن اتخاذ جميعهم أولياء . والنهي عن اتخاذ جميعهم أولياء ، نهي عن اتخاذ بعضهم وليا . وذلك أنه غير مشكل على أحد من أهل الإسلام أن الله تعالى ذكره إذا حرم اتخاذ ولي من المشركين على المؤمنين ، أنه لم يبح لهم اتخاذ جميعهم أولياء ولا إذا حرم اتخاذ جميعهم أولياء ، أنه لم يخصص إباحة اتخاذ بعضهم وليا ، فيجب من أجل إشكال ذلك عليهم ، طلب الدليل على أولى القراءتين في ذلك بالصواب . وإذ كان ذلك كذلك ، فسواء قرأ القارئ بالخفض أو بالنصب ، لما ذكرنا من العلة . وأما قوله : " واتقوا الله إن كنتم مؤمنين " ، فإنه يعني : وخافوا الله ، أيها المؤمنون ، [ ص: 432 ] في هؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب ومن الكفار ، أن تتخذوهم أولياء ونصراء ، وارهبوا عقوبته في فعل ذلك إن فعلتموه بعد تقدمه إليكم بالنهي عنه ، إن كنتم تؤمنون بالله وتصدقونه على وعيده على معصيته . القول في تأويل قوله ( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ( 58 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وإذا أذن مؤذنكم ، أيها المؤمنون بالصلاة ، سخر من دعوتكم إليها هؤلاء الكفار مناليهود والنصارى والمشركين ، ولعبوا من ذلك "ذلك بأنهم قوم لا يعقلون " ، يعني تعالى ذكره بقوله : "ذلك " ، فعلهم الذي يفعلونه ، وهو هزؤهم ولعبهم من الدعاء إلى الصلاة ، إنما يفعلونه بجهلهم بربهم ، وأنهم لا يعقلون ما لهم في إجابتهم إن أجابوا إلى الصلاة ، وما عليهم في استهزائهم ولعبهم بالدعوة إليها ، ولو عقلوا ما لمن فعل ذلك منهم عند الله من العقاب ، ما فعلوه . وقد ذكر عن السدي في تأويله ما : - 12218 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا " ، كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي : "أشهد أن محمدا رسول الله " ، قال : "حرق الكاذب"! فدخلت خادمه ذات ليلة من الليالي بنار وهو نائم وأهله نيام ، فسقطت شرارة فأحرقت البيت ، فاحترق هو وأهله . [ ص: 433 ] القول في تأويل قوله ( قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون ( 59 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل ، يا محمد ، لأهل الكتاب من اليهود والنصارى : يا أهل الكتاب ، هل تكرهون منا أو تجدون علينا في شيء إذ تستهزئون بديننا ، وإذ أنتم إذا نادينا إلى الصلاة اتخذتم نداءنا ذلك هزوا ولعبا "إلا أن آمنا بالله " ، يقول : إلا أن صدقنا وأقررنا بالله فوحدناه ، وبما أنزل إلينا من عند الله من الكتاب ، وما أنزل إلى أنبياء الله من الكتب من قبل كتابنا " وأن أكثركم فاسقون " ، يقول : وإلا أن أكثركم مخالفون أمر الله ، خارجون عن طاعته ، تكذبون عليه . والعرب تقول : "نقمت عليك كذا أنقم " وبه قرأه القرأة من أهل الحجاز والعراق وغيرهم و"نقمت أنقم " ، لغتان ، ولا نعلم قارئا قرأ بهما بمعنى وجدت وكرهت ، ومنه قول عبد الله بن قيس الرقيات : ما نقموا من بني أمية إلا أنهم يحلمون إن غضبوا [ ص: 434 ] وقد ذكر أن هذه الآية نزلت بسبب قوم من اليهود . ذكر من قال ذلك : 12219 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثنا محمد بن إسحاق ، قال ، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال ، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب ، ورافع بن أبي رافع ، وعازر ، وزيد ، وخالد ، وأزار بن أبي أزار ، وأشيع ، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل؟ قال : أومن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون . فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته وقالوا : لا نؤمن بمن آمن به ! فأنزل الله فيهم : " قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون " . [ ص: 435 ] عطفا بها على"أن " التي في قوله : "إلا أن آمنا بالله " ، لأن معنى الكلام : هل تنقمون منا إلا إيماننا بالله وفسقكم . القول في تأويل قوله ( قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : "قل " ، يا محمد ، لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار "هل أنبئكم " ، يا معشر أهل الكتاب ، بشر من ثواب ما تنقمون منا من إيماننا بالله وما أنزل إلينا من كتاب الله ، وما أنزل من قبلنا من كتبه؟ [ و"مثوبة " ، تقديرها مفعولة" ] ، غير أن عين الفعل لما سقطت نقلت حركتها إلى"الفاء " ، وهي"الثاء " من"مثوبة " ، فخرجت مخرج "مقولة " ، و"محورة " ، و"مضوفة " ، ![]()
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |