|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#451
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (451) صـ 507 إلى صـ 516 وَكَثْرَةُ الِاخْتِصَاصِ وَالصُّحْبَةِ، مَعَ كَمَالِ الْمَوَدَّةِ وَالِائْتِلَافِ [1] وَالْمَحَبَّةِ، وَالْمُشَارَكَةُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ تَقْتَضِي أَنَّهُمَا أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ بَيِّنٌ لِمَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِأَحْوَالِ الْقَوْمِ. أَمَّا الصِّدِّيقُ فَإِنَّهُ مَعَ قِيَامِهِ بِأُمُورٍ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ عَجَزَ عَنْهُمَا غَيْرُهُ حَتَّى بَيَّنَهَا لَهُمْ [2] ، لَمْ يُحْفَظْ لَهُ قَوْلٌ يُخَالِفُ فِيهِ نَصًّا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ الْبَرَاعَةِ وَالْعِلْمِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَحُفِظَتْ لَهُ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ خَالَفَتِ النُّصُوصَ لِكَوْنِ النُّصُوصِ لَمْ تَبْلُغْهُ. وَالَّذِي وُجِدَ لِعُمَرَ مِنْ مُوَافَقَتِهِ [3] النُّصُوصَ أَكْثَرُ مِنْ مُوَافَقَةِ عَلِيٍّ، يَعْرِفُ هَذَا مَنْ عَرَفَ مَسَائِلَ الْعِلْمِ، وَأَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا، وَالْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ، وَمَرَاتِبَهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، فَإِنَّ قَوْلَ عُمَرَ فِيهَا هُوَ الَّذِي وَافَقَ النَّصَّ دُونَ الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْحَرَامِ: قَوْلُ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فِيهَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِالنُّصُوصِ مِنَ الْقَوْلِ الْآخَرِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَكَذَلِكَ الْمُخَيَّرَةُ الَّتِي خَيَّرَهَا زَوْجُهَا، وَالْمُفَوَّضَةُ لِلْمَهْرِ، وَمَسْأَلَةُ الْخَلِيَّةِ [4] ، وَالْبَرِيَّةِ، وَالْبَائِنِ، وَالْبَتَّةِ [5] ، وَكَثِيرٌ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "«قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدِّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ»" [6] .. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "«رَأَيْتُ كَأَنِّي أُتِيتُ" (1) س، ب: وَالْإِسْلَامِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (2) س، ب: عَجَزَ عَنْهَا عُمَرُ حَتَّى بَيَّنَهَا لَهُ (3) س، ب: مُوَافَقَةِ (4) م: الْحَلِيلَةِ (5) س: وَالْبَتَتَه (6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/20 بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ حَتَّى أَنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظَافِرِي، ثُمَّ نَاوَلْتُ فَضْلِي عُمَرَ "، قَالُوا: مَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:" الْعِلْمَ» "[1] ." وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: "«لَوْ لَمْ أُبْعَثْ فِيكُمْ لَبُعِثَ فِيكُمْ عُمَرُ»" وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: "«لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ»" قَالَ التِّرْمِذِيُّ: "حَدِيثٌ حَسَنٌ" [2] . وَأَيْضًا فَإِنَّ الصِّدِّيقَ اسْتَخْلَفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّلَاةِ، الَّتِي هِيَ عَمُودُ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى إِقَامَةِ الْمَنَاسِكِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَادَى: "«أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ»" . «وَأَرْدَفَهُ بِعَلِيٍّ، فَقَالَ: أَمِيرٌ أَمْ مَأْمُورٌ؟ فَقَالَ: بَلْ مَأْمُورٌ» [3] ، فَأَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى عَلِيٍّ، فَكَانَ مِمَّنْ [4] أَمَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْمَعَ وَيُطِيعَ لِأَبِي بَكْرٍ. وَهَذَا بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكَ الَّتِي اسْتَخْلَفَ فِيهَا عَلِيًّا عَلَى الْمَدِينَةِ. وَكِتَابُ أَبِي بَكْرٍ فِي الصَّدَقَاتِ أَصَحُّ الْكُتُبِ وَآخِرُهَا [5] ، وَلِهَذَا عَمِلَ بِهِ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ، وَغَيْرُهُ فِي كِتَابِهِ مَا هُوَ مُتَقَدِّمٌ مَنْسُوخٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ النَّاسِخَةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [6] . (1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/21 وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ. (2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/68 (3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 335 (4) م: فِيمَنْ (5) س، ب: وَأَحْرَاهَا (6) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْبُخَارِيِّ 1/100 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ الْخَوْخَةِ وَالْمَمَرِّ فِي الْمَسْجِدِ) وَسَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ وَأَوَّلُهُ: خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ" . فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ؟ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْعَبْدَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا. . الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ وَفِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ. وَانْظُرْ مَا سَبَقَ 1/512 513 وَأَيْضًا فَالصَّحَابَةُ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ فِي مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَصَّلَهَا، وَارْتَفَعَ النِّزَاعُ، فَلَا يُعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي زَمَانِهِ مَسْأَلَةٌ تَنَازَعُوا فِيهَا إِلَّا ارْتَفَعَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمْ بِسَبَبِهِ، كَتَنَازُعِهِمْ فِي وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَفْنِهِ، وَمِيرَاثِهِ، وَتَجْهِيزِهِ جَيْشَ أُسَامَةَ، وَقِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ الْكِبَارِ. بَلْ كَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ حَقًّا، يُعَلِّمُهُمْ، وَيُقَوِّمُهُمْ، وَيُشَجِّعُهُمْ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ مِنَ الْأَدِلَّةِ مَا تَزُولُ مَعَهُ الشُّبْهَةُ، فَلَمْ يَكُونُوا مَعَهُ يَخْتَلِفُونَ. وَبَعْدَهُ فَلَمْ يَبْلُغْ عِلْمُ أَحَدٍ وَكَمَالُهُ عِلْمَ أَبِي بَكْرٍ وَكَمَالَهُ، فَصَارُوا يَتَنَازَعُونَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، كَمَا تَنَازَعُوا فِي الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ، وَفِي الْحَرَامِ، وَالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَفِي مُتْعَةِ الْحَجِّ، وَنَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ وَسُكْنَاهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمَعْرُوفَةِ مِمَّا لَمْ يَكُونُوا يَتَنَازَعُونَ فِيهِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ. وَكَانُوا يُخَالِفُونَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا فِي كَثِيرٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ، وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُمْ خَالَفُوا الصِّدِّيقَ فِي شَيْءٍ مِمَّا كَانَ يُفْتِي بِهِ وَيَقْضِي، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ الْعِلْمِ، وَقَامَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقَامَ الْإِسْلَامَ فَلَمْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ، بَلْ أَدْخَلَ النَّاسَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، مَعَ كَثْرَةِ الْمُخَالِفِينَ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَكَثْرَةِ الْخَاذِلِينَ فَكَمُلَ بِهِ مِنْ عِلْمِهِمْ وَدِينِهِمْ مَا لَا يُقَاوِمُهُ فِيهِ أَحَدٌ. وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ انْقَطَعَ هَذَا الِاتِّصَالُ اللَّفْظِيُّ بِمَوْتِهِ، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ: ظَهَرَ سِرُّ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (سُورَةُ التَّوْبَةِ: 40) فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ انْقَطَعَ هَذَا بِمَوْتِهِ. وَأَيْضًا فِعَلِيٌّ تَعَلَّمَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بَعْضَ السُّنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ لَمْ يَتَعَلَّمْ مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ عُلَمَاءَ الْكُوفَةِ الَّذِينَ صَحِبُوا عُمَرَ وَعَلِيًّا، كَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَشُرَيْحٍ وَغَيْرِهِمْ، كَانُوا يُرَجِّحُونَ قَوْلَ عُمَرَ عَلَى قَوْلِ عَلِيٍّ، وَأَمَّا تَابِعُو الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ فَهَذَا عِنْدَهُمْ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ [1] عِلْمُ عَلِيٍّ وَفِقْهُهُ فِي الْكُوفَةِ بِحَسَبِ مُقَامِهِ فِيهَا عِنْدَهُمْ مُدَّةَ خِلَافَتِهِ، وَكُلُّ شِيعَةِ عَلِيٍّ الَّذِينَ صَحِبُوهُ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَدَّمَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا فِي فِقْهٍ وَلَا عِلْمٍ وَلَا دِينٍ، بَلْ كُلُّ شِيعَتِهِ الَّذِينَ قَاتَلُوا مَعَهُ كَانُوا مَعَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقِينَ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، إِلَّا مَنْ كَانَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَيَذُمُّهُ، مَعَ قِلَّتِهِمْ وَحَقَارَتِهِمْ وَخُمُولِهِمْ. وَهُمْ ثَلَاثُ طَوَائِفَ: طَائِفَةٌ غَلَتْ فِيهِ، وَادَّعَتْ فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ، وَهَؤُلَاءِ حَرَّقَهُمْ بِالنَّارِ. (1) عِبَارَةُ: "وَإِنَّمَا ظَهَرَ سَاقِطَةٌ" مِنْ (م) وَطَائِفَةٌ سَبَّتْ أَبَا بَكْرٍ رَأَسَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ، فَطَلَبَ عَلِيٌّ قَتْلَهُ حَتَّى هَرَبَ مِنْهُ إِلَى الْمَدَائِنِ. وَطَائِفَةٌ كَانَتْ تُفَضِّلُهُ حَتَّى قَالَ: لَا يَبْلُغُنِي عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ فَضَّلَنِي [1] عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا جَلَدْتُهُ جَلْدَ الْمُفْتَرِي [2] . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ نَحْوِ ثَمَانِينَ وَجْهًا أَنَّهُ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ: "خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ" [3] . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ رِجَالِ هَمْدَانَ خَاصَّتُهُ الَّتِي [4] يَقُولُ فِيهِمْ: وَلَوْ كُنْتُ بَوَّابًا عَلَى بَابِ جَنَّةٍ لَقُلْتُ لِهَمْدَانَ ادْخُلِي بِسَلَامِ أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ سَأَلَهُ ابْنُهُ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: يَا أَبَتِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ [5] عُمَرُ، قَالَ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: إِنَّمَا أَبُوكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [6] . قَالَ الْبُخَارِيُّ [7] : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ [8] ، (1) يُفَضِّلُنِي (2) جَاءَ هَذَا الْأَثَرُ فِي كِتَابِ "فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ" 1/83 (رَقْمُ 49) وَأَوَّلُهُ: "لَا يُفَضِّلُنِي. . . وَقَالَ الْمُحَقِّقُ:" إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ "" (3) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ فِيمَا مَضَى 1/11 \ 12، 2/72 (4) م: خَاصَّةُ الَّذِينَ (5) ثُمَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (6) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ فِيمَا مَضَى 1/12، وَأَوَّلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ. (7) فِي صَحِيحِهِ 5/7 (كِتَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ. . . .، بَابُ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ. .) (8) الْبُخَارِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ [1] ، حَدَّثَنَا أَبُو يُعْلَى مُنْذِرٌ الثَّوْرِيُّ [2] ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ [3] بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [4] ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، أَوَمَا تَعْرِفُ؟ فَقُلْتُ: لَا [5] ، فَقَالَ [6] أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ "[7] ." وَهَذَا يَقُولُهُ لِابْنِهِ الَّذِي لَا يَتَّقِيهِ، وَلِخَاصَّتِهِ، وَيَتَقَدَّمُ بِعُقُوبَةِ مَنْ يُفَضِّلُهُ عَلَيْهِمَا، وَيَرَاهُ مُفْتَرِيًا. وَالْمُتَوَاضِعُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِعُقُوبَةِ مَنْ يُفَضِّلُهُ عَلَيْهِمَا [8] ، يَقُولُ الْحَقَّ، وَلَا يُسَمِّيهِ مُفْتَرِيًا. وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ، وَرَأْسُ الْفَضَائِلِ الْعِلْمُ، قَالَ تَعَالَى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (سُورَةُ الزُّمَرِ: 9) ، وَالدَّلَائِلُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَكَلَامُ الْعُلَمَاءِ كَثِيرٌ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ [9] : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«أَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ» ، وَالْقَضَاءُ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ وَالدِّينَ" . (1) الْبُخَارِيِّ: جَامِعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ (2) مُنْذِرٌ الثَّوْرِيُّ: لَيْسَتْ فِي "الْبُخَارِيِّ" (3) الْبُخَارِيِّ. . . لِأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ. . . (4) لَيْسَتْ فِي الْبُخَارِيِّ (5) لَيْسَتْ فِي الْبُخَارِيِّ (6) الْبُخَارِيُّ: قَالَ (7) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْأَثَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي الْبُخَارِيِّ. وَهُوَ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/288 (كِتَابُ السُّنَّةِ، بَابٌ فِي التَّفْضِيلِ) ; كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 1/153 154 (رَقْمُ 136) وَفِيهِمَا: جَامِعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ، وَرِوَايَتُهُمَا مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ تَقْرِيبًا (8) عِبَارَةُ "يُفَضِّلُهُ عَلَيْهِمَا" : سَقَطَتْ مِنْ (م) ، وَسَقَطَتْ "عَلَيْهِمَا" مِنْ (س) ، (ب) (9) أَيِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ الرَّافِضِيِّ فِي (ك) ص 178 (م) وَهُوَ تَابِعٌ لِكَلَامِهِ السَّابِقِ فَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَثْبُتْ، وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ [1] . وَقَوْلُهُ: "«أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ»" [2] . أَقْوَى إِسْنَادًا مِنْهُ. وَالْعِلْمُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ يَنْتَظِمُ الْقَضَاءَ [3] أَعْظَمُ مِمَّا يَنْتَظِمُ لِلْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَهَذَا الثَّانِي قَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ، وَالْأَوَّلُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ فِي [4] السُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ، وَلَا الْمَسَانِدِ الْمَعْرُوفَةِ، لَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ، وَإِنَّمَا يُرْوَى مِنْ طَرِيقِ مَنْ [5] هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ. وَقَوْلُ [6] عُمَرَ: "عَلِيٌّ أَقْضَانَا" إِنَّمَا هُوَ (فِي) [7] فَصْلِ الْخُصُومَاتِ فِي الظَّاهِرِ، مَعَ جَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِهِ. كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "«إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ،" (1) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ (2) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/330 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ مَنَاقِبِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ) وَنَصُّهُ: "أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ" قَالَ التِّرْمِذِيُّ: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. . . إِلَخْ" . وَهُوَ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 3/184، 281 ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/55 (الْمُقَدِّمَةُ، بَابُ فَضَائِلِ خَبَّابٍ) . وَالْحَدِيثُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَابْنِ حِبَّانَ، وَصَحَّحَهُ السُّيُوطِيُّ فِي "الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" وَالْأَلْبَانِيُّ فِي "صَحِيحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" 1/308، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ كَلَامًا مُفَصَّلًا فِي "سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ" 3/223 225 (رَقْمُ 1224) (3) ب: لِلْقَضَاءِ (4) س: لَمْ يَرْوِهِ فِي. ; ب: لَمْ يَرِدْ فِي. . (5) س، ب: مَا (6) ن، م، س: وَقَالَ (7) فِي زِيَادَةٌ فِي (ب) فَأَقْضِي لَهُ بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعَ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» "[1] ." فَقَدْ أَخْبَرَ سَيِّدُ الْقُضَاةِ أَنَّ قَضَاءَهُ لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ. وَعِلْمُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ يَتَنَاوَلُ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ، فَكَانَ الْأَعْلَمُ بِهِ أَعْلَمَ بِالدِّينِ. وَأَيْضًا فَالْقَضَاءُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: الْحُكْمُ عِنْدَ تَجَاحُدِ الْخَصْمَيْنِ، مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا أَمْرًا يُنْكِرُهُ الْآخَرُ فَيُحْكَمُ فِيهِ بِالْبَيِّنَةِ وَنَحْوِهَا. وَالثَّانِي: مَا لَا يَتَجَاحَدَانِ فِيهِ، بَلْ يَتَصَادَقَانِ لَكِنْ لَا يَعْلَمَانِ مَا يَسْتَحِقُّ كُلٌّ مِنْهُمَا، كَتَنَازُعِهِمَا فِي قِسْمَةِ فَرِيضَةٍ، أَوْ فِيمَا يَجِبُ لِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، أَوْ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ كُلٌّ مِنَ الْمُتَشَارِكَيْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَهَذَا الْبَابُ هُوَ مِنْ بَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فَإِذَا أَفْتَاهُمَا مَنْ يَرْضِيَانِ بِقَوْلِهِ كَفَاهُمَا، وَلَمْ يَحْتَاجَا إِلَى مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا يَحْتَاجَانِ إِلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ التَّجَاحُدِ، وَذَلِكَ غَالِبًا إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْفُجُورِ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ النِّسْيَانِ. فَمَا لَا يَخْتَصُّ بِالْقَضَاءِ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ الْأَبْرَارِ فَأَمَّا الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، فَيَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَلِهَذَا لَمَّا أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ مَكَثَ [2] سَنَةً لَمْ يَتَحَاكَمْ إِلَيْهِ اثْنَانِ. وَلَوْ عُدَّ مَجْمُوعُ مَا قَضَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ لَمْ يَبْلُغْ عَشْرَ حُكُومَاتٍ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ كَلَامِهِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الَّذِي هُوَ قِوَامُ دِينِ الْإِسْلَامِ؟ (1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/412 (2) ن، س: فَمَكَثَ وَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ [1] : "«أَعْلَمُ أُمَّتِي بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ»" أَصَحَّ إِسْنَادًا وَأَظْهَرَ [2] دَلَالَةً، عُلِمَ أَنَّ الْمُحْتَجَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا أَعْلَمُ [3] مِنْ مَعَاذٍ جَاهِلٌ، فَكَيْفَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ اللَّذَيْنِ هُمَا أَعْلَمُ [4] مِنْ مُعَاذٍ؟ ! مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ مُعَاذٍ وَزَيْدٍ بَعْضُهُمْ يُضَعِّفُهُ، وَبَعْضُهُمْ يُحَسِّنُهُ، وَالَّذِي فِيهِ ذِكْرُ عَلِيٍّ فَضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ. وَحَدِيثُ: "«أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا» أَضْعَفُ وَأَوْهَى" ، وَلِهَذَا إِنَّمَا يُعَدُّ فِي [5] الْمَوْضُوعَاتِ، وَإِنْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَبَيَّنَ أَنَّ سَائِرَ طُرُقِهِ مَوْضُوعَةٌ، وَالْكَذِبُ يُعْرَفُ مِنْ نَفْسِ مَتْنِهِ [6] ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ مَدِينَةَ الْعِلْمِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا إِلَّا بَابٌ وَاحِدٌ، وَلَمْ يُبَلِّغْ عَنْهُ الْعِلْمَ إِلَّا وَاحِدٌ، فَسَدَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ، وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُبَلِّغُ عَنْهُ الْعِلْمَ وَاحِدًا [7] ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُبَلِّغُونَ أَهْلَ التَّوَاتُرِ الَّذِينَ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ لِلْغَائِبِ. (1) ن، س: وَإِذَا قَالَ قَوْلَهُ ; م: وَإِذَا قَالَ. . (2) س، ب: وَأَعْظَمَ (3) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: أَعْظَمُ: وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ (4) س، ب: أَعْظَمُ (5) م: مِنَ (6) ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ "الْمَوْضُوعَاتِ" وَتَكَلَّمَ عَلَى طُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ وَبَيَّنَ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ 1/349 355 ; وَانْظُرِ: السُّيُوطِيَّ فِي اللَّآلِئِ الْمَصْنُوعَةِ 1/328 336، الشَّوْكَانِيَّ فِي "الْفَوَائِدِ الْمَوْضُوعَةِ" ص 348 349 وَانْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ، هَامِشَ ص 389 353. وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ عَنِ الْحَدِيثِ فِي "ضَعِيفِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ" 2/13: إِنَّهُ مَوْضُوعٌ. وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ الْحَدِيثَ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 5/301 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ 87 مَنَاقِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) ، وَقَالَ: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مُنْكَرٌ. رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شَرِيكٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، وَلَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الثِّقَاتِ غَيْرَ شَرِيكٍ. وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ" (7) س: عَنْهُ الْعِلْمَ وَاحِدٌ ; ن، م: عَنْهُ الْعِلْمَ إِلَّا وَاحِدٌ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ [1] إِلَّا بِقَرَائِنَ، وَتِلْكَ قَدْ تَكُونُ مُنْتَفِيَةً أَوْ خَفِيَّةً عَنْ أَكْثَرِ النَّاسِ، فَلَا يَحْصُلُ لَهُمُ الْعِلْمُ [2] بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ الْوَاحِدُ الْمَعْصُومُ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِ. قِيلَ لَهُمْ: فَلَا بُدَّ مِنَ الْعِلْمِ بِعِصْمَتِهِ أَوَّلًا، وَعِصْمَتُهُ لَا تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ خَبَرِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ [3] عِصْمَتُهُ، فَإِنَّهُ [4] دَوْرٌ، وَلَا تَثْبُتُ [5] بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ لَا إِجْمَاعَ فِيهَا، وَعِنْدَ الْإِمَامِيَّةِ إِنَّمَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً ; لِأَنَّ فِيهِمُ الْإِمَامَ الْمَعْصُومَ، فَيَعُودُ الْأَمْرُ إِلَى إِثْبَاتِ عِصْمَتِهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، فَعُلِمَ أَنَّ عِصْمَتَهُ لَوْ كَانَتْ حَقًّا لَا بُدَّ أَنْ تُعْلَمَ بِطَرِيقٍ آخَرَ غَيْرِ خَبَرِهِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَدِينَةِ الْعِلْمِ بَابٌ إِلَّا هُوَ، لَمْ يَثْبُتْ لَا عِصْمَتُهُ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا افْتَرَاهُ زِنْدِيقٌ جَاهِلٌ ظَنَّهُ مَدْحًا، وَهُوَ مَطْرَقُ [6] الزَّنَادِقَةِ إِلَى الْقَدْحِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ إِذْ لَمْ يُبَلِّغْهُ إِلَّا وَاحِدٌ. ثُمَّ إِنَّ هَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالتَّوَاتُرِ ; فَإِنَّ جَمِيعَ مَدَائِنِ الْإِسْلَامِ بَلَغَهُمُ الْعِلْمُ عَنِ الرَّسُولِ مِنْ غَيْرِ عَلِيٍّ، أَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ فَالْأَمْرُ فِيهِمَا ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ الشَّامُ وَالْبَصْرَةُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا يَرْوُونَ عَنْ عَلِيٍّ إِلَّا شَيْئًا قَلِيلًا، وَإِنَّمَا كَانَ غَالِبُ عِلْمِهِ فِي الْكُوفَةِ، وَمَعَ هَذَا فَأَهْلُ الْكُوفَةِ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَلَّى عُثْمَانُ فَضْلًا عَنْ عَلِيٍّ. (1) سَاقِطٌ مِنْ (س) (ب) (2) سَاقِطٌ مِنْ (س) (ب) (3) س: يُعْرَفَ ; ب: تُعْرَفَ (4) س، ب: لِأَنَّهُ (5) ن، س: يَثْبُتُ (6) ب: يَطْرُقُ
__________________
|
#452
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (452) صـ 517 إلى صـ 526 وَفُقَهَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَعَلَّمُوا الدِّينَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَتَعْلِيمُ مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ وَمُقَامُهُ فِيهِمْ أَكْثَرُ مِنْ عَلِيٍّ، وَلِهَذَا رَوَى أَهْلُ الْيَمَنِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَكْثَرَ مِمَّا رَوَوْا عَنْ عَلِيٍّ، وَشُرَيْحٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ إِنَّمَا تَفَقَّهُوا عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ كَانَ شُرَيْحٌ فِيهَا قَاضِيًا، وَهُوَ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ تَفَقَّهَا عَلَى غَيْرِهِ، فَانْتَشَرَ عِلْمُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَدَائِنِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ [1] : "وَاحْتَجَّ مَنِ احْتَجَّ مِنَ الرَّافِضَةِ بِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَكْثَرَهُمْ عِلْمًا" قَالَ: "وَهَذَا كَذِبٌ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ عِلْمُ الصَّحَابِيِّ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: أَحَدُهُمَا: كَثْرَةُ رِوَايَتِهِ وَفَتَاوِيهِ، وَالثَّانِي: كَثْرَةُ اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ، فَمِنَ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَهَذَا أَكْبَرُ شَهَادَةٍ عَلَى الْعِلْمِ وَسَعَتِهِ، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَلَّى أَبَا بَكْرٍ الصَّلَاةَ بِحَضْرَتِهِ طُولَ عِلَّتِهِ، وَجَمِيعُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ حُضُورٌ كَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ [2] ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيٍّ، وَغَيْرِهِمْ [3] ، وَهَذَا بِخِلَافِ اسْتِخْلَافِهِ عَلِيًّا إِذَا غَزَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى النِّسَاءِ [4] وَذَوِي الْأَعْذَارِ فَقَطْ، فَوَجَبَ ضَرُورَةُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالصَّلَاةِ وَشَرَائِعِهَا، وَأَعْلَمَ الْمَذْكُورِينَ بِهَا، وَهِيَ عَمُودُ الْإِسْلَامِ [5] ، وَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا قَدِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الصَّدَقَاتِ، فَوَجَبَ ضَرُورَةُ" (1) فِي كِتَابِهِ "الْفِصَلِ" 4/212 214 مَعَ اخْتِلَافَاتٍ سَنَذْكُرُ أَهَمَّهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ (2) الْفِصَلِ: كَعَلِيٍّ وَعُمَرَ. . (3) الْفِصَلِ: وَغَيْرِهِمْ فَآثَرَهُ بِذَلِكَ عَلَى جَمِيعِهِمْ (4) الْفِصَلِ: لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ فِي الْغَزْوَةِ لَمْ يُسْتَخْلَفْ إِلَّا عَلَى النِّسَاءِ (5) الْفِصَلِ: الدِّينِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ الصَّدَقَاتِ كَالَّذِي عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ، لَا أَقَلَّ وَرُبَّمَا (كَانَ) [1] أَكْثَرَ، إِذْ قَدِ اسْتَعْمَلَ غَيْرَهُ، وَهُوَ لَا يَسْتَعْمِلُ إِلَّا عَالِمًا بِمَا اسْتَعْمَلَهُ فِيهِ، وَالزَّكَاةُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ بَعْدَ الصَّلَاةِ. وَبُرْهَانُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ تَمَامِ عِلْمِ أَبِي بَكْرٍ بِالصَّدَقَاتِ أَنَّ الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ فِي الزَّكَاةِ أَصَحُّهَا، وَالَّذِي يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا [2] يَجُوزُ خِلَافُهُ فَهُوَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ [3] الَّذِي مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ، وَأَمَّا مِنْ [4] طَرِيقِ عَلِيٍّ فَمُضْطَرِبٌ، وَفِيهِ مَا قَدْ تَرَكَهُ الْفُقَهَاءُ جُمْلَةً، وَهُوَ أَنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ خَمْسًا مِنَ الشِّيَاهِ [5] . وَأَيْضًا فَوَجَدْنَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ، فَصَحَّ ضَرُورَةُ أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ بِالْحَجِّ، وَهَذِهِ دَعَائِمُ الْإِسْلَامِ. ثُمَّ وَجَدْنَاهُ قَدِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْبُعُوثِ فَصَحَّ أَنَّ عِنْدَهُ مِنْ أَحْكَامِ الْجِهَادِ مِثْلَ مَا عِنْدَ سَائِرِ مَنِ اسْتَعْمَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْبُعُوثِ، إِذْ لَا يَسْتَعْمِلُ إِلَّا عَالِمًا بِالْعَمَلِ، فَعِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ عِلْمِ الْجِهَادِ كَالَّذِي عِنْدَ عَلِيٍّ وَسَائِرِ أُمَرَاءِ الْبُعُوثِ لَا أَقَلَّ [6] . وَإِذَا صَحَّ التَّقَدُّمُ لِأَبِي بَكْرٍ عَلَى عَلِيٍّ، وَغَيْرِهِ فِي الْعِلْمِ بِالصَّلَاةِ [7] (1) كَانَ: زِيَادَةٌ فِي (ب) ، (الْفِصَلِ) (2) ن، س، ب: فَلَا (3) ثُمَّ: لَيْسَتْ فِي "الْفِصَلِ" (4) ب (فَقَطْ) : وَأَمَّا الَّذِي مِنْ. . (5) ن، م، س: خَمْسٌ مِنَ الشِّيَاهِ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَفِي "الْفِصَلِ" : خَمْسُ شِيَاهٍ (6) الْفِصَلِ: لَا أَكْثَرَ وَلَا أَقَلَّ (7) س، ب: فِي الْعِلْمِ وَالصَّلَاةِ ; الْفِصَلِ 4/213: فِي عِلْمِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، وَسَاوَاهُ فِي الْجِهَادِ [1] فَهَذِهِ عُمْدَةٌ لِلْعِلْمِ. ثُمَّ وَجَدْنَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ فِي جُلُوسِهِ وَمُسَامَرَتِهِ وَظَعْنِهِ وَإِقَامَتِهِ أَبَا بَكْرٍ، فَشَاهَدَ [2] أَحْكَامَهُ وَفَتَاوِيَهُ أَكْثَرَ مِنْ مُشَاهَدَةِ عَلِيٍّ لَهَا، فَصَحَّ ضَرُورَةُ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِهَا، فَهَلْ بَقِيَتْ مِنَ الْعِلْمِ بَقِيَّةٌ [3] إِلَّا وَأَبُو بَكْرٍ الْمُقَدَّمُ فِيهَا الَّذِي لَا يُلْحَقُ؟ أَوِ الْمُشَارِكُ الَّذِي لَا يُسْبَقُ؟ فَبَطَلَتْ دَعْوَاهُمْ فِي الْعِلْمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ وَالْفُتْيَا، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَعِشْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا سَنَتَيْنِ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَلَمْ يُفَارِقِ الْمَدِينَةَ إِلَّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَلَمْ يَحْتَجِ النَّاسُ إِلَى مَا عِنْدَهُ مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ كُلَّ مَنْ حَوَالَيْهِ أَدْرَكُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَقَدْ رَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ حَدِيثٍ وَاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ حَدِيثًا مُسْنَدَةً، وَلَمْ يُرْوَ [4] عَنْ عَلِيٍّ إِلَّا خَمْسُمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَثَمَانُونَ حَدِيثًا مُسْنَدَةً يَصِحُّ مِنْهَا نَحْوُ خَمْسِينَ حَدِيثًا، وَقَدْ عَاشَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْيَدَ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً، فَكَثُرَ لِقَاءُ النَّاسِ إِيَّاهُ، وَحَاجَتُهُمْ إِلَى مَا عِنْدَهُ لِذَهَابِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ، وَكَثُرَ [5] سَمَاعُ أَهْلِ الْآفَاقِ مِنْهُ مَرَّةً بِصِفِّينَ، وَأَعْوَامًا بِالْكُوفَةِ، وَمَرَّةً بِالْبَصْرَةِ، وَمَرَّةً (1) الْفِصَلِ: فِي عِلْمِ الْجِهَادِ (2) س، ب: فَشَهِدَ (3) م، س، ب: بَقِيَّةٌ مِنَ الْعِلْمِ (4) الْفِصَلِ: وَلَمْ يَرِدْ (5) ب: وَكَثْرَةِ بِالْمَدِينَةِ، فَإِذَا نَسَبْنَا مُدَّةَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ حَيَاتِهِ، وَأَضَفْنَا تَفَرِّي [1] عَلِيٍّ الْبِلَادَ بَلَدًا بَلَدًا، وَكَثْرَةَ سَمَاعِ النَّاسِ مِنْهُ إِلَى لُزُومٍ أَبِي بَكْرٍ مَوْطِنَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ تَكْثُرْ حَاجَةُ مَنْ حَوَالَيْهِ إِلَى الرِّوَايَةِ عَنْهُ، ثُمَّ نَسَبْنَا عَدَدَ حَدِيثِهِ مِنْ عَدَدِ حَدِيثِهِ، وَفَتَاوِيهِ مِنْ فَتَاوِيهِ، عَلِمَ كُلُّ ذِي حَظٍّ مِنْ عِلْمٍ أَنَّ الَّذِي عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْعِلْمِ أَضْعَافُ مَا كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ مِنْهُ. وَبُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ عُمِّرَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمْرًا قَلِيلًا قَلَّ النَّقْلُ عَنْهُ، وَمَنْ طَالَ عُمْرُهُ مِنْهُمْ كَثُرَ النَّقْلُ عَنْهُ (إِلَّا الْيَسِيرَ) [2] مِمَّنِ اكْتَفَى بِنِيَابَةِ [3] غَيْرِهِ عَنْهُ فِي تَعْلِيمِ النَّاسِ، وَقَدْ عَاشَ عَلِيٌّ بَعْدَ عُمَرَ سَبْعَةَ عَشَرَ عَامًا غَيْرَ أَشْهُرٍ [4] ، وَمُسْنَدُ عُمَرَ خَمْسُمِائَةِ حَدِيثٍ وَسَبْعَةٌ وَثَلَاثُونَ حَدِيثًا، يَصِحُّ مِنْهَا نَحْوُ خَمْسِينَ، كَالَّذِي عَنْ عَلِيٍّ سَوَاءٌ [5] ، فَكُلُّ مَا زَادَ حَدِيثُ عَلِيٍّ عَلَى حَدِيثِ عُمَرَ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ [6] حَدِيثًا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ [7] ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ إِلَّا حَدِيثٌ أَوْ حَدِيثَانِ. وَفَتَاوَى عُمَرَ مُوَازِيَةٌ لِفَتَاوَى عَلِيٍّ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ، فَإِذَا نَسَبْنَا مُدَّةً مِنْ مُدَّةٍ، وَضَرْبًا فِي الْبِلَادِ مِنْ ضَرْبٍ فِيهَا، وَأَضَفْنَا حَدِيثًا إِلَى حَدِيثٍ، (1) س، ب، الْفَصْلِ: تَقَرِّي، ن، م: الْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ. وَرَجَّحْتُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. فَفِي "لِسَانِ الْعَرَبِ" (مَادَّةِ: فَرَا) : "فَرَيْتُ الْأَرْضَ: إِذَا سِرْتَهَا وَقَطَعْتَهَا" وَهَذَا يُوَافِقُ عِبَارَةَ ابْنِ حَزْمٍ (2) عِبَارَةُ "إِلَّا الْيَسِيرَ" سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَزِدْتُهَا مِنَ "الْفِصَلِ" (3) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: بِبَيَانِهِ غَيْرُهُ عَنْهُ. وَالْمُثْبَتُ مِنَ "الْفِصَلِ" (4) الْفِصَلِ: غَيْرَ شَهْرٍ (5) الْفِصَلِ: سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ (6) ن، س: بِسَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ ; م، الْفِصَلِ: تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ (7) الْفِصَلِ: الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَفَتَاوَى إِلَى فَتَاوَى عَلِمَ (كُلُّ) ذِي حِسٍّ [1] عِلْمًا ضَرُورِيًّا أَنَّ الَّذِي كَانَ عِنْدَ عُمَرَ مِنَ الْعِلْمِ أَضْعَافُ مَا كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ، وَوَجَدْنَا مُسْنَدَ عَائِشَةَ [2] أَلْفَيْ مُسْنَدٍ وَمِائَتَيْ مُسْنَدٍ وَعَشَرَةَ مَسَانِيدَ [3] ، وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ خَمْسَةَ آلَافِ مُسْنَدٍ وَثَلَاثَمِائَةِ مُسْنَدٍ وَأَرْبَعَةً وَسَبْعِينَ مُسْنَدًا، وَوَجَدْنَا مُسْنَدَ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ قَرِيبًا مِنْ مَسْنَدِ عَائِشَةَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَوَجَدْنَا مُسْنَدَ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ لِكُلٍّ وَاحِدٍ [4] مِنْهُمَا أَزْيَدُ [5] مِنْ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَوَجَدْنَا لِابْنِ مَسْعُودٍ ثَمَانِمِائَةِ مُسْنَدٍ وَنَيِّفًا، وَلِكُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا حَاشَا أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ مِنَ الْفَتَاوَى أَكْثَرُ مِنْ فَتَاوَى عَلِيٍّ أَوْ نَحْوَهَا [6] ، فَبَطَلَ قَوْلُ هَذَا الْجَاهِلِ [7] "." إِلَى أَنْ قَالَ [8] : "فَإِنْ قَالُوا: قَدِ اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [عَلِيًّا عَلَى الْأَخْمَاسِ وَعَلَى الْقَضَاءِ بِالْيَمَنِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، لَكِنَّ مُشَاهَدَةَ أَبِي بَكْرٍ لِأَقْضِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [9] أَقْوَى فِي الْعِلْمِ وَأَثْبَتُ مِمَّا عِنْدَ عَلِيٍّ وَهُوَ بِالْيَمَنِ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (1) س، ب: عَلِمَ ذَلِكَ ذَا حُسْنٍ، ن، م: عَلِمَ ذَلِكَ ذِي حُسْنٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنَ "الْفِصَلِ" 4/213 (2) الْفِصَلِ: عِنْدَ عَلِيٍّ: ثُمَّ وَجَدْنَا الْأَمْرَ كُلَّمَا طَالَ كَثُرَتِ الْحَاجَةُ إِلَى الصَّحَابَةِ فِيمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، فَوَجَدْنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ (3) ب: مَسَانِدَ (4) وَاحِدٍ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (5) م: أَكْثَرُ (6) س، ب: وَنَحْوَهَا (7) الْفِصَلِ: فَبَطَلَ هَذِهِ الْوَقَاحِ الْجُهَّالِ (8) بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ بِسَبْعَةِ أَسْطُرٍ، وَكَلَامُهُ فِي 4/214 (9) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) ، "الْفِصَلِ" وَسَقَطَ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) أَبَا بَكْرٍ عَلَى بُعُوثٍ فِيهَا الْأَخْمَاسُ، فَقَدْ سَاوَى عِلْمُهُ عِلْمَ عَلِيٍّ فِي حُكْمِهَا بِلَا شَكٍّ، إِذْ لَا يَسْتَعْمِلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَالِمًا بِمَا يَسْتَعْمِلُهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَا يُفْتِيَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَمُحَالٌ أَنْ يُبِيحَ لَهُمَا ذَلِكَ إِلَّا وَهُمَا أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِمَا [1] ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا عَلَى الْقَضَاءِ بِالْيَمَنِ مَعَ عَلِيٍّ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، فَلِعَلِيٍّ فِي هَذَا شُرَكَاءُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، ثُمَّ انْفَرَدَ أَبُو بَكْرٍ بِالْجُمْهُورِ وَالْأَغْلَبِ مِنَ الْعِلْمِ "." فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [2] : "وَفِيهِ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} (سُورَةِ الْحَاقَّةِ: 12) ." وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ [3] ، وَمَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنْ لَا تَعِيَهَا إِلَّا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ الْآذَانِ، وَلَا أُذُنُ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، لَكِنَّ الْمَقْصُودَ النَّوْعُ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كُلُّ أُذُنٍ وَاعِيَةٍ [4] . (1) الْفِصَلِ: وَهُمْ أَعْلَمُ مِمَّنْ دُونَهُمَا. . (2) فِي (ك) ص 178 (م) (3) لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ (4) س، ب: وَاعِيَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "وَكَانَ فِي غَايَةِ الذَّكَاءِ [2] ، شَدِيدَ الْحِرْصِ عَلَى التَّعَلُّمِ، وَلَازَمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي هُوَ أَكْمَلُ النَّاسِ مُلَازَمَةً لَيْلًا [3] وَنَهَارًا مِنْ صِغَرِهِ إِلَى وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ." وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمَ أَنَّهُ أَذْكَى مِنْ عُمَرَ وَمِنْ أَبِي بَكْرٍ؟ أَوْ أَنَّهُ كَانَ أَرْغَبَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمَا؟ أَوْ أَنَّ اسْتِفَادَتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ مِنْهُمَا؟ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "«إِنَّهُ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدِّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ»" [4] ، وَالْمُحَدَّثُ: الْمُلْهَمُ يُلْهِمُهُ اللَّهُ، وَهَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى تَعْلِيمِ الْبَشَرِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "«رَأَيْتُ كَأَنِّي أُتِيتُ بِلَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى رَأَيْتُ الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي ثُمَّ نَاوَلْتُ فَضْلِي عُمَرَ" قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ؟ قَالَ: "الْعِلْمَ» [5] ، وَلَمْ يُرْوَ مِثْلُ هَذَا لِعَلِيٍّ." (1) فِي (ك) ص 178 (م) (2) ك: وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ فِي غَايَةِ الذَّكَاءِ وَالْفِطْنَةِ (3) ك: مُلَازَمَةً شَدِيدَةً لَيْلًا (4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/20 (5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/21 وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا (مَا) دُونَ ذَلِكَ [1] ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ - قَمِيصٌ يَجُرُّهُ، قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:" الدِّينَ» [2] . فَهَذَانِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ يَشْهَدَانِ لَهُ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَلَمْ يُرْوَ مِثْلُ هَذَا لِعَلِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَمَّا مَاتَ عُمَرُ: "إِنِّي لَأَحْسَبُ هَذَا قَدْ ذَهَبَ بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الْعِلْمِ، وَشَارَكَ النَّاسَ فِي الْعُشْرِ الْبَاقِي" [3] . وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مُلَازِمًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ عَلِيٍّ وَمِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَكْثَرَ اجْتِمَاعًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَلِيٍّ بِكَثِيرٍ. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "وُضِعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُثْنُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ قَدْ أَخَذَ بِمَنْكِبِي مِنْ وَرَائِي، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ، وَتَرَحَّمَ (عَلِيٌّ) [4] عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَذَلِكَ أَنِّي كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ النَّبِيَّ [5] صَلَّى" (1) ن، م: وَمِنْهَا دُونُ ذَلِكَ (2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/21، 65 (3) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ فِيمَا مَضَى 6/59 (4) عَلِيٌّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) (ب) (5) س، ب: مَعَ صَاحِبَيْكَ وَكَانَ النَّبِيُّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ": «جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ»" ، فَإِنَّ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ [1] . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ يُسَمِّرَانِ فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ بِاللَّيْلِ. وَالْمَسَائِلُ الَّتِي تَنَازَعَ فِيهَا عُمَرُ وَعَلِيٌّ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ فِيهَا قَوْلُ عُمَرَ أَرْجَحَ، كَمَسْأَلَةِ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَمَسْأَلَةِ الْحَرَامِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَرْجَحُ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَهَؤُلَاءِ يَتَّبِعُونَ عُمَرَ وَزَيْدًا فِي الْغَالِبِ، وَأُولَئِكَ يَتَّبِعُونَ عَلِيًّا وَابْنَ مَسْعُودٍ. وَكَانَ مَا يَقُولُهُ عُمَرُ يُشَاوِرُ فِيهِ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَغَيْرَهُمَا، وَعَلِيٌّ مَعَ هَؤُلَاءِ أَقْوَى مِنْ عَلِيٍّ وَحْدَهُ. ، كَمَا قَالَ لَهُ قَاضِيهِ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: "رَأْيُكَ مَعَ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ فِي الْفُرْقَةِ" . وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "كَانَ عُمَرُ إِذَا فَتَحَ لَنَا بَابًا دَخَلْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ سَهْلًا، أُتِيَ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَامْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ، فَقَالَ: لِلْأُمِّ ثُلُثُ الْبَاقِي، ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَابْنَ مَسْعُودٍ وَزَيْدًا اتَّبَعُوهُ" . وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ كَانَ مِنْ أَعْلَمِ التَّابِعِينَ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ عُمْدَةُ فِقْهِهِ قَضَايَا عُمَرَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْأَلُهُ عَنْهَا، وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنِ (1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى فِي هَذَا الْجُزْءِ، ص 390 391 النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "«لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرُ»" . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: "حَدِيثٌ حَسَنٌ" [1] . وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَأَصْحَابَ ابْنِ مَسْعُودٍ، كَعَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَشُرَيْحٍ، وَالْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ، وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَمَسْرُوقٍ، وَزِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، وَأَبِي وَائِلٍ، وَغَيْرِهِمْ هَؤُلَاءِ [2] كَانُوا يُفَضِّلُونَ عِلْمَ عُمَرَ وَعِلْمَ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى عِلْمِ عَلِيٍّ، وَيَقْصِدُونَ فِي الْغَالِبِ قَوْلَ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ دُونَ قَوْلِ عَلِيٍّ [3] . فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ [4] : "وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعِلْمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ» ، فَتَكُونُ عُلُومُهُ أَكْثَرَ مِنْ عُلُومِ غَيْرِهِ، لِحُصُولِ الْقَابِلِ الْكَامِلِ [5] ، وَالْفَاعِلِ التَّامِّ [6]" . وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ (عَدَمِ) [7] عِلْمِ الرَّافِضِيِّ بِالْحَدِيثِ ; فَإِنَّ هَذَا مَثَلٌ سَائِرٌ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابُهُ أَيَّدَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، فَتَعَلَّمُوا الْإِيمَانَ وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَنَ، وَيَسَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ (1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/68 (2) ن، م: وَهَؤُلَاءِ (3) س، ب: قَوْلِ عَلِيٍّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (4) فِي (ك) ص 178 (م) (5) س: الْكُلِّ ; ب: الْكُلِّيِّ (6) ك: التَّمَامِ (7) عَدَمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س)
__________________
|
#453
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (453) صـ 527 إلى صـ 536 عَلِيٌّ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَكْمُلْ حَتَّى صَارَ لِعَلِيٍّ نَحْوٌ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً، فَإِنَّمَا حَفِظَ أَكْثَرَ ذَلِكَ فِي كِبَرِهِ لَا فِي صِغَرِهِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حِفْظِهِ لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَالْأَنْبِيَاءُ أَعْلَمُ الْخَلْقِ، وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ [1] ، إِلَّا عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَعْلِيمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُطْلَقًا لَمْ يَكُنْ يَخُصُّ بِهِ أَحَدًا، وَلَكِنْ بِحَسَبِ اسْتِعْدَادِ الطَّالِبِ، وَلِهَذَا حَفِظَ عَنْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَبَعْضِ أُخْرَى مَا لَمْ يَحْفَظْهُ غَيْرُهُ، وَكَانَ اجْتِمَاعُ أَبِي بَكْرٍ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ [2] : "إِنَّ النَّاسَ مِنْهُ اسْتَفَادُوا الْعُلُومَ [3]" . فَهَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ - الَّتِي كَانَتْ دَارَهُ - كَانُوا قَدْ تَعَلَّمُوا الْإِيمَانَ، وَالْقُرْآنَ وَتَفْسِيرَهُ، وَالْفِقْهَ، وَالسُّنَّةَ مِنَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ، قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ. وَإِذَا قِيلَ: إِنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ [4] قَرَأَ عَلَيْهِ، فَمَعْنَاهُ: عَرَضَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ [5] قَدْ حَفِظَ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ، وَهُوَ (1) س، ب: أَرْبَعِينَ (2) فِي (ك) ص 178 (م) ، وَهُوَ تَابِعٌ لِكَلَامِهِ السَّابِقِ (3) ك: وَمِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَفَادَ النَّاسُ الْعِلْمَ (4) الْأَرْجَحُ أَنَّهُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ رَبِيعَةَ السُّلَمِيُّ الْكُوفِيُّ الْقَارِئُ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ (الطَّبَقَاتِ 6/172) : "رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ وَعُثْمَانَ" . وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَرْجَمَتِهِ (تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 5/183 184) : "رَوَى عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ. . . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ زَمَنَ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ، وَقِيلَ: مَاتَ 72، وَقِيلَ: سَبْعِينَ. وَقَالَ ابْنُ قَانِعٍ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْنُ 90. . . وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ" (5) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) . (ب) وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْكُوفَةِ: مِثْلُ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَالْحَارِثِ التَّيْمِيِّ [1] ، وَزِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، الَّذِي قَرَأَ عَلَيْهِ عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ: أَخَذُوا الْقُرْآنَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَانُوا يَذْهَبُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَيَأْخُذُونَ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ، وَلَمْ يَأْخُذُوا عَنْ عَلِيٍّ كَمَا أَخَذُوا عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ. وَشُرَيْحٌ قَاضِيهِ إِنَّمَا تَفَقَّهَ عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ بِالْيَمَنِ، وَكَانَ يُنَاظِرُهُ فِي الْفِقْهِ، وَلَا يُقَلِّدُهُ، وَكَذَلِكَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ كَانَ لَا يُقَلِّدُهُ، بَلْ يَقُولُ لَهُ: رَأْيُكَ مَعَ عُمَرَ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ فِي الْفُرْقَةِ. وَأَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ فَعِلْمُهُمْ أَيْضًا لَيْسَ مَأْخُوذًا عَنْهُ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الشَّامِ وَالْبَصْرَةِ فَهَذِهِ الْأَمْصَارُ الْخَمْسَةُ: الْحِجَازَانِ، وَالْعِرَاقَانِ، وَالشَّامُ، هِيَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا عُلُومُ النُّبُوَّةِ مِنَ الْعُلُومِ الْإِيمَانِيَّةِ وَالْقُرْآنِيَّةِ وَالشَّرِيعَةِ. وَمَا أَخَذَ هَؤُلَاءِ عَنْهُ [2] ، فَإِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ قَدْ أَرْسَلَ إِلَى كُلِّ مِصْرٍ مَنْ يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَغَيْرَهُمَا، وَأَرْسَلَ إِلَى الْعِرَاقِ ابْنَ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ وَغَيْرَهُمَا. فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [3] : "وَأَمَّا النَّحْوُ فَهُوَ وَاضِعُهُ، قَالَ لِأَبِي" (1) س، ب: اللَّيْثِيِّ. وَهُوَ أَبُو عَائِشَةَ حَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ التَّيْمِيُّ الْكُوفِيُّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ (تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 2/143) : "رَوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَزْدِيِّ. . . قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. قُلْتُ: أَرَّخَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ سَنَةَ إِحْدَى أَوِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ. . . وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ الْحَارِثُ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ" وَانْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 6/176 (2) م: مِنْهُ (3) فِي (ك) 178 (م) الْأَسْوَدِ [1] : الْكَلَامُ كُلُّهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: اسْمٌ، وَفِعْلٌ، وَحَرْفٌ، وَعَلَّمَهُ [2] وُجُوهَ الْإِعْرَابِ. وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: هَذَا لَيْسَ مِنْ عُلُومِ النُّبُوَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ عِلْمٌ مُسْتَنْبَطٌ، وَهُوَ وَسِيلَةٌ فِي حِفْظِ قَوَانِينِ اللِّسَانِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ لَحْنٌ [3] ، فَلَمْ يُحْتَجْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا سَكَنَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ، وَبِهَا الْأَنْبَاطُ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ: "الْكَلَامُ: اسْمٌ، وَفِعْلٌ، وَحَرْفٌ" ، وَقَالَ: "انْحُ هَذَا النَّحْوَ" ، فَفَعَلَ هَذَا لِلْحَاجَةِ، كَمَا أَنَّ مَنْ بَعْدَ عَلِيٍّ أَيْضًا اسْتَخْرَجَ لِلْخَطِّ النَّقْطَ وَالشَّكْلَ، وَعَلَامَةَ الْمَدِّ وَالشَّدِّ [4] ، وَنَحْوَهُ لِلْحَاجَةِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ بَسَطَ النَّحْوَ نُحَاةُ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَالْخَلِيلُ اسْتَخْرَجَ عِلْمَ الْعَرُوضِ. فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [5] : "وَفِي الْفِقْهِ الْفُقَهَاءُ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ [6]" . وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ بَيِّنٌ، فَلَيْسَ فِي الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ - وَلَا غَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ [7] - مَنْ يَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي فِقْهِهِ، أَمَّا مَالِكٌ، فَإِنَّ عِلْمَهُ عَنْ (1) ك: أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ (2) م: وَعَلَيْهِ (3) س، ب: نَحْوَهُ (4) م: وَالتَّشْدِيدِ (5) فِي (ك) ص 178 (م) (6) ك: وَأَمَّا الْفِقْهُ فَالْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ (7) م: الْفِقْهِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ لَا يَكَادُونَ يَأْخُذُونَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ، بَلْ أَخَذُوا فِقْهَهُمْ عَنِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ عَنْ زَيْدٍ، وَعُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَنَحْوِهِمْ. أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ تَفَقَّهَ أَوَّلًا عَلَى الْمَكِّيِّينَ أَصْحَابِ ابْنِ جُرَيْجٍ، كَسَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ الْقَدَّاحِ، وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ. وَابْنُ جُرَيْجٍ أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ،، كَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِ، وَابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ مُجْتَهِدًا مُسْتَقِلًّا، وَكَانَ إِذَا أَفْتَى بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ أَفْتَى بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَكَانَ يُنْكِرُ عَلَى عَلِيٍّ أَشْيَاءَ. ثُمَّ إِنَّ الشَّافِعِيَّ أَخَذَ عَنْ مَالِكٍ، ثُمَّ كَتَبَ كُتُبَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَأَخَذَ مَذَاهِبَ [1] أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَاخْتَارَ لِنَفْسِهِ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَشَيْخُهُ الَّذِي اخْتُصَّ بِهِ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَحَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَإِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَعَلْقَمَةُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَطَاءٍ، وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَكَانَ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، أَخَذَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَخَذَ عَنْ هِشَامِ بْنِ بَشِيرٍ، وَهِشَامٌ عَنْ أَصْحَابِ الْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَأَخَذَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَأَمْثَالِهِمَا، وَجَالَسَ الشَّافِعِيَّ، وَأَخَذَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَاخْتَارَ لِنَفْسِهِ قَوْلًا، وَكَذَلِكَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَأَبُو عُبَيْدٍ [2] وَنَحْوُهُمْ. (1) س، ب: مَذْهَبَ (2) م: أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ أَكْثَرُ فِقْهِهِمَا عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَمْثَالِهِمْ، لَا عَنِ الْكُوفِيِّينَ. فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَأَخَذُوا عِلْمَهُمْ عَنْهُ وَعَنْ أَوْلَادِهِ" [2] . وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا كَذِبٌ ظَاهِرٌ، فَهَذَا مُوَطَّأُ مَالِكٍ لَيْسَ فِيهِ عَنْهُ وَلَا عَنْ (أَحَدِ) [3] أَوْلَادِهِ إِلَّا قَلِيلٌ جِدًّا، وَجُمْهُورُ مَا فِيهِ عَنْ غَيْرِهِمْ، فِيهِ عَنْ جَعْفَرٍ تِسْعَةُ أَحَادِيثَ، وَلَمْ يَرْوِ مَالِكٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَّا عَنْ جَعْفَرٍ، وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِي الصِّحَاحِ، وَالسُّنَنِ، وَالْمَسَانِدِ مِنْهَا قَلِيلٌ عَنْ وَلَدِهِ، وَجُمْهُورُ مَا فِيهَا عَنْ غَيْرِهِمْ. فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [4] : "وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَرَأَ عَلَى الصَّادِقِ [5]" . (1) فِي (ك) ص 178 (م) (2) ك: أَمَّا الْإِمَامِيَّةُ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا عِلْمَهُمْ مِنْهُ وَمِنْ أَوْلَادِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ كَذَلِكَ. وَالصَّوَابُ مَا فِي (ك) لِأَنَّ الرَّافِضِيَّ سَيَتَكَلَّمُ فِي الْأَئِمَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَلَامُهُ هُنَا عَلَى الْإِمَامِيَّةِ قَبْلَهُمْ (3) أَحَدِ: زِيَادَةٌ فِي (م) (4) فِي (ك) ص 179 (م) (5) اخْتَصَرَ ابْنُ تَيْمِيَةَ هُنَا أَكْثَرَ كَلَامِ الرَّافِضِيِّ وَهُوَ: "أَمَّا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، كَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، فَإِنَّهُمْ أَخَذُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ قَرَأَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ (سَتَرِدُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ بَعْدَ قَلِيلٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) وَعَلَى مَالِكٍ، فَرَجَعَ فِقْهُهُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَرَأَ عَلَى الشَّافِعِيِّ، فَرَجَعَ فِقْهُهُ إِلَيْهِ، وَفِقْهُ الشَّافِعِيِّ رَاجِعٌ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ قَرَأَ عَلَى الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَرَأَ عَلَى الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْبَاقِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَرَأَ عَلَى زَيْنِ الْعَابِدِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَزَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَرَأَ عَلَى أَبِيهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَبُوهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَرَأَ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ وَآلِهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَمَالِكٌ. . . ." وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي يَعْرِفُهُ [1] مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْمٍ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مِنْ أَقْرَانِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، تُوُفِّيَ الصَّادِقُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ، وَتُوُفِّيَ أَبُو حَنِيفَةَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يُفْتِي فِي حَيَاةِ أَبِي جَعْفَرٍ وَالِدِ الصَّادِقِ، وَمَا يُعْرَفُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَخَذَ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَلَا عَنْ أَبِيهِ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً، بَلْ أَخَذَ عَمَّنْ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُمَا كَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَشَيْخِهِ الْأَصْلِيِّ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ [2] ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ [3] . فَصْلٌ. قَالَ الرَّافِضِيُّ [4] : "وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَرَأَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ" . وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ جَالَسَهُ وَعَرَفَ طَرِيقَتَهُ [5] وَنَاظَرَهُ، وَأَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْخِلَافَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَالرَّدَّ عَلَيْهِ (هُوَ) الشَّافِعِيُّ [6] ، (1) م: الَّذِي لَا يَعْرِفُهُ (2) ن، س: حَمَّادِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ (3) س، ب: بِالْمَدِينَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (4) فِي (ك) ص 179 (م) (5) م: حَدِيثَهُ (6) ن، س، ب:. . . . الْحَسَنِ وَرَدَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ أَظْهَرَ الرَّدَّ عَلَى مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عُرِفَ مِنْهُ [1] رَدٌّ عَلَى مُخَالِفِيهِ [2] ، فَنَظَرَ [3] الشَّافِعِيُّ فِي كَلَامِهِ، وَانْتَصَرَ لِمَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ انْتِصَارُهُ فِي الْغَالِبِ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ. ثُمَّ إِنَّ عِيسَى بْنَ أَبَانَ صَنَّفَ كِتَابًا تَعَرَّضَ فِيهِ بِالرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ، فَصَنَّفَ ابْنُ سُرَيْجٍ كِتَابًا فِي الرَّدِّ عَلَى عِيسَى بْنِ أَبَانٍ. وَكَذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَمْ يَقْرَأْ عَلَى الشَّافِعِيِّ لَكِنْ جَالَسَهُ، كَمَا جَالَسَ الشَّافِعِيُّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ، وَاسْتَفَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يَتَّفِقَانِ فِي أُصُولِهِمَا، أَكْثَرُ مِنَ اتِّفَاقِ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ أَسَنَّ مِنْ أَحْمَدَ بِبِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ قَدِمَ بَغْدَادَ أَوَّلًا سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِينَ فِي حَيَاةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ قَدِمَهَا ثَانِيَةً سَنَةَ بِضْعٍ وَتِسْعِينَ، وَفِي هَذِهِ الْقَدْمَةِ اجْتَمَعَ بِهِ أَحْمَدُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ أَخَذَ عَنْ جَعْفَرٍ شَيْئًا مِنْ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ، لَكِنْ رَوَوْا عَنْهُ أَحَادِيثَ، كَمَا رَوَوْا عَنْ غَيْرِهِ، وَأَحَادِيثُ غَيْرِهِ أَضْعَافُ أَحَادِيثِهِ، وَلَيْسَ بَيْنَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَحَدِيثِهِ نِسْبَةٌ، لَا فِي الْقُوَّةِ وَلَا فِي الْكَثْرَةِ. وَقَدِ اسْتَرَابَ الْبُخَارِيُّ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ لَمَّا بَلَغَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ (1) ب: عَنْهُ (2) م: رَدُّ عَلِيٍّ عَلَى مُخَالِفِيهِ، س: رَدٌّ عَلَى مُخَالَفَتِهِ ; ب: رَدٌّ عَلَى مُخَالِفِهِ (3) م: فَنَاظَرَ الْقَطَّانِ فِيهِ كَلَامٌ، فَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ. وَلَمْ يُكْذَبْ عَلَى أَحَدٍ مَا كُذِبَ عَلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ - مَعَ بَرَاءَتِهِ - كَمَا كُذِبَ عَلَيْهِ، فَنُسِبَ إِلَيْهِ عِلْمُ الْبِطَاقَةِ، وَالْهَفْتِ، وَالْجَدْوَلِ، وَاخْتِلَاجِ الْأَعْضَاءِ، وَمَنَافِعِ الْقُرْآنِ، وَالْكَلَامِ عَلَى الْحَوَادِثِ، وَأَنْوَاعٍ مِنَ الْإِشَارَاتِ [1] فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، وَتَفْسِيرُ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْمَنَامِ، وَكُلُّ ذَلِكَ كَذِبٌ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا فَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ أَخَذَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ غَيْرِهِ، كَمَا قَدَّمْنَا. وَكَذَلِكَ أَبَوْهُ أَخَذَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (* أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ غَيْرِ الْحُسَيْنِ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ عَنِ الْحُسَيْنِ، فَإِنَّ الْحُسَيْنِ *) [2] قُتِلَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَعَلِيٌّ صَغِيرٌ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَخَذَ عَنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ أَخَذَ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَصَفِيَّةَ، وَأَخَذَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَأَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَكَذَلِكَ الْحَسَنُ كَانَ يَأْخُذُ عَنْ أَبِيهِ، وَغَيْرِهِ حَتَّى أَخَذَ عَنِ التَّابِعِينَ، وَهَذَا مِنْ عِلْمِهِ وَدِينِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَأَمَّا ثَنَاءُ الْعُلَمَاءِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنٍ وَمَنَاقِبِهِ فَكَثِيرَةٌ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَمْ أُدْرِكْ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ: هُوَ أَفْضَلُ هَاشِمِيٍّ رَأَيْتُهُ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: سَمِعْتُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ - وَكَانَ أَفْضَلَ هَاشِمِيٍّ أَدْرَكْتُهُ - يَقُولُ: "أَيُّهَا" (1) م: الْإِسْنَادَاتِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) النَّاسُ أَحِبُّونَا حُبَّ الْإِسْلَامِ، فَمَا بَرِحَ بِنَا حُبُّكُمْ حَتَّى صَارَ عَلَيْنَا عَارًا ". ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي" الطَّبَقَاتِ "[1] ." أَنْبَأَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، أَنْبَأَنَا حَمَّادٌ [2] . ثُمَّ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ [3] : "قَالُوا: وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ثِقَةً مَأْمُونًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ عَالِيًا رَفِيعًا [4] ، وَرَوَى [5]" عَنْ شَيْبَةَ بْنِ نَعَامَةَ، قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يُبَخَّلُ، فَلَمَّا مَاتَ وَجَدُوهُ يَقُوتُ [6] أَهْلَ مِائَةِ بَيْتٍ [7] بِالْمَدِينَةِ فِي السِّرِّ "." فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [8] : "وَمَالِكٌ قَرَأَ عَلَى رَبِيعَةَ، وَرَبِيعَةُ عَلَى عِكْرِمَةَ، وَعِكْرِمَةُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ تِلْمِيذُ عَلِيٍّ" [9] . وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ، فَإِنَّ رَبِيعَةَ لَمْ يَأْخُذْ عَنْ عِكْرِمَةَ شَيْئًا، (1) فِي: طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ 5/214 (2) هَذَا هُوَ سَنَدُ الْخَبَرِ السَّابِقِ، وَفِي الطَّبَقَاتِ: "أَخْبَرَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ. . . . إِلَخْ" (3) فِي "الطَّبَقَاتِ" 5/222 (4) الطَّبَقَاتِ:. . . . رَفِيعًا وَرِعًا (5) الْكَلَامُ التَّالِي سَابِقٌ عَلَى الْعِبَارَةِ السَّابِقَةِ فِي "الطَّبَقَاتِ" (6) س: يَقُودُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، ب: يَعُولُ (7) ن: مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ، م: مِائَةَ بَيْتٍ (8) فِي (ك) ص 179 (م) (9) ك:. . . . . . . قَرَأَ عَلَى رَبِيعَةَ الرَّازِيِّ، وَقَرَأَ رَبِيعَةُ عَلَى عِكْرِمَةَ، وَعِكْرِمَةُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ تِلْمِيذُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَلْ وَلَا ذَكَرَ مَالِكٌ عَنْ عِكْرِمَةَ [1] فِي كُتُبِهِ إِلَّا أَثَرًا أَوْ أَثَرَيْنِ، وَلَا ذَكَرَ اسْمَ عِكْرِمَةَ فِي كُتُبِهِ أَصْلًا ; لِأَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُمَا تَكَلَّمَا فِيهِ فَتَرَكَهُ لِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ مُسْلِمٌ، وَلَكِنَّ رَبِيعَةَ أَخَذَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَمْثَالِهِ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَسَعِيدٌ كَانَ يُرْجِعُ عِلْمَهُ إِلَى عُمَرَ، وَكَانَ قَدْ أَخَذَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَتَتَبَّعَ قَضَايَا عُمَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْأَلُهُ عَنْهَا. وَلِهَذَا يُقَالُ: إِنَّ مُوَطَّأَ مَالِكٍ أُخِذَتْ أُصُولُهُ [2] عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عُمَرَ، وَقَالَ الرَّشِيدُ لِمَالِكٍ: قَدْ أَكْثَرْتَ فِي مُوَطَّئِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَقْلَلْتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: "كَانَ أَوْرَعَ الرَّجُلَيْنِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ" فَهَذَا مُوَطَّأُ مَالِكٍ يُبَيِّنُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَظْهَرِ الْكَذِبِ. وَقَوْلُهُ: "ابْنُ عَبَّاسٍ تِلْمِيذُ عَلِيٍّ" كَلَامٌ بَاطِلٌ، فَإِنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ قَلِيلَةٌ، وَغَالِبُ أَخْذِهِ عَنْ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَنَازَعَ عَلِيًّا فِي مَسَائِلَ، مِثْلَ مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، قَالَ: "«أُتِيَ عَلِيٌّ بِقَوْمٍ زَنَادِقَةٍ فَحَرَّقَهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَمَا لَوْ كُنْتُ لَمْ أُحَرِّقْهُمْ، لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَذَّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ، وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ [3] "فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا، فَقَالَ: وَيْحَ ابْنَ عَبَّاسٍ، مَا أَسْقَطَهُ عَلَى الْهِنَاتِ!»" (1) عَنْ عِكْرِمَةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (2) م: قِرَاءَتُهُ (3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/307
__________________
|
#454
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثامن الحلقة (454) صـ 5 إلى صـ 14 (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] .: "وَأَمَّا عِلْمُ الْكَلَامِ فَهُوَ أَصْلُهُ، وَمِنْ خُطَبِهِ تَعَلَّمَ [2] النَّاسُ، وَكُلُّ [3] النَّاسِ تَلَامِيذُهُ" . وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ كَذِبٌ لَا مَدْحَ فِيهِ ; فَإِنَّ الْكَلَامَ الْمُخَالِفَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَاطِلٌ، وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ عَلِيًّا عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَحَدٌ يَسْتَدِلُّ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ بِحُدُوثِ الْأَجْسَامِ، وَيَثْبُتُ حُدُوثُ الْأَجْسَامِ بِدَلِيلِ الْأَعْرَاضِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَالْأَجْسَامُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِذَلِكَ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ، وَمَا لَا يَسْبِقُ الْحَوَادِثَ فَهُوَ حَادِثٌ، وَيُبْنَى ذَلِكَ عَلَى حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا. بَلْ أَوَّلُ مَا ظَهَرَ هَذَا الْكَلَامُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْمِائَةِ الْأُولَى، مِنْ جِهَةِ الْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، وَالْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ، ثُمَّ صَارَ إِلَى أَصْحَابِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، كَأَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ وَأَمْثَالِهِ. وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ، وَوَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ إِنَّمَا كَانَا يُظْهِرَانِ الْكَلَامَ فِي إِنْفَاذِ الْوَعِيدِ، وَأَنَّ النَّارَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ دَخَلَهَا، وَفِي التَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا نَزَّهَ اللَّهُ عَنْهُ [4] عَلِيًّا. (1) فِي (ن) ص 179 (م) (2) ك: اسْتَفَادَ (3) ن، س، ب: وَكَانَ. (4) ن، م: مِنْهُ. وَلَيْسَ فِي الْخُطَبِ الثَّابِتَةِ عَنْ عَلِيٍّ شَيْءٌ مِنْ أُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ الْخَمْسَةِ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ إِذَا نُقِلَ عَنْهُ فَهُوَ كَذِبٌ عَلَيْهِ. وَقُدَمَاءُ الْمُعْتَزِلَةِ لَمْ يَكُونُوا يُعَظِّمُونَ عَلِيًّا، بَلْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَشُكُّ فِي عَدَالَتِهِ، وَيَقُولُ: قَدْ فَسَقَ عِنْدَ إِحْدَى [1] الطَّائِفَتَيْنِ لَا بِعَيْنِهَا: إِمَّا عَلِيٌّ، وَإِمَّا طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَإِذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا لَمْ أَقْبَلْ شَهَادَتَهُ، وَفِي قَبُولِ شَهَادَةِ عَلِيٍّ مُنْفَرِدَةً قَوْلَانِ لَهُمْ. وَهَذَا مَعْرُوفٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وَأَمْثَالِهِ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ [2] . وَالشِّيعَةُ الْقُدَمَاءُ كُلُّهُمْ كَالْهِشَامَيْنِ [3] وَغَيْرِهِمَا، يُثْبِتُونَ الصِّفَاتِ، وَيُقِرُّونَ بِالْقَدَرِ، عَلَى خِلَافِ قَوْلِ مُتَأَخِّرِي الشِّيعَةِ، بَلْ يُصَرِّحُونَ بِالتَّجْسِيمِ، وَيُحْكَى عَنْهُمْ فِيهِ شَنَاعَاتٌ، وَهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَخَذُوا ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ [4] . (1) م: عِنْدَ أَحَدِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (2) يَقُولُ ابْنُ طَاهِرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ "أُصُولِ الدِّينِ، (ص 290 - 291) : وَقَالَ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَالنَّظَّامُ وَأَكْثَرُ الْقَدَرِيَّةِ: نَتَوَلَّى عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ عَلَى انْفِرَادِهِمْ، وَنَتَوَلَّى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَأَتْبَاعَهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِمْ، وَلَكِنْ لَوْ شَهِدَ عَلِيٌّ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَ طَلْحَةُ أَوِ الزُّبَيْرُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَلَوْ شَهِدَ عَلِيٌّ مَعَ طَلْحَةَ عَلَى بَاقَةِ بَقْلٍ لَمْ نَحْكُمْ بِشَهَادَتِهِمَا، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا فَاسِقٌ، وَالْفَاسِقُ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ" وَانْظُرْ: مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ 2/145. (3) ن، س، ب: كَالْهَاشِمِيِّينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَالْمَقْصُودُ: هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَهِشَامُ بْنُ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيُّ. (4) ذَكَرَ الْأَشْعَرِيُّ فِي "مَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ" 1/106 - 109 مَقَالَاتِ الرَّوَافِضِ فِي التَّجْسِيمِ وَقَسَّمَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَى سِتِّ فِرَقٍ وَذَكَرَ تَفْصِيلَ أَقْوَالِهِمْ، ثُمَّ قَالَ 1/109: "وَقَالُوا فِي التَّوْحِيدِ بِقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ، وَهَؤُلَاءِ قَوْمٌ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ. فَأَمَّا أَوَائِلُهُمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ مَا حَكَيْنَا عَنْهُمْ مِنَ التَّشْبِيهِ" . وَتَكَلَّمَ الْأَشْعَرِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ 1/114 - 115 عَلَى قَوْلِ الرَّافِضَةِ فِي أَعْمَالِ الْعِبَادِ فَقَالَ: إِنَّ الْفِرْقَةَ الْأُولَى فِرْقَةُ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ يَقُولُونَ: إِنَّ أَفْعَالَ الْإِنْسَانِ اخْتِيَارٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ وَاضْطِرَارٌ مِنْ وَجْهٍ. وَكَذَلِكَ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا جَبْرَ، كَمَا قَالَ الْجَهْمِيُّ، وَلَا تَفْوِيضَ كَمَا قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ. وَأَمَّا الْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ مِنْهُمْ فَهُمْ "يَزْعُمُونَ أَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ لِلَّهِ. وَهَذَا قَوْلُ قَوْمٍ يَقُولُونَ بِالِاعْتِزَالِ وَالْإِمَامَةِ" . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقُرْآنِ: أَخَالِقٌ هُوَ أَمْ مَخْلُوقٌ؟ فَقَالَ: لَيْسَ بِخَالِقٍ وَلَا مَخْلُوقٍ، لَكِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِضِيِّ: "إِنَّ وَاصِلَ بْنَ عَطَاءٍ أَخَذَ عَنْ أَبِي هَاشِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ" . فَيُقَالُ: إِنَّ [الْحَسَنَ بْنَ] مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ [1] قَدْ وَضَعَ كِتَابًا فِي الْإِرْجَاءِ، نَقِيضَ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ. ذَكَرَ هَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ [2] ، وَهَذَا يُنَاقِضُ مَذْهَبَ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِي يَقُولُ بِهِ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ، وَيُقَالُ إِنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ [3] . (1) فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ: مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ بَعْدَ قَلِيلٍ، إِذْ إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْحَسَنِ وَعَلَى أَبِي هَاشِمٍ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ. (2) الْمَعْرُوفُ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ - لَا وَالِدُهُ - أَوَّلُ مَنْ أَلَّفَ فِي الْإِرْجَاءِ وَهُوَ صَاحِبُ أَقْدَمِ رِسَالَةٍ فِي الْإِرْجَاءِ وَفِي الرَّدِّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ. انْظُرْ: سِزْكِينَ م 1 ج [0 - 9] ص 15 - 16. (3) أَبُو هَاشِمٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (أَيِ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ) . قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي "تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ" 6/16: ". . عَنِ الزُّهْرِيِّ، ثَنَا: عَبْدُ اللَّهِ وَالْحَسَنُ ابْنَا مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَكَانَ الْحَسَنُ أَرْضَاهُمَا، وَفِي رِوَايَةٍ: وَكَانَ الْحَسَنُ أَوْثَقَهُمَا. . . . وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: أَحَدُهُمَا مُرْجِئٌ وَالْآخَرُ شِيعِيٌّ" وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ: قَالَ الزُّبَيْرُ: كَانَ أَبُو هَاشِمٍ صَاحِبَ الشِّيعَةِ "وَقَالَ:" وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَتْبَعُ - وَفِي رِوَايَةٍ - يَجْمَعُ: أَحَادِيثَ السَّبَائِيَّةِ. . . مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَأَرَّخَهُ الْهَيْثَمُ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ "." وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا هَاشِمٍ هَذَا صَنَّفَ كِتَابًا أُنْكِرَ عَلَيْهِ، لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ أَخُوهُ وَلَا أَهْلُ بَيْتِهِ، وَلَا أَخَذَهُ عَنْ أَبِيهِ. وَبِكُلِّ حَالٍ الْكِتَابُ الَّذِي نُسِبَ إِلَى الْحَسَنِ يُنَاقِضُ مَا يُنْسَبُ [1] إِلَى أَبِي هَاشِمٍ، وَكِلَاهُمَا قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ [2] ، وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَا أَخَذَا هَذَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ عَنْ أَبِيهِمَا مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَلَيْسَ نِسْبَةُ أَحَدِهِمَا إِلَى مُحَمَّدٍ بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ ; فَبَطَلَ الْقَطْعُ بِكَوْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ كَانَ يَقُولُ بِهَذَا وَبِهَذَا. بَلِ الْمَقْطُوعُ بِهِ [3] أَنَّ مُحَمَّدًا، مَعَ بَرَاءَتِهِ مِنْ قَوْلِ الْمُرْجِئَةِ، فَهُوَ مِنْ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ أَعْظَمُ بَرَاءَةً، وَأَبُوهُ عَلِيٌّ أَعْظَمُ بَرَاءَةً مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْمُرْجِئَةِ مِنْهُ. وَأَمَّا الْأَشْعَرِيُّ فَلَا رَيْبَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ تِلْمِيذًا لِأَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ، لَكِنَّهُ (1) ن، م،: مَا نُسِبَ. (2) ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَرْجَمَتِهِ لِلْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ فِي "تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ، 2، 320 - 321 أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْإِرْجَاءِ، ثُمَّ قَالَ:" وَقَالَ سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ أَيُّوبَ: أَنَا أَتَبَرَّأُ مِنَ الْإِرْجَاءِ، إِنَّ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ: الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ زَاذَانَ وَمَيْسَرَةَ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَلَامَاهُ عَلَى الْكِتَابِ الَّذِي وَضَعَ فِي الْإِرْجَاءِ، فَقَالَ لِزَاذَانَ: يَا أَبَا عَمْرٍو لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مُتُّ وَلَمْ أَكْتُبْهُ "وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّ الْحَسَنَ تُوُفِّيَ سَنَةَ 99 أَوْ 100 وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي وَفَاتِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْإِرْجَاءَ الَّذِي تَكَلَّمَ الْحَسَنُ فِيهِ غَيْرُ الْإِرْجَاءِ الَّذِي يَعِيبُهُ أَهْلُ السُّنَّةِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْإِيمَانِ وَقَالَ: إِنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى كِتَابِهِ الْمَذْكُورِ فَوَجَدَ أَنَّ الْحَسَنَ يَقُولُ فِيهِ: إِنَّهُ يُرْجِئُ مَنْ كَانَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَنَّهُ يَرَى عَدَمَ الْقَطْعِ عَلَى إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ الْمُقْتَتِلَتَيْنِ فِي الْفِتْنَةِ بِكَوْنِهِ مُخْطِئًا أَوْ مُصِيبًا ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْإِرْجَاءُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْإِيمَانِ فَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ" . (3) ن، س، ب: عَنْهُ. فَارَقَهُ وَرَجَعَ عَنْ جُمَلِ [1] مَذْهَبِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أُصُولِ مَذْهَبِهِ، لَكِنَّهُ خَالَفَهُ فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ، وَسَلَكَ فِيهَا طَرِيقَةَ ابْنِ كُلَّابٍ، وَخَالَفَهُمْ فِي الْقَدَرِ وَمَسَائِلِ الْإِيمَانِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ، وَنَاقَضَهُمْ فِي ذَلِكَ، أَكْثَرَ مِنْ مُنَاقَضَةِ حُسَيْنٍ النَّجَّارِ وَضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو، وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ هُوَ مُتَوَسِّطٌ فِي هَذَا الْبَابِ، كَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، حَتَّى مَالَ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ جَهْمٍ، وَخَالَفَهُمْ فِي الْوَعِيدِ، وَقَالَ بِمَذْهَبِ الْجَمَاعَةِ، وَانْتَسَبَ إِلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ، كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَمْثَالِهِ، وَبِهَذَا اشْتُهِرَ عِنْدَ النَّاسِ. فَالْقَدْرُ الَّذِي يُحْمَدُ مِنْ مَذْهَبِهِ، (* هُوَ مَا وَافَقَ فِيهِ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، كَالْجُمَلِ الْجَامِعَةِ. وَأَمَّا الْقَدْرُ الَّذِي يُذَمُّ مِنْ مَذْهَبِهِ، فَهُوَ مَا وَافَقَ فِيهِ الْمُخَالِفِينَ لِلسُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْمُرْجِئَةِ، وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَخَذَ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَنْ *) [2] زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى السَّاجِيِّ بِالْبَصْرَةِ [3] ، وَعَنْ طَائِفَةٍ بِبَغْدَادَ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَذَكَرَ فِي الْمَقَالَاتِ مَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ، وَقَالَ [4] : "بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِمْ نَقُولُ، وَإِلَيْهِ نَذْهَبُ" . (1) ن، م: حَمْلِ. (2) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (3) أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَدِيٍّ الضَّبِّيُّ الْبَصْرِيُّ السَّاجِيُّ، مُحَدِّثُ الْبَصْرَةِ فِي عَصْرِهِ، كَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ الثِّقَاتِ، وُلِدَ سَنَةَ 220 وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 307. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ 3/299 - 301، الْأَعْلَامِ 3/81. (4) فِي "الْمَقَالَاتِ" 1/325. وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ مِنْ أَبْعَدِ الْمَذَاهِبِ عَنْ مَذْهَبِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ. وَأَمَّا الرَّافِضَةُ [1] - كَهَذَا الْمُصَنِّفِ وَأَمْثَالِهِ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْإِمَامِيَّةِ - فَإِنَّهُمْ جَمَعُوا أَخَسَّ الْمَذَاهِبِ: مَذْهَبُ الْجَهْمِيَّةِ فِي الصِّفَاتِ، وَمَذْهَبُ الْقَدَرِيَّةِ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَمَذْهَبُ الرَّافِضَةِ فِي الْإِمَامَةِ وَالتَّفْضِيلِ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ مِنَ الْكَلَامِ فَهُوَ كَذِبٌ عَلَيْهِ، وَلَا مَدْحَ فِيهِ. وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقَرَامِطَةَ الْبَاطِنِيَّةَ يَنْسُبُونَ قَوْلَهُمْ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ أُعْطِيَ عِلْمًا بَاطِنًا مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "«وَالَّذِي فَلَقَ [2] الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ [3] إِلَى النَّاسِ، إِلَّا مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، وَكَانَ فِيهَا: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الْأَسْرَى، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، إِلَّا فَهْمًا يُؤْتِيهِ اللَّهُ عَبْدًا فِي الْكِتَابِ»" [4] . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَنْسُبُ إِلَيْهِ الْكَلَامُ فِي الْحَوَادِثِ، كَالْجَفْرِ وَغَيْرِهِ، وَآخَرُونَ يَنْسُبُونَ إِلَيْهِ الْبِطَاقَةَ وَأُمُورًا أُخْرَى، يُعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا بَرِيءٌ مِنْهَا. (1) ن، س، ب: وَالرَّافِضَةُ، م: الرَّافِضَةُ. (2) ن، س، ب: خَلَقَ. (3) م: مِمَّا لَمْ يَعْهَدْهُ. (4) جَاءَ هَذَا الْأَثَرُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي الْبُخَارِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ: 1/29 (كِتَابُ الْعِلْمِ، بَابُ كِتَابَةِ الْعِلْمِ) ، 4/68 - 69 (كِتَابُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ فِكَاكِ الْأَسِيرِ) ، 9/11، 12 - 13 (كِتَابُ الدِّيَاتِ، بَابُ الْعَاقِلَةِ، بَابُ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ) ، سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ 2/432 - 433 (كِتَابُ الدِّيَاتِ، بَابُ مَا جَاءَ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) ، سُنَنُ النَّسَائِيِّ 8/21 (كِتَابُ الْقَسَامَةِ، بَابُ سُقُوطِ الْقَوَدِ مِنَ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ) ، سُنَنُ الدَّارِمِيِّ 2/190 (كِتَابُ الدِّيَاتِ، بَابُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) ، الْمُسْنَدُ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/35 - 36. وَكَذَلِكَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ قَدْ كُذِبَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، حَتَّى نُسِبَ إِلَيْهِ الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ النُّجُومِ وَالرُّعُودِ، وَالْبُرُوقِ وَالْقُرْعَةِ، الَّتِي هِيَ مِنَ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ، وَنُسِبَ إِلَيْهِ كِتَابُ "مَنَافِعِ سُوَرِ الْقُرْآنِ" ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ جَعْفَرًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَحَتَّى نُسِبَ إِلَيْهِ أَنْوَاعٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ عَلَى طَرِيقَةِ الْبَاطِنِيَّةِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فِي كِتَابِ "حَقَائِقِ التَّفْسِيرِ" ، فَذَكَرَ قِطْعَةً مِنَ التَّفَاسِيرِ الَّتِي هِيَ مِنْ تَفَاسِيرِهِ، وَهِيَ مِنْ بَابِ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَتَبْدِيلِ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْآيَاتِ بِغَيْرِ مُرَادِهِ [1] . وَكُلُّ ذِي عِلْمٍ بِحَالِهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ بَرِيئًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَالْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ فِي تَفْسِيرِ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ. وَكَذَلِكَ قَدْ نَسَبَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمُ الْكِتَابَ الَّذِي يُسَمَّى "رَسَائِلَ إِخْوَانِ الْكَدَرِ" [2] ، وَهَذَا الْكِتَابُ صُنِّفَ بَعْدَ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بِأَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ ; فَإِنَّ جَعْفَرًا تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَهَذَا الْكِتَابُ صُنِّفَ فِي أَثْنَاءِ الدَّوْلَةِ الْعُبَيْدِيَّةِ الْبَاطِنِيَّةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، لَمَّا اسْتَوْلَوْا عَلَى مِصْرَ، وَبَنَوْا [3] الْقَاهِرَةَ، صَنَّفَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الْفَلْسَفَةِ وَالشَّرِيعَةِ وَالتَّشَيُّعِ، كَمَا كَانَ يَسْلُكُهُ هَؤُلَاءِ الْعُبَيْدِيُّونَ، الَّذِينَ كَانُوا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ مِنْ وَلِدَ عَلِيٍّ. (1) انْظُرْ عَنِ الْكُتُبِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّتِي نُسِبَتْ إِلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ مَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْتُهُ فِيمَا مَضَى 2/464 - 465. (2) م: الصَّفَا. (3) س، ب: وَتَبَوَّءُوا. وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّسَبِ يَعْلَمُونَ أَنَّ نَسَبَهُمْ بَاطِلٌ، وَأَنَّ جَدَّهُمْ [1] يَهُودِيٌّ فِي الْبَاطِنِ وَفِي الظَّاهِرِ، وَجَدُّهُمْ دَيْصَانِيٌّ مِنَ الْمَجُوسِ، تَزَوَّجَ امْرَأَةَ هَذَا الْيَهُودِيِّ، وَكَانَ ابْنُهُ رَبِيبًا لِمَجُوسِيٍّ ; فَانْتَسَبَ إِلَى زَوْجِ أُمِّهِ الْمَجُوسِيِّ، وَكَانُوا يَنْتَسِبُونَ إِلَى بَاهِلَةَ، عَلَى أَنَّهُمْ مِنْ مَوَالِيهِمْ، وَادَّعَى هُوَ أَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَإِلَيْهِ انْتَسَبَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ، وَادَّعَوْا أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ دُونَ الِاثْنَيْ عَشَرِيَّةَ ; فَإِنَّ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ يَدَّعُونَ إِمَامَةَ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، وَهَؤُلَاءِ يَدَّعُونَ إِمَامَةَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ. وَأَئِمَّةُ هَؤُلَاءِ فِي الْبَاطِنِ مَلَاحِدَةٌ زَنَادِقَةٌ، شَرٌّ مِنَ الْغَالِيَةِ، لَيْسُوا مِنْ جِنْسِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ، لَكِنْ إِنَّمَا طُرُقُهُمْ عَلَى [2] هَذِهِ الْمَذَاهِبِ الْفَاسِدَةِ وَنِسْبَتُهَا إِلَى عَلِيٍّ مَا فَعَلَتْهُ الِاثْنَا عَشْرِيَّةَ وَأَمْثَالُهُمْ، كَذَبَ أُولَئِكَ عَلَيْهِ نَوْعًا مِنَ الْكَذِبِ [3] ، فَفَرَّعَهُ هَؤُلَاءِ، وَزَادُوا عَلَيْهِ، حَتَّى نَسَبُوا الْإِلْحَادَ إِلَيْهِ، كَمَا نَسَبَ هَؤُلَاءِ إِلَيْهِ مَذْهَبَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَلَمَّا كَانَ هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةُ، مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ، يَنْتَسِبُونَ [4] إِلَى عَلِيٍّ، وَهُمْ طُرُقِيَّةٌ وَعَشْرِيَّةٌ وَغُرَبَاءُ، وَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ صَارُوا يُضِيفُونَ إِلَى عَلِيٍّ مَا بَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْهُ، حَتَّى صَارَ اللُّصُوصُ مِنَ الْعَشْرِيَّةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَعَهُمْ كِتَابًا مِنْ عَلِيٍّ، بِالْإِذْنِ لَهُمْ فِي سَرِقَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ، كَمَا ادَّعَتِ الْيَهُودُ الْخَيَابِرَةُ أَنَّ مَعَهُمْ كِتَابًا مِنْ عَلِيٍّ بِإِسْقَاطِ الْجِزْيَةِ عَنْهُمْ، (1) ب: حَدَّهُمْ. (2) م: إِلَى. (3) س، ب: وَأَمْثَالُهُمْ عَلَيْهِ نَوْعٌ مِنَ الْكَذِبِ. (4) م، س، ب: يُنْسَبُونَ. وَإِبَاحَةِ عُشْرِ أَمْوَالِ أَنْفُسِهِمْ [1] ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُخَالِفَةِ لِدِينِ الْإِسْلَامِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ، وَهُوَ مِنْ أَبْرَأِ النَّاسِ مِنْ [2] هَذَا كُلِّهِ. ثُمَّ صَارَ هَؤُلَاءِ يَعُدُّونَ مَا افْتَرَوْهُ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مَدْحًا لَهُ، يُفَضِّلُونَهُ بِهَا عَلَى الْخُلَفَاءِ قَبْلَهُ، وَيَجْعَلُونَ تَنَزُّهَ أُولَئِكَ مِنْ مِثْلِ الْأَبَاطِيلِ [3] عَيْبًا فِيهِمْ وَبُغْضًا، حَتَّى صَارَ [4] رُؤُوسُ الْبَاطِنِيَّةِ تَجْعَلُ مُنْتَهَى الْإِسْلَامِ وَغَايَتَهُ هُوَ الْإِقْرَارُ [5] بِرُبُوبِيَّةِ الْأَفْلَاكِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ الْأَفْلَاكِ صَانِعٌ لَهَا وَلَا خَالِقٌ، وَيَجْعَلُونَ هَذَا هُوَ بَاطِنَ دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي بُعِثَ بِهِ الرَّسُولُ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ تَأْوِيلُهُ، وَأَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ أَلْقَاهُ عَلِيٌّ إِلَى الْخَوَاصِّ، حَتَّى اتَّصَلَ بِمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَهُوَ عِنْدَهُمُ الْقَائِمُ، وَدَوْلَتُهُ هِيَ الْقَائِمَةُ عِنْدَهُمْ، وَأَنَّهُ يَنْسَخُ مِلَّةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَيُظْهِرُ التَّأْوِيلَاتِ الْبَاطِنَةَ الَّتِي يَكْتُمُهَا الَّتِي أَسَرَّهَا إِلَى عَلِيٍّ. وَصَارَ هَؤُلَاءِ يُسْقِطُونَ عَنْ خَوَاصِّ أَصْحَابِهِمُ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ، وَيُبِيحُونَ لَهُمُ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ وَالْمُنْكَرِ [6] وَغَيْرِ ذَلِكَ. (1) م: أَمْوَالِ النَّاسِ. (2) م: عَنْ. (3) ن: وَيَجْعَلُونَ تَنَزُّهَ ذَلِكَ مِنْ مِثْلِ الْأَبَاطِيلِ، م: وَيَجْعَلُونَ بَيْنَ أُولَئِكَ مِنْ مِثْلِ الْأَبَاطِيلِ، س: وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ مِنْ مِثْلِ الْأَبَاطِيلِ، ب: وَيَجْعَلُونَ مِثْلَ ذَلِكَ مِنَ الْأَبَاطِيلِ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (4) م، س: صَارُوا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (5) م: الِاقْتِدَاءُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (6) ن، س: الْمُمْكِنِ، م: الْمَحْكِيِّ، ب: الْمُنْكَرِ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. وَصَنَّفَ الْمُسْلِمُونَ فِي كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَهَتْكِ أَسْتَارِهِمْ كُتُبًا مَعْرُوفَةً ; لِمَا عَلِمُوهُ مِنْ إِفْسَادِهِمُ الدِّينَ وَالدُّنْيَا، وَصَنَّفَ فِيهِمُ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالْغَزَالِيُّ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّهْرَسْتَانِيُّ، وَطَوَائِفُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ. وَهُمُ الْمَلَاحِدَةُ الَّذِينَ ظَهَرُوا بِالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَالْيَمَنِ وَالشَّامِ، وَمَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ، كَأَصْحَابِ الْأَلَمُوتِ [1] وَأَمْثَالِهِمْ. وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ مَا بِهِ دَخَلَ هَؤُلَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ [2] وَأَفْسَدُوا الدِّينَ هُوَ طَرِيقُ الشِّيعَةِ ; لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ، وَبُعْدِهِمْ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ. وَبِهَذَا وَصَّوْا دُعَاتَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَابِ التَّشَيُّعِ، وَصَارُوا يَسْتَعِينُونَ [3] بِمَا عِنْدَ الشِّيعَةِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ وَالْأَهْوَاءِ، وَيَزِيدُونَ هُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا نَاسَبَهُمْ مِنَ الِافْتِرَاءِ، حَتَّى فَعَلُوا فِي أَهْلِ الْإِيمَانِ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَالصُّلْبَانِ، وَكَانَ حَقِيقَةُ أَمْرِهِمْ دِينَ فِرْعَوْنَ، الَّذِي هُوَ شَرٌّ [4] مِنْ دِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَعُبَّادِ [5] الْأَصْنَامِ. وَأَوَّلُ دَعْوَتِهِمُ التَّشَيُّعُ، وَآخِرُهَا الِانْسِلَاخُ مِنَ الْإِسْلَامِ، بَلْ مِنَ الْمِلَلِ كُلِّهَا. وَمَنْ عَرَفَ أَحْوَالَ الْإِسْلَامِ، وَتَقَلُّبَ النَّاسِ فِيهِ ; فَلَا بُدَّ أَنَّهُ قَدْ عَرَفَ شَيْئًا مِنْ هَذَا. (1) انْظُرْ مَا سَبَقَ أَنْ ذَكَرْتُهُ عَنِ الْأَلَمُوتِ فِيمَا مَضَى 3/445. (2) ن، س: الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ خَطَأٌ. (3) س: يَسْتَغِيثُونَ (4) م: أَشَرُّ. (5) ن: وَعِبَادَةِ.
