تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 5 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 603 - عددالزوار : 24638 )           »          فضل الإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          حاجتنا إلى الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          ضوابط التسويق في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          الآمنون يوم الفزع الأكبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          نعمة وبركة الأمطار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          فضائل الحياء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          إصلاح المجتمع، أهميته ومعالمه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 54 )           »          من أراد أن يسلم، فليحذر من داء الأمم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          وقفات مع شهر رجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-01-2022, 09:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,794
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (39)

صــ215 إلى صــ 219

فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس [ ص: 215 ] من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون .

قوله تعالى: فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله

في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

أحدها: أن أهل الجاهلية كانوا إذا اجتمعوا بالموسم ، ذكروا أفعال آبائهم وأيامهم وأنسابهم في الجاهلية ، فتفاخروا بذلك; فنزلت هذه الآية . وهذا المعنى مروي عن الحسن ، وعطاء ، ومجاهد .

والثاني: أن العرب كانوا إذا حدثوا أو تكلموا يقولون: وأبيك إنهم لفعلوا كذا وكذا فنزلت هذه الآية . وهذا مروي عن الحسن أيضا .

والثالث: أنهم كانوا إذا قضوا مناسكهم ، قام الرجل بمنى . فقال: اللهم إن أبي كان عظيم الجفنة ، كثير المال ، فأعطني مثل ذلك ، فلا يذكر الله ، إنما يذكر أباه ، ويسأل أن يعطى في دنياه ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول السدي .

والمناسك: المتعبدات . وفي المراد بها هاهنا قولان . أحدهما: أنها جميع أفعال الحج ، قاله الحسن . والثاني: أنها إراقة الدماء ، قاله مجاهد . وفي ذكرهم آبائهم أربعة أقوال . أحدها: أنه إقرارهم بهم . والثاني: أنه حلفهم بهم . والثالث: أنه ذكر إحسان آبائهم إليهم ، فإنهم كانوا يذكرونهم وينسون إحسان الله إليهم . والرابع: أنه ذكر الأطفال الآباء ، لأنهم أول نطقهم بذكر آبائهم ، روي هذا المعنى عن عطاء ، والضحاك . وفي "أو" قولان . أحدهما: أنها بمعنى "بل" . والثاني: بمعنى الواو . و"الخلاق" قد تقدم ذكره .

[ ص: 216 ] وفي حسنة الدنيا سبعة أقوال . أحدها: أنها المرأة الصالحة ، قاله علي . والثاني: أنها العبادة ، رواه سفيان بن حسين عن الحسن . والثالث: أنها العلم والعبادة ، رواه هشام عن الحسن . والرابع: المال ، قاله أبو وائل ، والسدي ، وابن زيد . والخامس: العافية ، قاله قتادة . والسادس: الرزق الواسع ، قاله مقاتل . والسابع: النعمة ، قاله ابن قتيبة .

وفي حسنة الآخرة ثلاثة أقوال . أحدها: أنها الحور العين ، قاله علي ، رضي الله عنه . والثاني: الجنة ، قاله الحسن ، والسدي ، ومقاتل . والثالث: العفو والمعافاة ، روي عن الحسن ، والثوري .

قوله تعالى: أولئك لهم نصيب مما كسبوا قال الزجاج: معناه: دعاؤهم مستجاب ، لأن كسبهم هاهنا هو الدعاء ، وهذه الآية متعلقة بما قبلها ، إلا أنه قد روي أنها نزلت على سبب يخالف سبب أخواتها ، فروى الضحاك عن ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول الله: مات أبي ولم يحج ، أفأحج عنه؟ فقال: "لو كان على أبيك دين قضيته ، أما كان ذلك يجزئ عنه؟" قال: نعم ، قال: "فدين الله أحق أن يقضى!" قال: فهل لي من أجر؟ فنزلت هذه الآية .

وفي معنى سرعة الحساب خمسة أقوال . أحدها: أنه قلته ، قاله ابن عباس . والثاني: أنه قرب مجيئه ، قال مقاتل . والثالث: أنه لما علم ما للمحاسب وما عليه قبل حسابه ، كان سريع الحساب لذلك . والرابع: أن المعنى: والله سريع المجازاة ، ذكر هذا القول والذي قبله الزجاج . والخامس: أنه لا يحتاج إلى فكر وروية كالعاجزين ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

[ ص: 217 ] قوله تعالى: واذكروا الله في أيام معدودات في هذا الذكر قولان . أحدهما: أنه التكبير عند الجمرات ، وأدبار الصلوات ، وغير ذلك من أوقات الحج . والثاني: أنه التكبير عقيب الصلوات المفروضات . واختلف أرباب هذا القول في الوقت الذي يبتدئ فيه بالتكبير ويقطع على ستة أقوال . أحدها: أنه يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة ، إلى [ما ] بعد صلاة العصر من آخر أيام التشريق ، قاله علي ، وأبو يوسف ، ومحمد . والثاني: أنه من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر ، قاله ابن مسعود ، وأبو حنيفة . والثالث: من بعد صلاة الظهر يوم النحر إلى [ما ] بعد العصر من آخر أيام التشريق ، قاله ابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس ، وعطاء . والرابع: أنه يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى [ما ] بعد صلاة الظهر من يوم النفر ، وهو الثاني من أيام التشريق ، قاله الحسن . والخامس: أنه يكبر من الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، قاله مالك بن أنس ، وهو أحد قولي الشافعي . والسادس: أنه يكبر من صلاة المغرب ليلة النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، وهذا قول للشافعي . ومذهب إمامنا أحمد أنه كان محلا ، كبر عقيب ثلاث وعشرين صلاة; أولها الفجر يوم عرفة وآخرها العصر من آخر أيام التشريق ، وإن كان محرما كبر عقيب سبعة عشر صلاة; أولها الظهر من يوم النحر ، وآخرها العصر من آخر أيام التشريق .

وهل يختص هذا التكبير عقيب الفرائض بكونها في جماعة أم لا؟ فيه عن أحمد روايتان إحداهما: يختص بمن صلاها في جماعة ، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله . والثانية: يختص بالفريضة ، وإن صلاها وحده ، وهو قول الشافعي .

وفي الأيام المعدودات ثلاثة أقوال . أحدها: أنها أيام التشريق ، قاله ابن عمر ، وابن [ ص: 218 ] عباس ، والحسن ، وعطاء ، ومجاهد ، وقتادة في آخرين . والثاني: أنها يوم النحر ويومان بعده ، روي عن علي ، وابن عمر . والثالث: أنها أيام العشر ، قاله سعيد بن جبير ، والنخعي . قال الزجاج: و "معدودات" يستعمل كثيرا للشيء القليل ، كما يقال: دريهمات وحمامات .

قوله تعالى: فمن تعجل في يومين أي: فمن تعجل النفر الأول في اليوم الثاني من أيام منى ، فلا إثم عليه ، ومن تأخر إلى النفر الثاني ، وهو اليوم الثالث من أيام منى ، فلا إثم عليه . فإن قيل ، إنما يخاف الإثم المتعجل ، فما بال المتأخر ألحق به ، والذي أتى به أفضل؟! فعنه أربعة أجوبة . أحدها: أن المعنى: لا إثم على المتعجل ، والمتأخر مأجور ، فقال: لا إثم عليه ، لتوافق اللفظة الثانية الأولى ، كقوله: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه والثاني: أن المعنى: فلا إثم على المتأخر في ترك استعمال الرخصة . والثالث: أن المعنى: قد زالت آثام المتعجل والمتأخر التي كانت عليها قبل حجهما . والرابع: أن المعنى: طرح المأثم عن المتعجل والمتأخر إنما يكون بشرط التقوى .

وفي معنى "لمن اتقى" ثلاثة أقوال . أحدها: لمن اتقى قتل الصيد ، قاله ابن عباس . والثاني: لمن اتقى المعاصي في حجه ، قاله قتادة . وقال ابن مسعود: إنما مغفرة الله لمن اتقى الله في حجه . والثالث: لمن اتقى فيما بقي من عمره ، قاله أبو العالية ، وإبراهيم .
ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام .

قوله تعالى: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا .

اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية على ثلاثة أقوال . أحدها: أنها نزلت في الأخنس بن شريق ، كان لين الكلام ، كافر القلب ، يظهر للنبي الحسن ، ويحلف له أنه يحبه ، ويتبعه على [ ص: 219 ] دينه وهو يضمر غير ذلك ، هذا قول ابن عباس ، والسدي ومقاتل . والثاني: أنها نزلت فيمن نافق فأظهر بلسانه ما ليس في قلبه . وهذا قول الحسن ، وقتادة ، وابن زيد . والثالث: أنها نزلت في سرية الرجيع ، وذلك أن كفار قريش بعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة: إنا قد أسلمنا ، فابعث لنا نفرا من أصحابك يعلمونا ديننا ، فبعث صلى الله عليه وسلم; خبيب بن عدي ، ومرثدا الغنوي ، وخالد بن بكير ، وعبد الله بن طارق ، وزيد بن الدثنة ، وأمر عليهم عاصم بن ثابت ، فساروا نحو مكة ، فنزلوا بين مكة والمدينة ومعهم تمر ، فأكلوا منه ، فمرت عجوز فأبصرت النوى ، فرجعت إلى قومها وقالت: قد سلك هذا الطريق أهل يثرب ، فركب سبعون منهم حتى أحاطوا بهم ، فحاربوهم ، فقتلوا مرثدا ، وخالدا ، وابن طارق ، ونثر عاصم كنانته وفيها سبعة أسهم ، فقتل بكل سهم رجلا من عظمائهم ، ثم قال: اللهم إني حميت دينك صدر النهار ، فاحم لحمي آخر النهار ، ثم أحاطوا به فقتلوه ، وأرادوا حز رأسه يبيعوه من سلافة بنت سعد ، وكان قتل بعض أهلها ، فنذرت: لئن قدرت على رأسه لتشربن في قحفه الخمر ، فأرسل الله تعالى رجلا من الدبر - وهي: الزنابير - فحمته ، فلم يقدروا عليه ، فقال دعوه حتى يمسي فتذهب عنه ، فنأخذه ، فجاءت ، سحابة فأمطرت كالعزالي ، فبعث الله الوادي ، فاحتمله فذهب به ، وأسروا خبيبا وزيدا ، فابتاع بنو الحارث بن عامر خبيبا ليقتلوه ، لأنه قتل آباءهم ، فلما خرجوا به ليقتلوه قال: دعوني أصلي ركعتين ، فتركوه فصلى ركعتين ، ثم قال: لولا أن تقولوا: جزع خبيب; لزدت ، وأنشأ يقول:





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-01-2022, 09:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,794
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (40)

صــ220 إلى صــ 224


[ ص: 220 ]
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي شق كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزع



فصلبوه حيا ، فقال: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد حولي يبلغ رسولك سلامي ، فجاءه رجل منهم يقال له: أبو سروعة ، ومعه رمح ، فوضعه بين يدي خبيب ، فقال له خبيب: اتق الله ، فما زاده ذلك إلا عتوا . وأما زيد ، فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه ، فجاءه أبو سفيان بن حرب حين قدم ليقتله ، فقال: يا زيد! أنشدك الله ، أتحب أن محمدا مكانك ، وأنك في أهلك؟ فقال: والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي ، ثم قتل . وبلغ النبي الخبر ، فقال: أيكم يحتمل خبيبا عن خشبته وله الجنة؟ فقال الزبير: أنا وصاحبي المقداد ، فخرجا يمشيان بالليل ويمكثان بالنهار ، حتى وافيا المكان ، وإذا حول الخشبة أربعون مشركا نيام نشاوى ، وإذا هو رطب يتثنى لم يتغير فيه شيء بعد أربعين يوما ، فحمله الزبير على فرسه ، وسار فلحقه سبعون منهم ، فقذف الزبير خبيبا فابتلعته الأرض ، وقال الزبير: ما جرأكم علينا يا معشر قريش؟! ثم رفع العمامة عن رأسه وقال: أنا الزبير بن العوام ، وأمي صفية بنت عبد المطلب ، وصاحبي المقداد ، أسدان رابضان يدفعان عن شبلهما ، فإن شئتم ناضلتكم ، وإن شئتم نازلتكم ، وإن شئتم انصرفتم ، فانصرفوا ، وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل عنده ، فقال: "يا محمد إن الملائكة لتباهي بهذين من أصحابك"

وقال بعض المنافقين في أصحاب خبيب: ويح هؤلاء المقتولين ، لا في بيوتهم قعدوا ، ولا رسالة صاحبهم أدوا ، فأنزل الله تعالى في الزبير والمقداد وخبيب وأصحابه والمنافقين هذه الآية ، وثلاث آيات بعدها .
وهذا الحديث بطوله مروي عن ابن عباس .

