تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 45 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         سنن الذهاب إلى المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          حياةٌ مضاعفة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أصحاب الأخدود وأصحاب غزة .. دروس وعبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          أخي المُعافى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          النَّفَّاثَات في الْعُقَد.. وحقيقةُ السحر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          سياسة الباب المفتوح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          برزخ الحق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الخلاصة في سيرة الخلفاء الراشدين الأربعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 6 )           »          الثمرات اليانعات من روائع الفقرات .. (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 22 - عددالزوار : 5804 )           »          آية واحدة تُجمل وتفصّل موقف أهل الكتاب من الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #441  
قديم 27-02-2023, 09:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,492
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْأَحْزَابِ
الحلقة (441)
صــ 361 إلى صــ 370






قوله تعالى: إن بيوتنا عورة قال ابن قتيبة : أي: خالية، فقد [ ص: 361 ] أمكن من أراد دخولها، وأصل العورة: ما ذهب عنه الستر والحفظ، فكأن الرجال ستر وحفظ للبيوت، فإذا ذهبوا أعورت البيوت، تقول العرب: أعور منزلي: إذا ذهب ستره، أو سقط جداره، وأعور الفارس: إذا بان منه موضع خلل للضرب والطعن، يقول الله: وما هي بعورة لأن الله يحفظها، ولكن يريدون الفرار . وقال الحسن، ومجاهد: قالوا: بيوتنا ضائعة نخشى عليها السراق . وقال قتادة: قالوا بيوتنا مما يلي العدو، ولا نأمن على أهلنا، فكذبهم الله وأعلم أن قصدهم الفرار .

قوله تعالى: ولو دخلت عليهم من أقطارها يعني المدينة; والأقطار: النواحي والجوانب، واحدها: قطر، ثم سئلوا الفتنة وقرأ علي بن أبي طالب عليه السلام، والضحاك، والزهري، وأبو عمران، وأبو جعفر، وشيبة: " ثم سيلوا " برفع السين وكسر الياء من غير همز . وقرأ أبي بن كعب، ومجاهد، وأبو الجوزاء: " ثم سوءلوا " برفع السين ومد الواو بهمزة مكسورة بعدها . وقرأ الحسن، وأبو الأشهب: " ثم سولوا " برفع السين وسكون الواو من غير مد ولا همز . وقرأ الأعمش، وعاصم الجحدري: " ثم سيلوا " بكسر السين ساكنة الياء من غير همز ولا واو . ومعنى: سئلوا الفتنة ، أي: سئلوا فعلها; [والفتنة: الشرك، (لآتوها) ] قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: " لأتوها " بالقصر، أي: لقصدوها، ولفعلوها . وقرأ عاصم، وأبو عمرو ، وحمزة، والكسائي: " لآتوها " بالمد، أي: لأعطوها . قال ابن عباس في معنى الآية: لو أن الأحزاب دخلوا المدينة ثم أمروهم بالشرك لأشركوا .

قوله تعالى: وما تلبثوا بها إلا يسيرا فيه قولان .

أحدهما: وما احتبسوا عن الإجابة إلى الكفر إلا قليلا، قاله قتادة .

[ ص: 362 ] والثاني: وما تلبثوا بالمدينة بعد الإجابة إلا يسيرا حتى يعذبوا، قاله السدي، وحكى أبو سليمان الدمشقي في الآية قولا عجيبا، وهو أن الفتنة هاهنا: الحرب، والمعنى: ولو دخلت المدينة على أهلها من أقطارها، ثم سئل هؤلاء المنافقون الحرب لأتوها مبادرين، وما تلبثوا- يعني الجيوش الداخلة عليهم بها- إلا قليلا حتى يخرجوهم منها; وإنما منعهم من القتال معك ما قد تداخلهم من الشك في دينك; قال: وهذا المعنى حفظته من كتاب الواقدي .

قوله تعالى: ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل في وقت معاهدتهم ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم ناس غابوا عن وقعة بدر، فلما علموا ما أعطى الله أهل بدر من الكرامة قالوا: لئن شهدنا قتالا لنقاتلن، قاله قتادة .

[ ص: 363 ] والثاني: أنهم أهل العقبة، وهم سبعون رجلا بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طاعة الله ونصرة رسوله، قاله مقاتل .

والثالث : أنه لما نزل بالمسلمين يوم أحد ما نزل، عاهد الله معتب بن قشير وثعلبة بن حاطب: لا نولي دبرا قط، فلما كان يوم الأحزاب نافقا، قاله الواقدي، واختاره أبو سليمان الدمشقي، وهو أليق مما قبله . وإذا كان الكلام في حق المنافقين، فكيف يطلق القول على أهل العقبة كلهم!

قوله تعالى: وكان عهد الله مسؤولا أي: يسألون عنه في الآخرة .

ثم أخبر أن الفرار لا يزيد في آجالهم، فقال: قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون بعد الفرار في الدنيا إلا قليلا وهو باقي آجالكم .

ثم أخبر أن ما قدره عليهم لا يدفع، بقوله: من ذا الذي يعصمكم من الله أي: يجيركم ويمنعكم منه إن أراد بكم سوءا وهو الإهلاك والهزيمة والبلاء أو أراد بكم رحمة وهي النصر والعافية والسلامة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا أي: لا يجدون مواليا ولا ناصرا يمنعهم من مراد الله فيهم .
قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا . أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب [ ص: 364 ] يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا . لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما

قوله تعالى: قد يعلم الله المعوقين منكم في سبب نزولها قولان .

أحدهما: أن رجلا انصرف من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، فوجد أخاه لأمه وأبيه وعنده شواء ونبيذ، فقال له: أنت هاهنا ورسول الله بين الرماح والسيوف؟! فقال: هلم إلي، لقد أحيط بك وبصاحبك; والذي يحلف به لا يستقبلها محمد أبدا; فقال له: كذبت، والذي يحلف به، أما والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمرك، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجده قد نزل جبريل بهذه الآية إلى قوله: يسيرا ، هذا قول ابن زيد .

والثاني: أن عبد الله بن أبي ومعتب بن قشير والمنافقين الذين رجعوا من الخندق إلى المدينة، كانوا إذا جاءهم منافق قالوا له: ويحك اجلس فلا تخرج، ويكتبون بذلك إلى إخوانهم الذين في العسكر أن ائتونا بالمدينة فإنا ننتظركم- يثبطونهم عن القتال- وكانوا لا يأتون العسكر إلا أن لا يجدوا بدا، فيأتون العسكر ليرى الناس وجوههم، فإذا غفل عنهم عادوا إلى المدينة، فنزلت هذه الآية، قاله ابن السائب .

والمعوق: المثبط; تقول: عاقني فلان، واعتاقني، وعوقني: إذا [ ص: 365 ] منعك عن الوجه الذي تريده . وكان المنافقون يعوقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصاره .

قوله تعالى: والقائلين لإخوانهم هلم إلينا فيهم ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه المنافق الذي قال لأخيه ما ذكرناه في قول ابن زيد .

والثاني: أنهم اليهود دعوا إخوانهم من المنافقين إلى ترك القتال، قاله مقاتل .

والثالث : أنهم المنافقون دعوا المسلمين إليهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: ولا يأتون البأس أي: لا يحضرون القتال في سبيل الله إلا قليلا للرياء والسمعة من غير احتساب، ولو كان ذلك [القليل] لله لكان كثيرا .

قوله تعالى: أشحة عليكم قال الزجاج: هو منصوب على الحال . المعنى: لا يأتون الحرب إلا تعذيرا، بخلاء عليكم .

وللمفسرين فيما شحوا به أربعة أقوال . أحدها: أشحة بالخير، قاله مجاهد .

[ ص: 366 ] والثاني: بالنفقة في سبيل الله . والثالث: بالغنيمة، رويا عن قتادة . وقال الزجاج: بالظفر والغنيمة . والرابع: بالقتال معكم، حكاه الماوردي .

ثم أخبر عن جبنهم فقال: فإذا جاء الخوف أي: إذا حضر القتال رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت أي: كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت، وهو الذي دنا موته وغشيته أسبابه، فإنه يخاف ويذهل عقله ويشخص بصره فلا يطرف، فكذلك هؤلاء، لأنهم يخافون القتل .

فإذا ذهب الخوف سلقوكم قال الفراء: آذوكم بالكلام في الأمن بألسنة حداد سليطة ذربة، والعرب تقول: صلقوكم، بالصاد، ولا يجوز في القراءة; وهذا قول الفراء . وقد قرأ بالصاد أبي بن كعب، وأبو الجوزاء، وأبو عمران الجوني، وابن أبي عبلة في آخرين وقال الزجاج: معنى " سلقوكم " : خاطبوكم أشد مخاطبة وأبلغها في الغنيمة، يقال: خطيب مسلاق: إذا كان بليغا في خطبته أشحة على الخير أي: خاطبوكم وهم أشحة على المال والغنيمة قال قتادة: إذا كان وقت قسمة الغنيمة، بسطوا ألسنتهم فيكم، يقولون: أعطونا فلستم أحق بها منا; فـأما عند البأس، فأجبن قوم وأخذله للحق، وأما عند الغنيمة، فأشح قوم .

وفي المراد بالخير ها هنا ثلاثة أقوال . أحدها: أنه الغنيمة . والثاني: على المال أن ينفقوه في سبيل الله تعالى . والثالث: على رسول الله صلى الله عليه وسلم بظفره .

[ ص: 367 ] قوله تعالى: أولئك لم يؤمنوا أي: هم وإن أظهروا الإيمان فليسوا بمؤمنين، لنفاقهم فأحبط الله أعمالهم قال مقاتل: أبطل جهادهم، لأنه لم يكن في إيمان وكان ذلك الإحباط على الله يسيرا .

ثم أخبر عنهم بما يدل على جبنهم، فقال: يحسبون الأحزاب لم يذهبوا أي: يحسب المنافقون من شدة خوفهم وجبنهم أن الأحزاب بعد انهزامهم وذهابهم لم يذهبوا، وإن يأت الأحزاب [أي]: يرجعوا إليهم كرة ثانية للقتال يودوا لو أنهم بادون في الأعراب أي: يتمنوا لو كانوا في بادية الأعراب من خوفهم، يسألون عن أنبائكم أي: ودوا لو أنهم بالبعد منكم يسألون عن أخباركم، فيقولون: ما فعل محمد وأصحابه، ليعرفوا حالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة، فرقا وجبنا; وقيل: بل يسألون شماتة بالمسلمين وفرحا بنكباتهم ولو كانوا فيكم أي: لو كانوا يشهدون القتال معكم ما قاتلوا إلا قليلا فيه قولان .

أحدهما: إلا رميا بالحجارة، قاله ابن السائب .

والثاني: إلا رياء من غير احتساب، قاله مقاتل .

ثم عاب من تخلف بالمدينة بقوله: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة أي: قدوة صالحة . والمعنى: لقد كان لكم به اقتداء لو اقتديتم به في الصبر [معه] كما صبر يوم أحد حتى كسرت رباعيته وشج جبينه وقتل عمه، وآساكم مع ذلك بنفسه .

وقرأ عاصم: " أسوة " بضم الألف; والباقون بكسر الألف; وهما لغتان . قال الفراء: أهل الحجاز وأسد يقولون: " إسوة " بالكسر، وتميم وبعض قيس يقولون: " أسوة " بالضم . وخص الله تعالى بهذه الأسوة المؤمنين، فقال: لمن كان يرجو الله واليوم الآخر والمعنى أن الأسوة برسول الله إنما كانت لمن كان يرجو الله [واليوم الآخر]; وفيه قولان .

[ ص: 368 ] أحدهما: يرجو ما عنده من الثواب والنعيم، قاله ابن عباس . والثاني: يخشى الله ويخشى البعث، قاله مقاتل .

قوله تعالى: وذكر الله كثيرا أي: ذكرا كثيرا، لأن ذاكر الله متبع لأوامره، بخلاف الغافل عنه .

ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب، فقال: ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وفي ذلك الوعد قولان .

أحدهما: أنه قوله: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم الآية: [البقرة:214] فلما عاينوا البلاء يومئذ قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله، قاله ابن عباس، وقتادة في آخرين .

والثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدهم النصر والظهور على مدائن كسرى وقصور الحيرة ذكره الماوردي وغيره .

قوله تعالى: وما زادهم يعني ما رأوه إلا إيمانا بوعد الله وتسليما لأمره .
من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا . ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم [ ص: 369 ] إن الله كان غفورا رحيما ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا . وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا

قوله تعالى: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه اختلفوا فيمن نزلت على قولين .

أحدهما: أنها نزلت في أنس بن النضر، قاله أنس بن مالك . وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فلما قدم قال: غبت عن أول قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين، لئن أشهدني الله عز وجل قتالا ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد انكشف الناس، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، يعني المشركين، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني المسلمين; ثم [ ص: 370 ] مشى بسيفه، فلقيه سعد بن معاذ، فقال: أي سعد، والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة دون أحد، واها لريح الجنة . قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع; قال أنس: فوجدناه بين القتلى به بضع وثمانون جراحة، من ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، قد مثلوا به; قال: فما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه; قال أنس: فكنا نقول: أنزلت هذه الآية من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فيه وفي أصحابه .

والثاني: أنها نزلت في طلحة بن عبيد الله . روى النزال بن سبرة عن علي عليه السلام أنهم قالوا له: حدثنا عن طلحة، قال: ذاك امرؤ نزلت فيه آية من كتاب الله تعالى: فمنهم من قضى نحبه لا حساب عليه فيما يستقبل .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #442  
قديم 27-02-2023, 09:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,492
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْأَحْزَابِ
الحلقة (442)
صــ 371 إلى صــ 380





[ ص: 371 ] وقد جعل بعض المفسرين هذا القدر من الآية في طلحة، وأولها في أنس . قال ابن جرير: ومعنى الآية: وفوا لله بما عاهدوه عليه . وفي ذلك أربعة أقوال .

أحدها: أنهم عاهدوا ليلة العقبة على الإسلام والنصرة .

والثاني: أنهم قوم لم يشهدوا بدرا، فعاهدوا الله أن لا يتأخروا بعدها .

والثالث : أنهم عاهدوا أن لا يفروا إذا لاقوا، فصدقوا .

والرابع : أنهم عاهدوا على البأساء والضراء وحين البأس .

قوله تعالى: فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: فمنهم من مات، ومنهم من ينتظر الموت، قاله ابن عباس .

والثاني: فمنهم من قضى عهده قتل أو عاش . ومنهم من ينتظر أن يقضيه بقتال أو صدق لقاء، قاله مجاهد .

والثالث : فمنهم من قضى نذره الذي كان نذر، قاله أبو عبيدة . فيكون النحب على القول الأول: الأجل; وعلى الثاني: العهد; وعلى الثالث: النذر . وقال ابن قتيبة : " قضى نحبه " أي: قتل، وأصل النحب: النذر، كأن قوما نذروا أنهم إن لقوا العدو قاتلوا حتى يقتلوا أو يفتح الله عليهم، فقتلوا، فقيل: فلان قضى نحبه، أي: قتل، فاستعير النحب مكان الأجل، لأن الأجل وقع بالنحب، وكان النحب سببا له، ومنه قيل: للعطية: " من " ، لأن من أعطى فقد من . قال ابن عباس: ممن قضى [ ص: 372 ] نحبه: حمزة بن عبد المطلب، وأنس بن النضر وأصحابه . وقال ابن إسحاق: " فمنهم من قضى نحبه " من استشهد يوم بدر وأحد، " ومنهم من ينتظر " ما وعد الله من نصره، أو الشهادة على ما مضى عليه أصحابه وما بدلوا أي: ما غيروا العهد الذي عاهدوا ربهم عليه كما غير المنافقون .

قوله تعالى: ليجزي الله الصادقين بصدقهم وهم المؤمنون الذين صدقوا فيما عاهدوا [الله] عليه ويعذب المنافقين بنقض العهد إن شاء وهو أن يميتهم على نفاقهم أو يتوب عليهم في الدنيا، فيخرجهم من النفاق إلى الإيمان، فيغفر لهم .

ورد الله الذين كفروا يعني الأحزاب، صدهم ومنعهم عن الظفر بالمسلمين بغيظهم أي: لم يشف صدورهم بنيل ما أرادوا لم ينالوا خيرا أي: لم يظفروا بالمسلمين، وكان ذلك عندهم، خيرا فخوطبوا على استعمالهم وكفى الله المؤمنين القتال بالريح والملائكة، وأنزل الذين ظاهروهم [ ص: 373 ] أي: عاونوا الأحزاب، وهم بنو قريظة، وذلك أنهم نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد، وصاروا مع المشركين يدا واحدة .

وهذه الإشارة إلى قصتهم

ذكر أهل العلم بالسيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الخندق وضع عنه اللأمة واغتسل، فتبدى له جبريل، فقال: ألا أراك وضعت اللأمة، وما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة؟! إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم حصونهم; فدعا عليا فدفع لواءه إليه، وبعث بلالا فنادى في الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن لا تصلوا العصر إلا ببني قريظة، ثم سار إليهم فحاصرهم خمسة عشر يوما أشد الحصار، وقيل: عشرين ليلة، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر، فأرسله إليهم، فشاوروه في أمرهم، فأشار إليهم بيده: إنه الذبح، ثم ندم فقال: خنت الله ورسوله، فانصرف فارتبط في المسجد حتى أنزل الله [ ص: 374 ] توبته، ثم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بهم رسول الله محمد بن مسلمة، وكتفوا، ونحوا ناحية، وجعل النساء والذرية ناحية . وكلمت الأوس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهبهم لهم، وكانوا حلفاءهم، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ; هكذا ذكر محمد بن سعد . وحكى غيره: أنهم نزلوا أولا على حكم سعد بن معاذ، وكان بينهم وبين قومه حلف فرجوا أن تأخذه فيهم هوادة، فحكم فيهم أن يقتل كل من جرت عليه المواسي، وتسبى النساء والذراري، وتقسم الأموال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة " ; وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بهم فأدخلوا المدينة، وحفر لهم أخدود في السوق، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه، وأخرجوا إليه فضربت أعناقهم، وكانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة .

قوله تعالى: من صياصيهم قال ابن عباس وقتادة: من حصونهم; قال ابن قتيبة : وأصل الصياصي: قرون البقر، لأنها تمتنع بها، وتدفع عن أنفسها، [ ص: 375 ] فقيل للحصون: الصياصي، لأنها تمنع، وقال الزجاج: كل قرن صيصية، وصيصية الديك: شوكة يتحصن بها .

قوله تعالى: وقذف في قلوبهم الرعب أي: ألقى فيها الخوف فريقا تقتلون وهم المقاتلة وتأسرون وقرأ ابن يعمر، وابن أبي عبلة : " وتأسرون " برفع السين فريقا وهم النساء والذراري، وأورثكم أرضهم وديارهم يعني عقارهم ونخيلهم ومنازلهم وأموالهم من الذهب والفضة والحلي والعبيد والإماء وأرضا لم تطئوها أي: لم تطؤوها بأقدامكم بعد، وهي مما سنفتحها عليكم; وفيها أربعة أقوال .

أحدها: أنها فارس والروم، قاله الحسن . والثاني: ما ظهر عليه المسلمون إلى يوم القيامة، قاله عكرمة . والثالث: مكة، قاله قتادة . والرابع: خيبر، قاله ابن زيد، وابن السائب، وابن إسحاق، ومقاتل
يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا . وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا . ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها [ ص: 376 ] مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا . وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا

قوله تعالى: يا أيها النبي قل لأزواجك الآية، ذكر أهل التفسير أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سألنه شيئا من عرض الدنيا، وطلبن منه زيادة النفقة، وآذينه بغيرة بعضهن على بعض، فآلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهن شهرا، وصعد إلى غرفة له فمكث فيها، فنزلت هذه الآية، وكن أزواجه يومئذ تسعا: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة، وسودة، وأم سلمة، وصفية الخيبرية، وميمونة الهلالية، وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض الآية عليهن، فبدأ بعائشة، فاختارت الله ورسوله، ثم قالت: يا رسول الله لا تخبر أزواجك أني اخترتك; فقال: " إن الله بعثني مبلغا ولم يبعثني متعنتا " . وقد ذكرت حديث التخيير في كتاب " الحدائق " وفي " المغني " بطوله .

[ ص: 377 ] وفي ما خيرهن فيه قولان .

أحدهما: أنه خيرهن بين الطلاق والمقام معه، هذا قول عائشة عليها السلام .

والثاني: أنه خيرهن بين اختيار الدنيا فيفارقهن، أو اختيار الآخرة فيمسكهن، ولم يخيرهن في الطلاق، قاله الحسن، وقتادة .

وفي سبب تخييره إياهن ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهن سألنه زيادة النفقة . والثاني: أنهن آذينه بالغيرة . والقولان مشهوران في التفسير .

والثالث : أنه لما خير بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة، فاختار الآخرة أمر بتخيير نسائه ليكن على مثل حاله، حكاه أبو القاسم الصيمري .

والمراد بقوله: أمتعكن : متعة الطلاق . والمراد بالسراح: الطلاق، [ ص: 378 ] وقد ذكرنا ذلك في (البقرة: 231) . والمراد بالدار الآخرة . الجنة . والمحسنات: المؤثرات للآخرة .

قال المفسرون: فلما اخترنه أثابهن الله عز وجل ثلاثة أشياء . أحدها: التفضيل على سائر النساء بقوله: لستن كأحد من النساء ، والثاني: أن جعلهن أمهات المؤمنين، والثالث : أن حظر عليه طلاقهن والاستبدال بهن بقوله: لا يحل لك النساء من بعد [الأحزاب: 52] . وهل أبيح له بعد ذلك التزويج عليهن ؟ فيه قولان سيأتي ذكرهما إن شاء الله تعالى .

قوله تعالى: من يأت منكن بفاحشة مبينة أي: بمعصية ظاهرة . قال ابن عباس: يعني النشوز وسوء الخلق يضاعف لها العذاب ضعفين أي: يجعل عذاب جرمها في الآخرة كعذاب جرمين، كما أنها تؤتى أجرها على الطاعة مرتين . وإنما ضوعف عقابهن، لأنهن يشاهدن من الزواجر الرادعة ما لا يشاهد غيرهن، فإذا لم يمتنعن استحققن تضعيف العذاب، ولأن في معصيتهن أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم; وجرم من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر من جرم غيره .

قوله تعالى: وكان ذلك على الله يسيرا أي: وكان عذابها على الله هينا . ومن يقنت أي: تطع، و " أعتدنا " قد سبق بيانه [النساء: 37]، والرزق الكريم: الحسن، وهو الجنة .

ثم أظهر فضيلتهن على النساء بقوله: لستن كأحد من النساء قال الزجاج: لم يقل: كواحدة من النساء، لأن " أحدا " نفي عام للمذكر والمؤنث والواحد والجماعة . قال ابن عباس: يريد: ليس قدركن عندي مثل قدر غيركن من النساء الصالحات، أنتن أكرم علي، وثوابكن أعظم إن اتقيتن ، فشرط عليهن التقوى بيانا أن فضيلتهن إنما تكون بالتقوى، لا بنفس اتصالهن برسول الله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 379 ] قوله تعالى: فلا تخضعن بالقول أي لا تلن بالكلام فيطمع الذي في قلبه مرض أي: فجور; والمعنى: لا تقلن قولا يجد به منافق أو فاجر سبيلا إلى موافقتكن له; والمرأة مندوبة إذا خاطبت الأجانب إلى الغلظة في المقالة، لأن ذلك أبعد من الطمع في الريبة .

وقلن قولا معروفا أي: صحيحا عفيفا لا يطمع فاجرا .

وقرن في بيوتكن قرأ نافع، وعاصم إلا أبان، وهبيرة، والوليد بن مسلم عن ابن عامر: " وقرن " بفتح القاف; وقرأ الباقون بكسرها . قال الفراء: من قرأ بالفتح، فهو من قررت في المكان، فخففت، كما قال: ظلت عليه عاكفا [طه: 97]، ومن قرأ بالكسر، فمن الوقار، يقال: قر في منزلك . وقال ابن قتيبة : من قرأ بالكسر، فهو من الوقار، يقال: وقر في منزله يقر وقورا . ومن قرأ بنصب القاف جعله من القرار . وقرأ أبي بن كعب، وأبو المتوكل: " واقررن " بإسكان القاف وبراءين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة . وقرأ ابن مسعود ، وابن أبي عبلة مثله، إلا أنهما كسرا الراء الأولى .

قال المفسرون: ومعنى الآية: الأمر لهن بالتوقر والسكون في بيوتهن وأن لا يخرجن .

قوله تعالى: ولا تبرجن قال أبو عبيدة: التبرج: أن يبرزن [ ص: 380 ] محاسنهن . وقال الزجاج: التبرج: إظهار الزينة وما يستدعى به شهوة الرجل .

وفي الجاهلية الأولى أربعة أقوال .

أحدها: أنها كانت بين إدريس ونوح، وكانت ألف سنة، رواه عكرمة عن ابن عباس .

والثاني: أنها كانت على عهد إبراهيم عليه السلام، وهو قول عائشة رضي الله عنها .

والثالث : بين نوح وآدم، قاله الحكم .

والرابع : ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام، قاله الشعبي . قال الزجاج: وإنما قيل: " الأولى " ، لأن كل متقدم أول، وكل متقدمة أولى، فتأويله: أنهم تقدموا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

وفي صفة تبرج الجاهلية الأولى ستة أقوال .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #443  
قديم 27-02-2023, 09:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,492
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْأَحْزَابِ
الحلقة (443)
صــ 381 إلى صــ 390






أحدها: أن المرأة كانت تخرج فتمشي بين الرجال، فهو التبرج، قاله مجاهد . والثاني: أنها مشية فيها تكسر وتغنج، قاله قتادة . والثالث: أنه التبختر، قاله ابن أبي نجيح . والرابع: أن المرأة منهن كانت تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه ثم تمشي وسط الطريق ليس عليها غيره، وذلك في زمن إبراهيم عليه السلام، [ ص: 381 ] قاله الكلبي . والخامس: أنها كانت تلقي الخمار عن رأسها ولا تشده، فيرى قرطها وقلائدها، قاله مقاتل . السادس: أنها كانت تلبس الثياب تبلغ المال، لا تواري جسدها، حكاه الفراء .

قوله تعالى: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس وفيه للمفسرين خمسة أقوال .

أحدها: الشرك، قاله الحسن . والثاني: الإثم، قاله السدي . والثالث: الشيطان، قاله ابن زيد . والرابع: الشك . والخامس: المعاصي، حكاهما الماوردي . قال الزجاج: الرجس: كل مستقذر من مأكول أو عمل أو فاحشة .

ونصب " أهل البيت " على وجهين، أحدهما: على معنى: أعني أهل البيت، والثاني: على النداء، فالمعنى: يا أهل البيت .

وفي المراد بأهل البيت ها هنا ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهن في بيته، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، وابن السائب، ومقاتل . ويؤكد هذا القول أن ما قبله وبعده متعلق بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعلى أرباب هذا القول اعتراض، وهو أن جمع المؤنث بالنون، فكيف قيل: " عنكم " " ويطهركم " ؟ فالجواب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهن، فغلب المذكر .

والثاني: أنه خاص في رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين، قاله أبو سعيد الخدري . وروي عن أنس وعائشة وأم سلمة نحو ذلك .

والثالث : أنهم أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه، قاله الضحاك .

[ ص: 382 ] وحكى الزجاج أنهم نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال الذين هم آله; قال: واللغة تدل على أنها للنساء والرجال جميعا، لقوله: عنكم بالميم، ولو كانت للنساء، لم يجز إلا " عنكن " " ويطهركن " .