__________________
|
#455
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثامن الحلقة (455) صـ 15 إلى صـ 24 وَهَذَا تَصْدِيقٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: "«لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ" . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَنْ»" [1] . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: "«لَتَأْخُذَنَّ أُمَّتِي مَأْخَذَ الْأُمَمِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ" . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَارِسُ وَالرُّومُ؟ قَالَ: "وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا هَؤُلَاءِ» ؟" [2] . وَهَذَا بِعَيْنِهِ صَارَ فِي هَؤُلَاءِ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى التَّشَيُّعِ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةَ أَخَذُوا مِنْ مَذَاهِبِ الْفُرْسِ، وَقَوْلِهِمْ بِالْأَصْلَيْنِ: النُّورُ وَالظُّلْمَةُ، وَغَيْرِ ذَلِكَ أُمُورًا، وَأَخَذُوا مِنْ مَذَاهِبِ الرُّومِ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ، وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ مَذْهَبِ الْيُونَانِ، وَقَوْلِهِمْ بِالنَّفْسِ وَالْعَقْلِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ أُمُورًا، وَمَزَجُوا هَذَا بِهَذَا، وَسَمُّوا ذَلِكَ بِاصْطِلَاحِهِمْ: السَّابِقَ وَالتَّالِيَ، وَجَعَلُوهُ هُوَ الْقَلَمَ وَاللَّوْحَ، وَأَنَّ الْقَلَمَ هُوَ الْعَقْلُ، الَّذِي يَقُولُ هَؤُلَاءِ: إِنَّهُ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلُ، قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ، فَأَقْبَلَ. فَقَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ. فَقَالَ: وَعِزَّتِي مَا خَلَقْتُ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيَّ مِنْكَ، فَبِكَ آخُذُ، وَبِكَ أُعْطِي، وَبِكَ الثَّوَابُ، وَبِكَ الْعِقَابُ» . وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ بَعْضُ مَنْ صَنَّفَ فِي فَضَائِلِ الْعَقْلِ، كَدَاوُدَ بْنِ (1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/628 وَأَوَّلُهُ هُنَاكَ: "لَتَتَّبِعُنَّ. . ." (2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/365. الْمُحَبَّرِ [1] وَنَحْوِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ كُذِبَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُمْ [2] ، لَكِنْ [3] لَمَّا وَافَقَ رَأْيَ هَؤُلَاءِ اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى عَادَتِهِمْ، مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ يُنَاقِضُ مَذْهَبَهُمْ. فَإِنَّ لَفْظَهُ "أَوَّلَ" بِالنَّصْبِ. وَرُوِيَ أَنَّهُ "«لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ»" أَيْ أَنَّهُ قَالَ لَهُ هَذَا الْكَلَامَ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ خَلْقِهِ، فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ خَاطَبَهُ حِينَ خَلَقَهُ، لَا أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ ; وَلِهَذَا قَالَ فِي أَثْنَائِهِ: "«مَا خَلَقْتُ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيَّ مِنْكَ»" فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ خَلَقَ قَبْلَهُ غَيْرَهُ، وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ "يُقْبِلُ وَيُدْبِرُ" (1) س، ب: كَدَاوُدَ بْنِ الْمُحِبِّ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (2) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ "الْمَوْضُوعَاتِ" 1/174 بَعْدَ أَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِأَسَانِيدِهِ الْمُخْتَلِفَةِ: "هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: الْفَضْلُ رَجُلُ سُوءٍ. قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَأَمَّا سَيْفٌ فَكَذَّابٌ بِإِجْمَاعِهِمْ" ثُمَّ رَوَى الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ 1/175 وَقَالَ: إِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ثُمَّ رَوَى (1/176) عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ قَوْلَهُ: إِنَّ كِتَابَ الْعَقْلِ وَضَعَهُ أَرْبَعَةٌ: أَوَّلُهُمْ: مَيْسَرَةُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، ثُمَّ سَرَقَهُ مِنْهُ دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ فَرَكَّبَهُ بِأَسَانِيدَ غَيْرِ أَسَانِيدِ مَيْسَرَةَ، ثُمَّ سَرَقَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ فَرَكَّبَهُ بِأَسَانِيدَ أُخَرَ، ثُمَّ سَرَقَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ عِيسَى السِّجْزِيُّ فَأَتَى بِأَسَانِيدَ أُخْرَى. وَزَادَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ 1/177: "وَقَدْ رُوِيَتْ فِي الْعُقُولِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يَثْبُتُ" . وَانْظُرْ أَيْضًا: اللَّآلِئَ الْمَصْنُوعَةَ لِلسُّيُوطِيِّ 1/129 - 130، الْمَقَاصِدَ الْحَسَنَةَ لِلسَّخَاوِيِّ، ص [0 - 9] 18، 134 ; تَنْزِيهَ الشَّرِيعَةِ لِابْنِ عِرَاقٍ الْكِنَانِيِّ 1/213 ; الْفَوَائِدَ الْمَجْمُوعَةَ لِلشَّوْكَانِيِّ، ص 476 ; تَذْكِرَةَ الْمَوْضُوعَاتِ لِلْفَتَنِيِّ، ص 29 - 30 ; كَشْفَ الْخَفَاءِ لِلْعَجْلُونِيِّ 1/236 - 237، 263، الْمَوْضُوعَاتِ لَعَلِيٍّ الْقَارِي، ص 27، 30، سِلْسِلَةَ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالْمَوْضُوعَةِ لِلْأَلْبَانِيِّ 1/11. وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي "مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ" 2/20 عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْمُحَبَّرِ. وَانْظُرْ "الصَّفَدِيَّةَ" 1/238 - 239. (3) س، ب: وَلَكِنْ. وَالْعَقْلُ الْأَوَّلُ [1] عِنْدَهُمْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ هَذَا. وَقَالَ: "«بِكَ، آخُذُ، وَبِكَ أُعْطِي، وَبِكَ الثَّوَابُ»" وَهَذَا الْعَقْلُ عِنْدَهُمْ (* هُوَ رَبُّ الْعَالَمِ كُلِّهِ، هُوَ الْمُبْدِعُ لَهُ كُلِّهِ، وَهُوَ مَعْلُولُ الْأَوَّلِ، لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَرْبَعَةُ أَعْرَاضٍ، بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ *) [2] مُبْدِعُ الْجَوَاهِرِ كُلِّهَا: الْعُلْوِيَّةِ، وَالسُّفْلِيَّةِ، وَالْحِسِّيَّةِ [3] ، وَالْعَقْلِيَّةِ. وَالْعَقْلُ فِي لُغَةِ الْمُسْلِمِينَ عَرَضٌ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ وَإِمَّا قُوَّةٌ فِي النَّفْسِ [4] . وَأَمَّا مَصْدَرُ [الْعَقْلِ] [5] : عَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلًا، وَأَمَّا الْعَاقِلُ فَلَا يُسَمَّى فِي لُغَتِهِمُ الْعَقْلَ. وَهَؤُلَاءِ فِي اصْطِلَاحِهِمُ الْعَقْلُ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا، وَبَيَّنَّا حَقِيقَةَ أَمْرِهِمْ بِالْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ، وَأَنَّ مَا يُثْبِتُونَهُ مِنَ الْمُفَارَقَاتِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا يَرْجِعُ إِلَّا إِلَى أَمْرِ وُجُودِهَا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، إِلَّا النَّفْسَ النَّاطِقَةَ، وَقَدْ أَخْطَئُوا فِي بَعْضِ صِفَاتِهَا [6] . وَهَؤُلَاءِ قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْعَالَمَ مَعْلُولٌ عِلَّةً قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً وَاجِبَةَ الْوُجُودِ، وَإِنَّ الْعَالَمَ لَازِمٌ لَهَا، لَكِنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ، وَإِنَّ الْأَفْلَاكَ تَتَحَرَّكُ حَرَكَةً إِرَادِيَّةً شَوْقِيَّةً لِلتَّشَبُّهِ بِهِ، وَهُوَ مُحَرِّكٌ لَهَا، كَمَا يُحَرِّكُ (1) الْأَوَّلُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (2) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (3) ن، م: الْحِسِّيَّةِ. (4) ب: إِمَّا قُوَّةُ النَّفْسِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (5) الْعَقْلِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . (6) انْظُرْ فِي هَذَا: الرِّسَالَةَ "السَّبْعِينِيَّةَ" لِابْنِ تَيْمِيَّةَ، ضِمْنَ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى الْكُبْرَى، نَشَرَهُ فَرَجُ اللَّهِ الْكُرْدِيُّ، مَطْبَعَةُ كُرْدِسْتَانَ الْعِلْمِيَّةُ، الْقَاهِرَةُ، 1329. وَانْظُرْ كِتَابِي: مُقَارَنَةٌ بَيْنَ الْغَزَالِيِّ وَابْنِ تَيْمِيَّةَ، ط. دَارِ الْقَلَمِ، الْكُوَيْتِ، 1395 1975. الْمَحْبُوبُ الْمُتَشَبَّهُ بِهِ لِمُحِبِّهِ الَّذِي يَتَشَبَّهُ بِهِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُحْدِثَ لِتَصَوُّرَاتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَحَرَكَاتِهِ. فَقَوْلُهُمْ فِي حَرَكَةِ الْفَلَكِ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ فِي أَفْعَالِ [1] الْحَيَوَانِ، لَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: حَرَكَةُ الْفَلَكِ هِيَ سَبَبُ الْحَوَادِثِ. فَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْحَوَادِثَ كُلَّهَا تَحْدُثُ بِلَا مُحْدِثٍ أَصْلًا، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا. وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ. وَهُمْ جَعَلُوا الْعِلْمَ الْأَعْلَى وَالْفَلْسَفَةَ الْأُولَى هُوَ الْعِلْمَ الْبَاطِنَ فِي الْوُجُودِ وَلَوَاحِقِهِ، وَقَسَّمُوا الْوُجُودَ إِلَى جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ، ثُمَّ قَسَّمُوا الْأَعْرَاضَ إِلَى تِسْعَةِ أَجْنَاسٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّهَا إِلَى خَمْسَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّهَا إِلَى ثَلَاثَةٍ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَقُمْ لَهَا دَلِيلٌ عَلَى الْحَصْرِ. وَقَسَّمُوا الْجَوَاهِرَ [2] إِلَى خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ: الْعَقْلُ، وَالنَّفْسُ، وَالْمَادَّةُ، وَالصُّورَةُ، وَالْجِسْمُ. وَوَاجِبُ الْوُجُودِ تَارَةً يُسَمُّونَهُ جَوْهَرًا، وَهُوَ قَوْلُ قُدَمَائِهِمْ كَأَرِسْطُو وَغَيْرِهِ، وَتَارَةً لَا يُسَمُّونَهُ بِذَلِكَ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ سِينَا. وَكَانَ قُدَمَاءُ الْقَوْمِ يَتَصَوَّرُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ أُمُورًا عَقْلِيَّةً، فَيَظُنُّونَهَا ثَابِتَةً فِي الْخَارِجِ، كَمَا يُحْكَى عَنْ شِيعَةِ فِيثَاغُورْسَ وَأَفْلَاطُونَ [3] ، وَأَنَّ أُولَئِكَ أَثْبَتُوا أَعْدَادًا مُجَرَّدَةً فِي الْخَارِجِ، وَهَؤُلَاءِ أَثْبَتُوا الْمُثُلَ الْأَفْلَاطُونِيَّةَ، وَهِيَ الْكُلِّيَّاتُ الْمُجَرَّدَةُ عَنِ الْأَعْيَانِ، وَأَثْبَتُوا الْمَادَّةَ الْمُجَرَّدَةَ، وَهِيَ الْهَيُولَى الْأَوَّلِيَّةُ، وَأَثْبَتُوا الْمُدَّةَ (1) س، ب: أَحْوَالِ. (2) م: الْجَوْهَرَ. (3) ن، س: وَأَفْلَاطِنَ. الْمُجَرَّدَةَ، وَهِيَ الدَّهْرُ الْعَقْلِيُّ الْمُجَرَّدُ عَنِ الْجِسْمِ وَأَعْرَاضِهِ، وَأَثْبَتُوا الْفَضَاءَ [1] الْمُجَرَّدَ عَنِ الْجِسْمِ وَأَعْرَاضِهِ. وَأَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ خَالَفُوا سَلَفَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يُثْبِتُوا مِنْ هَذِهِ شَيْئًا مُجَرَّدًا، وَلَكِنْ أَثْبَتُوا الْمَادَّةَ الْمُقَارِنَةَ لِلصُّورَةِ، وَأَثْبَتُوا الْكُلِّيَّاتِ الْمُقَارِنَةَ لِلْأَعْيَانِ، وَأَثْبَتُوا الْعُقُولَ الْعَشَرَةَ. وَأَمَّا النَّفْسُ الْفَلَكِيَّةُ فَأَكْثَرُهُمْ يَجْعَلُهَا قُوَّةً جُسْمَانِيَّةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هِيَ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ كَنَفْسِ الْإِنْسَانِ. وَلَفْظُ "الصُّورَةِ" يُرِيدُونَ بِهِ تَارَةً مَا هُوَ عَرَضٌ، كَالصُّورَةِ الصِّنَاعِيَّةِ، مِثْلَ شَكْلِ السَّرِيرِ وَالْخَاتَمِ وَالسَّيْفِ، وَهَذِهِ عَرَضٌ قَائِمٌ بِمَحَلِّهِ [2] ، وَالْمَادَّةُ هَنَا جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ. وَيُرِيدُونَ بِالصُّورَةِ تَارَةً الصُّورَةَ الطَّبِيعِيَّةَ، وَبِالْمَادَّةِ الْمَادَّةَ [3] الطَّبِيعِيَّةَ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْحَيَوَانَ وَالْمَعَادِنَ وَالنَّبَاتَ [4] لَهَا صُورَةٌ هِيَ خُلِقَتْ مِنْ مَوَادَّ، لَكِنْ [يَعْنُونَ] [5] بِالصُّورَةِ جَوْهَرًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، وَبِالْمَادَّةِ جَوْهَرًا آخَرَ مُقَارِنًا لِهَذِهِ. وَآخَرُونَ فِي مُقَابَلَتِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ، الْقَائِلِينَ بِالْجَوْهَرِ الْفَرْدِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَا ثَمَّ مِنْ حَادِثٍ يُعْلَمُ حُدُوثُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ إِلَّا الْأَعْرَاضَ، وَأَنَّهُمْ لَا يَشْهَدُونَ حُدُوثَ جَوْهَرٍ مِنَ الْجَوَاهِرِ. (1) ن، م، س: الْقَضَاءَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا إِثْبَاتُ الْخَلَاءِ أَوِ الْمَكَانِ الْمُجَرَّدِ عَنِ الْجِسْمِ. (2) م: بِنَفْسِهِ. (3) الْمَادَّةَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (4) ب: وَالنَّبَاتَاتِ. (5) يَعْنُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) . وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ، خَطَأٌ وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَدْ يُرَادُ بِالْمَادَّةِ الْمَادَّةُ الْكُلِّيَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْأَجْسَامِ، وَبِالصُّورَةِ [1] الصُّورَةُ الْكُلِّيَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْأَجْسَامِ، وَيَدَّعُونَ أَنَّ كِلَيْهِمَا جَوْهَرٌ عَقْلِيٌّ، وَهُوَ غَلَطٌ ; فَإِنَّ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْأَجْسَامِ أَمْرٌ كُلِّيٌّ، وَالْكُلِّيَّاتُ لَا تُوجَدُ كُلِّيَّاتٍ [2] إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، وَكُلُّ مَا وُجِدَ فِي الْخَارِجِ فَهُوَ مُمَيَّزٌ بِنَفْسِهِ عَنْ غَيْرِهِ، لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، إِلَّا فِي الذِّهْنِ إِذَا أُخِذَ كُلِّيًّا. وَالْأَجْسَامُ يَعْرِضُ لَهَا الِاتِّصَالُ وَالِانْفِصَالُ، وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ وَالِافْتِرَاقُ، وَهُمَا مِنَ الْأَعْرَاضِ، لَيْسَ الِانْفِصَالُ شَيْئًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، كَمَا أَنَّ الْحَرَكَةَ لَيْسَتْ شَيْئًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، غَيْرَ الْجِسْمِ الْمَحْسُوسِ يَرِدُ عَلَيْهِ الِاتِّصَالُ وَالِانْفِصَالُ، وَيُسَمُّونَهُ الْهَيُولَى وَالْمَادَّةَ، وَهَذَا وَغَيْرُهُ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ [3] . وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ قَدْ لَا يَفْهَمُونَ حَقِيقَةَ مَا يَقُولُونَ وَمَا يَقُولُ غَيْرُهُمْ، وَمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، حَتَّى يَعْرِفُوا مَا فِيهِ مِنْ حَقٍّ وَبَاطِلٍ ; فَيَعْلَمُونَ هَلْ هُمْ مُوَافِقُونَ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، أَوْ هُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ. وَمَنْ أَرَادَ التَّظَاهُرَ بِالْإِسْلَامِ مِنْهُمْ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْعِبَارَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ، فَيُعَبِّرُ عَنِ الْجِسْمِ بِعَالَمِ الْمَلَكِ، وَعَنِ النَّفْسِ بِعَالَمِ الْمَلَكُوتِ، وَعَنِ الْعَقْلِ بِعَالَمِ الْجَبَرُوتِ، أَوْ بِالْعَكْسِ. وَيَقُولُونَ إِنَّ الْعُقُولَ وَالنُّفُوسَ هِيَ الْمَلَائِكَةُ، (1) ن، م، س: وَالصُّورَةِ. (2) ن، م: كَلِمَاتٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (3) انْظُرْ مَثَلًا: كِتَابَ "الصَّفَدِيَّةِ" وَكِتَابَ "دَرْءِ تَعَارُضِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ" وَكِتَابَ "الرَّدِّ عَلَى الْمَنْطِقِيِّينَ" . وَقَدْ يَجْعَلُونَ قُوَى النَّفْسِ الَّتِي تَقْتَضِي فِعْلَ الْخَيْرِ هِيَ الْمَلَائِكَةَ، وَقُوَاهَا الَّتِي تَقْتَضِي الشَّرَّ هِيَ الشَّيَاطِينَ، وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّتِي تَنْزِلُ عَلَى الرُّسُلِ، وَالْكَلَامَ الَّذِي سَمِعَهُ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ إِنَّمَا هُوَ فِي نُفُوسِ الْأَنْبِيَاءِ، لَيْسَ فِي الْخَارِجِ، بِمَنْزِلَةِ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ، وَمَا يَحْصُلُ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمَمْرُورِينَ [1] وَأَصْحَابِ الرِّيَاضَةِ ; حَيْثُ يَتَخَيَّلُ فِي نَفْسِهِ أَشْكَالًا نُورَانِيَّةً، وَيَسْمَعُ فِي نَفْسِهِ أَصْوَاتًا، فَتِلْكَ هِيَ عِنْدَهُمْ مَلَائِكَةُ اللَّهِ، وَذَلِكَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ، لَيْسَ لَهُ كَلَامٌ مُنْفَصِلٌ. وَلِهَذَا يَدَّعِي أَحَدُهُمْ أَنَّ اللَّهَ كَلَّمَهُ كَمَا كَلَّمَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، أَوْ أَعْظَمَ مِمَّا كَلَّمَ مُوسَى ; لِأَنَّ مُوسَى كُلِّمَ عِنْدَهُمْ بِحُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ فِي نَفْسِهِ، وَهُمْ يُكَلَّمُونَ بِالْمَعَانِي الْمُجَرَّدَةِ الْعَقْلِيَّةِ. وَصَاحِبُ "مِشْكَاةِ الْأَنْوَارِ" وَ "الْكُتُبِ الْمُضْنُونِ بِهَا عَلَى غَيْرِ أَهْلِهَا" [2] وَقَعَ فِي كَلَامِهِ قِطْعَةٌ مِنْ هَذَا النَّمَطِ، وَقَدْ كَفَّرَهُمْ بِذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، وَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَى مُطَالَعَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا. وَمِنْ هُنَا سَلَكَ صَاحِبُ "خَلْعِ النَّعْلَيْنِ" ابْنُ قَسِيٍّ [3] وَأَمْثَالُهُ، وَكَذَلِكَ (1) ن، س، ب: الْمَمْرُوزِينَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وَفِي "لِسَانِ الْعَرَبِ" : "وَالْمَرَارَةُ: الَّتِي فِيهَا الْمِرَّةُ. وَالْمِرَّةُ: إِحْدَى الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ. ابْنُ سِيدَهْ: وَالْمِرَّةُ مِزَاجٌ مِنْ أَمْزِجَةِ الْبَدَنِ. . . وَالْمَمْرُورُ الَّذِي غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْمِرَّةُ" وَيَقُولُ ابْنُ سِينَا فِي "الْإِشَارَاتِ وَالتَّنْبِيهَاتِ" 3، 4/871 - 872: "وَقَدْ يُشَاهِدُ قَوْمٌ مِنَ الْمَرْضَى وَالْمَمْرُورِينَ صُوَرًا مَحْسُوسَةً ظَاهِرَةً حَاضِرَةً، وَلَا نِسْبَةَ لَهَا إِلَى مَحْسُوسٍ خَارِجٍ، فَيَكُونُ انْتِقَاشُهَا إِذَنْ مِنْ سَبَبٍ بَاطِنٍ أَوْ سَبَبٍ مُؤَثِّرٍ فِي سَبَبٍ بَاطِنٍ" . (2) وَهُوَ الْغَزَالِيُّ. (3) هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قَسِيٍّ، رُومِيُّ الْأَصْلِ، مِنْ بَادِيَةِ شِلْبَ، اسْتَعْرَبَ وَتَأَدَّبَ وَقَالَ الشِّعْرَ، ثُمَّ عَكَفَ عَلَى الْوَعْظِ وَكَثُرَ مُرِيدُوهُ، فَادَّعَى أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ وَتَسَمَّى بِالْإِمَامِ. ثَارَ عَلَى دَوْلَةِ الْمُلَثَّمِينَ وَاشْتَرَكَ فِي الْأَحْدَاثِ السِّيَاسِيَّةِ إِلَى أَنْ قُتِلَ سَنَةَ 546 هـ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: الْحُلَّةِ السِّيَرَاءِ، ص. 199 - 203، الْأَعْلَامِ 1/113 - 114. وَكِتَابِهِ "خَلْعِ النَّعْلَيْنِ" طُبِعَ بِبَيْرُوتَ. ابْنُ عَرَبِيٍّ صَاحِبُ "فُصُوصِ الْحِكَمِ" وَ "الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ" ; وَلِهَذَا ادَّعَى أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنَ الْمَعْدِنِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ الْمَلَكُ، الَّذِي يُوحَى بِهِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَالنَّبِيُّ عِنْدَهُ يَأْخُذُ مِنَ الْمَلَكِ الَّذِي يُوحَى بِهِ إِلَى الرُّسُلِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ عِنْدَهُ يَأْخُذُ مِنَ الْخَيَالَاتِ الَّتِي تَمَثَّلَتْ فِي نَفْسِهِ لَمَّا صُوِّرَتْ لَهُ الْمَعَانِي [1] الْعَقْلِيَّةُ فِي الصُّوَرِ [2] الْخَيَالِيَّةِ، وَتِلْكَ الصُّوَرُ [3] عِنْدَهُ هِيَ الْمَلَائِكَةُ، وَهِيَ بِزَعْمِهِ تَأْخُذُ عَنْ عَقْلِهِ الْمُجَرَّدِ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ خَيَالًا ; وَلِهَذَا يُفَضِّلُ الْوِلَايَةَ عَلَى النُّبُوَّةِ، وَيَقُولُ: مَقَامُ النُّبُوَّةِ فِي بَرْزَخٍ فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِيِّ وَالْوَلِيُّ عَلَى أَصْلِهِ الْفَاسِدِ يَأْخُذُ عَنِ اللَّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ ; لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عَنْ عَقْلِهِ، وَهَذَا عِنْدَهُمْ هُوَ الْأَخْذُ عَنِ اللَّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ [4] ; إِذْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مَلَائِكَةٌ مُنْفَصِلَةٌ تَنْزِلُ بِالْوَحْيِ [5] ، وَالرَّبُّ عِنْدَهُمْ لَيْسَ هُوَ مَوْجُودًا مُبَايِنًا (1) ن، س: وَالْمَعَانِي. (2) س، ب: الصُّورَةِ. (3) ب: الصُّورَةُ. (4) فِي هَامِشِ (س) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ كُتِبَ مَا يَلِي: "تَنَبَّهْ لِهَذَا التَّقْرِيرِ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَقَعُ إِلَّا مِنْ سَحْقَاتِ (لَعَلَّهَا: سَخَافَاتِ) الْعُقُولِ، فَقَدْ قَالَ فِي الْقَصِيدَةِ الْمَشْهُورَةِ: وَمَنْ سَاوَى وَلِيًّا مَعْ نَبِيٍّ: نُكَفِّرْهُ بِذَا الْكَلِمِ اللِّحَابِ فَمَا بَالُكَ إِذَا فَضَّلَ الْوَلِيَّ عَلَى النَّبِيِّ! اهـ. مِنْ هَامِشِ الْأَصْلِ" . (5) ن، س، ب: تُنْزِلُ الْوَحْيَ. لِلْمَخْلُوقَاتِ، بَلْ هُوَ وُجُودٌ مُطْلَقٌ، أَوْ مَشْرُوطٌ بِنَفْيِ [1] الْأُمُورِ الثُّبُوتِيَّةِ عَنِ اللَّهِ، أَوْ نَفْيِ الْأُمُورِ الثُّبُوتِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ، وَقَدْ يَقُولُونَ: هُوَ وُجُودُ الْمَخْلُوقَاتِ، أَوْ حَالٌّ فِيهَا، أَوْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا. فَهَذَا عِنْدَهُمْ غَايَةُ كُلِّ رَسُولٍ وَنَبِيٍّ [2] : النُّبُوَّةُ عِنْدَهُمُ الْأَخْذُ عَنِ الْقُوَّةِ الْمُتَخَيَّلَةِ الَّتِي صَوَّرَتِ الْمَعَانِيَ الْعَقْلِيَّةَ فِي الْمُثُلِ الْخَيَالِيَّةِ، وَيُسَمُّونَهَا الْقُوَّةَ الْقُدْسِيَّةَ ; فَلِهَذَا جَعَلُوا الْوِلَايَةَ فَوْقَ النُّبُوَّةِ. وَهَؤُلَاءِ مِنْ جِنْسِ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ الْمَلَاحِدَةِ، لَكِنَّ هَؤُلَاءِ ظَهَرُوا فِي قَالَبِ التَّصَوُّفِ وَالتَّنَسُّكِ وَدَعْوَى التَّحْقِيقِ وَالتَّأَلُّهِ [3] ، وَأُولَئِكَ ظَهَرُوا فِي قَالَبِ التَّشَيُّعِ وَالْمُوَالَاةِ، فَأُولَئِكَ يُعَظِّمُونَ شُيُوخَهُمْ حَتَّى يَجْعَلُوهُمْ أَفْضَلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ يُعَظِّمُونَ الْوِلَايَةَ حَتَّى يَجْعَلُوهَا أَفْضَلَ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَهَؤُلَاءِ يُعَظِّمُونَ أَمْرَ الْإِمَامَةِ، حَتَّى قَدْ يَجْعَلُونَ الْأَئِمَّةَ أَعْظَمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْإِمَامَ أَعْظَمَ مِنَ النَّبِيِّ، كَمَا يَقُولُهُ الْإِسْمَاعِيلِيَّةُ. وَكِلَاهُمَا أَسَاطِينُ الْفَلَاسِفَةِ [4] الَّذِينَ يَجْعَلُونَ النَّبِيَّ فَيْلَسُوفًا، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يَخْتَصُّ بِقُوَّةٍ قُدْسِيَّةٍ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يُفَضِّلُ النَّبِيَّ عَلَى الْفَيْلَسُوفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَضِّلُ الْفَيْلَسُوفَ عَلَى النَّبِيِّ. وَيَزْعُمُونَ أَنَّ النُّبُوَّةَ (1) ن: يَنْفِي. (2) ب: وَمَبْنًى. (3) ن: وَالتَّأَلُّهِ وَذَلِكَ، س، ب: وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. (4) ن: وَكِلَاهُمَا يُبَاطِنَا الْفَلَاسِفَةَ، س، ب: وَكِلَاهُمَا يُبَاطِنَانِ الْفَلَاسِفَةَ، م: وَكِلَاهُمْ أَسَاطِينُ الْفَلَاسِفَةِ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمُتَصَوِّفَةِ وَالشِّيعَةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ مِنْ أَسَاطِينِ الْفَلَاسِفَةِ مِثْلَ ابْنِ سِينَا وَابْنِ عَرَبِيٍّ وَغَيْرِهِمَا يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا. . إِلَخْ. مُكْتَسَبَةٌ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ [1] : إِنَّ النُّبُوَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثِ صِفَاتٍ، مَنْ حَصَلَتْ لَهُ فَهُوَ نَبِيٌّ: أَنْ يَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ قُدْسِيَّةٌ حَدْسِيَّةٌ يَنَالُ بِهَا الْعِلْمَ بِلَا تَعَلُّمٍ، وَأَنْ تَكُونَ نَفْسُهُ قَوِيَّةً لَهَا تَأْثِيرٌ فِي هَيُولَى الْعَالَمِ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ يَتَخَيَّلُ بِهَا مَا يَعْقِلُهُ، وَمَرْئِيًّا فِي نَفْسِهِ، وَمَسْمُوعًا فِي نَفْسِهِ. هَذَا كَلَامُ ابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ فِي النُّبُوَّةِ، وَعَنْهُ أَخَذَ ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي كُتُبِهِ "الْمُضْنُونِ بِهَا عَلَى غَيْرِ أَهْلِهَا" . وَهَذَا الْقَدْرُ الَّذِي ذَكَرُوهُ يَحْصُلُ لِخَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ آحَادِ النَّاسِ وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَفْضَلِ عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ، فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ نَبِيًّا، كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. وَهَؤُلَاءِ قَالُوا هَذَا لَمَّا احْتَاجُوا إِلَى الْكَلَامِ [2] فِي النُّبُوَّةِ عَلَى أُصُولِ سَلَفِهِمُ الدَّهْرِيَّةِ، الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْأَفْلَاكَ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ، لَا مُفْعُولَةٌ لِفَاعِلٍ بِقُدْرَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، وَأَنْكَرُوا عِلْمَهُ بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِهِمُ الْفَاسِدَةِ ; فَتَكَلَّمَ هَؤُلَاءِ فِي النُّبُوَّةِ عَلَى أُصُولِ أُولَئِكَ. وَأَمَّا الْقُدَمَاءُ - أَرِسْطُو وَأَمْثَالُهُ - فَلَيْسَ لَهُمْ فِي النُّبُوَّةِ كَلَامٌ مُحَصَّلٌ. وَالْوَاحِدُ [3] مِنْ هَؤُلَاءِ يَطْلُبُ أَنْ يَصِيرَ نَبِيًّا، كَمَا كَانَ السُّهْرَوَرْدِيُّ الْمَقْتُولُ يَطْلُبُ أَنْ يَصِيرَ نَبِيًّا، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ النَّظَرِ وَالتَّأَلُّهِ، وَسَلَكَ نَحْوًا مِنْ مَسْلَكِ الْبَاطِنِيَّةِ، وَجَمَعَ بَيْنَ فَلْسَفَةِ الْفُرْسِ وَالْيُونَانِ، وَعَظَّمَ أَمْرَ الْأَنْوَارِ، وَقَرَّبَ دِينَ الْمَجُوسِ الْأَوَّلَ، وَهِيَ نُسْخَةُ الْبَاطِنِيَّةِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، وَكَانَ لَهُ (1) س، ب: وَيَقُولُونَ. . (2) س، ب: فِي الْكَلَامِ. (3) ن، س، ب: فَالْوَاحِدُ.
__________________
|
#456
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثامن الحلقة (456) صـ 25 إلى صـ 34 يَدٌ فِي السِّحْرِ وَالسِّيمِيَاءِ، فَقَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الزَّنْدَقَةِ بِحَلَبَ فِي زَمَنِ صَلَاحِ الدِّينِ. وَكَذَلِكَ ابْنُ سَبْعِينَ، الَّذِي جَاءَ مِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى مَكَّةَ، وَكَانَ يَطْلُبُ أَنْ يَصِيرَ نَبِيًّا، وَجَدَّدَ غَارَ حِرَاءٍ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ الْوَحْيُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتِدَاءً، وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَقَدْ ذَرِبَ ابْنُ آمِنَةَ [1] حَيْثُ قَالَ: "«لَا نَبِيَّ بَعْدِي»" . ب وَكَانَ بَارِعًا فِي الْفَلْسَفَةِ، وَفِي تَصَوُّفِ الْمُتَفَلْسِفَةِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. وَهُوَ، وَابْنُ عَرَبِيٍّ، وَأَمْثَالُهُمَا كَالصَّدْرِ الْقُونَوِيِّ، وَابْنِ الْفَارِضِ، وَالتِّلِمْسَانِيِّ: مُنْتَهَى أَمْرِهِمُ الْقَوْلُ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ، وَأَنَّ الْوُجُودَ [2] الْوَاجِبَ الْقَدِيمَ الْخَالِقَ هُوَ الْوُجُودُ الْمُمْكِنُ الْمُحْدَثُ الْمَخْلُوقُ، مَا ثَمَّ لَا غَيْرُ [3] وَلَا سِوَى، لَكِنْ لَمَّا رَأَوْا تَعَدُّدَ الْمَخْلُوقَاتِ صَارُوا تَارَةً يَقُولُونَ: مَظَاهِرُ وَمَجَالِي. فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: فَإِنْ كَانَتِ الْمَظَاهِرُ أَمْرًا وُجُودِيًّا تَعَدَّدَ [4] الْوُجُودُ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهَا حِينَئِذٍ حَقِيقَةٌ. وَمَا هُوَ نَحْوَ هَذَا الْكَلَامِ، الَّذِي يُبَيِّنُ أَنَّ الْوُجُودَ نَوْعَانِ خَالِقٌ وَمَخْلُوقٌ. قَالُوا: نَحْنُ نُثْبِتُ عِنْدَنَا فِي الْكَشْفِ مَا يُنَاقِضُ صَرِيحَ الْعَقْلِ، وَمَنْ (1) ن،] ، ب: لَقَدْ رَرِبَ (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) ، م لَقَدْ تَرَدَّبَ (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) الرَّامِيَةُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. وَفِي "اللِّسَانِ" : وَقِيلَ: الذَّرِبُ اللِّسَانِ: الشَّتَّامُ الْفَاحِشُ "" (2) عِبَارَةُ "وَأَنَّ الْوُجُودَ" سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (3) م: لَا غَيْرُهُ. (4) ن: بِعَدَدٍ. وَالْكَلِمَةُ غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ فِي (م) . أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُحَقِّقًا مِثْلَنَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَلْتَزِمَ [1] الْجَمْعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَأَنَّ الْجِسْمَ الْوَاحِدَ يَكُونُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعَيْنِ. وَهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافُ قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَكْثُرُونَ فِي الدُّوَلِ الْجَاهِلِيَّةِ [2] ، وَعَامَّتُهُمْ تَمِيلُ إِلَى التَّشَيُّعِ، كَمَا عَلَيْهِ ابْنُ عَرَبِيٍّ، وَابْنُ سَبْعِينَ وَأَمْثَالُهُمَا ; فَاحْتَاجَ النَّاسُ إِلَى كَشْفِ حَقَائِقِ هَؤُلَاءِ، وَبَيَانِ أُمُورِهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَدَّعُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَأَنَّ النَّاسَ لَا يَفْهَمُونَ حَقِيقَةَ إِشَارَاتِهِمْ، فَلَمَّا يَسَّرَ اللَّهُ أَنِّي بَيَّنْتُ لَهُمْ حَقَائِقَهُمْ، وَكَتَبْتُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ مَا عَلِمُوا بِهِ أَنَّ هَذَا هُوَ تَحْقِيقُ قَوْلِهِمْ، وَتَبَيَّنَ لَهُمْ بُطْلَانُهُ بِالْعَقْلِ الصَّرِيحِ وَالنَّقْلِ الصَّحِيحِ وَالْكَشْفِ الْمُطَابِقِ، رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ [3] وَفُضَلَائِهِمْ مَنْ رَجَعَ، وَأَخَذَ هَؤُلَاءِ يُثْبِتُونَ لِلنَّاسِ تَنَاقُضَهُمْ، وَيَرُدُّونَهُمْ إِلَى الْحَقِّ [4] . وَكَانَ مِنْ أُصُولِ ضَلَالِهِمْ [5] ظَنُّهُمْ أَنَّ الْوُجُودَ الْمُطْلَقَ يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ، إِمَّا: مُطْلَقٌ لَا بِشَرْطٍ [6] ، (* وَإِمَّا مُطْلَقٌ بِشَرْطٍ، فَالْمُطْلَقُ لَا (1) م: يَلْزَمَ. (2) ب: الْجَاهِلَةِ. (3) م: أَعْيَانِهِمْ، ن: عَيَايِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (4) ن، س: وَبُرُودَتَهُمْ مِنَ الْحَقِّ، ب: وَبَرَاءَتَهُمْ مِنَ الْحَقِّ: م وَيَرُدُّونَهُمْ مِنَ الْحَقِّ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (5) م: إِضْلَالِهِمْ. (6) ن، س، ب: إِمَّا مَعْلُولًا بِشَرْطٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) . بِشَرْطٍ *) [1] الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْكُلِّيَّ الطَّبِيعِيَّ، إِذَا قِيلَ: إِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ: فَإِنَّ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ مُقَيَّدًا مُعَيَّنًا هُوَ مُطْلَقٌ فِي الذِّهْنِ، مُقَيَّدٌ فِي الْخَارِجِ. وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ فِي الذِّهْنِ [2] شَيْئًا مُطْلَقًا وَهُوَ مُطْلَقٌ حَالَ تَحَقُّقِهِ فِي الْخَارِجِ، فَهُوَ غَالِطٌ غَلَطًا ضَلَّ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَنْطِقِ وَالْفَلْسَفَةِ. وَأَمَّا الْمُطْلَقُ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ فَهُوَ الْوُجُودُ الْمُقَيَّدُ بِسَلْبِ جَمِيعِ الْأُمُورِ الثُّبُوتِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ، كَمَا يُوجَدُ الْإِنْسَانُ مُجَرَّدًا عَنْ كُلِّ قَيْدٍ. فَإِذَا قُلْتَ: مَوْجُودٌ أَوْ مَعْدُومٌ، أَوْ وَاحِدٌ أَوْ كَثِيرٌ، أَوْ فِي الذِّهْنِ أَوْ فِي الْخَارِجِ - كَانَ ذَلِكَ قَيْدًا زَائِدًا عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمُطْلَقَةِ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ. وَهَكَذَا الْوُجُودُ تَأْخُذُهُ مُجَرَّدًا عَنْ كُلِّ قَيْدٍ ثُبُوتِيٍّ وَسَلْبِيٍّ، فَلَا تَصِفُهُ، لَا بِالصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ وَلَا الثُّبُوتِيَّةِ. وَهَذَا [3] هُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْبَاطِنِيَّةِ، كَأَبِي يَعْقُوبَ السِّجِسْتَانِيِّ صَاحِبِ "الْأَقَالِيدِ الْمَلَكُوتِيَّةِ" وَأَمْثَالِهِ. لَكِنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ لَا يَعْرِفُ: يَرْفَعُ [4] النَّقِيضَيْنِ، فَيَقُولُ: لَا مَوْجُودَ وَلَا مَعْدُومَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَلْ أُمْسِكُ عَنْ إِثْبَاتِ أَحَدِ النَّقِيضَيْنِ، فَلَا أَقُولُ: مَوْجُودٌ وَلَا مَعْدُومٌ [5] ، كَأَبِي يَعْقُوبَ، وَهُوَ مُنْتَهَى تَجْرِيدِ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ. (1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (2) ن، م: فِي الْخَارِجِ. وَفِي (س) فِي الْأَصْلِ: فِي الْخَارِجِ، وَكُتِبَ فِي الْهَامِشِ: لَعَلَّهُ: فِي الذِّهْنِ. (3) س، ب: وَهَكَذَا. (4) ن، س: مَنْ لَا يَعْرِفُ يَرْفَعُ، م: مَنْ لَا يَرْفَعُ، ب: مَنْ لَا يُعْرَفُ بِرَفْعِ. (5) (4 - 4) سَاقِطٌ مِنْ (م) . وَابْنُ سِينَا وَأَتْبَاعُهُ يَقُولُونَ: الْوُجُودُ الْوَاجِبُ هُوَ الْوُجُودُ الْمُقَيَّدُ بِسَلْبِ الْأُمُورِ الثُّبُوتِيَّةِ دُونَ السَّلْبِيَّةِ، وَهَذَا أَبْعَدُ عَنِ الْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ مِنَ الْمُقَيَّدِ بِسَلْبِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا فِي الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ. فَقُلْتُ لِأُولَئِكَ الْمُدَّعِينَ لِلتَّحْقِيقِ: أَنْتُمْ بَنَيْتُمْ أَمْرَكُمْ عَلَى الْقَوَانِينِ الْمَنْطِقِيَّةِ، وَهَذَا الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ، الْمُقَيَّدُ بِسَلْبِ النَّقِيضَيْنِ عَنْهُ، لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ (* بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ فِي الذِّهْنِ تَقْدِيرًا، وَإِلَّا فَإِذَا قَدَّرْنَا إِنْسَانًا مُطْلَقًا، وَاشْتَرَطْنَا فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ مَوْجُودًا وَلَا مَعْدُومًا، وَلَا وَاحِدًا وَلَا كَثِيرًا، لَمْ يُوجَدْ فِي الْخَارِجِ، بَلْ نَفْرِضُ فِي الذِّهْنِ، كَمَا نَفْرِضُ الْجَمْعَ بَيْنَ *) [1] النَّقِيضَيْنِ، فَفَرْضُ رَفْعِ [2] النَّقِيضَيْنِ كَفَرْضِ الْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ. وَلِهَذَا كَانَ هَؤُلَاءِ تَارَةً يَصِفُونَهُ بِجَمْعِ النَّقِيضَيْنِ أَوِ الْإِمْسَاكِ عَنْهُمَا، كَمَا يَفْعَلُ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَغَيْرُهُ كَثِيرًا [3] ، وَتَارَةً يَجْمَعُونَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، كَمَا يُوجَدُ أَيْضًا فِي كَلَامِ أَصْحَابِ "الْبِطَاقَةِ" وَغَيْرِهِمْ. فَإِذَا قَالُوا مَعَ ذَلِكَ: إِنَّهُ مُبْدِعُ الْعَالَمِ، وَشَرَطُوا فِيهِ أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِثُبُوتٍ وَلَا انْتِفَاءٍ [4] - كَانَ تَنَاقُضًا ; فَإِنَّ كَوْنَهُ مُبْدِعًا لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا وَهَذَا. وَكَذَلِكَ إِذَا قَالُوا مَوْجُودٌ وَاجِبٌ، وَشَرَطُوا فِيهِ التَّجْرِيدَ عَنِ النَّقِيضَيْنِ - كَانَ تَنَاقُضًا. (1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (2) رَفْعِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (3) م: بِكَثْرَةٍ. (4) م: بِثُبُوتِ الِانْتِفَاءِ. وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ: مَوْجُودٌ لَا مَوْجُودٌ، وَوَاجِبٌ لَا وَاجِبٌ، وَهَذَا مُنْتَهَى أَمْرِهِمْ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، أَوْ رَفْعُ النَّقِيضَيْنِ. وَلِهَذَا يَصِيرُونَ إِلَى الْحَيْرَةِ وَيُعَظِّمُونَهَا، وَهِيَ عِنْدَهُمْ مُنْتَهَى مَعْرِفَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَالْأَئِمَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ. وَمِنْ أُصُولِ ضَلَالِهِمْ ظَنُّهُمْ أَنَّ هَذَا تَنْزِيهٌ عَنِ التَّشْبِيهِ، وَأَنَّهُمْ مَتَى وَصَفُوا بِصِفَةِ إِثْبَاتٍ أَوْ نَفْيٍ كَانَ فِيهِ تَشْبِيهٌ بِذَلِكَ. وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ التَّشْبِيهَ الْمَنْفِيَّ عَنِ اللَّهِ هُوَ مَا كَانَ وَصْفُهُ بِشَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِ الْمَخْلُوقِينَ، أَوْ أَنْ يُجْعَلَ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ مِثْلَ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ ; بِحَيْثُ يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ، أَوْ يَجِبُ لَهُ مَا يَجِبُ لَهُمْ، أَوْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا. فَإِنَّ هَذَا هُوَ التَّمْثِيلُ الْمُمْتَنِعُ الْمَنْفِيُّ بِالْعَقْلِ مَعَ الشَّرْعِ، فَيَمْتَنِعُ وَصْفُهُ بِشَيْءٍ مِنَ النَّقَائِصِ [1] ، وَيَمْتَنِعُ مُمَاثَلَةُ غَيْرِهِ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، فَهَذَانِ جُمَّاعٌ لِمَا يُنَزَّهُ الرَّبُّ تَعَالَى عَنْهُ، كَمَا بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ. وَعَلَى هَذَا وَهَذَا دَلَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ - اللَّهُ الصَّمَدُ - لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [سُورَةُ الْإِخْلَاصِ] ، كَمَا قَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الشَّوَاهِدِ [2] . فَأَمَّا الْمُوَافَقَةُ فِي الِاسْمِ، كَحَيٍّ وَحَيٍّ، وَمَوْجُودٍ وَمَوْجُودٍ، وَعَلِيمٍ وَعَلِيمٍ - فَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَيَلْزَمُ مَنْ نَفَى هَذَا التَّعْطِيلُ الْمَحْضُ ; فَإِنَّ كُلَّ (1) م: النَّقَائِضِ. (2) وَهُوَ كِتَابُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ، وَطُبِعَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ. مَوْجُودَيْنِ قَائِمَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا، فَحِينَئِذٍ [1] لَا بُدَّ أَنْ يَجْمَعَهُمَا اسْمٌ عَامٌّ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى عَامٍّ [2] ، لَكِنَّ الْمَعْنَى الْعَامَّ [3] لَا يُوجَدُ عَامًّا إِلَّا فِي الذِّهْنِ، لَا [4] فِي الْخَارِجِ. فَإِذَا قِيلَ: هَذَا الْمَوْجُودُ وَهَذَا الْمَوْجُودُ مُشْتَرِكَانِ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ، كَانَ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ لَا يُوجَدُ مُشْتَرَكًا إِلَّا فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ [5] ، وَكُلُّ مَوْجُودٍ فَهُوَ يَخْتَصُّ بِنَفْسِهِ وَصِفَاتِ نَفْسِهِ، لَا يَشْرَكُهُ غَيْرُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا الِاشْتِرَاكُ هُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّشَابُهِ وَالِاتِّفَاقِ، وَالْمُشْتَرَكُ فِيهِ الْكُلِّيُّ لَا يُوجَدُ كَذَلِكَ إِلَّا فِي الذِّهْنِ، فَإِذَا وُجِدَ فِي الْخَارِجِ لَمْ يُوجَدْ إِلَّا مُتَمَيِّزًا عَنْ نَظِيرِهِ، لَا يَكُونُ هُوَ إِيَّاهُ، وَلَا هُمَا فِي الْخَارِجِ، مُشْتَرِكَانِ فِي شَيْءٍ فِي الْخَارِجِ. فَاسْمُ الْخَالِقِ إِذَا وَافَقَ اسْمَ الْمَخْلُوقِ، كَالْمَوْجُودِ وَالْحَيِّ - وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الِاسْمَ عَامٌّ كُلِّيٌّ، وَهُوَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُتَوَاطِئَةِ أَوِ الْمُشَكِّكَةِ [6] - لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَا يَتَّصِفُ بِهِ الرَّبُّ مِنْ مُسَمَّى هَذَا الِاسْمِ قَدْ شَارَكَهُ فِيهِ الْمَخْلُوقُ، بَلْ وَلَا يَكُونُ مَا يَتَّصِفُ بِهِ أَحَدُ الْمَخْلُوقِينَ مِنْ مُسَمَّى هَذَا الِاسْمِ قَدْ شَارَكَهُ فِيهِ مَخْلُوقٌ آخَرُ، بَلْ وُجُودُ هَذَا يَخُصُّهُ (1) ن: وَحِينَ، س: وَحِينَئِذٍ، م: وَيُعْتَبَرُ. (2) (2 - 2) : سَاقِطٌ مِنْ (ب) فَقَطْ. (3) م، س، ب: الْقَائِمَ. (4) م: وَلَا، وَهُوَ خَطَأٌ. (5) م: لَا فِي الذِّهْنِ وَلَا فِي الْخَارِجِ، وَهُوَ خَطَأٌ. (6) م: وَمِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُتَوَاطِئَةِ وَالْمُشْكِلَةِ. . .، ن: وَهُوَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُتَوَاطِئَةِ أَوِ الْمُشْكِلَةِ. وَوُجُودُ هَذَا يَخُصُّهُ، لَكِنْ مَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمَخْلُوقُ قَدْ يُمَاثِلُ مَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمَخْلُوقُ، وَيَجُوزُ عَلَى أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْآخَرِ. وَأَمَّا الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ، بَلِ التَّبَايُنُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ خَلْقِهِ فِي صِفَاتِهِ، أَعْظَمُ مِنَ التَّبَايُنِ الَّذِي بَيْنَ أَعْظَمِ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَحْقَرِهَا. وَأَمَّا الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الْعَامُّ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ، فَذَاكَ - كَمَا ذَكَرْنَا - لَا يُوجَدُ كُلِّيًّا إِلَّا فِي الذِّهْنِ. وَإِذَا كَانَ الْمُتَّصِفَانِ بِهِ بَيْنَهُمَا نَوْعُ مُوَافَقَةٍ وَمُشَارَكَةٍ وَمُشَابَهَةٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَذَاكَ لَا مَحْذُورَ فِيهِ ; فَإِنَّهُ [1] مَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ مِنْ وُجُوبٍ وَجَوَازٍ وَامْتِنَاعٍ فَإِنَّ اللَّهَ مُتَّصِفٌ بِهِ، فَالْمَوْجُودُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْجُودٌ، أَوِ الْعَلِيمُ أَوِ الْحَيُّ، مَهْمَا قِيلَ: إِنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ وُجُوبٍ وَامْتِنَاعٍ وَجَوَازٍ، فَاللَّهُ مَوْصُوفٌ بِهِ، بِخِلَافِ وُجُودِ الْمَخْلُوقِ وَحَيَاتِهِ وَعِلْمِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُوصَفُ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمَخْلُوقُ مِنْ وُجُوبٍ وَجَوَازٍ وَاسْتِحَالَةٍ، كَمَا أَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يُوصَفُ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ الرَّبُّ مِنْ وُجُوبٍ وَجَوَازٍ وَاسْتِحَالَةٍ. فَمَنْ فَهِمَ هَذَا انْحَلَّتْ عَنْهُ إِشْكَالَاتٌ كَثِيرَةٌ، يَعْثُرُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْأَذْكِيَاءِ، النَّاظِرِينَ فِي الْعُلُومِ الْكُلِّيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ، فَهَذَا أَحَدُ أَقْوَالِهِمْ فِي الْوُجُودِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ الْمُطْلَقُ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ عَنِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَهُوَ أَكْمَلُهَا فِي التَّعْطِيلِ وَالْإِلْحَادِ. وَالثَّانِي قَوْلُ ابْنِ سِينَا وَأَتْبَاعِهِ: إِنَّهُ هُوَ الْوُجُودُ الْمُقَيَّدُ (* بِالْقُيُودِ السَّلْبِيَّةِ (1) ب: فَإِنَّ. لَا الثُّبُوتِيَّةِ، وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ الْوُجُودُ الْمُقَيَّدُ *) [1] تَارَةً [2] لَا يَعْرِضُ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَاهِيَّاتِ، كَمَا يُعَبِّرُ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ. وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ - بِنَاءًا عَلَى قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْوُجُودَ يَعْرِضُ لِلْمَاهِيَّةِ الْمُمْكِنَةِ. فَإِنَّ لِلنَّاسِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: قِيلَ: إِنَّ الْوُجُودَ زَائِدٌ عَلَى الْمَاهِيَّةِ فِي الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ أَبُو هَاشِمٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الرَّازِيِّ، وَقَدْ يَقُولُهُ بَعْضُ النُّظَّارِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: بَلِ الْوُجُودُ فِي الْخَارِجِ هُوَ الْحَقِيقَةُ الثَّابِتَةُ فِي الْخَارِجِ، لَيْسَ هُنَاكَ شَيْئَانِ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ النُّظَّارِ مِنْ مُثْبِتَةِ الصِّفَاتِ مِنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، لَكِنْ ظَنَّ الشَّهْرَسْتَانِيُّ وَالرَّازِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَنَحْوُهُمْ أَنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ: إِنَّ لَفْظَ الْوُجُودِ مَقُولٌ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ، وَنَقَلُوا ذَلِكَ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ غَلَطٌ عَلَيْهِمْ ; فَإِنَّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ هُمْ جَمَاهِيرُ الْخَلْقِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ لَفْظَ "الْوُجُودِ" مَقُولٌ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ، إِلَّا طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلَ الْأَشْعَرِيِّ وَأَصْحَابِهِ، بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْوُجُودَ يَنْقَسِمُ إِلَى قَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ، وَاسْمُ الْوُجُودِ يَعُمُّهُمَا. لَكِنَّ الْأَشْعَرِيَّ يَنْفِي الْأَحْوَالَ، وَيَقُولُ: الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ يَعُودُ إِلَى الْأَقْوَالِ، وَمَقْصُودُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ مَعْنًى كُلِّيٌّ عَامٌّ، لَيْسَ مَقْصُودُهُ أَنَّ الذِّهْنَ لَا يَقُومُ بِهِ مَعْنًى عَامٌّ كُلِّيٌّ. (1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (2) ب: بِأَنْ. وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ مَنْ قَالَ: وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ هُوَ نَفْسُ حَقِيقَتِهِ الْمَوْجُودَةِ، إِنَّمَا هَذَا هُوَ قَوْلٌ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا إِذَا جَعَلْنَا الْوُجُودَ عَامًّا مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَوَاطِئَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ، أَوِ الْمُتَفَاضِلَةِ [1] الَّتِي تُسَمَّى الْمُشَكِّكَةَ، وَقُلْنَا: إِنَّ الْوُجُودَ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ، وَقَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ، كَانَ النَّوْعَانِ قَدِ اشْتَرَكَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ، وَهُوَ كُلِّيٌّ مُطْلَقٌ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِمَا يَخُصُّهُ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ ; فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقِيقَةٌ غَيْرُ الْوُجُودِ. فَمَنْ قَالَ إِنَّ الشَّيْءَ الْمَوْجُودَ فِي الْخَارِجِ لَيْسَ شَيْئًا غَيْرَ الْحَقِيقَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْخَارِجِ، لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقُولَ: لَفْظُ الْوُجُودِ يَعُمُّهُمَا، بَلْ يَقُولُ: هُوَ مَقُولٌ عَلَيْهِمَا بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ. وَهَذَا غَلَطٌ ضَلَّتْ فِيهِ طَوَائِفُ، كَالرَّازِيِّ وَأَمْثَالِهِ. بَيَانُ ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: لَفْظُ الْوُجُودِ كَلَفْظِ الْحَقِيقَةِ، وَكَلَفْظِ الْمَاهِيَّةِ، وَكَلَفْظِ الذَّاتِ وَالنَّفْسِ، فَإِذَا قُلْتُمْ: الْوُجُودُ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ، أَوْ قَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ - كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكُمْ: الْحَقِيقَةُ تَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبَةٍ وَمُمْكِنَةٍ، أَوْ إِلَى قَدِيمَةٍ وَمُحْدَثَةٍ، وَبِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ: الذَّاتُ تَنْقَسِمُ إِلَى هَذَا وَهَذَا وَهَذَا، وَالْمَاهِيَّةُ تَنْقَسِمُ إِلَى هَذَا وَهَذَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْعَامَّةِ، وَبِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ: الشَّيْءُ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ، وَقَدِيمٍ وَحَادِثٍ. وَحِينَئِذٍ فَإِذَا قُلْتُمْ: يَشْتَرِكَانِ فِي الْوُجُودِ أَوِ الْوُجُوبِ [2] ، وَيَمْتَازُ أَحَدُهُمَا (1) م: وَالْمُتَفَاضِلَةِ. (2) م: فِي الْوُجُودِ وَالْوَاجِبِ. عَنِ الْآخَرِ بِالْحَقِيقَةِ أَوِ الْمَاهِيَّةِ [1] - كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ: يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَاهِيَّةِ أَوِ الْحَقِيقَةِ [2] ، وَيَمْتَازُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِالْوُجُودِ أَوِ الْوُجُوبِ [3] . فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّمَا اشْتَرَكَا فِي الْوُجُودِ الْعَامِّ الْكُلِّيِّ، وَامْتَازَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْحَقِيقَةِ الَّتِي تَخُصُّهُ. قِيلَ: وَكَذَلِكَ يُقَالُ: إِنَّمَا اشْتَرَكَا فِي الْحَقِيقَةِ الْعَامَّةِ الْكُلِّيَّةِ، وَامْتَازَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْوُجُودِ الَّذِي يَخُصُّهُ ; فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ مَا جَعَلْتُمُوهُ كُلِّيًّا مُشْتَرَكًا [4] ، كَالْجِنْسِ وَالْعَرَضِ الْعَامِّ، وَبَيْنَ مَا جَعَلْتُمُوهُ مُخْتَصًّا مُمَيَّزًا جُزْئِيًّا، كَالْفَصْلِ وَالْخَاصَّةِ. لَكِنْ عَمَدْتُمْ إِلَى شَيْئَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، فَقَدَّرْتُمْ أَحَدَهُمَا فِي حَالِ عُمُومِهِ، وَالْآخَرَ فِي حَالِ خُصُوصِهِ، فَهَذَا كَانَ مِنْ تَقْدِيرِكُمْ، وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْهُمَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّقْدِيرُ كَمَا أَمْكَنَ فِي الْآخَرِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُسَاوٍ لِلْآخَرِ فِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ، وَكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا وَمُمَيَّزًا، فَلَا فَرْقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَ مَا جَعَلْتُمُوهُ جِنْسًا أَوْ عَرَضًا عَامًّا، وَمَا جَعَلْتُمُوهُ فَصْلًا أَوْ خَاصَّةً، إِلَّا أَنَّكُمْ قَدَّرْتُمْ أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَامًّا وَالْآخَرَ خَاصًّا. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: إِذَا قُلْتُمُ: الْمَوْجُودَانِ يَشْتَرِكَانِ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِأَمْرٍ آخَرَ. قِيلَ لَكُمْ: الْمُمَيَّزُ أَنْ يَكُونَ وُجُودًا [5] خَاصًّا، فَلِمَ قُلْتُمْ: إِنَّهُ (1) م: وَالْمَاهِيَّةِ. (2) م: وَالْحَقِيقَةِ. (3) م: وَالْوُجُوبِ. (4) ب: مُشْتَرَكًا كُلِّيًّا. (5) م: مَوْجُودًا
__________________
|
#457
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثامن الحلقة (457) صـ 35 إلى صـ 44 يَكُونُ شَيْءٌ خَارِجٌ [1] عَنْ مُسَمَّى الْوُجُودِ حَتَّى تُثْبِتُونَ حَقِيقَةً أُخْرَى، وَهَذَا كَمَا إِذَا قُلْنَا: الْإِنْسَانَانِ يَشْتَرِكَانِ فِي مُسَمَّى الْإِنْسَانِيَّةِ، وَأَحَدُهُمَا يَمْتَازُ عَنِ الْآخَرِ بِخُصُوصِيَّةٍ أُخْرَى - كَانَ الْمُمَيَّزَ إِنْسَانِيَّتُهُ الَّتِي تَخُصُّهُ، لَمْ يُحْتَجْ أَنْ يُجْعَلَ الْمُمَيَّزُ شَيْئًا غَيْرَ الْإِنْسَانِيَّةِ يَعْرِضُ لَهُ الْإِنْسَانِيَّةُ. وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَظُنُّونَ أَنَّ الْأَنْوَاعَ الْمُشْتَرَكَةَ فِي كُلِّيٍّ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا إِلَّا مَوَادُّ أُخْرَى. وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَلَامٌ مَبْسُوطٌ عَلَى غَلَطِ أَهْلِ الْمَنْطِقِ فِيمَا غَلِطُوا فِيهِ فِي الْكُلِّيَّاتِ، وَتَقْسِيمِ الْكُلِّيَّاتِ، وَتَرْكِيبِ الْحُدُودِ مِنَ الذَّاتِيَّاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَوَادِّ الْأَقْيِسَةِ، وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْيَقِينِيِّ وَغَيْرِ الْيَقِينِيِّ مِنْهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ: إِذَا قُلْنَا: الْمَوْجُودَانِ يَشْتَرِكَانِ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ، وَأَحَدُهُمَا لَا بُدَّ أَنْ يَمْتَازَ عَنِ الْآخَرِ. فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي أَمْرٍ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ ; فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِي ذَلِكَ وَتَشَابَهَا فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَنَفْسُ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ لَا يَكُونُ بِعَيْنِهِ مُشْتَرَكًا فِيهِ إِلَّا فِي الذِّهْنِ، لَا فِي الْخَارِجِ، وَإِلَّا فَنَفْسُ وُجُودِ هَذَا لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهِ هَذَا. وَحِينَئِذٍ فَإِذَا قُلْنَا: لَفْظُ "الْوُجُودِ" [2] مِنَ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُتَوَاطِئَةِ أَوِ الْمُشَكِّكَةِ، وَهِيَ الْمُتَوَاطِئَةُ الَّتِي تَتَفَاضَلُ مَعَانِيهَا، لَا تَتَمَاثَلُ مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي أَصْلِ الْمُسَمَّى، كَالْبَيَاضِ الْمَقُولِ عَلَى بَيَاضِ الثَّلْجِ الْقَوِيِّ وَبَيَاضِ (1) ب (فَقَطْ) : شَيْئًا خَارِجًا. وَالْمَعْنَى: إِنَّهُ يُوجَدُ شَيْءٌ خَارِجٌ. . إِلَخْ. (2) س، ب: الْمَوْجُودِ. الْعَاجِ الضَّعِيفِ، وَالسَّوَادِ الْمَقُولِ عَلَى سَوَادِ الْقَارِ وَعَلَى سَوَادِ الْحَبَشَةِ، وَالْعُلُوِّ الْمَقُولِ عَلَى عُلُوِّ السَّمَاءِ وَعَلَى عُلُوِّ السَّقْفِ، وَالْوَاسِعِ الْمَقُولِ عَلَى الْبَحْرِ وَعَلَى الدَّارِ الْوَاسِعَةِ، وَالْوُجُودِ الْمَقُولِ عَلَى الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ وَعَلَى الْمُمْكِنِ الْمَوْجُودِ بِغَيْرِهِ، وَعَلَى الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ وَالْقَائِمِ بِغَيْرِهِ، وَالْقَدِيمِ الْمَقُولِ عَلَى الْعُرْجُونِ وَعَلَى مَا لَا أَوَّلَ لَهُ، وَالْمُحْدَثِ الْمَقُولِ عَلَى مَا أُحْدِثَ فِي الْيَوْمِ وَعَلَى كُلِّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَالْحَيِّ الَّذِي يُقَالُ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَعَلَى الْحَيِّ الْقَيُّومِ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَبَدًا. بَلْ أَسْمَاءُ اللَّهِ [الْحُسْنَى] [1] تَعَالَى الَّتِي تَسَمَّى بِهَا خَلْقُهُ، كَالْمَلِكِ، وَالسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ، وَالْعَلِيمِ وَالْخَبِيرِ [2] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، كُلُّهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ. فَإِذَا قِيلَ: فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ وَمَعَانِيهَا الْعَامَّةِ - سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَمَاثِلَةً أَوْ مُتَفَاضِلَةً - إِنَّ أَفْرَادَهَا اشْتَرَكَتْ فِيهَا أَوِ اتَّفَقَتْ وَنَحْوُ ذَلِكَ، لَمْ يُرَدْ بِهِ أَنَّ فِي الْخَارِجِ مَعْنًى عَامًّا يُوجَدُ [3] عَامًّا فِي الْخَارِجِ، وَهُوَ نَفْسُهُ مُشْتَرَكٌ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَوْجُودَاتِ الْمُعَيَّنَةَ اشْتَرَكَتْ فِي هَذَا الْعَامِّ، الَّذِي لَا يَكُونُ عَامًّا إِلَّا فِي عِلْمِ الْعَالِمِ، كَمَا أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ لَا يَكُونُ عَامًّا إِلَّا فِي لَفْظِ اللَّافِظِ، وَالْخَطَّ الْعَامَّ لَا يَكُونُ عَامًّا إِلَّا فِي خَطِّ الْكَاتِبِ. وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ عَامًّا شُمُولُهُ لِلْأَفْرَادِ الْخَارِجَةِ، لَا أَنَّهُ [4] نَفْسَهُ شَيْءٌ (1) الْحُسْنَى: زِيَادَةٌ فِي (م) . (2) ن، م: وَالْحَكِيمِ. (3) (3 - 3) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (4) م: أَنَّ. مَوْجُودٌ يَكُونُ هُوَ [1] نَفْسُهُ مَعَ هَذَا الْمُعَيَّنِ، وَهُوَ نَفْسُهُ مَعَ هَذَا الْمُعَيَّنِ ; فَإِنَّ هَذَا [2] مُخَالِفٌ لِلْحِسِّ وَالْعَقْلِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ ابْنَ سِينَا مَذْهَبُهُ أَنَّ الْوُجُودَ الْوَاجِبَ لِنَفْسِهِ هُوَ الْوُجُودُ الْمُقَيَّدُ بِسَلْبِ جَمِيعِ الْأُمُورِ الثُّبُوتِيَّةِ، لَا بِجَعْلِهِ مُقَيَّدًا [3] بِسَلْبِ النَّقِيضَيْنِ، أَوْ بِالْإِمْسَاكِ عَنِ النَّقِيضَيْنِ، كَمَا فَعَلَ السِّجِسْتَانِيُّ وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْقَرَامِطَةِ [وَغَيْرِهِمْ] [4] ، وَعَبَّرَ ابْنُ سِينَا عَنْ قَوْلِهِمْ بِأَنَّهُ الْوُجُودُ الْمُقَيَّدُ بِأَنَّهُ لَا يَعْرِضُ لِشَيْءٍ مِنَ الْحَقَائِقِ، أَوْ لِشَيْءٍ مِنَ الْمَاهِيَّاتِ ; (* لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْوُجُودَ يَعْرِضُ لِلْمُمْكِنَاتِ، وَهُوَ يَقُولُ: وُجُودُ الْوَاجِبِ نَفْسُ مَاهِيَّتِهِ. وَالْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُولُونَ ذَلِكَ، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ عِنْدَهُ: هُوَ وُجُودٌ مُطْلَقٌ بِشَرْطِ سَلْبِ الْمَاهِيَّاتِ *) [5] عَنْهُ، فَلَيْسَ لَهُ مَاهِيَّةٌ سِوَى الْوُجُودِ الْمُقَيَّدِ بِالسَّلْبِ. وَأَمَّا الْأَنْبِيَاءُ وَأَتْبَاعُهُمْ وَجَمَاهِيرُ الْعُقَلَاءِ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَهُ حَقِيقَةٌ يَخْتَصُّ بِهَا، لَا تُمَاثِلُ [6] شَيْئًا مِنَ الْحَقَائِقِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ. وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ يَقُولُونَ: هِيَ مَوْجُودَةٌ بِوُجُودٍ زَائِدٍ عَلَى حَقِيقَتِهَا. (1) عِبَارَةُ "يَكُونُ هُوَ" : سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (2) عِبَارَةُ "فَإِنَّ هَذَا" : سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (3) م: مُقَدَّرًا. (4) وَغَيْرِهِمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) . وَفِي (س) : وَغَيْرِهِ. (5) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (6) ن، م، س: لَا يُمَاثِلُ. وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَيَقُولُونَ: الْحَقَائِقُ الْمَخْلُوقَةُ لَيْسَتْ فِي الْخَارِجِ، إِلَّا الْمَوْجُودَ الَّذِي هُوَ الْحَقِيقَةُ الَّتِي فِي الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا ذِهْنِيًّا، وَالْآخِرُ خَارِجِيًّا، فَإِذَا جُعِلَتِ الْمَاهِيَّةُ أَوِ الْحَقِيقَةُ اسْمًا لِمَا فِي الذِّهْنِ، كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَا فِي الْخَارِجِ. وَأَمَّا إِذَا قِيلَ: الْوُجُودُ الذِّهْنِيُّ فَهُوَ الْمَاهِيَّةُ الذِّهْنِيَّةُ، وَإِذَا قِيلَ: الْمَاهِيَّةُ الْخَارِجِيَّةُ فَهِيَ الْوُجُودُ الْخَارِجِيُّ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْمَخْلُوقِ فَالْخَالِقُ أَوْلَى. وَمَذْهَبُ ابْنِ سِينَا مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ بَعْدَ التَّصَوُّرِ التَّامِّ ; فَإِنَّهُ إِذَا اشْتَرَكَ الْمَوْجُودَانِ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ، لَمْ يُمَيَّزْ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِمُجَرَّدِ السَّلْبِ، فَإِنَّ التَّمْيِيزَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَ الْمُشْتَرِكَيْنِ لَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِ الْعَدَمِ الْمَحْضِ ; إِذِ الْعَدَمُ الْمَحْضُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ الِامْتِيَازُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا يَكُونُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ الْمَوْجُودَيْنِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا إِلَّا أَمْرًا ثُبُوتِيًّا، أَوْ مُتَضَمِّنًا لِأَمْرٍ ثُبُوتِيٍّ. وَهَذَا مُسْتَقِرٌّ عِنْدَهُمْ فِي الْمَنْطِقِ، فَكَيْفَ يَكُونُ وُجُودُ الرَّبِّ مُمَاثِلًا لِوُجُودِ الْمُمْكِنَاتِ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ [1] وَلَا يَمْتَازُ عَنِ الْمَخْلُوقَاتِ إِلَّا بِعَدَمٍ مَحْضٍ لَا ثُبُوتَ فِيهِ؟ بَلْ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ أَيُّ مَوْجُودٍ قُدِّرَ أَكْمَلَ مِنْ هَذَا الْمَوْجُودِ ; فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَوْجُودَ مُخْتَصٌّ - مَعَ وُجُودِهِ - بِأَمْرِ ثُبُوتِيٍّ عِنْدَهُ، وَالْوُجُودُ الْوَاجِبُ لَا يَخْتَصُّ عِنْدَهُ إِلَّا بِأَمْرٍ عَدَمِيٍّ، مَعَ تَمَاثُلِهِمَا فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ. فَهَذَا الْقَوْلُ يَسْتَلْزِمُ مُمَاثَلَةَ الْوُجُودِ الْوَاجِبِ لِوُجُودِ كُلِّ مُمْكِنٍ فِي (1) م: الْمَوْجُودِ. الْوُجُودِ، وَأَنْ لَا يَمْتَازَ عَنْهُ إِلَّا بِسَلْبِ الْأُمُورِ الثُّبُوتِيَّةِ. وَالْكَمَالُ هُوَ فِي الْوُجُودِ لَا فِي الْعَدَمِ ; إِذِ الْعَدَمُ الْمَحْضُ لَا كَمَالَ فِيهِ، فَحِينَئِذٍ يَمْتَازُ عَنِ الْمُمْكِنَاتِ بِسَلْبِ جَمِيعِ الْكَمَالَاتِ، وَتَمْتَازُ عَنْهُ بِإِثْبَاتِ جَمِيعِ الْكَمَالَاتِ. وَهَذَا غَايَةُ مَا يَكُونُ مِنْ تَعْظِيمِ الْمُمْكِنَاتِ فِي الْكَمَالِ وَالْوُجُودِ، وَوَصْفِ الْوُجُودِ الْوَاجِبِ بِالنَّقْصِ وَالْعَدَمِ. وَأَيْضًا فَهَذَا الْوُجُودُ الَّذِي لَا يَمْتَازُ عَنْ غَيْرِهِ إِلَّا بِالْأُمُورِ الْعَدَمِيَّةِ [1] يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ فِي الْخَارِجِ، بَلْ لَا يُمْكِنُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ ; لِأَنَّهُ إِذَا شَارَكَ سَائِرَ الْمَوْجُودَاتِ فِي مُسَمَّى الْوُجُودِ كَانَ هَذَا كُلِّيًّا، وَالْوُجُودُ لَا يَكُونُ كُلِّيًّا إِلَّا فِي الذِّهْنِ، لَا فِي الْخَارِجِ، وَالْأُمُورُ الْعَدَمِيَّةُ الْمَحْضَةُ لَا تُوجِبُ ثُبُوتَهُ [2] فِي الْخَارِجِ، فَإِنَّ مَا فِي الذِّهْنِ هُوَ بِسَلْبِ الْحَقَائِقِ الْخَارِجِيَّةِ عَنْهُ أَحَقُّ بِسَلْبِهَا [3] عَمَّا فِي الْخَارِجِ، لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا فِي الْخَارِجِ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مُمْتَنِعًا؟ فَإِذَا كَانَ الْكُلِّيُّ لَا يَكُونُ إِلَّا ذِهْنِيًّا، وَالْقَيْدُ الْعَدَمِيُّ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ كُلِّيًّا، ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْخَارِجِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا فِي الْخَارِجِ لَا يَكُونُ إِلَّا مُعَيَّنًا، لَهُ وُجُودٌ يَخُصُّهُ، فَمَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ. (1) م: إِلَّا بِأُمُورِ الْعَدَمِ. (2) م: ثُبُوتًا. (3) س، ب: لِسَلْبِهَا. فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ - وَغَيْرِهَا - أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي وَاجِبِ الْوُجُودِ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ، لَا فِي الْخَارِجِ. فَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَيَّدَهُ بِالْأُمُورِ الْعَدَمِيَّةِ. وَلَهُمْ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ لَا [1] بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ، الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْكُلِّيَّ الطَّبِيعِيَّ، وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي الْخَارِجِ إِلَّا مُعَيَّنًا، فَيَكُونُ مِنْ جِنْسِ الْقَوْلَيْنِ قَبْلَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْخَارِجِ، وَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْمُعَيَّنَاتِ [2] ، فَيَكُونُ الْوُجُودُ الْوَاجِبُ الْمُبْدِعُ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ: إِمَّا عَرَضًا قَائِمًا بِالْمَخْلُوقَاتِ، وَإِمَّا جُزْءًا مِنْهَا، فَيَكُونُ الْوَاجِبُ مُفْتَقِرًا إِلَى الْمُمْكِنِ عَرَضًا فِيهِ، أَوْ جُزْءًا مِنْهُ، بِمَنْزِلَةِ الْحَيَوَانِيَّةِ فِي الْحَيَوَانَاتِ، لَا تَكُونُ هِيَ الْخَالِقَةَ لِلْحَيَوَانِ، وَلَا الْإِنْسَانِيَّةُ هِيَ الْمُبْدِعَةَ لِلْإِنْسَانِ ; فَإِنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ وَعَرَضَهُ لَا يَكُونُ هُوَ الْخَالِقَ لَهُ، بَلِ الْخَالِقُ مُبَايِنٌ لَهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ ; إِذْ جُزْؤُهُ وَعَرَضُهُ دَاخِلٌ فِيهِ، وَالدَّاخِلُ فِي الشَّيْءِ لَا يَكُونُ هُوَ الْمُبْدِعَ لَهُ كُلِّهِ [3] . فَمَا وَصَفُوا بِهِ رَبَّ الْعَالَمِينَ يَمْتَنِعُ مَعَهُ [4] أَنْ يَكُونَ خَالِقًا [5] لِشَيْءٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ خَالِقًا لِكُلِّ شَيْءٍ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ [6] . (1) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (2) عِبَارَةُ "وَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْمُعَيَّنَاتِ" سَاقِطَةٌ فِي (م) وَمَكَانُهَا بَيَاضٌ. (3) م: كُلِّيًّا. (4) م: مِنْهُ. (5) ن، س جَاهِلًا، ب: جَاعِلًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (6) م: مَوَاضِعَ أُخَرَ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ [1] تَعْطِيلُ الْخَالِقِ، وَجَحْدُ حَقِيقَةِ النُّبُوَّاتِ وَالْمَعَادِ وَالشَّرَائِعِ، وَيَنْتَسِبُونَ إِلَى مُوَالَاةِ عَلِيٍّ، وَيَدَّعُونَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ، كَمَا تَدَّعِي الْقَدَرِيَّةُ وَالْجَهْمِيَّةُ وَالرَّافِضَةُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى قَوْلِهِمْ أَيْضًا، وَيَدَّعُونَ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ مَأْخُوذَةٌ عَنْهُ، وَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ [2] : "وَعِلْمُ التَّفْسِيرِ إِلَيْهِ يُعْزَى ; لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ تِلْمِيذَهُ فِيهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَفْسِيرِ" الْبَاءِ "مِنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ" . وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: أَيْنَ الْإِسْنَادُ الثَّابِتُ بِهَذَا النَّقْلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ فَإِنَّ أَقَلَّ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَجِّ بِالْمَنْقُولَاتِ أَنْ يَذْكُرَ الْإِسْنَادَ الَّذِي يُعْلَمُ بِهِ صِحَّةُ النَّقْلِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ مَا يُذْكَرُ فِي الْكُتُبِ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ فِيهِ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْكَذِبِ [3] . وَيُقَالُ: ثَانِيًا: أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَذِبِ ; فَإِنَّ هَذَا الْأَثَرَ الْمَأْثُورَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَذِبٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ يُعْرَفُ، وَإِنَّمَا (1) ن، م، س: الَّذِينَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ. . . (2) فِي (ك) ص 179 (م) - 180 (م) . (3) فِي هَامِشِ (س) أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ كُتِبَ مَا يَلِي: "صِحَّةُ الْإِسْنَادِ شَرْطٌ لِلِاسْتِدْلَالِ" . يُذْكَرُ مِثْلَ هَذِهِ الْحِكَايَاتِ بِلَا إِسْنَادٍ. وَهَذِهِ يَرْوِيهَا أَهْلُ الْمَجْهُولَاتِ، الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَيَجْعَلُونَ كَلَامَ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ جِنْسِ كَلَامِهِمْ، كَمَا يَقُولُونَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ يَتَحَدَّثَانِ، وَكُنْتُ كَالزِّنْجِيِّ بَيْنَهُمَا. فَإِنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى عُمَرَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَمَا يَنْقُلُونَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِي بَكْرٍ (* لِيَسْأَلَهَا عَنْ عِلْمِهِ فِي السِّرِّ، فَقَالَتْ: كُنْتُ أَشُمُّ مِنْ فِيهِ رَائِحَةَ الْكَبِدِ الْمُحْتَرِقَةِ، وَهَذَا أَيْضًا كَذِبٌ، وَعُمَرُ لَمْ يَتَزَوَّجِ امْرَأَةَ أَبِي بَكْرٍ *) [1] ، وَإِنَّمَا تَزَوَّجَهَا عَلِيٌّ: تَزَوَّجَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ، وَمَعَهَا رَبِيبُهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، فَتَرَبَّى عِنْدَهُ. وَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ نُقِلَ عَنْهُ مِنَ التَّفْسِيرِ مَا شَاءَ اللَّهُ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرُ عَلِيٍّ. وَابْنُ عَبَّاسٍ يَرْوِي عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: يَرْوِي عَنْ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. وَرِوَايَتُهُ عَنْ عَلِيٍّ قَلِيلَةٌ جِدًّا، وَلَمْ يُخَرِّجْ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ [2] شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ عَلِيٍّ، وَخَرَّجُوا حَدِيثَهُ عَنْ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ. وَأَيْضًا فَالتَّفْسِيرُ أُخِذَ عَنْ غَيْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ [3] : أُخِذَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ (1) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) . (2) م: الصَّحِيحَيْنِ. (3) ن: عَنْ عُمَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ، س، ب: عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) وَهُوَ الصَّوَابُ. مِنَ الصَّحَابَةِ، الَّذِينَ لَمْ يَأْخُذُوا عَنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، وَمَا يُعْرَفُ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ تَفْسِيرٌ ثَابِتٌ [عَنْهُ] [1] . وَهَذِهِ كُتُبُ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ مَمْلُوءَةٌ بِالْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَالَّذِي فِيهَا عَنْ عَلِيٍّ قَلِيلٌ جِدًّا. وَمَا يُنْقَلُ فِي "حَقَائِقِ" السُّلَمِيِّ مِنَ التَّفْسِيرِ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ عَامَّتُهُ كَذِبٌ عَلَى جَعْفَرٍ، كَمَا قَدْ كُذِبَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ. [فصل كلام الرافضي أن علم الطريقة منسوب إلى علي رضي الله عنه والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ [2] : "وَأَمَّا عِلْمُ الطَّرِيقَةِ فَإِلَيْهِ مَنْسُوبٌ ; فَإِنَّ الصُّوفِيَّةَ كُلَّهُمْ يُسْنِدُونَ الْخِرْقَةَ إِلَيْهِ" . وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: أَمَّا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَحَقَائِقِ الْإِيمَانِ، الْمَشْهُورِينَ فِي الْأُمَّةِ بِلِسَانِ الصِّدْقِ، فَكُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّهُ أَعْظَمُ الْأُمَّةِ فِي الْحَقَائِقِ الْإِيمَانِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ الْعِرْفَانِيَّةِ، وَأَيْنَ مَنْ يُقَدِّمُونَهُ فِي الْحَقَائِقِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الْأُمُورِ عِنْدَهُمْ - إِلَى مَنْ يَنْسُبُ إِلَيْهِ النَّاسُ لِبَاسَ الْخِرْقَةِ؟ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "«إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ»" [3] ، فَأَيْنَ حَقَائِقُ الْقُلُوبِ مِنْ لِبَاسِ الْأَبْدَانِ؟ (1) عَنْهُ: زِيَادَةٌ فِي (ب) . (2) فِي (ك) ص 180 (م) . (3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 5/316. وَيُقَالُ: ثَانِيًا: الْخِرَقُ مُتَعَدِّدَةٌ، أَشْهَرُهَا خِرْقَتَانِ: خِرْقَةٌ إِلَى عُمَرَ، وَخِرْقَةٌ إِلَى عَلِيٍّ، فَخِرْقَةُ عُمَرَ لَهَا إِسْنَادَانِ: إِسْنَادٌ إِلَى أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ، وَإِسْنَادٌ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ، وَأَمَّا الْخِرْقَةُ الْمَنْسُوبَةُ إِلَى عَلِيٍّ فَإِسْنَادُهَا إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَالْمُتَأَخِّرُونَ يَصِلُونَهَا بِمَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ ; فَإِنَّ الْجُنَيْدَ صَحِبَ السَّرِيَّ [السَّقْطِيَّ] [1] ، وَالسَّرِيَّ صَحِبَ مَعْرُوفًا الْكَرْخِيَّ بِلَا رَيْبٍ. وَأَمَّا الْإِسْنَادُ مِنْ جِهَةِ مَعْرُوفٍ فَيَنْقَطِعُ، فَتَارَةً يَقُولُونَ: إِنَّ مَعْرُوفًا صَحِبَ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا، لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُونَ لِأَخْبَارِ مَعْرُوفٍ بِالْإِسْنَادِ الثَّابِتِ الْمُتَّصِلِ، كَأَبِي نُعَيْمٍ، وَأَبِي الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي فَضَائِلِ مَعْرُوفٍ. وَمَعْرُوفٌ كَانَ مُنْقَطِعًا فِي الْكَرْخِ، وَعَلِيُّ بْنُ مُوسَى كَانَ الْمَأْمُونُ قَدْ جَعَلَهُ وَلِيَّ الْعُهْدَةِ [2] بَعْدَهُ، وَجَعَلَ شِعَارَهُ لِبَاسَ الْخُضْرَةِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَأَعَادَ شِعَارَ السَّوَادِ. وَمَعْرُوفٌ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَجْتَمِعُ [3] بِعَلِيِّ بْنِ مُوسَى، وَلَا نَقَلَ عَنْهُ ثِقَةٌ أَنَّهُ اجْتَمَعَ بِهِ، أَوْ أَخَذَ عَنْهُ شَيْئًا، بَلْ وَلَا يُعْرَفُ أَنَّهُ رَآهُ، وَلَا كَانَ مَعْرُوفٌ بَوَّابَهُ، وَلَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ، وَهَذَا كُلُّهُ كَذِبٌ. وَأَمَّا الْإِسْنَادُ الْآخَرُ فَيَقُولُونَ: إِنَّ مَعْرُوفًا صَحِبَ دَاوُدَ الطَّائِيَّ، وَهَذَا أَيْضًا لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَيْسَ فِي أَخْبَارِهِ الْمَعْرُوفَةِ مَا يُذْكَرُ فِيهَا. وَفِي إِسْنَادِ الْخِرْقَةِ أَيْضًا أَنَّ دَاوُدَ الطَّائِيَّ صَحِبَ حَبِيبًا الْعَجَمِيَّ، وَهَذَا أَيْضًا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ حَقِيقَةٌ. (1) السَّقْطِيَّ: زِيَادَةٌ فِي (م) . (2) ن، م: وَلِيَّ الْعَهْدِ. (3) م: اجْتَمَعَ.
