قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم - الصفحة 5 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تحميل لعبة ببجي موبايل 2025 مجانًا بسهولة تامة (اخر مشاركة : رامي محمود - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 682 - عددالزوار : 140859 )           »          حياة القلوب - قلوب الصائمين انموذجا**** يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 29 - عددالزوار : 49 )           »          حقوق العمالة وواجباتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          طهر قلبك من الحسد! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          البرنامج التأصيلي العلمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          درر وفوائـد من كــلام السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 10197 )           »          من يحمي المجتمع من عدوى الإعلانات؟!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          مُثُــــل علـيـا في السلـوك الإداري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          مساجد غزة الأثرية.. معالم حضارية تقاوم محاولات طمس هويتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #41  
قديم 07-10-2012, 07:16 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: مع القرآن الكريم , وفي ذلك فليتنافس المتنافسون

بسم الله
الدرس الرابع ...
__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
رد مع اقتباس
  #42  
قديم 07-10-2012, 07:18 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: مع القرآن الكريم , وفي ذلك فليتنافس المتنافسون

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:


قال تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى---الآية)
فالمسطور يبدئ ويعيد، في ثوب جديد، ويسفر بادي الحُسن وحروفه زكية، ، نقف فيه مع قاعدة من القواعد القرآنية العظيمة، التي تؤسس مبدأً شريف القدر، سامي الذرى، إنه مبدأ العدل، وهذه قاعدة طالما استشهد بها العلماء والحكماء والأدباء؛ لعظيم أثرها في باب العدل والإنصاف، تلكم هي ما دل عليها قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الزمر: 7](1).


والمعنى: أن المكلفين إنما يجازون بأعمالهم إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، وأنه لا يحمل أحدٌ خطيئةَ أحد ولا جريرتَه، ما لم يكن له يدٌ فيها، وهذا من كمال عدل الله تبارك وتعالى وحكمته.
ولعل الحكمة من التعبير عن الإثم بالوزر؛ لأن الوزر هو الحمل ـ وهو ما يحمله المرء على ظهره ـ فعبر عن الإثم بالوزر لأنه يُتَخّيَلُ ثقيلاً على نفس المؤمن(2).


وهذه القاعدة القرآنية تكرر تقريرها في كتاب الله تعالى خمس مرات، وهذا ـ بلا شك ـ له دلالته ومغزاه.
وإن هذا المعنى الذي دلت عليه القاعدة ليس من خصائص هذه الأمة المحمدية، بل هو عام في جميع الشرائع، تأمل قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (*) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (*) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (*) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (*) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (*) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (*) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (*) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (*) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم: 33 - 41].


وهذا المعنى الذي قررته القاعدة لا يعارض ما دلّ عليه قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13]، وقولُه: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: 25]؛لأن هذه النصوص تدل على أن الإنسان يتحمل إثم ما ارتكب من ذنوب، وإثم الذين أضلهم بقوله وفعله، كما أن الدعاة إلى الهدى يثيبهم الله على عملهم وعمل من اهتدى بهديهم، واستفاد من علمهم.


ولهذا لما اجتهد جماعة من صناديد الكفر في إبقاء بعض الناس على ما هم عليه من الكفر، أو حث من كان مؤمناً لينتقل من الإيمان إلى الكفر، أغروهم بخلاف هذه القاعدة تماماً، فقالوا ـ كما حكى الله عنهم ـ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [العنكبوت: 12، 13].


وإنك أخي المتوسم إذا تأملت في كلام العلماء في كتب التفسير والحديث والعقائد، والفقه، وغيرها رأيت عجباً من كثرة الاستدلال بهذه القاعدة في مواطن كثيرة:
فكم من رأي نقضه فقيه بهذه الآية، بل كم مسألة عقدية صار الصواب فيها مع المستدل بهذه الآية، والمقام ليس مقام عرض لهذه المسائل، بل المقصود التنبيه على عظيم موقعها.
وإذا أردنا أن نبحث عن أمثلة تطبيقية لهذه القاعدة في كتاب الله، فإن من أشهر الأمثلة وأظهرها تطبيق نبي الله يوسف صلى الله عليه وسلم لها، وذلك أنه حينما احتال على أخذ أخيه بنيامين، بوضع السقاية في رحل أخيه ـ في القصة المعروفة ـ جاء إخوته يقولون: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 78]} فأجابهم يوسف قائلاً: {مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ[يوسف: 79]}.


قارن هذا ـ بارك الله فيك ـ بقول فرعون حينما قال له كَهَنته: إنه سيولد من بني إسرائيل غلامٌ ستكون نهاية ملكك على يده! لقد أصدر مرسومه الظالم الآثم بقتل جميع من يولد من بني إسرائيل ـ وهم آلاف وربما أضعاف ذلك بعشرات ـ من أجل طفلٍ واحد فقط!! ولكن الذي كان يقول للناس: أنا ربكم الأعلى لا يستغرب منه هذا الأمر الخُسْر!
وفي الواقع ثمة أناس ساروا على هدي يوسف؛،فتراهم لا يؤاخذون إلا من أخطأ أو تسبب في الخطأ، ولا يوسعون دائرة اللوم على من ليس له صلة بالخطأ، بحجة القرابة أو الصداقة أو الزمالة ما لم يتبين خلاف ذلك!
وفي المقابل فمن الناس من يأخذ المحسنين أو البرءاء بذنب المسيئين.


وإليك هذه الصورة التي قد تكرر كثيراً في واقع بيوتنا:
يعود الرجل من عمله متعباً، فيدخل البيت فيجد ما لا يعجبه من بعض أطفاله: إما من إتلاف تحفة، أو تحطيم زجاجة، أو يرى ما لا يعجبه من قِبَلِ زوجته: كتأخرها في إعداد الطعام، أو زيادة ملوحة أو نقصها، أو غير ذلك من الأمور التي قد تستثير بعض الناس، فإذا افترضنا أن هذه المواقف مما تستثير الغضب، أو أن هناك خطأً يستحق التنبيه، أو التوبيخ، فما ذنب بقية الأولاد الذين لم يشاركوا في كسر تلك التحفة ـ مثلاً ـ؟! وما ذنب الأولاد أن يَصُبَّ عليهم جام غضبه إذا قصرت الزوجة في شيء من أمر الطعام؟! وما ذنب الزوجة ـ مثلاً ـ حينما يكون المخطئ هم الأولاد؟! ومثله يقال في علاقة المعلم والمعلمة مع طلابهم، أو المسؤول في عمله، بحيث لا ينقلوا مشاكلهم إلى أماكن عملهم، فيكون من تحت أيديهم من الطلاب والطالبات أو الموظفين ضحية لمشاكل ليس لهم فيها ناقة ولا جمل!!
هنا يستحضر المؤمن أموراً، من أهمها: أن يتذكر هذه القاعدة القرآنية العظيمة: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فإن هذا خيرٌ مآلاً وأحسن تأويلاً، وأقرب إلى العدل والقسط الذي قامت عليه السماوات والأرض.
وثمة فهمٌ خاطئ لهذه القاعدة القرآنية، وهو أن بعضا الناس يظن أن هذه القاعدة مخالفة لما يراه من العقوبات الإلهية التي تعم مجتمعاً من المجتمعات، أو بلداً من البلاد، حينما تفشو المنكرات والفواحش والمعاصي، وسَبَبُ خطأ هذا الفهم، أن المنكر إذا استعلن به الناس، ولم يوجد من ينكره، فإن هذا ذنب عظيمٌ اشترك فيه كلُّ من كان قادراً على الإنكار ولم ينكر، سواءٌ كان الإنكار باليد أو باللسان أو بالقلب وذلك أضعف الإيمان، ولا عذر لأحد بترك إنكار القلب، فإذا خلا المجتمع من هذه الأصناف الثلاثة ـ عياذاً بالله ـ مع قدرة أهلها عليها استحقوا العقوبة، وإن وجد فيهم بعض الصالحين.

تأمل معي قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25]!

يقول العلامة السعدي(3): في تفسير هذه الآية: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} بل تصيب فاعل الظلم وغيره،وذلك إذا ظهر الظلم فلم يغير، فإن عقوبته تعم الفاعل وغيره،وتقوى هذه الفتنة بالنهي عن المنكر، وقمع أهل الشر والفساد، وأن لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن.




ويوضح معنى هذه الآية الكريمة ما رواه الإمام أحمد: بسند حسن ـ كما يقول الحافظ ابن حجر(4) ـ من حديث عدي بن عميرة ا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: "إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ـ وهم قادرون على أن ينكروه ـ فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة"(5).

وروى الإمام أحمد: في مسنده (6) بسند جيد عن أبي بكر الصديق ا أنه خطب فقال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير ما وضعها الله {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر بينهم فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه".

وفي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث..

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وفيرة، يضيق المقام بذكرها وعرضها، والمقصود إزالة هذا الإشكال الذي قد يعرض لبعض القارئين في فهم هذه القاعدة القرآنية، والله سبحانه وتعالى أعلم.


قال المؤمل المحاربي:

قَد بَيَّنَ الله في الكتاب *** فلا وازِرَةٌ غَيرَ وِزرِها تزرُ

كتبه


د.عمر بن عبد الله المقبل

______________

(1) وقد نص على كونها قاعدة الإمام المجدد في تفسيره: (57).

(2) ينظر: التحرير والتنوير لابن عاشور 5/293.

(3) تفسير السعدي (318).

(4) فتح الباري لابن حجر (13/4).

(5) المسند 29/258 رقم (17720).

(6)المسند 1/178



__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء

التعديل الأخير تم بواسطة أبو الشيماء ; 16-10-2012 الساعة 11:05 PM.
رد مع اقتباس
  #43  
قديم 20-10-2012, 05:57 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

بسم الله
الدرس الخامس بتوفيق الله
__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
رد مع اقتباس
  #44  
قديم 20-10-2012, 05:57 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا لقاء يتجدد مع قاعدة قرآنية محكمة، ذات البعد الإيماني والتربوي، وله صلة شديدة بواقعنا اليومي، إنها القاعدة التي دلّ عليها قول ربنا جل جلاله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].

وهذه القاعدة القرآنية المحكمة تكررت بلفظ قريب في عدد من المواضع، كما تكرر معناها في مواضع أخرى.

فمن نظائرها اللفظية المقاربة قول الله عز وجل: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165]، وقال سبحانه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79]، ويقول عز وجل: { وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ...} [القصص: 47].

وأما الآيات التي وردت في تقرير هذا المعنى فكثيرة جدا، ومن ذلك قوله سبحانه: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59]، وكقوله عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41]، وقال جل وعلا: {وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [آل عمران: 181، 182] في ثلاث مواضع من كتاب الله عز وجل.

ويقول سبحانه: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36]، يقول شيخ الإسلام ابن تيميه: ملخصاً ما دلت عليه هذه الآيات الكريمة بتلخيص العالم المتتبع المستقرئ لنصوص القرآن الكريم، يقول رحمه الله: "والقرآن يبين في غير موضع: أن الله لم يهلك أحداً ولم يعذبه إلا بذنب"(1).

أيها الإخوة الكرام:
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآيات الكريمة دلت عليه أيضا نصوص من الوحي الآخر، ألا وهو السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبى ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث القدسي العظيم ـ الذي يرويه عن ربه تعالى قال الله عز وجل: "إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلوم إلا نفسه"(2).

وفى صحيح البخاري من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيد الاستغفار أن تقول اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت... الحديث"(3).

وفى الصحيحين لما سأل أبو بكر - رضي الله عنه - النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته، قال له عليه الصلاة والسلام: "قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم"(4).

فتأمل ـ أيها المؤمن ـ في هذه الأحاديث جيداً! فَمَنْ هو السائل؟ ومَنْ هو المجيب؟ أما السائل فهو أبو بكر الصديق الأكبر الذي شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في مواضع متعددة، وأما المجيب فهو الرسول الناصح المشفق صلوات الله وسلامه عليه! ومع هذا يطلب منه عليه الصلاة والسلام أن يعترف بذنوبه، وظلمه الكبير والكثير، ويسأل ربه مغفرة ذلك والعفو عنه، والسؤال هنا ـ أيها الأخوة القراء ـ مَنْ الناس بعد أبي بكر رضي الله عنه؟


أيها القراء الفضلاء:
إذا تقررت هذه الحقيقة الشرعية ـ وهي أن الذنوب سببٌ للعقوبات العامة والخاصة ـ فحري بالعاقل أن يبدأ بنفسه، فيفتش عن مناطق الزلل فيه، وأن يسأل ربه أن يهديه لمعرفة ذلك، فإن من الناس من يستمرئ الذنب تلو الذنب، والمعصية تلو المعصية، ولا ينتبه لذلك! بل قد لا يبالى! ولربما استحسن ذلك ـ عياذاً بالله ـ فتتابع العقوبات عليه وهو لا يشعر، فتكون مصيبته حين إذن مضاعفه!


يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ـ وهو يتحدث عن الأمور التي تورث العبد الصبر وتعينه عليه ليبلغ مرتبة الإمامة في الدين ـ قال رحمه الله: "أن يشهد ذنوبه، وأن الله إنما سلط الناس عليه بسبب ذنبه، كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}، فإذا شهد العبد أن جميع ما يناله من المكروه فسببه ذنوبه، اشتعل بالتوبة والاستغفار من الذنوب التي سلطهم عليه بسببها عن ذنبهم ولومهم، والوقيعة فيه، وإذا رأيت العبد يقع في الناس إذا آذوه ولا يرجع إلى نفسه باللوم والاستغفار، فاعلم أن مصيبته مصيبة حققية، وإذا تاب واستغفر، وقال: هذا بذنوبي، صارت في حقه نعمة، قال علي رضي الله عنه كلمة من جواهر الكلام: "لا يرجونّ عبدٌ إلا ربه ولا يخافن عبد إلا ذنبه"، وروي عنه وعن غيره: "ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة" (5) انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله.

ويقول تلميذه ابن القيم رحمة الله عليه ـ وهو يوضح شيئاً من دلالات هذه القاعدة القرآنية المحكمة {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} قال رحمه الله:
وهل فى الدنيا والآخرة شرور وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي؟!
فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم، والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟


وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء؟ وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه؟ فجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبُدِّلَ بالقرب بعداً، وبالرحمة لعنةً، وبالجمال قبحاً، وبالجنة ناراً تلظى، وبالايمان كفراً، وبموالات الولي الحميد أعظم عداوة ومشاقة، وبزجل التسبيح والتقديس والتهليل زجلَ الكفر والشرك والكذب والزور والفحش، وبلباس الايمان لباس الكفر والفسوق والعصيان؟ فهان على الله غاية الهوان، وسقط من عينه غاية السقوط، وحلّ عليه غضب الرب تعالى، فأهواه ومقته أكبر المقت!

وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم؟ حتى علا الماء فوق رأس الجبال، وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الارض، كأنهم أعجاز نخل خاوية؟ ودمرت ما مرَّ عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم؟ حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟

وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة، حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟
وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها؟ فأهلكم جميعاً ثم أتبعهم حجارة من سجيل السماء، أمطرها عليهم فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه علي أمة غيرهم، ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد.


وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل؟ فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى؟
وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم، فالأجساد للغرق والأرواح للحرق؟
وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟


وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات، ودمرها تدميراً؟... إلى أن قال رحمه الله:
قال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم، ثنا صفوان بن عمر، حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه قال: لما فتحت قبرص، فُرِّقَ بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي! فقلت: يا أبا الدرداء! ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير! ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره؟! بينما هي أمة قاهرة ظاهرة، لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى!انتهى كلام بن القيم:.
والذي استطرد كثيرا في بيان آثار الذنوب والمعاصي السيئة على الفرد والمجتمع في كتابه النافع الجواب الكافي وذكر كلاما نفيسا يحسن الرجوع إليه والاستفادة منه.


إخوة الإيمان:
وليُعْلَم أنه ينبغي أن ندرك أن العقوبات حينما تذكر، فلا يصح حصرها في العقوبات الحسية أو العقوبات الجماعية ـ التي أشار ابن القيم إلى شيء منها ـ كالهدم والغرق والصيحة، أو السجن والعذاب الحسي، ونحو ذلك، فهذه لا شك أنها أنواع من العقوبات، ولكن ثمة أنواع من العقوبات قد تكون أشد وأعظم، وهى تلك العقوبات التي تتسلط على القلب، فيضرب بالغفلة وقسوته، حتى إن جبال الدنيا لو تناطحت أمامه ما اعتبر ولا اتعظ ـ عياذاً بالله ـ بل يظن المسكين، أو تظن أمة من الأمم ـ وهى ترى النعم تتابع وتزداد مع استمرارها في البعد عن شرع الله ـ تظن أن ذلك علامةً على رضى الله عز وجل عنها، وهذه لعمر الله من أعظم العقوبات التي يبتلى بها العبد وتبتلى بها أمة من الأمم.

استمع جيدا إلى قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} فما الذي حصل؟ هل تابوا أم رجعوا؟ اقرأ تتمة الآية: {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام: 42 - 44] فنعوذ بالله أن نكون من أهل هذه الآية، ونسأله بمنه وكرمه أن يتوب علينا وأن يبصرنا بمواطن الزلل منا، وأن لا يضربنا بقسوة القلب، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا إن ربي سميع مجيب الدعاء، وإلى لقاء قادم بإذن الله تعالى والحمد لله رب العالمين.

_________________
(1) مجموع الفتاوى (14/424).
(2) صحيح مسلم (2577).
(3) صحيح البخاري (6306).
(4) صحيح البخاري (834)، صحيح مسلم (2705).
(5) قاعدة في الصبر: (1/169) طبعت ضمن مجموع رسائله (ط.عالم الفوائد).




__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
رد مع اقتباس
  #45  
قديم 23-10-2012, 06:35 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم
درسنا السادس ان شاء الله
__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
رد مع اقتباس
  #46  
قديم 23-10-2012, 06:43 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

الحمد لله وحده والصلاة و السلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه


هذه حلقة جديدة من برنامج : ( قواعد قرآنية ) ، نقف فيه مع قاعدة من قواعد التعامل مع الغير ، ومن القواعد التي تُعالج شيئاً من الأخلاق الرذيلة عند بعض الناس ، تلكم القاعدة هي قوله تعالى : {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى } .. طه : 61

وهذه الآية الكريمة جاءت في سياق قصة موسى عليه السلام مع فرعون وسحرته الذين هداهم الله ، يقول سبحانه وتعالى عن فرعون :
{قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} ،،، طه : 56 - 62.والافتراء يُطلق على معانٍ منها : الكذب ، والشرك ، والظلم ، وقد جاء القرآن بهذه المعاني الثلاث ، وكلها ترجع إلى مقصود واحد ؛ أو غاية واحدة و هي الفساد والإفساد ... مفردات الراغب : 634قال ابن القيم ( رحمه الله ) مُؤكداً اضطراد هذه القاعدة : ( وقد ضمن سبحانه أنه لا بد أن يُخيب أهل الافتراء ولا يهديهم وأنه يُسحتهم بعذاب : أي يستأصلهم) ..الصواعق المرسلة - (4 / 1212) ..


وإنك ـ أخي المُتدبر ـ إذا تأملت هذه القاعدة وجدت في الواقع ـ وللأسف ـ من له منها نصيب ؛ ومن ذلك
1 ـ الكذب والافتراء على الله عز وجل ، و هو أعظم أنواع الإفتراء ؛ إما بالقول عليه سبحانه بغير علم بأي صورة من الصور ، استمع لقول ربنا تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ } .. الأنعام: 93.
وقد دلّ القرآن على أن القول على الله بغير علم هو أعظم المُحرمات على الإطلاق ! قال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} ،،، [الأعراف: 33] ، وأنت إذا تأملت في هذا الأمر ( أعني القول على الله عز وجل بغير علم ) وجدت أن المُشرك إنما أشرك لأنه قال على الله بغير علم ! ومثله الذي يُحلل الحرام أو يُحرم الحلال ، كما حكاه الله تعالى عن بعض أحبار بني إسرائيل . وكذا الذين يُفتون بغير علم ، هم من جملة المُفترين على الله سبحانه وتعالى ، قال تعالى : { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} .. النحل : 116

واعلم وفقك الله أن كلُّ من تكلم في الشرع بغير علم فهو من المُفترين على الله عز و جل : سواء في باب الأسماء والصفات ، أو في أبواب الحلال والحرام ، أو في غيرها من أبواب الدين . ولأجل هذا كان كثير من السلف ( رحمهم الله ) يتورع أن يجزم فيما يُفتي به أنه هو حكم الله إذا كانت المسألة لا نص فيها قاطع ، ولا إجماع معصوم ، قال بعض السلف : "ليتق أحدكم أن يقول : أحل الله كذا ؛ وحرم كذا فيقول الله له كذبت لم أحل كذا ؛ ولم أحرم كذا" .. إعلام المُوقعين عن رب العالمين - (1 / 39) .
"ولهذا لما كتب الكاتب بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه حُكماً حكم به ، فقال : هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر ! فقال : لا تقل هكذا ، ولكن قل : هذا ما رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب . وقال ابن وهب ( رحمه الله ) : سمعت مالكاً ( رحمه الله ) : يقول : "لم يكن من أمر الناس ، ولا من مضى من سلفنا ، ولا أدركت أحداً أقتدي به يقول في شيء : هذا حلال وهذا حرام ، وما كانوا يجترئون على ذلك ، وإنما كانوا يقولون : نكره كذا ، ونرى هذا حسنا ؛ فينبغي هذا ولا نرى هذا" .. إعلام المُوقعين عن رب العالمين - (1 / 39) .
فعلى من لم يكن
عنده علم فيما يتكلم به أن يتقي الله عز و جل و أن يُمسك لسانه ، وعلى من اُبتلي فتصدر الإفتاء الناس أن يتمثل هدي السلف في هذا الباب ، فإنه و الله خيرُ وأحسن تأويلاً .


2 ـ ومن صور تطبيقات هذه القاعدة القرآنية : {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى } .. ما يفعله بعض الوضاعين للحديث ـ في قديم الزمان وحديثه ـ الذين يكذبون على النبي صلى الله عليه وسلم ويفترون عليه : إما لغرض ـ هو بزعمهم ـ حسنٌ كالترغيب والترهيب ، أو لأغراض سياسية ، أو مذهبية ، أو تجارية ، كما وقع ذلك وللأسف منذ أزمنة متطاولة إلى يومنا هذا ..
وليعلم كل من يضع الحديث على النبي صلى الله عليه وسلم أنه من جملة المُفترين ، فلن يُفلح سعيه ، بل هو خاسر وخائب كما قال ربنا : {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} ، ولا ينفعه ما يظنه قصداً حسناً ـ كما زعم بعض الوضاعين ـ فإن مقام الشريعة عظيم ؛ ، وجنابها مُصان ومُحترم ، ولقد أكمل الله الدين ، وأتم النعمة ، فليس هو بحاجة لحديث موضوع ومُختلق ، وأي شريعةٌ تلك التي تُبنى على الكذب ، وعلى منْ ؟ على رسولها صلى الله عليه وسلم ؟ ومن المُؤسف أن يُرى لسوق الأحاديث الضعيفة والمكذوبة رواجاً في هذا العصر بواسطة الإنِّترنت ، أو رسائل الجوال ؛ فليتق العبدُ ربَّه ، ولا ينشرن شيئاً ينُسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتثبت من صحته عنه .

3 ـ ومن صور تطبيقات هذه القاعدة القرآنية الكريمة المُشاهدة في الواقع :
ما يقع ـ وللأسف الشديد ـ من ظلم وبغي بين بعض الناس على إخوانهم المسلمين ، وهذا له أسبابه الكثيرة ، لعل من أبرزها : الحسد ـ عياذاً بالله منه ـ والطمع في شيء من لعاعة الدنيا ، أو لغير ذلك من الأسباب ، ويَعْظُمُ الخطب حينما يُلبِّسُ بعضُ الناس صنيعه هذا من البغي لبوسَ الدين ؛ ليبرر بذلك فعلته في الوشاية بفلان ، أو التحذير من فلان ؛ أو الاعتداء على فلان بغياً وعدواناً .
ولقد وقفتُ على كثير من القصص في هذا الباب ، منها القديم ومنها المُعاصر ، اعترف أصحابها بها ، وهي قصص تُقطع الكبد ألماً ، بسبب ما ذاقوه من عاقبة افترائهم وظلمهم لغيرهم ،.و أكتفي من ذلك بهذين الموقفين ؛ لعل في ذكرهما عظةٌ وعبرة
1 ـ تحدثتْ إحداهن ـ وهي أستاذة جامعية ومُطلقة مرتين ـ فقالت : حدثت قصتي مع الظلم قبل سبع سنوات ، فبعد طلاقي الثاني قررتُ الزواج بأحد أقاربي الذي كان ينعم بحياة هادئة مع زوجته وأولاده الخمسة ، حيث اتفقت مع ابن خالتي ـ الذي كان يُحب زوجة هذا الرجل ـ اتفقنا على اتهامها بخيانة زوجها ! وبدأنا في إطلاق الشائعات بين الأقارب ، ومع مرور الوقت نجحنا ، حيث تدهورت حياة الزوجين وانتهت بالطلاق ! وبعد مضي سنة تزوجت المرأةُ ـ التي طُلقت بسبب الشائعات ـ برجل آخر ذي منصب ، أما الرجل فتزوج امرأة غيري ، وبالتالي لم أحصل مع ابن خالتي على هدفنا المنشود ، ولكنا حصلنا على نتيجة ظلمنا حيث أصبت بسرطان الدم ! أما ابن خالتي فقد مات حرقاً مع الشاهد الثاني الذي شهد بالتُهمة ، بسبب التماس كهربائي في الشقة التي كان يُقيم فيها ، وذلك بعد ثلاث سنوات من القضية .

2 ـ أما القصة الأخرى
: فيرويها شخص اسمه (حمد) : يقول هذا الشخص : عندما كنت طالباً في المرحلة الثانوية حدثت مُشاجرة بيني وبين أحد الطلاب المُتفوقين ، فقررت ـ بعد تلك المشاجرة ـ أن أدمر مستقبله ، فحضرت ذات يوم مُبكراً إلى المدرسة ، ومعي مجموعة من سجائر الحشيش ـ التي كنا نتعاطاها ـ ووضعتها في حقيبة ذلك الطالب ، ثم طلبت من احد أصدقائي إبلاغ الشرطة بأن في المدرسة مُروجَ مخدرات ، وبالفعل تمت الخطة بنجاح ، وكنا نحن الشهود الذين نستخدم المخدرات . يقول حمد هذا : ومنذ ذلك اليوم وأنا أعاني نتيجة الظلم الذي صنعته يداي ، فقبل سنتين تعرضت لحادث سيارة فقدت بسببه يدي اليمُنى ، وقد ذهبت للطالب في منزله أطلب منه السماح ، ولكنه رفض لأنني تسببت في تشويه سمعته بين أقاربه حتى صار شخصاً منبوذاً من الجميع ، وأخبرني بأنه يدعو عليّ كل ليلة ؛ لأنه خسر كل شيء بسبب تلك الفضيحة المُلفقة ، ولأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب فقد استجاب الله دعوته ، فها أنا بالإضافة إلى يدي التي فقدتها أصبحت مُقعداً على كرسي مُتحرك نتيجة حادث آخر ! ومع أني أعيش حياة تعيسة ، فإني أخاف من الموت لأني أخشى عقوبة رب العباد ..
نُشرت هذه القصص في مقال للكاتب محمد بن عبدالله المنصور ، بعنوان: ( رسالة بلا عنوان !) في جريدة اليوم الإلكترونية ، عدد (11854) ، الأثنين 26/10/1426هـ ، المُوافق : 28/11/2005 م .


4- ومن صور تطبيقات هذه القاعدة في عصرنا :

ما يقع من بعض الكُتاب والصحفيين ، الذين يعمي بعضَهم الحرصُ على السبق الصحفي عن تحري الحقيقة ، والتثبت من الخبر الذي يُورده ، وقد يكون مُتعلقاً بأمور حساسة تطال العرض والشرف ، وليتدبروا جيداً ، هذه القاعدة القرآنية المُحكمة : {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} ، والقاعدة المُحكمة في باب الأخبار : { فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة} ...


نسأل الله سبحانه و تعالى أن يُعيذنا و إياكم من الإفتراء عليه أو على رسوله ؛ أو البغي على عباده ..

__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
رد مع اقتباس
  #47  
قديم 23-10-2012, 06:45 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

تفاصيل مهمة ودقيقة وضحها الدرس
جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل
ابو الشيماء
لاحرمك ربي الاجر والثواب
__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
رد مع اقتباس
  #48  
قديم 30-10-2012, 02:42 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

بسم الله
الدرس السابع بفضل الله تعالى
__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
رد مع اقتباس
  #49  
قديم 30-10-2012, 02:43 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله، وعلى وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..
أما بعد:

فهذا مرفأ جديد من مرافئ مركبنا القرآني ليرسو على شاطئ من شواطئ هذه القواعد القرآنية، نتدارس فيها شيئاً من معاني قاعدة قرآنية محكمة، يحتاجها كل مؤمن، وعلى وجه الخصوص من عزم على الإقبال على ربه، وقرع باب التوبة، تلكم هي القاعدة التي دل عليها قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[هود: 114].

وهذه القاعدة هي جزء من آية كريمة في سورة هود، يقول الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}[هود: 114]، وهذه الآية الكريمة سبقت بجملة من الأوامر العظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته، يحسن ذكرها ليتضح الربط بينها، يقول تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}[هود: 112، 113].
ومعنى الآية ـ التي تضمنت هذه القاعدة باختصار ـ: أن الله تعالى يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم ـ وهو خطاب للأمة كلها ـ بأن يقيموا الصلاة طرفي النهار، وساعاتٍ من الليل، ينصب فيها قدميه لله تعالى، ثم ذكر علّلَ هذا الأمر فقال: {إن الحسنات يذهبن السيئات} أي يمحونها ويكفرنها حتى كأنها لم تكن ـ على تفصيل سيأتي بعد قليل إن شاء الله ـ والإشارة بقوله: {ذلك ذكرى للذاكرين} إلى قوله: {فاستقم كما أمرت} وما بعده، وقيل: إلى القرآن، ذكرى للذاكرين: أي موعظة للمتعظين(1).
أيها القراء الأفاضل: وكما أن هذه القاعدة صرحت بهذا المعنى، وهو إذهاب الحسنات للسيئات، فقد جاء في السنة ما يوافق هذا اللفظ تقريباً، كما في الحديث الذي رواه الترمذي وحسنّه(2) من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن"(3).
أيها الإخوة المؤمنون: إذا تبين معنى هذه القاعدة بإجمال، فليعلم أن إذهاب السيّئات يشمل أمرين:
1 ـ إذهاب وقوعها، وحبها في النفس، وكرهها، بحيث يصير انسياق النّفس إلى ترك السيّئات سَهْلاً وهيّناً كقوله تعالى: { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7] ويكون هذا من خصائص الحسنات كلّها.

2 ـ ويشمل أيضاً محو إثمها إذا وقعت، ويكون هذا من خصائص الحسنات كلّها، فضلاً من الله على عباده الصالحين"(4).

ولقد بحث العلماء ههنا معنى السيئات التي تذهبها الحسنات، والذي يتحرر في الجمع بين أقوالهم أن يقال:

إن كانت الحسنة هي التوبة الصادقة، سواء من الشرك، أو من المعاصي، فإن حسنة التوحيد، والتوبة النصوح لا تبقي سيئة إلا محتها وأذهبتها، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا}[الفرقان: 68 - 71].
وفي صحيح مسلم من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ـ لما جاءه يبايعه على الإسلام والهجرة ـ: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأن الحج يهدم ما كان قبله؟" (5).
وإن كان المراد بالحسنات عموم الأعمال الصالحة كالصلاة والصيام، فإن القرآن والسنة دلّا صراحةً على أن تكفير الحسنات للسيئات مشروط باجتناب الكبائر، قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}[النساء: 31]، وقال عز وجل: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلاّ اللّمَم}.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر"(6).



أيها الإخوة المؤمنون: إن هذه القاعدة الجليلة: {إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} والتي جاءت في مساق الحكم الشرعي، جاء معناها في القرآن الكريم على صور منها:

1 ـ في سياق الثناء على أهل الجنة ـ جعلني الله وإياكم من أهلها ـ قال تعالى: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد: 22].
قال ابن عباس رضي الله عنهما ـ في بيان معناها ـ: يدفعون بالصالحِ من العملِ السيئَ من العمل.
علق البغوي على كلمة ابن عباس، فقال: وهو معنى قوله: {إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}" (7).
2 ـ إثبات هذا المعنى في الأمم السابقة، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}[المائدة: 65].
3 ـ إثباته في سياق الحديث عن توبة العصاة، كما في آية الفرقان التي تلوتها قبل قليل: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ... إلى قوله: فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ... الآيات}[الفرقان: 68 - 71].
أيها المحبون لكتاب ربهم:

إن الأمثلة التطبيقية التي توضح وتؤكد معنى هذه القاعدة المحكمة: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} لكثيرة جداً، لكن لعلنا نذكر ما يسمح به وقت البرنامج، وأول ما نبدأ به من الأمثلة هو ما ذكره ربنا في الآية الكريمة التي تضمنتها هذه القاعدة، وهو:

1 ـ إقامة الصلاة طرفي النهار ـ وهو مبتدأه ومنتهاه ـ، وساعات من الليل، ولا ريب أن أول ما يدخل في هذه الصلوات الخمس، كما يدخل فيها: بقية النوافل، كالسنن الرواتب، وقيام الليل.
وإذا كانت هذه الآية الكريمة تدل على أن الصلوات المفروضات والنوافل من أعظم الحسنات الماحية للسيئات، فإن السنة صرّحت بهذا ـ كما تقدم ـ بشرط اجتناب الكبائر.
فليبشر الذين يحافظون على صلواتهم فرضها ونفلها بأنهم من أعظم الناس حظاً من هذه القاعدة القرآنية: { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}، ويا تعاسة وخسارة من فرطوا في فريضة الصلاة!!

2 ـ ومن تطبيقات هذه القاعدة، ما رواه الشيخان من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: أن رجلا أصاب من امرأة قُبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل الله {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} فقال الرجل: يا رسول الله ألي هذا؟! قال: "بل لجميع أمتي كلهم"(8).



3 ـ قصة توبة القاتل الذي قتل تسعةً وتسعين نفساً ـ وهي في الصحيحين ـ وهي قصة مشهورة جداً، والشاهد منها، أنه لما انطلق من أرض السوء إلى أرض الخير: "أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاه ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة"(9).

فإلى كل من أسرف على نفسه، وقنّطه الشيطان من رحمة ربه، لا تأيسنّ ولا تقنطن، فهذا رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، فلما صحّت توبته، رحمه ربه ومولاه، مع أنه لم يعمل خيراً قط من أعمال الجوارح سوى هجرته من بلد السوء إلى بلد الخير.. أفلا تحرك فيك هذه القصة الرغبة في هجرة المعاصي، والإقبال على من لا سعادة ولا أنس إلا بالإقبال عليه؟!
وتأمل في هذه الكلمة المعبرة، التي قال الحسن البصري رحمه الله: "استعينوا على السيئات القديمات بالحسنات الحديثات، وإنكم لن تجدوا شيئا أذهب بسيئة قديمة من حسنة حديثة، وأنا أجد تصديق ذلك في كتاب الله: {إن الحسنات يذهبن السيئات}(10).

اللهم ارزقنا حسناتٍ تذهب سيئاتنا، وتوبة تجلو أنوارها ظلمة الإساءة والعصيان، والحمد لله رب العالمين.
______________

(1) ينظر: فتح القدير 2/678.
(2) وفي بعض النسخ: صحيح، وقد استبعد هذا ابن رجب في تعليقه على هذا الحديث في "جامع العلوم والحكم" ح (18).
(3) الترمذي (1987) وقد رجح الدارقطني إرساله، وانظر تعليق ابن رجب عليه في "الجامع" ح (18).
(4) ينظر: التحرير والتنوير (7/284).
(5) مسلم (121).
(6) مسلم (233).
(7) تفسير البغوي (4/313).
(8) البخاري (503)، ومسلم (2763).
(9) البخاري (3283)، ومسلم (2766).
(10) تفسير ابن أبي حاتم (8/279).

__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء

التعديل الأخير تم بواسطة أبو الشيماء ; 30-10-2012 الساعة 10:42 PM.
رد مع اقتباس
  #50  
قديم 07-11-2012, 05:26 PM
الصورة الرمزية ورد جوري
ورد جوري ورد جوري غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: اسطنبول
الجنس :
المشاركات: 15,311
الدولة : Iraq
افتراضي رد: قواعد قرآنية مفسرة وضرورية لكل مسلم

إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه, والق سمعك, واحضر حضور من يخاطبه به من تكلّم به سبحانه منه إليه, فإنّه خطاب منه لك, على لسان رسوله, قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (قّ:37)
وذلك أن تمام التأثير لمّا كان موقوفا على مؤثر مقتض, ومحل قابل, وشرط لحصول الأثر, وانتقاء المانع الذي يمنع منه, تضمّنت الآية بيان ذلك كلّه بأوجز لفظ وأبينه, وأدلّه على المراد.فقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} (قّ:37) إشارة إلى ما تقدّم من أوّل السورة إلى ها هنا وهذا هو المؤثّر.قوله: {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} فهذا هو المحل القابل, والمراد به القلب الحيّ الذي يعقل عن الله, كما قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّا} أي حيّ القلب ، وقوله: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} أي وجّه سمعه وأصغى حاسّة سمعه إلى ما يقال له, وهذا شرط التأثّر بالكلام.وقوله: {وَهُوَ شَهِيدٌ} أي شاهد القلب حاضر غير غائب. قال ابن قتيبة: "استمع كتاب الله وهو شاهد القلب والفهم, ليس بغافل ولا ساه". وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير, وهو سهو القلب, وغيبته عن تعقّل ما يقال له, والنظر فيه وتأمّله. فإذا حصل المؤثر وهو القرآن, والمحل القابل وهو القلب الحي, ووجد الشرط وهو الإصغاء, وانتقى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب, وانصرافه عنه إلى شيء آخر, حصل الأثر وهو الانتفاع والتذكّر.

(الفوائد.. ابن القيم)




__________________



بصمتك في المنتدى ستبقى حتى بعد رحيلك, فلتكن دوما في الخير وجدد النيّة لله تعالى عند كل تواجد, تكن من السعداء
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مع القرآن


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 136.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 130.25 كيلو بايت... تم توفير 5.96 كيلو بايت...بمعدل (4.37%)]