قوله تعالى: ويطهركم تطهيرا فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: من الشرك، قاله مجاهد . والثاني: من السوء، قاله قتادة . والثالث: من الإثم، قاله السدي، ومقاتل .

قوله تعالى: واذكرن فيه قولان .

أحدهما: أنه تذكير لهن بالنعم .

والثاني: أنه أمر لهن بحفظ ذلك . فمعنى واذكرن : واحفظن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله يعني القرآن .

[ ص: 383 ] وفي الحكمة قولان . أحدهما: أنها السنة، قاله قتادة . والثاني: الأمر والنهي، قاله مقاتل .

قوله تعالى: إن الله كان لطيفا أي: ذا لطف بكن إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آياته خبيرا بكن إذ اختاركن لرسوله .
إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما

قوله تعالى: إن المسلمين والمسلمات في سبب نزولها خمسة أقوال .

أحدها: أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم قلن: ما له ليس يذكر إلا المؤمنون، ولا تذكر المؤمنات بشيء؟! فنزلت هذه الآية، رواه أبو ظبيان عن ابن عباس .

والثاني: أن أم سلمة قالت: يا رسول الله يذكر الرجال ولا نذكر! فنزلت هذه الآية، ونزل قوله: لا أضيع عمل عامل منكم [آل عمران: 195]، قاله مجاهد . [ ص: 384 ] والثالث : أن أم عمارة الأنصارية قالت: قلت: يا رسول الله بأبي وأمي ما بال الرجال يذكرون، ولا تذكر النساء؟! فنزلت هذه الآية، قاله عكرمة . وذكر مقاتل بن سليمان أن أم سلمة وأم عمارة قالتا ذلك، فنزلت [هذه] الآية في قولهما .

والرابع : أن الله تعالى لما ذكر أزواج رسوله دخل النساء المسلمات عليهن فقلن: ذكرتن ولم نذكر، ولو كان فينا خير ذكرنا، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة .

والخامس: أن أسماء بنت عميس لما رجعت من الحبشة دخلت على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار، قال: " ومم ذاك " ؟ قالت: لأنهن لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال، فنزلت هذه الآية، ذكره مقاتل بن حيان .

وقد سبق تفسير ألفاظ الآية في مواضع [البقرة: 129، 109، الأحزاب: 31، آل عمران: 17، البقرة: 45، يوسف: 88، البقرة: 184، الأنبياء: 91، آل عمران: 191] .
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا . وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه [ ص: 385 ] أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا

قوله تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة الآية، في سبب نزولها قولان .

أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق يخطب زينب بنت جحش لزيد بن حارثة، فقالت: لا أرضاه، ولست بناكحته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بلى فانكحيه، فإني قد رضيته لك " فأبت، فنزلت هذه الآية . وهذا المعنى مروي عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والجمهور . وذكر بعض المفسرين أن عبد الله بن جحش أخا زينب كره ذلك كما كرهته زينب، فلما نزلت الآية رضيا وسلما . قال مقاتل: والمراد بالمؤمن: عبد الله بن جحش، والمؤمنة: زينب بنت جحش .

والثاني: أنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكانت أول امرأة هاجرت، فوهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " قد قبلتك " ، وزوجها زيد بن حارثة، فسخطت هي وأخوها، وقالا: إنما أردنا رسول الله، فزوجها عبده؟! فنزلت هذه الآية، قاله ابن زيد . والأول عند المفسرين أصح .

[ ص: 386 ] قوله تعالى: إذا قضى الله ورسوله أمرا أي: حكما بذلك " أن تكون " وقرأ أهل الكوفة: " أن يكون " بالياء لهم الخيرة وقرأ أبو مجلز ، وأبو رجاء : " الخيرة " بإسكان الياء; فجمع في الكناية في قوله: " لهم " ، لأن المراد جميع المؤمنين والمؤمنات، والخيرة: الاختيار، فأعلم الله عز وجل أنه لا اختيار على ما قضاه الله ورسوله . فلما زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا مكثت عنده حينا، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منزل زيد فنظر إليها وكانت بيضاء جميلة من أتم نساء قريش، فوقعت في قلبه، فقال: " سبحان مقلب القلوب " ، وفطن زيد، فقال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها . وقال بعضهم: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل زيد، فرأى زينب، فقال: " سبحان مقلب القلوب " ، فسمعت ذلك زينب، فلما جاء زيد ذكرت له ذلك، فعلم أنها قد وقعت في نفسه، فأتاه فقال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها . وقال ابن زيد: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى باب زيد- وعلى الباب ستر من شعر- فرفعت الريح الستر، فرأى زينب، فلما وقعت في قلبه كرهت إلى الآخر، فجاء فقال: يا رسول الله أريد فراقها، فقال له: " اتق الله " . وقال مقاتل: لما فطن زيد لتسبيح رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها، فإن فيها كبرا، فهي تعظم علي وتؤذيني بلسانها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أمسك عليك زوجك واتق الله " . ثم إن زيدا طلقها [ ص: 387 ] بعد ذلك، فأنزل الله تعالى: وإذ تقول للذي أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه بالعتق .

قوله تعالى: واتق الله أي: في أمرها فلا تطلقها وتخفي في نفسك أي: تسر وتضمر في قلبك ما الله مبديه أي: مظهره; وفيه أربعة أقوال .

أحدها: حبها، قاله ابن عباس .

والثاني: عهد عهده الله إليه أن زينب ستكون له زوجة، فلما أتى زيد يشكوها، قال له " أمسك عليك زوجك واتق الله " ، وأخفى في نفسه ما الله مبديه، قاله علي بن الحسين .

والثالث : إيثاره لطلاقها، قاله قتادة، وابن جريج، ومقاتل .

والرابع : أن الذي أخفاه: إن طلقها زيد تزوجتها، قاله ابن زيد .

قوله تعالى: وتخشى الناس فيه قولان .

أحدهما: أنه خشي اليهود أن يقولوا: تزوج محمد امرأة ابنه، رواه عطاء عن ابن عباس .

[ ص: 388 ] والثاني: أنه خشي لوم الناس أن يقولوا: أمر رجلا بطلاق امرأته ثم نكحها .

قوله تعالى: والله أحق أن تخشاه أي: أولى أن تخشى في كل الأحوال . وليس المراد أنه لم يخش الله في هذه الحال، ولكن لما كان لخشيته بالخلق نوع تعلق قيل له: الله أحق أن تخشى منهم . قالت عائشة: ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد عليه من هذه الآية، ولو كتم شيئا من الوحي لكتمها .

فصل

وقد ذهب بعض العلماء إلى تنزيه رسول الله من حبها وإيثاره طلاقها . وإن كان ذلك شائعا في التفسير . قالوا: وإنما عوتب في هذه القصة على شيئين، [ ص: 389 ] [ ص: 390 ] أحدهما: أنه أخبر بأنها ستكون زوجة له، فقال لزيد: " أمسك عليك زوجك " فكتم ما أخبره الله به من أمرها حياء من زيد أن يقول له: إن زوجتك ستكون امرأتي; وهذا يخرج على ما ذكرنا عن علي بن الحسين، وقد نصره الثعلبي، والواحدي .

والثاني: أنه لما رأى اتصال الخصومة بين زيد وزينب، ظن أنهما لا يتفقان وأنه سيفارقها، وأضمر أنه إن طلقها تزوجتها صلة لرحمها، وإشفاقا عليها، لأنها كانت بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب، فعاتبه الله على إضمار ذلك وإخفائه حين قال لزيد: " أمسك عليك زوجك " ، وأراد منه أن يكون ظاهره وباطنه عند الناس سواء كما قيل له في قصة رجل أراد قتله: هلا أومأت إلينا بقتله؟ فقال: " ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين " ، ذكر هذا القول القاضي أبو يعلى رحمة الله عليه .

قوله تعالى: فلما قضى زيد منها وطرا قال الزجاج: الوطر: كل حاجة لك فيها همة، فإذا بلغها البالغ قيل: قد قضى وطره . وقال غيره: قضاء الوطر في اللغة: بلوغ منتهى ما في النفس من الشيء، ثم صار عبارة عن الطلاق، لأن الرجل إنما يطلق امرأته إذا لم يبق له فيها حاجة . والمعنى: لما قضى زيد حاجته من نكاحها زوجناكها ، وإنما ذكر قضاء الوطر هاهنا ليبين أن امرأة المتبنى تحل وإن وطئها، وهو قوله: لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ; والمعنى: زوجناك زينب- وهي امرأة زيد الذي تبنيته- لكيلا يظن أن امرأة المتبنى لا يحل نكاحها .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #444  
قديم 27-02-2023, 09:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,492
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْأَحْزَابِ
الحلقة (444)
صــ 400 إلى صــ 401





وروى مسلم في [ ص: 391 ] أفراده من حديث أنس بن مالك قال: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد: " اذهب فاذكرها علي " ، قال زيد: فانطلقت، فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها، فوليتها ظهري، ونكصت على عقبي، وقلت: يا زينب، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن .

وذكر أهل العلم أن من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أجيز له التزويج بغير مهر ليخلص قصد زوجاته لله دون العوض، وليخفف عنه، وأجيز له التزويج بغير ولي، لأنه مقطوع بكفاءته، وكذلك هو مستغن في نكاحه عن الشهود . وكانت زينب تفاخر نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن أهلوكن، وزوجني الله عز وجل .
ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا . الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما

[ ص: 392 ] قوله تعالى: ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له قال قتادة فيما أحل الله له من النساء .

قوله تعالى: سنة الله هي منصوبة على المصدر، لأن معنى " ما كان على النبي من حرج " : سن الله سنة واسعة لا حرج فيها . والذين خلوا: هم النبيون; فالمعنى: أن سنة الله في التوسعة على محمد فيما فرض له، كسنته في الأنبياء الماضين . قال ابن السائب: هكذا سنة الله في الأنبياء، كداود، فإنه كان له مائة امرأة، وسليمان كان له سبعمائة امرأة وثلاثمائة سرية، [ ص: 393 ] وكان أمر الله قدرا مقدورا أي: قضاء مقضيا . وقال ابن قتيبة : " سنة الله في الذين خلوا " معناه: لا حرج على أحد فيما لم يحرم عليه .

ثم أثنى الله على الأنبياء بقوله: الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله أي: لا يخافون لائمة الناس وقولهم فيما أحل لهم . وباقي الآية قد تقدم بيانه [النساء: 6]

قوله تعالى: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم قال المفسرون: لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب، قال الناس: إن محمدا قد تزوج امرأة ابنه، فنزلت هذه الآية، والمعنى: ليس بأب لزيد فتحرم عليه زوجته ولكن رسول الله قال الزجاج: من نصبه، فالمعنى ولكن كان رسول الله، وكان خاتم النبيين; ومن رفعه، فالمعنى: ولكن هو رسول الله; ومن قرأ: " خاتم " بكسر التاء، فمعناه: وختم النبيين; ومن فتحها، فالمعنى: آخر النبيين . قال ابن عباس: يريد: لو لم أختم به النبيين، لجعلت له ولدا يكون بعده نبيا .

[ ص: 394 ] [ ص: 395 ]
[ ص: 396 ] يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا و سبحوه بكرة وأصيلا . هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما

قوله تعالى: اذكروا الله ذكرا كثيرا قال مجاهد: هو أن لا ينساه أبدا . وقال ابن السائب: يقال: " ذكرا كثيرا " بالصلوات الخمس . وقال مقاتل بن حيان: هو التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير على كل حال: وقد روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يقول ربكم: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه " .

[ ص: 397 ] قوله تعالى: وسبحوه بكرة وأصيلا قال أبو عبيدة: الأصيل: ما بين العصر إلى الليل . وللمفسرين في هذا التسبيح قولان .

أحدهما: أنه الصلاة، واتفق أرباب هذا القول على أن المراد بالتسبيح بكرة: صلاة الفجر .

واختلفوا في صلاة الأصيل على ثلاثة أقوال . أحدها: أنها صلاة العصر، [ ص: 398 ] قاله أبو العالية، وقتادة . والثاني: أنها الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قاله ابن السائب . والثالث: أنها الظهر والعصر، قاله مقاتل .

والقول الثاني: أنه التسبيح باللسان، وهو قول: " سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله " ، قاله مجاهد .

قوله تعالى: هو الذي يصلي عليكم وملائكته في صلاة الله علينا خمسة أقوال .

أحدها: أنها رحمته، قاله الحسن . والثاني: مغفرته، قاله سعيد بن جبير . والثالث: ثناؤه، قاله أبو العالية، والرابع : كرامته، قاله سفيان . والخامس: بركته، قاله أبو عبيدة .

وفي صلاة الملائكة قولان .

أحدهما: أنها دعاؤهم، قاله أبو العالية . والثاني: استغفارهم، قاله مقاتل .

وفي الظلمات والنور ها هنا ثلاثة أقوال .

أحدها: الضلالة والهدى، قاله ابن زيد . والثاني: الإيمان والكفر، قاله مقاتل . والثالث: الجنة والنار، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: تحيتهم الهاء والميم كناية عن المؤمنين .

فأما الهاء في قوله: يلقونه ففيها قولان .

أحدهما: أنها ترجع إلى الله عز وجل . ثم فيه ثلاثة أقوال . أحدها: أن معناه: تحيتهم من الله يوم يلقونه سلام . وروى صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يسلم على أهل الجنة . والثاني: تحيتهم من الملائكة يوم يلقون الله: سلام، [ ص: 399 ] قاله مقاتل . وقال أبو حمزة الثمالي: تسلم عليهم الملائكة يوم القيامة، وتبشرهم حين يخرجون من قبورهم . والثالث: تحيتهم بينهم يوم يلقون ربهم: سلام وهو أن يحيي بعضهم بعضا بالسلام، ذكره أبو سليمان الدمشقي .

والقول الثاني: أن الهاء ترجع إلى ملك الموت، وقد سبق ذكره في ذكر الملائكة . قال ابن مسعود : إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال له: ربك يقرئك السلام . وقال البراء بن عازب: في قوله: تحيتهم يوم يلقونه قال: ملك الموت، ليس مؤمن يقبض روحه إلا سلم عليه . فأما الأجر الكريم، فهو الحسن في الجنة .
يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا . وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا . ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا

[ ص: 400 ] قوله تعالى: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا أي: على أمتك بالبلاغ ومبشرا بالجنة لمن صدقك ونذيرا أي: منذرا بالنار لمن كذبك، وداعيا إلى الله أي: إلى توحيده وطاعته بإذنه أي: بأمره، لا أنك فعلته من تلقاء نفسك وسراجا منيرا أي: أنت لمن اتبعك " سراجا " أي: كالسراج المضيء في الظلمة يهتدى به .

قوله تعالى: وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا وهو الجنة . قال جابر بن عبد الله: لما أنزل قوله: إنا فتحنا لك فتحا مبينا الآيات [الفتح] قال الصحابة: هنيئا لك يا رسول الله، فما لنا؟ فنزلت هذه الآية .

قوله تعالى: ولا تطع الكافرين قد سبق في أول السورة .

قوله تعالى: ودع أذاهم قال العلماء: معناه: لا تجازهم عليه وتوكل على الله في كفاية شرهم; وهذا منسوخ بآية السيف .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #445  
قديم 27-02-2023, 09:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,492
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْأَحْزَابِ
الحلقة (445)
صــ 401 إلى صــ 410




[ ص: 401 ] يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا

قوله تعالى: إذا نكحتم المؤمنات قال الزجاج: معنى (نكحتم) [ ص: 402 ] تزوجتم . ومعنى " تمسوهن " تقربوهن . وقرأ حمزة، والكسائي: " تماسوهن " بألف .

قوله تعالى: فما لكم عليهن من عدة تعتدونها أجمع العلماء أنه إذا كان الطلاق قبل المسيس والخلوة فلا عدة; وعندنا أن الخلوة توجب العدة وتقرر الصداق، خلافا للشافعي .

قوله تعالى: فمتعوهن المراد به من لم يسم لها مهرا، لقوله في (البقرة: 236) . أو تفرضوا لهن فريضة وقد بينا المتعة هنالك وكان سعيد بن المسيب وقتادة يقولان: هذه الآية منسوخة بقوله: فنصف ما فرضتم [البقرة: 237] .

قوله تعالى: وسرحوهن سراحا جميلا أي: من غير إضرار . وقال قتادة: هو طلاقها طاهرا من غير جماع . وقال القاضي أبو يعلي: الأظهر أن هذا التسريح ليس بطلاق، لأنه قد ذكر الطلاق، وإنما هو بيان أنه لا سبيل له عليها، وأن عليه تخليتها من يده وحباله .

فصل

واختلف العلماء فيمن قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، ثم تزوجها; فعندنا أنها لا تطلق، وهو قول ابن عباس، وعائشة، والشافعي، واستدل أصحابنا [ ص: 403 ] بهذه الآية، وأنه جعل الطلاق بعد النكاح . وقال سماك بن الفضل: النكاح عقدة، والطلاق يحلها، فكيف يحل عقدة لم تعقد؟! فجعل بهذه الكلمة قاضيا على " صنعاء " . وقال أبو حنيفة: ينعقد الطلاق، فإذا وجد النكاح وقع . وقال مالك: ينعقد ذلك في خصوص النساء، وهو إذا كان في امرأة بعينها، ولا ينعقد في عمومهن . فأما إذا قال: إن ملكت فلانا فهو حر، ففيه عن أحمد روايتان .
يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما . ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا

قوله تعالى: إنا أحللنا لك أزواجك ذكر الله تعالى أنواع الأنكحة التي أحلها له، فقال: أزواجك اللاتي آتيت أجورهن أي: مهورهن، وهن اللواتي تزوجتهن بصداق وما ملكت يمينك يعني الجواري [ ص: 404 ] مما أفاء الله عليك أي: رد عليك من الكفار، كصفية وجويرية، فإنه أعتقهما وتزوجهما وبنات عمك وبنات عماتك يعني نساء قريش وبنات خالك وبنات خالاتك يعني نساء بني زهرة اللاتي هاجرن معك إلى المدينة . قال القاضي أبو يعلى: و[ظاهر] هذا يدل على أن من لم تهاجر معه من النساء لم يحل له نكاحها . وقالت أم هانئ خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه بعذر، ثم أنزل الله تعالى: " إنا أحللنا لك أزواجك " إلى قوله: اللاتي هاجرن معك قالت: فلم أكن حل له، لأني لم أهاجر معه، كنت من الطلقاء; وهذا يدل من مذهبها أن تخصيصه بالمهاجرات قد أوجب حظر من لم تهاجر .

وذكر بعض المفسرين: أن شرط الهجرة في التحليل منسوخ، ولم يذكر ناسخه . وحكى الماوردي في ذلك قولين . أحدهما: أن الهجرة شرط في إحلال النساء له على الإطلاق . والثاني: أنه شرط في إحلال قراباته المذكورات في الآية دون الأجنبيات .

[ ص: 405 ] قوله تعالى: وامرأة مؤمنة أي: وأحللنا لك امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها لك، إن أراد النبي أن يستنكحها أي: إن آثر نكاحها خالصة لك أي: خاصة . قال الزجاج: وإنما قال: " إن وهبت نفسها للنبي " ولم يقل: " لك " ، لأنه لو قال: " لك " ، جاز أن يتوهم أن ذلك يجوز لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاز في بنات العم وبنات العمات . و " خالصة " منصوب على الحال .

وللمفسرين في معنى خالصة ثلاثة أقوال .

أحدها: أن المرأة إذا وهبت له نفسها، لم يلزمه صداقها دون غيره من المؤمنين، قاله أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب .

والثاني: أن له أن ينكحها بلا ولي ولا مهر دون غيره، قاله قتادة .

والثالث : خالصة لك أن تملك عقد نكاحها بلفظ الهبة دون المؤمنين، وهذا قول الشافعي، وأحمد .

وفي المرأة التي وهبت له نفسها أقوال . أحدها: أم شريك . والثاني: خولة بنت حكيم . ولم يدخل بواحدة منهما . وذكروا أن ليلى بنت الخطيم وهبت [ ص: 406 ] نفسها له فلم يقبلها . قال ابن عباس: لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له . وقد حكي عن ابن عباس أن التي وهبت نفسها له ميمونة بنت الحارث، وعن الشعبي: أنها زينب بنت خزيمة . والأول: أصح .

قوله تعالى: قد علمنا ما فرضنا عليهم أي: على المؤمنين غيرك في أزواجهم وفيه قولان .

أحدهما: أن لا يجاوز الرجل أربع نسوة، قاله مجاهد .

والثاني: أن لا يتزوج الرجل المرأة إلا بولي وشاهدين وصداق، قاله قتادة .

قوله تعالى: وما ملكت أيمانهم أي: وما أبحنا لهم من ملك اليمين مع الأربع الحرائر من غير عدد محصور .

قوله تعالى: لكيلا يكون عليك حرج هذا فيه تقديم; المعنى: [ ص: 407 ] أحللنا لك أزواجك، إلى قوله: خالصة لك من دون المؤمنين لكيلا يكون عليك حرج .

قوله تعالى: ترجي من تشاء منهن قرأ ابن كثير، وأبو عمرو ، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: " ترجئ " مهموزا; وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بغير همز . وسبب نزولها أنه لما نزلت آية التخيير المتقدمة، أشفقن أن يطلقن، فقلن: يا نبي الله، اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت، ودعنا على حالنا، فنزلت هذه الآية، قاله أبو رزين .

وفي معنى الآية أربعة أقوال .

أحدها: تطلق من تشاء من نسائك، وتمسك من تشاء من نسائك، قاله ابن عباس .

والثاني: تترك نكاح من تشاء، وتنكح من نساء أمتك من تشاء، قاله الحسن .

والثالث : تعزل من شئت من أزواجك فلا تأتيها بغير طلاق، وتأتي من تشاء فلا تعزلها، قاله مجاهد . والرابع: تقبل من تشاء من المؤمنات اللواتي يهبن أنفسهن، وتترك من تشاء، قاله الشعبي، وعكرمة .

وأكثر العلماء على أن هذه الآية نزلت مبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مصاحبة نسائه كيف شاء من غير إيجاب القسمة عليه والتسوية بينهن، غير أنه كان يسوي [ ص: 408 ] بينهن . وقال الزهري: ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجأ منهن أحدا، ولقد آواهن كلهن حتى مات . وقال أبو رزين: آوى عائشة، وأم سلمة، وحفصة، وزينب، وكان قسمه من نفسه وماله فيهن سواء . وأرجأ سودة، وجويرية، وصفية، وأم حبيبة، وميمونة، وكان يقسم لهن ما شاء . وكان أراد فراقهن فقلن: اقسم لنا ما شئت، ودعنا على حالنا . وقال قوم: إنما أرجأ سودة وحدها لأنها وهبت يومها لعائشة، فتوفي وهو يقسم لثمان .

قوله تعالى: وتؤوي أي: تضم، ومن ابتغيت ممن عزلت أي: إذا أردت أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلت من القسمة فلا جناح عليك أي: لا ميل عليك بلوم ولا عتب ذلك أدنى أن تقر أعينهن أي: ذلك التخيير الذي خيرناك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن . والمعنى: إنهن إذا علمن أن هذا أمر من الله، كان أطيب لأنفسهن . وقرأ ابن محيصن، وأبو عمران الجوني: " أن تقر " بضم التاء وكسر القاف " أعينهن " بنصب النون .

[ ص: 409 ] ويرضين بما آتيتهن كلهن أي: بما أعطيتهن من تقريب وتأخير والله يعلم ما في قلوبكم من الميل إلى بعضهن . والمعنى: إنما خيرناك تسهيلا عليك .

قوله تعالى: لا يحل لك النساء كلهم قرأ: " لا يحل " بالياء، غير أبي عمرو، فإنه قرأ بالتاء; والتأنيث ليس بحقيقي، إنما هو تأنيث الجمع، فالقراءتان حسنتان .

وفي قوله: من بعد ثلاثة أقوال .

أحدها: من بعد نسائك اللواتي خيرتهن فاخترن الله ورسوله، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة في آخرين، وهن التسع، فصار [مقصورا] عليهن ممنوعا من غيرهن وذكر أهل العلم أن طلاقه لحفصة وعزمه على طلاق سودة كان قبل التخيير .

[ ص: 410 ] والثاني: من بعد الذي أحللنا لك، فكانت الإباحة بعد نسائه مقصورة على المذكور في قوله: إنا أحللنا لك أزواجك إلى قوله: خالصة لك ; قاله أبي بن كعب ، والضحاك .

والثالث : لا تحل لك النساء غير المسلمات كاليهوديات والنصرانيات والمشركات، وتحل لك المسلمات، قاله مجاهد .

قوله تعالى: ولا أن تبدل بهن فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أن تطلق زوجاتك وتستبدل بهن سواهن، قاله الضحاك .

والثاني: أن تبدل بالمسلمات المشركات، قاله مجاهد في آخرين .

والثالث : أن تعطي الرجل زوجتك، وتأخذ زوجته، وهذه كانت عادة للجاهلية، قاله أبو هريرة، وابن زيد .

قوله تعالى: إلا ما ملكت يمينك يعني الإماء .

وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال .

أحدها: إلا أن تملك بالسبي، فيحل لك وطؤها وإن كانت من غير الصنف الذي أحللته لك; وإلى هذا أومأ أبي بن كعب في آخرين .

والثاني: إلا أن تصيب يهودية أو نصرانية فتطأها بملك اليمين، قاله ابن عباس، ومجاهد .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #446  
قديم 27-02-2023, 10:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,492
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْأَحْزَابِ
الحلقة (446)
صــ 411 إلى صــ 420





[ ص: 411 ] والثالث : إلا أن تبدل أمتك بأمة غيرك، قاله ابن زيد .

قال أبو سليمان الدمشقي: وهذه الأقوال جائزة، إلا أنا لا نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح يهودية ولا نصرانية بتزويج ولا ملك يمين، ولقد سبى ريحانة القرظية فلم يدن منها حتى أسلمت .

فصل

واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على قولين .

أحدهما: أنها منسوخة بقوله: إنا أحللنا لك أزواجك وهذا مروي عن علي، وابن عباس، وعائشة، وأم سلمة، وعلي بن الحسين، والضحاك . وقالت عائشة: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء، قال أبو سليمان الدمشقي: يعني نساء جميع القبائل من المهاجرات وغير المهاجرات .

والقول الثاني: أنها محكمة; ثم فيها قولان .

أحدهما: أن الله تعالى أثاب نساءه حين اخترنه بأن قصره عليهن، فلم يحل له غيرهن، ولم ينسخ هذا، قاله الحسن، وابن سيرين، وأبو أمامة بن سهل، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث .

والثاني: أن المراد بالنساء ها هنا: الكافرات، ولم يجز له أن يتزوج كافرة، قاله مجاهد ، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وجابر بن زيد .
[ ص: 412 ] يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الآية . في سبب نزولها ستة أقوال .

[ ص: 413 ] القول الأول: أخرجاه في " الصحيحين " من حديث أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش دعا القوم، فطعموا ثم جلسوا يتحدثون، فأخذ كأنه يتهيأ للقيام، فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام وقام من القوم من قام، وقعد ثلاثة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل فإذا القوم جلوس، فرجع، وإنهم قاموا فانطلقوا، وجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل، وذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه، وأنزل الله تعالى هذه الآية .

والثاني: أن ناسا من المؤمنين كانوا يتحينون طعام النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يدرك، ثم يأكلون ولا يخرجون، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأذى بهم، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس .

والثالث : أن عمر بن الخطاب قال: قلت يا رسول الله! إن نساءك يدخل [ ص: 414 ] عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب، أخرجه البخاري من حديث أنس، وأخرجه مسلم من حديث ابن عمر، كلاهما عن عمر .

والرابع : أن عمر أمر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب، فقالت زينب: يا ابن الخطاب، إنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا؟! فنزلت الآية، قاله ابن مسعود .

والخامس: أن عمر كان يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: احجب نساءك، فلا يفعل، فخرجت سودة ليلة، فقال عمر: قد عرفناك يا سودة- حرصا على أن ينزل الحجاب- فنزل الحجاب، رواه عكرمة عن عائشة .

[ ص: 415 ] والسادس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطعم معه بعض أصحابه، فأصابت يد رجل منهم يد عائشة، وكانت معهم، فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فنزلت آية الحجاب، قاله مجاهد .

قوله تعالى: إلا أن يؤذن لكم إلى طعام أي: أن تدعوا إليه غير ناظرين أي: منتظرين إناه قال الزجاج: موضع " أن " نصب; والمعنى: إلا بأن يؤذن لكم، أو لأن يؤذن، و " غير " منصوبة على الحال; والمعنى: إلا أن يؤذن لكم غير منتظرين . و " إناه " : نضجه وبلوغه .

قوله تعالى: فانتشروا أي: فاخرجوا .

قوله تعالى: ولا مستأنسين لحديث المعنى: ولا تدخلوا مستأنسين، أي: طالبي الأنس لحديث، وذلك أنهم كانوا يجلسون بعد الأكل فيتحدثون طويلا، وكان ذلك يؤذيه، ويستحيي أن يقول لهم: قوموا، فعلمهم الله الأدب، فذلك قوله: والله لا يستحيي من الحق أي: لا يترك أن يبين لكم ما هو الحق وإذا سألتموهن متاعا أي: شيئا يستمتع به وينتفع به من آلة المنزل فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر أي: سؤالكم إياهن المتاع من وراء حجاب أطهر لقلوبكم وقلوبهن من الريبة .

[ ص: 416 ] قوله تعالى: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله أي: ما كان لكم أذاه في شيء من الأشياء . قال أبو عبيدة: و " كان " من حروف الزوائد . والمعنى: ما لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا . روى عطاء عن ابن عباس، قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجت عائشة، فأنزل الله ما أنزل . وزعم مقاتل أن ذلك الرجل طلحة بن عبيد الله .

قوله تعالى: إن ذلكم يعني نكاح أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند الله عظيما أي: ذنبا عظيم العقوبة .
[ ص: 417 ] إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما . لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا

قوله تعالى: إن تبدوا شيئا أو تخفوه قيل: إنها نزلت فيما أبداه القائل: لئن مات رسول الله لأتزوجن عائشة .

قوله تعالى: لا جناح عليهن في آبائهن قال المفسرون: لما نزلت آية الحجاب، قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب؟ فأنزل الله تعالى: لا جناح عليهن في آبائهن أي: في أن يروهن ولا يحتجبن عنهم، إلى قوله: ولا نسائهن قال ابن عباس: يعني نساء المؤمنين، لأن نساء اليهود والنصارى يصفن لأزواجهن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رأينهن .

فإن قيل: ما بال العم والخال لم يذكرا؟ فعنه جوابان .

[ ص: 418 ] أحدهما: لأن المرأة تحل لأبنائهما، فكره أن تضع خمارها عند عمها وخالها، لأنهما ينعتانها لأبنائهما، هذا قول الشعبي وعكرمة .

والثاني: لأنهما يجريان مجرى الوالدين فلم يذكرا، قاله الزجاج .

فأما قوله: ولا ما ملكت أيمانهن ففيه قولان

أحدهما: أنه أراد الإماء دون العبيد، قاله سعيد بن المسيب .

والثاني: أنه عام في العبيد والإماء . قال ابن زيد: كن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتجبن من المماليك . وقد سبق بيان هذا في سورة (النور: 31) .

قوله تعالى: واتقين الله أي: أن يراكن غير هؤلاء إن الله كان على كل شيء شهيدا أي: لم يغب عنه شيء .
إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما . إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا

قوله تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي في صلاة الله وصلاة الملائكة أقوال قد تقدمت في هذه السورة [الأحزاب: 43]

قوله تعالى: صلوا عليه قال كعب بن عجرة: قلنا: يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: قولوا: " اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على [آل] إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على [آل] إبراهيم، إنك حميد مجيد، [ ص: 419 ] أخرجه البخاري ومسلم . ومعنى قوله : " قد علمنا التسليم عليك " : ما يقال في التشهد: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " . وذهب ابن السائب إلى أن معنى التسليم: سلموا لما يأمركم به .

قوله تعالى: إن الذين يؤذون الله ورسوله اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال .

[ ص: 420 ] أحدها: في الذين طعنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اتخذ صفية بنت حيي، قاله ابن عباس .

والثاني: نزلت في المصورين، قاله عكرمة .

والثالث : في المشركين واليهود والنصارى، وصفوا الله بالولد وكذبوا رسوله وشجوا وجهه وكسروا رباعيته وقالوا: مجنون شاعر ساحر كذاب . ومعنى أذى الله: وصفه بما هو منزه عنه، وعصيانه; ولعنهم في الدنيا: بالقتل والجلاء، وفي الآخرة: بالنار .

قوله تعالى: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات في سبب نزولها أربعة أقوال .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #447  
قديم 27-02-2023, 10:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,492
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْأَحْزَابِ
الحلقة (447)
صــ 421 إلى صــ 430





[ ص: 421 ] أحدها: أن عمر بن الخطاب رأى جارية متبرجة فضربها وكف ما رأى من زينتها، فذهبت إلى أهلها تشكو، فخرجوا إليه فآذوه، فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس .

والثاني: أنها نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن، فيرون المرأة فيدنون منها فيغمزونها; وإنما كانوا يؤذون الإماء، غير أنه لم تكن الأمة تعرف من الحرة، فشكون ذلك إلى أزواجهن، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، قاله السدي .

والثالث : أنها نزلت فيمن تكلم في عائشة وصفوان بن المعطل بالإفك، قاله الضحاك .

والرابع : أن ناسا من المنافقين آذوا علي بن أبي طالب، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل .

قال المفسرون: ومعنى الآية: يرمونهم بما ليس فيهم .
يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما . لئن لم ينته المنافقون والذين في [ ص: 422 ] قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا . سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا

قوله تعالى: يا أيها النبي قل لأزواجك الآية، سبب نزولها أن الفساق كانوا يؤذون النساء إذا خرجن بالليل، فإذا رأوا المرأة عليها قناع تركوها وقالوا: هذه حرة، وإذا رأوها بغير قناع قالوا: أمة، فآذوها، فنزلت هذه الآية، قاله السدي .

قوله تعالى: يدنين عليهن من جلابيبهن قال ابن قتيبة : يلبسن الأردية . وقال غيره: يغطين رؤوسهن ووجوههن ليعلم أنهن حرائر ذلك أدنى أي: أحرى وأقرب أن يعرفن أنهن حرائر فلا يؤذين .

قوله تعالى: لئن لم ينته المنافقون أي: عن نفاقهم والذين في قلوبهم مرض أي: فجور، وهم الزناة والمرجفون في المدينة بالكذب والباطل، يقولون: أتاكم العدو، وقتلت سراياكم وهزمت لنغرينك بهم أي: لنسلطنك عليهم بأن نأمرك بقتالهم . قال المفسرون: وقد أغري بهم، فقيل له: [ ص: 423 ] " جاهد الكفار والمنافقين " [التوبة: 73، التحريم: 9]، وقال يوم الجمعة " اخرج يا فلان من المسجد فإنك منافق، قم يا فلان فإنك منافق " ثم لا يجاورونك فيها أي: في المدينة إلا قليلا حتى يهلكوا، ملعونين منصوب على الحال; أي: لا يجاورونك إلا وهم ملعونون أينما ثقفوا أي: وجدوا وأدركوا أخذوا وقتلوا تقتيلا معنى الكلام: الأمر، أي: هذا الحكم فيهم، سنة الله أي: سن في الذين ينافقون الأنبياء ويرجفون بهم أن يفعل بهم هذا .
يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا . إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا . يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا . ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا

قوله تعالى: يسألك الناس عن الساعة قال عروة: الذي سأله عنها عتبة بن ربيعة .

قوله تعالى: وما يدريك أي: أي شيء يعلمك أمر الساعة ومتى تكون؟ والمعنى: أنت لا تعرف ذلك; ثم قال: لعل الساعة تكون قريبا .

فإن قيل: هلا قال: قريبة؟ فعنه ثلاثة أجوبة .

أحدها: أنه أراد الظرف، ولو أراد صفة الساعة بعينها، لقال: قريبة، [ ص: 424 ] هذا قول أبي عبيدة . والثاني: أن المعنى راجع إلى البعث، أو إلى مجيء الساعة . والثالث: أن تأنيث الساعة غير حقيقي، ذكرهما الزجاج . وما بعد هذا قد سبق بيان ألفاظه [البقرة: 159، النساء: 10، الإسراء: 97] .

فأما قوله: وأطعنا الرسولا فقال الزجاج: الاختيار الوقف بألف، لأن أواخر الآي وفواصلها تجري مجرى أواخر الأبيات، وإنما خوطبوا بما يعقلونه من الكلام المؤلف ليدل بالوقف بزيادة الحرف أن الكلام قد تم; وقد أشرنا إلى هذا في قوله: الظنونا [الأحزاب: 1] .

قوله تعالى: أطعنا سادتنا وكبراءنا أي: أشرافنا وعظماءنا . قال مقاتل: هم المطعمون في غزوة بدر . وكلهم قرأوا: " سادتنا " على التوحيد، غير ابن عامر، فإنه قرأ: " ساداتنا " على الجمع مع كسر التاء، ووافقه المفضل، ويعقوب، إلا أبا حاتم فأضلونا السبيلا أي: عن سبيل الهدى، ربنا آتهم يعنون السادة ضعفين أي: ضعفي عذابنا، والعنهم لعنا كبيرا قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وحمزة، والكسائي: " كثيرا " بالثاء . وقرأ عاصم، وابن عامر: " كبيرا " بالباء . وقال أبو علي: الكثرة أشبه بالمرار المتكررة من الكبر .
يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها . يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما

قوله تعالى: لا تكونوا كالذين آذوا موسى أي: لا تؤذوا محمدا كما آذى بنو إسرائيل موسى فينزل بكم ما نزل بهم .

[ ص: 425 ] وفي ما آذوا به موسى أربعة أقوال .

أحدها: أنهم قالوا: هو آدر، فذهب يوما يغتسل، ووضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه، فخرج في طلبه، فرأوه فقالوا: والله ما به من بأس . والحديث مشهور في الصحاح كلها من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم; وقد ذكرته بإسناده في " المغني " و " الحدائق " . قال ابن قتيبة : والآدر: عظيم الخصيتين .

والثاني: أن موسى صعد الجبل ومعه هارون، فمات هارون، فقال بنو إسرائيل: أنت قتلته، فآذوه بذلك، فأمر الله تعالى الملائكة فحملته حتى مرت به على بني إسرائيل، وتكلمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه مات، فبرأه الله من ذلك، قاله علي عليه السلام .

[ ص: 426 ] والثالث : أن قارون استأجر بغيا لتقذف موسى بنفسها على ملأ من بني إسرائيل فعصمها الله وبرأ موسى من ذلك، قاله أبو العالية .

والرابع : أنهم رموه بالسحر والجنون، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: وكان عند الله وجيها قال ابن عباس: كان عند الله حظيا لا يسأله شيئا إلا أعطاه . وقد بينا معنى الوجيه في (آل عمران: 45) . وقرأ ابن مسعود ، والأعمش وأبو حيوة: " وكان عبدا لله " بالتنوين والباء، وكسر اللام .

قوله تعالى: وقولوا قولا سديدا فيه أربعة أقوال .

[ ص: 427 ] أحدها: صوابا، قاله ابن عباس . والثاني: صادقا، قاله الحسن . والثالث: عدلا، قاله السدي . والرابع: قصدا، قاله ابن قتيبة .

ثم في المراد بهذا القول ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه " لا إله إلا الله " ، قاله ابن عباس، وعكرمة . والثاني: أنه العدل في جميع الأقوال والأعمال، قاله قتادة . والثالث: في شأن زينب وزيد ، ولا تنسبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما لا يصلح، قاله مقاتل بن حيان .

قوله تعالى: يصلح لكم أعمالكم فيه قولان .

أحدهما: يتقبل حسناتكم، قاله ابن عباس . والثاني: يزكي أعمالكم، قاله مقاتل .

قوله تعالى: فقد فاز فوزا عظيما أي: نال الخير وظفر به .
إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا . ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما

قوله تعالى: إنا عرضنا الأمانة فيها قولان .

أحدهما: أنها الفرائض، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال، إن أدتها أثابها، وإن ضيعتها عذبها، فكرهت ذلك; وعرضها على آدم فقبلها بما فيها، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس; وكذلك قال سعيد بن جبير: عرضت الأمانة على آدم فقيل له: تأخذها بما فيها، إن أطعت غفرت لك، وإن [ ص: 428 ] عصيت عذبتك، فقال: قبلت، فما كان إلا كما بين صلاة العصر إلى أن غربت الشمس حتى أصاب الذنب . وممن ذهب إلى أنها الفرائض قتادة، والضحاك، والجمهور .

والثاني: أنها الأمانة التي يأتمن الناس بعضهم بعضا عليها . روى السدي عن أشياخه أن آدم لما أراد الحج قال للسماء: احفظي ولدي بالأمانة، فأبت، وقال للأرض، فأبت، وقال للجبال، فأبت، فقال لقابيل، فقال: نعم، تذهب وتجيء وتجد أهلك كما يسرك، فلما انطلق آدم قتل قابيل هابيل، فرجع آدم فوجد ابنه قد قتل أخاه، فذلك حيث يقول الله عز وجل: إنا عرضنا الأمانة إلى قوله: وحملها الإنسان وهو ابن آدم، فما قام بها .

وحكى ابن قتيبة عن بعض المفسرين أن آدم لما حضرته الوفاة قال: يا رب، من أستخلف من بعدي؟ فقيل له: اعرض خلافتك على جميع الخلق، فعرضها، فكل أباها غير ولده .

وللمفسرين في المراد بعرض الأمانة على السماوات والأرض قولان .

أحدهما: أن الله تعالى ركب العقل في هذه الأعيان، وأفهمهن خطابه، وأنطقهن بالجواب حين عرضها عليهن، ولم يرد بقوله: " أبين " المخالفة، [ ص: 429 ] ولكن أبين للخشية والمخافة، لأن العرض كان تخييرا لا إلزاما، وأشفقن بمعنى خفن منها أن لا يؤدينها فيلحقهن العقاب، هذا قول الأكثرين .

والثاني: أن المراد بالآية: إنا عرضنا الأمانة على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة، قاله الحسن .

وفي المراد بالإنسان أربعة أقوال . أحدها: آدم في قول الجمهور . والثاني: قابيل في قول السدي . والثالث: الكافر والمنافق، قاله الحسن . والرابع: جميع الناس، قاله ثعلب .

قوله تعالى: إنه كان ظلوما جهولا فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: ظلوما لنفسه، غرا بأمر ربه، قاله ابن عباس، والضحاك .

والثاني: ظلوما لنفسه، جهولا بعاقبة أمره، قاله مجاهد .

والثالث : ظلوما بمعصية ربه، جهولا بعقاب الأمانة، قاله ابن السائب .

وذكر الزجاج في الآية وجها يخالف أكثر الأقوال، وذكر أنه موافق للتفسير فقال: إن الله تعالى ائتمن بني آدم على ما افترضه عليهم من طاعته، وائتمن السماوات والأرض والجبال على طاعته والخضوع له، فأما السماوات والأرض فقالتا: أتينا طائعين [فصلت: 11]، وأعلمنا أن من الحجارة ما يهبط من خشية الله، وأن الشمس والقمر والنجوم والجبال والملائكة يسجدون لله، فعرفنا الله تعالى أن السموات والأرض لم تحتمل الأمانة، لأنها أدتها، وأداؤها: طاعة الله وترك معصيته، وكل من خان الأمانة فقد احتملها، وكذلك كل من أثم فقد احتمل الإثم، وكذلك قال الحسن: " وحملها الإنسان " أي: الكافر والمنافق حملاها، أي: خانا ولم يطيعا; فأما من أطاع، فلا يقال: كان ظلوما جهولا .

[ ص: 430 ] قوله تعالى: ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات قال ابن قتيبة : المعنى: عرضنا ذلك ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك فيعذبهم الله، ويظهر إيمان المؤمنين فيتوب الله عليهم، أي: يعود عليهم بالرحمة والمغفرة إن وقع منهم تقصير في الطاعات .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #448  
قديم 27-02-2023, 10:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,492
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ سَبَإٍ
الحلقة (448)
صــ 431 إلى صــ 440




[ ص: 431 ]
سُورَةُ سَبَإٍ

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعِهِمْ

وَقَالَ الضَّحَّاكُ، وَابْنُ السَّائِبِ، وَمُقَاتِلٌ: فِيهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ، وَهِيَ قَوْلُهُ: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [سَبَإٍ: 6] .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ . يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ . لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ [ ص: 432 ] عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ . وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ

قَوْلُهُ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مُلْكًا وَخَلْقًا وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ يَحْمَدُهُ أَوْلِيَاؤُهُ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُونَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ [الزُّمَرِ :74] الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا [الْأَعْرَافِ: 43 ] الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [فَاطِرٍ: 34] .

يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ مِنْ بَذْرٍ أَوْ مَطَرٍ أَوْ كَنْزٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ وَنَبَاتٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَطَرٍ أَوْ رِزْقٍ أَوْ مَلَكٍ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا مِنْ مَلَكٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ دُعَاءٍ .

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يَعْنِي مُنْكِرِي الْبَعْثِ لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ أَيْ: لَا نُبْعَثُ .

[ ص: 433 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: عَالِمِ الْغَيْبِ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَعَاصِمٌ، وَأَبُو عَمْرٍو : " عَالَمِ الْغَيْبِ " بِكَسْرِ الْمِيمِ; وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ: بِرَفْعِهَا . وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: " عَلَّامِ الْغَيْبِ " بِالْكَسْرِ وَلَامٍ قَبْلَ الْأَلِفِ . قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: مَنْ كَسَرَ، فَعَلَى مَعْنَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَالَمِ الْغَيْبِ; وَمَنْ رَفَعَ، جَازَ أَنْ يَكُونَ " عَالِمِ الْغَيْبِ " خَبَرَ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: هُوَ عَالَمُ الْغَيْبِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءً، خَبَرُهُ لا يَعْزُبُ عَنْهُ ; وَ " عَلَّامٌ " أَبْلَغُ مِنْ " عَالِمٍ " . وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَحْدَهُ: " لَا يَعْزِبُ " بِكَسْرِ الزَّايِ; وَهُمَا لُغَتَانِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْفَعِ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْأَعْمَشُ: " وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ " بِالنَّصْبِ فِيهِمَا .

قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى : بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمُ الْمُجَازَاةُ وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الْمَعْنَى: أَثْبَتَ مِثْقَالَ الذَّرَّةِ وَأَصْغَرَ مِنْهُ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَلِيُرِيَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَيَعْقُوبُ، [وَالْمُفَضَّلُ]: " مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ " رَفْعًا; وَالْبَاقُونَ بِالْخَفْضِ فِيهِمَا .

وَفِي الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ قَوْلَانِ .

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ مُؤْمِنُو أَهْلِ الْكِتَابِ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ، رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

وَالثَّانِي: أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ قَتَادَةُ .

[ ص: 434 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يَعْنِي الْقُرْآنَ هُوَ الْحَقَّ قَالَ الْفَرَّاءُ: " هُوَ " عِمَادٌ، فَلِذَلِكَ انْتَصَبَ الْحَقُّ . وَمَا أَخْلَلْنَا بِهِ فَقَدْ سَبَقَ فِي مَوَاضِعَ [الْحَجِّ: 51، 52، الْبَقَرَةِ: 130، 267] .
وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد . أفترى على الله كذبا أم به جنة بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء إن في ذلك لآية لكل عبد منيب

قوله تعالى: وقال الذين كفروا وهم منكرو البعث، قال بعضهم لبعض: هل ندلكم على رجل ينبئكم أي: يقول لكم: إنكم إذا مزقتم كل ممزق أي: فرقتم كل تفريق; والممزق هاهنا مصدر بمعنى التمزيق إنكم لفي خلق جديد أي: يجدد خلقكم للبعث . ثم أجاب بعضهم فقالوا: أفترى على الله كذبا حين زعم أنا نبعث؟! وألف " أفترى " ألف استفهام، وهو استفهام تعجب وإنكار، أم به جنة أي: جنون؟! فرد الله عليهم فقال: بل أي: ليس الأمر كما تقولون من الافتراء والجنون، بل الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم الذين يجحدون البعث في العذاب إذا بعثوا في الآخرة والضلال البعيد من الحق في الدنيا .

ثم وعظهم فقال: أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء [ ص: 435 ] والأرض وذلك أن الإنسان حيثما نظر رأى السماء والأرض قدامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله; فالمعنى أنهم أين كانوا فأرضي وسمائي محيطة بهم، وأنا القادر عليهم، إن شئت خسفت بهم الأرض، وإن شئت أسقطت عليهم قطعة من السماء، إن في ذلك أي: فيما يرون من السماء والأرض لآية تدل على قدرة الله تعالى على بعثهم والخسف بهم لكل عبد منيب أي: راجع إلى طاعة الله، متأمل لما يرى .
ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير

قوله تعالى: ولقد آتينا داود منا فضلا وهو النبوة والزبور وتسخير الجبال والطير، إلى غير ذلك مما أنعم الله به عليه يا جبال أوبي معه وروى الحلبي عن عبد الوارث: " أوبي " بضم الهمزة وتخفيف الواو . قال الزجاج: المعنى: وقلنا: يا جبال أوبي معه، أي: رجعي معه . والمعنى: سبحي معه ورجعي التسبيح . ومن قرأ: " أوبي " ، معناه: عودي في التسبيح معه كلما عاد . وقال ابن قتيبة : " أوبي " أي: سبحي، وأصل التأويب في السير، وهو أن يسير النهار كله، وينزل ليلا، فكأنه أراد: ادأبي النهار [كله] بالتسبيح إلى الليل .

[ ص: 436 ] قوله تعالى: والطير وقرأ أبو رزين، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو العالية، وابن أبي عبلة : " والطير " بالرفع . فأما قراءة النصب، فقال أبو عمرو بن العلاء: هو عطف على قوله: ولقد آتينا داود منا فضلا والطير أي: وسخرنا له الطير . قال الزجاج: ويجوز أن يكون نصبا على النداء، كأنه قال: دعونا الجبال والطير، فالطير معطوف على موضع الجبال، وكل منادى عند البصريين فهو في موضع نصب; قال: وأما الرفع، فمن جهتين، إحداهما: أن يكون نسقا على ما في " أوبي، فالمعنى: يا جبال رجعي التسبيح معه أنت والطير; والثانية: على النداء، المعنى: يا جبال ويا أيها الطير أوبي [معه]

قال ابن عباس: كانت الطير تسبح معه إذا سبح، وكان إذا قرأ لم تبق دابة إلا استمعت لقراءته وبكت لبكائه . وقال وهب بن منبه: كان يقول للجبال: سبحي، وللطير: أجيبي، ثم يأخذ هو في تلاوة الزبور بين ذلك بصوته الحسن، فلا يرى الناس منظرا أحسن من ذلك، ولا يسمعون شيئا أطيب منه .

قوله تعالى: وألنا له الحديد أي: جعلناه لينا . قال قتادة: سخر الله له الحديد بغير نار، فكان يسويه بيده، لا يدخله النار، ولا يضربه بحديدة، وكان أول من صنع الدروع، وكانت قبل ذلك صفائح .

قوله تعالى: أن اعمل قال الزجاج: معناه: وقلنا له: اعمل، ويكون في معنى " لأن يعمل " سابغات أي: دروعا سابغات، فذكر الصفة لأنها تدل على الموصوف .

قال المفسرون: كان يأخذ الحديد بيده فيصير كأنه عجين يعمل به ما يشاء، [ ص: 437 ] فيعمل الدرع في بعض يوم فيبيعه بمال كثير، فيأكل ويتصدق . والسابغات: الدروع الكوامل التي تغطي لابسها حتى تفضل عنه فيجرها على الأرض .

وقدر في السرد أي: اجعله على قدر الحاجة . قال ابن قتيبة : السرد: النسج، ومنه يقال لصانع الدروع: سراد وزراد، تبدل من السين الزاي، كما يقال: سراط وزراط . وقال الزجاج: السرد في اللغة: تقدمة الشيء إلى الشيء تأتي به متسقا بعضه في إثر بعض متتابعا . ومنه قولهم: سرد فلان الحديث .

وفي معنى الكلام قولان .

أحدهما: عدل المسمار في الحلقة ولا تصغره فيقلق، ولا تعظمه فتنفصم الحلقة، قاله مجاهد .

والثاني: لا تجعل حلقه واسعة فلا تقي صاحبها، قاله قتادة .

قوله تعالى: واعملوا صالحا خطاب لداود وآله .
ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير . يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين [ ص: 438 ] قوله تعالى: ولسليمان الريح قرأ الأكثرون بنصب الريح على معنى: وسخرنا لسليمان الريح . وروى أبو بكر، والمفضل عن عاصم: " الريح " رفعا، أي: له تسخير الريح . وقرأ أبو جعفر: " الرياح " على الجمع .

غدوها شهر قال قتادة: تغدو مسيرة شهر إلى نصف النهار، وتروح مسيرة شهر إلى آخر النهار، فهي تسير في اليوم الواحد مسيرة شهرين . قال الحسن: لما شغلت نبي الله سليمان الخيل عن الصلاة فعقرها، أبدله الله خيرا منها وأسرع وهي الريح، فكان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر للمسرع، ثم يروح من إصطخر فيبيت بكابل، وبينهما مسيرة شهر للمسرع .

قوله تعالى: وأسلنا له عين القطر قال الزجاج: القطر: النحاس، وهو الصفر، أذيب مذ ذاك وكان قبل سليمان لا يذوب .

قال المفسرون: أجرى الله لسليمان عين الصفر حتى صنع منها ما أراد من غير نار، كما ألين لداود الحديد بغير نار، فبقيت تجري ثلاثة أيام ولياليهن كجري الماء; وإنما يعمل الناس اليوم مما أعطي سليمان .

[ ص: 439 ] قوله تعالى: ومن الجن المعنى: وسخرنا له من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه أي: بأمره; سخرهم الله له، وأمرهم بطاعته; والكلام يدل على أن منهم من لم يسخر له ومن يزغ منهم أي: يعدل عن أمرنا له بطاعة سليمان نذقه من عذاب السعير ; وهل هذا في الدنيا، أم في الآخرة؟ فيه قولان . أحدهما: في الآخرة، قاله الضحاك . والثاني: في الدنيا، قاله مقاتل . وقيل: إنه كان مع سليمان ملك بيده سوط من نار، فمن زاغ من الجن ضربه الملك بذلك السوط .

يعملون له ما يشاء من محاريب وفيها ثلاثة أقوال . أحدها: أنها المساجد، قاله مجاهد ، وابن قتيبة . والثاني: القصور، قاله عطية . والثالث: المساجد والقصور، قاله قتادة . وأما التماثيل، فهي الصور; قال الحسن: ولم تكن يومئذ محرمة; ثم فيها قولان .

أحدهما: أنها كانت كالطواويس والعقبان والنسور على كرسيه ودرجات سريره لكي يهابها من أراد الدنو منه، قاله الضحاك .

والثاني: أنها كانت صور النبيين والملائكة لكي يراهم الناس مصورين، فيعبدوا مثل عبادتهم ويتشبهوا بهم، قاله ابن السائب .

وفي ما كانوا يعملونها منه قولان . أحدهما: من النحاس، قاله مجاهد . والثاني: من الرخام والشبه، قاله قتادة .

قوله تعالى: وجفان كالجواب الجفان: جمع جفنة، وهي القصعة الكبيرة; والجوابي; جمع جابية، وهي الحوض الكبير يجبى فيه الماء، أي: يجمع .

[ ص: 440 ] قرأ ابن كثير، وأبو عمرو : " كالجوابي " بياء، إلا أن ابن كثير يثبت الياء في الوصل والوقف، وأبو عمرو يثبتها في الوصل دون الوقف . قال الزجاج: وأكثر القراء على الوقف بغير ياء، وكان الأصل الوقف بالياء، إلا أن الكسرة تنوب عنها .

قال المفسرون: كانوا يصنعون [له] القصاع كحياض الإبل، يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل يأكلون منها .

قوله تعالى: وقدور راسيات أي: ثوابت; يقال: رسا يرسو: إذا ثبت .

وفي علة ثبوتها في مكانها قولان . أحدهما: أن أثافيها منها، قاله ابن عباس . والثاني: أنها لا تنزل لعظمها، قاله ابن قتيبة .

قال المفسرون: وكانت القدور كالجبال لا تحرك من أماكنها، يأكل من القدر ألف رجل .

قوله تعالى: اعملوا آل داود شكرا المعنى: وقلنا: اعملوا بطاعة الله شكرا له على ما آتاكم .

قوله تعالى: فلما قضينا عليه الموت يعني على سليمان .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #449  
قديم 27-02-2023, 10:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,492
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ سَبَإٍ
الحلقة (449)
صــ 441 إلى صــ 450






[ ص: 441 ] قال المفسرون: كانت الإنس تقول: إن الجن تعلم الغيب الذي يكون في غد، فوقف سليمان في محرابه يصلي متوكئا على عصاه، فمات، فمكث كذلك حولا والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة ولا تعلم بموته حتى أكلت الأرض عصا سليمان، فخر فعلموا بموته، وعلم الإنس أن الجن لا تعلم الغيب .

وقيل: إن سليمان سأل الله تعالى أن يعمي على الجن موته، فأخفاه الله عنهم حولا .

وفي سبب سؤاله قولان .

أحدهما: لأن الجن كانوا يقولون للإنس: إننا نعلم الغيب، فأراد تكذيبهم .

والثاني: لأنه كان قد بقي من عمارة بيت المقدس بقية .

فأما دابة الأرض فهي: الأرضة . وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وعاصم الجحدري: " دابة الأرض " بفتح الراء .

والمنسأة: العصا . قال الزجاج: وإنما سميت منسأة، لأنه ينسأ بها، أي: يطرد ويزجر . قال الفراء: أهل الحجاز لا يهمزون المنسأة، وتميم وفصحاء قيس يهمزونها .

قوله تعالى: فلما خر أي: سقط تبينت الجن أي: ظهرت، وانكشف للناس أنهم لا يعلمون الغيب، ولو علموا ما لبثوا في العذاب المهين [ ص: 439 ] أي: ما عملوا مسخرين وهو ميت وهم يظنونه حيا . وقيل: تبينت الجن، أي: علمت، لأنها كانت تتوهم باستراقها السمع أنها تعلم الغيب، فعلمت حينئذ خطأها في ظنها . وروى رويس عن يعقوب: " تبينت " برفع التاء والباء وكسر الياء .
لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور . فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور . وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور . ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ

قوله تعالى: ( لقد كان لسبإ في مساكنهم آية ) قرأ ابن كثير، [ ص: 440 ] ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: " في مساكنهم " . وقرأ حمزة، وحفص عن عاصم: " مسكنهم " بفتح الكاف من غير ألف . وقرأ الكسائي، وخلف: " مسكنهم " بكسر الكاف، وهي لغة .

قال المفسرون: المراد بسبإ هاهنا: القبيلة التي هم من أولاد سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان; وقد ذكرنا في سورة (النمل: 22) الخلاف في هذا، وأن قوما يقولون: هو اسم بلد، وليس باسم رجل . وذكر الزجاج في هذا المكان أن من قرأ: " لسبأ " بالفتح وترك الصرف، جعله اسما للقبيلة، ومن صرف وكسر ونون، جعله اسما للحي واسما لرجل; وكل جائز حسن . و آية رفع، اسم " كان " ، و جنتان رفع على نوعين، أحدهما: أنه بدل من " آية " ، والثاني: على إضمار، كأنه لما قيل: " آية " ، قيل: الآية جنتان .

الإشارة إلى قصتهم

ذكر العلماء بالتفسير والسير أن بلقيس لما ملكت [قومها] جعل قومها يقتتلون على ماء واديهم، فجعلت تنهاهم فلا يطيعونها، فتركت ملكها وانطلقت إلى قصرها فنزلته، فلما كثر الشر بينهم وندموا، أتوها فأرادوها على أن ترجع إلى ملكها، فأبت، فقالوا: لترجعن أو لنقتلنك، فقالت: إنكم لا تطيعونني وليست لكم عقول، فقالوا: فإنا نطيعك، فجاءت إلى واديهم- وكانوا [ ص: 444 ] إذا مطروا أتاه السيل من مسيرة أيام- فأمرت به، فسد ما بين الجبلين بمسناة، وحبست الماء من وراء السد، وجعلت له أبوابا بعضها فوق بعض، وبنت من دونه بركة وجعلت فيها اثني عشر مخرجا على عدة أنهارهم، فكان الماء يخرج بينهم بالسوية، إلى أن كان من شأنها مع سليمان ما سبق ذكره [النمل: 29- 44]، وبقوا بعدها على حالهم . وقيل: إنما بنوا ذلك البنيان لئلا يغشى السيل أموالهم فيهلكها، فكانوا يفتحون من أبواب السد ما يريدون، فيأخذون من الماء ما يحتاجون إليه، وكانت لهم جنتان عن يمين واديهم وعن شماله، فأخصبت أرضهم، وكثرت فواكههم، وإن كانت المرأة لتمر بين الجنتين والمكتل على رأسها، فترجع وقد امتلأ من الثمر ولا تمس بيدها شيئا منه، ولم يكن [يرى] في بلدهم حية ولا عقرب ولا بعوضة ولا ذباب ولا برغوث، ويمر الغريب ببلدتهم وفي ثيابه القمل، فيموت القمل لطيب هوائها . وقيل لهم: كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة أي: هذه بلدة طيبة، أو بلدتكم بلدة طيبة، ولم تكن سبخة ولا فيها ما يؤذي ورب غفور أي: والله رب غفور، وكانت ثلاث عشرة قرية، فبعث الله إليهم ثلاثة عشر نبيا، فكذبوا الرسل، ولم يقروا بنعم الله، فذلك قوله: فأعرضوا أي: عن الحق، وكذبوا أنبياءهم فأرسلنا عليهم سيل العرم وفيه أربعة أقوال .

[ ص: 445 ] أحدها: أن العرم: الشديد، رواه علي بن أبي طالب عن ابن عباس . وقال ابن الأعرابي: العرم: السيل الذي لا يطاق .

والثاني: [أنه] اسم الوادي، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والضحاك، ومقاتل .

والثالث : أنه المسناة، قاله مجاهد ، وأبو ميسرة، والفراء، وابن قتيبة . وقال أبو عبيدة: العرم: جمع عرمة، وهي: السكر والمسناة .

والرابع : أن العرم: الجرذ الذي نقب عليهم السكر، حكاه الزجاج .

وفي صفة إرسال هذا السيل عليهم قولان .

أحدهما: أن الله تعالى بعث على سكرهم دابة من الأرض فنقبت فيه نقبا، فسال ذلك الماء إلى موضع غير الموضع الذي كانوا ينتفعون به، رواه العوفي عن ابن عباس . وقال قتادة والضحاك في آخرين: بعث الله عليهم جرذا يسمى الخلد- والخلد: الفأر الأعمى- فنقبه من أسفله، فأغرق الله [به] جناتهم، وخرب به أرضهم .

والثاني: أنه أرسل عليهم ماء أحمر، أرسله في السد فنسفه وهدمه وحفر الوادي، ولم يكن الماء أحمر من السد، وإنما كان سيلا أرسل عليهم، قاله مجاهد .

قوله تعالى وبدلناهم بجنتيهم يعني اللتين تطعمان الفواكه جنتين ذواتي أكل خمط قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: " أكل " بالتنوين . وقرأ أبو عمرو: " أكل " بالإضافة . وخفف الكاف ابن كثير ونافع، وثقلها الباقون . أما الأكل، فهو الثمر .

وفي المراد بـ الخمط ثلاثة أقوال . [ ص: 446 ] أحدها: أنه الأراك، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، والجمهور; فعلى هذا، أكله: ثمره; ويسمى ثمر الأراك: البرير .

والثاني: أنه كل شجرة ذات شوك، قاله أبو عبيدة .

والثالث : أنه كل نبت قد أخذ طعما من المرارة حتى لا يمكن أكله، قاله المبرد والزجاج . فعلى هذا القول، الخمط: اسم للمأكول، فيحسن على هذا قراءة من نون الأكل; وعلى ما قبله، هو اسم شجرة، والأكل ثمرها، فيحسن قراءة من أضاف .

فأما الأثل، ففيه ثلاثة أقوال . أحدها: أنه الطرفاء، قاله ابن عباس . والثاني: أنه السمر، حكاه ابن جرير . والثالث: أنه شجر يشبه الطرفاء إلا أنه أعظم منه .

قوله تعالى: وشيء من سدر قليل فيه تقديم، وتقديره: وشيء قليل من سدر، وهو شجر النبق . والمعنى أنه كان الخمط والأثل في جنتيهم [ ص: 447 ] أكثر من السدر . قال قتادة: بينا شجرهم من خير الشجر، إذ صيره الله من شر الشجر .

قوله تعالى: ذلك جزيناهم أي: ذلك التبديل جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور .

فإن قيل: قد يجازى المؤمن والكافر، فما معنى هذا التخصيص؟ فعنه جوابان .

أحدهما: أن المؤمن يجزى ولا يجازى، فيقال في أفصح اللغة: جزى الله المؤمن، ولا يقال: جازاه، لأن " جازاه " بمعنى كافأه، فالكافر يجازى بسيئته مثلها، مكافأة له، والمؤمن يزاد في الثواب ويتفضل عليه، هذا قول الفراء .

والثاني: أن الكافر ليست له حسنة تكفر ذنوبه، فهو يجازى بجميع الذنوب، والمؤمن قد أحبطت حسناته سيئاته، هذا قول الزجاج . وقال طاووس: الكافر يجازى ولا يغفر له، والمؤمن لا يناقش الحساب .

قوله تعالى: وجعلنا بينهم هذا معطوف على قوله تعالى: لقد كان لسبإ ; والمعنى: كان من قصصهم أنا جعلنا بينهم وبين القرى التي [ ص: 448 ] باركنا فيها وهي: قرى الشام; وقد سبق بيان معنى البركة فيها [الأنبياء: 71] هذا قول الجمهور . وحكى ابن السائب أن الله تعالى لما أهلك جنتيهم قالوا للرسل: قد عرفنا نعمة الله علينا، فلئن رد إلينا ما كنا عليه لنعبدنه عبادة شديدة، فرد عليهم النعمة، وجعل لهم قرى ظاهرة فعادوا إلى الفساد وقالوا: باعد بين أسفارنا، فمزقوا .

قوله تعالى: قرى ظاهرة أي: متواصلة ينظر بعضها إلى بعض وقدرنا فيها السير فيه قولان .

أحدهما: أنهم كانوا يغدون فيقيلون في قرية، ويروحون فيبيتون في قرية، قاله الحسن، وقتادة .

والثاني: أنه جعل ما بين القرية والقرية مقدارا واحدا، قاله ابن قتيبة .

قوله تعالى: سيروا فيها والمعنى: وقلنا لهم: سيروا فيها ليالي وأياما أي: ليلا ونهارا آمنين من مخاوف السفر من جوع أو عطش أو سبع أو تعب . وكانوا يسيرون أربعة أشهر في أمان، فبطروا النعمة وملوها كما مل بنو إسرائيل المن والسلوى فقالوا ربنا بعد بين أسفارنا قرأ ابن كثير، وأبو عمرو : " بعد " بتشديد العين وكسرها . وقرأ نافع، وعاصم، وحمزة: " باعد " بألف وكسر العين . وعن ابن عباس كالقراءتين . قال ابن عباس: إنهم قالوا: لو كانت جناتنا أبعد مما هي، كان أجدر أن يشتهى جناها . قال أبو سليمان الدمشقي: لما ذكرتهم الرسل نعم الله، أنكروا أن يكون ما هم فيه نعمة، [ ص: 449 ] وسألوا الله أن يباعد بين أسفارهم . وقرأ يعقوب: [ " ربنا " برفع الباء] " باعد " بفتح العين والدال، جعله فعلا ماضيا على طريق الإخبار للناس بما أنزله الله عز وجل بهم . وقرأ علي بن أبي طالب، وأبو عبد الرحمن [السلمي]، وأبو رجاء ، وابن السميفع، وابن أبي عبلة : " بعد " برفع العين وتخفيفها وفتح الدال من غير ألف، على طريق الشكاية إلى الله عز وجل . وقرأ عاصم الجحدري، وأبو عمران الجوني: " بوعد " برفع الباء وبواو ساكنة مع كسر العين .

قوله تعالى: وظلموا أنفسهم فيه قولان . أحدهما: بالكفر وتكذيب الرسل . والثاني: بقولهم " بعد بين أسفارنا " .

فجعلناهم أحاديث لمن بعدهم يتحدثون بما فعل بهم ومزقناهم كل ممزق أي: فرقناهم في كل وجه من البلاد كل التفريق، لأن الله لما غرق مكانهم وأذهب جنتيهم تبددوا في البلاد، فصارت العرب تتمثل في الفرقة بسبأ إن في ذلك أي: فيما فعل بهم لآيات أي: لعبرا لكل صبار عن معاصي الله شكور لنعمه،

قوله تعالى: ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " عليهم " بمعنى " فيهم " ، [ ص: 450 ] وصدقه في ظنه أنه ظن بهم أنهم يتبعونه إذ أغواهم، فوجدهم كذلك . وإنما قال: ولأضلنهم ولأمنينهم [النساء: 119] بالظن، لا بالعلم، فمن قرأ: " صدق " بتشديد الدال، فالمعنى: حقق ما ظنه فيهم بما فعل بهم; ومن قرأ بالتخفيف، فالمعنى: صدق عليهم في ظنه بهم .

وفي المشار إليهم قولان .

أحدهما: أنهم أهل سبإ . والثاني: سائر المطيعين لإبليس .

قوله تعالى: وما كان له عليهم من سلطان قد شرحناه في قوله: ليس لك عليهم سلطان [الحجر: 42 قال الحسن: والله ما ضربهم بعصا ولا قهرهم على شيء إلا أنه دعاهم إلى الأماني والغرور .

قوله تعالى: إلا لنعلم أي: ما كان تسليطنا إياه إلا لنعلم المؤمنين من الشاكين . وقرأ الزهري: " إلا ليعلم " بياء مرفوعة على ما لم يسم فاعله . وقرأ ابن يعمر: " ليعلم " بفتح الياء .

وفي المراد بعلمه هاهنا ثلاثة أقوال قد شرحناه في أول (العنكبوت: 3) .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #450  
قديم 27-02-2023, 10:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,492
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ سَبَإٍ
الحلقة (450)
صــ 451 إلى صــ 460





وربك على كل شيء من الشك والإيمان حفيظ ، وقال ابن قتيبة : والحفيظ بمعنى الحافظ . قال الخطابي: وهو فعيل بمعنى فاعل، كالقدير، والعليم، فهو يحفظ السماوات والأرض بما فيها لتبقى مدة بقائها، ويحفظ عباده من [ ص: 451 ] المهالك، ويحفظ عليهم أعمالهم، ويعلم نياتهم، ويحفظ أولياءه عن مواقعة الذنوب، ويحرسهم من مكايد الشيطان .
قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير . ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير

قوله تعالى: قل ادعوا الذين زعمتم المعنى: قل للكفار: ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة لينعموا عليكم بنعمة، أو يكشفوا عنكم بلية . ثم أخبر عنهم فقال: لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض أي: من خير وشر ونفع وضر وما لهم فيهما من شرك لم يشاركونا في شيء من خلقهما، وما له أي: وما لله منهم أي: من الآلهة من ظهير أي: من معين على شيء .

ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: " أذن له " بفتح الألف . وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وخلف: " أذن له " برفع الألف . وعن عاصم كالقراءتين . أي: لا تنفع شفاعة ملك ولا نبي حتى يؤذن له في الشفاعة، وقيل: حتى يؤذن له فيمن يشفع . وفي هذا رد عليهم حين قالوا: إن هذه الآلهة تشفع لنا .

[ ص: 452 ] حتى إذا فزع عن قلوبهم قرأ الأكثرون: " فزع " بضم الفاء وكسر الزاي . قال ابن قتيبة : خفف عنها الفزع . وقال الزجاج: معناه: كشف الفزع عن قلوبهم . وقرأ ابن عامر، ويعقوب، وأبان: " فزع " بفتح الفاء والزاي، والفعل لله عز وجل . وقرأ الحسن، وقتادة، وابن يعمر: " فرغ " بالراء غير معجمة، وبالغين معجمة، وهو بمعنى الأول، لأنها فرغت من الفزع . وقال غيره: بل فرغت من الشك والشرك .

وفي المشار إليهم قولان .

أحدهما: أنهم الملائكة . وقد دل الكلام على أنهم يفزعون لأمر يطرأ عليهم من أمر الله، ولم يذكره في الآية، لأن إخراج الفزع يدل على حصوله . وفي سبب فزعهم قولان .

أحدهما: أنهم يفزعون لسماع كلام الله تعالى . روى عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم، فيقولون: يا جبريل: ماذا قال ربك؟ قال: فيقول: الحق، فينادون: الحق الحق " وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا قضى الله عز وجل الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم، قالوا: [ ص: 453 ] للذي قال الحق وهو العلي الكبير "

والثاني: أنهم يفزعون من قيام الساعة . وفي السبب الذي ظنوه بدنو الساعة ففزعوا، قولان .

أحدهما: أنه لما كانت الفترة التي بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، ثم بعث الله محمدا، أنزل الله جبريل بالوحي، فلما نزل ظنت الملائكة أنه نزل بشيء من أمر الساعة، فصعقوا لذلك، فجعل جبريل يمر بكل سماء ويكشف عنهم الفزع ويخبرهم أنه الوحي، قاله قتادة، ومقاتل، وابن السائب . وقيل: لما علموا بالإيحاء إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فزعوا، لعلمهم أن ظهوره من أشراط الساعة .

والثاني: أن الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض ويكتبون أعمالهم إذا أرسلهم الله تعالى فانحدروا، يسمع لهم صوت شديد، فيحسب الذين هم أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة، فيخرون سجدا، ويصعقون حتى يعلموا أنه ليس من أمر الساعة، وهذا كلما مروا عليهم، رواه الضحاك عن ابن مسعود .

والقول الثاني: أن الذي أشير إليهم المشركون; ثم في معنى الكلام قولان .

أحدهما: أن المعنى: حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند الموت- إقامة للحجة عليهم- قالت لهم الملائكة: ماذا قال ربكم في الدنيا؟ قالوا: الحق، فأقروا حين لم ينفعهم الإقرار، قاله الحسن، وابن زيد .

[ ص: 454 ] والثاني: حتى إذا كشف الغطاء عن قلوبهم يوم القيامة، قيل لهم: ماذا قال ربكم؟ قاله مجاهد .
قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين . قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم . قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم

قوله تعالى: قل من يرزقكم من السماوات يعني المطر والأرض يعني النبات والثمر . وإنما أمر أن يسأل الكفار عن هذا، احتجاجا عليهم بأن الذي يرزق هو المستحق للعبادة، وهم لا يثبتون رازقا سواه، ولهذا قيل له: قل الله لأنهم لا يجيبون بغير هذا; وهاهنا تم الكلام . ثم أمره أن يقول لهم: وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين مذهب المفسرين أن " أو " هاهنا بمعنى الواو . وقال أبو عبيدة: معنى الكلام: وإنا لعلى هدى، وإنكم لفي ضلال مبين . وقال الفراء: معنى " أو " عند المفسرين معنى الواو، وكذلك هو في المعنى، غير أن العربية على غير ذلك، لا تكون " أو " بمنزلة الواو، ولكنها تكون في الأمر المفوض، كما تقول: إن شئت فخذ درهما أو اثنين، فله أن يأخذ واحدا أو اثنين، وليس له أن يأخذ ثلاثة، وإنما معنى الآية: وإنا لضالون أو مهتدون، وإنكم أيضا لضالون أو مهتدون، وهو يعلم أن [ ص: 455 ] رسوله المهتدي، وأن غيره الضال، كما تقول للرجل تكذبه: والله إن أحدنا لكاذب- وأنت تعنيه- فكذبته تكذيبا غير مكشوف; ويقول الرجل: والله لقد قدم فلان، فيقول له من يعلم كذبه: قل: إن شاء الله، فيكذبه بأحسن من تصريح التكذيب; ومن كلام العرب أن يقولوا: قاتله الله، ثم يستقبحونها، فيقول: قاتعه الله، ويقول بعضهم :كاتعه الله; ويقولون: جوعا، دعاء على الرجل، ثم يستقبحونها فيقولون: جودا، وبعضهم يقول: جوسا; ومن ذلك قولهم: ويحك وويسك، وإنما هي في معنى " ويلك " إلا أنها دونها .

قوله تعالى: قل لا تسألون عما أجرمنا أي: لا تؤاخذون به ولا نسأل عما تعملون من الكفر والتكذيب; والمعنى إظهار التبري منهم . وهذه الآية عند أكثر المفسرين منسوخة بآية السيف، ولا وجه لذلك .

قوله تعالى: قل يجمع بيننا ربنا يعني عند البعث في الآخرة ثم يفتح بيننا أي يقضي بالحق أي: بالعدل وهو الفتاح القاضي العليم بما يقضي قل للكفار أروني الذين ألحقتم به شركاء أي: أعلموني من أي وجه ألحقتموهم وهم لا يخلقون ولا يرزقون كلا ردع وتنبيه; والمعنى: ارتدعوا عن هذا القول، وتنبهوا عن ضلالتكم، فليس الأمر على ما أنتم عليه .
[ ص: 456 ] وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون . ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون

قوله تعالى: وما أرسلناك إلا كافة للناس أي: عامة لجميع الخلائق . وفي الكلام تقديم، تقديره: وما أرسلناك إلا للناس كافة . وقيل: معنى " كافة للناس " : تكفهم عما هم عليه من الكفر، والهاء فيه للمبالغة .

ويقولون متى هذا الوعد يعنون العذاب الذي يعدهم به في يوم القيامة; وإنما قالوا هذا، لأنهم ينكرون البعث، قل لكم ميعاد يوم وفيه قولان . أحدهما: أنه يوم الموت عند النزع والسياق، قاله الضحاك . والثاني: يوم القيامة، قاله أبو سليمان الدمشقي .
[ ص: 457 ] وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين . قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون

قوله تعالى: وقال الذين كفروا يعني مشركي مكة لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه يعنون التوراة والإنجيل، وذلك أن مؤمني أهل الكتاب قالوا: إن صفة محمد في كتابنا، فكفر أهل مكة بكتابهم .

ثم أخبر عن حالهم في القيامة فقال: ولو ترى إذ الظالمون يعني مشركي مكة موقوفون عند ربهم في الآخرة يرجع بعضهم إلى بعض القول أي: يرد بعضهم على بعض في الجدال واللوم يقول الذين استضعفوا وهم الأتباع للذين استكبروا وهم الأشراف والقادة: لولا أنتم لكنا مؤمنين أي: مصدقين بتوحيد الله; والمعنى: أنتم منعتمونا عن الإيمان; فأجابهم المتبوعون فقالوا: أنحن صددناكم عن الهدى أي: منعناكم عن الإيمان بعد إذ جاءكم به الرسول؟ بل كنتم مجرمين بترك الإيمان- وفي هذا تنبيه للكفار على أن طاعة بعضهم لبعض في الدنيا تصير سببا للعداوة في الآخرة- فرد عليهم الأتباع فقالوا: بل مكر الليل والنهار أي: بل مكركم بنا في الليل والنهار . قال الفراء: [ ص: 458 ] وهذا مما تتوسع فيه العرب لوضوح معناه، كما يقولون: ليله قائم، ونهاره صائم، فتضيف الفعل إلى غير الآدميين، والمعنى لهم . وقال الأخفش: وهذا كقوله: من قريتك التي أخرجتك [محمد: 13] قال جرير:


لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم


وقرأ سعيد بن جبير، وأبو الجوزاء، وعاصم الجحدري: " بل مكر " بفتح الكاف والراء " الليل والنهار " برفعهما . وقرأ ابن يعمر: " بل مكر " بإسكان الكاف ورفع الراء وتنوينها " الليل والنهار " بنصبهما .

قوله تعالى: إذ تأمروننا أن نكفر بالله وذلك أنهم كانوا يقولون لهم: إن ديننا حق ومحمد كذاب، وأسروا الندامة وقد سبق بيانه في (يونس: 54) .

قوله تعالى: وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا إذا دخلوا جهنم غلت أيديهم إلى أعناقهم، وقالت لهم خزنة جهنم: هل تجزون إلا ما كنتم تعملون في الدنيا . قال أبو عبيدة: مجاز " هل " هاهنا مجاز الإيجاب، وليس باستفهام; والمعنى: ما تجزون إلا ما كنتم تعملون .

وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون . وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون . وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون والذين [ ص: 459 ] يسعون في آياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون . قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين

وما أرسلنا في قرية من نذير أي: نبي ينذر إلا قال مترفوها وهم أغنياؤها ورؤساؤها .

قوله تعالى: وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا . في المشار إليهم [ ص: 460 ] قولان . أحدهما: أنهم المترفون من كل أمة . والثاني: مشركو مكة، فظنوا من جهلهم أن الله خولهم المال والولد لكرامتهم عليه، فقالوا: وما نحن بمعذبين لأن الله أحسن إلينا بما أعطانا فلا يعذبنا، فأخبر أنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ; والمعنى أن بسط الرزق وتضييقه ابتلاء وامتحان، لا أن البسط يدل على رضى الله، ولا التضييق يدل على سخطه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك . ثم صرح بهذا المعنى بقوله: وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى قال الفراء: يصلح أن تقع " التي " على الأموال والأولاد جميعا، لأن الأموال جمع والأولاد جمع; وإن شئت وجهت " التي " إلى الأموال، واكتفيت بها من ذكر الأولاد; وأنشد لمرار الأسدي:


نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف


وقد شرحنا هذا في قوله: ولا ينفقونها في سبيل الله [التوبة: 34] وقال الزجاج: المعنى: وما أموالكم بالتي تقربكم، ولا أولادكم بالذين يقربونكم، فحذف اختصارا . وقرأ أبي بن كعب، والحسن، وأبو الجوزاء: " باللاتي تقربكم " . قال الأخفش: و " زلفى " هاهنا اسم مصدر، كأنه قال: تقربكم عندنا ازدلافا . وقال ابن قتيبة : " زلفى " أي: قربى ومنزلة عندنا .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 380.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 374.86 كيلو بايت... تم توفير 5.85 كيلو بايت...بمعدل (1.54%)]