__________________
|
#458
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثامن الحلقة (458) صـ 45 إلى صـ 54 وَفِيهَا أَنَّ حَبِيبًا الْعَجَمِيَّ صَحِبَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ [1] ، وَهَذَا صَحِيحٌ ; فَإِنَّ الْحَسَنَ كَانَ لَهُ أَصْحَابٌ، كَثِيرُونَ مِثْلَ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، وَمِثْلَ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، وَمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، وَحَبِيبٍ الْعَجَمِيِّ، وَفَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُبَّادِ الْبَصْرَةِ. وَفِيهَا أَنَّ الْحَسَنَ صَحِبَ عَلِيًّا، وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ ; فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَجْتَمِعْ بِعَلِيٍّ، وَإِنَّمَا أَخَذَ عَنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، أَخَذَ عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، وَقَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَلِيٍّ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَهْلُ الصَّحِيحِ. وَالْحَسَنُ وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ، وَقُتِلَ عُثْمَانُ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ. كَانَتْ أُمُّهُ أَمَةً لِأُمِّ سَلَمَةَ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ حُمِلَ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَكَانَ عَلِيٌّ بِالْكُوفَةِ، وَالْحَسَنُ فِي وَقْتِهِ صَبِيٌّ مِنَ الصِّبْيَانِ لَا يُعْرَفُ، وَلَا لَهُ ذِكْرٌ. وَالْأَثَرُ الَّذِي يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى جَامِعِ الْبَصْرَةِ وَأَخْرَجَ الْقُصَّاصَ إِلَّا الْحَسَنَ، كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَلَكِنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّ عَلِيًّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَوَجَدَ قَاصًّا يَقُصُّ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: أَبُو يَحْيَى. قَالَ: هَلْ [2] تَعْرِفُ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: (1) الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ يَسَارٍ أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 110. ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مَنْ صَحَّ لَهُ السَّمَاعُ عَنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَصِحَّ لَهُ سَمَاعٌ عَنْهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلِيًّا فِيمَا صَحَّ لَهُ السَّمَاعُ عَنْهُمْ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي "الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ م [0 - 9] ق 2 ص 40 - 42، تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 1/71 - 72، مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/527، تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 2/263 - 270." (2) هَلْ سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ، إِنَّمَا أَنْتَ أَبُو: اعْرِفُونِي [1] ، ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِهِ، فَأَخْرَجَهُ [2] مِنَ الْمَسْجِدِ. فَرَوَى أَبُو حَاتِمٍ فِي كِتَابِ "النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ" [3] : حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ [4] ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: انْتَهَى عَلِيٌّ إِلَى قَاصٍّ وَهُوَ يَقُصُّ، فَقَالَ: أَعَلِمْتَ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ عَبَّادٍ الرُّوَاسِيُّ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ حُمْرَانَ [5] ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ دَخَلَ مَسْجِدَ الْكُوفَةِ، فَإِذَا قَاصٌّ يَقُصُّ، فَقَامَ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ: يَا هَذَا تَعْرِفُ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَفَتَعْرِفُ مَدَنِيَّ الْقُرْآنِ مِنْ مَكِّيِّهِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ. قَالَ: أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ هَذَا يَقُولُ: اعْرِفُونِي اعْرِفُونِي اعْرِفُونِي. وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مُجَلَّدًا فِي مَنَاقِبِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ [6] ، (1) ن: أَبُو عَرْفُونِي، م: ابُوا عَنْ فُولِي، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (2) م: وَأَخْرَجَهُ، س، ب: فَأَخَذَهُ. (3) لَمْ يَذْكُرْ سِزْكِينُ هَذَا الْكِتَابَ ضِمْنَ كُتُبِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ الْمَخْطُوطَةِ. انْظُرْ: سِزْكِينَ م [0 - 9] ج 1 ص 298. (4) م: ذُكَيْنٍ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي "تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ" 8/270: "الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَهُوَ لَقَبٌ وَاسْمُهُ: عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ دِرْهَمٍ التَّيْمِيُّ، مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، أَبُو نُعَيْمٍ الْمُلَائِيُّ الْكُوفِيُّ الْأَحْوَلُ" ثُمَّ ذَكَرَ 8/275 اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي سَنَةِ وَفَاتِهِ وَهِيَ 218 تَقْرِيبًا. (5) م: بِنُ حَرَّانَ. (6) وَهُوَ كِتَابُ "فَضَائِلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَدَبِهِ حِكْمَتِهِ نَشْأَتِهِ. إِلَخْ" تَأْلِيفُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، طُبِعَ بِالْقَاهِرَةِ سَنَةَ 1350 وَمِنْهُ نُسْخَةٌ خَطِّيَّةٌ فِي أَيَا صُوفْيَا رَقْمُ 1642، انْظُرْ سِزْكِينَ م [0 - 9] ج 4 ص. 10. وَصَنَّفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْدِسِيُّ جُزْءًا فِيمَنْ لَقِيَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ [1] . وَأَخْبَارُ الْحَسَنِ مَشْهُورَةٌ فِي مِثْلِ "تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ" . وَقَدْ كَتَبْتُ أَسَانِيدَ الْخِرْقَةِ ; لِأَنَّهُ كَانَ لَنَا فِيهَا أَسَانِيدُ، فَبَيَّنْتُهَا لِيُعْرَفَ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ. وَلَهُمْ إِسْنَادٌ آخَرُ [2] بِالْخِرْقَةِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى جَابِرٍ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ جِدًّا. وَقَدْ عُقِلَ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُونُوا يُلْبِسُونَ مُرِيدِيهِمْ خِرْقَةً، وَلَا يَقُصُّونَ شُعُورَهُمْ، وَلَا التَّابِعُونَ، وَلَكِنَّ هَذَا فَعَلَهُ بَعْضُ مَشَايِخِ الْمَشْرِقِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَأَخْبَارُ الْحَسَنِ مَذْكُورَةٌ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ مِنْ كُتُبٍ كَثِيرَةٍ، يُعْلَمُ مِنْهَا مَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ أَفْرَدَ [3] أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ لَهُ كِتَابًا فِي مَنَاقِبِهِ وَأَخْبَارِهِ. وَأَضْعَفَ مِنْ هَذَا نِسْبَةُ الْفُتُوَّةِ إِلَى عَلِيٍّ، وَفِي إِسْنَادِهَا مِنَ الرِّجَالِ الْمَجْهُولِينَ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ ذِكْرٌ مَا يُبَيِّنُ كَذِبَهَا. وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِأَحْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ يَلْبَسُ سَرَاوِيلَ، وَلَا يُسْقَى مِلْحًا، وَلَا يَخْتَصُّ أَحَدٌ بِطَرِيقَةٍ تُسَمَّى الْفُتُوَّةَ، لَكِنْ كَانُوا قَدِ اجْتَمَعَ بِهِمُ التَّابِعُونَ، وَتَعَلَّمُوا مِنْهُمْ، وَتَأَدَّبُوا بِهِمْ، وَاسْتَفَادُوا مِنْهُمْ، وَتَخَرَّجُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَصَحِبُوا مَنْ صَحِبُوهُ مِنْهُمْ، وَكَانُوا يَسْتَفِيدُونَ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ. (1) ب: مِنْ أَصْحَابِهِ. (2) س، ب: أَسَانِيدُ أُخَرُ. (3) م: أَخْرَجَ. وَأَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانُوا يَأْخُذُونَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَغَيْرِهِمْ. وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانُوا يَأْخُذُونَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ يَأْخُذُونَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمَا. وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَأْخُذُونَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ. وَقَدِ انْتَفَعَ بِكُلٍّ مِنْهُمْ مَنْ نَفَعَهُ اللَّهُ، وَكُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ، وَطَرِيقٍ وَاحِدَةٍ، وَسَبِيلٍ وَاحِدَةٍ، يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [1] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَلَّغَهُمْ مِنَ الصَّادِقِينَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا قَبِلُوهُ، وَمَنْ فَهَّمَ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ [2] مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ اسْتَفَادُوهُ، وَمَنْ دَعَاهُمْ إِلَى الْخَيْرِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَجَابُوهُ. وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَجْعَلُ شَيْخَهُ رَبًّا يَسْتَغِيثُ بِهِ، كَالْإِلَهِ الَّذِي يَسْأَلُهُ وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ، وَيَعْبُدُهُ وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَيَسْتَغِيثُ بِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا. وَلَا كَالنَّبِيِّ الَّذِي تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا أَمَرَ، فَالْحَلَالُ مَا حَلَّلَهُ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ. فَإِنَّ هَذَا وَنَحْوَهُ دِينُ النَّصَارَى الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 31] . وَكَانُوا مُتَعَاوِنِينَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، لَا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، مُتَوَاصِينَ بِالْحَقِّ، مُتَوَاصِينَ بِالصَّبْرِ. (1) م: وَيُطِيعُونَ رَسُولَ اللَّهِ. . . (2) س، ب: مِنَ السُّنَّةِ وَالْقُرْآنِ. وَالْإِمَامُ وَالشَّيْخُ وَنَحْوُهُمَا عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَبِمَنْزِلَةِ دَلِيلِ الْحَاجِّ ; فَالْإِمَامُ يَقْتَدِي بِهِ الْمَأْمُومُونَ فَيُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، لَا يُصَلِّي عَنْهُمْ [1] ، وَهُوَ يُصَلِّي بِهِمُ الصَّلَاةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهَا، فَإِنْ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا لَمْ يَتَّبِعُوهُ. وَدَلِيلُ الْحَاجِّ يَدُلُّ الْوَفْدَ عَلَى طَرِيقِ الْبَيْتِ لِيَسْلُكُوهُ وَيَحُجُّوهُ بِأَنْفُسِهِمْ، فَالدَّلِيلُ لَا يَحُجُّ عَنْهُمْ، وَإِنْ أَخْطَأَ الدِّلَالَةَ لَمْ يَتَّبِعُوهُ، وَإِذَا اخْتَلَفَ دَلِيلَانِ وَإِمَامَانِ نُظِرَ أَيُّهُمَا كَانَ الْحَقُّ مَعَهُ اتُّبِعَ. فَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} الْآيَةَ [سُورَةُ النِّسَاءِ: 59] . وَكُلٌّ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَكَنُوا الْأَمْصَارَ أَخَذَ عَنْهُ النَّاسُ الْإِيمَانَ وَالدِّينَ. وَأَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَمْ يَأْخُذُوا عَنْ عَلِيٍّ شَيْئًا ; فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ سَاكِنًا بِالْمَدِينَةِ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ لَمْ يَكُونُوا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ إِلَّا كَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَى نُظَرَائِهِ، كَعُثْمَانَ، فِي مِثْلِ قِصَّةٍ شَاوَرَهُمْ [2] فِيهَا عُمَرُ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَمَّا ذَهَبَ إِلَى الْكُوفَةِ، كَانَ أَهْلُ الْكُوفَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ قَدْ أَخَذُوا الدِّينَ (1) ن، س، ب: فَيُصَلُّونَ فَصَلَاتُهُ لَا تُصَلَّى عَنْهُمْ. . (2) ن، س: قِصَّةٍ يُشَاوِرُهُمْ، ب: قَضِيَّةٍ يُشَاوِرُهُمْ. عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَعَمَّارٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَرْسَلَهُ عُمَرُ إِلَى الْكُوفَةِ. وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ أَخَذُوا الدِّينَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَأَبِي بَكْرَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، وَأَنَسٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَأَهْلُ الشَّامِ أَخَذُوا الدِّينَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَبِلَالٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَالْعُبَّادُ وَالزُّهَّادُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ أَخَذُوا الدِّينَ عَمَّنْ شَاهَدُوهُ مِنَ الصَّحَابَةِ. فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ طَرِيقَ أَهْلِ الزُّهْدِ وَالتَّصَوُّفِ مُتَّصِلٌ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ؟ وَهَذِهِ كُتُبُ الزُّهْدِ، مِثْلُ "الزُّهْدِ" لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَ "الزُّهْدِ" لِابْنِ الْمُبَارَكِ، وَلِوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَلِهَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ، وَمِثْلُ كُتُبِ أَخْبَارِ الزُّهَّادِ "كَحِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ" وَ "صَفْوَةِ الصَّفْوَةِ" وَغَيْرِ ذَلِكَ، فِيهَا مِنْ أَخْبَارِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ، وَلَيْسَ الَّذِي فِيهَا لِعَلِيٍّ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهَا لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَمُعَاذٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي أُمَامَةَ، وَأَمْثَالِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ. [فصل كلام الرافضي أن علم الفصاحة علي منبعه والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "وَأَمَّا عِلْمُ الْفَصَاحَةِ فَهُوَ مَنْبَعُهُ، حَتَّى" (1) فِي (ك) ص 180 (م) . قِيلَ: كَلَامُهُ فَوْقَ [1] كَلَامِ الْمَخْلُوقِ وَدُونَ كَلَامِ الْخَالِقِ، وَمِنْهُ تَعَلَّمَ الْخُطَبَاءُ "." وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: لَا رَيْبَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ مِنْ أَخْطَبِ الصَّحَابَةِ [2] ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ خَطِيبًا، وَعُمَرُ خَطِيبًا، وَكَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ خَطِيبًا مَعْرُوفًا بِأَنَّهُ خَطِيبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا كَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ شُعَرَاءَهُ. وَلَكِنْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَخْطُبُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ، فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا خَرَجَ فِي الْمَوْسِمِ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ يَخْطُبُ مَعَهُ، وَيُبَيِّنُ بِخِطَابِهِ مَا يَدْعُو النَّاسَ إِلَى مُتَابَعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَبِيُّ اللَّهِ سَاكِتٌ يُقِرُّهُ عَلَى مَا يَقُولُ، وَكَانَ كَلَامُهُ تَمْهِيدًا وَتَوْطِئَةً لِمَا يُبَلِّغُهُ الرَّسُولُ، مَعُونَةً لَهُ، لَا تَقَدُّمًا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. كَمَا كَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ يَخْطُبُ أَحْيَانًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يُسَمَّى خَطِيبَ رَسُولِ اللَّهِ. وَكَانَ عُمَرُ مِنْ أَخْطَبِ النَّاسِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَخْطَبَ مِنْهُ، يَعْتَرِفُ لَهُ عُمَرُ بِذَلِكَ [3] ، وَهُوَ الَّذِي خَطَبَ الْمُسْلِمِينَ وَكَشَفَ لَهُمْ عَنْ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَثَبَّتَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى لَا يَضْطَرِبَ النَّاسُ ; لِعَظِيمِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِهِمْ. (1) ك: حَتَّى قِيلَ فِي كَلَامِهِ إِنَّهُ فَوْقَ. . . (2) م: النَّاسِ. (3) س، ب: يَعْرِفُ لَهُ عُمَرُ بِذَلِكَ. وَلَمَّا قَدِمَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرَيْنِ إِلَى الْمَدِينَةِ، قَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ يُخَاطِبُ [1] النَّاسَ عَنْهُ، حَتَّى ظَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُمَا أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَنْ عُرِفَ بَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْقَاعِدُ. وَكَانَ يَخْرُجُ مَعَهُ إِلَى الْوُفُودِ، فَيُخَاطِبُ الْوُفُودَ، وَكَانَ يُخَاطِبُهُمْ فِي مَغِيبِهِ. وَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ هُوَ الَّذِي خَطَبَ النَّاسَ. وَخَطَبَ يَوْمَ السَّقِيفَةِ خُطْبَةً بَلِيغَةً، انْتَفَعَ بِهَا الْحَاضِرُونَ كُلُّهُمْ، حَتَّى قَالَ عُمَرُ: "كُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ فِي نَفْسِي مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ أَحْلَمَ [2] مِنِّي وَأَوْقَرَ، وَاللَّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلَّا قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا" [3] . وَقَالَ أَنَسٌ: خَطَبَنَا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَحْنُ كَالثَّعَالِبِ، فَمَا زَالَ يُثَبِّتُنَا حَتَّى صِرْنَا كَالْأُسُودِ. وَكَانَ زِيَادُ بْنُ أَبِيهِ مِنْ أَخْطَبِ النَّاسِ وَأَبْلَغِهِمْ، حَتَّى قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا تَكَلَّمَ أَحَدٌ فَأَحْسَنَ، إِلَّا تَمَنَّيْتُ أَنْ يَسْكُتَ ; خَشْيَةَ أَنْ يَزِيدَ فَيُسِيءَ، إِلَّا زِيَادًا، كَانَ كُلَّمَا أَطَالَ أَجَادَ - أَوْ كَمَا قَالَ. وَقَدْ كَتَبَ النَّاسُ خُطَبَ زِيَادٍ. (1) م: يَخْطُبُ. (2) م: أَحْكَمَ. (3) هَذَا جُزْءٌ مِنْ حَدِيثِ السَّقِيفَةِ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى 1/518، 4/365. وَكَانَ مُعَاوِيَةُ خَطِيبًا، وَكَانَتْ عَائِشَةُ مِنْ أَخْطَبِ النَّاسِ، حَتَّى قَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: سَمِعْتُ خُطْبَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، فَمَا سَمِعْتُ الْكَلَامَ مِنْ مَخْلُوقٍ أَفْحَمَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْ عَائِشَةَ. وَكَانَ الْخُطَبَاءُ الْفُصَحَاءُ كَثِيرِينَ فِي الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَهُ، وَجَمَاهِيرُ هَؤُلَاءِ لَمْ يَأْخُذُوا عَنْ عَلِيٍّ شَيْئًا. فَقَوْلُ الْقَائِلِ: "إِنَّهُ مَنْبَعُ عِلْمِ الْفَصَاحَةِ" كَذِبٌ بَيِّنٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَخْطَبَ مِنْهُ وَأَفْصَحَ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا. وَلَيْسَتِ الْفَصَاحَةُ التَّشَدُّقَ فِي الْكَلَامِ، وَالتَّقْعِيرَ فِي الْكَلَامِ [1] ، وَلَا سَجْعَ الْكَلَامِ، وَلَا كَانَ فِي خُطْبَةِ عَلِيٍّ وَلَا سَائِرِ خُطَبَاءِ الْعَرَبِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ تَكَلُّفُ الْأَسْجَاعِ، وَلَا تَكَلُّفُ التَّحْسِينِ الَّذِي يَعُودُ إِلَى مُجَرَّدِ اللَّفْظِ، الَّذِي يُسَمَّى عِلْمَ الْبَدِيعِ، كَمَا يَفْعَلُهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْخُطَبِ وَالرَّسَائِلِ وَالشِّعْرِ. وَمَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ مِنْ مِثْلِ قَوْلِهِ: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: 104] وَ {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ} [سُورَةُ الْعَادِيَاتِ: 11] وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَمْ يُتَكَلَّفْ لِأَجْلِ التَّجَانُسِ، بَلْ هَذَا تَابِعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، كَمَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَوْزَانِ الشِّعْرِ، وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ الشِّعْرُ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سُورَةُ سَبَأٍ: 13] ، (1) عِبَارَةُ "وَالتَّقْعِيرَ فِي الْكَلَامِ" : سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . وَقَوْلِهِ: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [سُورَةُ الْحِجْرِ 49] ، {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} [سُورَةُ الشَّرْحِ: 2، 3] وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا الْبَلَاغَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} ) [سُورَةُ النِّسَاءِ: 63] ، هِيَ عِلْمُ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ، فَيُذْكَرُ [1] مِنَ الْمَعَانِي مَا هُوَ أَكْمَلُ مُنَاسَبَةً لِلْمَطْلُوبِ، وَيُذْكَرُ [2] مِنَ الْأَلْفَاظِ مَا هُوَ أَكْمَلُ فِي بَيَانِ تِلْكَ الْمَعَانِي. فَالْبَلَاغَةُ بُلُوغُ غَايَةِ الْمَطْلُوبِ، أَوْ غَايَةِ الْمُمْكِنِ، مِنَ الْمَعَانِي بِأَتَمِّ مَا يَكُونُ مِنَ الْبَيَانِ، فَيَجْمَعُ صَاحِبُهَا بَيْنَ تَكْمِيلِ الْمَعَانِي الْمَقْصُودَةِ، وَبَيْنَ تَبْيِينِهَا بِأَحْسَنِ وَجْهٍ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَكُونُ هِمَّتُهُ إِلَى الْمَعَانِي، وَلَا يُوَفِّيهَا حَقَّهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُبَيِّنَةِ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ مُبَيِّنًا لِمَا فِي نَفْسِهِ [3] مِنَ الْمَعَانِي، لَكِنْ لَا تَكُونُ تِلْكَ الْمَعَانِي مُحَصِّلَةً لِلْمَقْصُودِ الْمَطْلُوبِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ، فَالْمُخْبِرُ مَقْصُودُهُ تَحْقِيقُ الْمُخْبَرِ بِهِ، فَإِذَا بَيَّنَهُ [4] وَبَيَّنَ مَا يُحَقِّقُ ثُبُوتَهُ، لَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي لَا يُحَقِّقُ مَا يُخْبِرُ بِهِ، أَوْ لَا يُبَيِّنُ مَا يُعْلَمُ بِهِ ثُبُوتُهُ. وَالْآمِرُ مَقْصُودُهُ تَحْصِيلُ الْحِكْمَةِ الْمَطْلُوبَةِ، فَمَنْ أَمَرَ وَلَمْ يُحْكِمْ مَا أَمَرَ بِهِ، أَوْ لَمْ يُبَيِّنِ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي أَمَرَ بِمَا هُوَ حِكْمَةٌ، وَبَيَّنَ وَجْهَ الْحِكْمَةِ فِيهِ. وَأَمَّا تَكَلُّفُ الْأَسْجَاعِ وَالْأَوْزَانِ، وَالْجِنَاسِ وَالتَّطْبِيقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا (1) ن، س: فَنَذْكُرُ. (2) ن، س: وَنَذْكُرُ. (3) م: نُطْقِهِ. (4) م: أَثْبَتَهُ.
__________________
|
#459
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد الثامن الحلقة (459) صـ 55 إلى صـ 64 تَكَلَّفَهُ مُتَأَخِّرُو الشُّعَرَاءِ وَالْخُطَبَاءِ، وَالْمُتَرَسِّلِينَ وَالْوُعَّاظِ، فَهَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ دَأْبِ خُطَبَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَالْفُصَحَاءِ مِنْهُمْ، وَلَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَهْتَمُّ بِهِ [1] الْعَرَبُ. وَغَالِبُ مَنْ يَعْتَمِدُ ذَلِكَ يُزَخْرِفُ اللَّفْظَ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ مَطْلُوبَةٍ مِنَ الْمَعَانِي، كَالْمُجَاهِدِ الَّذِي يُزَخْرِفُ السِّلَاحَ وَهُوَ جَبَانٌ. وَلِهَذَا يُوجِدُ الشَّاعِرُ، كُلَّمَا أَمْعَنَ فِي الْمَدْحِ وَالْهَجْوِ، خَرَجَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْإِفْرَاطِ فِي الْكَذِبِ، يَسْتَعِينُ بِالتَّخَيُّلَاتِ وَالتَّمْثِيلَاتِ [2] . وَأَيْضًا فَأَكْثَرُ الْخُطَبِ الَّتِي يَنْقُلُهَا صَاحِبُ "نَهْجِ الْبَلَاغَةِ" كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجَلُّ وَأَعْلَى قَدْرًا مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ الْكَلَامِ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ وَضَعُوا أَكَاذِيبَ وَظَنُّوا أَنَّهَا مَدْحٌ، فَلَا هِيَ صِدْقٌ وَلَا هِيَ مَدْحٌ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ كَلَامَ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْبَشَرِ فَوْقَ كَلَامِ الْمَخْلُوقِ، فَقَدْ أَخْطَأَ. وَكَلَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوْقَ كَلَامِهِ، وَكِلَاهُمَا مَخْلُوقٌ. وَلَكِنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ كَلَامِ ابْنِ سَبْعِينَ الَّذِي يَقُولُ: هَذَا كَلَامُ بَشِيرٍ [3] يُشْبِهُ بِوَجْهٍ مَا كَلَامَ الْبَشَرِ، وَهَذَا يَنْزِعُ إِلَى أَنْ يَجْعَلَ كَلَامَ اللَّهِ مَا فِي نُفُوسِ الْبَشَرِ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَيْضًا فَالْمَعَانِي الصَّحِيحَةُ الَّتِي تُوجَدُ فِي كَلَامِ عَلِيٍّ مَوْجُودَةٌ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ، لَكِنَّ صَاحِبَ "نَهْجِ الْبَلَاغَةِ" وَأَمْثَالَهُ أَخَذُوا كَثِيرًا مِنْ كَلَامِ النَّاسِ (1) م: مِمَّا يُتَّهَمُ بِهِ. . . (2) ب: أَوِ التَّمْثِيلَاتِ. (3) م: تَبْشِيرٍ، ب: بَشَرٍ. فَجَعَلُوهُ مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ، وَمِنْهُ مَا يُحْكَى عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِهِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ كَلَامٌ حَقٌّ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، وَلَكِنْ هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ. وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ "الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ" لِلْجَاحِظِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ كَلَامٌ مَنْقُولٌ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ، وَصَاحِبُ "نَهْجِ الْبَلَاغَةِ" يَجْعَلُهُ عَنْ عَلِيٍّ. وَهَذِهِ الْخُطَبُ الْمَنْقُولَةُ فِي كِتَابِ "نَهْجِ الْبَلَاغَةِ" لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا عَنْ عَلِيٍّ مِنْ كَلَامِهِ ; لَكَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلَ هَذَا الْمُصَنَّفِ، مَنْقُولَةً عَنْ عَلِيٍّ بِالْأَسَانِيدِ وَبِغَيْرِهَا. فَإِذَا عَرَفَ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِالْمَنْقُولَاتِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهَا - بَلْ أَكْثَرَهَا - لَا يُعْرَفُ قَبْلَ هَذَا، عُلِمَ أَنَّ هَذَا كَذِبٌ، وَإِلَّا فَلْيُبَيِّنِ النَّاقِلُ لَهَا فِي أَيِّ كِتَابٍ ذُكِرَ ذَلِكَ؟ وَمَنِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ؟ وَمَا إِسْنَادُهُ؟ وَإِلَّا فَالدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةُ لَا يَعْجِزُ عَنْهَا أَحَدٌ. وَمَنْ كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ بِمَعْرِفَةِ طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَمَعْرِفَةِ الْآثَارِ وَالْمَنْقُولِ بِالْأَسَانِيدِ، وَتَبَيُّنِ صِدْقِهَا مِنْ كَذِبِهَا، عَلِمَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْقُلُونَ مِثْلَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الْمَنْقُولَاتِ، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا. [فصل نقل الرافضي قول علي سلوني قبل أن تفقدوني والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "وَقَالَ [2] : سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي، سَلُونِي عَنْ طُرُقِ السَّمَاءِ ; فَإِنِّي أَعْلَمُ بِهَا مِنْ طُرُقِ الْأَرْضِ" . (1) فِي (ك) ص 180 (م) . (2) ك: وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: لَا رَيْبَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ يَقُولُ هَذَا بِالْمَدِينَةِ، بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، الَّذِينَ تَعَلَّمُوا كَمَا تَعَلَّمَ، وَعَرَفُوا كَمَا عَرَفَ. وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لَمَّا صَارَ إِلَى الْعِرَاقِ، وَقَدْ دَخَلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، لَا يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِنَ الدِّينِ، وَهُوَ الْإِمَامُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَهُمْ وَيُعَلِّمَهُمْ، فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ ذَلِكَ لِيُعَلِّمَهُمْ وَيُفْتِيَهُمْ، كَمَا أَنَّ الَّذِينَ تَأَخَّرَتْ حَيَاتُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَاحْتَاجَ النَّاسُ إِلَى عِلْمِهِمْ، نَقَلُوا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لَمْ يَنْقُلْهَا الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، وَلَا أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ ; لِأَنَّ أُولَئِكَ كَانُوا مُسْتَغْنِينَ عَنْ نَقْلِهَا ; لِأَنَّ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ قَدْ عَلِمُوهَا كَمَا عَلِمُوهَا. وَلِهَذَا يُرْوَى لِابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ، وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ، وَنَحْوِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنَ الْحَدِيثِ مَالَا يُرْوَى لِعَلِيٍّ وَلَا لِعُمَرَ، وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ أَعْلَمُ مِنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ، لَكِنَّ هَؤُلَاءِ احْتَاجَ النَّاسُ إِلَيْهِمْ ; لِكَوْنِهِمْ تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُمْ، وَأَدْرَكَهُمْ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ أُولَئِكَ السَّابِقِينَ ; فَاحْتَاجُوا أَنْ يَسْأَلُوهُمْ، وَاحْتَاجَ أُولَئِكَ أَنْ يُعَلِّمُوهُمْ وَيُحَدِّثُوهُمْ. فَقَوْلُ عَلِيٍّ لِمَنْ عِنْدَهُ بِالْكُوفَةِ: "سَلُونِي" هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، لَمْ يَقُلْ هَذَا لِابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَسَلْمَانَ وَأَمْثَالِهِمْ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ. وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَسْأَلُهُ، فَلَمْ يَسْأَلْهُ قَطُّ لَا مُعَاذٌ وَلَا أُبَيٌّ وَلَا ابْنُ مَسْعُودٍ، وَلَا مَنْ هُوَ دُونَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَسْتَفْتِيهِ الْمُسْتَفْتِي، كَمَا يَسْتَفْتِي أَمْثَالَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يُشَاوِرَانِهِ كَمَا يُشَاوِرَانِ أَمْثَالَهُ، فَكَانَ عُمَرُ يُشَاوِرُ فِي الْأُمُورِ لِعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَطِلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي مُوسَى وَلِغَيْرِهِمْ، حَتَّى كَانَ يَدْخُلُ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَهُمْ، مَعَ صِغَرِ سِنِّهِ. وَهَذَا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَدَحَهُمْ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [سُورَةُ الشُّورَى: 38] . وَلِهَذَا كَانَ رَأْيُ عُمَرَ وَحُكْمُهُ وَسِيَاسَتُهُ مِنْ أَسَدِّ الْأُمُورِ، فَمَا رُئِيَ بَعْدَهُ مِثْلُهُ [قَطُّ] [1] ، وَلَا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ وَانْتَشَرَ وَعَزَّ كَظُهُورِهِ وَانْتِشَارِهِ وَعِزِّهِ فِي زَمَنِهِ. وَهُوَ الَّذِي كَسَّرَ كِسْرَى، وَقَصَرَ قَيْصَرَ وَالرُّومَ وَالْفُرْسَ، وَكَانَ أَمِيرُهُ الْكَبِيرُ عَلَى الْجَيْشِ الشَّامِيِّ أَبَا عُبَيْدَةَ، وَعَلَى الْجَيْشِ الْعِرَاقِيِّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ - بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ - مِثْلُ خُلَفَائِهِ وَنُوَّابِهِ، وَعُمَّالِهِ وَجُنْدِهِ، وَأَهْلِ شِورَاهُ. وَقَوْلُهُ: "أَنَا أَعْلَمُ بِطُرُقِ السَّمَاءِ مِنْ طُرُقِ الْأَرْضِ" . كَلَامٌ بَاطِلٌ لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ، وَلَمْ يَصْعَدْ أَحَدٌ بِبَدَنِهِ إِلَى السَّمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي مِعْرَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ هُوَ بِبَدَنِهِ أَوْ بِرُوحِهِ؟ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ بِبَدَنِهِ، فَلَمْ يُنَازَعَ السَّلَفُ فِي غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَعْرُجْ بِبَدَنِهِ. وَمَنِ اعْتَقَدَ هَذَا مِنَ الْغُلَاةِ فِي أَحَدٍ مِنَ الْمَشَايِخِ وَأَهْلِ الْبَيْتِ فَهُوَ مِنَ الضُّلَّالِ، مِنْ جِنْسِ مَنِ اعْتَقَدَ مِنَ الْغُلَاةِ فِي أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ النُّبُوَّةَ، أَوْ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنَ النُّبُوَّةِ، أَوِ الْإِلَهِيَّةِ. (1) قَطُّ: زِيَادَةٌ فِي (م) . وَهَذِهِ الْمَقَالَاتُ كُلُّهَا كُفْرٌ بَيِّنٌ، لَا يَسْتَرِيبُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ. وَهَذَا كَاعْتِقَادِ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ، أَوْلَادِ مَيْمُونَ الْقَدَّاحِ، الَّذِينَ كَانَ جَدُّهُمْ يَهُودِيًّا رَبِيبًا لِمَجُوسِيٍّ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَوْلَادُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، وَاعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ فِيهِمُ الْإِلَهِيَّةَ أَوِ النُّبُوَّةَ، وَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ نَسَخَ شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنَ الْغُلَاةِ يَعْتَقِدُونَ الْإِلَهِيَّةَ أَوِ النُّبُوَّةَ فِي عَلِيٍّ، وَفِي بَعْضِ أَهْلِ بَيْتِهِ: إِمَّا الِاثْنَا عَشَرَ، وَإِمَّا غَيْرُهُمْ. وَكَذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَامَّةِ وَالنُّسَّاكِ يَعْتَقِدُونَ فِي بَعْضِ الشُّيُوخِ نَوْعًا مِنَ الْإِلَهِيَّةِ أَوِ النُّبُوَّةِ، أَوْ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، [وَيَجْعَلُونَ خَاتَمَ الْأَوْلِيَاءِ أَفْضَلَ مِنْ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ] [1] ، وَكَذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَجْعَلُونَ الْأَوْلِيَاءَ أَفْضَلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. وَيَعْتَقِدُ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَنَحْوُهُ أَنَّ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ يَسْتَفِيدُ مِنْ خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ، وَأَنَّهُ هُوَ خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ. وَيَعْتَقِدُ طَائِفَةٌ أُخْرَى أَنَّ الْفَيْلَسُوفَ الْكَامِلَ أَعْلَمُ مِنَ النَّبِيِّ بِالْحَقَائِقِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ. فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ وَنَحْوُهَا هِيَ مِنَ الْكُفْرِ الْمُخَالِفِ لِدِينِ الْإِسْلَامِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ قَالَ مِنْهَا شَيْئًا فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ مِنْهُ، كَمَا يُسْتَتَابُ نُظَرَاؤُهُ (1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَوَرَدَتْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ بَعْدَ قَلِيلٍ فِيهِمَا. مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بِالْكُفْرِ، كَاسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ إِنْ كَانَ مُظْهِرًا لِذَلِكَ، وَإِلَّا كَانَ دَاخِلًا فِي مَقَالَاتِ أَهْلِ الزَّنْدَقَةِ وَالنِّفَاقِ. وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ خَفِيَ عَلَيْهِ مُخَالَفَةُ ذَلِكَ لِدِينِ الْإِسْلَامِ: إِمَّا لِكَوْنِهِ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ لِنَشْأَتِهِ بَيْنَ قَوْمٍ جُهَّالٍ يَعْتَقِدُونَ مِثْلَ ذَلِكَ - فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَجْهَلُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْضِهَا، أَوْ يَرَى الْوَاجِبَاتِ تَجِبُ عَلَى الْعَامَّةِ دُونَ الْخَاصَّةِ، وَأَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ - كَالزِّنَا وَالْخَمْرِ - مُبَاحٌ لِلْخَاصَّةِ دُونَ الْعَامَّةِ. وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ قَدْ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا كَثِيرٌ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى التَّشَيُّعِ، وَالْمُنْتَسِبِينَ إِلَى كَلَامٍ أَوْ تَصَوُّفٍ أَوْ تَفَلْسُفٍ، وَهِيَ مَقَالَاتٌ بَاطِلَةٌ مَعْلُومَةُ الْبُطْلَانِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، لَا يَخْفَى بُطْلَانُهَا عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالْعِلْمِ. [فصل كلام الرافضي أن عليا كان مرجع الصحابة في مشكلاتهم والرد عليه] (فَصْلٌ) قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ [2] الصَّحَابَةُ فِي مُشْكِلَاتِهِمْ، وَرَدَّ عُمَرُ فِي قَضَايَا كَثِيرَةٍ، قَالَ [3] فِيهَا: لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ" . وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: مَا كَانَ الصَّحَابَةُ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ وَلَا إِلَى غَيْرِهِ وَحْدَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ لَا وَاضِحِهِ وَلَا مُشْكِلِهِ، بَلْ كَانَ إِذَا نَزَلَتِ النَّازِلَةُ (1) فِي (ك) ص 180 (م) . (2) ك: وَإِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجَعَ. (3) ك: وَقَالَ. يُشَاوِرُهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيُشَاوِرُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَأَبَا مُوسَى، حَتَّى يُشَاوِرَ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْغَرِهِمْ سِنًّا. وَكَانَ السَّائِلُ يَسْأَلُ عَلِيًّا تَارَةً، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ تَارَةً وَعُمَرَ تَارَةً. وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَكْثَرَ مِمَّا سُئِلَ عَلِيٌّ، وَأَجَابَ عَنِ الْمُشْكِلَاتِ أَكْثَرَ مِنْ عَلِيٍّ، وَمَا ذَاكَ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ، بَلْ عَلِيٌّ أَعْلَمُ مِنْهُ، لَكِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا. فَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَا يَنْقُلُ عَنْهُ أَحَدٌ أَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ، وَالْمَنْقُولُ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ الَّذِي اسْتَفَادَ مِنْهُ، كَحَدِيثِ صَلَاةِ التَّوْبَةِ [1] وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا عُمَرُ فَكَانَ يُشَاوِرُهُمْ كُلَّهُمْ، وَإِنْ كَانَ [2] عُمَرُ أَعْلَمَ مِنْهُمْ. وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْقَضَايَا يَقُولُ فِيهَا أَوَّلًا ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ، كَالْعُمَرِيَّتَيْنِ وَالْعَوْلِ وَغَيْرِهِمَا ; فَإِنَّ عُمَرَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ أَجَابَ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ، أَوِ امْرَأَةٍ [3] وَأَبَوَيْنِ بِأَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَ الْبَاقِي، وَاتَّبَعَهُ أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ وَأَكَابِرُ الْفُقَهَاءِ، كَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ (1) سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ صَلَاةِ التَّوْبَةِ فِيمَا مَضَى 5/513 وَذَكَرْتُ هُنَاكَ مَكَانَهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْمُسْنَدِ، وَأَوَّلُهُ (وَهَذَا نَصُّهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ) : كُنْتُ رَجُلًا إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي، وَإِذَا حَدَّثَنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ اسْتَحْلَفْتُهُ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . الْحَدِيثَ. (2) ن، س، ب: وَكَانَ. (3) ن، م: وَامْرَأَةٍ. وَعَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. وَخَفِيَ وَجْهُ قَوْلِهِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ; فَأَعْطَى الْأُمَّ الثُّلُثَ، وَوَافَقَهُ طَائِفَةٌ. وَقَوْلُ عُمَرَ أَصْوَبُ ; لِأَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَعْطَى الْأُمَّ الثُّلُثَ إِذَا وَرِثَهُ أَبَوَاهُ. كَمَا قَالَ: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 11] ، فَأَعْطَاهَا الثُّلُثَ إِذَا وَرِثَهُ أَبَوَاهُ، وَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ هُوَ مِيرَاثٌ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ [1] يَقْتَسِمَانِهِ كَمَا اقْتَسَمَا الْأَصْلَ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ فَإِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِ مَا يَبْقَى أَثْلَاثًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "إِنَّهُ رَدَّ عُمَرَ إِلَى قَضَايَا كَثِيرَةٍ قَالَ فِيهَا: لَوْلَا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ" . فَيُقَالُ: هَذَا لَا يُعْرَفُ أَنَّ عُمَرَ قَالَهُ إِلَّا فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، إِنْ صَحَّ ذَلِكَ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا لِمَنْ هُوَ دُونَ عَلِيٍّ. قَالَ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي عَارَضَتْهُ فِي الصَّدَاقِ: رَجُلٌ أَخْطَأَ وَامْرَأَةٌ أَصَابَتْ. وَكَانَ قَدْ رَأَى أَنَّ الصَّدَاقَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا بِالشَّرْعِ، فَلَا يُزَادُ عَلَى صَدَاقِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَنَاتِهِ، كَمَا رَأَى كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ أَقَلَّهُ مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ. وَإِذَا كَانَ مُقَدَّرًا بِالشَّرْعِ. وَالْفَاضِلُ قَدْ بَذَلَهُ الزَّوْجُ وَاسْتَوْفَى عِوَضَهُ [2] ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَسْتَحِقُّهُ، فَيُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، كَمَا يُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ثَمَنُ [3] عَصِيرِ الْخَمْرِ إِذَا بَاعَهُ الْمُسْلِمُ، (1) ن: هُوَ مِنْ مِيرَاثٍ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ، م: هُوَ مِنْ مِيرَاثِ الزَّوْجَيْنِ هُوَ مِنْ مِيرَاثِ الْأَبَوَيْنِ. (2) م: عَرْضَهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. (3) س: فَيُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ثَمَنُ. . .، ب: فَيُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَثَمَنِ. . . وَأُجْرَةُ مَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِحَمْلِ الْخَمْرِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، عَلَى أَظْهَرِ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ. فَإِنَّ مَنِ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مُحَرَّمَةً بِعِوَضِهَا، كَالَّذِي يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ بِالْجُعْلِ، أَوْ يَسْتَمِعُ الْمَلَاهِيَ بِالْجُعْلِ، أَوْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ بِالْجُعْلِ، إِنْ أُعِيدَ إِلَيْهِ جُعْلُهُ بَعْدَ قَضَاءِ غَرَضِهِ، فَهَذَا زِيَادَةٌ فِي إِعَانَتِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، فَإِنْ كَانَ يَطْلُبُهَا بِالْعِوَضِ، فَإِذَا حَصَلَتْ لَهُ هِيَ وَالْعِوَضُ كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي إِعَانَتِهِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَإِنْ أُعْطِيَ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَالْمُؤَجِّرِ كَانَ قَدْ أُبِيحَ لَهُ الْعِوَضُ الْخَبِيثُ، فَصَارَ مَصْرُوفُ [1] هَذَا الْمَالِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. وَعُمَرُ إِمَامٌ عَدْلٌ، فَكَانَ قَدْ رَأَى أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْمَهْرِ الشَّرْعِيِّ يَكُونُ هَكَذَا، فَعَارَضَتْهُ امْرَأَةٌ وَقَالَتْ: لِمَ تَمْنَعْنَا شَيْئًا أَعْطَانَا اللَّهُ إِيَّاهُ فِي كِتَابِهِ؟ فَقَالَ: وَأَيْنَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَتْ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 20] ، وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: أَمِنْكَ نَسْمَعُ أَمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: بَلْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. فَقَرَأَتْ عَلَيْهِ الْآيَةَ ; فَقَالَ: رَجُلٌ أَخْطَأَ وَامْرَأَةٌ أَصَابَتْ [2] . (1) ب: مَصْرِفُ. (2) ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِآيَةِ 20 مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ (ط. الشَّعْبِ 2/212 - 213) وَأَشَارَ إِلَى رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ لِلْحَدِيثِ وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ مُنَاقَشَةِ الْمَرْأَةِ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ثُمَّ رَوَى الْخَبَرَ كَامِلًا وَفِيهِ اعْتِرَاضُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ بَعْدَهُ: "إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ" ثُمَّ ذَكَرَ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ لِهَذَا الْأَثَرِ. وَالْأَثَرُ مِنْ غَيْرِ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُسْنَدِ ط الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامُ 285، 287، 340، وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ وَالْمُسْتَدْرَكِ وَالسُّنَنِ الْكُبْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ (انْظُرْ تَعْلِيقَ أَحْمَدَ شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - 2/277 - 278) . وَانْظُرْ كَلَامِي عَلَيْهِ فِيمَا سَبَقَ 4/74 (ت 4) . وَمَعَ هَذَا فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ [1] - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [فِي حَقِّ عُمَرَ] [2] مِنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْإِلْهَامِ، بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِمِثْلِهِ، لَا فِي حَقِّ عُثْمَانَ، وَلَا عَلِيٍّ، وَلَا طَلْحَةَ، وَلَا الزُّبَيْرِ [3] . وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "«إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ»" [4] . قَالَ [5] : وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ، فَقَالُوا فِيهِ، وَقَالَ عُمَرُ فِيهِ، إِلَّا نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "«إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ يَقُولُ بِهِ»" [6] . وَفِي التِّرْمِذِيَّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ»" [7] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ نَاسٌ [8] مُحَدَّثُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ" (1) ب (فَقَطْ) : فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْهُ النَّبِيُّ. . . (2) فِي حَقِّ عُمَرَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن، (س) ، (ب) . (3) س، ب: وَلَا فِي الزُّبَيْرِ. (4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/56. (5) أَيِ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً فِي سُنَنِهِ 5/280. (6) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/191 - 192 (كِتَابُ الْخَرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَالْفَيْءِ، بَابٌ فِي تَدْوِينِ الْعَطَاءِ) . (7) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/68. (8) نَاسٌ: لَيْسَتْ فِي (م) .