[ ص: 221 ] قوله تعالى: (ويشهد الله على ما في قلبه) فيه قولان . أحدهما: أنه يقول: إن الله يشهد أن ما ينطق به لساني هو الذي في قلبي . والثاني: أنه يقول: اللهم اشهد علي بهذا القول . وقرأ ابن مسعود: "ويستشهد الله" بزيادة سين وتاء . وقرأ الحسن ، وطلحة بن مصرف ، وابن محيصن وابن عبلة: "ويشهد" بفتح الياء "الله" بالرفع .

قوله تعالى: (وهو ألد الخصام) الخصام: جمع خصم ، يقال: خصم وخصام وخصوم . قال الزجاج: والألد: الشديد الخصومة ، واشتقاقه من لديدي العنق ، وهما صفحتا العنق ، ومعناه: أن خصمه في أي وجه أخذ من أبواب الخصومة ، غلبه في ذلك .
وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد .

قوله تعالى: (وإذا تولى) . فيه أربعة أقوال . أحدها: أنه بمعنى: غضب ، روي عن ابن عباس ، وابن جريج . والثاني: أنه الانصراف عن القول الذي قاله ، قاله الحسن . والثالث: أنه من الولاية ، فتقديره: إذا صار واليا ، قاله مجاهد والضحاك . والرابع: أنه الانصراف بالبدن ، قاله مقاتل وابن قتيبة .

وفي معنى: "سعى" قولان . أحدهما: أنه بمعنى: عمل ، قاله ابن عباس ومجاهد . والثاني: أنه من السعي بالقدم ، قاله أبو سليمان الدمشقي . وفي الفساد قولان . أحدهما: أنه الكفر . والثاني: الظلم . والحرث: الزرع . والنسل: نسل كل شيء من الحيوان ، هذا قول ابن عباس وعكرمة في آخرين . وحكى الزجاج عن قوم: أن الحرث: النساء ، والنسل: الأولاد . قال: وليس هذا بمنكر ، لأن المرأة تسمى حرثا .

وفي معنى إهلاكه للحرث والنسل ثلاثة أقوال . أحدها: أنه إهلاك ذلك بالقتل والإحراق والإفساد ، قاله الأكثرون . والثاني: أنه إذا ظلم كان الظلم سببا لقطع القطر ، [ ص: 222 ] فيهلك الحرث والنسل ، قاله مجاهد . وهو يخرج على قول من قال: إنه من التولي . والثالث: أنه إهلاك ذلك بالضلال الذي يؤول إلى الهلاك ، حكاه بعض المفسرين .

قوله تعالى: والله لا يحب الفساد قال ابن عباس: لا يرضى بالمعاصي . وقد احتجت المعتزلة بهذه الآية ، فأجاب أصحابنا بأجوبة . منها: أنه لا يحبه دينا ، ولا يريده شرعا ، فأما أنه لم يرده وجودا; فلا . والثاني: أنه لا يحبه للمؤمنين دون الكافرين ، والثالث: أن الإرادة معنى غير المحبة ، فإن الإنسان قد يتناول المر ، ويريد بط الجرح ، ولا يحب شيئا من ذلك . وإذا بان في المعقول الفرق بين الإرادة والمحبة; بطل ادعاؤهم التساوي بينهما ، وهذا جواب معتمد . وفي معنى هذه الآية قوله تعالى: ولا يرضى لعباده الكفر . [ الزمر: 7 ] .
وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد .

قوله تعالى: (أخذته العزة) قال ابن عباس: هي الحمية . وأنشدوا:


أخذته عزة من جهله فتولى مغضبا فعل الضجر


ومعنى الكلام: حملته الحمية على الفعل بالإثم . وفي "جهنم" قولان ، ذكرهما ابن الأنباري ، أحدهما: أنها أعجمية لا تجر للتعريف والعجمة . والثاني: أنها اسم عربي ، ولم يجر للتأنيث والتعريف . قال رؤبة: ركية جهنام: بعيدة القعر .

وقال الأعشى:


دعوت خليلي مسحلا ودعوا له جهنام جدعا للهجين المذمم


فترك صرفه يدل على أنه اسم أعجمي معرب .

وفي معنى الكلام قولان . أحدها: فحسبه جهنم جزاء عن إثمه . والثاني: فحسبه [ ص: 223 ] جهنم ذلا من عزة . والمهاد: الفراش ، ومهدت لفلان: إذا وطأت له ، ومنه: مهد الصبي .
ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد .

قوله تعالى: ومن الناس من يشري نفسه اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية على خمسة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وهو معنى قول قمر وعلي رضي الله عنهما . والثاني: أنها نزلت في الزبير والمقداد حين ذهبا لإنزال خبيب من خشبته ، وقد شرحنا القصة . وهذا قول ابن عباس والضحاك . والثالث: أنها نزلت في صهيب الرومي ، واختلفوا في قصته ، فروي أنه أقبل مهاجرا نحو النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فاتبعه نفر من قريش ، فنزل ، فانتثل كنانته ، وقال: قد علمتم أني من أرماكم بسهم ، وايم الله لا تصلون إلي حتى أرميكم بكل سهم معي ، ثم أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ، فإن شئتم دللتكم على مالي . قالوا: فدلنا على مالك نخل عنك ، فعاهدهم على ذلك ، فنزلت فيه هذه الآية ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ربح البيع أبا يحيى"؟ وقرأ عليه القرآن . هذا قول سعيد بن المسيب ، وذكر نحوه أبو صالح عن ابن عباس ، وقال: إن الذي تلقاه فبشره بما نزل فيه أبو بكر الصديق . وذكر مقاتل أنه قال للمشركين: أنا شيخ كبير لا يضركم إن كنت معكم أو عليكم ، ولي عليكم حق لجواري ، فخذوا مالي غير راحلة ، واتركوني وديني ، فاشترط أن لا يمنع عن صلاة ولا هجرة ، فأقام ما شاء الله ، ثم ركب راحلته ، فأتى المدينة مهاجرا ، فلقيه أبو بكر ، فبشره وقال: نزلت فيك هذه الآية . وقال عكرمة: نزلت في صهيب ، وأبي ذر الغفاري ، فأما صهيب ، فأخذه أهله فافتدى بماله ، وأما أبو ذر ، فأخذه أهله فأفلت منهم حتى قدم مهاجرا . والرابع: أنها نزلت في المجاهدين [ ص: 224 ] في سبيل الله ، قاله الحسن وابن زيد في آخرين . والخامس: أنها نزلت في المهاجرين والأنصار حين قاتلوا على دين الله حتى ظهروا ، هذا قول قتادة . و"يشري" كلمة من الأضداد ، يقال: شرى ، بمعنى: باع ، وبمعنى: اشترى . فمعناها على قول من قال: نزلت في صهيب; معنى: يشتري . وعلى بقية الأقوال بمعنى: يبيع .
يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور .

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال . أحدها: أنها نزلت فيمن أسلم من أهل الكتاب ، كانوا بعد إسلامهم يتقون السبت ولحم الجمل ، وأشياء يتقيها أهل الكتاب . رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني: أنها نزلت في أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالنبي محمد ، صلى الله عليه وسلم ، أمروا بالدخول في الإسلام . روي عن ابن عباس أيضا ، وبه قال الضحاك . والثالث: أنها نزلت في المسلمين ، يأمرهم بالدخول في شرائع الإسلام كلها ، قاله مجاهد وقتادة .

وفي "السلم " ثلاث لغات: كسر السين ، وتسكين اللام ، وبها قرأ أبو عمرو ، وابن عامر في "البقرة" وفتحا السين في "الأنفال" وسورة "محمد" وفتح السين مع تسكين اللام . وبها قرأ ابن كثير ، ونافع ، والكسائي في المواضع الثلاثة ، وفتح السين واللام . وبها قرأ الأعمش في "البقرة" خاصة .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-01-2022, 12:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,794
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (42)

صــ230 إلى صــ 234

ومتى كان ذلك فيه خمسة أقوال . أحدها: أنه حين عرضوا على آدم ، وأقروا بالعبودية . قاله أبي بن كعب . والثاني: في عهد إبراهيم كانوا كفارا . قاله ابن عباس . والثالث: بين آدم ونوح ، وهو قول قتادة . والرابع: حين ركبوا السفينة ، كانوا على الحق . قاله مقاتل . والخامس: في عهد آدم . ذكره ابن الأنباري (فبعث الله النبيين مبشرين) بالجنة (ومنذرين) بالنار . هذا قول الأكثرين . وقال بعض السلف: مبشرين لمن آمن [ ص: 230 ] بك يا محمد ، ومنذرين لمن كذبك . وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس والكتاب: اسم جنس ، كما تقول: كثر الدرهم في أيدي الناس . وذكر بعضهم أنه في التوراة .

وفي المراد بالحق ههنا قولان . أحدهما: أنه بمعنى الصدق والعدل . والثاني: أنه القضاء فيما اختلفوا فيه (ليحكم بين الناس) في الحاكم هاهنا ثلاثة أقوال . أحدها: أنه الله تعالى . والثاني: أنه النبي الذي أنزل عليه الكتاب . والثالث: الكتاب ، كقوله تعالى: هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق [ الجاثية: 29 ] . وقرأ أبو جعفر : (ليحكم) بضم الياء وفتح الكاف . وقرأ مجاهد "لتحكم" بالتاء على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى: (فيما اختلفوا فيه) يعني: الدين .

قوله تعالى: (وما اختلف فيه) في هذه الهاء ثلاثة أقوال . أحدها: أنها تعود إلى محمد صلى الله عليه وسلم قاله ابن مسعود ، والثاني: إلى الدين ، قاله مقاتل . والثالث: إلى الكتاب ، قاله أبو سليمان الدمشقي . فأما هاء "أوتوه" فعائدة على الكتاب من غير خلاف . وقال الزجاج: ونصب "بغيا" على معنى المفعول له ، فالمعنى: لم يوقعوا الاختلاف إلا للبغي ، لأنهم عالمون بحقيقة الأمر في كتبهم . وقال الفراء: في اختلافهم وجهان . أحدهما: كفر بعضهم بكتاب بعض ، والثاني: تبديل ما بدلوا .

قوله تعالى: فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه أي: لمعرفة ما اختلفوا فيه ، أو تصحيح ما اختلفوا فيه .

وفي الذي اختلفوا فيه ستة أقوال . أحدها: أنه الجمعة ، جعلها اليهود السبت ، والنصارى الأحد ، فروى البخاري ومسلم في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة عن [ ص: 231 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ، وأوتيناه من بعدهم ، فهذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه ، فهدانا الله له فاليوم لنا ، وغدا لليهود ، وبعد غد للنصارى" . والثاني: أنه الصلاة ، فمنهم من يصلي إلى المشرق ، ومنهم من يصلي إلى المغرب . والثالث: أنه إبراهيم قالت اليهود: كان يهوديا ، وقالت النصارى: كان نصرانيا . والرابع: أنه عيسى ، جعلته اليهود لفرية ، وجعلته النصارى إلها . والخامس: أنه الكتب ، آمنوا ببعضها ، وكفروا ببعضها . والسادس: أنه الدين ، وهو الأصح ، لأن جميع الأقوال داخلة في ذلك .

قوله تعالى: (بإذنه) قال الزجاج: إذنه: علمه . وقال غيره: أمره . قال بعضهم: توفيقه .
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب .

قوله تعالى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة في سبب نزولها ثلاثة أقوال . أحدها: أن الصحابة أصابهم يوم الأحزاب بلاء وحصر ، فنزلت هذه الآية ، ذكره السدي عن أشياخه ، وهو قول قتادة . والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لما دخل المدينة هو وأصحابه اشتد بهم الضر ، فنزلت هذه الآية ، قاله عطاء . والثالث: أن المنافقين قالوا للمؤمنين: لو كان محمد نبيا لم يسلط عليكم القتل ، فأجابوهم: من قتل منا دخل الجنة ، فقالوا: لم تمنون أنفسكم بالباطل؟ فنزلت هذه [ ص: 232 ] الآية ، قاله مقاتل . وزعم أنها نزلت يوم أحد . قال الفراء: (أم حسبتم) بمعنى: أظننتم ، وقال الزجاج: "أم" بمعنى: بل . وقد شرحنا "أم" فيما تقدم شرحا كافيا . والمثل بمعنى: الصفة . و"زلزلوا" خوفوا وحركوا بما يؤذي ، وأصل الزلزلة في اللغة من: زل الشيء عن مكانه ، فإذا قلت: زلزلته ، فتأويله: كررت زلزلته من مكانه ، وكل ما كان فيه ترجيع كررت فيه فاء الفعل ، تقول: أقل فلان الشيء: إذا رفعه من مكانه ، فإذا كرر رفعه ورده ، قيل: قلقله . فالمعنى أنه تكرر عليهم التحريك بالخوف ، قاله ابن عباس . البأساء: الشدة والبؤس ، والضراء: البلاء والمرض . وكل رسول بعث إلى أمته يقول: (متى نصر الله) والنصر: الفتح ، والجمهور على فتح لام "حتى يقول" وضمها نافع .

فصل

ومعنى الآية: أن البلاء والجهد بلغ بالأمم المتقدمة إلى أن استبطؤوا النصر لشدة البلاء . وقد دلت على أن طريق الجنة إنما هو الصبر على البلاء . قالت عائشة: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثلاثة أيام تباعا من خبز بر حتى مضى لسبيله . وقال حذيفة: أقر أيامي لعيني ، يوم أرجع إلى أهلي فيشكون إلى الحاجة . قيل: ولم ذلك؟ قال: لأني سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول: "إن الله يتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الوالد ولده [بالخير ] ، وإن الله ليحمي المؤمن من الدنيا ، كما يحمي المريض أهله الطعام" أخبرنا أبو بكر الصوفي ، قال: أخبرنا أبو سعيد ابن أبي صادق ، قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي ، قال: سمعت أبا الطيب ابن الفرخان يقول: سمعت الجنيد يقول: دخلت على سري السقطي وهو يقول: [ ص: 233 ]
وما رمت الدخول عليه حتى حللت محله العبد الذليل

وأغضيت الجفون على قذاها
وصنت النفس عن قال وقيل

يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم .

قوله تعالى: يسألونك ماذا ينفقون في سبب نزولها قولان . أحدهما: أنها نزلت في عمرو بن الجموح الأنصاري ، وكان له مال كثير ، فقال: يا رسول الله بماذا نتصدق ، وعلى من ننفق؟ فنزلت هذه الآية . رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن لي دينارا ، فقال: "أنفقه على نفسك" . فقال: إن لي دينارين ، فقال: "أنفقها على أهلك" فقال ، إن لي ثلاثة ، فقال: "أنفقها على خادمك" . فقال: إن لي أربعة ، فقال: "أنفقها على والديك" . فقال: إن لي خمسة ، فقال: "أنفقها على قرابتك" فقال: إن لي ستة ، فقال: "أنفقها في سبيل الله ، وهو أحسنها" فنزلت هذه الآية . رواه عطاء عن ابن عباس .

قال الزجاج: "ماذا" في اللغة على ضربين ، أحدهما: أن تكون "ذا" بمعنى الذي ، و"ينفقون": صلته ، فيكون المعنى: يسألونك: أي شيء الذي ينفقون؟ والثاني: أن تكون "ما" مع "ذا" اسما واحدا ، فيكون المعنى: يسألونك أي شيء ينفقون ، قال: وكأنهم سألوا: على من ينبغي أن يفضلوا ، وما وجه الذي ينفقون؟ لأنهم يعلمون ما المنفق ، [ ص: 234 ] وأعلمهم الله أن أولى من أفضل عليه الوالدان والأقربون . والخير: المال ، قاله ابن عباس في آخرين . وقال: ومعنى: "فللوالدين" فعلى الوالدين .

فصل

وأكثر علماء التفسير على أن هذه الآية منسوخة ، قال ابن مسعود: نسختها آية الزكاة . وذهب الحسن إلى إحكامها ، وقال ابن زيد: هي في النوافل ، وهذا الظاهر من الآية ، لأن ظاهرها يقتضي الندب ، ولا يصح أن يقال: إنها منسوخة ، إلا أن يقال: إنها اقتضت وجوب النفقة على المذكورين فيها .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12-01-2022, 12:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,794
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (43)

صــ235 إلى صــ 239

كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون .

قوله تعالى: (كتب عليكم القتال) قال ابن عباس: لما فرض الله على المسلمين الجهاد شق عليهم وكرهوه ، فنزلت هذه الآية . و"كتب" بمعنى: فرض في قول الجماعة . قال الزجاج: يقال: كرهت الشيء أكرهه كرها وكرها ، وكراهة وكراهية . وكل ما في كتاب الله من الكره ، فالفتح فيه جائز ، إلا أن أبا عبيد ذكر أن الناس مجتمعون على ضم هذا الحرف الذي فيه هذه الآية . وإنما كرهوه لمشقته على النفوس ، لا أنهم كرهوا فرض الله تعالى . وقال الفراء: الكره والكره: لغتان . وكأن النحويين يذهبون بالكره إلى ما كان منك مما لم تكره عليه ، فإذا أكرهت على الشيء استحبوا "كرها" بالفتح . وقال ابن قتيبة: الكره بالفتح ، معناه: الإكراه والقهر ، وبالضم معناه: المشقة . ومن نظائر هذا: الجهد: الطاقة ، والجهد: المشقة ومنهم من يجعلهما واحدا . وعظم الشيء: أكبره [ ص: 235 ] وعظمة نفسه . وعرض الشيء: إحدى نواحيه . وعرضه: خلاف طوله . والأكل: مصدر أكلت ، والأكل: المأكول ، وقال أبو علي: هما لغتان ، كالفقر والفقر ، والضعف والضعف ، والدف والدف ، والشهد والشهد .

قوله تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا قال ابن عباس: يعني الجهاد . (وهو خير لكم) فتح وغنيمة أو شهادة . (وعسى أن تحبوا شيئا) وهو: القعود عنه . (وهو شر لكم) لا تصيبون فتحا ولا غنيمة ولا شهادة . (والله يعلم) أن الجهاد خير لكم . (وأنتم لا تعلمون) حين أحببتم القعود عنه .

فصل

اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذا الآية على ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها من المحكم الناسخ للعفو عن المشركين . والثاني: أنها منسوخة ، لأنها أوجبت الجهاد على الكل ، فنسخ ذلك بقوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة التوبة 122 . والثالث: أنها ناسخة من وجه ، منسوخة من وجه .

وقالوا: إن الحال في القتال كانت على ثلاث مراتب . الأولى المنع من القتال ، ومنه قوله تعالى: ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم [ النساء: 77 ] . والثانية: أمر الكل بالقتال ، ومنه قوله تعالى: انفروا خفافا وثقالا [ التوبة: 41 ] . ومثلها هذه الآية . والثالثة كون القتال فرضا على الكفاية ، وهو قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة [ التوبة: 122 ] . فيكون الناسخ منها إيجاب القتال بعد المنع منه ، والمنسوخ منه وجوب القتال على الكل .
[ ص: 236 ] يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .

قوله تعالى: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه روى جندب بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعث رهطا واستعمل عليهم أبا عبيدة ، فلما انطلق ليتوجه بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث مكانه عبد الله بن جحش ، وكتب له كتابا ، وأمره ألا يقرأه إلا بمكان كذا وكذا ، وقال: "لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك" فلما صار إلى المكان ، قرأ الكتاب واسترجع ، وقال: سمعا [وطاعة لأمر ] الله ولرسوله [فخبرهم الخبر ، وقرأ عليهم الكتاب ] ، فرجع رجلان من أصحابه ، ومضى بقيتهم ، فأتوا ابن الحضرمي فقتلوه ، فلم يدروا ذلك اليوم ، أمن رجب ، أو من جمادى الآخرة؟ فقال المشركون [للمسلمين ]: قتلتم في الشهر الحرام [فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فحدثوه الحديث ] فنزلت هذه الآية ، فقال بعض المسلمين: لئن كان أصابهم خير فما لهم أجر ، فنزلت: إن الذين آمنوا والذين هاجروا إلى قوله: رحيم [ البقرة: 218 ] . قال الزهري: اسم ابن الحضرمي: عمرو ، واسم الذي قتله عبد الله بن واقد الليثي . قال ابن عباس: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، يظنون تلك الليلة من جمادى ، وكانت أول رجب .

وقد روى عطية عن ابن عباس أنها نزلت في شيئين . أحدهما: هذا . والثاني: [ ص: 237 ] دخول النبي ، صلى الله عليه وسلم ، مكة في شهر حرام يوم الفتح ، حين عاب المشركون عليه القتال في شهر حرام .

وفي السائلين النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عن ذلك قولان . أحدهما: أنهم المسلمون سألوه: هل أخطؤوا أم أصابوا؟ قاله ابن عباس ، وعكرمة ، ومقاتل . والثاني: أنهم المشركون سألوه على وجه العيب على المسلمين ، قاله الحسن ، وعروة ، ومجاهد .

والشهر الحرام: شهر رجب ، وكان يدعى الأصم ، لأنه لم يكن يسمع فيه للسلاح قعقعة تعظيما له (قتال فيه) أي: يسألونك عن قتال فيه . (قل قتال فيه كبير) قال ابن مسعود وابن عباس: لا يحل . قال القاضي أبو يعلى: كان أهل الجاهلية يعتقدون تحريم القتال في هذه الأشهر ، فأعلمهم الله تعالى في هذه الآية ببقاء التحريم .

فصل

اختلف العلماء في تحريم القتال في الأشهر الحرم: هل هو باق أم نسخ؟ على قولين .

أحدهما: أنه باق . روى ابن جريج أن عطاء كان يحلف بالله: ما يحل للناس الآن أن يغزوا في الحرم ، ولا في الأشهر الحرم ، إلا أن يقاتلوا فيه أو يغزوا ، وما نسخت .

والثاني: أنه منسوخ ، قال سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار: القتال جائز في الشهر الحرام ، وهذه الآية منسوخة بقوله تعالى: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [ التوبة: 5 ] . وبقوله تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر [ التوبة: 19 ] . وهذا قول فقهاء الأمصار .

[ ص: 238 ] قوله تعالى: وصد عن سبيل الله هو مرفوع بالابتداء ، وخبر هذه الأشياء: (أكبر عند الله) . وفي المراد بـ "سبيل الله" هاهنا قولان .

أحدهما: أنه الحج ، لأنهم صدوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عن مكة . قاله ابن عباس ، والسدي عن أشياخه .

والثاني: أنه الإسلام ، قاله مقاتل . وفي هاء الكناية في قوله: (وكفر به) قولان . أحدهما: أنها ترجع إلى الله تعالى ، قاله السدي عن أشياخه ، وقتادة ، ومقاتل ، وابن قتيبة . والثاني: أنها تعود إلى السبيل . قاله ابن عباس قال ابن قتيبة: وخفض "المسجد" الحرام نسقا على قوله: (سبيل الله) كأنه قال: وصد عن سبيل الله ، وعن المسجد الحرام .

قوله تعالى: (وإخراج أهله منه) لما آذوا رسول الله وأصحابه; اضطروهم إلى الخروج فكأنهم أخرجوهم ، فأعلمهم الله أن هذه الأفعال أعظم من قتل كل كافر . "والفتنة" هاهنا بمعنى الشرك . قاله ابن عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير ، وقتادة ، والجماعة . والفتنة في القرآن على وجوه كثيرة ، قد ذكرتها في كتاب "النظائر" (ولا يزالون) يعني: الكفار ، (يقاتلونكم) يعني: المسلمين . و(حبطت) بمعنى: بطلت .
إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم .

قوله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هاجروا في سبب نزولها قولان .

أحدهما: أنه لما نزل القرآن بالرخصة لأصحاب عبد الله بن جحش في قتل ابن الحضرمي ، قال بعض المسلمين: ما لهم أجر ، فنزلت هذه الآية . وقد ذكرنا هذا في [ ص: 239 ] سبب نزول قوله تعالى: يسألونك عن الشهر الحرام عن جندب بن عبد الله .

والثاني: أنه لما نزلت لهم الرخصة قاموا ، فقالوا: [يا رسول الله ] أنطمع أن تكون لنا غزاة نعطى فيها أجر المجاهدين ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس . وقال (هاجروا) من مكة إلى المدينة ، (وجاهدوا) في طاعة الله ابن الحضرمي وأصحابه . و (رحمت الله) : مغفرته وجنته . قال ابن الأنباري: الهجرة عند العرب من هجران الوطن والأهل والولد . والمهاجرون معناهم: المهاجرون الأولاد والأهل ، فعرف مكان المفعول فأسقط . قال الشعبي: أول لواء عقد في الإسلام لواء عبد الله بن جحش ، وأول مغنم قسم في الإسلام: مغنمه .
يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون .

قوله تعالى: يسألونك عن الخمر والميسر في سبب نزولها قولان . أحدهما: أن عمر بن الخطاب ، قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت هذه الآية . والثاني: أن جماعة من الأنصار جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيهم عمر ، ومعاذ ، فقالوا: أفتنا في الخمر ، فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال ، فنزلت هذه الآية .

وفي تسمية الخمر خمرا ثلاثة أقوال . أحدها: أنها سميت خمرا ، لأنها تخامر العقل ، أي: تخالطه . والثاني: لأنها تخمر العقل ، أي: تستره . والثالث: لأنها تخمر ، أي: تغطي ذكر هذه الأقوال محمد بن القاسم . وقال الزجاج: الخمر في اللغة: ما ستر على العقل ، يقال: دخل فلان في خمار الناس ، أي: في الكثير الذي يستتر فيهم ، وخمار المرأة قناعها ، سمي خمارا لأنه يغطي .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12-01-2022, 12:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,794
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (44)

صــ240 إلى صــ 244



قال: والخمر هاهنا هي المجمع عليها ، وقياس كل ما عمل عملها أن يقال له: خمر ، وأن يكون في التحريم بمنزلتها ، لأن العلماء أجمعوا على أن القمار كله حرام ، وإنما ذكر الميسر من بينه ، وجعل كله قياسا على الميسر ، والميسر إنما يكون قمارا في الجزر خاصة . فأما الميسر; فقال ابن عباس ، وابن عمر ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة في آخرين: هو القمار . قال ابن قتيبة: يقال: يسرت: إذا ضربت بالقداح ، ويقال للضارب بالقداح: ياسر وياسرون . ويسر وأيسار .

وكان أصحاب الثروة والأجواد في الشتاء عند شدة الزمان وكلبه ينحرون جزورا ، ويجزئونها أجزاء ، ثم يضربون عليها القداح ، فإذا قمر القامر ، جعل ذلك لذوي الحاجة والمسكنة ، وهو النفع الذي ذكره الله ، وكانوا يتمادحون بأخذ القداح ، ويتسابون بتركها ويعيبون من لا ييسر .

قوله تعالى: (قل فيهما إثم كبير) قرأ الأكثرون "كبير" بالباء ، وقرأ حمزة والكسائي بالثاء .

وفي إثم الخمر ثلاثة أقوال . أحدها: أن شربها ينقص الدين . قاله ابن عباس . والثاني: أنه إذا شرب سكر وآذى الناس ، رواه السدي عن أشياخه . والثالث: أنه وقوع العداوة والبغضاء وتغطية العقل الذي يقع به التمييز ، قاله الزجاج .

وفي إثم الميسر قولان . أحدهما: أنه يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة ، ويوقع العداوة ، قاله ابن عباس . والثاني: أنه يدعوا إلى الظلم ومنع الحق ، رواه السدي عن أشياخه وجائز أن يراد جميع ذلك .

[ ص: 241 ] وأما منافع الخمر; فمن وجهين: أحدهما: الربح في بيعها . والثاني: انتفاع الأبدان مع التذاذ النفوس . وأما منافع الميسر: فإصابة الرجل المال من غير تعب .

وفي قوله تعالى: وإثمهما أكبر من نفعهما قولان . أحدهما: أن معناه: وإثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبل التحريم ، قاله سعيد بن جبير ، والضحاك ، ومقاتل . والثاني: وإثمهما قبل التحريم أكبر من نفعهما قبل التحريم ، أيضا لأن الإثم الذي يحدث في أسبابها أكبر من نفعهما . وهذا منقول عن ابن جبير أيضا . واختلفوا بماذا كانت الخمرة مباحة؟ على قولين . أحدهما: بقوله تعالى: ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا [ النحل: 67 ] . قاله ابن جبير . والثاني: بالشريعة الاولى ، وأقر المسلمون على ذلك حتى حرمت .

فصل

اختلف العلماء: هل لهذه الآية تأثير في تحريم الخمر أم لا؟ على قولين . أحدهما: أنها تقتضي ذمها دون تحريمها ، رواه السدي عن أشياخه ، وبه قال سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، ومقاتل . وعلى هذا القول تكون هذه الآية منسوخة .

والقول الثاني: أن لها تأثيرا في التحريم ، وهو أن الله تعالى أخبر أن فيها إثما كبيرا والإثم كله محرم بقوله: والإثم والبغي [ الأعراف: 33 ] . هذا قول جماعة من العلماء ، وحكاه الزجاج ، واختاره القاضي أبو يعلى للعلة التي بيناها ، واحتج لصحته بعض أهل المعاني ، فقال: لما قال الله تعالى: قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ; وقع التساوي بين الأمرين ، فلما قال: وإثمهما أكبر من نفعهما صار الغالب الإثم ، وبقي النفع مستغرقا في جنب الإثم ، فعاد الحكم للغالب المستغرق ، فغلب جانب الخطر .

[ ص: 242 ] فصل

فأما الميسر; فالقول فيه مثل القول في الخمر ، إن قلنا: إن هذه الآية دلت على التحريم ، فالميسر حكمها حرام أيضا ، وإن قلنا: إنها دلت على الكراهة; فأقوم الأقوال أن نقول: إن الآية التي في المائدة نصت على تحريم الميسر .

قوله تعالى: ويسألونك ماذا ينفقون قال ابن عباس: إن الذي سأله عن ذلك عمرو بن الجموح: قال ابن قتيبة: والمراد بالنفقة هاهنا: الصدقة والعطاء .

قوله تعالى: (قل العفو) قرأ أبو عمرو برفع واو "العفو" وقرأ الباقون بنصبها ، قال أبو علي: "ماذا" في موضع نصب ، فجوابه العفو بالنصب ، كما تقول في جواب . ماذا أنفقت؟ أي: أنفقت درهما . هذا وجه نصب العفو . ومن رفع جعل "ذا" بمنزلة الذي ، ولم يجعل "ماذا" اسما واحدا ، فإذا قال قائل: ماذا أنزل ربكم; فكأنه قال: ما الذي أنزل ربكم; فجوابه: قرآن . قال الزجاج: "العفو" في اللغة: الكثرة والفضل ، يقال: قد عفا القوم: إذا كثروا . و"العفو" ما أتى بغير كلفة . وقال ابن قتيبة: العفو: الميسور . يقال: خذ ما عفاك: أي: ما أتاك سهلا بلا إكراه ولا مشقة .

وللمفسرين في المراد بالعفو هاهنا خمسة أقوال .

أحدها: أنه ما يفضل عن حاجة المرء وعياله ، رواه مقسم عن ابن عباس . والثاني: ما تطيب به أنفسهم من قليل وكثير ، رواه عطية عن ابن عباس . والثالث: أنه القصد بين الإسراف والإقتار ، قاله الحسن ، وعطاء ، وسعيد بن جبير . والرابع: أنه الصدقة المفروضة ، قاله مجاهد . والخامس: أنه ما لا يتبين عليهم مقداره ، من قولهم: عفا الأثر إذا خفي ودرس ، حكاه شيخنا عن طائفة من المفسرين .

[ ص: 243 ] فصل

وقد تكلم علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية ، فروى السدي عن أشياخه أنها نسخت بالزكاة ، وأبى نسخها آخرون . وفصل الخطاب في ذلك أنا متى قلنا: إنه فرض عليهم بهذه الآية التصدق بفاضل المال ، أو قلنا: إنه أوجبت عليهم هذه الآية صدقة قبل الزكاة ، فالآية منسوخة بآية الزكاة ، ومتى قلنا: إنها محمولة على الزكاة المفروضة كما قال مجاهد ، أو على الصدقة المندوب إليها ، فهي محكمة .

قوله تعالى: (كذلك يبين الله) قال الزجاج: إنما قال كذلك ، وهو يخاطب جماعة ، لأن الجماعة معناها: القبيل ، كأنه قال: كذلك يا أيها القبيل . وجائز أن تكون الكاف للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، كأنه قال: كذلك يا أيها النبي ، لأن الخطاب له مشتمل على خطاب أمته . وقال ابن الأنباري: الكاف في "كذلك" إشارة إلى ما بين من الإنفاق ، فكأنه قال: مثل ذلك الذي بينه لكم في الإنفاق يبين الآيات . ويجوز أن يكون "كذلك" غير إشارة إلى ما قبله ، فيكون معناه: هكذا ، قاله ابن عباس . لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة فتعرفون فضل ما بينهما ، فتعملون للباقي منهما .
ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم .

قوله تعالى: ويسألونك عن اليتامى في سبب نزولها قولان . أحدهما: أنه لما أنزل الله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن [ الإسراء: 34 ] و إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما [ النساء: 9 ] انطلق من كان عنده مال يتيم ، فعزل طعامه من طعامه ، وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل الشيء من طعامه فيحبس له حتى [ ص: 244 ] يأكله أو يفسد . فاشتد ذلك عليهم ، فذكروه للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية هذا قول ابن عباس ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، ومقاتل . والثاني: أن العرب كانوا يشددون في أمر اليتيم حتى لا يأكلون معه في قصعته ، ولا يستخدمون له خادما . فسألوا النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عن مخالطتهم ، فنزلت هذه الآية ، ذكره السدي عن أشياخه ، وهو قول الضحاك .

وفي السائلين للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، عن ذلك قولان . أحدهما: أن الذي سأله ثابت بن رفاعة الأنصاري ، قاله مقاتل . والثاني: عبد الله بن رواحة ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى: (قل إصلاح لهم خير) قال ابن قتيبة: معناه: تثمير أموالهم ، والتنزه عن أكلها لمن وليها خير . (وإن تخالطوهم فإخوانكم) أي: فهم إخوانكم ، في ذلك حكم إخوانكم . قال ابن عباس: والمخالطة: أن يشرب من لبنك ، وتشرب من لبنه ، ويأكل في قصعتك ، وتأكل في قصعته . والله يعلم المفسد من المصلح يريد: المتعمد . أكل مال اليتيم ، من المنحرج الذي لا يألو إلا الإصلاح . ولو شاء الله لأعنتكم قال ابن عباس: أي لأحرجكم ، ولضيق عليكم . وقال ابن الأنباري: أصل العنت: التشديد . تقول العرب: فلان يتعنت فلانا ويعنته ، أي: يشدد عليه ، ويلزمه بما يصعب عليه أداؤه [قال: ثم نقلت إلى معنى الهلاك ] واشتقاق الحرف ، من قول العرب: أكمة عنوت: إذا كانت شديدة شاقة [المصعد ] ، فجعلت هذه اللفظة مستعملة في كل شدة .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12-01-2022, 12:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,794
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (45)

صــ245 إلى صــ 249


ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون [ ص: 245 ] قوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن في سبب نزولها قولان .

أحدهما: أن رجلا يقال له: مرثد بن أبي مرثد بعثه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، إلى مكة ليخرج ناسا من المسلمين بها أسرى ، فلما قدمها سمعت به امرأة يقال لها: عناق ، وكانت خليلة له في الجاهلية ، فلما أسلم أعرض عنها ، فأتته فقالت: ويحك يا مرثد: ألا تخلو؟ فقال: إن الإسلام قد حال بيني وبينك ، ولكن إن شئت تزوجتك ، إذا رجعت إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، استأذنته في ذلك ، فقالت له: أبي تتبرم؟! واستغاثت عليه ، فضربوه ضربا شديدا ، ثم خلوا سبيله ، فلما قضى حاجته بمكة رجع إلى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فسأله: أتحل لي أن أتزوجها؟ فنزلت هذه الآية . هذا قول ابن عباس . وذكر مقاتل بن سليمان أنه أبو مرثد الغنوي .

والثاني: أن عبد الله بن رواحة كانت له أمة سوداء ، وأنه غضب عليها فلطمها ، ثم فزع ، فأتى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فأخبره خبرها; [فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما هي يا عبد الله" ] فقال: [ ص: 246 ] يا رسول الله: هي تصوم وتصلي وتحسن الوضوء ، وتشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، فقال: "يا عبد الله: هذه مؤمنة" . فقال: والذي بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنها ففعل ، فعابه ناس من المسلمين ، وقالوا: أنكح أمة ، وكانوا يرغبون في نكاح المشركات رغبة في أحسابهن ، فنزلت هذه الآية . رواه السدي عن أشياخه . وقد ذكر بعض المفسرين أن قصة عناق وأبا مرثد كانت سببا لنزول قوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن وقصة ابن رواحة كانت سببا لنزول قوله تعالى: ولأمة مؤمنة خير من مشركة .

فأما التفسير ، فقال المفضل: أصل النكاح: الجماع ، ثم كثر ذلك حتى قيل للعقد: نكاح . وقد حرم الله عز وجل نكاح المشركات عقدا ووطء .

وفي "المشركات" هاهنا قولان . أحدهما: أنه يعم الكتابيات وغيرهن ، وهو قول الأكثرين . والثاني: أنه خاص في الوثنيات ، وهو قول سعيد بن جبير ، والنخعي ، وقتادة .

وفي المراد بالأمة قولان . أحدهما: أنها المملوكة ، وهو قول الأكثرين ، فيكون المعنى: ولنكاح أمة مؤمنة خير من نكاح حرة مشركة . والثاني: أنها المرأة ، وإن لم تكن مملوكة ، كما يقال: هذه أمة الله ، وهذا قول الضحاك ، والأول أصح .

وفي قوله: (ولو أعجبتكم) قولان . أحدهما: بجمالها وحسنها . والثاني: بحسبها ونسبها .

فصل

اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية ، فقال القائلون بأن المشركات الوثنيات: هي محكمة ، وزعم بعض من نصر هذا القول أن اليهود والنصارى ليسوا بمشركين بالله ، وإن جحدوا بنبوة نبينا . قال شيخنا: وهو قول فاسد من وجهين . أحدهما: أن حقيقة الشرك ثابتة في حقهم حيث قالوا: عزير ابن الله ، والمسيح ابن الله . والثاني: أن كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، يوجب أن يقولوا: إن ما جاء به ليس من عند الله ، وإضافة ذلك إلى [ ص: 247 ] غير الله شرك . فأما القائلون بأنها عامة في جميع المشركات ، فلهم في ذلك قولان . أحدهما: أن بعض حكمها منسوخ بقوله: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم [ المائدة: 6 ] وبقي الحكم في غير أهل الكتاب محكما . والثاني: أنها ليست منسوخة ، ولا ناسخة ، بل هي عامة في جميع المشركات ، وما أخرج عن عمومها من إباحة كافرة; فلدليل خاص ، وهو قوله تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم [ المائدة: 6 ] ; فهذه خصصت عموم تلك من غير نسخ ، وعلى هذا عامة الفقهاء . وقد روي معناه عن جماعة من الصحابة ، منهم عثمان ، وطلحة ، وحذيفة ، وجابر ، وابن عباس .

قوله تعالى: ولا تنكحوا المشركين أي: لا تزوجوهم بمسلمة حتى يؤمنوا; والكلام في قوله تعالى: (ولعبد مؤمن) وفي قوله تعالى: (ولو أعجبكم) مثل الكلام في أول الآية .

قوله تعالى: والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ; قرأ الجمهور بخفض "المغفرة" وقرأ الحسن ، والقزاز ، عن أبي عمرو ، برفعها .
ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين .

قوله تعالى: (ويسألونك عن المحيض) روى ثابت عن أنس قال: كانت اليهود إذا حاضت المرأة منهن لم يؤاكلوها ، ولم يشاربوها ، ولم يجامعوها في البيوت ، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم ، عن ذلك ، فنزلت هذه الآية ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يؤاكلوهن ويشاربوهن ويكونوا معهن في البيوت ، وأن يفعلوا كل شيء ما عدا النكاح . وقال ابن عباس: جاء [ ص: 248 ] رجل يقال: له ابن الدحداحة ، من الأنصار ، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف نصنع بالنساء إذا حضن؟ فنزلت هذه الآية . وفي المحيض قولان . أحدهما: أنه اسم للحيض ، قال الزجاج: يقال: قد حاضت المرأة تحيض حيضا ومحاضا ومحيضا . وقال ابن قتيبة: المحيض: الحيض . والثاني: أنه اسم لموضع الحيض ، كالمقيل ، فإنه موضع القيلولة ، والمبيت موضع البيتوتة . وذكر القاضي أبو يعلى أن هذا ظاهر كلام أحمد . فأما أرباب القول الأول; فأكدوه بأن في اللفظ ما يدل على قولهم ، وهو أنه وصفه بالأذى ، وذلك صفة لتفسير الحيض ، لا لمكانه . وأما أرباب القول الثاني ، فقالوا: لا يمتنع أن يكون المحيض صفة للموضع ، ثم وصفه بما قاربه وجاوره ، كالعقيقة ، فإنها اسم لشعر الصبي ، وسميت بها الشاة التي تذبح عند حلق رأسه مجازا . والرواية: اسم للجمل ، وسميت المزادة راوية مجازا . والأذى يحصل للواطئ بالنجاسة ، ونتن الريح . وقيل: يورث جماع الحائض علة بالغة في الألم . فاعتزلوا النساء في المحيض المراد به اعتزال الوطء في الفرج ، لأن المحيض نفس الدم أو نفس الفرج (ولا تقربوهن) أي: لا تقربوا جماعهن ، وهو تأكيد لقوله: (فاعتزلوا النساء) .

قوله تعالى: (حتى يطهرن) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم (حتى يطهرن) خفيفة . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف ، وأبو بكر ، عن عاصم (يطهرن) بتشديد الطاء والهاء وفتحهما . قال ابن قتيبة: يطهرن: ينقطع عنهن الدم ، يقال: طهرت المرأة وطهرت: إذا رأت الطهر ، وإن لم تغتسل بالماء . ومن قرأ "يطهرن" [ ص: 249 ] بالتشديد أراد: يغتسلن بالماء . والأصل يتطهرن ، فأدغمت التاء في الطاء . قال ابن عباس ومجاهد: حتى يطهرن من الدم ، فإذا تطهرن اغتسلن بالماء .

قوله تعالى: (فأتوهن) إباحة من حظر ، لا على الوجوب .

قوله تعالى: (من حيث أمركم الله) فيه أربعة أقوال .

أحدها: أن معناه: من قبل الطهر ، لا من قبل الحيض ، قاله ابن عباس ، وأبو رزين ، وقتادة ، والسدي في آخرين .

والثاني: أن معناه: فأتوهن من حيث أمركم الله أن لا تقربوهن فيه ، وهو محل الحيض ، قاله مجاهد . وقال من نصر هذا القول: إنما قال: (أمركم الله) والمعنى: نهاكم ، لأن النهي أمر بترك المنهي عنه و"من" بمعنى: "في": كقوله تعالى: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة [ الجمعة: 9 ] .

والثالث: فأتوهن من قبل التزويج الحلال ، لا من قبل الفجور ، قاله ابن الحنفية . والرابع: أن معناه: فأتوهن من الجهات التي يحل أن تقرب فيها المرأة ، ولا تقربوهن من حيث لا ينبغي مثل أن كن صائمات أو معتكفات أو محرمات . وهذا قول الزجاج ، وابن كيسان . وفي قوله تعالى: إن الله يحب التوابين قولان . أحدهما: التوابين من الذنوب ، قاله عطاء ، ومجاهد في آخرين . والثاني: التوابين من إتيان الحيض ، ذكره بعض المفسرين .

وفي قوله تعالى: (ويحب المتطهرين) ثلاثة أقوال . أحدها: المتطهرين من الذنوب ، قاله مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبو العالية . والثاني: المتطهرين بالماء ، قاله عطاء . والثالث: المتطهرين من إتيان أدبار النساء . روي عن مجاهد .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12-01-2022, 12:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,794
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (46)

صــ250 إلى صــ 255

فصل

أقل الحيض يوم وليلة في إحدى الروايتين عن أحمد . والثانية: يوم . وقال أبو حنيفة: أقله ثلاثة أيام . وقال مالك وداود: ليس لأقله حد . وفي أكثره روايتان عن أحمد . إحداهما: خمسة عشر يوما ، وهو قول مالك والشافعي . والثانية سبعة عشر يوما . وقال أبو حنيفة: أكثره عشرة أيام .

والحيض مانع من عشرة أشياء: فعل الصلاة ، ووجوبها ، وفعل الصوم دون وجوبه ، والجلوس في المسجد ، والاعتكاف ، والطواف ، وقراءة القرآن ، وحمل المصحف ، والاستمتاع في الفرج ، وحصول نية الطلاق .
نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين .

قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

أحدها: أن اليهود أنكرت جواز إتيان المرأة إلا من بين يديها ، وعابت من يأتيها على غير تلك الصفة ، فنزلت هذه الآية . روي عن جابر ، والحسن ، وقتادة . والثاني: أن حيا من قريش كانوا يتزوجون النساء بمكة ، ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ، فلما قدموا المدينة ، تزوجوا من الأنصار ، فذهبوا ليفعلوا ذلك ، فأنكرنه ، وانتهى الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية . رواه مجاهد عن ابن عباس . والثالث: أن عمر بن الخطاب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: هلكت ، حولت رحلي الليلة ، فنزلت هذه الآية . رواه سعيد بن جبير عن ابن [ ص: 251 ] عباس . والحرث: المزدرع ، وكنى به هاهنا عن الجماع ، فسماهن حرثا ، لأنهن مزدرع الأولاد ، كالأرض للزرع ، فإن قيل: النساء جمع ، فلم لم يقل: حروث؟ فعنه ثلاثة أجوبة ، ذكرها ابن القاسم الأنباري النحوي . أحدها: أن يكون الحرث مصدرا في موضع الجمع ، فلزمه التوحيد ، كما تقول العرب: إخوتك صوم ، وأولادك فطر ، يريدون: صائمين ومفطرين ، فيؤدي المصدر بتوحيده عن اللفظ المجموع . والثاني: أن يكون أراد حروث لكم ، فاكتفى بالواحد من الجمع ، كما قال الشاعر:


كلوا في نصف بطونكم تعيشوا


أي: في أنصاف بطونكم . والثالث: أنه إنما وحد الحرث ، لأن النساء شبهن به ، ولسن من جنسه ، والمعنى: نساؤكم مثل حروث لكم .

قوله تعالى: (أنى شئتم) فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه بمعنى: كيف شئتم ، ثم فيه قولان . أحدهما: أن المعنى: كيف شئتم ، مقبلة أو مدبرة ، وعلى كل حال ، إذا كان الإتيان في الفرج . وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، وعطية ، والسدي ، وابن قتيبة في آخرين . والثاني: أنها نزلت في العزل . قاله سعيد بن المسيب ، فيكون المعنى: إن شئتم فاعزلوا ، وإن شئتم فلا تعزلوا .

[ ص: 252 ] والقول الثاني: أنه بمعنى: إن شئتم ، ومتى شئتم وهو قول ابن الحنفية والضحاك ، وروي عن ابن عباس أيضا . والثالث: أنه بمعنى: حيث شئتم ، وهذا محكي عن ابن عمر ومالك بن أنس ، وهو فاسد من وجوه ، أحدها: أن سالم بن عبد الله لما بلغه أن نافعا تحدث بذلك عن ابن عمر ، قال: كذب العبد ، إنما قال عبد الله: يؤتون في فروجهن من أدبارهن . وأما أصحاب مالك ، فإنهم ينكرون صحته عن مالك ، والثاني: أن أبا هريرة روى عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: "ملعون من أتى النساء في أدبارهن" فدل على أن الآية لا يراد بها هذا .

والثالث: أن الآية نبهت على أنه محل الولد بقوله: (فأتوا حرثكم) وموضع الزرع: هو مكان الولد ، قال ابن الأنباري: لما نص الله على ذكر الحرث ، والحرث به يكون النبات ، والولد مشبه بالنبات ، لم يجز أن يقع الوطء في محل لا يكون منه ولد .

[ ص: 253 ] . والرابع: أن تحريم إتيان الحائض كان لعلة الأذى ، والأذى ملازم لهذا المحل لا يفارقه .

قوله تعالى: (وقدموا لأنفسكم) فيه أربعة أقوال . أحدها: أن معناه: وقدموا لأنفسكم من العمل الصالح ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني: وقدموا التسمية عند الجماع ، رواه عطاء عن ابن عباس . والثالث: وقدموا لأنفسكم في طلب الولد ، قاله مقاتل . والرابع: وقدموا طاعة الله واتباع أمره ، قاله الزجاج .
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم .

قوله تعالى: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم في سبب نزولها أربعة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في عبد الله بن رواحة ، كان بينه وبين ختنه شيء ، فحلف عبد الله أن لا يدخل عليه ولا يكلمه ، وجعل يقول: قد حلفت بالله ، فلا يحل لي ، إلا أن تبر يميني ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس .

والثاني: أن الرجل كان يحلف بالله أن لا يصل رحمه ، ولا يصلح بين الناس ، فنزلت هذه الآية ، قاله الربيع بن أنس .

والثالث: أنها نزلت في أبي بكر حين حلف ، لا ينفق على مسطح ، قاله ابن جريج . والرابع: نزلت في أبي بكر ، حلف أن لا يصل ابنه عبد الرحمن حتى يسلم ، قاله المقاتلان: ابن حيان ، وابن سليمان .

قال الفراء: والمعنى: ولا تجعلوا الله معترضا لأيمانكم . وقال أبو عبيد: نصبا لأيمانكم ، [ ص: 254 ] كأنه يعني: أنكم تعترضونه في كل شيء ، فتحلفون به . وفي معنى الآية ثلاثة أقوال . أحدها: أن معناها: لا تحلفوا بالله أن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا بين الناس ، هذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وابن جبير ، وإبراهيم ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل ، والفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج في آخرين . والثاني: أن معناها: لا تحلفوا بالله كاذبين لتتقوا المخلوقين وتبروهم ، وتصلحوا بينهم بالكذب ، روى هذا المعنى عطية عن ابن عباس . والثالث: أن معناها لا تكثروا الحلف بالله وإن كنتم بارين مصلحين ، فإن كثرة الحلف بالله ضرب من الجرأة عليه . هذا قول ابن زيد .
لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم .

قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال الزجاج: اللغو في كلام العرب: ما أطرح ولم يعقد عليه أمر ، ويسمى ما لا يعتد به ، لغوا . وقال ابن فارس: اشتقاق ذلك من قولهم لما لا يعتد [به ] من أولاد الإبل في الدية وغيرها لغوا ، يقال منه: لغا يلغو ، وتقول: لغي بالأمر: إذا لهج به . وقيل: إن اشتقاق اللغة منه [أي: يلهج صاحبها بها ] وفي المراد باللغو هاهنا خمسة أقوال . أحدها: أن يحلف على الشيء يظن أنه كما حلف ، ثم يتبين له أنه بخلافه . وإلى هذا المعنى ذهب أبو هريرة ، وابن عباس ، والحسن ، وعطاء ، والشعبي ، وابن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي عن أشياخه ، ومالك ، ومقاتل . والثاني: أنه: لا والله ، وبلى والله ، من غير قصد لعقد اليمين ، وهو قول عائشة ، وطاووس ، وعروة ، والنخعي ، [ ص: 255 ] والشافعي . واستدل أرباب هذا القول بقوله تعالى: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم وكسب القلب: عقده وقصده ، وهذان القولان منقولان عن الإمام أحمد ، روى عنه ابنه عبد الله أنه قال: اللغو عندي أن يحلف على اليمين ، يرى أنها كذلك ، ولا كفارة . والرجل يحلف ولا يعقد قلبه على شيء ، فلا كفارة . والثالث: أنه يمين الرجل وهو غضبان ، رواه طاووس عن ابن عباس . والرابع: أنه حلف الرجل على معصية ، فليحنث ، وليكفر ، ولا إثم عليه . قاله سعيد بن جبير . والخامس: أن يحلف الرجل على شيء ، ثم ينساه . قاله النخعي . وقول عائشة أصح الجميع . قال حنبل: سئل أحمد عن اللغو فقال: الرجل يحلف فيقول: لا والله ، وبلى والله ، لا يريد عقد اليمين ، فإذا عقد على اليمين لزمته الكفارة .

قوله تعالى: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم قال مجاهد: أي: ما عقدت عليه قلوبكم "والحليم": ذو الصفح الذي لا يستفزه غضب ، فيعجل ، ولا يستخفه جهل جأهل مع قدرته على العقوبة . قال أبو سليمان الخطابي: ولا يستحق اسم الحليم من سامح مع العجز عن المجازاة ، إنما الحليم الصفوح مع القدرة ، المتأني الذي لا يعجل بالعقوبة . وقد أنعم بعض الشعراء أبياتا في هذا المعنى فقال:


لا يدرك المجد أقوام وإن كرموا حتى يذلوا وإن عزوا لأقوام

ويشتموا فترى الألوان مسفرة
لا صفح ذل ولكن صفح أحلام


قال ، ويقال: حلم الرجل يحلم حلما بضم اللام في الماضي والمستقبل . وحلم في النوم ، بفتح اللام ، يحلم حلما ، اللام في المستقبل والحاء في المصدر مضمومتان .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12-01-2022, 12:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,794
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (47)

صــ256 إلى صــ 260

فصل

الإيمان على ضربين ، ماض ومستقبل ، فالماضي على ضربين: يمين محرمة ، وهي: [ ص: 256 ] اليمين الكاذبة ، وهي أن يقول: والله ما فعلت ، وقد فعل . أو: لقد فعلت ، وما فعل . ويمين مباحة ، وهي أن يكون صادقا في قوله: ما فعلت . أو: لقد فعلت . والمستقبلة على خمسة أقسام . أحدها: يمين عقدها طاعة ، والمقام عليها طاعة ، وحلها معصية ، مثل أن يحلف ، لأصلين الخمس ، ولأصومن رمضان ، أو شربت الخمر . والثاني: عقدها معصية ، والمقام عليها معصية ، وحلها طاعة ، وهي عكس الأولى . والثالث: يمين عقدها طاعة ، والمقام عليها طاعة ، وحلها مكروه ، مثل أن يحلف: ليفعلن النوافل من العبادات . والرابع: يمين عقدها مكروه ، والمقام عليها مكروه ، وحلها طاعة ، وهي عكس التي قبلها . والخامس: يمين عقدها مباح ، والمقام عليها مباح ، وحلها مباح . مثل أن يحلف: لا دخلت بلدا فيه من يظلم الناس ، ولا سلكت طريقا مخوفا ، ونحو ذلك .
للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم .

قوله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم قال ابن عباس: كان أهل الجاهلية إذا طلب الرجل من امرأته شيئا ، فأبت أن تعطيه; حلف أن لا يقربها السنة ، والسنتين ، والثلاث ، فيدعها لا أيما ، ولا ذات بعل ، فلما كان الإسلام ، جعل الله ذلك أربعة أشهر ، فأنزل الله هذه الآية . وقال سعيد بن المسيب: كان الإيلاء ضرار أهل الجاهلية ، وكان الرجل لا يريد المرأة ، ولا يحب أن يتزوجها غيره ، فيحلف أن لا يقربها أبدا ، فجعل الله تعالى الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة أربعة أشهر ، وأنزل هذه الآية . قال ابن قتيبة: يؤلون ، أي: يحلفون . يقال: آليت من امرأتي ، أولي إيلاء: إذا حلف لا يجامعها . والاسم: الألية . وقال الزجاج: يقال من الإيلاء: آليت أولي إيلاء وألية وألوة وألوة وإلوة ، وهي بالكسر أقل اللغات ، قال كثير:


قيل الألايا حافظ ليمينه وإن بدرت منه الألية برت
[ ص: 257 ] وحكى ابن الأنباري عن بعض اللغويين أنه قال: "من" بمعنى: "في" أو: "على" والتقدير: يحلفون على وطء نسائهم ، فحذف الوطء ، وأقام النساء مقامه ، كقوله تعالى: ما وعدتنا على رسلك [ آل عمران: 194 ] . أي: على ألسنة رسلك . وقيل: في الكلام حذف ، تقديره: يؤلون ، يعتزلون من نسائهم . والتربص: الانتظار . ولا يكون مؤليا إلا إذا حلف بالله أن لا يصيب زوجته أكثر من أربعة أشهر ، فإن حلف على أربعة أشهر فما دون ذلك ، لم يكن مؤليا . وهذا قول مالك ، وأحمد ، والشافعي . وفاؤوا: رجعوا ، ومعناه: رجعوا إلى الجماع ، قاله علي ، وابن عباس ، وابن جبير ، ومسروق ، والشعبي . وإذا كان للمؤلي عذر لا يقدر معه على الجماع ، فإنه يقول: متى قدرت جامعتها ، فيكون ذلك من قوله فيئة; فمتى قدر فلم يفعل ، أمر بالطلاق ، فإن لم يطلق ، طلق الحاكم عليه .

قوله تعالى: فإن الله غفور رحيم قال علي ، وابن عباس: غفور لإثم اليمين .
وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم .

قوله تعالى: وإن عزموا الطلاق أي: حققوه . وفي عزم الطلاق قولان .

أحدهما: أنه إذا مضت الأربعة الأشهر استحق عليه أن يفيء ، أو يطلق ، وهو مروي عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن عمر ، وسهل بن سعد ، وعائشة ، وطاووس ، ومجاهد ، والحكم ، وأبي صالح . وحكاه أبو صالح عن اثني عشر رجلا من الصحابة ، وهو قول مالك ، وأحمد ، والشافعي .

والثاني: أنه لا يفيء حتى يمضي أربعة أشهر ، فتطلق بذلك من غير أن يتكلم بطلاق . واختلف أرباب هذا القول فيما يلحقها من الطلاق على قولين . أحدهما: طلقة بائنة . روي عن عثمان ، وعلي ، وابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وقبيصة بن ذؤيب . والثاني: طلقة رجعية ، روي عن سعيد بن المسيب ، وأبي بكر بن عبد الرحمن ، وابن شبرمة .

[ ص: 258 ] قوله تعالى: (فإن الله سميع عليم) فيه قولان . أحدهما: سميع لطلاقه ، عليم بنيته . والثاني سميع ليمينه ، عليم بها .
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم .

قوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء سبب نزولها: أن المرأة كانت إذا طلقت وهي راغبة في زوجها ، قالت: أنا حبلى ، وليست حبلى ، لكي يراجعها ، وإن كانت حبلى وهي كارهة ، قالت: لست بحبلى ، لكي لا يقدر على مراجعتها . فلما جاء الإسلام ثبتوا على هذا ، فنزل قوله تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة [ الطلاق: 1 ] ثم نزلت: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء . رواه أبو صالح عن ابن عباس .

فأما التفسير; فالطلاق: التخلية . قال ابن الأنباري: هي من قول العرب: أطلقت الناقة ، فطلقت: إذا كانت مشدودة ، فأزلت الشد عنها ، وخليتها ، فشبه ما يقع للمرأة بذلك ، لأنها كانت متصلة الأسباب بالرجل ، وكانت الأسباب كالشد لها ، فلما طلقها قطع الأسباب . ويقال: طلقت المرأة ، وطلقت . وقال غيره: الطلاق: من أطلقت الشيء من يدي ، إلا أنهم لكثرة استعمالهم اللفظتين فرقوا بينهما ، ليكون التطليق مقصورا في الزوجات . وأما القروء: فيراد بها: الإطهار ، ويراد بها الحيض . يقال: أقرأت المرأة إذا حاضت ، وأقرأت: إذا طهرت . قال النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة: "تقعد أيام إقرائها" يريد: أيام حيضها . وقال الأعشى:

[ ص: 259 ]
وفي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لأقصاها عزيم عزائكا

مورثة مالا وفي الحي رفعة
لما ضاع فيها من قروء نسائكا


أراد بالقروء: الأطهار ، لأنه لما خرج عن نسائه أضاع أطهارهن . واختلف أهل اللغة في أصل القروء على قولين . أحدهما: أن أصله الوقت ، يقال: رجع فلان لقرئه ، أي: لوقته الذي كان يرجع فيه ، [ورجع لقارئه أيضا ] قال الهذلي:


كرهت العقر عقر بني شليل إذا هبت لقارئها الرياح


فالحيض يأتي لوقت ، والطهر يأتي لوقت ، هذا قول ابن قتيبة . والثاني: أن أصله الجمع . وقولهم: قرأت القرآن ، أي: لفظت به مجموعا . والقرء: اجتماع الدم في البدن ، وذلك إنما يكون في الطهر ، وقد يجوز أن يكون اجتماعه في الرحم ، وكلاهما حسن ، هذا قول الزجاج .

واختلف الفقهاء في الأقراء على قولين . أحدهما: أنها الحيض . روي عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وأبي موسى ، وعبادة بن الصامت ، وأبي الدرداء ، وعكرمة ، والضحاك ، والسدي ، وسفيان الثوري ، والأوزاعي ، والحسن بن صالح ، وأبي حنيفة وأصحابه ، وأحمد بن حنبل رضي الله عنه فإنه قال: قد كنت أقول: القروء: الأطهار ، وأنا اليوم أذهب إلى أنها الحيض . والثاني: أنها الأطهار . روي عن زيد بن ثابت ، وابن عمر ، [ ص: 260 ] وعائشة ، والزهري ، وأبان بن عثمان ، ومالك بن أنس ، والشافعي ، وأومأ إليه أحمد .

ولفظ قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن) لفظ الخبر ، ومعناه: الأمر ، كقوله تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين وقد يأتي لفظ الأمر في معنى الخبر كقوله تعالى: فليمدد له الرحمن مدا [ مريم: 75 ] . والمراد بالمطلقات في هذه الآية ، البالغات ، المدخول بهن ، غير الحوامل .

قوله تعالى: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أنه الحمل ، قاله عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، ومقاتل ، وابن قتيبة ، والزجاج . والثاني: أنه الحيض ، قاله عكرمة ، وعطية ، والنخعي ، والزهري . والثالث: الحمل والحيض قاله ابن عمر ، وابن زيد .

قوله تعالى: إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر خرج مخرج الوعيد لهن والتوكيد ، قال الزجاج: وهو كما تقول للرجل: إن كنت مؤمنا فلا تظلم وفي سبب وعيدهم بذلك قولان . أحدهما: أنه لأجل ما يستحقه الزوج من الرجعة قاله ابن عباس . والثاني: لأجل إلحاق الولد بغير أبيه ، قاله قتادة . وقيل كانت المرأة إذا رغبت في زوجها ، قالت: إني حائض ، وقد طهرت . وإذا زهدت فيه ، كتمت حيضها حتى تغتسل ، فتفوته .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12-01-2022, 12:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,794
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (48)

صــ261 إلى صــ 265

والبعولة: الأزواج . و"ذلك" إشارة إلى العدة . قاله مجاهد ، والنخعي ، وقتادة ، في آخرين . وفي الآية دليل على أن خصوص آخر اللفظ لا يمنع عموم أوله . ولا يوجب تخصيصه ، لأن قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن) عام في المبتوتات والرجعيات ، وقوله [ ص: 261 ] تعالى: وبعولتهن أحق بردهن خاص في الرجعيات .

قوله تعالى: (إن أرادوا إصلاحا) قيل: إن الرجل كان إذا أراد الإضرار بامرأته ، طلقها واحدة وتركها ، فإذا قارب انقضاء عدتها راجعها ، ثم تركها مدة ، ثم طلقها ، فنهوا عن ذلك . وظاهر الآية يقتضي أنه إنما يملك الرجعة على غير وجه المضارة بتطويل العدة عليها ، غير أنه قد دل قوله تعالى: ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا على صحة الرجعة وإن قصد الضرار ، لأن الرجعة لو لم تكن صحيحة إذا وقعت على وجه الضرار; لما كان ظالما بفعلها .

قوله تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وهو: المعاشرة الحسنة ، والصحبة الجميلة . روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن حق المرأة على الزوج ، فقال: "أن يطعمها إذا طعم ، ويكسوها إذا اكتسى ، ولا يضرب الوجه ، ولا يقبح ، ولا يهجر إلا في البيت" وقال ابن عباس: إني أحب أن أتزين للمرأة ، كما أحب أن تتزين لي ، لهذه الآية .

قوله تعالى: وللرجال عليهن درجة قال ابن عباس: بما ساق إليها من المهر ، وأنفق عليها من المال . وقال مجاهد: بالجهاد والميراث . وقال أبو مالك: يطلقها ، وليس لها من الأمر شيء . وقال الزجاج: تنال منه من اللذة كما ينال منها ، وله الفضل بنفقته . وروى أبو هريرة [ ص: 262 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" . وقالت ابنة سعيد بن المسيب: ما كنا نكلم أزواجنا إلا كما تكلمون أمراءكم .

فصل

اختلف العلماء في هذه الآية: هل تدخل في الآيات المنسوخات أم لا؟ على قولين . أحدهما: أنها تدخل في ذلك . واختلف هؤلاء في المنسوخ منها ، فقال قوم: المنسوخ منها قوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وقالوا: فكان يجب على كل مطلقة أن تعتد بثلاثة قروء ، فنسخ حكم الحامل بقوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن [ الطلاق: 4 ] . وحكم المطلقة قبل الدخول بقوله تعالى: إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها [ الطلاق: 1 ] . وهذا مروي عن ابن عباس ، والضحاك في آخرين . وقال قوم: أولها محكم ، والمنسوخ قوله تعالى: وبعولتهن أحق بردهن قالوا: كان الرجل إذا طلق امرأته كان أحق برجعتها ، سواء كان الطلاق ثلاثا ، أو دون ذلك ، فنسخ بقوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره والقول الثاني: أن الآية كلها محكمة ، فأولها عام . والآيات الواردة في العدد ، خصت ذلك من العموم ، وليس بنسخ . وأما ما قيل في الارتجاع ، فقد ذكرنا أن معنى قوله تعالى: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ، أي: في العدة قبل انقضاء القروء الثلاثة ، وهذا القول هو الصحيح .
الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون [ ص: 263 ] قوله تعالى: الطلاق مرتان سبب نزولها ، أن الرجل كان يطلق امرأته ، ثم يراجعها ليس لذلك شيء ينتهي إليه ، فقال رجل من الأنصار لامرأته: والله لا أؤويك إلي أبدا ولا أدعك تحلين مني . فقالت كيف ذلك؟ قال أطلقك ، فإذا دنا أجلك ، راجعتك ، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ذلك ، فنزلت هذه الآية ، فاستقبلها الناس [جديدا ] من كان طلق ، ومن لم يكن طلق . رواه هشام بن عروة عن أبيه .

فأما التفسير ففي قوله تعالى: الطلاق مرتان قولان . أحدهما: أنه بيان لسنة الطلاق ، وأن يوقع في كل قرء طلقة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد . والثاني: أنه بيان للطلاق الذي يملك معه الرجعة ، قاله عروة ، وقتادة ، وابن قتيبة ، والزجاج في آخرين .

قوله تعالى: فإمساك بمعروف معناه: فالواجب عليكم إمساك بمعروف ، وهو ما يعرف من إقامة الحق في إمساك المرأة . وقال عطاء ، ومجاهد ، والضحاك ، والسدي: المراد بقوله تعالى: (فإمساك بمعروف): الرجعة بعد الثانية . وفي قوله تعالى: أو تسريح بإحسان قولان . أحدهما: أن المراد به الطلقة الثالثة ، قاله عطاء ، ومجاهد ، ومقاتل . والثاني: أنه الإمساك عن رجعتها حتى تنقضي عدتها ، قاله الضحاك ، والسدي . قال القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء: وهذا هو الصحيح ، أنه قال عقيب الآية: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره والمراد بهذه الطلقة: الثالثة بلا شك ، فيجب إذن أن يحمل قوله تعالى: (أو تسريح بإحسان) على تركها حتى تنقضي عدتها ، لأنه إن حمل على الثالثة ، وجب أن يحمل قوله تعالى: (فإن طلقها) على رابعة ، وهذا لا يجوز .

[ ص: 264 ] فصل

الطلاق على أربعة أضرب:

واجب ، ومندوب إليه ، ومحظور ، ومكروه . فالواجب: طلاق المؤلي بعد التربص ، إذا لم يفئ ، وطلاق الحكمين في شقاق الزوجين ، إذا رأيا الفرقة . والمندوب: إذا لم يتفقا ، واشتد الشقاق بينهما ، ليتخلصا من الإثم . والمحظور: في الحيض ، إذا كانت مدخولا بها ، وفي طهر جامعها فيه قبل أن تطهر . والمكروه: إذا كانت حالهما مستقيمة ، وكل واحد منهما قيم بحق صاحبه .

قوله تعالى: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا نزلت في ثابت بن قيس بن شماس ، أتت زوجته إلى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فقالت: والله ما أعيب على ثابت في دين ولا خلق ، ولكني [أكره الكفر في الإسلام ] لا أطيقه بغضا . فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أتردين عليه حديقته؟" قالت: نعم . فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يأخذها ، ولا يزداد . رواه عكرمة عن ابن عباس واختلفوا في اسم زوجته ، فقال ابن عباس: جميلة . ونسبها يحيى ابن أبي كثير ، فقال: جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول ، وكناها مقاتل ، فقال: أم حبيبة بنت عبد الله بن أبي . وقال آخرون . إنما هي جميلة أخت عبد الله بن أبي . وروى يحيى بن سعيد عن عمرة روايتين . إحداهما: أنها حبيبة بنت سهل . والثانية: سهلة بنت حبيب .

[ ص: 265 ] وهذا الخلع أول خلع كان في الإسلام . والخوف في الآية بمعنى: العلم: قال أبو عبيد: معنى قوله: (ألا يخافا) : يوقنا . والحدود قد سبق بيان معناها .

ومعنى الآية: أن المرأة إذا خافت أن تعصي الله في أمر زوجها لبغضها إياه ، وخاف الزوج أن يعتدي عليها لامتناعها عن طاعته; جاز له أن يأخذ منها الفدية ، إذا طلبت ذلك . هذا على قراءة الجمهور في فتح "ياء" (يخافا) وقرأ الحسن ، ومجاهد ، وأبو جعفر ، وحمزة ، والأعمش: (يخافا) بضم الياء .

قوله تعالى: (فإن خفتم) قال قتادة: هو خطاب للولاة فلا جناح عليهما على المرأة (فيما افتدت به) وعلى الزوج فيما أخذ ، لأنه ثمن حقه . وقال الفراء: يجوز أن يراد الزوج وحده ، وإن كانا قد ذكرا جميعا ، كقوله تعالى: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان [ الرحمن: 22 ] . وإنما يخرج من أحدهما . وقوله: نسيا حوتهما [ الكهف: 61 ] وإنما نسي أحدهما .

فصل

وهل يجوز له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها؟ فيه قولان . أحدهما: يجوز ، وبه قال عمر بن الخطاب ، وعثمان ، وعلي ، وابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، والنخعي ، والضحاك ، ومالك ، والشافعي . والثاني: لا يجوز ، وبه قال سعيد بن المسيب ، وعطاء ، والشعبي ، وطاووس ، وابن جبير ، والزهري ، وأحمد بن حنبل ، وقد نقل عن علي ، والحسن أيضا . وهل يجوز الخلع دون السلطان؟ قال عمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن عمر ، وطاووس ، وشريح ، والزهري: يجوز ، وهو قول جمهور العلماء . وقال الحسن ، وابن سيرين ، وقتادة: لا يجوز إلا عند السلطان .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12-01-2022, 12:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 168,794
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
الحلقة (49)

صــ266 إلى صــ 270

فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون .

قوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ذكر مقاتل أن هذه الآية نزلت في تميمة بنت وهب بن عتيك النضيري ، وفي زوجها رفاعة بن عبد الرحمن القرظي . وقال غير مقاتل: إنها عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك ، كانت تحت رفاعة بن وهب بن عتيك وهو ابن عمها ، فطلقها ثلاثا ، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير ، ثم طلقها ، فأتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت: إني كنت عند رفاعة ، فطلقني ، فأبت طلاقي ، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير ، وإنه طلقني قبل أن يمسني ، أفأرجع إلى ابن عمي؟ فتبسم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وقال: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" .

قوله تعالى: (فإن طلقها) يعني: الزوج المطلق مرتين . قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة: هي الطلقة الثالثة . واعلم أن الله تعالى عاد بهذه الآية بعد الكلام في حكم الخلع إلى تمام الكلام في الطلاق .

قوله تعالى: (فإن طلقها) يعني: الثاني (فلا جناح عليهما) يعني: المرأة ، والزوج الأول إن ظنا أن يقيما حدود الله قال طاووس: ما فرض الله على كل واحد منهما من حسن العشرة والصحبة .

قوله تعالى: وتلك حدود الله يبينها قراءة الجمهور (يبينها) بالياء . وقرأ الحسن ، ومجاهد ، والمفضل عن عاصم بالنون (لقوم يعلمون) قال الزجاج: يعلمون أن أمر الله حق .
[ ص: 267 ] وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم .

قوله تعالى: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن قال ابن عباس: كان الرجل يطلق امرأته ، ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها ، ثم يطلقها [يفعل ذلك ] ، يضارها [ويعضلها ] بذلك ، فنزلت هذه الآية . والأجل هاهنا: زمان العدة . ومعنى البلوغ هاهنا: مقاربة الأجل دون حقيقة الانتهاء إليه ، يقال: بلغت المدينة: إذا قاربتها ، وبلغتها: إذا دخلها . وإنما حمل العلماء هذا البلوغ على المقاربة ، لأنه ليس بعد انقضاء العدة رجعة .

قوله تعالى: فأمسكوهن بمعروف قال ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة: المراد به الرجعة قبل انقضاء العدة .

قوله تعالى: أو سرحوهن بمعروف وهو تركها حتى تنقضي عدتها . والمعروف في الإمساك: القيام بما يجب لها من حق . والمعروف في التسريح: أن لا يقصد إضرارها ، بأن يطيل عدتها بالمراجعة ، وهو معنى قوله: ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا قاله الحسن ، ومجاهد ، وقتادة في آخرين . وقال الضحاك: إنما كنوا يضارون المرأة لتفتدي (ومن يفعل ذلك) الاعتداء ، (فقد ظلم نفسه) بارتكاب الإثم .

قوله تعالى: ولا تتخذوا آيات الله هزوا فيه قولان . أحدهما: أنه الرجل يطلق ، أو يراجع ، أو يعتق ، ويقول: كنت لاعبا . روي عن عمر ، وأبي الدرداء ، والحسن . والثاني: أنه المضار بزوجته في تطويل عدتها بالمراجعة والطلاق . قاله مسروق ، ومقاتل .
[ ص: 268 ] واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به قال ابن عباس: احفظوا منته عليكم بالإسلام . قال ، والكتاب: القرآن . والحكمة: الفقه . (واتقوا الله) في الضرار (واعلموا أن الله بكل شيء) به وبغيره (عليم) .
وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون .

قوله تعالى: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن في سبب نزولها قولان . أحدهما: ما روى الحسن أن معقل بن يسار زوج أخته من رجل من المسلمين ، فكانت عنده ما كانت ، فطلقها تطليقة [ثم تركها ] ومضت العدة ، فكانت أحق بنفسها ، فخطبها مع الخطاب ، فرضيت أن ترجع إليه ، فخطبها إلى معقل ، فغضب معقل ، وقال: أكرمتك بها ، فطلقتها؟! لا والله! لا ترجع إليك آخر ما عليك . قال الحسن: فعلم الله ، عز وجل ، حاجة الرجل إلى امرأته ، وحاجة المرأة إلى بعلها ، فنزلت هذه الآية ، فسمعها معقل ، فقال: سمعا لربي ، وطاعة ، فدعا زوجها ، فقال: أزوجك ، وأكرمك . ذكر عبد الغني الحافظ عن الكلبي أنه سمى هذه المرأة ، فقال: جميلة بنت يسار . والثاني: أن جابر بن عبد الله الأنصاري كانت له ابنة عم ، فطلقها زوجها تطليقة ، فانقضت عدتها ، ثم رجع يريد رجعتها ، فأبى جابر ، وقال: طلقت ابنة عمنا ، ثم تريد أن تنكحها الثانية؟! وكانت المرأة تريد زوجها ، قد راضته ، فنزلت هذه الآية ، قال السدي: [ ص: 269 ] فأما بلوغ الأجل في هذه الآية ، فهو انقضاء العدة ، بخلاف التي قبلها . قال الشافعي رضي الله عنه: دل اختلاف الكلامين على افتراق البلوغين .

قوله تعالى: (فلا تعضلوهن) خطاب للأولياء . قال ابن عباس ، وابن جبير ، وابن قتيبة في آخرين: معناه: لا تحبسوهن . والعرب تقول للشدائد: معضلات . وداء عضال: قد أعيا . قال أوس بن حجر:


وليس أخوك الدائم العهد بالذي يذمك إن ولى ويرضيك مقبلا

ولكنه النائي إذا كنت آمنا
وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا


وقالت ليلى الأخيلية:


إذا نزل الحجاج أرضا مريضة تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاها


قال الزجاج: وأصل العضل ، من قولهم: عضلت الدجاجة ، فهي معضل: إذا احتبس بيضها ونشب فلم يخرج ، وعضلت الناقة أيضا: إذا احتبس ولدها في بطنها .

قوله تعالى: إذا تراضوا بينهم بالمعروف قال السدي ، وابن قتيبة: معناه: إذا تراضى الزوجان بالنكاح الصحيح . قال الشافعي: وهذه الآية أبين آية في أنه ليس للمرأة أن تتزوج إلا بولي .

قوله تعالى: ذلك يوعظ به قال مقاتل: الإشارة إلى نهي الولي عن المنع . قال الزجاج: إنما قال: "ذلك" ولم يقل: "ذلكم" وهو يخاطب جماعة ، لأن لفظ الجماعة لفظ الواحد ، والمعنى ذلك أيها القبيل .

[ ص: 270 ] قوله تعالى: ذلكم أزكى لكم يعني رد النساء إلى أزواجهن ، أفضل من التفرقة بينهم (وأطهر) أي: أنقى لقلوبكم من الريبة لئلا يكون هناك نوع محبة ، فيجتمعان على غير وجه صلاح .

قوله تعالى: والله يعلم وأنتم لا تعلمون فيه قولان . أحدهما: أن معناه: يعلم ود كل واحد منهما لصحابه ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، والثاني: يعلم مصالحكم عاجلا وآجلا ، قاله الزجاج في آخرين .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 279.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 273.44 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (2.11%)]