تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 55 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أصول بلا تأصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 99 )           »          ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب (مطوية) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 71 )           »          حديث: سُئِلَ ابنُ عُمرَ عن صومِ عرفةَ بعرفةَ ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 67 )           »          الرزق ليس المال فقط! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          صور رائعة من المسارعة إلى الخيرات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          قيمنا في العشر من ذي الحجة: قيمة تعظيم شعائر الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          هل مع حب لذة المعصية توبة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          التبصر والبصيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          الإجازة الصيفية للأبناء .. خطة لتحويل القراءة إلى متعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          وقفات مع حجة النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #541  
قديم 03-05-2021, 03:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

التحذير من اتباع غير سبيل المؤمنين
وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:115]، ما هو سبيل المؤمنين؟ الصراط المستقيم الذي نسأل الله إياها في سورة الفاتحة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، إذ إن الصراط المستقيم هو الطريق الموصل إلى رضوان الله وجواره في الدار الآخرة، وهذا الطريق معشر المسلمين والمسلمات! هو أوامر هنا ونواهي هنا، وامش أنت بينهما، فلا تهمل واجباً ولا تغشى حراماً، وامش عاماً وعامين حتى ينتهي عمرك وتموت على هذا المنهج الرباني فتكون من أهل الجنة دار السلام، وقد يكون الصراط خمسين سنة بالنسبة إلى عمرك، فإن زلت القدم واستغفلك العدو وأنت سائر إلى الله، كأن تركت واجباً أو فعلت حراماً، فانهض على الفور وأنت تصرخ: أتوب إلى الله، أستغفر الله، أستغفر الله، وواصل سيرك حتى يختم لك بخاتمة السعادة وتدخل الجنة.إن سبيل المؤمنين بعبارة أوضح، اسمعوا! بلغوا! تحدثوا بهذا الكلام مع إخوانكم ومع نسائكم: كان الحبيب صلى الله عليه وسلم في مسجده هذا يعلم أصحابه الكتاب والحكمة ويزكيهم، يعلمهم الكتاب وهو القرآن، ويعلمهم الحكمة وهي السنة، ويزكيهم بأن يطهر قلوبهم من أوضار الذنوب والآثام والأخلاق الفاسدة والمفاهيم السيئة، فمن لنا يا ربنا يعلمنا الكتاب والحكمة ويزكي نفوسنا؟ يا عبد الله! لو طلبت لوجدت، لكن ما طلبنا ولا رغبنا، والمفروض فينا والواجب علينا معاشر المسلمين! على اختلاف ديارنا ولغتنا، أننا ما بين المغرب والعشاء نجلس هذا الجلوس كما تشاهد وتنظر، وذلك من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء؛ لنتعلم الكتاب والحكمة ونزكي أنفسنا يوماً بعد يوم، بل العمر كاملاً، فهل يبقى جاهل؟ وهل يبقى ضال؟ وهل يبقى فاسد؟ لا والله، ولكن العدو أبعدنا عن الكتاب والحكمة وتزكية النفوس، فتهنا في متاهات الضلال، وهذه هي حالنا، والرسول الكريم يقول وهو ينظر إلى هذا الواقع: ( لقد افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة )، فدينهم واحده ولكن جزءوه وقسموه حتى أصبح إحدى وسبعين طائفة، ( وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة )، بزيادة فرقة واحدة، والله الذي لا إله إلا الله غيره لكما أخبر رسول الله، ولن يستطيع نصراني أن يرد هذا إلا إذا كان جاهلاً، فالإنجيل قد حولوه إلى خمسة وثلاثين إنجيلاً، لكن لما عيبوا ولوموا جمعوا الخمسة والثلاثين في خمسة أناجيل! فكيف كتاب الله يحول إلى خمسة كتب؟! وأين الحق الذي فيه إذاً؟ والقرآن لمَ ما حوله؟ تولى الله حفظه فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، والله لو قدروا لقسموه إلى سبعين وثمانين، وقد قلت لكم: حاولوا في مؤتمرات ظالمة في ظلمة على إسقاط كلمة: (قل) فقط من القرآن فعجزوا؛ لأن الله تعهد بحفظه فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة )، أكثر من النصرانية واليهودية، فالرسول قال هذا والمؤمنون بين يديه، لا هم في الشام ولا في العراق ولا في الهند ولا في السند ولا في المغرب، وإنما بين يديه في المدينة، وصدق رسول الله، إذ في القرية الواحدة تجد هؤلاء إخوان سيدي عبد الحفيظ، وهؤلاء إخوان سيدي عبد القادر، وهؤلاء إخوان مولاي إدريس، وهؤلاء إخوان كذا، فتجد الجماعات والجماعات، ثم ماذا؟ المذاهب والطوائف والروافض، وذلك أكثر من ثلاثين طائفة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.ثم قال في النهاية: ( كلها في النار إلا واحدة ففي الجنة )، والله العظيم، وأهل الحلقة من النساء والرجال لو تسأله فإنه يبين لك، إذ ليس في ذلك عجب أبداً؛ لأن الذي يعمل بما جاء عن رسول الله وأصحابه في عقيدته وعبادته وقضائه وآدابه وأخلاقه، فإن نفسه ستصبح مشرقة أكثر من هذا النور، ولا تتلاءم أبداً مع مكان إلا الملكوت الأعلى، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، والنفس الملطخة الملوثة بأوضار الذنوب والآثام والعقائد الباطلة أنى له أن تدخل دار السلام، والله يقول: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]؟! والبعير الأورق لا يدخل في عين الإبرة، إذ إن هذا مستحيل، وكذلك ذو النفس الخبيثة المدساة المنتنة العفنة بالشرك والمعاصي؛ يستحيل في حقها أن ترتقي إلى الملكوت الأعلى، كلا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ [المطففين:7].ثم قام أحد الصحابة فقال: من هم يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ( هم الذين يكونون على ما أنا عليه اليوم وأصحابي )، ما الذي كان عليه رسول الله وأصحابه؟ العقيدة الربانية التي جاءت في آيات الله وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم، فالعبادات من الطهارة إلى الحج كما جاءت في كتاب الله وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأحكام القضائية كما جاءت في كتاب الله وبينها رسول الله، والآداب والأخلاق كما هي في الكتاب وبينها الرسول، فهذه هي العقيدة الربانية، حتى تجد أخاك أو تجد نفسك كأنك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعقيدتك كعقيدتهم، وعبادتك كعباداتهم، وآدابك وأخلاقك مع الناس كآدابهم وأخلاقهم، وهذا يتوقف على الحلقة المفقودة وهو أن نتعلم، أن نعرف كيف كانت عقيدة الرسول وأصحابه؟ كيف كانت عبادات الرسول وأصحابه وهو يقول: ( صلوا كما رأيتموني أصلي، حجوا كما رأيتموني أحج )؟وعليه فلابد أن نتعلم لا لنتوظف، لا من أجل الدنيا وأوساخها، نعم قد نعمل فلاحين وصناعاً، لكن لابد وأن نتفرغ ساعة في اليوم من أجل أن نعرف ما هي العقيدة التي يرضاها الله لنا، وكيف العبادة؟ وكيف الآداب والأخلاق؟ وبدون هذا التعلم مستحيل أن تكون كأصحاب رسول الله في عقيدتك وآدابك وعملك وعبادتك، فمتى نرجع؟ هذا الأمر لله.إذاً: من هم يا رسول الله الناجون من النار؟ قال: ( هم الذين يكونون على ما أنا عليه اليوم وأصحابي )، فنتعلم كيف كان الرسول يعتقد، جيء إليه بأمة سوداء فقل لها: ( أين الله؟ قالت: في السماء، قال: اعتقها فإنها مؤمنة )، المذاهب الهدامة إذا قلت: الله في السماء، يتمنى قطع يدك، وإن قلت: الرسول يقول: ( إن الله يضحك لعبد من عباده )، يقولون: الذي يصف الله بالضحك كافر، وهكذا لم يبقوا لله صفة من صفاته، بحجة أن الله ليس كمثله شيء، ومن شبه الله بعباده فقد كفر، وأوقعوا الأمة في محنة أبعدوها عن الله تعالى، فاسمع يا عبد الله! هم يقولون: لا تقل: الله فوق؛ لأنك حصرته في مكان، ولا تقل: أسفل ولا عن يمين وعن شمال! وهذا خلاصته: أنه لا وجود له، ولذا فالله عز وجل فوق عرشه، وهو القائل: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، والرسول قد وصفه عندما عرج إليه، وهذا يقول: لا تقل: في السماء!والمهم يا معشر الأبناء والإخوان! يجب أن نجتمع في بيوت الله في صدق، ونتعلم كيف كانت عقيدة رسول الله وأبي بكر وأصحابه، كيف كانت عباداتهم، كيف كانت آدابهم وأخلاقهم، وإلا فلن نصل إلى هذا المستوى.والخلاصة أن سبيل المؤمنين هو ما كان عليه رسول الله وأصحابه، فلا روافض ولا خوارج ولا طوائف، وإنما مسلمون فقط، فلم يكن لأصحاب رسول الله مذهب ولا شيخ خاص ولا طريقة خاصة، بل خلال ثلاثة قرون وهم مسلمون فقط، والمسلم أخو المسلم، يعمل ويعتقد ما جاء عن الله في كتابه وعن رسوله المبين المفسر له، فمن خرج عن جماعة المسلمين فقد خرج عن إجماعهم وأكلته النار، فقد قال تعالى: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115]؛ لأنه أعرض عن الحق وجانبه، وبعد عن جماعة المسلمين، إما لحب دنيا، وإما لعنصرية وعصبية، وإما لأطماع، وإما لسياسية، فالله يتركه ويوليه ما تولى؛ لأنه أعرض عن علم، والجزاء إذا لم يتداركه الله بتوبة: َنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115].
التحذير من الشرك بالله تعالى
وهنا يقول تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:116]، فهي كالمفسرة لقوله: نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى [النساء:115]؛ لأن الطوائف التي استباحت دماء المسلمين وكفرتهم، وأخرجتهم عن دين الله، وقضوا على فتنهم وحربهم وأذيتهم من عهد علي إلى يوم القيامة، هؤلاء هم الذين يصليهم الله نار جهنم.فقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:116]؛ لأن تلك الطوائف خرجت ففسدت عقائدها، ما أصبحت تعتقد ما يعتقد رسول الله وأصحابه، وحينئذٍ ارتموا في أحضان الكفر والشرك، وإن كانوا يعتقدون أنهم المسلمون وغيرهم كفار، وهؤلاء يقول تعالى في هذا الحكم العظيم: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:116]، لم؟ لأن الأمر له، ولأنه عاداه واحتقره وما وثق فيه، بل وما أخذ بهديه ولا بشريعته، وسوَّاه بغيره، فهذا يغضب الجبار عنه غضباً لا يزول، بخلاف من زنا أو سرق أو فجر، ثم هو مؤمن بالله ولقائه، معتقد ما اعتقد رسول الله وأصحابه، فهذا تحت المشيئة، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه، ثم أخرجه من النار، إذ إن أهل التوحيد الذين ماتوا على معنى لا إله إلا الله محمداً رسول الله وإن دخلوا النار ومكثوا فيها أحقاباً فإن مصيرهم إلى دار السلام، والله يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40]، أما من مات يشرك بالله، فهذا قد عادى الله معاداة كاملة، وسوى به مخلوقاته، بل ورفع درجات المخلوقات إلى درجة الله، فأطاعهم وأحبهم وعصى الله ولم يحبه. إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ [النساء:116]، أي: الشرك، لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:116]، وهذا أمره تحت مشيئة الله تعالى، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه وأخرجه من النار. وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، أي: ضل ضلالاً لا يستطيع العودة منه، أما إن سرق أو زنا أو عق والديه، فهذا في الإمكان أن يعود، إذ ضلاله ليس بعيداً، فكم من إنسان عاش على الخمر أربعين عاماً ثم تركها ومات وهو لا يشربها، وكم من إنسان يدخن طول حياته وآخر أمره ألقى بالسيجارة وتاب إلى الله تعالى.
أنواع الشرك الذي يحصل من العباد
معاشر المستمعين! وقد حفظتم الآية فهيا بنا نتناول درسها وإن بقي وقت فإلى غدٍ إن شاء الله، اسمع! الشرك بالله يعني: أن تجعل له في عبادته شريكاً، نقول: فلان أشرك فلاناً في المزرعة، وأشركه في الدكان، أي: جعل له نصيب. فأولاً: الشرك في ربوبية الله عز وجل، وهي كونه تعالى الخالق الرازق المدبر لكل الكائنات، وهذا توحيد الربوبية، فلا يوجد من خلق مع الله ولو ذبابة، ولا يوجد من خلق مع الله كوكباً واحداً من بليارات الكواكب، إذ الله تفرد بالخلق والرزق والتدبير للكون كله، وبالتالي فمن اعتقد أن فلاناً من الملائكة أو الأنبياء أو الأولياء شارك الله في هذا فقد كفر كفراً كاملاً، كفر بربوبية الله عز وجل، وهذا الشرك في الربوبية نادر عند الأولين، إذ إن العرب أنفسهم ما كانوا يعتقدون أبداً أن الله خلق معه خالق آخر أو رزق معه رازق آخر، والرسول يقال له: اسألهم: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [يونس:31]، قل: الله، إذ ليس هناك جواب إلا هذا، أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس:31]، ويكفي أنهم يحلفون بالله، ولكن أشركوا في عبادته لا في ربوبيته.إذاً: التوحيد أولاً: أن نوحد الله في ربوبيته، فلا خالق ولا رازق ولا مدبر إلا الله تعالى، والتدبير معروف، يقال: المرأة تدبر المطبخ، وكذلك تدبير الحياة تعني: أنه تعالى هو الذي يميت ويحيي، يعطي ويمنع، يعز ويذل، يجمل ويقبح، كل الحياة هو الذي يديرها، فهل هناك من يحيى بدون الله؟ من يوجد بدون الله؟ من يموت بدون الله؟ لا، وهذه الربوبية نخص الله تعالى بها، فلا خالق ولا رازق ولا مدبر إلا هو.ثانياً: الشرك في أسمائه وصفاته، إذ لله مائة اسم إلا واحداً، وأكثر المسلمين لا يقولون بهذا، فهم لا يحفظونها، وهذه الأسماء الحسنى والصفات العلا لا يصح أن نسمي أحداً بها؛ حتى لا نشاركه في أسمائه وصفاته، فلا يجوز أن تسمي أحداً: الله! أو تسمي آخر: الرحمن!واسمع إلى الرسول الكريم وهو يقول: ( إذا كان ثلث الليل الآخر -آخر الليل- ينزل الرب تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا -القريبة منا- وينادي: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ )، فكل من سأل واستغفر وطلب يحصل على ما أراد، وهذا نزول حقيقي يليق بجلال الله عز وجل. وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: ( يضحك الرب تبارك وتعالى لرجلين قتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: هذا الكافر يقتل مؤمناً في الجهاد، ويسلم الكافر الذي قتل المؤمن، فيدخل الجنة فيلتقي مع مقتوله )، أي: أن المشرك قتل صحابياً ثم أسلم بعد ذلك، فإنه يدخل الجنة، والشاهد في كون الله يضحك، لكن لا تفهم أو تتصور أن ضحك الله كضحك الكائنات، إذ هذا مستحيل؛ لأن الله ليس كمثله شيء، وكون الجبار عز وجل يضع قدمه في النار لما يسألها: هل من مزيد؟ فتقول: قط قط، يعني: أن لله قدماً تليق به سبحانه وتعالى، لا كأقدام المخلوقات.وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #542  
قديم 03-05-2021, 03:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (61)
الحلقة (284)

تفسير سورة النساء (65)


إن الشرك خطر عظيم يحدق بالإنسان، فمن نجا منه فقد نجا، ومن لم ينج منه وتلبس بشيء منه فقد خسر الخسران المبين؛ لأن الله عز وجل خالق الخلق ومصرف الأكوان ومدبر أحوال العباد لا يقبل أن يشرك معه غيره، فهو سبحانه المستحق لأنواع العبادات، ومن أتى شيئاً من الذنوب والمعاصي والسيئات دون الشرك فهو تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه.
تابع تفسير قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وها نحن مع سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، ومع آية منها تناولناها بالأمس قراءة وحفظاً وشرحاً وتفسيراً، ونعود إليها ليلتنا هذه؛ لما لها من أثر في حياتنا معشر المستمعين والمستمعات! وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116].وطالبنا أبناءنا وإخواننا العوام والذين ما درسوا كتاب الله أن يحفظوا هذه الآية، فإنها كنز من كنوز دار السلام، وكتلة من النور الإلهي متى ما استقرت في قلب العبد وشاعت أنوارها على سمعه وبصره ولسانه، اهتدى إلى سعادته وكماله، ولا شك أن بعضاً وفقهم الله وحفظوها، فليحافظوا عليها، وذلك بالصلاة بها في الفرائض والنوافل، ولو أن عامياً لم يحفظ من القرآن إلا هذه الآية، خير من ألف عامي ما حفظوها.
تعريف الشرك وبيان قبحه وخطره على العبد
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، وهذه الآية لها أختها أيضاً في نفس السورة، وهي قوله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]، وللآيتين أيضاً نظير من سورة الزمر، إذ قال تعالى وقوله الحق: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ [الزمر:65]، والمخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ [الزمر:65]، أي: من رسل الله عليهم السلام، ما الذي أوحي إليه وإليهم؟ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].ومن هنا كان الشرك خطراً عظيماً على الإنسان، من نجا منه نجا، ومن لم ينج منه وحل به وتورط فيه، فقد خسر الخسران الأبدي، ولنعلم أنه لا فرق بين الشرك والكفر، فكل كافر مشرك؛ لأنه عبد الشيطان ولم يعبد الرحمن، والشيطان هو الذي أمره بالكفر بآيات الله وبلقاء الله وبتوحيد الله وبرسل الله وبشرع الله فأطاعه، وليس كل مشرك كافر؛ إذ الشرك صنفان أو نوعان: شرك أكبر يكفر صاحبه، وشرك أصغر لا يكفر، ولكن يأثم ويتورط في الإثم، وواجبنا نحن المسلمين رجالاً ونساءً أن نعرف الشرك ما هو؟ كما يجب أن نعرف التوحيد ما هو؟الشرك: ضد التوحيد، يقال: هذا موحد وهذا مشرك، وباللسان القريب للمؤمنين والمؤمنات: الشركة تكون في بعير اشترك فيه اثنان، وتكون في منزل اشترك فيه اثنان، وتكون في سيارة اشترك فيها اثنان، فعبادة الله عز وجل ينبغي ألا يشاركه فيها أحد، إذ إنها خاصة به، فلا ينبغي أن يشارك الله تعالى في عبادته مخلوق كائناً من كان؛ لأنه استحق هذه العبادة وتعينت له ووجبت له دون غيره، ولأنه هو الذي خلق الإنسان والجان والملائكة، وسر خلقهم وعلة هذا الخلق وحكمته هي عبادة الله عز وجل، ولم يكن الله تعالى في حاجة إلى ملك ولا إلى جني ولا إلى إنسان، وإنما فقط خلقهم ليعبدوه، فمن لم يعبده تمزق وتلاشى وخسر خسراناً أبدياً، ومن عبده وأشرك معه غيره فقد خسر نفس الخسران وتمزق نفس التمزق التام، ألا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ [الزمر:15].إذاً: الشرك ضد التوحيد، والموحد ضد المشرك، والمشرك ضد الموحد، وأعيد القول مكرراً له: إن علة الحياة وسر هذا الوجود هو أن يعبد الله عز وجل، إذ خلْق الله للملائكة وللجان وللإنسان علته وسببه والحكمة منه هو أن يُعبد الله تعالى وحده، ولنقرأ لهذا آية من طوال المفصل، إذ قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فهل هناك غرض آخر؟ لا.ثم قال تعالى: مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:57-58]، ومن السنة ومن بيانات الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: ( يا ابن آدم! لقد خلقت كل شيء من أجلك وخلقتك من أجلي )، أي: يا ابن آدم خلقك الله من أجل أن تذكره وتشكره، من أجل أن تعبده، وإن قلت: وما جزائي؟ وما أجري على عبادتك يا رب؟ فالجواب: الجزاء أن أُسعدك وأكملك في الدنيا وفي الآخرة، وأن أنزلك منازل الأبرار في الجنة دار السلام، وإن كان لا حق لك في هذا؛ لان عبادتك بذكره وشكره هي مقابل خلقه ورزقه وحفظه لك وتدبيره لحياتك، ومع هذا منته عليك هذه العبادة وهذا الذكر وهذا الشكر، الذي من شأنها تطهير النفس وتزكية الروح، فإذا طهرت النفس وزكت قبلها تعالى في الملكوت الأعلى وأنزلها منازل الأبرار، ولا ننس حكم الله في هذه القضية، إذ قال تعالى بعد أيمان حلفها: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فمن يعقب على حكم الله وهو القائل في سورة الرعد: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]؟ لا أحد.
بيان توحيد الربوبية والشرك فيه
التوحيد ضد الشرك، فهيا نتحدث عن التوحيد أولاً ثم نتحدث عن الشرك، وذلك من أجل أن نتعلم، إذ يجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف التوحيد من أجل أن يعيش عليه حتى يموت، ومن أجل أن يعرف الشرك فيتخلى عنه ويبتعد عنه حتى الموت، لذا فلابد من العلم والمعرفة، إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، فالذين ما عرفوا التوحيد والله ما وحدوا الله، والذين ما عرفوا الشرك والله ما نجوا منه ولا سلموا، لذا لابد من العلم، إذ هو أمر ضروري كالهواء والغذاء والماء لحياة الإنسان.أولاً: التوحيد يكون في توحيد الله تعالى في ربوبيته، بحيث لا يشاركه فيها كائن ما، لا في العالم العلوي ولا في العالم السفلي، بحيث لا نقر ولا نعترف بوجود من يدعي أنه الرب.ثانياً: توحيد الله في أسمائه وصفاته، فلا نشرك كائناً من كان في صفة من صفات الله أو في اسم من أسمائه.ثالثاً: التوحيد في عبادة الله وفي ألوهيته، بحيث لا نعتقد وجود إله مع الله، ولا نعبد غير الله، ولا نقر عبادة لغير الله، ولا نرضى بها أبداً، وهذا يؤديه لفظ: لا إله إلا الله، ولعلنا نعرض له إن شاء الله تعالى.فأولاً: توحيد الربوبية، الربوبية: نسبة إلى الرب، والرب في لغة العرب وفي لغة القرآن معناه: السيد والمالك، فمن ملك داراً أو بستاناً أو دابة يقال: هذه ربها فلان، ويقال: يا رب هذه السيارة أبعدها عنا، بمعنى: يا مالكها! والعبد هو الرقيق، والأمة هي الرقيقة، فيقال فيها: أمة فلان، ويا سيد خذ عني أمتك، أو أبعدها من بابي، فالسيد هو الرب، والسيد هو المالك، والرب الحق هو الذي ملك كل شيء، وكيف لا وهو خالقه وموجده؟! والرب هو المعبود الذي لا يستحق العبادة سواه، وبالنسبة إلى الله عز وجل فالله رب العالمين، اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر:62]، فالرب هو الإله المعبود، إله الأولين ولآخرين.إذاً: اسمعوا يا رجال الإسلام ونساءه: لا يصح أبداً أن تشرك في ربوبية الله كائناً من كان، وربوبية الله تتمثل وتتجلى وتتضح فيما يلي:أولاً: في كونه الخالق، فهل يوجد خالق سوى الله؟ لا والله ولا ذبابة، فكل الخلق من إنسان وجان وملائكة وحيوان في البر أو في البحر أو في الجو لا خالق له إلا الله، فإياك إذاً أن تنسب خلق شيء إلى إنسان، إلى كائن سوى الله عز وجل، وتحفَّظ حتى من عبارات الضائعين في متاهات العلمانية والفلسفة الكاذبة فتقول: فلان خلق، لا، إذ لا خالق إلا الله، فهو موجد مادة الذي يخلق منها، ثم يخلق المخلوق، وأنت إذا صنعت صورة أو تمثالاً، فهل مادة التمثال خلقتها أنت؟ وهل جئت بها؟ وهل أنت صانعها؟ إن الأخشاب والألواح والطين والحديد أوجدها الله عز وجل، ثم عقلك وإرادتك وفهمك أنت خالقها أم الله واهبكها ومعطيك إياها؟ إنه الخالق والصانع، فلا خالق إلا هو.ثانياً: لا رازق إلا هو، ومعنى الرازق: الذي يخلق الأقوات، وذلك بأن يوجد مادتها بأسباب سببها وتسخيرات سخرها، فمثلاً: البر كالذرة والشعير والتمر غذاء للإنسان، فمن خلقها؟ الله، وإن قلت: الفلاح، فالفلاح جاء بالبذر ورماه في الأرض، ثم يد الفلاح من خلقها؟ وفكر وإرادة الفلاح من وهبها؟ وذاك البذر من خلقه؟ ولما يرميها في الأرض ويغطيها عن الطير حتى لا يأكلها، فهذه الفكرة من وهبها إياه؟ الله، ثم كيف تتفاعل التربة مع الماء مع البذر حتى تصبح سنبلاً أخضراً وأصفراً ليؤكل؟ وهذه النواة لما تغرسها وتصبح نخلة بعد عام أو عشر سنوات فتطعمك الرطب والتمر، أأنت خالقها؟ والله إنه لا خالق إلا الله، فمن الكفر والشرك أن تنسب خلق شيء إلى غير الله عز وجل، وهو من باب الجهل فقط والهبوط.ومن القصص في هذا: أن ملحداً من الاتحاد السوفيتي استدعيناه لأمر ما، فجاء إلى ديارنا وقدمنا له العجوة من التمر، فأكل منها فاندهش، إذ لم يذق مثلها قط، فقال: هل هذا صنعتموه أنتم؟ نعم الصناعة هذه، وأنتم أرباب الحلويات وصناعها، فسكتنا وأخذناه إلى البستان، وأريناه النخلة، وقلنا له: هذه هي التي تثمر الرطب، فقال: هل أوجدها الفلاح؟ إذاً الفلاح هو الإله، وهو الذي ينبغي أن يعبد، فبينا له أن الفلاح مخلوق الله، ومعلمه الله، وما زاد على أن أخذ النواة ودفنها في الأرض، والله هو الذي أحياها وأنبتها وجعلها تثمر، والفلاح نفسه مخلوق لله، ما خلق شيئاً في نفسه لا قواه الباطنية ولا الظاهرية، وحينئذٍ عرف الطريق إلى الله وقال: آمنت بالله.والرَزق والرِزق مصدر: رزق يرزق رزقاً، والرزق اسم المصدر، أي: موجد أنواع الأغذية والمياه والأكسجين، فمن أوجد هذه؟ بنو فلان؟ لا، والجواب: لا أحد إلا الله، وارفع صوتك إلى عنان السماء ولن يُرد أبداً.واللبن في الضرع كان بالأمس دماً أحمر فكيف تحول إلى لبن أبيض حلو؟ وقبل أن تحمل المرأة أو الشاة فإن دمها دم، وما إن تحمل وتقارب الوضع حتى يتحول الدم الأحمر إلى لبن أبيض، فمن فعل هذا؟ أصابع الطبيب أو سحر الساحرين؟ لا، وإنما هو الله وحده.ثالثاً: التدبير للحياة كلها، فالمرأة تدبر المنزل، فتعرف كيف تكنس، وكيف تطبخ، وكيف تنظف، وكيف تضع الأواني في المطبخ، وهذا معنى التدبر، وكذلك المدبر للحياة كلها بالإحياء والإماتة، بالفقر والغنى، بالعز والذل، بالإعطاء والمنع، بالجمال والقبح، بل بكل مظاهر الحياة، هو الله عز وجل، فهو المدبر للخليقة كلها، وإن أردت أن تنظر إلى أمر مشاهد فانظر فقط إلى السحب كيف ترتفع ثم تتجمع وتتواجد على سطح البحر بتدبيره سبحانه، ثم تنتشر وترتفع حتى تكون جبالاً في السماء، ثم من يسوقها من مكان إلى مكان؟ وتنزل بديارنا وترحل؛ لأنه ما أذن لها أن تصب ماءها، وتنزل بديار أخرى فتصب، وكل ذلك بأذن الله تعالى، فلا دخل لإنسان ولا جان في هذا التدبير العظيم، بل وكل ذرات الكون، وكل ما يجري في الحياة، فإن المدبر له هو الله، ومن نسب ذلك إلى مخلوق فقد أشرك بالله في ربوبيته.مرة أخرى: من نسب الخلق إلى غير الله ولو في بعوضة فقد أشرك في ربوبية الله، ومن نسب الرزق وإيجاد الأرزاق لغير الله فقد أشرك في ربوبية الله، ومن نسب التدبير بالإعطاء والمنع، بالإعزاز والإذلال، بالحياة والموت لغير الله فقد أشرك بالله، هذا التدبير من نسبها إلى كائن فقد أشرك في ربوبية الله عز وجل وأصبح مشركاً، وإن مات على ذلك خسر خسراً أبدياً.فهذا هو القسم الأول من أقسام التوحيد -توحيد الروبية- فوحدوا ربكم، ولا تنسبوا الخلق إلى أي كائن كان، ولا تنسبوا الرزق إلى أين إنسان، ولا تنسبوا التدبر إلى غير الله رب العالمين، فأنتم موحدون.استطراداً: عشنا وبلغنا وعرفنا عن ديوان الصالحين، هذا الديوان لأولياء الله من الأقطاب والبدلاء، وهو ينعقد مرة في بغداد ومرة في الشام ومرة في المغرب، وهؤلاء الأقطاب والبدلاء هم الذين يدبرون الحياة في زعمهم! فيحلفون بهم، ومن النكت أو العجائب: أن ديوان الصالحين انعقد في مسجد من المساجد ليتداولوا الأمر في: من يخلف فلان إذا مات؟ من يكون بدلاً عنه؟ هل فلان يساويه؟ فسمع لص بالمحادثة الليلية في ظلام الليل، فظن أن تجاراً ناموا في هذا المسجد وهم يحسبون أموالهم، فقال: لأبيتنهم غداً، فجاء بعد ما صلى المسلمون وخرجوا، وتأخر فتلفف بالحصير وأقامها ووقف فيها، ثم جاء الديوان، أي: الأقطاب البدلاء، وأخذوا يتداولون في من يخلف سيدي فلان؟ فقال أحدهم: يخلفه هذا الذي في الحصير، فأصبح قطباً من الأقطاب! دخل لصاً فخرج قطباً! ولما نقص هذه القصة يبكي إخوانكم من الخشوع! سبحان الله! دخل لصاً وخرج قطباً، وهكذا كانت أمة التوحيد بعد أن أدبرت عنه وألقته بعيداً عنها، والذي فعل بهم هذا هو العدو الذي ما زالوا لا يعادونه، بل يجرون وراءه، من المجوس واليهود والنصارى.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #543  
قديم 03-05-2021, 03:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

بيان توحيد الأسماء والصفات والشرك فيه
ثانياً: توحيد الأسماء والصفات، وهو موجز وليس بطويل، فاعلموا أولاً: أن الله تعالى ليس كمثله شيء، والله الذي لا إليه غيره لا يوجد مثل الله شيء، لا في عالم الملائكة ولا في عالم الجن ولا في عالم الشياطين ولا الإنسان ولا الحيوان، ويستحيل أن يكون مثلهم وهو خالقهم، فهل صانع هذا القلم يكون مثل القلم؟! مستحيل، إذاً فكيف نصبح مثل ربنا؟! إن هذا مستحيل، إذ كل ما في الكون لا يشبه الله شيئاً، واقرءوا قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].ثانياً: لله تعالى أسماء وصفات عرفناها من طريقه هو وطريق رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد جاءت أسماء الله وصفاته في كتابه القرآن العظيم، وقبله في التوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء، وتلك الأسماء والصفات علمناها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجب أن نؤمن بها، أي: نصدق بها، وهذا أولاً، وثانياً: ألا ننسب صفة منها لغير الله من مخلوقاته، بل نوحده في أسمائه وصفاته، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن لله مائة اسم إلا اسماً واحداً )، وهي موجودة في القرآن الكريم مفرقة هنا وهناك، وهي كما أخبر صلى الله عليه وسلم مائة اسم إلا اسماً واحداً، وهذه الأسماء لا نطلق اسماً منها على مخلوق أبداً، حتى لا يكون شريكاً لله في اسمه أو صفته.ثالثاً: أن لله صفات ذاتية وفعلية، فالصفات الذاتية يجب أن نؤمن ونقر ونعترف ونعتقد بها، ونحن نعلم أنها صفات لا يشبهها صفة من صفات المخلوقات، فمثلاً: قال الله عز وجل وقوله الحق وهو يخاطب عدوه إبليس: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، فـ(يدي): تثنية: يدٍ، فيقال: يدان ويدين، وإذا أضفت قلت: يدا فلان، وفيه دليل على إثبات اليدين لله تعالى، وكذلك (الخلق) فهي صفة من صفات الله الفعلية، إذ هو الخالق لكل شيء. ولذا فاسمع يا عبد الله! هلكت أمم في هذه الصفات، فلا يصح أبداً أن تشبه يدي الله بيد المخلوقات، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، بل آمن بأن لله يدين، ولكن يستحيل أن تشبه يد المخلوقات، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11].رابعاً: إياك أن تجحد هذه الصفة، وذلك إما بتأويلها فتقول: معنى: (بِيَدَيَّ)، أي: بقدرتي، فلمَ تكذب على الله؟ أأنت ترد على الله؟ الرسول عاش ثلاث وعشرين سنة يعلم أمته التوحيد، وما أوَّل يوماً صفة من صفات الله، وتأتي الجهمية والمعتزلة والطوائف الأخرى فتؤول، وذلك حتى يفرغوا قلوب المؤمنين من وجود الله والإيمان به، وقد بينت لكم بالأمس فقلت: يقولون: مثلاً: لو تشير بيدك إلى الله في السماء فيجب أن تقطع يدك؛ لأنك قد حددت المكان له، وبالتالي فلا تقل: هو فوق ولا تحت ولا عن يمين ولا عن شمال، وخلاصة هذا: أنه لا وجود لله، فالذي لا يكون لا فوق ولا أسفل ولا عن يمين ولا عن شمال ما معنى هذا؟ لا وجود له، إذاً كيف يخاف؟ كيف يرهب؟ كيف يحب؟ كيف يطاع وهو لا وجود له؟ هكذا فعلوا بأمة الإسلام.إذاً: نؤمن بأن لله يدين، وكلنا عقيدة أن يديه لا تشبه يدي المخلوقات أبداً، إذ ليس كمثله شيء.كما أخبر تعالى عن مجيئه في ساحة فصل القضاء فقال: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22]، وقال: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ [الزمر:68-69]، جاء ربي لفصل القضاء، فمن قال: الله لا يجيء حتى لا نشبهه بمخلوقاته، فهذه كلمة خبيثة مجوسية؛ لأن الله يقول: وَجَاءَ [الفجر:22]، وهم يقولون: لا، إنما المراد: جاء ملكه أو أمره، فإن سئلوا: ما حملكم على هذا؟ لم يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوَّل صفة من صفات الله عز وجل، قالوا: حتى لا نشبه الله تعالى بخلوقاته.إذاً: الجهمية والمعتزلة والطوائف الهابطة يقولون: ما نعتقد هذا، فيئولون فيقولون: ينزل أمره، أو ملك من ملائكته، فعطلوا صفات الله عز وجل، وكذبوا الله ورسوله، وحكم من كذب الله ورسوله الكفر والعياذ بالله.أيضاً يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا امتلأت النار -أدخل فيها الإنس والجن بالمليارات وبلا عدد- تقول: هل من مزيد؟ واقرءوا الآية من سورة (ق): يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30]، فيضع الجبار تبارك قدمه فيها فتقول: قط قط قط، أي: يكفي، فيجب أن نؤمن بقدم الجبار جل وعز، ولا يحل أبداً أن يخطر ببالك شبه هذا القدم، فلا تنظر إلى المخلوقات؛ فإنه ليس كمثله شيء.كذلك السمع والبصر، فالله عز وجل يخبر في آياته إنه هو السميع البصير، فقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فمن أراد أن ينفي صفة السمع أو البصر عن الله فقد أراد أن يحترق، لكن هم لا ينفونها، وإنما يحرفونها ويؤولونها، وهذا كله معناه: أنهم ما رضوا بحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فأرادوا أن يضعفوا في نفوس المؤمنين الخوف والرهبة منه والحب له.وعليه فتوحيد الأسماء والصفات يا أبنائي! يا إخوة الإسلام! أن نؤمن بكل اسم وصفة لله عز وجل، ولا نحرفها ولا نؤولها ولا نجحدها ونكتمها، ولا نشبهها بصفات المخلوقات، إذ له صفاته لا تشبه الصفات، كما أن ذاته لا تشبه الذوات.فهذا الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة في القرن الثاني بعد قرن النبوة، وهو على كرسيه يعلم المؤمنين السنة، فوقف سائل فقال: يا إمام! ما معنى قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]؟ فغضب واحمر وجهه وعرق؛ لأن بدعة قد ظهرت، إذ المفروض أن تؤمن بقول الله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، ولا تسأل: كيف؟ ثم هل عرفت ذات الله حتى تعرف كيفية الجلوس؟ لذا آمن بما أخبر تعالى به، فقال مالك وهو يضبط أعصابه وهو النوراني الموفق: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، يا عسكري! خذه للتأديب. فقوله: الاستواء معلوم، يقال: استوى على سريره أو على عرشه أو على كرسيه، أي: جلس عليه، والكيف مجهول، أي: السؤال عن الكيفية مجهول، إذ إننا لا نعرف الذات، فلو قلنا: جلست النملة على الكرسي، فكيف جلوس النملة؟ هل يتناسب مع الكرسي؟ لا، إذاً فما دمنا أننا ما عرفنا ذات الله فكيف نفسر الجلوس؟ كيف يكون ذلك الجلوس؟ مستحيل أن نعرفه، بل كل ما يخطر ببالك فالله منزه عن ذلك، فلا تفتح المجال للخيالات، وقل دائماً: الله أحد، لم يكن له كفؤاً أحد، ليس كمثله شيء. إذاً: صفات الله التي جاءت في القرآن هي صفات جلال وكمال، وصفات ذاتية وفعلية، فيجب على المؤمن والمؤمنة أن يؤمن بها إيماناً راسخاً يقينياً، ولا يحل له أن يؤولها أو يشبه صفات المخلوقات بها، ويلزم دائماً قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
بيان توحيد الألوهية والشرك فيه
ثالثاً: توحيد الألوهية، ومعنى الألوهية: النسبة إلى الإله، والإله هو الله، والإله معناه: المعبود بالحب غاية الحب، وبالتعظيم غاية التعظيم، وبالذلة والانكسار له وبين يديه غاية الذلة والانكسار.ولا يحصل على هذه الألوهية كائناً من كان إلا الله؛ لأن الإله بمعنى: المعبود بالحب والتعظيم والطاعة، وهو ذاك الذي امتن عليك بخلقك ورزقك وتدبير حياتك، وما عدا الله فلا، فهل هناك من خلق الشيخ أو رزقه أو دبر حياته؟ لا أحد، إذ لا يوجد في الخلائق من الملائكة والإنس والجن وغيرها من سائر الخلوقات من خلق ولا بعوضة.فلا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا مدبر إلا الله، فهو رب العالمين، وبالتالي فلا تصح أي عبادة إلا له، وكل من عبد غير الله فقد أشرك في ألوهية الله وخسر خسراناً أبدياً.إذاً: ما هي العبادة التي نخلصها لله ونوحدها له ولا نلتفت أبداً إلى غيره فيها؟ هي العبادة التي شرعها وبينها رسوله، فأنواع العبادات القولية والعملية لا يصح لمؤمن ولا لمؤمنة أن يصرفها لغير خالقه عز وجل، لغير ربه ومالك أمره.ولها مظاهر بإيجاز: منها: الدعاء، فهل تعبدنا الله بالدعاء؟ نعم، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، وقال الرسول في نزول الرب إلى السماء الدنيا: ( هل من داع فأستجيب له؟ ) فالدعاء: سؤال الرب الحاجة، فيا عبد الله الفقير! إذا افتقرت إلى شيء فاسأل ربك، ويقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الدعاء هو العبادة )، سبحان الله! كقوله: ( الحج عرفة )، فحقيقة الحج هو عرفة والطواف والسعي والإحرام ومزدلفة، لكن لا قيمة لها بدون الوقوف بعرفة، إذ من لم يقف بعرفة ما حج ولو طاف سبعين مرة.كذلك من لم يدع الله ما صحت عبادته ولا كان من المؤمنين العابدين، قال تعالى: وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الدعاء مخ العبادة )، فهل هناك حيوان يعيش بدون مخ؟ إذا فسد مخ الآدمي هلك، وكذلك الدعاء إذا فسد بطلت العبادة، والدعاء هو سؤالك غير الله حاجتك. ويبقى إن دعوت من يسمعك ويراك ويقدر على إعطائك، فتقول: يا بني! ائتني بكأس ماء، لقد ظمئت وعطشت، فهذا يجوز؛ لأن الله قد أذن في هذا، إذ قد سألت شخصاً يسمع ويبصر ويقوى على أن يعطيك، لكن لو كان لاصقاً بالأرض مشلولاً، وتقول: يا فلان! أعطني كأس ماء، فهذا عبث وباطل، كذلك تقول لأعمى: من فضلك يا كفيف! دلني على بيت فلان! فهل عاقل يقول ذلك؟! الأعمى لا يعرف الطريق، كيف تقول له: دلني على بيت فلان؟! وبالتالي فالدعاء أن تدعو من يعلم حاجتك، ويرى مكانك، ويقدر على إعطائك وإنقاذك، وهذا لن يكون إلا لله عز وجل، فمن سأل نبياً من الأنبياء، أو ولياً من الأولياء، أو ملكاً من ملائكة الأرض أو السماء وهو لا يراهم ولا يرونه ولا يسمعون صوته ولا يقدرون على إعطائه؛ فقد هبط هذا المخلوق وتمزق، وأصبح شر الحيوانات.ومن هنا عرف العدو الثالوث الأسود من أين يأتي أمة الإسلام، أمة السيادة والقيادة، فسلط عليها من أفسد عقيدتها، فأصبح (75%) من أمة الإسلام من القرن الرابع إلى اليوم يدعون الأولياء، يا سيدي عبد القادر! يا مولاي إدريس! يا سيدي البدوي! وكذلك الروافض: يا فاطمة! يا حسين! يا علي! ونسوا الله عز وجل.وهذا واقع أيها المستمعون والمستمعات، فأي شرك أدهى وأعظم من هذا؟! يقف أمام قبر وينادي: يا فلان! امدد يديك، خذ بيدي، أنا في حماك، أنا في جوارك، أنا كذا وكذا، وهذا قبل وجود دولة عبد العزيز، فقد كنت أسمعه من آلاف الحجاج حول الحجرة الشريفة، واذهب الآن إلى قباب الأولياء في مصر وفي الشام وفي العراق وفي المغرب، بل في أي مكان واسمع وهم ينادون الأولياء بأعلى أصواتهم، فهل يجوز هذا عقلاً؟ وهل يجوز أن تنادي ميتاً لا يعرف عنك شيئاً، ولا يسمع حاجتك، ولا يقدر على أن يمد إليك يد العون، فتضفي عليه صفات الرب وتجعله كأنه الله؟! لا إله إلا الله!وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #544  
قديم 03-05-2021, 03:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (62)
الحلقة (285)

تفسير سورة النساء (66)


الله عز وجل هو خالق كل شيء، وهو سبحانه المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وقد يقع الشرك من البعض سواء شعر أو لم يشعر، ومن مظاهر الشرك التي يقع فيها البعض دعاء غير الله والاستغاثة والاستعانة به، ومن ذلك الركوع والسجود لغير الله، والحلف بغير الله، والنذر لغير الله، وغير ذلك من الأمور التي لا تصرف إلا لله وحده.
تابع تفسير قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم وفداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وما زلنا مع سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآية التي تدارسناها وتلوناها البارحة، وهي قول ربنا جل ذكره: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، وحفظها الكثير من المستمعين والمستمعات، وفهمناها فهماً جيداً، وفهمنا أن الله عز وجل أعلن هذا الإعلان الرسمي الإلهي الرباني الذي لا ينقض بحال من الأحوال، وهو أن الله تعالى لا يغفر لمشرك مات على شركه، وما عدا الشرك من سائر الذنوب والآثام فموضوعة تحت النظر، إن شاء الله غفر، وإن شاء آخذ وعذب. إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ [النساء:116]، الذي هو الشرك، لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:116]، ثم أخبر خبراً عظيماً فقال: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، ما يرجع إلى الصواب.كما أخذنا يوم أمس في دراسة التوحيد من هذه الآية المباركة الكريمة، وعلمنا أن التوحيد ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد العبادة أو الإلهية، وعلمنا أن من ادعى أن فلاناً يخلق أو يرزق، أو يعطي أو يمنع، أو يضر أو ينفع، أو يخلق شيئاً ما من المخلوقات، فقد أشرك هذا المخلوق في ربوبية الله عز وجل؛ إذ لا يوجد من يخلق سوى الله، ولا يوجد من يرزق سوى الله، ولا يوجد من يدبر الحياة سوى الله تعالى.ولهذا فإن المشركين على عهد نزول القرآن الكريم لا يشركون بتوحيد الربوبية، بل لقد كانوا يقرون به، قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]، وقال: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس:31]، وإنما كان شركهم في الإلهية أو العبادة، وقد ظهرت جماعات تشرك بالله في ربوبيته، وتشرك بالله في عباداته، وتشرك بالله في أسمائه وصفاته، وقد نبهنا بأيسر طريق وهو أن علينا أن نؤمن بأسماء الله وصفاته الذاتية والفعلية، فنجريها على ألسنتنا كما هي في الكتاب وعلى لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ إن لله مائة اسم إلا واحداً، أي: تسعة وتسعين اسماً، فلا نسمي بها أحداً من المخلوقات، وإنما لنا أن نسمي فنقول: عبد العزيز، عبد الرحمن، عبد الغفار، عبد الله، عبد الرحيم، أما أن نسمي كائناً مخلوقاً باسم الله فقد أشركنا في أسماء الله تعالى، أيضاً إن لله صفات عليا نوردها وننطق بها ونتكلم بها كما هي، بلا نؤول ولا تحريف ولا تشبيه، فنقول: سمع الله ليس كسمع الإنسان، أو بصر الله ليس كبصر الإنسان، إذ هو سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء. وقد ذكرنا أمثلة لذلك ومنها: نزول الله إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر، فلا نقل: كيف؟ لأنك لن تستطيع أن تعرف، وإن قلت: لا، فقد كفرت وكذبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أولت وقلت: ينزل الملك أو أمره فقد كذبت الله والرسول، إذ ما حملك على هذا؟!ومنها: أن الله تعالى قد أخبر أنه خلق آدم بيديه، فقل: آمنت بالله، ولا تقل: كيف؟ ولا يخطر ببالك أن تتمثل يد الله أو تتخيلها؛ لأنك عاجز عن هذا، ولا تستطيع أن تدركه لضعفك وهزلك.كذلك: الملائكة الآن هي حولنا تحفنا، فهل استطعنا أن نراهم بأعيننا؟ لا؛ لضعف أعيننا، إذ إنها ليست متأهلة لأن ترى الملائكة والجن! مع أن هذا حادث بيننا، فنؤمن بصفات الله كما أخبر بها هو عن نفسه، وكما أخبر بها رسوله صلى الله عليه وسلم.ومنها أيضاً: أنه جاء في الحديث الشريف المفسر: أن الله يحشر ويدخل الكفار والمشركين والمجرمين والظالمين النار، وهي مع ذلك تقول: هل من مزيد؟ بل كل ما يُدفع إليها تقول: هل من مزيد؟ فأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الجبار تعالى يضع قدمه فيها فتمتلئ وتقول: قط، قط، أي: يكفي، ما بقي مزيد، فلا تسأل فتقول: كيف القدم؟ أتصور الله كمخلوقاته؟! هل ناسج هذا الثوب مثل هذا الثوب؟ وهل خالق المخلوقات يكون مثلهم؟ مستحيل! فآمن بأسماء الله وصفاته كما آمنت بوجوده وعلمه وقدرته وسلطانه في خلقه، وإياك أن تحرفها أو تؤولها أو تشبهها بصفات المحدثين والمخلوقين، فإن الله ليس كمثله شيء.ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر ويدخلان الجنة )، فلا تقل: كيف يضحك؟ وهل عرفت ذات الله حتى تسأل ذلك السؤال؟ قل: آمنت بأن الجبار تعالى يضحك، وكذلك يغضب الجبار، لكن لا تحاول أن تفهم غضب الله وتقيسه بغضب المخلوقات، وأيضاً يرضى الرحمن عن المؤمنين، فلا تتصور رضا الله كرضا مخلوقاته، بل هو فوق ذلك، وإنما فقط آمن بأسماء الله وصفاته ولا تشرك فيها كائناً من الكائنات، وهذا قد وفيناه ما يستحق بالأمس، وانتقلنا إلى توحيد الإلهية أو الألوهية أو العبادة، وكلها بمعنى واحد.
بيان مقتضيات لا إله إلا الله
توحيد الألوهية أو وتوحيد العبادة تحمله كلمة: لا إله إلا الله، فمن قال: أشهد أن لا إله إلا الله فقد وجب عليه أولاً أن يعبد الله، إذ إنه أقر واعترف معلناً بالشهادة أنه لا يستحق العبادة إلا الله، وهو بهذا النفي يعترف ألا إله يستحق أن يعبد في السماء ولا في الأرض إلا الله، إذ إن الذي يستحق أن يعبد وحده هو الخالق الرازق المدبر، الذي خلقني ورزقني ودبر حياتي، فهو الذي أعطيه قلبي وسمعي وبصري، أما الذي لا خلق ولا رزق كيف يعبد؟ وقد قامت الأدلة والبراهين على أنه ما وجد مخلوق خلقه سوى الله قط، لا في العوالم العلوية ولا في السفلية، بل ولا في الكائنات كلها، فلا خالق إلا الله، وإعلان ذلك تعالى في كتابه فقال: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54].وعليه فمن قال: لا إله إلا الله لزمه ووجب عليه قضاء أن يعبد الله تعالى، وهذا أولاً، إذ كيف تشهد على علم أنه لا يعبد إلا الله وتعبد غيره؟! إن هذه زلة عظمى، أو من قال: لا إله إلا الله ولم يغتسل من جنابة ولم يصل ركعة ولم يصم يوماً؛ فإن ذلك لا ينفعه أبداً، إذ لو عرف معرفة حقيقية ألا معبود إلا الله والله لعبد الله تعالى، فهو قد عرف وأعلن عن علم، والشهادة لا تكون إلا عن علم، فأنت نظرت في الكون فرأيت أنه لا يستحق العبادة إلا هو فقلت: أشهد أنه لا إله إلا الله، فكيف لا تعبده؟! إذاً: شهادتك مردودة عليك؛ لأنك ما شهدت بالعلم.ثانياً: ألا تعبد معه غيره وإلا تناقضت في نفسك، إذ إنك من جهة تشهد ألا معبود إلا الله وعبدته، ثم تعبد معه غيره، كيف ذلك؟! إن هذا تناقض، لكن لو قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وفلاناً معه وسميته، لكنت ربما تعذر، فأنت نطقت بما تعتقد، أو قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وجبريل مثلاً أو فلان، لكن كونك تشهد أن لا إله إلا الله وتعبد معه غيره فقد تناقضت، ومثلك كمثل من يقول: أشهد أن هذا المفتاح لفلان ثم لا تعطيه إياه! أو أشهد أن هذه السيارة لإبراهيم ثم لا تعطيعها إياه، فهذا تناقض ولا تقبل الشهادة منك.إذاً: من شهد أن لا إله إلا الله وجب عليه أولاً: أن يعبد الله الذي شهد له بالعبادة، وأنه لا معبود يستحق العبادة إلا هو سبحانه وتعالى.ثانياً: يجب ألا يعبد معه غيره بأي نوع من أنواع العبادات، وسنبين ما شاء الله منها أن نبين.ثالثاً: ألا يرضى بعبادة غير الله تعالى، فلو عبد أباه أو أمه فإن الله لا يرضى بذلك، بل يسخط وينكر، فكيف وهو يشهد أنه لا يعبد إلا الله ويقر من يعبد غير الله تعالى؟! إن هذا تناقض واضح، إذ ما صدق في شهادته، ولهذا لا يقر أبداً ولا يرضى بعبادة غير الله من أي إنسان كان، قريباً كان منه أو بعيداً، ومن ثم تصبح شهادته ذات وزن وذات قدر.
بيان مقتضيات شهادة أن محمداً رسول الله
وأما شهادة أن محمداً رسول الله، فهي جزء من شهادة التوحيد، إذ هما شهادتان، واحدة لله تعالى، والثانية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهادتنا لله تعني أن لا إله إلا هو ونعبده ولا نعبد معه غيره، ولا نرضى بعبادة غيره أبداً، وأما شهادة أن محمداً رسول الله فتعني أنك تقول: أنا على علم، وقد نظرت وتأملت وقرأت وفهمت أن محمداًرسول الله.وبالتالي فيجب عليك أموراً بشهادتك أن محمداً رسول الله، فأولاً: أن تقبل ما يأتيك عنه ويبلغك من رسالته، ولا ترد أمراً أبداً من أوامره، ولا ترفض نهياً من نواهيه، وهذا مقتضى شهادتك أنه رسول الله، فكل ما أخبرك به الرسول يجب أن تصدقه فيه، سواء أدركته أو عجزت، فإذا أخبرك بخبر وصح هذا الخبر عنه فيجب أن تؤمن به وتصدق، وحرام أن ترده، وإن رددته والعياذ بالله فقد كفرت برسالته.وهنا صورة لهذا الأمر: كان صلى الله عليه وسلم جالساً بين أصحابه يعلمهم الكتاب والحكمة، فأوحي إليه بخبر وهو أن رجلاً من بني إسرائيل في الزمان الأول كان يركب بقرة، فرفعت البقرة رأسها إليه وقالت: ما لهذا خلقت، أنما خلقت للحرث والسني، فكيف تركبني؟! وفجأة قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( آمنت به، آمنت به، آمنت به، وآمن به أبو بكر وآمن به عمر )، وهما غائبان! والشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم صدق ذاك الخبر وعقد على لحيته وقال: ( آمنت به، آمنت به، آمنت به )، ومن هنا إذا بلغك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبراً فيجب أن تصدق به، سواء استطعت أن تدركه بقدراتك العقلية أو ما استطعت، وإنما قل: آمنت به، ولذا فمن رد على رسول الله شيئاً فقد كفر وأبطل شهادته.ثانياً: يجب أن تطيعه في الأمر والنهي، فإذا كان الأمر للإلزام وللوجوب لا للندب والاستحباب فيجب أن تطيعه فيه، فإن قلت: أنا لا أطيع محمداً في هذه القضية، فقد خرجت من الإسلام، كما إذا بلغك نهيه عما حرم الله فانتهي مباشرة، إذ ما حرم الله أمراً كان قولاً أو عملاً إلا لأنه ضار بالإنسان مفسد له معوق له عن السعادة والكمال، والله الذي لا إله غيره! ما أمرنا الله بشيء لنعتقده أو نقوله أو نعمله أو نتصف به إلا من أجل إسعادنا وإكمالنا؛ لأن الله ليس بعدو لنا، يكلفنا ويعذبنا! إنه ربنا وخالقنا ورازقنا وولينا، وهو أرحم بنا من أنفسنا، فإذا أمرنا أو نهانا فلنفهم أن ذلك لصالحنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بما يأمر الله به، ولا ينهى إلا عما ينهى الله تعالى عنه، ولهذا الكتاب والسنة أو الكتاب والحكمة متلازمان.ثالثاً: حبه صلى الله عليه وسلم، فيجب أن تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسك وولدك ومالك والناس أجمعين، وهنا قد غفل الغافلون وهبط الهابطون، إذ إنهم يدعون حب رسول الله وهم في الحقيقة ما أحبوه، وإنما دعاوى فقط، ولما يُسأل عن الحب وحقيقته ما يدري، وسأعطيكم مثالاً فقط لذلك وهو: إذا علمت أن رسول الله يحب كذا، سواء كان قولاً أو اعتقاداً أو عملاً، فإن كنت تحب رسول الله فسوف تفعل ذلك لأنه يحبه، فكيف تخالفه وتدعي حبه؟! نعم، قد تعجز، فقل: أستغفر الله، أتوب إلى الله، ضعفت عن هذا، أما أن تعلم أن رسول الله يحب كذا وأنت تبغضه، فوالله ما أحببته.والمثال القريب هو: من المعلوم أنك تحب والدتك وزوجتك وولدك، فإذا طلبت منك زوجتك أن تعطيها كذا، فإنك سوف تعطيها؛ لأنك تحبها، ولذلك فمن أحب الله أو أحب رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يتنازل عن حبه للشيء من أجل حبه لربه عز وجل، ومن هنا يجب عليك أولاً أن تحب الله ورسوله، ومن ثم يجب أن نحب ما يحب الله ورسوله، فمن أحب ما يكره الله ورسوله فقد تناقض في دعوى محبته لهما، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده والناس أجمعين. فقال عمر: ومن نفسي؟ قال: ومن نفسك أيضاً )، ولولا فرض الله حب رسوله على عباده ما أطاعوه كما أطاعوه بعد أن أوجب حبه، فإذا أحببت شيئاً وأحب رسول الله شيئاً آخر، فكيف نعرف أنك تحبه عليه السلام؟ أن تترك ما تحب من أجل ما يحب هو، فإذا علمت أن رسول الله يكره الشيء الفلاني، فإن لم تكرهه ما أحببت الرسول، وإنما ناقضته، إذ كيف هو يحب وأنت تكره؟! أو هو يكره وأنت تحب؟! ولذا لا بد من مجاهدة النفس حتى نحب ما يحب الله ورسوله، ونكره ما يكره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.إذاً: عرفنا من شهد أن محمداً رسول الله ماذا يجب عليه؟ أن يطيعه في الأمر والنهي، أن يصدقه في كل ما يخبر به، سواء أدركته أو عجزت عن إدراكه، ومثال ذلك: لما أخبر أنه أسري به من بيت أم هانئ من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، ثم إلى الملكوت الأعلى، ثم إلى سدرة المنتهى، ماذا قال المؤمنون؟ قال أبو بكر: صدقناه فيما هو أعظم من ذلك، صدقناه في الوحي ينزل عليه من الله، فكن متهيئاً لأن تصدق رسول الله في كل خبر، على شرط أن تعلم أنه صح عنه وأنه قاله، أما إذا شككت في صحته فمعذور، ولكن اسأل أهل العلم: هل هذا صحيح أم لا؟ أي: هل ثبت هذا عن رسولنا أنه قاله أو لم يثبت؟

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #545  
قديم 03-05-2021, 03:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

من مظاهر الشرك: دعاء غير الله تعالى
معاشر المستمعين والمستمعات! يجب علينا أولاً في توحيد العبادة أن نعرف وجوباً حتمياً بم تكون عبادة الله أو بم يعبد الله تعالى؟ إذ كيف نعبده بما لا تعرف؟ لذا لا بد وأن تعرف بم يعبد الله؟ وقد بدأنا البارحة بالدعاء، وسنواصل إن شاء بيان العبادات ومظاهر الشرك فيها بين الناس، والدعاء عبادة من العبادات، فأنت عندما تطلب حاجتك من الله فهي عبادة؛ لأن الله أمرك بهذا فقال: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، ثم هل يستغني مخلوق عن خالقه؟ أو مرزوق عن رازقه؟ وقال الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعاء لا ننساه أبداً وهو: ( الدعاء هو العبادة )، حتى تعرف أنه لا توجد عبادة أعظم من الدعاء أبداً، لا صلاة ولا حج ولا جهاد ولا رباط، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: ( الدعاء مخ العبادة ).وهنا انظروا إلى الشيخ وهو يمثل لكم هذه المظاهر لهذه العبادة لتعرفوا أن الدعاء هو العبادة، فالآن أنا رفعت كفي إلى السماء فماذا تقرأ؟ الشيخ فقير مسكين وضع كفيه يتكفف سيده، الشيخ فقير محتاج إلى من يقضي حاجته ويسد فاقته، إذ عرف أن الله فوق سمواته فوق عرشه هو الذي يعطيه ويقضي حاجته، فلذا رفع كفيه إليه. ثانياً: أن الشيخ علم أن ربه يعلم حاله، ويعرف مكانه، ويعرف حاجته، ويقدر على قضائها وإعطائها وإلا ما سأله. ثالثاً: الشيخ لو علم أن ربه ليس فوق السماوات فوق العرش لنكس يديه إلى الأرض، لكن هو رفع يديه لأنه علم أن الله فوقنا، فهو أقر بوجود الله، وبعلم الله، وبقدرة الله، ثم كفر بكل كائن سوى الله يعطيه حاجته ويقضيها، وإلا لقال: يا فلان! لكنه وحد الله عز وجل غاية التوحيد وأعظمه. ثم إن كل من يدعو غير الله من الملائكة أو الرسل أو الأنبياء أو الأولياء أو الصلحاء فقد أشرك بربه، أي: أشرك في عبادة ربه، ويصدق عليه قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:116]، فإن تاب وتاب الله عليه فنعمت، وإن لم يتب ومات على ذلك فقد انتهى أمره ولو صام سبعين سنة، ووقف متعبداً سبعين أخرى، وحج سبعين حجة، وغزا سبعين غزوة؛ إذ كل ذلك باطل لا يعطى عليه شيئاً. وها نحن نشاهد من يدعون غير الله عز وجل من آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا في العالم طيلة خمسمائة عام أو أكثر! فأين مصير هؤلاء؟ يسألني بعض الإخوة أو الأبناء فيقول لي: إن أمي قد ماتت على كذا، وأبي مات على كذا، فنقول له: اسمع، لعل والدك أو أمك كانت جاهلة فقط ما عرفت الطريق، وكانت تصوم وتصلي وتتصدق وتذكر الله، فإذا كانت صادقة فالله عز وجل يحفظها عند الوفاة، وذلك بأن يوفقها للشهادة عند الموت، فلا تقول: يا سيدي عبد القادر! يا مولاي إدريس! يا عبد الرحمن! وتكون بذلك قد نجت، إذ إن من مات وآخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة؛ لأن هذه الكلمة إذا عرفها العبد وأعلن بها فإنها تمحو كل الذنوب وتبخرها!وإن مات العبد وهو يأتي يقول: يا سيدي عبد القادر! فقد انتهى أمره، ولا تصل ولا تصم ولا تحج عنه، إذ لا ينفعه ذلك شيئاً، وافهموا هذه القضية بالذات؛ لأننا جاهلون متورطون في ظلمة الجهل، لكن إذا أراد الله أن ينقذ عبداً من عباده أو أمة من إمائه لعلمه بسابق نياته -ولكن وقع في الجهل- فإنه يحفظه ساعة الوفاة، فلا يعرف إلا الله تعالى، وينسى عبد القادر وفلان وفلان، وهذه هي حسن الخاتمة.إذاً: قد رأينا المسلمين في الشرق والغرب يدعون غير الله تعالى، وهم بهذا الدعاء والله مشركون، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فماذا نصنع؟ نأخذ في تعليمهم فنقول: لا يدعى سوى الله عز وجل، لا ملك ولا نبي ولا ولي ولا أي كائن، إذ لا يعلم أين أنت؟ ولا يعلم حاجتك، ولا يسمعك، ولا يقدر على أن يعطيك شيئاً إلا الله، ولك أن تقف في صحراء وتنادي يا عبد القادر! هل يجيبك؟! لا والله، بل لو ناديت رسول الله فإنه لن يجيبك أبداً، والقرآن الكريم قد بين هذه المواقف فقال: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف:5]، وأخرى: وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ [الأحقاف:6]، أي: يوم القيامة، كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:6]، وهذه وحدها كافية، وَمَنْ [الأحقاف:5]؟ إنه استفهام من الجبار جل جلاله وعظم سلطانه، أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ [الأحقاف:5]، لو دعا عيسى إبراهيم وهو بين يديه يسمع صوته ويرى حاجته ويقدر عليها فلا بأس، لكن أن يدعو من لا يستجيب له إلى يوم القيامة! فوالله لو تقف على قبر رسول الله وتناديه إلى يوم القيامة ما استجاب لك، ويوم القيامة والله ليكفر بشركك، ولا يعترف لك أبداً بأنك دعوته، إذ كيف يعترف أنه قد عُبِد مع الله؟! وهذا سيد الخلق، فكيف بمن دونه من الخلق؟! بل والله قد هبطنا حتى ما أصبحنا ندعو الأنبياء والأولياء، وإنما ندعو الصعاليك وندعي أنهم أولياء وأقطاباً وهم من تاركي الصلاة والعياذ بالله! فاحذر يا عبد الله! واحذري يا أمة الله! أن يراك الله وأنت تقولين: يا سيدي فلان! كما أنه لا يحل أيضاً أن تركب سيارتك أو بغلتك أو دابتك إلى الضريح الفلاني أو إلى القبر الفلاني لتتمرغ عليه وتبكي بين يديه وكأنك بين يدي الله، إذ إن هذا والله لهو الشرك الأعظم، وصاحبه لن ينجو إلا إذا أدركه الله فمات عند آخر ساعاته وهو يقول: لا إله إلا الله.
من مظاهر الشرك: الركوع والسجود لغير الله تعالى
بعد أن عرفنا أن الدعاء عبادة من العبادات الجليلة، فكذلك الصلاة عبادة من العبادات العظيمة، فلا يحل لك أن تنحني راكعاً لكائن من كان،إذ الركوع لا يكون إلا لله تعالى، وإذا ركع أحدنا فينبغي أن يسبح الله فيقول: سبحان ربي العظيم، على الأقل ثلاث مرات، لكن قد يحصل من إخوانكم أنهم لا يطمئنون في صلاتهم بالقدر المطلوب، فإذا ركع رفع رأسه بسرعة، وهذا صلاته باطلة، حتى الوقفة المعتدلة التي يقفها العسكري، فلا يرمش بعينيه ولا يحرك جسمه أبداً، لا تنبغي إلا لله تعالى، وبالتالي فالركوع هو انحناء بين يدي العظيم جل جلاله، فمن ركع وانحنى لغير الله فقد أشرك، وهو والله في عداد المشركين.وكذلك السجود لا يكون إلا لله تعالى، وهو وضع الجبهة والأنف -أفضل الأعضاء وأعظمها- في التراب بين يدي الله، وبالتالي فمن سجد لغير الله تعظيماً لحي أو ميت فقد أشرك بالله عز وجل، وهو والله من المشركين وإن صام وصلى؛ لأنه قد أشرك في عبادة الله تعالى، وما وحد الله تعالى، بل كذب في قوله: لا إله إلا الله.وقد رأينا وبلغنا أن إخواننا الجهلة يأتون إلى ضريح سيدي فلان وهم يزحفون على أستاههم وذلك تعظيماً له! ثم يخرون ساجدين، مع أنهم ما فعلوا هذا مع الله تعالى، ولذلك فلا ركوع ولا سجود إلا لله عز وجل، كما لا دعاء ولا سؤال حاجة إلا من الله عز وجل، قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، فمن أمر الرسول أن يقول هذا؟ إنه الله عز وجل، فقد أمره أن يعلنها للعالم أجمع: قُلْ إِنَّ صَلاتِي [الأنعام:162]، ويدخل فيها الدعاء والركوع والسجود.
من مظاهر الشرك: الذبح لغير الله تعالى
ثم قال تعالى: وَنُسُكِي [الأنعام:162]، والنسك: هو الذبح تقرباً وتزلفاً، وإن كان النسك يطلق على العبادة، لكن أول ما يطلق على الشاة تذبحها تتملق بها للجبار عز وجل، سواء في حج أو في عمرة أو في يوم العيد أو صدقة تتصدق بها، والذبح لا يكون إلا لله تعالى، فأولاً: سم الله تعالى ثم اذبح، وثانياً: ألا تلتفت إلى كائن من الكائنات أن تذبح له ومن أجله تقرباً إليه أو تزلفاً، إذ من ذبح لولي من الأولياء أو لميت من الأموات فقد أشرك في عبادة ربه تعالى، وأصبح من المشركين، حتى ولو قال: باسم الله؛ لأن بعض الناس يقول: أنا قلت: باسم الله، وما قلت: باسم عبد القادر! لكن لو سئل: لم ذبحت؟ فسيقول: لسيدي عبد القادر! فنحن نتقرب إلى الله بالذبح لعبده الصالح عبد القادر أو العيدروس! مع أن هذا الذبح للأولياء نظير الذبح للجن والعفاريت. وقد ظننا أن هذه القضية قد انتهت، وإذا بكتاب يأتينا من حضرموت يقول فيه صاحبه: اذبح شاة سوداء أو بيضاء عند دخولك البيت، وذلك حتى تسلم من الجن والعفاريت، وهذه قد عاصرناها، إذ يأتي المريض أو أبو المريض أو المريضة للشيخ، وإذا بالشيخ يفتح الكتاب، وهو كذب، إذ ليس هناك كتاب، فيقول: ولدك مضروب على الدم، أو مضروب على كذا، وإذا أردت شفاءه فاذبح تيساً أسوداً، وأحياناً يمكرون بهم فيعطيه وصفاً لا يحصل عليه! ولما يموت المريض يقول: يا أحمق! نحن قلنا لك النوع والوصف كذا، فهل هذه أمتنا؟ قرون عديدة وهي هكذا! يذبحون للجن والعفاريت، واسمع هذه القصة: سكنا منزلاً في باب المجيدي، وبني منزل إلى جنبنا، ولما تم بناؤه جئت مع الغروب وإذا بكبش مذبوح وهو يوزع لحماً، فقلت: ما هذا؟ فقال صاحب المنزل: أمرني المعلم -وهو في جدة- أن نذبح على العتبة، وذلك حتى نحصن السكان من الجن! ولذلك فكل ما ذبح وإن قلت: باسم الله، ولكن نيتك ليبعد الجان أو يتخلوا عن مريضك أو يفعل كذا وكذا، فالجن يعلنون عن فرحهم ويقولون: قد عبدناهم؛ لأن من أكبر العبادات النسك، آالله أمرك بهذا؟ والجواب: لا، وإنما أطعت الشيطان والعياذ بالله، فزين لك عبادة غير الله فعبدته بذبحك للجان، فهل عرفتم الذبح لغير الله ما حكمه؟ وهل هناك من يذبح لغير الله تعالى؟ كل من ذبح لسيدي فلان أو من أجل الجان الفلاني فقد أشرك ورب الكعبة، وإن مات على ذلك ما نجا.
من مظاهر الشرك: النذر لغير الله تعالى
من مظاهر الشرك أيضاً: النذر أو العِدة أو الوُعدة -وكلها بمعنى واحد، إذ العرب يلونون الكلام- وهذه لا تكون إلا لله تعالى، لكن أنا قد سمعت بنفسي أن بعضهم يقول وهو أمام القبر: يا سيدي فلان! إذا غلب أخي زوجته في المحكمة أذبح لك كذا! وآخر يقول: يا سيدي فلان! إذا شفي ولدي من هذا المرض سآتي لك بكذا، أو سآتيك لو ببخور وبشموع، وأخرى تقول: أحلي الضريح بأزر حريرية، فهذه والله لمن الشرك بالله تعالى، ينذرون ويعدون أمواتاً؟ وآخر يقول: يا سيدي فلان! إذا حصل كذا وكذا سأفعل لك كذا وكذا، وهذه العدة أو وهذه الوعدة أو هذا النذر لا تكون إلا لله عز وجل، وهو القائل: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا [البقرة:177] ، والقائل: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ [الإنسان:7]، والعهد كالنذر أيضاً، فمن نذر لغير الله حتى لرسول الله فقد أشرك والعياذ بالله، سواء كان النذر ذبيحة أو طعاماً، وقد كانوا يأتون بالشموع للولي أيام ما كانت الكهرباء وجودة، وذلك ليوقدوا على قبره في الليل؛ تقرباً إليه ونذرٍ من النذور، وكذلك يأتون له بالبخور، وآخر ينذر أن يجدد القبة إذا قدُمت، أو يصبغها بصبغة كذا، وكل ذلك تقرباً إلى الأولياء لتقضى حاجاتهم بواسطتهم!
من مظاهر الشرك: الحلف بغير الله تعالى
ومن مظاهر الشرك أيضاً الحلف بغير الله تعالى، فيقول أحدهم: وحق سيدي فلان، أو ورأسك، أو وبالملح الذي بيننا، وهذا قد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم شركاً وكفراً، وقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي: ( من حلف بغير الله فقد أشرك )، ومرة قال: ( فقد كفر )، ولو اتسع الوقت نعلمك كيف أشرك؟ إذ لا يحلف الإنسان إلا بما يراه أعظم من غيره، وهذه هي الفطرة، فكونه يحلف بغير الله فمعناه أنه عظم هذا المخلوق بتعظيم الله وسواه بالله، فلهذا لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يحلف بغير الله أبداً، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ألا إن الله ورسوله ينهيانكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ).
بيان سبب تفشي مظاهر الشرك في هذه الأمة وعلاج ذلك
معاشر المستمعين! هناك مظاهر للشرك لا نستطيع استيفاءها في هذه اللحظات، لكن عندنا كلمة أخيرة وهي: ما سبب هذا الشرك؟ هل لأن القرآن ليس عندنا؟ أو هل لأن السنة أحرقت كتبها وما بقي شيء منها؟ لا هذا ولا ذاك، إذاً كيف حصل هذا الجهل؟ والجواب: الكتاب محفوظ بحفظ الله، والسنة محفوظة بحفظ الله، والذي أوقعنا في هذه الفتنة هو عدونا المكون من ثلاثة أجناس: المجوس واليهود والنصارى، فلا يريدون أن ندخل الجنة ويدخلوا النار، بل ما يريدون لنا ألا أن يوجد بيننا البغاء والزنا والعهر والخمر والباطل، وأنا أقول هذا على علم، وقد عملوا على تجهيلنا، إذ علة هذا الشرك والله لهي الجهل، فالقرآن حولوه ليقرأ على الموتى، إذ ما يتدارسونه هكذا أبداً، وفي هامش أو حاشية على شرح خليل يقول القائل: تفسير القرآن صوابه خطأ، أي: إذا فسرت وأصبت فأنت مخطئ، وخطؤه كفر! فعاشت أمتنا قرى ومدن مائتين أو ثلاثمائة سنة ما يفسرون آية من آيات الله! وبالتالي كيف يعلمون؟! وكذلك السنة تقرأ للبركة، وقد رأيت هذا في ديارنا الجزائرية في الجامع الكبير، ورأيناه في الروضة الشريفة إلى غد، فسيدخل رمضان وتجدون جماعة من أهل الخير عاملين حلقة في الروضة يقرءون سيدي البخاري للبركة فقط! ولا يريدون أن يفهموا حكماً، فهل معنى ذلك أن الرسول يتكلم بالباطل؟ إن كل كلامه شرائع وقوانين وآداب وأخلاق، وقد بلغهم هذا البكاء أربعين سنة وما زالوا؛ لأن الأمة هبطت، فمن يرفعها؟ أما من عرف الله وامتلأ قلبه بحبه والخوف منه، مجرد أن يسمع فقط كلمة محرمة لا يقولها حتى الموت، أو يسمع فقط حركة يكرهها الله والله ما يتحركها، ولو كان قد عاش خمسين سنة يعملها، بل بمجرد أن يعرف أن الله لا يرضى بهذا ما يفعله، ومن لم يعرف الله فإنه يرقص وهم يرقصون.فإن قيل: كيف نقضي على هذا الجهل؟ بإيجاد الخلافة الإسلامية؟! هذه خرافة، إذ والله لا تقضي على الجهل، إذاً كيف نقضي على الجهل؟ والجواب وقد كررنا هذا والله يعلم ويشهد: أن على أهل القرية المسلمة عربية أو عجمية، في الجبال أو في السهول، أن يجتمعوا بنسائهم وأطفالهم في بيت ربهم كل ليلة وطول الحياة، وذلك كاجتماعنا هذا من المغرب إلى العشاء، فيدرسون ليلة آية من كتاب الله، فيفهمونها ويعملون بها، وليلة أخرى حديثاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم يتعلمون ويعملون، فتتهذب آدابهم وأخلاقهم، وترتفع مستويات علومهم ومعارفهم، وتطهر قلوبهم من الشرك والزيغ والباطل.وكذلك أهل المدن، فكل حي من المدينة يجتمعون أهله في بيت ربهم من المغرب إلى العشاء، فيدرسون ليلة آية وليلة حديثاً فقط، لا قال سيدي فلان ولا فلان، ولا أنا مذهبي مالكي ولا حنبلي، وإنما قال الله وقال رسوله، فلا فرقة ولا انقسام ولا أباضية ولا زيدية ولا سنية، وإنما مسلمون نتعلم كتاب الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم. فهذا هو الطريق، وهذا الذي يزيل هذه المحن والإحن، وهذا الذي يجمع الكلمة، وهذا الذي يطهر القلوب، وهذا الذي يجعلنا أمة واحدة، وأهل القرية والله كأسرة واحدة، فيبكون إذا بكى أحدهم، ويضحكون إذا ضحك أحدهم، وبدون هذا النظام الإلهي الذي جاء به رسول الله هيهات هيهات أن نعلم ولو فتحنا في كل زاوية مدرسة! فقد خمت الدنيا بمدارس أبنائنا وبناتنا، حتى البلاد الفقيرة، فهل نفع هذا العلم؟ والله ما نفع؛ لأنه ما أريد به وجه الله، وإنما أريد به الوظيفة فقط، فيقول الأب لابنه: تعلم يا ولدي لتكون كذا! أما في بيت الرب لماذا يجتمعون؟! لم يتعلمون قال الله وقال رسوله؟ لله، ليعرفوا الله فيخافوا ويحبوه ويعبدوه، فيكملون ويسعدون.مرة أخرى: بلغوا هذا الكلام، أين الكتاب؟ لم ما يكتبون هذا الكلام؟ لأن الأمة هابطة وما زالت هابطة، وجرب يا عبد الله! انزل في قرية من القرى، واجمع الناس بعد المغرب، فالفلاح يضع المسحاة على جهة، والتاجر يغلق بابه، وما بقي عمل قط، وتقول: هيا إلى الله نجلس بين يديه، فنبكي فقط حتى يفرج ما بنا، لكن ما يريدون، إذاً كيف يتعلمون؟ والله لن يزول الجهل ولا الظلم ولا الخبث ولا الشر ولا الفساد إلا بالعلم بالله ومحابه ومساخطه، فهل فهمتم هذا أو لا؟ وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #546  
قديم 06-05-2021, 03:15 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (63)
الحلقة (286)

تفسير سورة النساء (67)


إن الضلال الكبير هو في اتباع الشيطان الرجيم، فهو يأمر أتباعه بطاعته في كل ما يغضب الله ويجر إلى سخطه، فيأمرهم باتخاذ الأوثان والأصنام وصرف شيء من العبادة لها، ويأمرهم بتغيير خلق الله من وشم ووسم لأنعامهم، ويمنيهم الأماني الباطلة ويزين لهم الباطل في صورة خادعة، حتى يكونوا معه في العذاب المقيم في جهنم.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وما زلنا مع سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات الست، وقد درسنا آية منها والباقي خمس آيات، والآية التي درسناها تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116].فعلمنا بتعليم الله عز وجل لنا أنه عز وجل لا يغفر الشرك من عبده إذا مات عليه، أما من تاب منه قبل أن يموت فوحد الله عز وجل فقد نجا، وأما من مات وهو يشرك بالله شيئاً في ربوبيته أو في أسمائه وصفاته أو في عباداته، فهذا قد أخبر الكريم الرحيم جل جلاله وعظم سلطانه أنه لا يغفر له، وأما ما عدا الكفر والشرك من سائر الذنوب فهي موقوفة للنظر فيها، إن شاء غفر له، وإن شاء آخذ وعذب، إلا أن أهل لا إله إلا الله -أهل التوحيد- إذا دخلوا النار ومكثوا فيها ما شاء الله فإنهم يردون إلى الجنة دار السلام، أي: أهل الكبائر من هذه الأمة إذا لم يغفر لهم ودخلوا النار فإنهم لا يخلدون فيها كما يخلد فيها المشركون والكافرون. إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، فكيف يرجع وقد ضل ضلالاً بعيداً؟!
تفسير قوله تعالى: (إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً)
والآن مع هذه الآيات فتدبروا معانيها، والله أسأل أن يفتح علينا وعليكم، وأن ننتفع بها، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا [النساء:117-121]، أي: مهرباً.
إخبار الله عن حال المشركين أنهم ما يعبدون إلا إناثاً
إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا [النساء:117]، أي: ما يدعو هؤلاء المشركون من دون الله إلا إناثاً، كيف يدعون الإناث؟ في لغة العرب التي نزل بها القرآن أن لفظ (الميت) يطلق عليه لفظ المؤنث؛ لأن الأنثى لا تقاتل ولا ترفع السلاح ولا تجلب الطعام، إذاً: فالذي يدعو الميت يدعوه وكأنه أنثى.وتأملوا مرة أخرى: إِنْ يَدْعُونَ [النساء:117]، أي: ما يدعون مِنْ دُونِهِ [النساء:117]، أي: أولئك المشركون إِلَّا إِنَاثًا [النساء:117] والإناث: جمع أنثى، قال أهل العلم: العرب يطلقون على الميت أنثى؛ لأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يشفع، فهو إذاً أنثى.كما أن هناك آلهة مؤنثة، منها: اللات التي كانوا يعبدونها ويعتزون بعبادتها، وكذلك مناة ونائلة، وهكذا يدعون أصناماً تمثلوها وجعلوها آلهة وهي إناث في لفظها، ولكن الأول أوسع، أي: ما يُدعى من دون الله، أو ما يعبد من دون الله من سائر المعبودات من أصنام وأحجار وتماثيل أُطلق عليها لفظ أنثى ولا تحزن؛ لقوله تعالى: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا [النساء:117]، وإناث: جمع أنثى؛ لأن الأنثى من بني آدم لا تفعل شيئاً، إذ لا وزن لها ولا قيمة لها في باب القتال والجهاد والأخذ والعطاء، وهذا الميت أو الشجر أو الصنم أنثى أيضاً، إذ لا يعطيهم شيئاً ولا يدفع عنهم شيئاً، فهو أنثى! وقد اختار الله الحكيم العليم هذا اللفظ من أجل تبكيتهم وخزيهم، وكشف سوءتهم وعوراتهم، أي: ما يدعون إلا إناثاً، ويتركون الجبار العليم الحكيم.
عبدة الأصنام هم في الباطن عبدة للشيطان إذ هو الذي أمرهم فأطاعوه
ثم قال تعالى: وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا [النساء:117]، ونثهذا كشف للستار الثاني، إذ هم في الحقيقة إذا دعوا اللات أو العزى أو مناة أو عيسى وأمه أو عبد القادر والبدوي، فهم في الحقيقة إنما يدعون الشيطان، إذ هو الذي أمر بذلك، فالذين يعبدون عيسى ما أمرهم عيسى بعبادته، بل ولا أمرهم الله بعبادتهم، وإنما الذي أمرهم هو الشيطان.إذاً: فهم والله يدعون الشيطان، لا اللات ولا العزى ولا مناة ولا جبريل ولا ميكائيل، وبالتالي فكل ما عبد من دون الله هو ما عبد حقيقة، وإنما عبد الشيطان الذي زين عبادته وحسنها ورغب فيها ودعا إليها، فالشيطان هو المعبود، ثم أليس المعبود هو المطاع؟ نعم، إذاً: من أُطيع هذه الأصنام أم الشيطان؟ الشيطان هو الذي أُطيع، فهو الذي أمر وزين وحسن فعبدوها.وتأملوا: إِنْ يَدْعُونَ [النساء:117]، أي: ما يدعون مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا [النساء:117]، فقد تمرد على ربه ورفض أن يسجد لآدم، وتبجح الكثير، وقال ما قال، وهذه مواقف له نقف عليها الليلة إن شاء الله تعالى، وسبحان الله! فهذه الآيات عجب.
تفسير قوله تعالى: (لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً)
لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:118].قال تعالى: لَعَنَهُ اللَّهُ [النساء:118]، من لعنه؟ الله عز وجل، ومعنى: لعنه الله، أي: أبعده من ساحة الخير، فقد كان في الجنة مع آدم في الملكوت الأعلى، لكن لما لعنه الله، فقد أبعده من الخير نهائياً. وَقَالَ [النساء:118]، أي: هذا الملعون عدو الله لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:118]، أي: يقول للرب تعالى لما طرده من الجنة بسب إفساده لآدم وحواء، ورفضه السجود للآدم، إذ كل الملائكة سجدوا إلا هو والعياذ بالله، قال لما أيس وعرف مصيره: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:118]، أي: يتحقق لا بد منه، وقد نجح، ففي الأثر يقول الرب تبارك وتعالى في عرصات القيامة في ساحة فصل القضاء: يا آدم! خذ بعث النار، من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، وواحد إلى الجنة فقط.فهيا لنلق نظرة في البشرية الآن، كم نسبة الناجون من أهل الإيمان والصدق والتوبة والطاعة إلى باقي هذه الأمم؟ من الألف واحد! إذاً: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:118]؛ لأنه عرف ضعف هذا الإنسان وعجزه وعدم قدرته، وذلك لما زين لآدم وحواء الأكل من الشجرة المحرمة، فسلبهم ذاك النعيم وأخرجهم من دار السلام، وكذلك أولاد آدم مثله، ولهذا حلف فقال: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:118]، فقد استطاع أن يغرر بآدم وحواء ليخرجهم من الجنة، فزين لهم أكل الشجرة وقال: هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى [طه:120]؟ فاستجاب آدم وحواء لذلك وأبعدوا من دار السلام، واهبطوا إلى دار الشقاء وهو معهم.إذاً: عرف أن هذا الجنس ضعيف يستطيع أن يؤثر عليه، واسمعوا ماذا فعل أيضاً؟

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #547  
قديم 06-05-2021, 03:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ...)
وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا [النساء:119].
معنى قوله تعالى: (ولأضلنهم)
قال: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ [النساء:119]، أي: أبعدهم عن طريق عبادتك وولايتك؛ ليكونوا عبيدي وأوليائي، ويدخلون جهنم ويخلدون فيها معي، وهذا الحقد وهذا الغيظ سببه أنه أطرد من رحمة الله هو وذريته من الجنة من دار السلام، وذلك بسبب آدم وحواء، ثم قال: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82-83]، اللهم اجعلنا من الذين استخلصتهم لعبادتك.إذاً: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ [النساء:119]، أي: عن جادة الصواب، عن طريق الحق، عن الصراط المستقيم؛ ليعيشوا في الشرك والكفر والجرائم والموبقات، فتسود نفوسهم وتخبث، ويكونوا أهلاً لعالم الشقاء جهنم.
معنى قوله تعالى: (ولأمنينهم)
وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ [النساء:119]، أتعرفون الأماني؟ يأتي الآدمي فيقول له: لم تبق في هذه الحال؟ افعل كذا، اقتل فلاناً واحصل على هذا المال، وبعد ذلك تستريح مرة واحدة، ويقول لفلان: افتح مقهى أو مخمرة كما يفتحها غيرك، والله يتوب على من يشاء، فما يزال به حتى يوقعه في ذلك، ويأتي لآخر فيقول له: لم تبق في هذا الكرب والغم والهم؟ اطلب لك فتاة وازن بها وافجر بها والله غفور رحيم! وغير ذلك من الأماني التي يلقيها على الآدمي، ولا نستطيع أن نستوفي ما يطرحه من أماني! إلا أننا نقول: كل الذين بغوا وظلموا وفسقوا كان ذلك بأماني الشيطان لهم، فهو الذي يحسن لهم القبيح ويزين لهم المشئوم حتى يوقعهم في ذلك، وما يقدم من أماني عذبة حتى يورط الآدمي في هذه الفتن.
معنى قوله تعالى: (ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام)
وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ [النساء:119]، أي: ولآمرنهم فيطيعونني، فَلَيُبَتِّكُنَّ [النساء:119]، أي: فليقطعن، آذَانَ الأَنْعَامِ [النساء:119].يقول تعالى عن إبليس عليه لعائن الله، وهو عز وجل يخبر بأخباره وكلامه الذي قال، فيقول: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ [النساء:119]، أي: بني آدم عن الطريق الموصل إلى سعادتهم ورضاك. وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ [النساء:119]، أي: بالأماني الكاذبة حتى يتورطوا في الشرك والكفر والفجور والذل والفساد والشر. وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ [النساء:119]، وآذان جمع أذن، والأنعام: الإبل والبقر والغنم، فقد كان العرب في الجاهلية يعلِّمون الشاة أو البعير أو البقرة بشق أذنها على أنها لسيده أو لمولاه أو لربه، قال تعالى: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:103].إذاً: فهم يجعلون للآلهة مواشيهم، فهذا البعير يسمونه الحام لأنه محمي، أي: لا يركبه أحد؛ لأنه لإلهه، وطول حياته وذاك البعير يرتع ولا يركب ولا يحمل عليه، وإنما حموه للآلهة.والسائبة هي التي يسيبونها ويتركونها، كشاة أو مجموعة من الأنعام، فلا تحلب ولا تركب؛ لأنها للإله.وأما البحيرة فهي التي يبحرون أذنها أيضاً من الإبل أو البقر، والذي زين لهم هذا هو الشيطان، وقد جاء إلينا بعد أنوار القرآن، فكم من إنسان يقول: هذه الشاة لسيدي عبد القادر، فلا تمسها ولا تأكلها! ويغرس نخيلاً فيقول: هذه نخيل لسيدي عبد القادر! ويشتري قطيعاً من الغنم ويقول: هذه شاة مولاي فلان! وعلة ذلك الجهل، فيتقربون إلى الأولياء، فهل الأولياء يقبلون منهم هذا؟ وهل أمرنا الله بأن نجعل لأولياء الله شاة أو نخلة أو شجرة من الزيتون ونقول: هذه لسيدي فلان؟! والله ما أمر بهذا إلا الشيطان عليه لعائن الله.
معنى قوله تعالى: (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله)
وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119]، كيف يغيرون خلق الله؟ مثلاًً: شق الأذن تغيير لخلق الله، وحلق الحاجبين تغيير لخلق الله، وحلق اللحية والشارب معاً تغيير لخلق الله، والوشم في اليد والوجه تغيير لخلق الله، وقد عمل إبليس واستطاع ونجح في هذا الباب بلا حساب.قال: [ فيطيعونني في ذلك، فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ [النساء:119] ليجعلون لآلهتهم نصيباً مما رزقتهم، ويعلمونها بقطع آذانها لتعرف أنها للآلهة، كالبحائر والسوائب التي يجعلونها للآلهة ]، فلهذا معاشر الأبناء والبنات والمؤمنين والمؤمنات! نعمل على ألا نغير خلق الله، لا في شاة ولا في بعير ولا في إنسان ولا في أي شيء، فنترك خلق الله كما هو، فالوشم حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ( لعن الله الواشمة والمستوشمة، لعن الله الواصلة والمستوصلة )، وهي التي توصل شعر غيرها بشعرها، إذ ما رضيت بما أعطاها الله عز وجل فاحتالت وألصقت شعراً بشعرها، ( لعن الله الواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة ).والمهم إذا رأيتم من يغير خلق الله فاعلموا أنه استجاب لدعوة إبليس، إذ هو القائل: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119].
جزاء من اتخذ الشيطان ولياً من دون الله
ثم قال تعالى: وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا [النساء:119]، وهو كذلك، فبدل أن توالي الله عز وجل بالإيمان الصحيح وبطاعته وطاعة رسوله فتصبح ولي الله؛ تترك الله عز وجل ولا تؤمن به ولا تطيعه وتؤمن بالشيطان وتطيعه في كل ما يأمر ويزين، فصاحب هذه الطاعة قال الله فيه: فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا [النساء:119].
تفسير قوله تعالى: (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً)
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [النساء:120].وبين ذلك فقال: يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ [النساء:120]، أي: يعدهم بالوعود الكاذبة، فهل يحقق شيئاً؟ ويمنيهم بالأماني العذبة الكاذبة. وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [النساء:120]، والله ما يعد الشيطان أحداً إلا وقد غرر به، فلا يستطيع أن يعطيه شاة ولا بعيراً ولا ديناراً ولا درهماً، وإنما الذي يعطي ويمنع هو الله عز وجل، لكن الشيطان يمني ويحمل الإنسان على الأماني الكاذبة من أجل أن يضله الضلال البعيد والعياذ بالله، ومن أجل أن يخسر خسراناً واضحاً بيناً.
تفسير قوله تعالى: (أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصاً)
أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا [النساء:121]. قال تعالى في ختام هذه الآيات: أُوْلَئِكَ [النساء:121]، أي: أتباع الشيطان ومطيعوه، أولياء إبليس. أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا [النساء:121].
قراءة في كتاب أيسر التفاسير
لهذه الآيات هدايات خمس فتأملوا! ‏
معنى الآيات
قال المؤلف: [ من هداية الآيات: سائر الذنوب كبائرها وصغائرها قد يغفرها الله تعالى لمن شاء، إلا الشرك فلا يغفر لصاحبه ] وأخذنا هذا من الآية الأولى.قال: [ ثانياً: عبدة الأصنام والأوهام والشهوات والأهواء هم في الباطن عبدة الشيطان، إذ هو الذي أمرهم فأطاعوه ] فهو وليهم.قال: [ ثالثاً: من مظاهر طاعة الشيطان المعاصي كبيرها وصغيرها، إذ هو الذي أمر بها وأُطيع فيها ] أي: أن كبائر الذنوب، بل المعاصي كلها الشيطان هو الذي أمر بها وحسنها وزينها، ونحن إذا أطعناه فقد عبدناه. قال: [ رابعاً: حرمة الوشم والوسم والخصاء إلا ما أذن فيه الشارع ] الوشم حرام إذ فيه تغيير لخلق الله، والوسم كذلك، والخصاء للذكر كذلك إلا ما أذن فيه الشارع، فقد أذن الشارع أن نخصي التيس والكبش للحفاظ على الشحم واللحم، وأذن في أن نعمل علامة في الأغنام بشق بعض الأذن حتى لا تختلط أغنامنا بأغنام الآخرين، فهذا قد رخص فيه الشارع؛ لأنا ما فعلنا هذا لنعبد الشيطان أو نجعل هذه الشاة لفلان أو علان.قال: [ رابعاً: حرمة الوشم ] سواء في الوجه أو في غيره، [ والوسم ] أيضاً بالسيم أو العلامة، [ والخصاء، إلا ما أذن فيه الشارع ] صلى الله عليه وسلم.قال: [ خامساً: سلاح الشيطان العِدة الكاذبة، والأمنية الباطلة، والزينة الخادعة ] أي: سلاح عدونا إبليس: العدة، أي: الوعد الكاذب، والأمنية الباطلة، والزينة الخادعة.والله تعالى أسأل أن يعيذنا وإياكم من فتنه ومن شره وتزيينه، وأن يحفظنا بما يحفظ به أولياءه حتى نلقاه طيبين طاهرين.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #548  
قديم 06-05-2021, 03:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (64)
الحلقة (287)

تفسير سورة النساء (68)


بين الله عز وجل جزاء الشرك والمشركين عبدة الشيطان، وأنهم مجموعون في نار جهنم لا يجدون عنها محيصاً، ثم بعد ذلك بين سبحانه جزاء التوحيد والموحدين عبيد الرحمن، وأنه سبحانه سيدخلهم بعد موتهم جنات تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار، وأن خلودهم مقدر فيها بإذن ربهم سبحانه، فلا يخرجون منها أبداً.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا، فإنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وها نحن مع سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، ومع هذه الآية أيضاً المباركة الميمونة، وتلاوة هذه الآية بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء:122].معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! نريد أن نمر مرة أخرى بالآيات التي تدارسناها البارحة؛ لأن لها ارتباطاً كبيراً بهذه الآية، فهيا نسمعكم تلاوتها مرة واحدة ونقرؤها في التفسير ونتذكر بها ما نسيناه ونتعلم ما لم كنا تعلمناه بإذن الله، وتلاوة هذه الآيات -التي تدارسناها البارحة- بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا * إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا [النساء:116-121]، هذه قد درسناها بالأمس، فإليكموها في التفسير.
معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم وسائر المؤمنين: [ معنى الآيات: قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:116]، إخبار منه تعالى عن طعمة بن أبيرق بأنه لا يغفر له وذلك لموته على الشرك، أما إخوته الذين لم يموتوا مشركين فإن أمرهم إلى الله تعالى، إن شاء غفر لهم وإن شاء آخذهم كسائر مرتكبي الذنوب غير الشرك والكفر. وقوله تعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:116]، أي: ضل عن طريق النجاة والسعادة ببعده عن الحق بعداً كبيراً، وذلك بإشراكه بربه تعالى غيره من مخلوقاته ].قصة طعمة بن أبيرق قد تقدم الحديث عنها في الآيات السابقة، وطعمة هذا كان منافقاً في المدينة وله إخوة، وقد سرق درعاً ثمينة، فلما خاف أن يُعرف ألقاها في بيت يهودي جار له وقال: إن اليهودي هو الذي سرق الدرع، وجاء إخوته وشهدوا معه، فالرسول بشر وإن كان سيد البشر، مال إلى قولهم وأراد أن يقطع يد اليهودي السارق، وإذا بالقرآن ينزل فقال: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:105-106]، الآيات.ففضح الله تعالى طعمة بن أبيرق وإخوته، وهرب طعمة -والعياذ بالله تعالى- إلى مكة عاصمة الشرك يومئذ، ثم جاء يسرق بيتاً من بيوت أهل مكة ففتح نقبة في الجدار فسقط الجدار عليه، فمات مشركاً كافراً سارقاً والعياد بالله، وفيه نزلت: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:116]، كـطعمة، وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:116] كإخوة طعمة، إذ ما أشركوا بالله لكن أمرهم إلى الله؛ لأنهم ارتكبوا كبيرة وهي شهادة الزور والعياذ بالله تعالى.ثم قال المؤلف: [ وقوله تعالى: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا [النساء:117]، هذا بيان لقبح الشرك وسوء حال أهله، فأخبر تعالى أن المشركين ما يعبدون إلا أمواتاً لا يسمعون ولا يبصرون ولا ينطقون ولا يعقلون، إذ أوثانهم ميتة، وكل ميت فهو مؤنث، زيادة على أن أسماءها -أيضاً- مؤنثة كاللات والعزى ومناة ونائلة ]، فلماذا يسمى هذا المعبود أو هذا القبر أنثى؟ لأن العرب يطلقون على كل من يجدوه لا يقوى على الدفاع والعطاء: أنثى، والأصنام والقبور والأحجار التي يدعونها لا تسمع ولا تبصر ولا تعطي، إذاً فهي ميتة، وبالتالي فهي أنثى، إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ [النساء:117-118].قال: [ كما هم في واقع الأمر يدعون شيطاناً مريداً، إذ هو الذي دعاهم إلى عبادة الأصنام فعبدوها، فهم إذاً عابدون للشيطان في باطن الأمر لا الأوثان ]، فالنصارى الآن المسيحيون لا يعبدون عيسى، وإنما يعبدون الشيطان الذي أمرهم بعبادة عيسى، ولذلك فكل من عبد غير الله هو في الحقيقة ما عبد ميتاً ولا عبد شمساً ولا عبد قمراً، إنما في الحقيقة هم يعبدون من أمرهم بذلك، والذي زين لهم عبادة غير الله ودعاهم إليها هو الشيطان، فهم والله عابدون للشيطان، فهل نحلف والله هو الذي يقرر ذلك؟! لا حاجة إلى الحلف.قال: [ فهم إذاً عابدون للشيطان في باطن الأمر لا للأوثان، ولذا قال تعالى: وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا [النساء:117] ] وقد فسرنا (مريداً) بأنه متمرد عن الحق فلم يعبد الله عز وجل.قال: [ لعنه الله وأبلسه عند إبائه السجود لآدم ]، أي: لعن الله إبليس وأبلسه لما رفض أن يسجد لآدم في الوقت الذي سجد فيه كل ملائكة الله، فأبلسه الله وأيأسه من الخير، وهذا معنى (لعنه).قال: [ ولذا قال تعالى: وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا [النساء:117]، لعنه الله وأبلسه عند إبائه ورفضه السجود لآدم، وَقَالَ [النساء:118] -أي: إبليس- لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:118]، أي: عدداً كبيراً منهم يعبدونني ولا يعبدونك، وهم معلومون معروفون بمعصيتهم إياك وطاعتهم لي. وواصل العدو تبجحه قائلاً ] وقد ذكرنا بالأمس أن الله يأمر آدم بأن يخرج بعث النار من كل ألف واحداً، أي: تسعمائة وتسعين إلى النار وواحد إلى الجنة، فالتسعة والتسعون عبدوا الشيطان بالشرك والجرائم والموبقات، والجنة والله لا يدخلها إلا ذو النفس الزكية الطاهرة، أما ملوثة مخبثة فهيهات هيهات، وقد سمعتم حكم الله الصادر علينا فقال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فإما أن تعمل أيها الآدمي على تزكية نفسك وتطهيرها حتى تصبح كأرواح الملائكة فتنزل الملكوت الأعلى معهم، وإما أن تخبثها وتلوثها بأدران الشرك والمعاصي فأنت تهبط فلا تعلو أبداً، إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا [الأعراف:40] ما لهم؟ لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف:40].قال: [ وقال: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:118]، أي: عدداً كبيراً منهم يعبدونني ولا يعبدونك، وهم معلومون معروفون بمعصيتهم إياك وطاعتهم لي.وواصل العدو تبجحه قائلاً: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ [النساء:119]، يريد عن طريق الهدى ]، أي: ولأضلنهم عن طريق الهدى، عن الصراط المستقيم.قال: [ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ [النساء:119]، يريد أعوقهم عن طاعتك بالأماني الكاذبة بأنهم لا يلقون عذاباً أو أنه سيغفر لهم ] وهذه أمانيه.قال: [ وَلَآمُرَنَّهُمْ [النساء:119] فيطيعوني، فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ [النساء:119]، أي: ليجعلون لآلهتهم نصيباً مما رزقناهم، ويعلِّمونها بقطع آذانها لتُعرف أنها للآلهة، كالبحائر والسوائب -والحامات- التي يجعلونها للآلهة، وَلَآمُرَنَّهُمْ [النساء:119] أيضاً فيطيعونني فيغيرون خلق الله بالبدع والشرك والمعاصي كالوشم والخصي ] وما إلى ذلك.قال: [ هذا ما قاله الشيطان ذكره تعالى لنا فله الحمد ] وله المنة.قال:[ ثم قال تعالى: وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا [النساء:119]، لأنه من والى الشيطان عادى الرحمن، ومن عادى الرحمن تم له والله أعظم الخسران، يدل على ذلك قوله تعالى: يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ [النساء:120]، فيعقوهم عن طلب النجاة والسعادة، وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [النساء:120]، إذ هو لا يملك من الأمر شيئاً، فكيف يحقق لهم نجاة أو سعادة إذاً؟وهذا حكم الله تعالى يُعلن في صراحة ووضوح فليسمعوه: أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا [النساء:121]، أي: معدلاً أو مهرباً ].

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #549  
قديم 06-05-2021, 03:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

قراءة في تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار ...) من كتاب أيسر التفاسير
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء:122].قول ربنا: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النساء:122]، خلاف الذين أشركوا بالله وعبدوا الشيطان. ‏
معنى الآية
قال المؤلف: [ معنى الآية الكريمة: لما بين تعالى جزاء الشرك والمشركين عبدة الشيطان بين في هذه الآية جزاء التوحيد والموحدين عبيد الرحمن عز وجل ] والموحدون هم الذين أسلموا قلوبهم ووجوههم لله تعالى، فقلوبهم لا تتقلب أبداً إلا في طلب رضا الله عز وجل، ووجوههم لا تلتفت إلى غير الله، فلا يركعون ولا يسجدون ولا يذبحون ولا ينذرون ولا يحلفون أبداً لمخلوق كائناً من كان، بل حياتهم كلها موقوفة على ربهم، وأعلنوا ذلك لما قالوا: لا إله إلا الله، فعبدوا الله بما شرع لهم من أنواع العبادات وأخلصوها له فلم يلتفتوا في شيء منها إلى غير الله، فأولئك هم الموحدون الذين عبدوا الله ووحدوه بالعبادة، فلم يلتفتوا إلى غيره ولم يشركوا غيره أبداً في عبادة من عباداته، لا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً ولا عبداً صالحاً، فضلاً عن الكواكب والأصنام والأحجار.قال: [ لما بين تعالى جزاء الشرك والمشركين عبدة الشيطان بين في هذه الآية جزاء التوحيد والموحدين عبيد الرحمن عز وجل، وأنه تعالى سيدخلهم بعد موتهم ]، وذلك ما إن يلفظ أحدنا أنفاسه إلا ويرقى بها الملائكة إلى الله عز وجل، بينما الآخرون يرقون بها إلى السماء، فيستأذنون السماء الأولى والله ما يؤذن لهم؛ لأنها منتنة وعفنة، فيؤمر بها أن اهبطوا بها إلى أسفل سافلين، وأما الزكية الطاهرة النقية فيفرحون بها وتفتح لها أبواب السماء وينتهون بها والله إلى العرش، ثم يكتب اسمها في عليين، قال تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ [المطففين:18-21]، ثم ينزلون بها للمحنة وللاختبار في القبر أو في البحر حيث وجد منها جزء، ثم بعد ذلك الامتحان يعودون بها إلى دار السلام، فاللهم اجعلنا منهم.فهؤلاء هم الذين آمنوا بالله حق الإيمان، وعبدوه وحده ولم يلتفتوا إلى غيره، وما عبدوه بالبدع والخرافات فإنها والله لا تزكي النفس ولا تطهرها، وإليكم مثالاً لذلك: تعبدنا الله بالطواف ببيته سبعة أشواط، فمن طاف شوطاً واحداً لا يقبل منه، ومن طاف خمسة أشواط أو ستة أو تسعة لا ينفع، حتى لو قلت: أنا زدت لربي شوطاً أو شوطين، وهذا خير، والله ما ينفع، ومعنى لا ينفع أنها لا تزكي النفس، لا تتولد لك المادة النورانية من هذه العبادة التي أثبتها بالزيادة أو بالنقصان، وإذا ما اتضح لك الموقف فإليك مثالاً آخر: صلاة المغرب كم هي ركعة؟ ثلاث ركعات، وقد صلى جبريل برسول الله في الأرض ثلاث ركعات، فإن أتى آت فقال: ما هذا؟ أن أزيد ركعة فأصلي المغرب أربعاً، فهل تجد فقيهاً يقول له: صلاتك صحيحة؟ والله ما تجد، كذلك الظهر أربع ركعات، فيأتي آت فيقول: أنا مريض، فيكفي أن أصلي الظهر ثلاثاً، فهل تجد فقيهاً في الدنيا يقول له: صلاتك صحيحة؟ لا والله، لماذا؟ ما السر يا فقهاء؟ لأن هذه العملية شرعها الله لتوليد النور، وذلك بمادة الحسنات المنيرة للقلب، فإذا أنت أخللت بأدائها فزدت أو نقصت بطل مفعولها ولا تنتج النور المطلوب، إذاً: فكيف تبتدع بدعة وتريد أن تزكي نفسك؟! والله ما كان ولن يكون، واسمعوا إلى قول المفسر صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا )، أي: ما أذنا فيه، ( فهو رد )، أي: مردود على صاحبه، لا ينتفع به.ونعود إلى الطواف، فلو قال قائل: هيا بنا نطوف بالحجرة النبوية سبعة أشواط؛ لأن الرسول فيها وهو أفضل من الكعبة بأكثر من مليون مرة! فهل هذا الطواف تزكو به نفسه؟ والله ما تزكو، بل تدنس؛ لأن الله ما شرعه، وعلى هذا فقيسوا كل البدع، فإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، فمن ثَمَّ لا نعبد الله إلا بما بين لنا رسوله من أنواع العبادات، أما أن نخترع ونبتكر ونوجد لنا عبادة والله لا ينفع، فلا تزكي النفس ولا تطهرها، بل تخبثها وتلوثها.قال: [ لما بين تعالى جزاء الشرك والمشركين عبدة الشيطان بين في هذه الآية جزاء التوحيد والموحدين عبيد الرحمن عز وجل، وأنه تعالى سيدخلهم بعد موتهم جنات تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار ]، أي: جنات تجري من تحتها الأنهار، ومعنى من تحتها الأنهار، أي: من تحت القصور والأشجار.قال: [ وأن خلودهم مقدر فيها -بقضاء الله وقدره- بإذن الله ربهم، فلا يخرجون منها أبداً ]، والله ما يخرج من الجنة من دخلها قط، أما النار فقد يخرج منها، وذلك أن العبد قد يدخل النار بذنوبه التي ليست شركاً ولا كفراً وإنما هي من كبائر الذنوب، وذلك إذا لم يغفر له ومات عليها والعياذ بالله، ولكن من أهل لا إله إلا الله الموحدين الذين لا يعرفون عبادة لغير الله، فهؤلاء قد يمكثون فيها أحقاباً ثم يخرجون منها؛ لأن الله لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً.قال: [ وأن خلودهم مقدر فيها بإذن الله ربهم، فلا يخرجون منها أبداً، وعدهم ربهم بهذا وعد الصدق، وليس هناك من هو أصدق وعداً ولا قولاً من الله تعالى ]، وصدق الله إذ يقول: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87]، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء:122].
هداية الآية
قال المؤلف: [ من هداية الآية الكريمة: أولاً: الإيمان الصادق والعمل الصحيح الصالح هما مفتاح الجنة وسبب دخولها ]، والسر في ذلك هو النفس البشرية لا تطيب ولا تطهر إلا بالإيمان الصحيح والعمل الصالح، وليس هناك نسب أبداً، بل لو كنت ابن نبياً من الأنبياء ونفسك خبيثة منتنة فلن تدخل دار السلام، أو كنت أبا نبي من الأنبياء لا ابنه، وقد علمنا الله هذا في القرآن، فكيف حال آزر والد إبراهيم؟ في النار، وإبراهيم قد وعده ربه بأن لا يخزيه يوم يبعثون، فقال إبراهيم: يا رب! لقد وعدتني في أبي وأبي في النار، فيقال له: انظر تحت قدميك، فينظر فإذا بأبيه آزر في صورة ضبع ذكر ملطخ بالدماء والقيح -والضباع أسوأ منظر- فما ينظر إليه إبراهيم حتى يقول: سحقاً سحقاً، أي: بعداً بعداً، فيؤخذ من قوائمه الأربع ويلقى في أتون جهنم. فهذا أبو إبراهيم عليه السلام.وهذا كنعان بن نوح عليه السلام، إذ قال نوح عليه السلام: يا رب إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود:45-46]، فهل نفع نوح ولده؟ لا والله. وهذه الزوجة الحنونة زوجة نوح ولوط عليهما السلام، قال تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم:10]، فهذا قضاء الله تعالى، فمن لم يرض به يضرب رأسه على الحائط، إذ ليس هناك حيلة أبداً. وهذه امرأة فرعون الطاغية الذي ادعى الربوبية والألوهية، آسية بنت مزاحم عليها السلام، هل ضرها أن كانت تحت فرعون؟ قال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم:11]، فهي في الجنة؛ لأن القضية أنه قد صدر على البشرية حكم علمناه وجهله غيره، وهذا الحكم هو قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فيا أيها المستمعون! هل حفظتم هذا الحكم أم لا؟ والله حرام عليكم أن تقوموا ولم تحفظوها، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، كيف لا ننطق بهذا؟ كيف تنسى حكماً صدر عليك وعلى أمك وعلى زوجتك وأولادك بل والبشرية كلها ولا تستطيع أن تنطق به ولا أن تبينه؟ إن هذا الحكم الإلهي قد حلف الله بأيمان ما حلفها على غيره فقال: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:1-8]، فهذه أيمان كلها من أجل ماذا؟ قال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، ما هي مواد التزكية؟ أين توجد مواد التزكية؟ علمونا، دلونا، يا شيخ! إنها الإيمان والعمل الصالح، فأين يوجدان؟ في أي صيدلية؟ في الكتاب والسنة النبوية، فاقرأ كتاب الله تجد حقيقة الإيمان ما هو؟ وتجد العمل الصالح ما هو؟ وكيف تفعله؟ وما هي أوقاته؟ وما هي موازينه ومقدراته إن كنت تريد الفلاح، وإن كنت لا هم لك في الفلاح ولا في الخيبة والخسران فأنت كبلايين البشر من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى جهنم والعياذ بالله؟ واسمعوا إلى يمين آخر لله تعالى، إذ يقول سبحانه وتعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [العصر:1-3]. وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا [الشمس:7]، من خلقها وسواها؟ الله، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:8]، أي: علمها أنواع الإيمان والعمل الصالح وصنوف الفجور والكفر والشرك، ولولا أن الله علمنا لم نعرف، فهو الذي علمنا وفهمنا التقوى ما هي والفجور ما هي، وليس معنى هذا أن النفس البشرية وحدها تستطيع أن تعرف كيف تزكي نفسها وكيف تطهرها، لا، بل لا بد من وحي وكتاب ورسول، وذلك لتعلمنا الفجور ما هو، والشرك والذنوب والمعاصي، وتعرفنا التقوى وهو عبادة الله بما شرع، ولولا أنه عرفنا ما هو الكفر وما هو الشرك وما هو التوحيد فكيف نعرف ذلك؟ فالحمد لله! لتقوم الحجة علينا فقد علمنا.قال: [ من هداية الآية الكريمة: أولاً: الإيمان الصادق ]، وهو تصديق الله ورسوله في كل ما أخبر به من شأن الغيب والشهادة، من شأن العالم الثاني وما فيه من نعيم مقيم أو عذاب أليم، من شأن عرصات القيامة وما فيها من حساب، وما إلى ذلك من الغيوب التي أخبر الله بها وأخبر بها رسوله، فصدقنا وآمنا، ولا نشك ولا نتردد في أي خبر من أخبار الله ورسوله، وأركان الإيمان ستة محفوظة معروفة عند الناس، ولكن مع ذلك نحن نصدق الله ورسوله في كل خبر، أطاقت عقولنا أو ما أطاقته، فإذا صح الخبر عن الله أو عن الرسول فقل: آمنت به، وقد علمنا ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يوماً في الروضة يحدث أصحابه، ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، فألقي إليه خبر عاجل وهو: أن فلاحاً من بني إسرائيل -ممكن في الشام أو في أي بلاد أخرى- ركب على بقرته! والبقرة ما يركب عليها إلى الآن، فهي للحرث، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فرفعت البقرة رأسها إليه وقالت: ما لهذا خلقت! فأخذ الرسول والله بلحيته وقال: آمنت به، آمنت به، آمنت به وآمن به أبو بكر وعمر )، وهما غائبان عن المجلس، فهل عرفتم ما هو التصديق؟ بقرة تنطق وتفصح؟ عجيب هذا! لكن أُخبر به عليه السلام فقال: ( آمنت به )، ونحن: آمنا به، آمنا به، والشاهد عندنا: أن حقيقة الإيمان بالله هو تصديق الله تعالى ورسوله في كل ما أخبر به، أطاقت عقولنا أم عجزنا عن إدراكه وفهمه، وإلا فلا إيمان. قال: [ أولاً: الإيمان الصادق -لا الكاذب- والعمل الصحيح الصالح ] لا الفاسد، فالحج مثلاً عمل صالح يفسد إذا اختل أحد أركانه، وكذلك الصلاة عمل صالح تفسد إذا اختل أداؤها ونقصت شروطها، وهكذا كل عمل صالح.قال: [ هما مفتاح الجنة وسبب دخولهما ]؛ لأنهما يزكيان النفس ويطهرانها، فهذا هو السبب.قال: [ ثانياً: صدق وعد الله وصدق قوله عز وجل ]، فإذا وعد الله فلن يتخلف وعده أبداً، قال تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87].قال: [ ثالثاً: وجوب صدق الوعد من العبد؛ لأن خلف الوعد من النفاق ] فيا عبد الله! ربك يصدق، ومن أصدق منه قيلاً؟ وأنت عبده ووليه أمرك بالصدق أيضاً، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يكذب كذبة، والحبيب يقول: ( آية المنافق ثلاث )، أي: علامة المنافق من الرجال والنساء ثلاث، منها: ( إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان )، أي: وإذا ائتمن النافق خان، وإذا واعد أخلف، فيتلذذ بخلف الوعد، فيترك من واعده يتعذب، فإذا واعده مثلاً في الساعة الثانية ليلاً في طريقهم إلى مكة، فيعرف أنه وصل للمركز أو للمحطة وهو في بيته نائم! فهو يود ويريد أن يؤذي المؤمنين والعياذ بالله.قال: [ ثالثاً: وجوب صدق الوعد من العبد؛ لأن خلف الوعد من النفاق، لحديث: ( وإذا واعد أخلف ).رابعاً: وجوب صدق القول والحديث؛ لأن الكذب من النفاق، لحديث: ( وإذا حدث كذب ) ]. هذا والله تعالى أسأل أن يرزقنا الإيمان وصالح الأعمال، وأن يقينا الشرك والكفر والنفاق.وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #550  
قديم 06-05-2021, 03:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,878
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (65)
الحلقة (288)

تفسير سورة النساء (69)


إن من سنن الله التي لا تتحول ولا تتبدل أن من عمل سيئة جزي بها في الدنيا، ثم يوم القيامة لا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً، كما أن من عمل الصالحات، وأتى بالطاعات، واجتنب المنكرات؛ فإنه يحيا حياة طيبة، ويوم القيامة يدخله الله جنات تجري من تحتها الأنهار، يخلد فيها فلا يموت، ويسعد فلا يبأس، جزاء من عند الله الذي لا يخلف الميعاد.
تفسير قوله تعالى: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.ما زلنا مع سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات الأربع، فهيا نتلوها ونتغنى بها عدة مرات ثم نأخذ في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها، فما كان عقيدة والله عقدناها الآن في قلوبنا، وما كان أمراً تهيأنا للنهوض به إن كنا غير ناهضين به، وإن كان نهياً عما لا يحله الله ولا يرضى عزمنا على تركه من الآن إن كنا فاعلين، وإن كان أدباً أيضاً تحلينا به من الليلة، وإن كان خلقاً فاضلاً تخلقنا به، وإن كانا خلقاً سيئاً تخلينا عنه من الليلة، وهذا شأن طالب العلم الرباني، وتلاوة هذه الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا * وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا [النساء:123-126]. هذا كلام الله عز وجل الذي تحدى به الإنس والجن على أن يأتوا بمثله فعجزوا، والحمد لله! أننا نتلوا كتابه ونعرف ما يريده منا ويطلبه، ونعمل من أجل أن نكمل ونسعد، فالحمد لله على ذلك، وقد حرم من هذا بلايين البشر.تأملوا يرحمكم الله! قوله تعالى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123]، أي: ليس بأمانيكم يا أهل الإسلام! ويا أهل القرآن! ولا بأماني أهل الكتاب من اليهود والنصارى، كيف إذاً؟ الجواب: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123]، سواء كان يهودياً أو نصرانياً، مسلماً أو كافراً، فهذه هي الحقيقة. مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:123]، تباهى أو تفاخر مجموعة من اليهود ومجموعة من المسلمين، فقال اليهود: كتابنا قبل كتابكم، وديننا قبل دينكم، ونبينا قبل نبيكم، فنحن أفضل منكم، والجنة لنا دونكم، وقال المؤمنون: نحن أيضاً نبينا خاتم الأنبياء، وديننا خير من دينكم، وكتابنا القرآن خير من كتابكم، ومفروض عليكم أن تتبعوا نبينا وتؤمنوا بكتابنا، فأنزل الله حل هذه المشكلة فقال: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ [النساء:123]، يا أيها المسلمون! وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123]، وإنما: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:123]، فهذه هي الحقيقة، والأماني: جمع أمنية، وهي ما يتمناه المرء في قلبه ويرغب في تحقيقه وهو صعب ليس بهين عليه، أو ما يقرره الإنسان في قلبه من رغبة في شيء وهو صعب، فهذه تسمى أمنية، فهو تمناها، فالقضية ليست بأننا من المسلمين أو أننا مسلمون أو أننا يهود أو أننا أتباع موسى أو أننا أتباع محمد، إذ كل هذا أماني كاذبة لا قيمة لها؛ لأن دخول الجنة يا معشر المستمعين والمستمعات! متوقف بعد رحمة الله على طهارة الروح وزكاتها، وحرمانها من الجنة ودار السلام لخبثها ونتنها وتدسيتها، فلم يبق معنىً للمفاخرة ولا التبجح ولا نحن كذا وكذا، إذ كل هذا لا قيمة له، فالنجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار متوقف لا على نسب ولا قبيلة ولا أي شيء، بل حتى ولو كنت ابن النبي أو أباه، وإنما على زكاة النفس وطهارتها، والحكم الإلهي الصارم القاطع ما ننساه: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، من هي؟ النفس البشرية، أما قال: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:7-9]؟ أبيض أو أسود أو أصفر أو في الأولين أو في الآخرين أو شريف أو وضيع، بل قل ما شئت، كل هذا لا قيمة له إلا أن تكون النفس طاهرة زكية نقية كأنفس الملائكة وأرواحهم، وهي التي تفتح لها أبواب السماء وتدخل الجنة دار الأبرار في جوار ربها جل جلاله وعظم سلطانه، فهل اقتنع المستمعون والمستمعات أو لم يقتنعوا؟ والله ما هو إلا ما سمعتم. لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123]، والسوء هو الاعتقاد الذي يسيء ويفسد، القول الذي يسيء ويفسد، العمل الذي يسيء ويفسد، الوصف الذي يسيء ويفسد، ونعرفه من طريق كتاب الله وهدي رسوله، فكل ما يسيء إلى النفس ويخبثها قد بينه الله ورسوله، وكونك لا تسأل عنه ولا تتعرف إليه فهذا شأنك، أما الله عز وجل ورسوله فقد بينا كل ما يسيء إلى النفس ويدسيها، فحرماه وتوعدا عليه ولعنا عليه ولا يهلك على الله إلا هالك. وإليكم مظاهر هذا: الآن لو تمد يدك وتصفع أخاك الذي بجوارك لأنه ضايقك، تجز به الآن، إما بالدعوة عليك، وإما بسجنك أو تعذيبك؛ لأنك عملت سوءاً، فالآن حصل الجزاء، أو الآن تشرب ملي جرام من السم، فالآن أنت في المستشفى، فقد تم الجزاء على الفور، وهكذا في الدنيا والآخرة، أي: من يعمل سوءاً يجز به، وهذه سنة الله التي لا تتبدل، وهنا خاف الصديق لما سمع هذه الآية وهو على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف النجاة يا رسول الله! مع قوله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:123]؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا أبا بكر! ألست تمرض؟ ألست تجوع؟ ألست تنصب؟ ألست تتعب؟ ألست تبتلى؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: ذلك جزاؤك )، أي: السوء الذي فعلته تجز به الآن لتبقى نفسك زكية طاهرة نقية متأهلة لدار السلام، وقد كان السلف الصالح إذا عثرت بغلة أحدهم أو دابته -تعرفون عثور الدابة؟ يهتز ويتألم- يقول: عرفت أنني أذنبت ذنباً، وهذا هو الجزاء على ذلك، أو قد تغضب امرأته فترفع صوتها وتؤذيه فيعرف أنه أذنب، أو تباطأ خادمه في فعل شيء أمره به، فيعرف أنه قد أذنب ذنباً. مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123]، وهذا في الدنيا، فالقاتل يقتل، والسارق تقطع يده، والزاني يجلد أو يرجم إن كان محصناً، وهكذا من أكل سماً أو من تعرض للبرد أو تعرض للحر فإنه يجز به، ولكن الجزاء ليس هذا، إذ الجزاء هو أن يطرد من دار السلام لينزل إلى الدركات السفلى في دار البوار ليخلد في العذاب المهين، والقرآن حمال للوجوه، فمن يعمل سوءاً يجز به في الدنيا، فهل عمل المسلمون السوء وجوزوا به؟ نعم، أما تخلوا عن القرآن الكريم وحولوه إلى الموتى والقبور؟ أما انتهى بينهم الأمن والطهر والصفاء وانتشر الزنا والعهر والباطل والتلصص والإجرام والسرقة وما إلى ذلك، ففسدت عقائدهم بالشرك والخرافات؟ هل عفا الله عنهم وسامحهم أو لاقوا جزاءهم؟ أذلوا وأهينوا واستعمروا من أقصى الدنيا إلى أقصاها، من إندونيسيا إلى موريتانيا، فحل بهم البلاء والمصائب، مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123].ولهذا نقول: إن العالم الإسلامي والله لمتعرض لبلاء عظيم وهم غافلون ناسون، وكأن أكلهم الربا وإشاعة الزنا والباطل والفساد والخيانة والوثنية والعلمانية لا أصل له، والله إنهم لتحت النظارة، فإما أن يتوبوا ويقيموا دين الله وشرعه ويعبدوا الله بما شرع، أو يصيبهم ما أصاب أجدادهم.وقد سئل أحدهم: أين الله؟ فأجاب قائلاً: بالمرصاد، وذلك نظراً إلى قول الله تعالى من سورة الفجر: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14]، وقوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:6-8]، فدمرها وقضى عليها، وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ [الفجر:9-10]، كيف حاله؟ أغرقه الله عز وجل وانتهى، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14]. لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123]، لا بد من إسلام القلب والوجه لله، وذلك بتتبع أوامر الله فتُفعل مع كل حال وظرف، وتتبع مناهيه فتترك على كل حال وظرف، وبذلك يتم الكمال والإسعاد، أما بالنسبة أننا مسلمون فلن تجزي ولن تغني شيئاً. فهيا نتأمل! لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123]، كيف إذاً؟ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:123]، لا في الملائكة ولا في الجن ولا في البشر أبداً، بل لا بد وأن ينفذ أمر الله فيه.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 271.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 265.22 كيلو بايت... تم توفير 5.84 كيلو بايت...بمعدل (2.16%)]