__________________
|
#460
|
||||
|
||||
![]() يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَعُمَرُ» "[1] . قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ: مُلْهَمُونَ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مُحَدَّثُونَ: أَيْ مُفَهَّمُونَ." وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "«بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ" . قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الدِّينَ» [2] ." وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "«بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَرَى [3] الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ" . (* قَالَ مَنْ حَوْلَهُ: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الْعِلْمَ»" [4] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ: "«يَا ابْنَ الْخَطَّابِ *) [5] ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ»" [6] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: (1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/20 (2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/21 (3) س، ب: أَرَى. (4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/21. (5) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/55. قُلْتُ: لَوِ اتَّخَذْتُ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ; فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 125] . وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: يَدْخُلُ عَلَى نِسَائِكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ يَحْتَجِبْنَ ; فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْغَيْرَةِ، فَقُلْتُ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [سُورَةُ التَّحْرِيمِ: 5] ; فَنَزَلَتْ كَذَلِكَ "[1] ." وَهَذَا الْبَابُ فِي فَضَائِلِ عُمَرَ كَثِيرٌ جِدًّا. وَأَمَّا قِصَّةُ الْحُكُومَةِ فِي الْأَرْغِفَةِ [2] ، فَهِيَ مِمَّا يَحْكُمُ فِيهَا - وَمَا هُوَ أَدَقُّ مِنْهَا - مَنْ هُوَ [3] دُونَ عَلِيٍّ. وَلِلْفُقَهَاءِ فِي تَفَارِيعِ مَسَائِلِ الْقَضَاءِ وَالْقِسْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّقَائِقِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ هَذِهِ، وَلَيْسُوا مِثْلَ عَلِيٍّ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْقُرْعَةِ [4] فَقَدْ رَوَاهَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ [5] ، (1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/22. (2) لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَا سَبَقَ هَذِهِ الْقِصَّةَ، وَكَلَامُ ابْنِ الْمُطَهَّرِ عَنْهَا فِي (ك) ص 180 (م) هُوَ كَمَا يَلِي: "وَأَوْضَحَ كَثِيرًا مِنَ الْمُشْكِلَاتِ: جَاءَ إِلَيْهِ شَخْصَانِ، كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ وَمَعَ الْآخَرِ ثَلَاثَةٌ، فَجَلَسَا يَأْكُلَانِ فَجَاءَهُمَا ثَالِثٌ وَشَارَكَهُمَا، فَلَمَّا فَرَغُوا رَمَى إِلَيْهِمَا ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، فَطَلَبَ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ خَمْسَةً، فَأَبَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَقَلِّ، فَتَخَاصَمَا وَرَجَعَا إِلَى عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَقَالَ قَدْ أَنْصَفَكَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِنَّ حَقِّي أَكْثَرُ وَأَنَا أُرِيدُ مِنْهُ الْحَقَّ فَقَالَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَخُذْ دِرْهَمًا وَاحِدًا وَأَعْطِهِ الْبَاقِيَ" . (3) عِبَارَةُ "مَنْ هُوَ" : سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . (4) قَالَ ابْنُ الْمُطَهَّرِ فِي (ك) ص 181 (م) : "وَوَاقَعَ مَالِكَانِ جَارِيَةً لَهُمَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَحَمَلَتْ، فَأَشْكَلَ الْحَالُ، فَتَرَافَعَا إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَحَكَمَ بِالْقُرْعَةِ، فَصَوَّبَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ -، وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِينَا أَهْلَ الْبَيْتِ مَنْ يَقْضِي عَلَى سُنَنِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، يَعْنِي بِهِ الْقَضَاءَ بِالْإِلْهَامِ" . (5) الْحَدِيثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/376 - 377 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ مَنْ قَالَ بِالْقُرْعَةِ إِذَا تَنَازَعُوا فِي الْوَلَدِ) وَنَصُّهُ: "عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ: إِنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَتَوْا عَلِيًّا يَخْتَصِمُونَ إِلَيْهِ فِي وَلَدٍ، وَقَدْ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ لِاثْنَيْنِ مِنْهُمَا: طِيبَا بِالْوَلَدِ لِهَذَا، فَغَلِيَا، ثُمَّ قَالَ لِاثْنَيْنِ: طِيبَا بِالْوَلَدِ لِهَذَا، فَغَلِيَا، ثُمَّ قَالَ لِاثْنَيْنِ: طِيبَا بِالْوَلَدِ لِهَذَا، فَغَلِيَا، فَقَالَ: أَنْتُمْ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ، إِنِّي مُقْرِعٌ بَيْنَكُمْ فَمَنْ قُرِعَ فَلَهُ الْوَلَدُ وَعَلَيْهِ لِصَاحِبَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَجَعَلَهُ لِمَنْ قُرِعَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَضْرَاسُهُ أَوْ نَوَاجِذُهُ" . قَالَ الْمُعَلِّقُ: "الْأَجْلَحُ (فِي سَنَدِ الْحَدِيثِ) اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ، وَغَلِيَا: أَرَادَ بِهِ: صَاحَا. وَأَصْلُهُ فِعْلٌ مَاضٍ مِنْ" غَلَتِ الْقِدْرُ تَغْلِي غَلَيَانًا. وَفِي نُسْخَةٍ: غَلَبَا (بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ) . وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ رِوَايَةً أُخْرَى لِلْحَدِيثِ. وَجَاءَ الْحَدِيثُ - مَعَ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ فِي: سُنَنِ النَّسَائِيِّ 6/150 - 151 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ الْقُرْعَةِ فِي الْوَلَدِ إِذَا تَنَازَعُوا فِيهِ. . .) ، الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ 4/373. وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي كِتَابِهِ: "نَيْلِ الْأَوْطَارِ" 7/78 - 80، فِي كِتَابِ اللِّعَانِ، بَابِ الشُّرَكَاءِ يَطَئُونَ الْأَمَةَ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ: "رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ أَجْوَدَ مِنْ إِسْنَادِ الْمَرْفُوعِ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مَسْنَدِهِ وَقَالَ فِيهِ: فَأَغْرَمَهُ ثُلْثَيْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ لِصَاحِبَيْهِ" . ثُمَّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: "الْحَدِيثُ فِي إِسْنَادِهِ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْأَجْلَحِ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْعِجْلِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُعَدُّ فِي الشِّيعَةِ، مُسْتَقِيمُ الْحَدِيثِ. وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا صَوَابٌ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، انْتَهَى. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقَيْنِ: الْأُولَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخَلِيلِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْهُ. وَالثَّانِيَةُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْهُ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ خَيْرٍ فَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ غَيْرَ أَنَّ الصَّوَابَ فِيهِ الْإِرْسَالُ. انْتَهَى وَعَلَى هَذَا لَمْ تَخْلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ مِنْ عِلَّةٍ، فَالْأُولَى فِيهَا الْأَجْلَحُ، وَالثَّانِيَةُ مَعْلُولَةٌ بِالْإِرْسَالِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِرْسَالِ هَا هُنَا الْوَقْفُ كَمَا عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ، لَا مَا هُوَ الشَّائِعُ فِي الِاصْطِلَاحِ مِنْ أَنَّهُ قَوْلُ التَّابِعِيِّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" . لَكِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ لَا يَقُولُونَ بِهَذِهِ، وَأَمَّا أَحْمَدُ فَنُقِلَ عَنْهُ تَضْعِيفُ [1] الْخَبَرِ ; فَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ، وَقِيلَ أَخَذَ بِهِ. وَأَحْمَدُ أَوْسَعُ الْأَئِمَّةِ أَخْذًا بِالْقُرْعَةِ، وَقَدْ أَخَذَ بِقَضَاءِ عَلِيٍّ فِي الزُّبْيَةِ [2] ، وَحَدِيثُهَا أَثْبَتُ مِنْ هَذَا، رَوَاهُ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَخَذَ بِهِ أَحْمَدُ [3] . وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ فَمَا بَلَغَهُمْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا، أَوْ بَلَغَهُمْ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمْ، وَكَانَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنَ الْعِلْمِ بِالْآثَارِ، وَمَعْرِفَةِ صِحَّتِهَا مِنْ سَقَمِهَا، مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ. (1) م، س، ب: بِضَعْفِ. (2) ن: الرُّبْيَةِ، م: بَيْتِهِ، س، ب: الرُّتْبَةِ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ. وَالزُّبْيَةُ - كَمَا شَرَحَهَا الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - حُفَيْرَةٌ تُحْفَرُ لِلْأَسَدِ وَالصَّيْدِ، وَيُغَطَّى رَأْسُهَا بِمَا يَسْتُرُهَا لِيَقَعَ فِيهَا. (3) الْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 2/24، 25، 236، 327 - 328 وَنَصُّهُ (2/24) : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، حَدَّثَنَا سِمَاكٌ، عَنْ حَنَشٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْيَمَنِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى قَوْمٍ قَدْ بَنَوْا زُبْيَةً لِلْأَسَدِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ يَتَدَافَعُونَ إِذْ سَقَطَ رَجُلٌ، فَتَعَلَّقَ بِآخَرَ، ثُمَّ تَعَلَّقَ رَجُلٌ بِآخَرَ، حَتَّى صَارُوا فِيهَا أَرْبَعَةً، فَجَرَحَهُمُ الْأَسَدُ، فَانْتَدَبَ لَهُ رَجُلٌ بِحَرْبَةٍ فَقَتَلَهُ، وَمَاتُوا مِنْ جِرَاحَتِهِمْ كُلُّهُمْ، فَقَامُوا أَوْلِيَاءُ الْأَوَّلِ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْآخَرِ، فَأَخْرَجُوا السِّلَاحَ لِيَقْتَتِلُوا، فَأَتَاهُمْ عَلِيٌّ عَلَى تَفِيئَةِ ذَلِكَ، فَقَالَ: تُرِيدُونَ أَنْ تَقَاتَلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ؟ ! إِنِّي أَقْضِي بَيْنَكُمْ قَضَاءً إِنْ رَضِيتُمْ فَهُوَ الْقَضَاءُ، وَإِلَّا حَجَزَ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ حَتَّى تَأْتُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَقْضِي بَيْنَكُمْ، فَمَنْ عَدَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا حَقَّ لَهُ، اجْمَعُوا مِنْ قَبَائِلِ الَّذِينَ حَفَرُوا الْبِئْرَ رُبُعَ الدِّيَةِ وَثُلُثَ الدِّيَةِ وَنِصْفَ الدِّيَةِ وَالدِّيَةَ كَامِلَةً، فَلِلْأَوَّلِ الرُّبُعُ، لِأَنَّهُ هَلَكَ مَنْ فَوْقَهُ، وَلِلثَّانِي ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَلِلثَّالِثِ نِصْفُ الدِّيَةِ، فَأَبَوْا أَنْ يَرْضَوْا. فَأَتَوُا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: أَنَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ، وَاحْتَبَى، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنْ عَلِيًّا قَضَى بَيْنَنَا، فَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". صَحَّحَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ شَاكِر - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَنَدَ الْحَدِيثِ فِي مَوَاضِعِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَالَ فِي شَرْحِهِ:" عَلَى تَفِيئَةِ ذَلِكَ: أَيْ عَلَى أَثَرِهِ ". وَقَالَ:" وَالْحَدِيثُ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 6/287 "." وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ عَلِيٍّ، وَلَا نِزَاعَ فِي هَذَا، لَكِنْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَقْضَى الصَّحَابَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "مَعْرِفَةُ الْقَضَايَا بِالْإِلْهَامِ" [1] فَهَذَا خَطَأٌ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِلْهَامِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَنْ أُلْهِمَ أَنَّهُ صَادِقٌ حَكَمَ بِذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْإِلْهَامِ، فَهَذَا [2] لَا يَجُوزُ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: "«إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ»" [3] . فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَقْضِي بِالسَّمْعِ لَا بِالْإِلْهَامِ، فَلَوْ كَانَ الْإِلْهَامُ طَرِيقًا لَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقَّ بِذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ يُوحِي إِلَيْهِ مَعْرِفَةَ صَاحِبِ الْحَقِّ ; فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ وَلَا إِقْرَارٍ، وَلَمْ يَكُنْ يَنْهَى أَحَدًا أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا يُقْضَى لَهُ، وَلَمَا حَكَمَ فِي اللِّعَانِ بِالْفُرْقَةِ قَالَ: "إِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلزَّوْجِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ" فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ، فَقَالَ: "«لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ»" [4] (1) وَهُوَ قَوْلُهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي التَّعْلِيقِ الْأَسْبَقِ ". . . مَنْ يَقْضِي عَلَى سُنَنِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، يَعْنِي بِهِ الْقَضَاءَ بِالْإِلْهَامِ" . (2) س، ب: وَهَذَا. (3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/412. (4) الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي: الْبُخَارِيِّ 6/100 - 101 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ النُّورِ، بَابُ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ. . .) وَأَوَّلُهُ: "أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ. . . الْحَدِيثَ وَفِيهِ. . . فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ "فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ "وَالْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/369 - 370 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابٌ فِي اللِّعَانِ) ، سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 5/12 - 13 (كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ النُّورِ) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/668 (كِتَابُ الطَّلَاقِ، بَابُ اللِّعَانِ. وَانْظُرْ نَيْلَ الْأَوْطَارِ 7/67 - 68." فَأَنْفَذَ الْحُكْمَ بِالْيَمِينِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِالْبَيِّنَةِ [1] . وَأَمَّا إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ يُلْهَمُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ ; فَهَذَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِمُجَرَّدِ الْإِلْهَامِ ; فَإِنَّ الَّذِي ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّهُ كَانَ مُلْهَمًا هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي فَعُمَرُ» . وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لِعُمَرَ أَنْ يُفْتِيَ وَلَا يَقْضِيَ وَلَا يَعْمَلَ بِمُجَرَّدِ مَا يُلْقَى فِي قَلْبِهِ، حَتَّى يَعْرِضَ ذَلِكَ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنْ وَافَقَهُ قَبِلَهُ، وَإِنْ خَالَفَهُ رَدَّهُ [2] . وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْحُكُومَةِ فِي الْبَقَرَةِ الَّتِي قَتَلَتْ حِمَارًا [3] ، فَهَذَا (1) ب: بِالشَّبَهِ. (2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ قَلِيلٍ. (3) لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ قَبْلَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ وَاقِعَةً أُخْرَى ذَكَرَهَا ابْنُ الْمُطَهَّرِ فِي (ك) ص. 181 (م) وَنَصُّ كَلَامِهِ: "وَرَكِبَتْ جَارِيَةٌ جَارِيَةً أُخْرَى فَنَخَسَتْهَا ثَالِثَةٌ، فَوَقَعَتِ الرَّاكِبَةُ فَمَاتَتْ، فَقَضَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِثُلُثَيْ دِيَتِهَا عَلَى النَّاخِسَةِ وَالْقَامِصَةِ، وَصَوَّبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ -" . وَأَمَّا قِصَّةُ الْبَقَرَةِ فَهِيَ فِي نَفْسِ الصَّفْحَةِ وَنَصُّهَا: "وَقَتَلَتْ بَقَرَةٌ حِمَارًا، فَتَرَافَعَ الْمَالِكَانِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: بَهِيمَةٌ قَتَلَتْ بَهِيمَةً، لَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهَا: ثُمَّ مَضَيَا إِلَى عُمَرَ، فَقَضَى بِذَلِكَ أَيْضًا. ثُمَّ مَضَيَا إِلَى عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: إِنْ كَانَتِ الْبَقَرَةُ دَخَلَتْ عَلَى الْحِمَارِ فِي مَنَامِهِ، فَعَلَى رَبِّهَا قِيمَةُ الْحِمَارِ لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحِمَارُ دَخَلَ عَلَى الْبَقَرَةِ فِي مَنَامِهَا فَقَتَلَتْهُ، فَلَا غُرْمَ عَلَى صَاحِبِهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: لَقَدْ قَضَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -" . الْحَدِيثُ لَا يُعْرَفُ، وَلَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، مَعَ احْتِيَاجِ الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى نَصٍّ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا، فَكَيْفَ يُصَدَّقُ بِشَيْءٍ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ؟ بَلِ الْأَدِلَّةُ الْمَعْلُومَةُ تَدُلُّ عَلَى انْتِفَائِهِ. وَمَعَ هَذَا فَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّهُ، إِذَا حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ مُخَالِفًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ» "وَهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّتِهِ وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ [1] ، وَالتَّصْدِيقِ وَالْعَمَلِ بِهِ." وَالْعَجْمَاءُ تَأْنِيثُ أَعْجَمَ، وَكُلُّ بَهِيمَةٍ فَهِيَ عَجْمَاءُ، كَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ وَغَيْرِهِمَا. وَهَذِهِ إِذَا كَانَتْ تَرْعَى فِي الْمَرَاعِي الْمُعْتَادَةِ، فَأَفْلَتَتْ نَهَارًا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ صَاحِبِهَا، حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى حِمَارٍ فَأَفْسَدَتْهُ، أَوْ (1) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: الْبُخَارِيِّ 2/130 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابٌ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ) وَنَصُّهُ: "الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ" . وَجَاءَ الْحَدِيثُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى فِي الْبُخَارِيِّ (انْظُرْ فَتْحَ الْبَارِي، الْأَرْقَامَ 2355، 6913) . وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي "فَتْحِ الْبَارِي" 12/255: "الْعَجْمَاءُ. . . الْبَهِيمَةُ. . . جُبَارٌ: بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ، هُوَ الْهَدَرُ الَّذِي لَا شَيْءَ فِيهِ، كَذَا أَسْنَدَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَعَنْ مَالِكٍ: مَا لَا دِيَةَ فِيهِ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ. . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: الْعَجْمَاءُ الدَّابَّةُ الْمُنْفَلِتَةُ مِنْ صَاحِبِهَا، فَمَا أَصَابَتْ مِنَ انْفِلَاتِهَا فَلَا غُرْمَ عَلَى صَاحِبِهَا. وَالْحَدِيثُ فِي: مُسْلِمٍ 3/1334 - 1335 (كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ جُرْحِ الْعَجْمَاءِ. . . .) ، سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 4/273 (كِتَابُ الدِّيَاتِ، بَابُ الْعَجْمَاءِ وَالْمَعْدِنِ وَالْبِئْرِ جُبَارٌ) سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 2/77 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الْعَجْمَاءَ جَرْحُهَا جُبَارٌ. . .) سُنَنِ النَّسَائِيِّ 5/33 - 34 (كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ الْمَعْدِنِ) . وَالْحَدِيثُ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ وَمُوَطَّأِ مَالِكٍ." أَفْسَدَتْ زَرْعًا، لَمْ يَكُنْ عَلَى صَاحِبِهَا ضَمَانٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنَّهَا عَجْمَاءُ لَمْ يُفَرِّطْ صَاحِبُهَا. وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ خَرَجَتْ بِاللَّيْلِ، فَعَلَى صَاحِبِهَا الضَّمَانُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ; لِقِصَّةِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فِي النَّفْشِ [1] ; وَلِحَدِيثِ نَاقَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَإِنَّهَا دَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْهُ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي مَا أَفْسَدَتْ مَوَاشِيهُمْ بِاللَّيْلِ، وَقَضَى عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ [2] بِحِفْظِ حَوَائِطِهِمْ [3] . (1) الْإِشَارَةُ هُنَا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ. . .) [سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ 78، 79] وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ لِلْآيَتَيْنِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ أَوْرَدَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدِهِ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: "الْحَرْثُ الَّذِي نَفَشَتْ فِيهِ الْغَنَمُ إِنَّمَا كَانَ كَرْمًا نَفَشَتْ فِيهِ الْغَنَمُ، فَلَمْ تَدَعْ فِيهِ وَرَقَةً وَلَا عُنْقُودًا مِنْ عِنَبٍ إِلَّا أَكَلَتْهُ، فَأَتَوْا دَاوُدَ، فَأَعْطَاهُمْ رِقَابَهَا، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: لَا، بَلْ تُؤْخَذُ الْغَنَمُ فَيُعْطَاهَا أَهْلُ الْكَرْمِ، فَيَكُونُ لَهُمْ لَبَنُهَا وَنَفْعُهَا وَيُعْطَى أَهْلُ الْغَنَمِ الْكَرْمَ فَيُصْلِحُوهُ وَيُعَمِّرُوهُ حَتَّى يَعُودَ كَالَّذِي كَانَ لَيْلَةَ نَفَشَتْ فِيهِ الْغَنَمُ، ثُمَّ يُعْطَى أَهْلُ الْغَنَمِ غَنَمَهُمْ، وَأَهْلُ الْكَرْمِ كَرْمَهُمْ. وَهَكَذَا قَالَ شُرَيْحٌ وَمُرَّةُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ" . وَنَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي "تَفْسِيرِ غَرِيبِ الْقُرْآنِ" (ص 287) : رَعَتْ لَيْلًا. (2) م: الْحَائِطِ. (3) الْحَدِيثُ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/403 - 404 (كِتَابُ الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ، بَابُ الْمَوَاشِي تُفْسِدُ زَرْعَ قَوْمٍ (الْحَدِيثَانِ رَقْمُ 3569، 3570) ، سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/781 (كِتَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ الْحُكْمِ فِيمَا أَفْسَدَتِ الْمَوَاشِي) ، الْمُوَطَّأِ 2/747 - 748 (كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، بَابُ الْقَضَاءِ فِي الضَّوَارِي وَالْحَرِيسَةِ) . وَقَالَ الْمُحَقِّقُ - رَحِمَهُ اللَّهُ: "قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ ابْنِ شِهَابٍ عَنْهُ مُرْسَلًا، وَالْحَدِيثُ مِنْ مَرَاسِيلِ الثِّقَاتِ، وَتَلَقَّاهُ أَهْلُ الْحِجَازِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، بِالْقَبُولِ، وَجَرَى عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ. قُلْتُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَوْصُولًا فِي. . ." وَالْحَدِيثُ أَيْضًا فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْحَلَبِيِّ) 4/295، 5/435 - 436، 437. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا إِلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي ذَلِكَ، وَجَعَلُوهَا دَاخِلَةً فِي الْعَجْمَاءِ. وَضَعَّفَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ نَاقَةِ الْبَرَاءِ [1] . وَأَمَّا إِنْ كَانَ صَاحِبُهَا اعْتَدَى، وَأَرْسَلَهَا فِي زَرْعِ قَوْمٍ، أَوْ بِقُرْبِ زَرْعِهِمْ [2] ، أَوْ أَدْخَلَهَا إِلَى إِصْطَبْلِ الْحِمَارِ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهَا فَأَتْلَفَتْهُ، فَهُنَا يَضْمَنُ لِعُدْوَانِهِ [3] . فَهَذِهِ قَضِيَّةُ الْبَقَرَةِ وَالْحِمَارِ، إِنْ كَانَ صَاحِبُ الْبَقَرَةِ لَمْ يُفَرِّطْ، فَالتَّفْرِيطُ (1) قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى 8/146 (ط. الْمُنِيرِيَّةِ 1350) : "وَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ فِيمَا جَنَتْهُ فِي مَالٍ أَوْ دَمٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، لَكِنْ يُؤْمَرُ صَاحِبُهُ بِضَبْطِهِ، فَإِنْ ضَبَطَهُ فَذَاكَ، وَإِنْ عَادَ وَلَمْ يَضْبُطْهُ بِيعَ عَلَيْهِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ "وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ مَا جَنَتْهُ لَيْلًا وَلَا يَضْمَنُ مَا جَنَتْهُ نَهَارًا. وَهُوَ قَضَاءُ شُرَيْحٍ وَحُكْمُ الشَّعْبِيِّ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ نَاقَةِ الْبَرَاءِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَعَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ مَا أَصَابَتْ بِاللَّيْلِ. قَالَ عَلِيُّ (بْنُ حَزْمٍ) : لَوْ صَحَّ هَذَا لَمَا سَبَقُونَا إِلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَلَكِنَّهُ خَبَرٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ عَنْ أَبِيهِ وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ. . فَصَحَّ أَنَّهُ مُرْسَلٌ، لِأَنَّ حَرَامًا لَيْسَ هُوَ ابْنَ مُحَيِّصَةَ لِصُلْبِهِ، إِنَّمَا هُوَ ابْنُ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ، وَسَعْدٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْبَرَاءِ، وَلَا أَبُو أُمَامَةَ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنِيفِيِّينَ الْقَائِلِينَ: إِنَّ الْمُرْسَلَ وَالْمُسْنَدَ سَوَاءٌ أَنْ يَقُولُوا بِهِ، وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ" . ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ الِاحْتِجَاجَ بِقِصَّةِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَرَدَّ ذَلِكَ، وَقَالَ: "وَلَوْ رَوَوْا ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَامَتْ بِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ" . (2) س، ب: زَرَعَ. (3) ن: لِعَدَاوَتِهِ. مِنْ صَاحِبِ الْحِمَارِ، كَمَا لَوْ دَخَلَتِ الْمَاشِيَةُ نَهَارًا فَأَفْسَدَتِ الزَّرْعَ ; فَإِنَّ صَاحِبَ الْحِمَارِ لَمْ يُغْلِقْ عَلَيْهِ الْبَابَ [1] ، كَمَا لَوْ دَخَلَتِ الْبَقَرَةُ عَلَى الْحِمَارِ [2] (* إِنْ كَانَ الْحِمَارُ نَائِمًا، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُفَرِّطَ بِإِدْخَالِهَا إِلَى الْحِمَارِ كَانَ ضَامِنًا. وَأَمَّا أَنْ يُجْعَلَ مُجَرَّدُ اعْتِدَاءِ الْحِمَارِ عَلَى الْبَقَرَةِ أَوِ الْبَقَرَةِ عَلَى الْحِمَارِ *) [3] بِدُونِ تَفْرِيطِ [4] صَاحِبِهَا كَاعْتِدَاءِ صَاحِبِهَا [5] ، فَهَذَا يُوجِبُ كَوْنَ الْبَهِيمَةِ كَالْعَبْدِ، مَا أَتْلَفَهُ يَكُونُ فِي رَقَبَتِهَا، وَلَا يَكُونُ جُبَارًا، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ نَقَلَ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ. وَقَدْ قُلْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالَ يَكْذِبُونَ مَا يَظُنُّونَهُ مَدْحًا وَيَمْدَحُونَ بِهِ ; فَيَجْمَعُونَ بَيْنَ الْكَذِبِ وَبَيْنَ الْمَدْحِ، فَلَا صِدْقَ وَلَا عِلْمَ وَلَا عَدْلَ، فَيَضِلُّونَ [6] فِي الْخَيْرِ وَالْعَدْلِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ: {يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} [سُورَةُ يُونُسَ: 35] . (1) س: فَإِنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يُغْلِقْ عَلَيْهَا الْبَابَ، ب: فَإِنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يُغْلِقْ عَلَيْهِ الْبَابَ. (2) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: كَمَا لَوْ دَخَلَ الْحِمَارُ عَلَى الْبَقَرَةِ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَأَحْسَبُ أَنَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ. (3) : مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) . (4) س: وَأَمَّا أَنْ يُجْعَلَ مُجَرَّدُ اعْتِدَاءِ الْحِمَارِ بِدُونِ تَفْرِيطٍ، ب: وَأَمَّا أَنْ يُجْعَلَ مُجَرَّدُ اعْتِدَاءِ الْبَقَرَةِ بِدُونِ تَفْرِيطٍ. (5) عِبَارَةُ "كَاعْتِدَاءِ صَاحِبِهَا" : سَاقِطَةٌ مِنْ (م) . (6) ن: يَطِلُّونَ، م: فَطَلُونَ، س، ب: يَظُنُّونَ. وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |