|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#441
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (441) صـ 407 إلى صـ 416 عَلَى عَلِيٍّ إِذَا رَأَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يُؤْمِنُونَ، أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ وَلِشِيعَتِهِ دَارًا غَيْرَ دَارِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَالْكُفْرِ، وَيُبَايِنَهُمْ كَمَا بَايَنَ الْمُسْلِمُونَ لِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَأَصْحَابِهِ. وَهَذَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِمَكَّةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، وَمَعَ هَذَا فَكَانُوا يُبَايِنُونَ الْكُفَّارَ، وَيُظْهِرُونَ مُبَايَنَتَهُمْ بِحَيْثُ يُعْرَفُ الْمُؤْمِنُ مِنَ الْكَافِرِ، وَكَذَلِكَ هَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ مِنْهُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مَعَ ضَعْفِهِمْ، وَكَانُوا يُبَايِنُونَ النَّصَارَى، وَيَتَكَلَّمُونَ بِدِينِهِمْ قُدَّامَ النَّصَارَى. وَهَذِهِ بِلَادُ الْإِسْلَامِ مَمْلُوءَةٌ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهُمْ مُظْهِرُونَ لِدِينِهِمْ مُتَحَيِّزُونَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ كَانَ كُلُّ مَنْ يَشُكُّ [1] فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ كَافِرًا عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ عِنْدَهُمْ إِلَّا مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ الْإِمَامُ الْمَعْصُومُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ فَهُوَ مُرْتَدٌّ عِنْدَ عَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَعَلِيٌّ أَوَّلُ مَنْ بَدَّلَ الدِّينَ، وَلَمْ يُمَيِّزِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْكَافِرِينَ، وَلَا الْمُرْتَدِّينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَهَبْ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا عَنْ قِتَالِهِمْ وَإِدْخَالِهِمْ فِي طَاعَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ عَاجِزًا عَنْ مُبَايِنَتِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ أَعْجَزَ مِنَ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ هُمْ شِرْذِمَةٌ (قَلِيلَةٌ) [2] مِنْ عَسْكَرِهِ، وَالْخَوَارِجُ اتَّخَذُوا لَهُمْ دَارًا غَيْرَ دَارِ الْجَمَاعَةِ وَبَايَنُوهُمْ كَمَا [3] كَفَّرُوهُمْ، وَجَعَلُوا أَصْحَابَهُمْ [4] هُمُ الْمُؤْمِنِينَ. (1) م: مَتَى شَكَّ (2) قَلِيلَةٌ: زِيَادَةٌ فِي (م) (3) ن: لَمَّا (4) ن، م، س: أَصْحَابَهُ، وَهُوَ خَطَأٌ وَكَيْفَ كَانَ يَحِلُّ لِلْحَسَنِ [1] أَنْ يُسْلِمَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَنْ هُوَ عِنْدَهُ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ شَرٌّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، كَمَا يَدَّعُونَ فِي مُعَاوِيَةَ؟ وَهَلْ يَفْعَلُ هَذَا مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؟ وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَ بِالْكُوفَةِ، وَمُعَاوِيَةُ لَمْ يَكُنْ بَدَأَهُ بِالْقِتَالِ، وَكَانَ قَدْ طُلِبَ مِنْهُ مَا أَرَادَ فَلَوْ قَامَ مَقَامَ أَبِيهِ لَمْ يُقَاتِلْهُ مُعَاوِيَةُ، وَأَيْنَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتُ عَنْهُ فِي فَضْلِ الْحَسَنِ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» [2] ، فَإِنْ كَانَ عَلِيٌّ وَأَهْلُ بَيْتِهِ - وَالْحَسَنُ مِنْهُمْ - يَقُولُونَ: لَمْ يُصْلِحِ اللَّهُ بِهِ إِلَّا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ فَهَذَا قَدْحٌ فِي الْحَسَنِ، وَفِي جَدِّهِ الَّذِي أَثْنَى عَلَى الْحَسَنِ، [3] : لَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُهُ الرَّافِضَةُ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ الرَّافِضَةَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ قَدْحًا وَطَعْنًا فِي أَهْلِ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ عَادَوْا أَهْلَ الْبَيْتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَنَسَبُوهُمْ إِلَى أَعْظَمِ الْمُنْكَرًاتِ الَّتِي مَنْ فَعَلَهَا كَانَ مِنَ الْكُفَّارِ، وَلَيْسَ هَذَا بِبِدْعٍ مِنْ جَهْلِ الرَّافِضَةِ وَحَمَاقَاتِهِمْ. ثُمَّ إِنَّ الرَّافِضَةَ تَدَّعِي أَنَّ الْإِمَامَ الْمَعْصُومَ لُطْفٌ مِنَ اللَّهِ بِعِبَادِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَدْعَى إِلَى أَنْ يُطِيعُوهُ فَيُرْحَمُوا، وَعَلَى مَا قَالُوهُ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ نِقْمَةٌ أَعْظَمُ مِنْ عَلِيٍّ، فَإِنَّ الَّذِينَ خَالَفُوهُ وَصَارُوا مُرْتَدِّينَ كُفَّارًا، وَالَّذِينَ وَافَقُوهُ أَذِلَّاءُ مَقْهُورُونَ تَحْتَ النِّقْمَةِ لَا يَدَ وَلَا لِسَانَ، وَهُمْ مَعَ (1) م: مَتَى شَكَّ (2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/539 - 540 "" (3) إِنْ ن ذَلِكَ يَقُولُونَ إِنَّ خَلْقَهُ مَصْلَحَةٌ وَلُطْفٌ، وَإِنَّ اللَّهَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُقَهُ، وَإِنَّهُ لَا تَتِمُّ مَصْلَحَةُ الْعَالَمِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ إِلَّا بِهِ، وَأَيُّ صَلَاحٍ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الرَّافِضَةِ؟ ثُمَّ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ أَصْلَحَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِلْعِبَادِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَهُوَ يُمَكِّنُ الْخَوَارِجَ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِهِ بِدَارٍ لَهُمْ [1] فِيهَا شَوْكَةٌ، وَمِنْ قِتَالِ أَعْدَائِهِمْ، وَيَجْعَلُهُمْ هُمْ [2] وَالْأَئِمَّةَ الْمَعْصُومِينَ فِي ذُلٍّ [3] أَعْظَمَ مِنْ ذُلِّ [4] الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى [5] ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَإِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ يُمْكِنُهُمْ إِظْهَارُ دِينِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُدَّعَى أَنَّهُمْ حُجَجُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَلُطْفُهُ فِي بِلَادِهِ، وَأَنَّهُ لَا هُدَى إِلَّا بِهِمْ، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا بِطَاعَتِهِمْ، وَلَا سَعَادَةَ إِلَّا بِمُتَابَعَتِهِمْ قَدْ غَابَ خَاتِمَتُهُمْ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ [6] أَرْبَعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً [7] ، فَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ أَحَدٌ فِي دِينِهِ وَلَا دُنْيَاهُ، وَهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ إِظْهَارُ دِينِهِمْ، كَمَا تُظْهِرُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى دِينَهُمْ. وَلِهَذَا مَا زَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّفْضَ مِنْ أَحْدَاثِ الزَّنَادِقَةِ الْمَلَاحِدَةِ الَّذِينَ قَصَدُوا إِفْسَادَ الدِّينِ: دِينِ الْإِسْلَامِ، {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} ، فَإِنَّ مُنْتَهَى أَمْرِهِمْ تَكْفِيرُ عَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، بَعْدَ أَنْ كَفَّرُوا الصَّحَابَةَ (وَالْجُمْهُورَ) [8] (1) م: بِدَارِهِمْ لَهُمْ (2) س، ب: وَيَجْعَلُوهُمْ (3) ن، م، س: فِي ذَلِكَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (4) م: مِنْ دَارِ (5) ب: وَالنُّصَّارِ، وَهُوَ خَطَأٌ مَطْبَعِيٌّ (6) أَكْثَرِ مِنْ سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (7) ن، س، ب: أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً (8) وَالْجُمْهُورَ: زِيَادَةٌ فِي (م) . وَلِهَذَا كَانَ صَاحِبُ دَعْوَى الْبَاطِنِيَّةِ الْمَلَاحِدَةِ رَتَّبَ دَعْوَتَهُ مَرَاتِبَ: أَوَّلُ مَا يَدْعُو الْمُسْتَجِيبَ إِلَى التَّشَيُّعِ، ثُمَّ إِذَا طَمِعَ فِيهِ قَالَ لَهُ: عَلِيٌّ مِثْلُ النَّاسِ، وَدَعَاهُ إِلَى الْقَدْحِ فِي عَلِيٍّ أَيْضًا، ثُمَّ إِذَا طَمِعَ فِيهِ دَعَاهُ إِلَى الْقَدْحِ فِي الرَّسُولِ، ثُمَّ إِذَا طَمِعَ فِيهِ [1] دَعَاهُ إِلَى إِنْكَارِ الصَّانِعِ، هَكَذَا [2] تَرْتِيبُ كِتَابِهِمُ الَّذِي يُسَمُّونَهُ "الْبَلَاغَ الْأَكْبَرَ" ، وَ "النَّامُوسَ الْأَعْظَمَ" ، وَوَاضِعُهُ الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ إِلَى الْقَرْمَطِيِّ الْخَارِجِ بِالْبَحْرَيْنِ لَمَّا اسْتَوْلَى عَلَى مَكَّةَ، وَقَتَلُوا الْحُجَّاجَ، وَأَخَذُوا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، وَاسْتَحَلُّوا الْمَحَارِمَ، وَأَسْقَطُوا الْفَرَائِضَ، وَسِيرَتُهُمْ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَكَيْفَ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَبْغُضُ عَلِيًّا مَاتَ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَالْخَوَارِجُ كُلُّهُمْ تُكَفِّرُهُ وَتَبْغُضُهُ؟ ! وَهُوَ نَفْسُهُ لَمْ يَكُنْ يَجْعَلُهُمْ مِثْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، بَلْ يَجْعَلُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَيَحْكُمُ فِيهِمْ بِغَيْرِ مَا يَحْكُمُ بِهِ [3] بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ يَسُبُّهُ وَيَبْغُضُهُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَأَتْبَاعِهِمْ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ وَيَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ وَيَحُجُّ الْبَيْتَ وَيُؤَدِّي الزَّكَاةَ مِثْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؟ ! وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ [4] خَفِيَ عَلَيْهِ كَوْنُ هَذَا إِمَامًا، أَوْ عَصَاهُ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ. وَكُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّ أَهْلَ الدِّينِ وَالْجُمْهُورَ لَيْسَ لَهُمْ غَرَضٌ مَعَ عَلِيٍّ، وَلَا لِأَحَدٍ مِنْهُمْ غَرَضٌ فِي تَكْذِيبِ الرَّسُولِ، وَأَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا أَنَّ الرَّسُولَ جَعَلَهُ إِمَامًا كَانُوا أَسْبَقَ النَّاسِ إِلَى التَّصْدِيقِ بِذَلِكَ. (1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (2) س، ب: هَذَا (3) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (4) قَدْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) وَغَايَةُ مَا يُقَدَّرُ أَنَّهُمْ خَفِيَ عَلَيْهِمْ هَذَا الْحُكْمُ فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ جُزْءٌ مِنَ الدِّينِ مِثْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؟ ! وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا الْكَلَامَ فِي التَّكْفِيرِ، بَلِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّهَا كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهَا مُنَاقِضَةٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ تَكْفِيرَ عَلِيٍّ، وَتَكْفِيرَ مَنْ خَالَفَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهَا مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ إِضَافَتُهَا - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنْ أَعْظَمِ الْقَدْحِ وَالطَّعْنِ فِيهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا فِعْلُ زِنْدِيقٍ مُلْحِدٍ لِقَصْدِ [1] إِفْسَادِ دِينِ الْإِسْلَامِ فَلَعَنَ اللَّهُ مَنِ افْتَرَاهَا، وَحَسْبُهُ مَا وَعَدَهُ بِهِ الرَّسُولُ حَيْثُ قَالَ: "«مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»" [2] . [قول الرافضي إنه يجب الأخذ بالأحاديث ويحرم العدول عنها] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [3] : "قَالَتِ الْإِمَامِيَّةُ إِذَا رَأَيْنَا الْمُخَالِفَ لَنَا يُورِدُ مِثْلَ [4] هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَنَقَلْنَا نَحْنُ أَضْعَافَهَا عَنْ رِجَالِنَا الثِّقَاتِ، وَجَبَ عَلَيْنَا الْمَصِيرُ إِلَيْهَا، وَحُرِّمَ الْعُدُولُ عَنْهَا" . وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: لَا رَيْبَ أَنَّ رِجَالَكُمُ الَّذِينَ وَثَّقْتُمُوهُمْ غَايَتُهُمْ أَنْ يَكُونُوا مَنْ جِنْسِ مَنْ يَرْوِي هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مِنَ الْجُمْهُورِ، فَإِذَا كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ (1) س، ب: يَقْصِدُ (2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْجُزْءِ قَبْلَ صَفَحَاتٍ (3) فِي (ك) ص 173 (م) (4) مِثْلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) يَعْلَمُونَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ هَؤُلَاءِ كَذَّابُونَ، وَأَنْتُمْ أَكْذَبُ مِنْهُمْ وَأَجْهَلُ، حَرُمَ عَلَيْكُمُ الْعَمَلُ بِهَا، وَالْقَضَاءُ بِمُوجَبِهَا، وَالِاعْتِرَاضُ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ لِهَؤُلَاءِ الشِّيعَةِ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ الَّذِينَ نَقَلُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فِي الزَّمَانِ الْقَدِيمِ ثِقَاتٌ، وَأَنْتُمْ لَمْ تُدْرِكُوهُمْ وَلَمْ تَعْلَمُوا أَحْوَالَهُمْ، وَلَا لَكُمْ كُتُبٌ مُصَنَّفَةٌ تَعْتَمِدُونَ عَلَيْهَا فِي أَخْبَارِهِمُ الَّتِي يُمَيَّزُ بِهَا بَيْنَ الثِّقَةِ وَغَيْرِهِ، وَلَا لَكُمْ أَسَانِيدُ تَعْرِفُونَ رِجَالَهَا، بَلْ عِلْمُكُمْ بِكَثِيرٍ مِمَّا فِي أَيْدِيكُمْ شَرٌّ مِنْ عِلْمِ كَثِيرٍ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ، بَلْ أُولَئِكَ مَعَهُمْ كُتُبٌ وَضَعَهَا لَهُمْ هِلَالٌ وَشَمَّاسٌ [1] . . .، وَلَيْسَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ مَا يُعَارِضُهَا. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ دَائِمًا يَقْدَحُونَ فِي رِوَايَتِكُمْ، وَيُبَيِّنُونَ [2] كَذِبَكُمْ، وَأَنْتُمْ لَيْسَ لَكُمْ عِلْمٌ بِحَالِهِمْ، ثُمَّ قَدْ عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ حَجْبُهُ [3] كَثْرَةُ الْكَذِبِ، وَظُهُورُهُ فِي الشِّيعَةِ مِنْ زَمَنِ عَلِيٍّ وَإِلَى الْيَوْمِ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ يَبْغُضُونَ الْخَوَارِجَ وَيَرْوُونَ فِيهِمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً صَحِيحَةً، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ (1) هِلَالٌ وَشَمَّاسٌ: كَذَا فِي كُلِّ الْأُصُولِ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي "الْفِصَلِ" 2/222: "وَمِنَ النَّوْعِ كَثِيرٌ مِنْ نَقْلِ الْيَهُودِ، بَلْ هُوَ أَعْلَى مَا عِنْدَهُمْ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يَقْرَبُونَ فِيهِ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَقُرْبِنَا فِيهِ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ يَقِفُونَ وَلَا بُدَّ حَيْثُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَزْيَدُ مِنْ ثَلَاثِينَ عَصْرًا، مِنْ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَإِنَّمَا يَبْلُغُونَ بِالنَّقْلِ إِلَى هِلَالٍ وَشَمَّايْ (فِي نُسْخَتَيْنِ: وَشَمَّانِي) وَشَمْعُونَ وَمَرْعَقِيبَا وَأَمْثَالِهِمْ" (2) م: وَيُثْبِتُونَ (3) م، س: لَا يُمْكِنُ حُجَّةً ; ب: لَا تُنْكَرُ حُجَّتُهُ بَعْضَهَا، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَشَرَةً مِنْهَا، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ مُتَدَيِّنُونَ بِمَا صَحَّ عِنْدَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَحْمِلْهُمْ [1] بُغْضُهُمْ لِلْخَوَارِجِ [2] عَلَى الْكَذِبِ عَلَيْهِمْ، بَلْ جَرَّبُوهُمْ فَوَجَدُوهُمْ صَادِقِينَ، وَأَنْتُمْ يَشْهَدُ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ، وَالْفُقَهَاءُ، وَالْمُسْلِمُونَ، وَالتُّجَّارُ، وَالْعَامَّةُ، وَالْجُنْدُ، وَكُلُّ مَنْ عَاشَرَكُمْ وَجَرَّبَكُمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّ طَائِفَتَكُمْ أَكْذَبُ الطَّوَائِفِ، وَإِذَا وُجِدَ فِيهَا صَادِقٌ فَالصَّادِقُ فِي غَيْرِهَا أَكْثَرُ، وَإِذَا وُجِدَ فِي غَيْرِهَا كَاذِبٌ فَالْكَاذِبُ فِيهَا أَكْثَرُ. وَلَا يَخْفَى هَذَا عَلَى عَاقِلٍ مُنْصِفٍ، وَأَمَّا مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ فَقَدْ أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ أَقْوَالِهِمْ حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: الدِّينُ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ، وَالْكَذِبُ لِلرَّافِضَةِ، وَالْكَلَامُ لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَالْحِيَلُ لِأَهْلِ الرَّأْيِ أَصْحَابِ فُلَانٍ، وَسُوءُ التَّدْبِيرِ لِآلِ أَبِي فُلَانٍ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ الدِّينَ هُوَ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْلَمُ النَّاسِ (بِهِ) [3] أَعْلَمُهُمْ بِحَدِيثِهِ وَسُنَّتِهِ، وَأَمَّا الْكَلَامُ فَأَشْهَرُ الطَّوَائِفِ بِهِ هُمُ الْمُعْتَزِلَةُ، وَلِهَذَا كَانُوا أَشْهَرَ الطَّوَائِفِ بِالْبِدَعِ عِنْدَ الْخَاصَّةِ. وَأَمَّا الرَّافِضَةُ فَهُمُ الْمَعْرُوفُونَ بِالْبِدْعَةِ [4] عِنْدَ [5] الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ حَتَّى أَنَّ أَكْثَرَ الْعَامَّةِ لَا تَعْرِفُ فِي مُقَابَلَةِ الشَّيْءِ إِلَّا الرَّافِضِيَّ [6] . [7] "لِظُهُورِ" (1) ن، س: فَلَا يَحْمِلُهُمْ (2) س، ب: مَعَ الْخَوَارِجِ (3) بِهِ: زِيَادَةٌ فِي (ب) (4) ب: بِالْكَذِبِ (5) سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) . وَمَكَانُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي (س) كَلِمَةِ "الْخَاصَّةِ" وَفِي (ب) : "الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ" (6) سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (7) وَمَكَانُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي (س) كَلِمَةُ "الْخَاصَّةِ" وَفِي (ب) : "الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ" مُنَاقَضَتِهِمْ لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ [1] . (1) [2] فَهُمْ عَيْنٌ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ حَتَّى الطَّوَائِفُ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ مِنِ الْخِبْرَةِ بِدِينِ الرَّسُولِ مَا لِغَيْرِهِمْ إِذَا قَالَتْ لَهُمُ الرَّافِضَةُ: "نَحْنُ مُسْلِمُونَ" يَقُولُونَ: أَنْتُمْ جِنْسٌ آخَرُ. وَلِهَذَا الرَّافِضَةُ يُوَالُونَ أَعْدَاءَ الدِّينِ الَّذِينَ يِعْرِفُ كُلُّ أَحَدٍ مُعَادَاتَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ: مُشْرِكِي التَّرْكِ، وَيُعَادُونَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الَّذِينَ هُمْ خِيَارُ أَهْلِ الدِّينِ، وَسَادَاتُ الْمُتَّقِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ أَقَامُوهُ وَبَلَّغُوهُ وَنَصَرُوهُ. وَلِهَذَا كَانَ الرَّافِضَةُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي دُخُولِ التُّرْكِ الْكُفَّارِ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا قِصَّةُ الْوَزِيرِ ابْنِ الْعَلْقَمِيِّ وَغَيْرِهِ، كَالنَّصِيرِ الطُّوسِيِّ مَعَ الْكُفَّارِ، وَمُمَالَأَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ - فَقَدْ عَرَفَهَا الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِالشَّامِ: ظَاهَرُوا الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَعَاوَنُوهُمْ مُعَاوَنَةً عَرَفَهَا النَّاسُ. وَكَذَلِكَ لَمَّا انْكَسَرَ عَسْكَرُ الْمُسْلِمِينَ، لَمَّا قَدِمَ غَازَانُ، ظَاهَرُوا الْكُفَّارَ النَّصَارَى، وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَعْدَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَبَاعُوهُمْ أَوْلَادَ الْمُسْلِمِينَ - بَيْعَ الْعَبِيدِ - وَأَمْوَالَهَمْ، وَحَارَبُوا الْمُسْلِمِينَ مُحَارَبَةً ظَاهِرَةً، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ رَايَةَ الصَّلِيبِ. وَهُمْ كَانُوا مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي اسْتِيلَاءِ النَّصَارَى قَدِيمًا عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى اسْتَنْقَذَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ. (1) س، ب: عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ (2) ب: يُعْرَفُ وَقَدْ دَخَلَ فِيهِمْ أَعْظَمُ النَّاسِ نِفَاقًا مِنَ النَّصِيرِيةِ، وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ، مِمَّنْ هُوَ أَعْظَمُ كُفْرًا فِي الْبَاطِنِ، وَمُعَادَاةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. فَهَذِهِ الْأُمُورُ وَأَمْثَالُهَا مِمَّا هِيَ ظَاهِرَةٌ مَشْهُورَةٌ يَعْرِفُهَا الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ تُوجِبُ ظُهُورَ مُبَايَنَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَمُفَارَقَتِهِمْ لِلدِّينِ، وَدُخُولِهِمْ فِي زُمْرَةِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ حَتَّى يَعُدُّهُمْ مَنْ رَأَى أَحْوَالَهُمْ جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ جِنْسِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ دِينَ الْإِسْلَامِ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا هُمُ الْجُمْهُورُ، وَالرَّافِضَةُ لَيْسَ لَهُمْ سَعْيٌ إِلَّا فِي هَدْمِ الْإِسْلَامِ، وَنَقْضِ عُرَاهُ، وَإِفْسَادِ قَوَاعِدِهِ، وَالْقَدْرُ الَّذِي عِنْدَهُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ إِنَّمَا قَامَ بِسَبَبِ قِيَامِ الْجُمْهُورِ بِهِ. وَلِهَذَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهِمْ قَلِيلَةٌ، وَمَنْ يَحْفَظُهُ حِفْظًا جَيِّدًا، فَإِنَّمَا تَعَلَّمَهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ إِنَّمَا يَعْرِفُهُ [1] وَيَصْدُقُ فِيهِ، وَيُؤْخَذُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ الْفِقْهُ، وَالْعِبَادَةُ، وَالزُّهْدُ، وَالْجِهَادُ، وَالْقِتَالُ إِنَّمَا هُوَ لِعَسَاكِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُمُ الَّذِينَ حَفِظَ اللَّهُ بِهِمُ الدِّينَ عِلْمًا وَعَمَلًا، بِعُلَمَائِهِمْ، وَعُبَّادِهِمْ، وَمُقَاتِلِيهِمْ [2] وَالرَّافِضَةُ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِدِينِ الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ مِنْهُمْ شَيْءٌ يُخْتَصُّ بِهِ [3] إِلَّا مَا يَسُرُّ عَدُوَّ الْإِسْلَامِ، وَيَسُوءُ وَلِيَّهُ فَأَيَّامُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ (1) ب: يَعْرِفُ (2) ن، س: وَمُقَابَلَتِهِمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ; ب: وَمُقَاتِلِهِمْ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) وَالْكَلِمَةُ فِيهَا غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ. (3) ن، م، س: يُخْتَصُّونَ بِهِ كُلُّهَا سُودٌ، وَأَعْرَفُ النَّاسِ بِعُيُوبِهِمْ وَمَمَادِحِهِمْ [1] أَهْلُ السُّنَّةِ لَا تَزَالُ تَطَّلِعُ مِنْهُمْ عَلَى أُمُورٍ غَيْرِهَا عَرَفَتْهَا [2] ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْيَهُودِ: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 13) . وَلَوْ ذَكَرْتُ بَعْضَ مَا عَرَفْتُهُ مِنْهُمْ بِالْمُبَاشَرَةِ وَنَقْلِ الثِّقَاتِ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي كُتُبِهِمْ - لَاحْتَاجَ ذَلِكَ إِلَى كِتَابٍ كَبِيرٍ. وَهُمُ الْغَايَةُ فِي الْجَهْلِ وَقِلَّةِ الْعَقْلِ، يَبْغُضُونَ مِنَ الْأُمُورِ مَا لَا فَائِدَةَ لَهُمْ فِي بُغْضِهِ، وَيَفْعَلُونَ مِنَ الْأُمُورِ مَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُمْ فِيهِ إِذَا قُدِّرَ أَنَّهُمْ عَلَى حَقٍّ، مِثْلُ نَتْفِ النَّعْجَةِ، حَتَّى كَأَنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا ثَأْرًا كَأَنَّهُمْ يَنْتِفُونَ عَائِشَةَ، وَشَقِّ جَوْفِ الْكَبْشِ [3] "كَأَنَّهُمْ يَشُقُّونَ جَوْفَ عُمَرَ، فَهَلْ فَعَلَ هَذَا أَحَدٌ مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ بِعَدُوِّهِ غَيْرُهُمْ؟ !" وَلَوْ كَانَ مِثْلُ هَذَا مَشْرُوعًا لَكَانَ بِأَبِي جَهْلٍ وَأَمْثَالِهِ أَوْلَى. [4] وَمِثْلُ كَرَاهَتِهِمْ لِلَفْظِ الْعِشَرَةِ لِبُغْضِهِمْ لِلرِّجَالِ الْعَشَرَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ لَفْظَ الْعَشَرَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ: {وَالْفَجْرِ - وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (سُورَةُ الْفَجْرَ: 1، 2) ، وَقَوْلِهِ: {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} (سُورَةُ الْأَعْرَافِ: 142) ، {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 196) . (1) ن، م، س: وَمَمَادِحِ (2) ن، م، س: عَلَى أُمُورِهَا غَيْرِهَا عَرَفَهَا ; ب: عَلَى أُمُورٍ غَيْرِ مَا عَرَفَتْهَا. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ (3) الْكَبْشِ: كَذَا فِي (ب) وَلَعَلَّهُ الصَّوَابُ. وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: الْحِلْسِ، وَهُوَ مَا يُغَطَّى بِهِ ظَهْرُ الْبَعِيرِ وَالدَّابَّةِ. وَفِي "اللِّسَانِ" "الْحِلْسُ وَالْحَلْسُ. . . كُلُّ شَيْءٍ وَلِيَ ظَهْرَ الْبَعِيرِ وَالدَّابَّةِ تَحْتَ الرِّجْلِ وَالْقَتَبِ وَالسَّرْجِ، بِمَنْزِلَةِ الْمِرْشَحَةِ تَكُونُ تَحْتَ اللُّبَدِ، وَقِيلَ: هُوَ كِسَاءٌ رَقِيقٌ يَكُونُ تَحْتَ الْبَرْذَعَةِ، وَالْجَمْعُ أَحْلَاسٌ وَحُلُوسٌ" (4) أَوْلَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)
__________________
|
#442
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (442) صـ 417 إلى صـ 426 وَأَمَّا التِّسْعَةُ فَذَكَرَهَا فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ، كَقَوْلِهِ: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} (سُورَةِ النَّمْلِ: 48) ، فَهَلْ كَرِهَ الْمُسْلِمُونَ التَّكَلُّمَ بِلَفْظِ التِّسْعَةِ: [1] لِأَجْلِ أُولَئِكَ التِّسْعَةِ، وَهُمْ يَخْتَارُونَ التَّكَلُّمَ بِلَفْظِ التِّسْعَةِ: [2] عَلَى لَفْظِ الْعَشَرَةِ؟ ! وَكَذَلِكَ كَرَاهِيَتُهُمْ لِأَسَامٍ سُمِّيَ بِهَا مَنْ يُبْغِضُونَهُ، وَقَدْ كَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ تَسَمَّى بِأَسْمَاءٍ تَسَمَّى بِهَا عَدُوُّ الْإِسْلَامِ مِثْلُ الْوَلِيدِ الَّذِي هُوَ الْوَحِيدُ، وَكَانَ ابْنُهُ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَاسْمُهُ الْوَلِيدُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ: "«اللَّهُمَّ نَجِّ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ»" كَمَا رَوَاهُ أَهْلُ الصَّحِيحَيْنِ [3] وَمِثْلُ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ الَّذِي قَتَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ [4] وَغَيْرُهُ، وَمِثْلُ عَمْرِو بْنِ وُدٍّ (الْعَامِرِيُّ) [5] ، وَفِي الصَّحَابَةِ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ. وَلَمْ يُغَيِّرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لِكَوْنِ كَافِرٍ سُمِّيَ بِهِ. فَلَوْ قُدِّرَ كُفْرُ مَنْ يُبْغِضُونَهُ لَكَانَ كَرَاهَتُهُمْ لِمِثْلِ أَسْمَائِهِمْ فِي غَايَةِ الْجَهْلِ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُوهُمْ بِهَا. وَيُقَالُ لَهُمْ: كُلُّ مَنْ جَرَّبَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ الْجُمْهُورَ عَلِمَ أَنَّهُمْ (1) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (2) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (3) س، ب: فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَسَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/41. (4) س، ب: أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ: وَهُوَ خَطَأٌ. وَفِي "الْإِصَابَةِ" 1/31 أُبَيُّ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ ثَوْرٍ الْمُزَنِيُّ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيُّ (5) الْعَامِرِيُّ: زِيَادَةٌ فِي (م) لَا يَرْضَوْنَ بِالْكَذِبِ وَلَوْ وَافَقَ أَغْرَاضَهُمْ، فَكَمْ [1] يَرْوُونَ لَهُمْ فِي فَضَائِلِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهَا أَحَادِيثَ بِأَسَانِيدَ خَيْرٍ مِنْ أَسَانِيدِ الشِّيعَةِ، وَيَرْوِيهَا مِثْلُ أَبِي نُعَيْمٍ، وَالثَّعْلَبِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ النَّقَّاشِ، وَالْأَهْوَازِيِّ، وَابْنِ عَسَاكِرَ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَلَا يَقْبَلُ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ مِنْهَا شَيْئًا! بَلْ إِذَا كَانَ الرَّاوِي عِنْدَهُمْ مَجْهُولًا تَوَقَّفُوا فِي رِوَايَتِهِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ مَعَاشِرَ الرَّافِضَةِ فَقَدْ رَأَيْنَاكُمْ تَقْبَلُونَ كُلَّ مَا يُوَافِقُ [2] رَأْيَكُمْ وَأَهْوَاءَكُمْ، لَا تَرُدُّونَ غَثًّا وَلَا سَمِينًا. وَيُقَالُ لَكُمْ: إِذَا كَانَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ صِدْقَهُ وَعِلْمَهُ، وَأَنْتُمْ مِمَّنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ، أَحَادِيثُ مُتَلَقَّاةٌ بِالْقَبُولِ، بَلْ مُتَوَاتِرَةٌ تُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ الَّذِي لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ عَنِ الْقَلْبِ، تُنَاقِضُ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ الَّتِي رَوَاهَا طَائِفَةٌ مَجْهُولَةٌ، أَوْ مَعْرُوفَةٌ بِالْكَذِبِ مِنْكُمْ وَمِنَ الْجُمْهُورِ، فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَدْفَعَ [3] النَّاسُ مَا عَلِمُوهُ بِالضَّرُورَةِ، وَمَا عَلِمُوهُ مُسْتَفِيضًا [4] بِنَقْلِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ الَّذِينَ يُعْرَفُ صِدْقُهُمْ وَضَبْطُهُمْ، هَلْ يُمْكِنُ دَفْعُ هَذَا بِمِثْلِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمُسَيَّبَةِ الَّتِي لَا زِمَامَ لَهَا وَلَا خِطَامَ؟ ! وَلَوْ رَوَى رَجُلٌ أَنَّ الصَّلَوَاتِ [5] كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ، وَأَنَّ الصَّوْمَ الْوَاجِبَ شَهْرَانِ، وَأَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَجَّ بَيْتٍ آخَرَ، هَلْ كَانَ الطَّرِيقُ إِلَى تَكْذِيبِ هَذَا إِلَّا مِنْ جِنْسِ الطَّرِيقِ إِلَى تَكْذِيبِهِمْ؟ ! وَقَدْ نَبَّهْنَا فِي هَذَا الرَّدِّ عَلَى طُرُقٍ مِمَّا بِهِ يُعْلَمُ كَذِبُ مَا يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ (1) ن، م، س: فَلَمْ (2) ن، س، ب: يُقَابِلُ (3) ن، س، ب: أَنْ يَدَعَ (4) س، ب: مُسْتَفَادًا (5) س، ب: الصَّلَاةَ غَيْرِ طُرُقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَبَيَّنَّا كَذِبَهُمْ: تَارَةً بِالْعَقْلِ، وَتَارَةً بِمَا عُلِمَ بِالْقُرْآنِ، وَتَارَةً بِمَا عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ، وَتَارَةً بِمَا أَجْمَعَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَيْهِ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَخْبَارَ الْمُخَالِفَةَ لِلْقُرْآنِ وَالتَّوَاتُرِ وَالْإِجْمَاعِ، وَالْمُخَالِفَةَ لِلْعَقْلِ يُعْلَمُ بُطْلَانُهَا، وَهَذَا مِنْ [1] جُمْلَةِ الطُّرُقِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا طُرُقُ مَا يُنَاقِضُونَ بِهِ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ الْأَخْبَارِ، وَهُمْ لَا يَعْتَمِدُونَ فِي أَدِلَّتِهِمْ إِلَّا عَلَى أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إِمَّا نَقْلٌ كَاذِبٌ، وَإِمَّا دَلَالَةٌ مُجْمَلَةٌ مُشَبَّهَةٌ [2] ، وَإِمَّا قِيَاسٌ فَاسِدٌ، وَهَذَا حَالُ كُلِّ مَنِ احْتَجَّ بِحُجَّةٍ فَاسِدَةٍ نَسَبَهَا إِلَى الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ عُمْدَتَهُ إِمَّا نَصٌّ، وَإِمَّا قِيَاسٌ، وَالنَّصُّ يَحْتَاجُ إِلَى صِحَّةِ الْإِسْنَادِ، وَدَلَالَةِ الْمَتْنِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ ثَابِتًا عَنِ الرَّسُولِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دَالًّا [3] عَلَى الْمَطْلُوبِ. وَالْحُجَجُ الْبَاطِلَةُ السَّمْعِيَّةُ إِمَّا نَقْلٌ كَاذِبٌ، وَإِمَّا نَقْلٌ صَحِيحٌ لَا يَدُلُّ، وَإِمَّا قِيَاسٌ فَاسِدٌ، وَلَيْسَ لِلرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ حُجَّةٌ سَمْعِيَّةٌ إِلَّا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، وَقَوْلُنَا: "نَقْلٌ" يَدْخُلُ فِيهِ كَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَكَلَامُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ عِنْدَ مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ، فَإِنَّ الرَّافِضَةَ لَا تَحْتَجُّ بِالْإِجْمَاعِ. وَالْأَفْعَالُ وَالْإِقْرَارُ وَالْإِمْسَاكُ يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ. [فصل لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ خَبِيرًا بِالْمَنْقُولَاتِ وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا وَصَوَابِهَا وَخَطَئِهَا] فَصْلٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ خَبِيرًا بِالْمَنْقُولَاتِ (1) ب: هَذَا وَمِنْ (2) مُشَبَّهَةٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (3) ن، س: ثَابِتًا دَالًّا وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا، وَصَوَابِهَا وَخَطَئِهَا، فَضْلًا عَنِ الْعَامَّةِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْهُ صِدْقٌ وَمِنْهُ كَذِبٌ، وَلَيْسَ لَهُمْ خِبْرَةُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ، فَهَؤُلَاءِ يَحْتَاجُونَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ إِلَى طُرُقٍ أُخْرَى. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى، أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى، الَّذِي أَخْرَجَ النَّاسَ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا، وَجَعَلَ لَهُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ، يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ [1] مِنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي تُبَيِّنُ لَهُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالصِّدْقَ مِنَ الْكَذِبِ. كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِلَهِيِّ: "«يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ»" [2] وَلِهَذَا تَنَوَّعَتِ الطُّرُقُ الَّتِي بِهَا يُعْلَمُ الصِّدْقُ مِنَ الْكَذِبِ حَتَّى فِي أَخْبَارِ الْمُخْبِرِ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ [3] رَسُولُ اللَّهِ، وَهُوَ دَعْوَى النُّبُوَّةِ. فَالطُّرُقُ [4] الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا صِدْقُ الصَّادِقِ، وَكَذِبُ الْمُتَنَبِّئِ الْكَذَّابِ كَثِيرَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ، كَمَا قَدْ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ [5] فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ مَا يُعْلَمُ بِهِ صِدْقُ الْمَنْقُولِ عَنِ الرَّسُولِ وَكَذِبُهُ يَتَعَدَّدُ وَيَتَنَوَّعُ، وَكَذَلِكَ مَا بِهِ يُعْلَمُ صِدْقُ الَّذِينَ حَمَلُوا الْعِلْمَ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ صِدْقَ مِثْلِ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَيَحْيَى (1) ن: م، س: لَهُمْ (2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/139 140. (3) س، ب: أَنَّهُ (4) ن، س، ب: فَالطَّرِيقُ (5) ب: عَلَيْهَا بْنِ سَعِيدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ عِلْمًا يَقِينًا، يَجْزِمُونَ بِأَنَّهُمْ لَا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ فِي الْحَدِيثِ، وَيَعْلَمُونَ كَذِبَ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَصْلُوبِ، وَأَبِي الْبَخْتَرِيِّ الْقَاضِي [1] ، وَأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُوِيبَارِيِّ، وَعَتَّابِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَتَّابٍ، وَأَبِي دَاوُدَ النَّخَعِيِّ، وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَتَعَمَّدُونَ [2] الْكَذِبَ. وَأَمَّا الْخَطَأُ فَلَا يُعْصَمُ مِنَ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ إِلَّا نَبِيٌّ، لَكِنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ أَنَّ مِثْلَ الزُّهْرِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ غَلَطًا فِي أَشْيَاءَ خَفِيفَةٍ لَا تَقْدَحُ فِي مَقْصُودِ الْحَدِيثِ، وَيَعْرِفُونَ رِجَالًا دُونَ هَؤُلَاءِ يَغْلَطُونَ أَحْيَانًا، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِمُ الْحِفْظُ وَالضَّبْطُ، وَلَهُمْ دَلَائِلُ يَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى غَلَطِ الْغَالِطِ. وَدُونَ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَثِيرٌ غَلَطُهُمْ، فَهَؤُلَاءِ لَا يَحْتَجُّونَ بِهِمْ إِذَا انْفَرَدُوا، لَكِنْ يَعْتَبِرُونَ بِحَدِيثِهِمْ وَيَسْتَشْهِدُونَ بِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ فِيمَا رَوَوْهُ: هَلْ رَوَاهُ غَيْرُهُمْ؟ فَإِذَا تَعَدَّدَتِ الطُّرُقُ وَاللَّفْظُ وَاحِدٌ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَوَاطَئُوا، وَلَا يُمْكِنْ فِي الْعَادَةِ اتِّفَاقُ الْخَطَأِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ كَانَ هَذَا مِمَّا يَدُلُّهُمْ عَلَى صِدْقِ الْحَدِيثِ. وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: أَكْتُبُ حَدِيثَ الرَّجُلِ لِأَعْتَبِرَ بِهِ، مِثْلَ ابْنِ لَهِيعَةَ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ عَالِمًا دَيِّنًا قَاضِيًا لَكِنِ احْتَرَقَتْ كُتُبُهُ فَصَارَ يُحَدِّثُ بَعْدَ (1) ن، س: وَأَبِي الْبَحْرِيِّ (بِدُونِ نَقْطٍ) الْقَاضِي ; م: وَأَبِي الْآخَرِ الْقَاضِي. وَهُوَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ وَهْبُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كَبِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 200، مُتَّهَمٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: لِسَانِ الْمِيزَانِ 6/231 ; مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 3/278، الْوَفِيَّاتِ 5/90 \ 94 ; تَارِيخِ بَغْدَادَ 13/451 457 ; الْأَعْلَامِ 9/150 (2) م: أَنَّهُمْ لَا يَعْتَمِدُونَ، وَهُوَ خَطَأٌ ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ دَخَلَ [1] فِيهَا غَلَطٌ لَكِنَّ أَكْثَرَ ذَلِكَ صَحِيحٌ يُوَافِقُهُ عَلَيْهَا الثِّقَاتُ كَاللَّيْثِ وَأَمْثَالِهِ. وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ صِدْقَ مُتُونِ الصَّحِيحَيْنِ، وَيَعْلَمُونَ كَذِبَ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ الَّتِي يَجْزِمُونَ بِأَنَّهَا كَذِبٌ بِأَسْبَابٍ عَرَفُوا بِهَا ذَلِكَ، مَنْ شَرِكَهُمْ فِيهَا عَلِمَ مَا عَلِمُوهُ، وَمَنْ لَمْ يَشْرَكْهُمْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ، كَمَا أَنَّ الشُّهُودَ الَّذِينَ يَتَحَمَّلُونَ الشَّهَادَةَ، وَيُؤَدُّونَهَا يَعْرِفُ مَنْ جَرَّبَهُمْ وَخَبَرَهُمْ (صِدْقَ) صَادِقِهِمْ وَ (كَذِبَ) كَاذِبِهِمْ [2] وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْمُعَامَلَاتِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ يَعْلَمُ مَنْ جَرَّبَهُمْ وَخَبَرَهُمْ صَادِقَهُمْ وَكَاذِبَهُمْ، وَأَمِينَهُمْ وَخَائِنَهُمْ، وَكَذَلِكَ الْأَخْبَارُ قَدْ يَعْلَمُ النَّاسُ صِدْقَ بَعْضِهَا، وَكَذِبَ بَعْضِهَا، وَيَشُكُّونَ فِي بَعْضِهَا. وَبَابُ الْمَعْرِفَةِ بِأَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَوْحِيدٍ، وَأَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَوَعْدٍ وَوَعِيدٍ، وَفَضَائِلَ لِأَعْمَالٍ أَوْ لِأَقْوَامٍ [3] ، أَوْ أَمْكِنَةٍ أَوْ أَزْمِنَةٍ [4] ، وَمَثَالِبَ لِمِثْلِ ذَلِكَ، أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِحَدِيثِهِ الَّذِينَ اجْتَهَدُوا فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَطَلَبِهِ مِنْ وُجُوهِهِ، وَعَلِمُوا أَحْوَالَ نَقَلَةِ ذَلِكَ، وَأَحْوَالَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَجَمَعُوا بَيْنَ رِوَايَةِ هَذَا وَهَذَا وَهَذَا، فَعَلِمُوا صِدْقَ الصَّادِقِ، وَغَلَطَ الْغَالِطِ، وَكَذِبَ الْكَاذِبِ. وَهَذَا عِلْمٌ أَقَامَ اللَّهُ لَهُ مَنْ حَفِظَ بِهِ [5] عَلَى الْأُمَّةِ مَا حَفِظَ مِنْ دِينِهَا، وَغَيْرُ (1) س، ب: صَارَ (2) ن، م:. . وَخَبَرَهُمْ صَادِقَهُمْ وَكَاذِبَهُمْ. (3) م: الْأَعْمَالِ أَوِ الْأَقْوَامِ (4) ن، م: وَأَزْمِنَةٍ (5) م: مِنْ حَفَظَتِهِ هَؤُلَاءِ لَهُمْ تَبَعٌ [1] فِيهِ: إِمَّا مُسْتَدِلٌّ بِهِمْ، وَإِمَّا مُقَلِّدٌ لَهُمْ. كَمَا أَنَّ الِاجْتِهَادَ فِي الْأَحْكَامِ أَقَامَ اللَّهُ لَهُ رِجَالًا اجْتَهَدُوا فِيهِ حَتَّى حَفِظَ اللَّهُ بِهِمْ عَلَى الْأُمَّةِ مَا حَفِظَ مِنَ الدِّينِ، وَغَيْرُهُمْ لَهُمْ [2] تَبَعٌ فِيهِ: إِمَّا مُسْتَدِلٌّ بِهِمْ، وَإِمَّا مُقَلِّدٌ لَهُمْ. مِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّ خَوَاصَّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ بِهِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُمْ فِي الِاخْتِصَاصِ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِلَالٍ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، وَسَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَحُذَيْفَةَ، وَأَبِي طَلْحَةَ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ: هُمْ أَكْثَرُ اخْتِصَاصًا بِهِ مِمَّنْ لَيْسَ مِثْلَهُمْ، لَكِنْ قَدْ يَكُونُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَحْفَظَ وَأَفْقَهَ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَطْوَلَ صُحْبَةً، وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا أَخَذَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنَ الْعِلْمِ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ عَنْ غَيْرِهِ لِطُولِ عُمْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَعْلَمَ مِنْهُ، كَمَا أُخِذَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ مِنَ الْحَدِيثِ أَكْثَرُ مِمَّا أُخِذَ عَمَّنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ [3] ، كَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ (وَنَحْوِهِمْ) [4] وَأَمَّا الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ فَلَهُمْ فِي تَبْلِيغِ كُلِّيَّاتِ الدِّينِ، وَنَشْرِ أُصُولِهِ، وَأَخْذِ النَّاسِ ذَلِكَ عَنْهُمْ، مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ يُرْوَى عَنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ (1) ن: لَهُمْ بِيَعٌ ; م: لَمْ تَبِعْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (2) م: لَمْ (3) س، ب: مِنْهُمْ أَفْضَلُ (4) وَنَحْوِهِمْ: زِيَادَةٌ فِي (م. مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُفْرَدَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يُرْوَى [1] عَنْ بَعْضِ الْخُلَفَاءِ، فَالْخُلَفَاءُ لَهُمْ عُمُومُ التَّبْلِيغِ وَقُوَّتُهُ الَّتِي لَمْ يَشْرَكْهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ، ثُمَّ لَمَّا قَامُوا بِتَبْلِيغِ ذَلِكَ شَارَكَهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ، فَصَارَ مُتَوَاتِرًا كَجَمْعِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ الْقُرْآنَ فِي الصُّحُفِ [2] ، ثُمَّ جَمْعِ عُثْمَانَ لَهُ فِي الْمَصَاحِفِ الَّتِي أَرْسَلَهَا إِلَى الْأَمْصَارِ، فَكَانَ الِاهْتِمَامُ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ، وَتَبْلِيغِهِ أَهَمَّ مِمَّا سِوَاهُ. وَكَذَلِكَ تَبْلِيغُ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ إِلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَمُقَاتَلَتُهُمْ [3] عَلَى ذَلِكَ، وَاسْتِنَابَتُهُمْ [4] فِي ذَلِكَ الْأُمَرَاءَ وَالْعُلَمَاءَ، وَتَصْدِيقُهُمْ لَهُمْ فِيمَا بَلَّغُوهُ عَنِ الرَّسُولِ، فَبَلَّغَ مَنْ أَقَامُوهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حَتَّى صَارَ الدِّينُ مَنْقُولًا نَقْلًا عَامًّا مُتَوَاتِرًا ظَاهِرًا مَعْلُومًا قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ، وَوَضَحَتْ بِهِ الْمَحَجَّةُ، وَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا خُلَفَاءَهُ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، الَّذِينَ خَلَفُوهُ فِي أُمَّتِهِ عِلْمًا وَعَمَلًا. وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِ: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى - مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى - وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (سُورَةِ النَّجْمِ: 1 - 4) فَهُوَ مَا ضَلَّ وَمَا غَوَى، وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ، الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: "«عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»" [5] فَإِنَّهُمْ خَلَفُوهُ فِي ذَلِكَ، فَانْتَفَى عَنْهُمْ بِالْهُدَى الضَّلَالُ، وَبِالرُّشْدِ الْغَيُّ. (1) م: رُوِيَ (2) ن، م: فِي الْمُصْحَفِ (3) س، ب: وَمُقَابَلَتُهُمْ ; م: وَمُقَاتَلَةٌ (غَيْرَ مَنْقُوطَةٍ) (4) م: وَاسْتِبَانَتُهُمْ (5) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/164، 5/525 وَهَذَا هُوَ الْكَمَالُ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، فَإِنَّ الضَّلَالَ عَدَمُ الْعِلْمِ، وَالْغَيَّ اتِّبَاعُ الْهَوَى، وَلِهَذَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَقُولَ فِي صَلَاتِنَا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (سُورَةِ الْفَاتِحَةِ: 6، 7) ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "«الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ»" [1] فَالْمُهْتَدِي الرَّاشِدُ الَّذِي هَدَاهُ اللَّهُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ الْجُهَّالِ، وَلَا مِنْ أَهْلِ الْغَيِّ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَعْلَمُ بِالرَّسُولِ مِنْ بَعْضٍ، وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرُ تَبْلِيغًا لِمَا عَلِمَهُ مِنْ بَعْضٍ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ عِنْدَ الْمَفْضُولِ عِلْمُ قَضِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ يَعْلَمْهَا الْأَفْضَلُ فَيَسْتَفِيدُهَا مِنْهُ، وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَعْلَمَ مِنْهُ مُطْلَقًا، وَلَا أَنَّ هَذَا الْأَعْلَمَ يَتَعَلَّمُ مِنْ ذَلِكَ الْمَفْضُولِ مَا امْتَازَ بِهِ. وَلِهَذَا كَانَ الْخُلَفَاءُ يَسْتَفِيدُونَ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ عِلْمًا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ، كَمَا اسْتَفَادَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِلْمَ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ [2] مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ [3] ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ [4] وَاسْتَفَادَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِلْمَ دِيَةِ (1) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/11 \ 12 (2) ب: الْجَدِّ (3) س، م: ب: سَلَمَةَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (4) الْحَدِيثُ فِي: سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 2/909 910 (كِتَابُ الْفَرَائِضِ، بَابُ مِيرَاثِ الْجَدَّةِ) وَأَوَّلُهُ: عَنِ ابْنِ ذُؤَيْبٍ ; قَالَ: جَاءَتِ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا. فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ. فَسَأَلَ النَّاسَ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا السُّدُسَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟ فَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ. . . الْحَدِيثَ، الْجَنِينِ وَالِاسْتِئْذَانِ وَتَوْرِيثِ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، وَاسْتَفَادَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثَ مَقَامِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي بَيْتِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَاسْتَفَادَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثَ صَلَاةِ التَّوْبَةِ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَدْ يَخْفَى ذَلِكَ الْعِلْمُ عَنِ الْفَاضِلِ حَتَّى يَمُوتَ وَلَمْ يَعْلَمْهُ، وَيُبَلِّغُهُ مَنْ هُوَ دُونَهُ، وَهَذَا كَثِيرٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ نُبَيِّنَ طُرُقَ الْعِلْمِ، فَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ أَخَذَ النَّاسُ عَنْهُمُ الْعِلْمَ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ: مِثْلَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذِ (بْنِ جَبَلٍ) [1] ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَأَبِي مُوسَى وَسَلْمَانَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَأَمْثَالِهِمْ. وَبَعْدَ هَؤُلَاءِ: مِثْلَ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو [2] ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَجَابِرٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَمِنَ التَّابِعِينَ: مِثْلَ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَخَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمِثْلَ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ، وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي، وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَأَمْثَالِهِمْ. ثُمَّ مِنْ بَعْدِ هَؤُلَاءِ مِثْلَ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ (1) بْنِ جَبَلٍ: (س) ، (ب) (2) وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: سَاقِطَةٌ مِنْ (م)
__________________
|
#443
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (443) صـ 427 إلى صـ 436 وَمَكْحُولٍ الشَّامِيِّ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيِّ، وَأَمْثَالِهِمْ. ثُمَّ (مِنْ) [1] بَعْدِ هَؤُلَاءِ: مِثْلَ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَاللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَزَائِدَةَ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَأَمْثَالِهِمْ. ثُمَّ مِنْ بَعْدِ هَؤُلَاءِ: مِثْلَ يَحْيَى الْقَطَّانِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، وَهُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ [2] وَبَعْدَ هَؤُلَاءِ: الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ) [3] ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ، وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ، وَبَقِيُّ [4] بْنُ مَخْلَدٍ الْأَنْدَلُسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ. (1) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنَ الْأُصُولِ (2) م: وَهُشَيْمِ بْنِ عَبْدِ بْنِ بِشْرٍ ; س، ب: وَهِشَامِ بْنِ بِشْرٍ: وَهُوَ هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ دِينَارٍ السُّلَمِيُّ، أَبُو مُعَاوِيَةَ. . تَرْجَمَتُهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 11/59 64، الْأَعْلَامِ 9/89، وَأَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَالْحُمَيْدِيِّ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَابْنِ الْمَدِينِيِّ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ن، س: وَابْنِ خَيْثَمَةَ. . .، وَهُوَ خَطَأٌ. وَهُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبِ بْنِ شَدَّادٍ الْحَرَشِيُّ النَّسَائِيُّ، وُلِدَ سَنَةَ 160 هـ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 234 هـ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 3/242 244. (3) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) (4) ن، س: وَتَقِيُّ: وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَمِثْلَ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيِّ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ. ثُمَّ (مِنْ) [1] بَعْدِ هَؤُلَاءِ مِثْلَ: أَبِي حَاتِمٍ الْبُسْتِيِّ، وَأَبِي بَكْرٍ النَّجَّادِ [2] ، وَأَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ، وَأَبِي قَاسِمٍ الطَّبَرَانِيِّ، وَأَبِي الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيِّ، وَأَبِي أَحْمَدَ الْعَسَّالِ الْأَصْبَهَانِيِّ، وَأَمْثَالِهِمْ. ثُمَّ مِنْ بَعْدِ هَؤُلَاءِ: مِثْلَ أَبِي الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَابْنِ مَنْدَهْ، وَالْحَاكِمِ [3] أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَعَبْدِ الْغَنِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُ إِحْصَاؤُهُمْ. فَهَؤُلَاءِ وَأَمْثَالُهُمْ أَعْلَمُ بِأَحْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ [4] كَانَ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ رِوَايَةً، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ مَعْرِفَةً بِصَحِيحِهِ مِنْ سَقِيمِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ أَفْقَهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَعْرِفَةُ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ فِيهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ حِفْظِهِ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: أَشْرَفُ الْعِلْمِ الْفِقْهُ فِي مُتُونِ [5] الْأَحَادِيثِ، وَمَعْرِفَةُ أَحْوَالِ الرُّوَاةِ، فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ، وَعَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ، وَنَحْوَهَمَا أَعْرَفُ بِصَحِيحِهِ وَسَقِيمِهِ [6] مِنْ مِثْلِ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ (1) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنَ الْأُصُولِ (2) س، ب: النَّجَّارِ. وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ إِسْرَائِيلَ النَّجَّادُ، شَيْخُ الْعُلَمَاءِ بِبَغْدَادَ فِي عَصْرِهِ، مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ الْحَنَابِلَةِ، وُلِدَ سَنَةَ 253 هـ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 348 هـ. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ 1/101 ; الْأَعْلَامِ 1/127 128 (3) ن، س، ب: وَابْنِ مَنْدَهْ الْحَاكِمِ، وَهُوَ خَطَأٌ (4) م: فَإِنْ (5) ن: فُنُونِ (6) م: مِنْ سَقِيمِهِ وَنَحْوُهُمَا أَفْقَهُ مِنْ أُولَئِكَ، وَأَحْمَدُ كَانَ يُشَارِكُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ. وَكَانَ أَئِمَّةُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِمَّنْ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، كَمَا كَانَ مَعَ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ فِي الْحَدِيثِ، وَمَعَ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فِي الْحَدِيثِ. وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ لَهُ عِنَايَةٌ بِصَحِيحِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَبِي دَاوُدَ، وَأَبُو دَاوُدَ لَهُ عِنَايَةٌ بِالْفِقْهِ أَكْثَرُ، وَالْبُخَارِيُّ لَهُ عِنَايَةٌ بِهَذَا وَهَذَا. وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا تَوْسِعَةَ الْكَلَامِ فِي هَذَا، بَلِ الْمَقْصُودُ أَنَّ عُلَمَاءَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لَهُمْ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِأَحْوَالِ الرَّسُولِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فَهُمْ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ، وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ صَادِقًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ كَثِيرَ الرِّوَايَةِ فِيهِ لَكِنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِنَايَةِ بِصَحِيحِهِ وَسَقِيمِهِ، فَهَذَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ نَقْلُهُ، فَإِنَّهُ صَادِقٌ ضَابِطٌ، وَأَمَّا الْمَعْرِفَةُ بِصَحِيحِهِ وَسَقِيمِهِ فَهَذَا عِلْمٌ آخَرُ، وَقَدْ يَكُونُ مَعَ ذَلِكَ فَقِيهًا مُجْتَهِدًا، وَقَدْ يَكُونُ صَالِحًا مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ لَهُ كَثِيرُ مَعْرِفَةٍ. لَكِنَّ هَؤُلَاءِ، وَإِنْ تَفَاضَلُوا فِي الْعِلْمِ، فَلَا يَرُوجُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْكَذِبِ مَا يَرُوجُ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْمُهُمْ [1] ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ بِالرَّسُولِ أَعْرَفَ كَانَ تَمْيِيزُهُ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ أَتَمَّ، فَقَدْ يَرُوجُ عَلَى أَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَالْفِقْهِ، وَالزُّهْدِ، وَالنَّظَرِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ: إِمَّا يُصَدِّقُونَ بِهَا، وَإِمَّا يُجَوِّزُونَ بِصِدْقِهَا، وَتَكُونُ مَعْلُومَةَ الْكَذِبِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ. وَقَدْ يُصَدِّقُ بَعْضُ هَؤُلَاءِ بِمَا يَكُونُ كَذِبًا عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ [2] "مِثْلَ مَا" (1) س، ب: عِلْمٌ (2) فِي هَامِشِ (س) كُتِبَ أَمَامَ هَذَا الْمَوْضِعِ: "الْأَحَادِيثَ الْمَكْذُوبَةَ" يَرْوِي طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ حَدِيثَ: "«لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ»" ، وَحَدِيثَ: "«زَكَاةُ الْأَرْضِ نَبْتُهَا»" ، وَحَدِيثَ: "«نُهِيَ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، وَنُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْمَكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ»" ، وَحَدِيثَ: "«نُهِيَ عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ»" ، وَحَدِيثَ: "«لَا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ عَلَى مُسْلِمٍ»" ، وَحَدِيثَ: «ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرِيضَةٌ، وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ: الْوِتْرُ، وَالنَّحْرُ، وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ» "، وَحَدِيثَ:" «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ يُتِمُّ وَيَقْصُرُ» "، وَحَدِيثَ:" «لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إِلَّا فِي عَشْرِ دَرَاهِمَ» "، وَحَدِيثَ:" «لَا مَهْرَ دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» "، وَحَدِيثَ:" «الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ» "، وَحَدِيثَ:" «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ» "، وَحَدِيثَ:" «نَهَى عَنِ الْبَتْرَاءِ» "، وَحَدِيثَ: «يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنَ الْمَنِيِّ وَالدَّمِ» "، وَحَدِيثَ:" «الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ لَا مِمَّا دَخَلَ» "، وَحَدِيثَ:" «كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ ثُمَّ لَا يَعُودُ» ". إِلَى أَمْثَالِ [1] ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ [2] الَّتِي يُصَدِّقُ بَعْضَهَا طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَيَبْنُونَ عَلَيْهَا الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهَا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضُوعَةٌ (عَلَيْهِ) [3] ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنَ الْفُقَهَاءِ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ أَحَادِيثُ يَرْوِيهَا كَثِيرٌ مِنَ النُّسَّاكِ، وَيَظُنُّهَا صِدْقًا، مِثْلَ قَوْلِهِمْ [4] (1) ن، م: مِثَالِ (2) ن، م، س: الْحَدِيثِ (3) عَلَيْهِ: زِيَادَةٌ فِي (م) (4) ن، م، س: قَوْلِهِ: "إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْوًا" ، وَمِثْلَ قَوْلِهِمْ: "إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (سُورَةِ الْأَنْعَامِ: 52) ، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (سُورَةِ الْكَهْفِ: 28) [1] : نَزَلَ [2] فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ، وَمِثْلَ حَدِيثِ:" «غُلَامُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَحَدُ الْأَبْدَالِ الْأَرْبَعِينَ» "، وَكَذَلِكَ حَدِيثٌ فِيهِ ذِكْرُ الْأَبْدَالِ، وَالْأَقْطَابِ، وَالْأَغْوَاثِ، وَعَدَدِ الْأَوْلِيَاءِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ كَذِبٌ." وَكَذَلِكَ أَمْثَالُ [3] . . هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَدْ تُعْلَمُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، مِثْلَ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} (سُورَةِ الْأَنْعَامِ: 52) ، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} (سُورَةِ الْكَهْفِ: 28) فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَفِي سُورَةِ الْكَهْفِ [4] وَهُمَا سُورَتَانِ مَكِّيَّتَانِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَالصُّفَّةُ إِنَّمَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ [5] وَمِثْلَ مَا يَرْوُونَ فِي أَحَادِيثِ الْمِعْرَاجِ [6] : أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ فِي صُورَةِ كَذَا. (1) آيَةُ سُورَةِ الْكَهْفِ فِي (ب) فَقَطْ (2) نَزَلَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، وَفِي (ن) ، (س) : نَزَلَتْ (3) ن، م: وَكَذِبُ أَمْثَالِ (4) ن، م: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) وَفِي سُورَةِ الْكَهْفِ ; س: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) وَفِي سُورَةِ الْكَهْفِ. وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ مِنْ (ب) ، (5) الْمَقْصُودُ أَنَّ آيَةَ سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَآيَةَ سُورَةِ الْكَهْفِ لَمْ يَنْزِلَا فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ لِأَنَّهُمَا نَزَلَتَا بِمَكَّةَ وَأَهْلُ الصُّفَّةِ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ. (6) م: حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ وَأَحَادِيثُ الْمِعْرَاجِ الَّتِي فِي الصِّحَاحِ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ أَحَادِيثِ ذِكْرِ الرُّؤْيَةِ، وَإِنَّمَا الرُّؤْيَةُ فِي أَحَادِيثَ مَدَنِيَّةٍ كَانَتْ فِي الْمَنَامِ كَحَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: "«أَتَانِي الْبَارِحَةَ رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ»" إِلَى آخِرِهِ، فَهَذَا مَنَامٌ رَآهُ [1] فِي الْمَدِينَةِ، * وَكَذَلِكَ مَا شَابَهَهُ كُلُّهَا كَانَتْ فِي الْمَدِينَةِ فِي الْمَنَامِ * [2] ، وَالْمِعْرَاجُ كَانَ بِمَكَّةَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ يَرُوجُ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْحَدِيثِ مَا هُوَ أَظْهَرُ كَذِبًا مِنْ هَذَا، مِثْلَ تَوَاجُدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَقَطَتِ الْبُرْدَةُ عَنْهُ، فَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَطَائِفَةٌ يَظُنُّونَ هَذَا صِدْقًا لِمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ فِي مَسْأَلَةِ السَّمَاعِ، وَرَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ السُّهْرَوَرْدِيُّ لَكِنْ قَالَ: "يُخَالِجُ سِرِّي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ دُونَ اجْتِمَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ" ، وَهَذَا الَّذِي ظَنَّهُ وَخَالَجَ سِرَّهُ هُوَ يَقِينٌ عِنْدَ غَيْرِهِ قَدْ خَالَطَ قَلْبَهُ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَعْظَمُ مِنْ هَذَا ظَنُّ طَائِفَةٍ أَنَّ أَهْلَ الصُّفَّةِ قَاتَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَوْلِيَاءِ قِتَالُ الْأَنْبِيَاءِ، إِذَا كَانَ الْغَدْرُ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْكُفْرِ وَالْكَذِبِ فَقَدْ رَاجَ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى الْأَحْوَالِ وَالْمَعَارِفِ وَالْحَقَائِقِ، وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ لَهُمْ أَحْوَالٌ شَيْطَانِيَّةٌ، وَالشَّيَاطِينُ الَّتِي تَقْتَرِنُ بِهِمْ [3] بِهِمْ قَدْ تُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ الْغَائِبَاتِ، وَتَفْعَلُ بَعْضَ (1) رَآهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (3) ن: الَّتِي تُقْرَنُ بِهِمْ ; س: الَّتِي يَغْتَرُّونَ بِهِمْ ; ب: الَّذِينَ يَغْتَرُّونَ أَغْرَاضِهِمْ، وَتَقْضِي (بَعْضَ) [1] حَوَائِجِهِمْ، وَيَظُنُّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ بِذَلِكَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَإِنَّمَا هُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ الشَّيَاطِينِ. وَكَذَلِكَ قَدْ يَرُوجُ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ [2] إِلَى السُّنَّةِ أَحَادِيثُ يَظُنُّونَهَا مِنَ السُّنَّةِ وَهِيَ كَذِبٌ، كَالْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي فَضَائِلِ عَاشُورَاءَ - غَيْرَ الصَّوْمِ - وَفَضْلِ الْكُحْلِ فِيهِ، وَالِاغْتِسَالِ، وَالْحَدِيثِ [3] ، وَالْخِضَابِ، وَالْمُصَافَحَةِ، وَتَوْسِعَةِ النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ فِيهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي عَاشُورَاءَ [4] حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَيْرَ الصَّوْمِ. وَكَذَلِكَ مَا يُرْوَى فِي فَضْلِ صَلَوَاتٍ [5] مُعَيَّنَةٍ فِيهِ فَهَذَا كُلُّهُ كَذِبٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَلَمْ يَنْقُلْ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي كُتُبِهِمْ. وَلِهَذَا لَمَّا [6] سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى: "«مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ»" فَقَالَ: لَا أَصْلَ لَهُ. وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ فِي فَضْلِ رَجَبٍ بِخُصُوصِهِ، أَوْ فَضْلِ صِيَامِهِ، أَوْ صِيَامِ شَيْءٍ مِنْهُ، أَوْ فَضْلِ صَلَاةٍ مَخْصُوصَةٍ فِيهِ كَالرَّغَائِبِ، كُلُّهَا كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ. وَكَذَلِكَ مَا يُرْوَى فِي صَلَاةِ الْأُسْبُوعِ كَصَلَاةِ يَوْمِ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ (1) بَعْضَ: زِيَادَةٌ فِي (م) (2) س، ب: يُنْسَبُ (3) وَالْحَدِيثِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (4) ن، س، ب: وَلَيْسَ حَدِيثُ عَاشُورَاءَ (5) س، ب: صَلَاةٍ (6) لَمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) وَغَيْرِهِمَا كَذِبٌ، وَكَذَلِكَ مَا يُرْوَى مِنَ الصَّلَاةِ الْمُقَدَّرَةِ لَيْلَةَ النِّصْفِ، وَأَوَّلَ لَيْلَةِ [1] جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ، أَوْ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ كُلُّهَا كَذِبٌ. وَكَذَلِكَ كَلُّ صَلَاةٍ فِيهَا الْأَمْرُ بِتَقْدِيرِ عَدَدِ الْآيَاتِ أَوِ السُّوَرِ أَوِ التَّسْبِيحِ، فَهِيَ كَذِبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، إِلَّا صَلَاةَ التَّسْبِيحِ، فَإِنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ لَهُمْ، وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا كَذِبٌ، وَإِنْ كَانَ قَدِ اعْتَقَدَ صِدْقَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلِهَذَا لَمْ يَأْخُذْهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَئِمَّةُ الصَّحَابَةِ كَرِهُوهَا وَطَعَنُوا فِي حَدِيثِهَا، وَأَمَّا مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَلَمْ يَسْمَعُوهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَنْ يَسْتَحِبُّهَا مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّمَا هُوَ اخْتِيَارٌ مِنْهُمْ، لَا نَقْلٌ عَنِ الْأَئِمَّةِ. وَأَمَّا ابْنُ الْمُبَارَكِ فَلَمْ يَسْتَحِبَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ الْمَأْثُورَةَ الَّتِي فِيهَا التَّسْبِيحُ قَبْلَ الْقِيَامِ، بَلِ اسْتَحَبَّ صِفَةً أُخْرَى تُوَافِقُ الْمَشْرُوعَ؛ لِئَلَّا تَثْبُتَ سُنَّةٌ بِحَدِيثٍ لَا أَصْلَ لَهُ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ أَشْيَاءُ مَنْقُولَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهَا كَذِبٌ مِثْلَ حَدِيثِ فَضَائِلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ الَّذِي يَذْكُرُهُ الثَّعْلَبِيُّ، وَالْوَاحِدِيُّ فِي أَوَّلِ [2] كُلِّ سُورَةٍ، وَيَذْكُرُهُ [3] وَكَذَلِكَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي آخِرِ كُلِّ سُورَةٍ. وَيَعْلَمُونَ أَنَّ أَصَحَّ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَضَائِلَ السُّوَرِ أَحَادِيثُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وَلِهَذَا رَوَاهَا أَهْلُ الصَّحِيحِ، فَأَفْرَدَ [4] (1) س، ب: أَوْ لَيْلَةَ (2) س، ب: فِي أَوَائِلِ (3) ن: وَيَذْكُرُ ; م: (4) س، ب: فَأَوْرَدَ الْحُفَّاظُ لَهَا مُصَنَّفَاتٍ كَالْحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْخَلَّالِ وَغَيْرِهِ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَأْثُورَةَ [1] فِي فَضْلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَخَوَاتِيمِ الْبَقَرَةِ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ فَلَهُمْ فُرْقَانٌ يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ. وَأَمَّا (أَحَادِيثُ) [2] سَبَبِ النُّزُولِ فَغَالِبُهَا مُرْسَلٌ لَيْسَ بِمُسْنَدٍ، وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: ثَلَاثُ عُلُومٍ لَا إِسْنَادَ لَهَا - وَفِي لَفْظٍ: لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ: التَّفْسِيرُ، وَالْمَغَازِي، وَالْمَلَاحِمُ، يَعْنِي أَنَّ أَحَادِيثَهَا مُرْسَلَةٌ. وَالْمَرَاسِيلُ قَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي قَبُولِهَا وَرَدِّهَا، وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّ مِنْهَا الْمَقْبُولَ، وَمِنْهَا الْمَرْدُودَ، وَمِنْهَا الْمَوْقُوفَ، فَمَنْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ قُبِلَ مُرْسَلُهُ، وَمَنْ عُرِفَ أَنَّهُ يُرْسِلُ عَنِ الثِّقَةِ وَغَيْرِ الثِّقَةِ كَانَ إِرْسَالُهُ رِوَايَةً عَمَّنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ فَهَذَا مَوْقُوفٌ، وَمَا كَانَ مِنَ الْمَرَاسِيلِ مُخَالِفًا لِمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ كَانَ مَرْدُودًا. وَإِذَا جَاءَ الْمُرْسَلُ مِنْ وَجْهَيْنِ [3] : كُلٌّ مِنَ الرَّاوِيَيْنِ [4] أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ شُيُوخِ الْآخَرِ [5] ، فَهَذَا مِمَّا [6] يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ، فَإِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَادَةِ تَمَاثُلُ الْخَطَأِ فِيهِ وَتَعَمُّدُ الْكَذِبِ، كَانَ هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ صِدْقٌ، فَإِنَّ الْمُخْبِرَ إِنَّمَا يُؤْتَى [7] مِنْ جِهَةِ (تَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَمِنْ جِهَةِ) [8] (1) ن، م، س: الْحَدِيثَ الْمَأْثُورَ (2) أَحَادِيثُ: فِي (ب) فَقَطْ (3) س، ب: وَإِذَا كَانَ الْمُرْسَلُ مِنْ وَجْهَيْنِ ; م: وَآحَادُ الْمُرْسَلِ مِنْ وَجْهَيْنِ (4) ن، س: الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (5) ن: عَنْ آخِرِ شُيُوخِ الْآخَرِ (6) مِمَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (7) ن، م: إِنَّمَا يُؤْتَى بِهِ (8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) الْخَطَأِ، فَإِذَا كَانَتِ الْقِصَّةُ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَتَوَاطَأْ فِيهِ الْمُخْبِرَانِ، وَالْعَادَةُ [1] تَمْنَعُ تَمَاثُلَهُمَا فِي الْكَذِبِ عَمْدًا وَخَطَأً، مِثْلَ [2] أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ طَوِيلَةً فِيهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ رَوَاهَا هَذَا مِثْلَ مَا رَوَاهَا هَذَا، فَهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ صِدْقٌ. وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ صِدْقُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَخْبَرَ عَنِ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَخَلْقِهِ لِلْعَالَمِ [3] وَقِصَّةِ آدَمَ وَيُوسُفَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْآخَرُ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ يَسْتَفِدْ ذَلِكَ مِنَ الْآخَرِ، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ فِي الْعَادَةِ تَمَاثُلُ الْخَبَرَيْنِ الْبَاطِلَيْنِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ أَخْبَرَ بِأَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ مُفَصَّلَةٍ دَقِيقَةٍ عَنْ مُخْبَرٍ مُعَيَّنٍ، لَوْ كَانَ مُبْطِلًا فِي خَبَرِهِ لَاخْتَلَفَ خَبَرُهُ، لِامْتِنَاعِ أَنَّ مُبْطِلًا يَخْتَلِقُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ، لَا سِيَّمَا فِي أُمُورٍ لَا تَهْتَدِي الْعُقُولُ إِلَيْهَا، بَلْ ذَلِكَ يُبَيِّنُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَخْبَرَ بِعِلْمٍ وَصِدْقٍ. وَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُهُ النَّاسُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ فَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَلَدٍ إِلَى آخَرَ [4] وَأَخْبَرَ عَنْ حَوَادِثَ مُفَصَّلَةٍ حَدَثَتْ فِيهِ، تَنْتَطِمُ أَقْوَالًا وَأَفْعَالًا مُخْتَلِفَةً، وَجَاءَ مَنْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُوَاطِئْهُ عَلَى الْكَذِبِ فَحَكَى مِثْلَ ذَلِكَ، عُلِمَ قَطْعًا أَنَّ الْأَمْرَ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَقَعُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاطَأَةِ وَتَلَقِّي بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، (كَمَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ الْبَاطِلِ الْمَقَالَاتِ الْبَاطِلَةَ مِثْلَ مَقَالَةِ النَّصَارَى وَالْجَهْمَيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ، لَكِنَّهَا تَلَقَّاهَا بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ،) [5] (1) ب (فَقَطْ) : فَالْعَادَةُ (2) س، ب: وَمِثْلَ، وَهُوَ خَطَأٌ (3) ن، س: ب: لِلْعِلْمِ، وَهُوَ خَطَأٌ (4) إِلَى آخَرَ: فِي (ن) فَقَطْ (5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن)
__________________
|
#444
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (444) صـ 437 إلى صـ 446 فَلَمَّا تَوَاطَئُوا عَلَيْهَا جَازَ اتِّفَاقُهُمْ فِيهَا عَلَى الْبَاطِلِ. وَالْجَمَاعَةُ الْكَثِيرُونَ يَجُوزُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى جَحْدِ الضَّرُورِيَّاتِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاطُؤِ: إِمَّا عَمْدًا لِلْكَذِبِ [1] وَإِمَّا خَطَأً فِي الِاعْتِقَادِ، وَأَمَّا اتِّفَاقُهُمْ عَلَى جَحْدِ الضَّرُورِيَّاتِ مِنْ دُونِ [2] هَذَا وَهَذَا فَمُمْتَنِعٌ [3] [فصل الطُّرُقِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا كَذِبُ الْمَنْقُولِ] فَصْلٌ فِي الطُّرُقِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا كَذِبُ الْمَنْقُولِ. مِنْهَا: أَنْ يُرْوَى خِلَافُ مَا عُلِمَ بِالتَّوَاتُرِ وَالِاسْتِفَاضَةِ، مِثْلَ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَاتَّبَعَهُ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ فَكَانُوا مُرْتَدِّينَ لِإِيمَانِهِمْ بِهَذَا الْمُتَنَبِّئِ الْكَذَّابِ، وَأَنَّ أَبَا لُؤْلُؤَةَ قَاتِلَ عُمَرَ كَانَ مَجُوسِيًّا كَافِرًا، وَأَنَّ أَبَا الْهُرْمُزَانِ كَانَ مَجُوسِيًّا أَسْلَمَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ * كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ مُدَّةَ مَرَضِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَخْلُفُهُ بِالْإِمَامَةِ بِالنَّاسِ لِمَرَضِهِ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ * [4] وَعُمَرَ دُفِنَا فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِثْلَ مَا يُعْلَمُ مِنْ غَزَوَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي كَانَ فِيهَا الْقِتَالُ كَبَدْرٍ ثُمَّ أُحُدٍ ثُمَّ الْخَنْدَقِ ثُمَّ خَيْبَرَ ثُمَّ فَتْحِ مَكَّةَ ثُمَّ غَزْوَةِ الطَّائِفِ، وَالَّتِي لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِتَالٌ كَغَزْوَةِ تَبُوكَ وَغَيْرِهَا، وَمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ (1) م: إِمَّا عَمْدًا لِلْكَذِبِ، (2) ن، م: بِدُونِ (3) ن، س: الْمُمْتَنِعُ، وَهُوَ خَطَأٌ. (4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م فِي الْغَزَوَاتِ كَنُزُولِ الْأَنْفَالِ بِسَبَبِ [1] بَدْرٍ، وَنُزُولِ آخِرِ آلِ عِمْرَانَ بِسَبَبِ أُحُدٍ، وَنُزُولِ أَوَّلِهَا بِسَبَبِ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَنُزُولِ سُورَةِ الْحَشْرِ بِسَبَبِ بَنِي النَّضِيرِ، وَنُزُولِ الْأَحْزَابِ بِسَبَبِ الْخَنْدَقِ، وَنُزُولِ سُورَةِ الْفَتْحِ بِسَبَبِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَنُزُولِ بَرَاءَةَ بِسَبَبِ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَغَيْرِهَا وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. فَإِذَا رُوِيَ فِي الْغَزَوَاتِ - وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا - مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ عُلِمَ أَنَّهُ كَذِبٌ، مِثْلَ مَا يَرْوِي هَذَا الرَّافِضِيُّ، وَأَمْثَالُهُ مِنَ الرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَكَاذِيبِ [2] الْبَاطِلَةِ الظَّاهِرَةِ فِي الْغَزَوَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، وَمِثْلَ أَنْ يُعْلَمَ نُزُولُ الْقُرْآنِ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ، كَمَا يُعْلَمُ أَنَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَالنِّسَاءِ [3] ، وَالْمَائِدَةِ، وَالْأَنْفَالِ، وَبَرَاءَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فِي الْمَدِينَةِ، وَأَنَّ الْأَنْعَامَ، وَالْأَعْرَافَ، وَيُونُسَ، وَهُودًا، وَيُوسُفَ، وَالْكَهْفَ، وَطه، وَمَرْيَمَ، وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ نَزَلَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِمَكَّةَ، وَأَنَّ الْمِعْرَاجَ كَانَ بِمَكَّةَ، وَأَنَّ الصُّفَّةَ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَأَنَّ أَهْلَ الصُّفَّةِ كَانُوا مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَكُونُوا نَاسًا مُعَيَّنِينَ، بَلْ كَانَتِ الصُّفَّةُ مَنْزِلًا يَنْزِلُ بِهَا مَنْ لَا أَهْلَ لَهُ مِنَ الْغُرَبَاءِ الْقَادِمِينَ، وَمِمَّنْ دَخَلَ فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ صَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ، وَكَالْعُرَنِيِّينَ [4] الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَنِ (1) ن، م: لِسَبَبِ (2) م: الْأَحَادِيثِ (3) ن، م، س: الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ وَآلِ عِمْرَانَ (4) م: وَكَالْعُرَانِيِّينَ الْإِسْلَامِ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آثَارِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، وَأَلْقَاهُمْ فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ [1] ، فَلَا يُسْقَوْنَ [2] ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمَعْلُومَةِ. فَإِذَا رَوَى الْجَاهِلُ نَقِيضَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَمِنَ الطُّرُقِ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا الْكَذِبُ أَنْ يَنْفَرِدَ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ بِمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاقِعًا لَتَوَفَّرَتِ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ الْوَاحِدُ بِبَلَدٍ عَظِيمٍ بِقَدْرِ بَغْدَادَ، وَالشَّامِ، وَالْعِرَاقِ لَعَلِمْنَا كَذِبَهُ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ [3] لَوْ كَانَ مَوْجُودًا لَأَخْبَرَ بِهِ النَّاسَ. (1) س: لِيَسْتَسْقُونَ (2) الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ 8/162 163 (كِتَابُ الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ، بَابُ لَمْ يَحْسِمِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ حَتَّى هَلَكُوا) ، وَنَصُّهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ الْعُرَنِيِّينَ وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا. وَجَاءَ بَعْدَهُ مُبَاشَرَةً حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَنَسٍ كَذَلِكَ (بَابُ لَمْ يُسْقَ الْمُرْتَدُّونَ الْمُحَارِبُونَ حَتَّى مَاتُوا) . وَنَصُّهُ: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا فِي الصُّفَّةِ. . . وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّرِيخُ، فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ. . . حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ وَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَمَا حَسَمَهُمْ، ثُمَّ أُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا سُقُوا حَتَّى مَاتُوا ". وَأَوْرَدَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ 3/1296 1298 بَابًا (كِتَابُ الْقَسَامَةِ، بَابُ حُكْمِ الْمُحَارِبِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ) أَوْرَدَ فِيهِ سِتَّةَ أَحَادِيثَ عَنْ أَنَسٍ فِي هَذَا الْأَمْرِ بِنَفْسِ الْمَعْنَى (9/14 وَآخِرُ حَدِيثٍ فِيهِ: عَنْ أَنَسٍ:" إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ أُولَئِكَ لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ "وَعُرَيْنَةُ: حَيٌّ مِنْ قُضَاعَةَ وَحَيٌّ مِنْ بَجِيلَةَ مِنْ قَحْطَانَ. وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي. وَسَاقُوا ذَوْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ أَخَذُوا إِبِلَهُ وَقَدَّمُوهَا أَمَامَهُمْ سَائِقِينَ لَهَا طَارِدِينَ. سَمَلَ أَعْيُنَهُمْ (فِي بَعْضِ النُّسَخِ: سَمَرَ) . وَمَعْنَى سَمَلَ: فَقَأَهَا وَأَذْهَبَ مَا فِيهَا. وَمَعْنَى سَمَرَ: كَحَلَهَا بِمَسَامِيرَ مَحْمِيَّةٍ. وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى. وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ: هِيَ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ مَعْرُوفَةٌ بِالْمَدِينَةِ" (3) ن، م: فَإِنَّهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْبَرَنَا بِأَنَّهُ تَوَلَّى [1] رَجُلٌ بَيْنَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، أَوْ تَوَلَّى بَيْنَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، أَوْ أَخْبَرَنَا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤَذَّنُ لَهُ فِي الْعِيدِ، أَوْ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَوِ الِاسْتِسْقَاءِ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ يُقَامُ بِمَدِينَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَكْثَرُ مِنْ جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ يُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ أَكْثَرُ مِنْ عِيدٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ بِمِنًى يَوْمَ الْعِيدِ، أَوْ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ كَانُوا يُتِمُّونَ الصَّلَاةَ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى خَلْفَهُ، أَوْ أَنَّهُ [2] كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِمِنًى، كَمَا كَانَ يَقْصُرُ، أَوْ أَنَّهُ فَرَضَ صَوْمَ شَهْرٍ آخَرَ غَيْرِ رَمَضَانَ، أَوْ أَنَّهُ فَرَضَ صَلَاةً سَادِسَةً وَقْتَ الضُّحَى أَوْ نِصْفَ اللَّيْلِ، أَوْ أَنَّهُ فَرَضَ حَجَّ بَيْتٍ آخَرَ غَيْرِ الْكَعْبَةِ، أَوْ أَنَّ الْقُرْآنَ عَارَضَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَرَبِ أَوْ غَيْرِهِمْ بِكَلَامٍ يُشَابِهُهُ، وَنَحْوَ هَذِهِ الْأُمُورِ - لَكُنَّا نَعْلَمُ كَذِبَ هَذَا الْكَاذِبِ، فَإِنَّا نَعْلَمُ انْتِفَاءَ هَذِهِ الْأُمُورِ بِانْتِفَاءِ لَازِمِهَا، فَإِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ مِمَّا يَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا عَامَّةً لِبَنِي آدَمَ، وَخَاصَّةً لِأُمَّتِنَا شَرْعًا، فَإِذَا لَمْ يَنْقُلْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَتَوَاتَرَ، عُلِمَ أَنَّهَا كَذِبٌ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ نَقْلُ النَّصِّ عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ، فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، فَإِنَّ هَذَا النَّصَّ لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ (مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ) بِإِسْنَادٍ [3] صَحِيحٍ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا، وَلَا نُقِلَ أَنَّ أَحَدًا ذَكَرَهُ عَلَى عَهْدِ [4] (1) م: لَوْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ تُوُفِّيَ (2) ن، م، س: وَأَنَّهُ (3) ن، س، ب: لَمْ يُبَلِّغْهُ أَحَدٌ بِإِسْنَادٍ. . (4) س، ب: عَلَى جِهَةِ الْخُلَفَاءِ [1] مَعَ تَنَازُعِ النَّاسِ فِي الْخِلَافَةِ، وَتَشَاوُرِهِمْ [2] فِيهَا يَوْمَ السَّقِيفَةِ، وَحِينَ مَوْتِ عُمَرَ، وَحِينَ جُعِلَ الْأَمْرُ شُورَى بَيْنَهُمْ فِي سِتَّةٍ، ثُمَّ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ عَلَى عَلِيٍّ، فَمِنَ الْمَعْلُومِ * أَنَّ مِثْلَ هَذَا النَّصِّ لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ مِنْ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى عَلِيٍّ نَصًّا جَلِيًّا قَاطِعًا لِلْعُذْرِ عَلِمَهُ الْمُسْلِمُونَ، لَكَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ * [3] بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْقُلَهُ النَّاسُ نَقْلَ مِثْلِهِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَهُ لِكَثِيرٍ [4] مِنَ النَّاسِ، بَلْ أَكْثَرِهِمْ، فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ عَلَى ذِكْرِهِ فِيهَا غَايَةَ التَّوَفُّرِ، فَانْتِفَاءُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَازِمٌ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ مَلْزُومٌ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ. فَفِي الْجُمْلَةِ الْكَذِبُ هُوَ نَقِيضُ الصِّدْقِ وَأَحَدُ النَّقِيضَيْنِ يُعْلَمُ انْتِفَاؤُهُ تَارَةً بِثُبُوتِ نَقِيضِهِ، وَتَارَةً بِمَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَائِهِ بِخُصُوصِهِ. وَالْكَلَامُ مَعَ الشِّيعَةِ أَكْثَرُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى النَّقْلِ، فَمَنْ كَانَ خَبِيرًا بِمَا وَقَعَ، وَبِالْأَخْبَارِ الصَّادِقَةِ الَّتِي تُوجِبُ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ عَلِمَ انْتِفَاءَ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ يَقِينًا [5] ، وَلِهَذَا لَيْسَ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ (إِلَّا) [6] مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِفَضْلِ [7] الشَّيْخَيْنِ وَصِحَّةِ إِمَامَتِهِمَا، وَكَذِبِ مَا تَدَّعِيهِ الرَّافِضَةُ. (1) ب (فَقَطْ) : الْخَفَاءِ (2) م: وَشَاوَرَهُمْ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (4) س، ب: كَثِيرٌ (5) ن، س، ب: عَيْنًا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (6) إِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ، وَإِثْبَاتُهَا يَقْتَضِيهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ (7) ن، س، ب: بِفُضُولِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ثُمَّ كُلُّ مَنْ كَانَ أَعْلَمَ بِالرَّسُولِ وَأَحْوَالِهِ، كَانَ أَعْلَمَ بِبُطْلَانِ مَذْهَبِ الزَّيْدِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ يَدَّعِي نَصًّا خَفِيًّا، وَأَنَّ [1] عَلِيًّا كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الثَّلَاثَةِ، أَوْ يَتَوَقَّفُ فِي التَّفْضِيلِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا وَقَعُوا فِي الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ أَوِ الْبَسِيطِ لِضَعْفِ عِلْمِهِمْ بِمَا عَلِمَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ. [توجد أحاديث أخرى لم يذكرها الرافضي وهي أدل على مقصوده من التي ذكرها] فَصْلٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ ثَمَّ أَحَادِيثُ أُخَرُ لَمْ يَذْكُرْهَا هَذَا الرَّافِضِيُّ، لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَدَلَّتْ عَلَى مَقْصُودِهِ، وَفِيهَا مَا هُوَ أَدَلُّ مِنْ بَعْضِ مَا ذَكَرَهُ لَكِنَّهَا كُلَّهَا كَذِبٌ، وَالنَّاسُ قَدْ رَوَوْا أَحَادِيثَ مَكْذُوبَةً فِي فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ، لَكِنَّ الْمَكْذُوبَ فِي فَضْلِ عَلِيٍّ أَكْثَرُ ; لِأَنَّ الشِّيعَةَ أَجْرَأُ عَلَى الْكَذِبِ مِنَ النَّوَاصِبِ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ [2] : "فَضَائِلُ عَلِيٍّ الصَّحِيحَةُ [3] كَثِيرَةٌ غَيْرَ أَنَّ الرَّافِضَةَ لَمْ تَقْنَعْ فَوَضَعَتْ لَهُ مَا يَضَعُ لَا مَا يَرْفَعُ [4] ، وَحُوشِيَتْ [5] حَاشِيَتُهُ [6] مِنَ الِاحْتِيَاجِ [7] إِلَى الْبَاطِلِ" . قَالَ [8] : "فَاعْلَمْ [9] أَنَّ الرَّافِضَةَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ مِنْهُمْ [10] سَمِعُوا" (1) ن: أَوْ أَنَّ (2) فِي كِتَابِهِ "الْمَوْضُوعَاتِ" 1/338 (3) الْمَوْضُوعَاتِ: فَضَائِلُهُ الصَّحِيحَةُ (4) م: إِلَّا مَا يَرْفَعُ ; الْمَوْضُوعَاتِ: وَلَا يَرْفَعُ (5) ن، س: وَحَوَّشَتْ ; م: وَحُوسِبَ (6) ن، س: حَاشَتْهُ ; م: حَاسَبَهُ (7) الْمَوْضُوعَاتِ: الِاحْتِجَاجِ (8) بَعْدَ مَا سَبَقَ مُبَاشَرَةً (9) ن، س، ب: وَاعْلَمْ (10) مِنْهُمْ: لَيْسَتْ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ" أَشْيَاءَ [1] مِنَ الْحَدِيثِ فَوَضَعُوا أَحَادِيثَ وَزَادُوا وَنَقَصُوا، وَصِنْفٌ لَمْ يَسْمَعُوا فَتَرَاهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَى جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَيَقُولُونَ: قَالَ جَعْفَرٌ، وَقَالَ [2] فُلَانٌ، وَصِنْفٌ [3] ثَالِثٌ عَوَامٌّ جَهَلَةٌ يَقُولُونَ مَا يُرِيدُونَ مِمَّا يَسُوغُ فِي الْعَقْلِ، وَمِمَّا لَا يَسُوغُ "." فَمِنْ أَمَاثِلِ الْمَوْضُوعَاتِ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ [4] مِنْ طَرِيقِ النَّسَائِيِّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي وَضَعَهُ [5] فِي خَصَائِصِ عَلِيٍّ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو [6] ، عَنْ عَبَّادِ [7] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، وَأَخُو رَسُولِ اللَّهِ [8] ، وَأَنَا الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ، لَا يَقُولُهَا بَعْدِي [9] إِلَّا كَاذِبٌ، صَلَّيْتُ قَبْلَ النَّاسِ سَبْعَ سِنِينَ "، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي" الْفَضَائِلِ "[10] ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ [11] :" وَلَقَدْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ النَّاسِ بِسَبْعِ سِنِينَ "." وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ صَالِحٍ أَيْضًا عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَبَّادٍ. (1) 1) الْمَوْضُوعَاتِ: شَيْئًا (2) 2) م: أَوْ قَالَ (3) 3) الْمَوْضُوعَاتِ: وَالصِّنْفُ (4) 4) فِي كِتَابِهِ "الْمَوْضُوعَاتِ" 1/341 (5) 5) م: صَنَّفَهُ (6) 6) ن، م، س: ابْنِ عُمَرَ (7) 7) الْمَوْضُوعَاتِ: عُبَادَةَ (8) 8) الْمَوْضُوعَاتِ: وَأَخُو رَسُولِهِ (9) 9) بَعْدِي: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (10) 0) ح 2 ص 586 587 (رَقْمُ 993) (11) 1) أَيْ فِي "فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ" وَذُكِرَتْ فِي نَفْسِ الرَّقْمِ السَّابِقِ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ [1] : "هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ [2] ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: كَانَ ضَعِيفَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ: [3]" (حَمَّادٌ) [4] الْأَزْدِيُّ: رَوَى [5] أَحَادِيثَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْمِنْهَالُ فَتَرَكَهُ شُعْبَةُ، قَالَ [6] أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ: "أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو رَسُولِ اللَّهِ [7]" فَقَالَ: اضْرِبْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ [8] "." قُلْتُ: وَعَبَّادٌ يُرْوَى مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ عَلِيٍّ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَيْهِ قَطْعًا، مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ عَلِيًّا [9] كَانَ أَبَرَّ، وَأَصْدَقَ، وَأَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ، وَيَقُولَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ كَذِبٌ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَمَا عَلِمْنَا أَنَّهُ كَذِبٌ ظَاهِرٌ لَا يُشْتَبَهُ، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَقُلْهُ لِعِلْمِنَا بِأَنَّهُ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَتَعَمَّدَ هَذَا الْكَذِبَ الْقَبِيحَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا [10] (1) فِي "الْمَوْضُوعَاتِ" 1/341 (2) الْمَوْضُوعَاتِ: وَهَذَا مَوْضُوعٌ (3) ن، م: أَبُو الْفَتْحِ (4) حَمَّادٌ: زِيَادَةٌ فِي (س) ، (ب) وَلَيْسَتْ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ" . بَلْ فِيهِ: وَقَالَ الْأَزْدِيُّ (5) م: يَرْوِي (6) الْمَوْضُوعَاتِ: وَقَالَ (7) ن: وَأَخُو رَسُولِهِ ; وَأَخُو رَسُولِهِ وَأَنَا الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ (8) قَالَ الدُّكْتُورُ وَصِيُّ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَبَّاسٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْحَدِيثِ: "هَذَا إِسْنَادٌ مُنْكَرٌ لِأَجْلِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيِّ الْكُوفِيِّ. . . وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي" الْمِيزَانِ "2/368: هَذَا كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ" (9) س، ب: أَنَّهُ (10) م: مِمَّا لَيْسَ يُشْتَبَهُ حَتَّى يُخْطِئَ فِيهِ، فَالنَّاقِلُ عَنْهُ إِمَّا مُتَعَمِّدٌ الْكَذِبَ، وَإِمَّا مُخْطِئٌ غَالِطٌ، وَلَيْسَ قَدْحُ الْمُبْغِضِ لِعَلِيٍّ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْمُتَعَصِّبِينَ لِبَنِي مَرْوَانَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّا يُشَكِّكُنَا فِي صِدْقِهِ وَبِرِّهِ وَتَقْوَاهُ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ قَدْحُ الرَّافِضَةِ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، بَلْ وَقَدْحُ الشِّيعَةِ فِي عُثْمَانَ لَا يُشَكِّكُنَا فِي الْعِلْمِ بِصِدْقِهِمْ وَبِرِّهِمْ وَتَقْوَاهُمْ، بَلْ نَحْنُ نَجْزِمُ بِأَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا هُوَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ. ، فَإِذَا كَانَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ مِمَّا لَا يُغْلَطُ [1] فِي مِثْلِهِ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ كَذِبٌ، جَزَمْنَا بِكَذِبِ النَّاقِلِ مُتَعَمِّدًا أَوْ مُخْطِئًا. مِثْلَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي "الْمَنَاقِبِ" [2] : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ [3] ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو [4] ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِيٍّ. وَحَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ [5] بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو [6] ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيِّ، «عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: 214) دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لَآكِلًا جَذَعَةً، وَإِنْ كَانَ شَارِبًا فَرَقًا» . . إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ. (1) 1) س، ب: مِمَّا يُغْلَطُ (2) 2) فِي "فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ" 2/650 651 (رَقْمُ 1108) (3) 3) الْفَضَائِلِ: بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ (4) 4) م: بْنِ عُمَرَ (5) 5) الْفَضَائِلِ: أَسْوَدُ (6) 6) م: بْنِ عُمَرَ وَهَذَا كَذِبٌ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَرْوِهِ قَطُّ، وَكَذِبُهُ ظَاهِرٌ مِنْ وُجُوهٍ [1] . وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "الْفَضَائِلِ [2]" : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ [3] ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي صَادِقٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ نَاجِزٍ، عَنْ عَلِيٍّ، وَهَؤُلَاءِ يُعْلَمُ [4] أَنَّهُمْ يَرْوُونَ الْبَاطِلَ. وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ [5] مِنْ طَرِيقِ أَجْلَحَ، عَنْ سَلَمَةَ [6] بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ حَبَّةَ بْنِ جُوَيْنٍ [7] ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: أَنَا [8] عَبَدْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَعْبُدَهُ رَجُلٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَمْسَ سِنِينَ أَوْ سَبْعَ سِنِينَ "قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: حَبَّةُ لَا يُسَاوِي حَبَّةً [9] فَإِنَّهُ كَذَّابٌ، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ [10] ، وَقَالَ السَّعْدِيُّ: غَيْرُ ثِقَةٍ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ وَاهِيًا [11] فِي الْحَدِيثِ، وَأَمَّا الْأَجْلَحُ فَقَالَ أَحْمَدُ: قَدْ رَوَى غَيْرَ حَدِيثٍ مُنْكَرٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ [12] ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ" . (1) 1) قَالَ مُحَقِّقُ "الْفَضَائِلِ:" إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِأَجْلِ يَحْيَى الْحِمَّانِيِّ وَعَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَشَرِيكٍ "" (2) لَمْ أَجِدِ الْحَدِيثَ فِي "الْفَضَائِلِ" بِالْإِسْنَادِ التَّالِي، وَلَكِنْ جَاءَ الْحَدِيثُ مَرَّةً أُخْرَى فِي "الْفَضَائِلِ" 2/700 (رَقْمُ 1196) بِإِسْنَادٍ آخَرَ (3) ن: عَفَّانُ ; م: عَفَّارٌ (4) س، ب: وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (5) فِي "الْمَوْضُوعَاتِ" 1/341 342 (6) الْمَوْضُوعَاتِ: أَجَلَحَ بْنِ سَلَمَةَ (7) م: بْنِ جُوَيْرٍ (غَيْرَ مَنْقُوطَةٍ) (8) أَنَا: لَيْسَتْ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ" (9) الْمَوْضُوعَاتِ: وَهَذَا حَدِيثٌ مُوضَعٌ عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَمَّا حَبَّةُ فَلَا يُسَاوِي حَبَّةً (10) الْمَوْضُوعَاتِ: لَيْسَ حَدِيثُهُ بِشَيْءٍ (11) م: وَاهِنًا (12) الْمَوْضُوعَاتِ: بِحَدِيثِهِ
__________________
|
#445
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (445) صـ 447 إلى صـ 456 قَالَ أَبُو الْفَرَجِ [1] : وَمِمَّا يُبْطِلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي تَقَدُّمِ إِسْلَامِ خَدِيجَةَ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَزَيْدٍ [2] ، وَأَنَّ عُمَرَ أَسْلَمَ فِي سَنَةِ سِتٍّ مِنَ النُّبُوَّةِ بَعْدَ أَرْبَعِينَ رَجُلًا [3] ، فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا. وَذَكَرَ حَدِيثًا [4] عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "(أَنَا) [5] الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ [6]" ، "وَهُوَ مِمَّا عَمِلَتْهُ يَدُ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ الذَّرَّاعِ [7] ، فَإِنَّهُ كَانَ كَذَّابًا يَضَعُ الْحَدِيثَ" . وَحَدِيثًا فِيهِ [8] "أَنَا أَوَّلُهُمْ إِيمَانًا، وَأَوْفَاهُمْ بِعَهْدِ اللَّهِ، وَأَقْوَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَأَقْسَمُهُمْ بِالسَّوِيَّةِ [9] ، وَأَعْدَلُهُمْ فِي الرَّعِيَّةِ، وَأَبْصَرُهُمْ بِالْقَضِيَّةِ [10]" قَالَ: "وَهُوَ مَوْضُوعٌ [11] ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ بِشْرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ، وَابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى الثِّقَاتِ" ، وَرَوَاهُ الْأَبْزَارِيُّ الْحُسَيْنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ [12] الْجَوْهَرِيِّ، عَنْ مَأْمُونٍ، عَنِ الرَّشِيدِ، قَالَ: وَهَذَا الْأَبْرَازِيُّ كَانَ كَذَّابًا [13] . (1) بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً (2) الْمَوْضُوعَاتِ: خَدِيجَةَ وَيَزِيدَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَالْمَقْصُودُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (3) رَجُلًا: لَيْسَتْ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ" (4) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: "طَرِيقٌ آخَرُ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ" (5) أَنَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (6) الْحَدِيثُ فِي "الْمَوْضُوعَاتِ" طَوِيلٌ وَآخِرُ عِبَارَاتِهِ: "فَهَذَا الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ" (7) الْمَوْضُوعَاتِ: "هَذَا لَا نَشُكُّ أَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الذَّرَّاعِ" (7) الْمَوْضُوعَاتِ: "هَذَا لَا نَشُكُّ أَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الذَّرَّاعِ" (8) وَهُوَ الْحَدِيثُ التَّالِي 1/342 343 (9) ن، س: بِالتَّسْوِيَةِ (10) الْمَوْضُوعَاتِ: وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَزِيَّةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ (11) 11) الْمَوْضُوعَاتِ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ (12) 12) س، ب: بْنِ سَعْدٍ (13) 13) لَخَّصَ ابْنُ تَيْمِيَةَ هُنَا كَلَامَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ الَّذِي ذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا. وَفِي "الْمَوْضُوعَاتِ" : الْأَبْزَارِيُّ وَذَكَرَ حَدِيثًا [1] : "«أَنْتَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي، وَأَنْتَ أَوَّلُ مَنْ يُصَافِحُنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنْتَ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ، وَأَنْتَ الْفَارُوقُ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَأَنْتَ يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمَالُ يَعْسُوبُ الْكَافِرِينَ، أَوْ يَعْسُوبُ [2] الظُّلْمَةِ» [3]" . قَالَ: "وَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَفِي طَرِيقِهِ الْأَوَّلِ [4] ، عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ." قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنِ الْمَشَاهِيرِ فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ، وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ عَنِ الْمَشَاهِيرِ، وَكَانَ غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِشَيْءٍ [5] ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ الثَّانِي فَفِيهِ أَبُو الصَّلْتِ الْهَرَوِيُّ، كَانَ كَذَّابًا رَافِضِيًّا [6] خَبِيثًا، فَقَدِ اجْتَمَعَ عَبَّادٌ وَأَبُو الصَّلْتِ فِي رِوَايَتِهِ [7] ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِهِمَا أَيُّهُمَا سَرَقَهُ مِنْ صَاحِبِهِ "." قُلْتُ: لَعَلَّ الْآفَةَ فِيهِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَرُوِيَ عَنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَاهِرٍ [8] ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، لَا يَكْتُبُ عَنْهُ إِنْسَانٌ فِي خَيْرٍ، قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ: "كَانَ غَالِيًا فِي الرَّفْضِ" . (1) وَهُوَ الْحَدِيثُ التَّالِي 1/344 (2) م: وَيَعْسُوبُ (3) عِبَارَةُ "أَوْ يَعْسُوبُ الظُّلْمَةِ" جَاءَتْ فِي رِوَايَةٍ تَالِيَةٍ 1/345 (4) الْمَوْضُوعَاتِ: أَمَّا الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ فَفِيهِ (5) لَمْ يَلْتَزِمِ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي الْعِبَارَاتِ الْأَخِيرَةِ بِكَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (6) ن، س، ب: رَافِضًا (7) الْمَوْضُوعَاتِ: فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ (8) لَمْ يَلْتَزِمْ هُنَا ابْنُ تَيْمِيَةَ بِتَرْتِيبِ كَلَامِ "الْمَوْضُوعَاتِ" [طُرُقٌ يُمْكِنُ سُلُوكُهَا لِمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْأَخْبَارِ] فَصْلٌ وَهُنَا طُرُقٌ [1] يُمْكِنُ سُلُوكُهَا لِمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْأَخْبَارِ مِنَ الْخَاصَّةِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخَاصَّةِ - فَضْلًا عَنِ الْعَامَّةِ - يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ فِي أَكْثَرِ مَا يُرْوَى مِنَ الْأَخْبَارِ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ [2] ، وَلِهَذَا عَدَلَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالنَّظَرِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْأَخْبَارِ بِالْإِسْنَادِ وَأَحْوَالِ الرِّجَالِ لِعَجْزِهِمْ عَنْهَا، وَسَلَكُوا طَرِيقًا آخَرَ. وَلَكِنَّ تِلْكَ الطَّرِيقَ هِيَ طَرِيقَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ، الْعَالِمِينَ بِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَلَكِنْ نَحْنُ نَذْكُرُ طَرِيقًا آخَرَ، فَنَقُولُ: نُقَدِّرُ أَنَّ الْأَخْبَارَ الْمُتَنَازَعَ فِيهَا لَمْ تُوجَدْ، أَوْ لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهَا الصَّحِيحُ، وَنَتْرُكُ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا فِي الطَّرَفَيْنِ، وَنَرْجِعُ إِلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّوَاتُرِ، وَمَا يُعْلَمُ مِنَ الْعُقُولِ [3] وَالْعَادَاتِ، وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا. فَنَقُولُ: مِنَ الْمَعْلُومِ الْمُتَوَاتِرِ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَنْقُولَاتِ، وَالسِّيَرِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَطْلُبِ الْخِلَافَةَ لَا بِرَغْبَةٍ وَلَا بِرَهْبَةٍ، لَا بَذَلَ فِيهَا مَا يُرَغِّبُ [4] النَّاسَ بِهِ، وَلَا شَهَرَ (1) س، ب: طَرِيقٌ (2) ن، م: عُلَمَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ (3) ن، م: بِالْعُقُولِ (4) ن، م: مَا لَا يُرَغِّبُ، وَهُوَ خَطَأٌ عَلَيْهِمْ سَيْفًا يُرْهِبُهُمْ بِهِ، وَلَا كَانَتْ لَهُ قَبِيلَةٌ وَلَا مَوَالٍ [1] تَنْصُرُهُ، وَتُقِيمُهُ فِي ذَلِكَ، كَمَا جَرَتْ عَادَةُ [2] الْمُلُوكِ أَنَّ أَقَارِبَهُمْ وَمَوَالِيَهُمْ يُعَاوِنُونَهُمْ، وَلَا طَلَبَهَا أَيْضًا بِلِسَانِهِ، وَلَا قَالَ: بَايِعُونِي، بَلْ أَمَرَ بِمُبَايَعَةِ عُمَرَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ كَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لَمْ يُؤْذِهِ، وَلَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْمُبَايَعَةِ، وَلَا مَنَعَهُ حَقًّا لَهُ، وَلَا حَرَّكَ عَلَيْهِمْ سَاكِنًا، وَهَذَا [3] غَايَةٌ فِي عَدَمِ إِكْرَاهِ النَّاسِ عَلَى الْمُبَايَعَةِ. ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ بَايَعُوهُ وَدَخَلُوا فِي طَاعَتِهِ، وَالَّذِينَ بَايَعُوهُ هُمُ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَهُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَهُمْ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ بَيْعَتِهِ إِلَّا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ. وَأَمَّا عَلِيٌّ وَسَائِرُ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ بَايَعُوهُ [4] ، لَكِنْ تَخَلَّفَ فَإِنَّهُ [5] كَانَ يُرِيدُ الْإِمْرَةَ [6] لِنَفْسِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ إِنَّهُ فِي مُدَّةِ وِلَايَتِهِ قَاتَلَ بِهِمُ الْمُرْتَدِّينَ وَالْمُشْرِكِينَ، لَمْ [7] يُقَاتِلْ (1) م: أَمْوَالٌ (2) ن، س: جَرَتْ مِنْ عَادَةِ ; ب: جَرَى مِنْ عَادَةِ (3) س، ب: وَهَذِهِ (4) م: بَايَعُوا (5) ن، س: لَكِنَّ تَخَلُّفَهُ فَإِنَّهُ ; ب: لَكِنَّ تَخَلُّفَهُ لِأَنَّهُ. وَالْكَلَامُ هُنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (6) ن، س، ب: الْأَمْرَ (7) س، ب: وَلَمْ مُسْلِمِينَ، بَلْ أَعَادَ الْأَمْرَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ، وَأَخَذَ يَزِيدُ الْإِسْلَامَ فُتُوحًا، وَشَرَعَ فِي قِتَالِ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَمَاتَ وَالْمُسْلِمُونَ مُحَاصِرُو دِمَشْقَ، وَخَرَجَ مِنْهَا أَزْهَدَ [1] مِمَّا دَخَلَ فِيهَا: لَمْ يَسْتَأْثِرْ عَنْهُمْ [2] بِشَيْءٍ، وَلَا أَمَّرَ لَهُ قَرَابَةً. ثُمَّ وَلِيَ عَلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَفَتَحَ الْأَمْصَارَ، وَقَهَرَ الْكُفَّارَ، وَأَعَزَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ، وَأَذَلَّ أَهْلَ النِّفَاقِ وَالْعُدْوَانِ، وَنَشَرَ الْإِسْلَامَ وَالدِّينَ، وَبَسَطَ الْعَدْلَ فِي الْعَالَمِينَ، وَوَضَعَ دِيوَانَ الْخَرَاجِ وَالْعَطَاءِ لِأَهْلِ الدِّينِ، وَمَصَّرَ الْأَمْصَارَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَخَرَجَ مِنْهَا أَزْهَدَ [3] مِمَّا دَخَلَ فِيهَا، لَمْ يَتَلَوَّثْ لَهُمْ بِمَالٍ، وَلَا وَلَّى أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ وِلَايَةً، فَهَذَا أَمْرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ. وَأَمَّا عُثْمَانُ فَإِنَّهُ بَنَى عَلَى أَمْرٍ قَدِ اسْتَقَرَّ قَبْلَهُ بِسَكِينَةٍ وَحِلْمٍ [4] ، وَهُدًى وَرَحْمَةٍ وَكَرَمٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ قُوَّةُ عُمَرَ وَلَا سِيَاسَتُهُ، وَلَا فِيهِ كَمَالُ عَدْلِهِ وَزُهْدِهِ، فَطُمِعَ فِيهِ بَعْضُ الطَّمَعِ، وَتَوَسَّعُوا فِي الدُّنْيَا، (وَأَدْخَلَ مِنْ أَقَارِبِهِ فِي الْوِلَايَةِ وَالْمَالِ) [5] ، وَدَخَلَتْ [6] بِسَبَبِ أَقَارِبِهِ فِي الْوِلَايَاتِ وَالْأَمْوَالِ [7] أُمُورٌ أُنْكِرَتْ عَلَيْهِ، فَتَوَلَّدَ مِنْ رَغْبَةِ [8] (بَعْضِ) [9] النَّاسِ فِي الدُّنْيَا، وَضَعْفِ (1) س، ب: أَزْيَدَ (2) م: عَلَيْهِمْ (3) س، ب: أَزْيَدَ (4) ن، م، س: وَحُكْمٍ (5) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ. وَفِيهَا فِي الْأَصْلِ: وَدَخَلُوا مِنْ أَقَارِبِهِ. . . إِلَخْ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ (6) ن، س، ب: وَدَخَلَ (7) م: الْمَالِ (8) م: رَعِيَّتِهِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (9) بَعْضِ: زِيَادَةٌ فِي (م) خَوْفِهِمْ مِنَ اللَّهِ وَمِنْهُ، وَمِنْ ضَعْفِهِ هُوَ، وَمَا حَصَلَ مِنْ أَقَارِبِهِ فِي الْوِلَايَةِ وَالْمَالِ - مَا أَوْجَبَ الْفِتْنَةَ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُومًا شَهِيدًا. وَتَوَلَّى [1] عَلِيٌّ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ، وَالْفِتْنَةُ قَائِمَةٌ، وَهُوَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ مُتَلَطِّخٌ [2] بِدَمِ عُثْمَانَ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ بَرَاءَتَهُ مِمَّا نَسَبَهُ إِلَيْهِ [3] الْكَاذِبُونَ عَلَيْهِ الْمُبْغِضُونَ لَهُ، كَمَا نَعْلَمُ بَرَاءَتَهُ مِمَّا نَسَبَهُ إِلَيْهِ [4] الْغَالُونَ فِيهِ الْمُبْغِضُونَ لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ عَلِيًّا لَمْ يُعِنْ عَلَى [5] قَتْلِ عُثْمَانَ وَلَا رَضِيَ بِهِ، كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ - وَهُوَ الصَّادِقُ - أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ، فَلَمْ تَصْفُ لَهُ قُلُوبُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَلَا أَمْكَنَهُ هُوَ قَهْرُهُمْ حَتَّى يُطِيعُوهُ، وَلَا اقْتَضَى رَأْيُهُ أَنْ يَكُفَّ عَنِ الْقِتَالِ حَتَّى يَنْظُرَ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ الْأَمْرُ، بَلِ اقْتَضَى رَأْيُهُ الْقِتَالَ، وَظَنَّ أَنَّهُ بِهِ تَحْصُلُ الطَّاعَةُ وَالْجَمَاعَةُ، فَمَا زَادَ الْأَمْرُ إِلَّا شِدَّةً، وَجَانِبُهُ إِلَّا ضَعْفًا، وَجَانِبُ مَنْ حَارَبَهُ إِلَّا قُوَّةً، وَالْأُمَّةُ إِلَّا افْتِرَاقًا، حَتَّى كَانَ فِي آخِرِ أَمْرِهِ يَطْلُبُ هُوَ [6] أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ مَنْ قَاتَلَهُ، كَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يُطْلَبُ مِنْهُ الْكَفُّ. وَضَعُفَتْ خِلَافَةُ (النُّبُوَّةِ) [7] ضَعْفًا أَوْجَبَ أَنْ تَصِيرَ مُلْكًا، فَأَقَامَهَا مُعَاوِيَةُ مُلْكًا بِرَحْمَةٍ وَحِلْمٍ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَأْثُورِ [8] : "«تَكُونُ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ" (1) ن، م: فَتَوَلَّى (2) س، ب: مُلَطَّخٌ (3) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (4) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (5) م: لَمْ يُحَرِّضْ عَلَى (6) م: هُوَ يَطْلُبُ (7) ن، س، ب: وَضَعُفَتِ الْخِلَافَةُ (8) الْمَأْثُورِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) تَكُونُ خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ وَرَحْمَةٍ، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكٌ وَرَحْمَةٌ [1] ، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكٌ» "[2] ." وَلَمْ يَتَوَلَّ أَحَدٌ مِنَ الْمُلُوكِ خَيْرًا مِنْ مُعَاوِيَةَ فَهُوَ خَيْرُ مُلُوكِ الْإِسْلَامِ، وَسِيرَتُهُ خَيْرٌ مِنْ سِيرَةِ سَائِرِ الْمُلُوكِ بَعْدَهُ، وَعَلِيٌّ آخِرُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ هُمْ [3] وِلَايَتُهُمْ خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ وَرَحْمَةٍ، وَكُلٌّ مِنَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُشْهَدُ لَهُ بِأَنَّهُ مِنْ [4] أَفْضَلِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ، [5] بَلْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ أَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ [6] ، لَكِنْ إِذَا جَاءَ الْقَادِحُ فَقَالَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: إِنَّهُمَا كَانَا ظَالِمَيْنِ مُتَعَدِّيَيْنِ [7] طَالِبَيْنِ لِلرِّئَاسَةِ مَانِعَيْنِ لِلْحُقُوقِ، (وَإِنَّهُمَا كَانَا مِنْ أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى الرِّئَاسَةِ) [8] ، وَإِنَّهُمَا - وَمَنْ أَعَانَهُمَا - ظَلَمُوا الْخَلِيفَةَ الْمُسْتَحِقَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ، وَإِنَّهُمْ مَنَعُوا أَهْلَ الْبَيْتِ مِيرَاثَهُمْ، وَإِنَّهُمَا كَانَا مِنْ أَحْرَصِ النَّاسِ عَلَى الرِّئَاسَةِ وَالْوِلَايَةِ (1) م: مُلْكًا رَحْمَةً (2) ذَكَرَ الْهَيْثَمِيُّ فِي "مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ" فِي كِتَابِ الْخِلَافَةِ، بَابُ كَيْفَ بَدَأَتِ الْإِمَامَةُ وَمَا تَصِيرُ إِلَيْهِ وَالْخِلَافَةُ وَالْمُلْكُ عِدَّةَ أَحَادِيثَ مُقَارِبَةً لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَقْرَبُهَا إِلَيْهِ هُوَ حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 5/189 190) ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوَّلُ هَذَا الْأَمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ يَكُونُ خِلَافَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَتَكَادَمُونَ عَلَيْهَا تَكَادُمَ الْحَمِيرِ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جِهَادِكُمُ الرِّبَاطُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رِبَاطِكُمْ عَسْقَلَانُ" . قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ" وَيَتَكَادَمُونَ: أَيْ يَعَضُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي "سِلْسِلَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ" 1/8 9 (حَدِيثٌ رَقْمُ 5) (3) هُمْ: لَيْسَتْ فِي (م) (4) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (5) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (6) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (7) ن: مُعْتَدَيْنِ ; م: مُتَعَدَّيْنِ (8) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) الْبَاطِلَةِ مَعَ مَا قَدْ عُرِفَ مِنْ سِيرَتِهِمَا [1] - كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذَا الظَّنَّ لَوْ كَانَ حَقًّا فَهُوَ أَوْلَى بِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا [2] حَتَّى غُلِبَ، وَسُفِكَتِ الدِّمَاءُ بِسَبَبِ الْمُنَازَعَةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُنَازِعِهِ، وَلَمْ يَحْصُلْ بِالْقِتَالِ لَا مَصْلَحَةُ الدِّينِ وَلَا مَصْلَحَةُ الدُّنْيَا، وَلَا قُوتِلَ فِي خِلَافَتِهِ كَافِرٌ، وَلَا فَرِحَ مُسْلِمٌ، فَإِنَّ عَلِيًّا لَا يَفْرَحُ بِالْفِتْنَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَشِيعَتُهُ لَمْ تَفْرَحْ بِهَا ; لِأَنَّهَا لَمْ تَغْلِبْ، وَالَّذِينَ قَاتَلُوهُ لَمْ يَزَالُوا أَيْضًا فِي كَرْبٍ وَشِدَّةٍ. وَإِذَا كُنَّا نَدْفَعُ مَنْ يَقْدَحُ فِي عَلِيٍّ مِنَ الْخَوَارِجِ، مَعَ ظُهُورِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ، فَلَأَنْ نَدْفَعَ مَنْ يَقْدَحُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. وَإِنْ جَازَ أَنْ يُظَنَّ بِأَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ كَانَ قَاصِدًا لِلرِّئَاسَةِ [3] بِالْبَاطِلِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ إِلَّا ضِدُّ ذَلِكَ، فَالظَّنُّ بِمَنْ قَاتَلَ عَلَى الْوِلَايَةِ - وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَقْصُودُهُ - أَوْلَى وَأَحْرَى. فَإِذَا ضُرِبَ مَثَلُ هَذَا وَهَذَا بِإِمَامَيْ مَسْجِدٍ، وَشَيْخَيْ مَكَانٍ [4] ، أَوْ مُدَرِّسَيْ مَدْرَسَةٍ - كَانَتِ الْعُقُولُ كُلُّهَا تَقُولُ: إِنَّ هَذَا أَبْعَدُ عَنْ طَلَبِ الرِّئَاسَةِ، وَأَقْرَبُ إِلَى قَصْدِ الدِّينِ وَالْخَيْرِ. فَإِذَا كُنَّا نَظُنُّ بِعَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ قَاصِدًا لِلْحَقِّ وَالدِّينِ، وَغَيْرَ مُرِيدٍ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا، فَظَنُّ ذَلِكَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَوْلَى وَأَحْرَى. (1) م: سِيَرِهِمَا (2) ن، س: أَوْلَى مَنْ قَالَ عَلَيْهَا ; م: أَوْلَى بِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا (3) ب: الرِّئَاسَةَ (4) س: كَانَ ; ب: خَانٍ وَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ بِأَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادَ، فَهَذَا الظَّنُّ بِعَلِيٍّ أَجْدَرُ وَأَوْلَى. أَمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُرِيدُ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادَ، وَعَلِيٌّ لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا، مَعَ ظُهُورِ السِّيرَتَيْنِ - فَهَذَا مُكَابَرَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا تَوَاتَرَ مِنَ السِّيرَتَيْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، بَلِ الْمُتَوَاتِرُ مِنَ السِّيرَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سِيرَةَ أَبِي بَكْرٍ أَفْضَلُ. وَلِهَذَا كَانَ الَّذِينَ ادَّعَوْا هَذَا لِعَلِيٍّ أَحَالُوا عَلَى مَا لَمْ يُعْرَفْ، وَقَالُوا: ثَمَّ نَصٌّ عَلَى خِلَافَتِهِ كُتِمَ، وَثَمَّ [1] عَدَاوَةٌ بَاطِنَةٌ لَمْ تَظْهَرْ، بِسَبَبِهَا مُنِعَ حَقَّهُ. وَنَحْنُ الْآنَ مَقْصُودُنَا أَنْ نَذْكُرَ مَا عُلِمَ وَتَيَقَّنَ وَتَوَاتَرَ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَأَمَّا مَا يُذْكَرُ [2] مِنْ مَنْقُولٍ يَدْفَعُهُ جُمْهُورُ النَّاسِ، وَمِنْ ظُنُونِ سَوْءٍ لَا يَقُومُ عَلَيْهَا دَلِيلٌ بَلْ نَعْلَمُ فَسَادَهَا، فَالْمُحْتَجُّ بِذَلِكَ مِمَّنْ يَتَّبِعُ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْكُفَّارِ وَأَهْلِ الْبَاطِلِ، وَهِيَ مُقَابَلَةٌ بِالْأَحَادِيثِ مِنَ الطُّرُقِ الْأُخَرِ. وَنَحْنُ لَمْ نَحْتَجَّ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَكَيْفَ بِالظَّنِّ الَّذِي لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا؟ ! فَالْمَعْلُومُ الْمُتَيَقَّنُ الْمُتَوَاتِرُ عِنْدَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَبْعَدَ عَنْ إِرَادَةِ الْعُلُوِّ وَالْفَسَادِ مِنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، فَضْلًا عَنْ عَلِيٍّ وَحْدَهُ، [3] وَأَنَّهُ كَانَ أَوْلَى [4] بِإِرَادَةِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَلَاحِ [5] الْمُسْلِمِينَ مِنَ الثَّلَاثَةِ (1) س، ب: ثَمَّ (2) ن، س: مَا نَذْكُرُ (3) : سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) وَفِي (س) :. . . وَعَلِيٍّ وَحْدَهُ (4) ب:. . كَانَ وَحْدَهُ أَوْلَى. (5) س، ب: وَإِصْلَاحِ بَعْدَهُ، فَضْلًا عَنْ عَلِيٍّ، وَأَنَّهُ كَانَ أَكْمَلَ عَقْلًا وَدِينًا وَسِيَاسَةً مِنَ الثَّلَاثَةِ، وَأَنَّ [1] وِلَايَتَهُ الْأُمَّةَ [2] خَيْرٌ مِنْ وِلَايَةِ عَلِيٍّ، وَأَنَّ مَنْفَعَتَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ أَعْظَمُ مِنْ مَنْفَعَةِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (أَجْمَعِينَ) [3] . وَإِذَا كُنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّهُ كَانَ مُجْتَهِدًا مُرِيدًا وَجْهَ اللَّهِ بِمَا فَعَلَ [4] ، وَأَنَّ مَا تَرَكَهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ، وَمَا حَصَلَ مِنَ الْمَفْسَدَةِ كَانَ عَاجِزًا عَنْ دَفْعِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُرِيدًا لِلْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ وَلَا الْفَسَادِ - كَانَ هَذَا الِاعْتِقَادُ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَوْلَى وَأَخْلَقَ وَأَحْرَى [5] . فَهَذَا وَجْهٌ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُعَارِضَهُ إِلَّا بِمَا يُظَنُّ أَنَّهُ نَقْلٌ خَاصٌّ، كَالنَّقْلِ لِفَضَائِلِ عَلِيٍّ، وَلِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ، أَوْ أَنَّ إِمَامَتَهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، وَحِينَئِذٍ فَيُعَارَضُ هَذَا بِنَقْلِ الْخَاصَّةِ - الَّذِينَ هُمْ أَصْدَقُ وَأَكْثَرُ - لِفَضَائِلِ الصِّدِّيقِ الَّتِي تَقْتَضِي أَنَّهُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ، وَأَنَّ النُّصُوصَ إِنَّمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ. فَمَا مِنْ حُجَّةٍ يَسْلُكُهَا الشِّيعِيُّ إِلَّا وَبِإِزَائِهَا لِلسُّنِّيِّ حُجَّةٌ مِنْ جِنْسِهَا أَوْلَى مِنْهَا، فَإِنَّ السُّنَّةَ فِي الْإِسْلَامِ كَالْإِسْلَامِ فِي الْمِلَلِ، فَمَا مِنْ حُجَّةٍ يَسْلُكُهَا كِتَابِيٌّ إِلَّا وَلِلْمُسْلِمِ فِيهَا مَا هُوَ أَحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ مِنْهَا. قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (سُورَةِ الْفُرْقَانِ: 33) (1) ن، س، ب: فَإِنَّ (2) ن، س، ب: لِأُمَّتِهِ (3) أَجْمَعِينَ: زِيَادَةٌ فِي (م) (4) م: لِوَجْهِ اللَّهِ بِمَا يَفْعَلُ (5) ب: وَأُخْرَى، وَهُوَ تَحْرِيفٌ
__________________
|
#446
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (446) صـ 457 إلى صـ 466 لَكِنَّ صَاحِبَ الْهَوَى الَّذِي لَهُ غَرَضٌ فِي جِهَةٍ، إِذَا وُجِّهَ لَهُ الْمُخَالِفُ لِهَوَاهُ ثَقُلَ عَلَيْهِ سَمْعُهُ وَاتِّبَاعُهُ. قَالَ تَعَالَى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} (سُورَةُ "الْمُؤْمِنُونَ" : 71) . وَهُنَا طَرِيقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: دَوَاعِي الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مُتَوَجِّهَةً إِلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَصْرِفُهُمْ عَنْهُ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا [1] حَصَلَ الدَّاعِي إِلَى الْحَقِّ، وَانْتَفَى الصَّارِفُ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَجَبَ الْفِعْلُ. فَعُلِمَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ اتَّبَعُوا فِيمَا فَعَلُوهُ الْحَقَّ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ [2] خَيْرُ الْأُمَمِ، وَقَدْ أَكْمَلَ اللَّهُ لَهُمُ الدِّينَ، وَأَتَمَّ عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الصِّدِّيقِ غَرَضٌ دُنْيَوِيٌّ يُقَدِّمُونَهُ لِأَجْلِهِ، وَلَا عِنْدَ عَلِيٍّ غَرَضٌ دُنْيَوِيٌّ يُؤَخِّرُونَهُ لِأَجْلِهِ، بَلْ لَوْ فَعَلُوا بِمُوجِبِ الطَّبْعِ لَقَدَّمُوا عَلِيًّا، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ لَوِ اتَّبَعَتِ الْهَوَى أَنْ تَتَّبِعَ رَجُلًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَحَبَّ إِلَيْهَا مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَيْمٍ، وَكَذَلِكَ عَامَّةُ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ لَا سِيَّمَا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ، وَبَنُو مَخْزُومٍ، فَإِنَّ طَاعَتَهُمْ لِمَنَافِيٍّ كَانَتْ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ طَاعَةِ تَيْمِيٍّ لَوِ اتَّبَعُوا الْهَوَى، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَأَمْثَالُهُ يَخْتَارُونَ تَقْدِيمَ عَلِيٍّ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ طَلَبَ مِنْ عَلِيٍّ أَنْ يَتَوَلَّى لِأَجْلِ الْقَرَابَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا، وَقَدْ قَالَ أَبُو قُحَافَةَ، لَمَّا قِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَكَ تَوَلَّى، قَالَ: "أَوَرَضِيَتْ بِذَلِكَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ، وَبَنُو مَخْزُومٍ؟" قَالُوا: نَعَمْ، فَعَجِبَ مِنْ ذَلِكَ، لِعِلْمِهِ (1) ن، ب، ب: وَإِذَا (2) ن، م، س: أَنَّهُ، وَهُوَ خَطَأٌ بِأَنَّ بَنِي تَيْمٍ كَانُوا مِنْ أَضْعَفِ الْقَبَائِلِ، وَأَنَّ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ كَانَتْ مِنْ تَيْنِكَ الْقَبِيلَتَيْنِ. وَهَذَا، وَأَمْثَالُهُ مِمَّا (إِذَا) [1] تَدَبَّرَهُ الْعَاقِلُ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُقَدِّمُوا أَبَا بَكْرٍ إِلَّا لِتَقْدِيمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ خَيْرَهُمْ وَسَيِّدَهُمْ وَأَحَبَّهُمْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ إِنَّمَا يُقَدِّمُ بِالتَّقْوَى لَا بِالنَّسَبِ، وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ أَتْقَاهُمْ. وَهُنَا طَرِيقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ تَوَاتَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، [2] ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ [3] ، وَهَذِهِ الْأُمَّةُ هِيَ خَيْرُ الْأُمَمِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ [4] مَنْ تَأَمَّلَ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي خِلَافَةِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَضْلًا عَنْ زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانُوا خَيْرًا وَأَفْضَلَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ، وَأَنَّ [5] الْإِسْلَامَ كَانَ فِي زَمَنِهِمْ أَقْوَى وَأَظْهَرَ، فَإِنْ كَانَ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ قَدْ جَحَدُوا حَقَّ الْإِمَامِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِمْ، وَمَنَعُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّهِمْ مِيرَاثَهُمْ، وَوَلَّوْا فَاسِقًا وَظَالِمًا، وَمَنَعُوا عَادِلًا عَالِمًا، مَعَ عِلْمِهِمْ بِالْحَقِّ، فَهَؤُلَاءِ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ، وَهَذِهِ الْأُمَّةُ شَرُّ الْأُمَمِ ; لِأَنَّ هَذَا فِعْلُ خِيَارِهَا، فَكَيْفَ بِفِعْلِ شِرَارِهَا؟ ! . وَهُنَا طَرِيقٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ عُرِفَ بِالتَّوَاتُرِ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانَ لَهُمْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى (1) إِذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) . وَفِي (س) ، (ب) : إِنْ (2) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) ، وَسَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/35 (3) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) ، وَسَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/35 (4) ب: فَإِنَّ (5) م: فَإِنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتِصَاصٌ عَظِيمٌ، وَكَانُوا مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ اخْتِصَاصًا بِهِ، وَصُحْبَةً لَهُ، وَقُرْبًا إِلَيْهِ، وَاتِّصَالًا بِهِ، وَقَدْ صَاهَرَهُمْ كُلَّهُمْ، وَمَا عُرِفَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَذُمُّهُمْ، وَلَا يَلْعَنُهُمْ، بَلِ الْمَعْرُوفُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّهُمْ وَيُثْنِي عَلَيْهِمْ. وَحِينَئِذٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا عَلَى الِاسْتِقَامَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ الِاسْتِقَامَةِ مَعَ هَذَا التَّقَرُّبِ، فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ: إِمَّا عَدَمُ عِلْمِهِ بِأَحْوَالِهِمْ، أَوْ مُدَاهَنَتُهُ لَهُمْ، وَأَيُّهُمَا كَانَ فَهُوَ أَعْظَمُ الْقَدْحِ فِي الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قِيلَ: فَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ ... وَإِنْ كُنْتَ تَدْرِي فَالْمُصِيبَةُ أَعْظَمُ وَإِنْ كَانُوا انْحَرَفُوا بَعْدَ الِاسْتِقَامَةِ فَهَذَا خِذْلَانٌ مِنَ اللَّهِ لِلرَّسُولِ فِي خَوَاصِّ أُمَّتِهِ، وَأَكَابِرِ أَصْحَابِهِ، وَمَنْ قَدْ أُخْبِرَ بِمَا سَيَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَيْنَ كَانَ عَنْ عِلْمِ ذَلِكَ؟ وَأَيْنَ الِاحْتِيَاطُ لِلْأُمَّةِ حَتَّى لَا يُوَلَّى مِثْلُ هَذَا أَمْرَهَا، وَمَنْ وُعِدَ أَنْ يَظْهَرَ دِينُهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ أَكَابِرُ خَوَاصِّهِ مُرْتَدِّينَ؟ فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَقْدَحُ بِهِ الرَّافِضَةُ فِي الرَّسُولِ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ: إِنَّمَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ الطَّعْنَ فِي الرَّسُولِ لِيَقُولَ الْقَائِلُ: رَجُلُ سَوْءٍ كَانَ لَهُ أَصْحَابُ سَوْءٍ، وَلَوْ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا لَكَانَ أَصْحَابُهُ صَالِحِينَ. وَلِهَذَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: إِنَّ الرَّافِضَةَ دَسِيسَةُ الزَّنْدَقَةِ، وَإِنَّهُ وُضِعَ عَلَيْهَا. وَطَرِيقٌ آخَرُ أَنْ يُقَالَ: الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِعَلِيٍّ - إِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ - قَوِيَّةٌ [1] ، وَالصَّوَارِفُ مُنْتَفِيَةٌ، وَالْقُدْرَةُ حَاصِلَةٌ. وَمَعَ وُجُودِ الدَّاعِي، وَالْقُدْرَةِ وَانْتِفَاءِ الصَّارِفِ يَجِبُ الْفِعْلُ، وَذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا هُوَ [2] ابْنُ عَمِّ نَبِيِّهِمْ، وَمِنْ أَفْضَلِهِمْ نَسَبًا، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدٍ عَدَاوَةٌ: لَا عَدَاوَةُ نَسَبٍ، وَلَا إِسْلَامٍ، بِأَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ: قَتَلَ أَقَارِبَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَهَذَا الْمَعْنَى [3] مُنْتَفٍ فِي الْأَنْصَارِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا مِنْ أُقَارِبِهِمْ، وَلَهُمُ الشَّوْكَةُ، وَلَمْ يَقْتُلْ مِنْ بَنِي تَيْمٍ، وَلَا عَدِيٍّ، وَلَا كَثِيرٍ مِنَ الْقَبَائِلِ [4] أَحَدًا، وَالْقَبَائِلُ [5] الَّتِي قَتَلَ مِنْهَا كَبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، كَانَتْ تُوَالِيهِ، وَتَخْتَارُ وِلَايَتَهُ [6] ; لِأَنَّهُ إِلَيْهَا أَقْرَبُ، فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَى وِلَايَتِهِ [7] ، أَوْ كَانَ [8] هُوَ الْأَفْضَلَ الْمُسْتَحِقَّ لَهَا لَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا يَخْفَى عَلَيْهِمْ، وَعِلْمُهُمْ بِذَلِكَ يُوجِبُ انْبِعَاثَ إِرَادَتِهِمْ إِلَى وِلَايَتِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ صَارِفٌ يَمْنَعُ، وَالْأَسْبَابُ كَانَتْ مُسَاعِدَةً لِهَذَا الدَّاعِي، وَلَا مُعَارِضَ لَهَا، وَلَا صَارِفَ أَصْلًا. وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الصَّارِفَ كَانَ فِي نَفَرٍ قَلِيلٍ فَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا صَارِفٌ يَصْرِفُهُمْ عَنْهُ، بَلْ هُمْ قَادِرُونَ عَلَى وِلَايَتِهِ، وَلَوْ قَالَتِ الْأَنْصَارُ: عَلِيٌّ أَحَقُّ بِهَا مِنْ سَعْدٍ وَمِنْ أَبِي بَكْرٍ - (مَا) [9] أَمْكَنَ أُولَئِكَ (1) قَوِيَّةٌ: سَاقِطَةٌ (س) . وَفِي (ب) : مَوْجُودَةٌ. (2) هُوَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (3) الْمَعْنَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (4) سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (5) سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (6) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (7) سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (8) ب: لَوْ كَانَ (9) مَا: فِي (ب) فَقَطْ النَّفَرَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَنْ يُدَافِعُوهُمْ، وَقَامَ أَكْثَرُ النَّاسِ مَعَ عَلِيٍّ، لَا سِيَّمَا وَكَانَ جُمْهُورُ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُبْغِضُونَ عُمَرَ لِشِدَّتِهِ عَلَيْهِمْ، وَبُغْضُ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ لِعُمَرَ أَعْظَمُ مِنْ بُغْضِهِمْ لِعَلِيٍّ بِمَا لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا، بَلْ لَمْ [1] يُعْرَفْ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يُبْغِضُهُ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ إِلَّا [2] كَمَا يُبْغِضُونَ أَمْثَالَهُ، بِخِلَافِ عُمَرَ فَإِنَّهُ كَانَ شَدِيدًا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ مِنَ الْقِيَاسِ أَنْ يَنْفِرُوا عَنْ جِهَةٍ فِيهَا عُمَرُ. وَلِهَذَا لَمَّا اسْتَخْلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ كَرِهَ خِلَافَتَهُ طَائِفَةٌ، حَتَّى قَالَ طَلْحَةُ: مَاذَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا وَلَّيْتَ عَلَيْنَا فَظًّا غَلِيظًا؟ فَقَالَ: أَبِاللَّهِ تُخَوِّفُنِي؟ أَقُولُ: وَلَّيْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ. فَإِذَا كَانَ أَهْلُ الْحَقِّ مَعَ عَلِيٍّ، وَأَهْلُ الْبَاطِلِ مَعَ عَلِيٍّ، فَمَنِ الَّذِي يَغْلِبُهُ إِذَا كَانَ الْحَقُّ مَعَهُ؟ وَهَبْ أَنَّهُمْ إِذَا قَامُوا لَمْ يَغْلِبُوا، أَمَا كَانَتِ الدَّوَاعِي الْمَعْرُوفَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ تُوجِبُ أَنْ يَجْرِيَ فِي ذَلِكَ قِيلَ وَقَالَ وَنَوْعٌ مِنَ الْجِدَالِ؟ أَوَلَيْسَ ذَلِكَ أَوْلَى بِالْكَلَامِ فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ فِي وِلَايَةِ سَعْدٍ؟ فَإِذَا كَانَتِ الْأَنْصَارُ بِشُبْهَةٍ [3] لَا أَصْلَ لَهَا طَمِعُوا أَنْ يَتَأَمَّرَ سَعْدٌ، فَمَنْ يَكُونُ فِيهِمُ الْمُحِقُّ [4] ؟ وَنَصُّ الرَّسُولِ الْجَلِيُّ كَيْفَ لَا يَكُونُ أَعْوَانُهُ أَطْمَعَ فِي الْحَقِّ، فَإِذَا كَانَ لَمْ يَنْبِزْ [5] مُتَكَلِّمٌ مِنْهُمْ [6] بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَدْعُ دَاعٍ إِلَى عَلِيٍّ: (1) ن، م، س: لِمَنْ، وَهُوَ خَطَأٌ (2) إِلَّا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (3) ن: تُشْبِهُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (4) ن، م: الْحَقُّ (5) م: يَنْبِزْهُ، س: يُمَيِّزْ ; ب: يَنْبِسْ (6) مِنْهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، وَاسْتَمَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ بُويِعَ لَهُ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، فَحِينَئِذٍ قَامَ هُوَ وَأَعْوَانُهُ فَطَلَبُوا وَقَاتَلُوا وَلَمْ يَسْكُتُوا، حَتَّى كَادُوا يَغْلِبُوا [1] - عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ سُكُوتَهُمْ أَوَّلًا كَانَ لِعَدَمِ الْمُقْتَضَى لَا لِوُجُودِ الْمَانِعِ، وَأَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ بِأَنَّ عَلِيًّا هُوَ [2] الْأَحَقُّ فَضْلًا عَنْ نَصٍّ جَلِيٍّ، وَأَنَّهُ [3] لَمَّا بَدَا لَهُمُ اسْتِحْقَاقُهُ قَامُوا مَعَهُ، مَعَ وُجُودِ الْمَانِعِ. وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَبْعَدَهُمْ عَنِ الْمُمَانَعَةِ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِكَثِيرٍ كَثِيرٍ، لَوْ كَانَ لِعَلِيٍّ حَقٌّ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَدْعُ إِلَى نَفْسِهِ، وَلَا أَرْغَبَ وَلَا أَرْهَبَ، وَلَا [4] كَانَ طَالِبًا لِلرِّئَاسَةِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَلَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يُمْكِنُ أَحَدًا الْقَدْحُ فِي عَلِيٍّ، كَمَا أَمْكَنَ ذَلِكَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ نَسَبَهُ كَثِيرٌ مِنْ شِيعَةِ عُثْمَانَ إِلَى أَنَّهُ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: خَذَلَهُ، وَكَانَ قَتَلَةُ عُثْمَانَ فِي عَسْكَرِهِ، وَكَانَ هَذَا مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي مَنَعَتْ كَثِيرًا مِنْ مُبَايَعَتِهِ. وَهَذِهِ الصَّوَارِفُ كَانَتْ مُنْتَفِيَةً فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، فَكَانَ جُنْدُهُ أَعْظَمَ، وَحَقُّهُ إِذْ ذَاكَ - لَوْ كَانَ مُسْتَحِقًّا - أَظْهَرَ، وَمُنَازِعُوهُ أَضْعَفَ دَاعِيًا وَأَضْعَفَ قُوَّةً، وَلَيْسَ هُنَاكَ دَاعٍ قَوِيٌّ يَدْعُو إِلَى مَنْعِهِ [5] ، كَمَا كَانَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، وَلَا جُنْدٌ [6] يُجْمِعُ عَلَى مُقَاتَلَتِهِ [7] ، كَمَا كَانَ بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ. (1) ن، س: يُعْلِنُوا (2) س، ب: بِأَنَّهُ هُوَ (3) س، ب: وَأَنَّهُمْ (4) ب: لَا (5) ن، س: مَنْفَعَةٍ ; م: بَيْعَةٍ (غَيْرُ مَنْقُوطَةٍ) (6) ن، م، س: جُنْدُهُ (7) س: مُقَابَلَتِهِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ وَأَمْثَالُهَا مَنْ تَأَمَّلَهَا تَبَيَّنَ لَهُ انْتِفَاءُ اسْتِحْقَاقِهِ إِذْ ذَاكَ بَيَانًا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَقَّ لِعَلِيٍّ، وَطَلَبَهُ [1] عَلِيٌّ لَكَانَ أَبُو بَكْرٍ: إِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ يُجَامِلَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَعْتَذِرَ إِلَيْهِ، وَلَوْ قَامَ [2] أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ظَالِمٌ يُدَافِعُ عَلِيًّا وَهُوَ مُحِقٌّ، لَكَانَتِ الشَّرِيعَةُ وَالْعَادَةُ وَالْعَقْلُ تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ مَعَ عَلِيٍّ الْمُحِقِّ الْمَعْصُومِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الْمُعْتَدِي الظَّلُومِ، لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، لَا سِيَّمَا وَالنُّفُوسُ تَنْفِرُ عَنْ مُبَايَعَةِ مَنْ لَيْسَ مِنْ بَيْتِ الْوِلَايَةِ أَعْظَمُ مِنْ نَفْرَتِهَا عَنْ مُبَايَعَةِ أَهْلِ بَيْتِ الْمُطَاعِ [3] ، فَالدَّوَاعِي لِعَلِيٍّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَتْ أَعْظَمَ وَأَكْثَرَ، لَوْ كَانَ أَحَقَّ، وَهِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَتْ أَبْعَدَ لَوْ كَانَ ظَالِمًا. لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُقْتَضَى مَعَ أَبِي بَكْرٍ - وَهُوَ دِينُ اللَّهِ - قَوِيًّا، وَالْإِسْلَامُ فِي جِدَّتِهِ [4] وَطَرَاوَتِهِ [5] وَإِقْبَالِهِ، كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ أَلَّا [6] يَصْرِفُوا الْحَقَّ عَمَّنْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْأَحَقُّ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ (كَانَ) [7] لِبَعْضِهِمْ هَوًى مَعَ الْغَيْرِ. وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مَعَهُ هَوًى إِلَّا هَوَى الدِّينِ، الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ. فَهَذِهِ الْأُمُورُ وَأَمْثَالُهَا مَنْ تَدَبَّرَهَا عَلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الْقَوْمَ عَلِمُوا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الْأَحَقُّ بِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ، وَأَنَّ وِلَايَتَهُ أَرْضَى لِلَّهِ [8] وَرَسُولِهِ فَبَايَعُوهُ، (1) س، ب: وَطَالَبَهُ (2) ن، م: أَقَامَ (3) م: أَهْلِ بَيْتٍ مُطَاعٍ ; س، ب: أَهْلِ الْبَيْتِ الْمُطَاعِ (4) م، س: حِدَّتِهِ (5) ب: وَطَرَاءَتِهِ (6) ن، س: وَأَنْ ; ب، م: أَنْ. وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ (7) كَانَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (س) ، (ب) (8) م: تُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَعْرِفُوا وَيُحَرِّفُوا، وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ عَادَةً وَدِينًا، وَالْأَسْبَابُ مُتَعَدِّدَةٌ، فَهَذَا الْمَعْلُومُ الْيَقِينِيُّ لَا يَنْدَفِعُ بِأَخْبَارٍ لَا يُعْلَمُ صِحَّتُهَا، فَكَيْفَ إِذَا عُلِمَ كَذِبُهَا؟ وَأَلْفَاظٍ لَا تُعْلَمُ دَلَالَتُهَا، فَكَيْفَ إِذَا عُلِمَ انْتِفَاءُ دَلَالَتِهَا؟ وَمَقَايِيسَ لَا نِظَامَ لَهَا، يُعَارِضُهَا مِنَ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ الثَّابِتِ الْإِسْنَادِ الْمَعْلُومِ الْمَدْلُولِ مَا هُوَ أَقْوَى وَأَوْلَى بِالْحَقِّ، وَأَحْرَى. وَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ الَّذِينَ يَدْفَعُونَ [1] الْحَقَّ الْمَعْلُومَ [2] يَقِينًا بِطُرُقٍ كَثِيرَةٍ عِلْمًا لَا يَقْبَلُ النَّقِيضَ بِشُبَهٍ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ، هُمْ مِنْ أَعْظَمِ الطَّوَائِفِ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمُ الزَّيْغُ [3] ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِهَ وَيَدَعُونَ الْمُحْكَمَ، كَالنَّصَارَى، وَالْجَهْمِيَّةِ، وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ الَّذِينَ يَدَعُونَ النُّصُوصَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي تُوجِبُ الْعِلْمَ، وَيُعَارِضُونَهَا بِشُبَهٍ لَا تُفِيدُ إِلَّا الشَّكَّ، لَوْ تُعْرَضُ [4] لَمْ تَثْبُتْ، وَهَذَا فِي الْمَنْقُولَاتِ سَفْسَطَةٌ كَالسَّفْسَطَةِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ، وَهُوَ الْقَدْحُ فِيمَا عُلِمَ بِالْحِسِّ وَالْعَقْلِ بِشُبَهٍ تُعَارِضُ ذَلِكَ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ [5] الْمُسْتَقِرَّ فِي الْقُلُوبِ بِالشُّبَهِ فَقَدْ سَلَكَ مَسْلَكَ السَّفْسَطَةِ، فَإِنَّ السَّفْسَطَةَ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا: النَّفْيُ وَالْجَحْدُ وَالتَّكْذِيبُ: إِمَّا بِالْوُجُودِ، وَإِمَّا بِالْعِلْمِ بِهِ. وَالثَّانِي: الشَّكُّ وَالرَّيْبُ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ اللَّاأَدْرِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا نَدْرِي، فَلَا يُثْبِتُونَ وَلَا يَنْفُونَ، لَكِنَّهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ قَدْ نَفَوُا الْعِلْمَ، وَهُوَ نَوْعٌ (1) يَدْفَعُونَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (2) ن، م، س: الظَّاهِرَ. وَالْمُثْبَتُ مِنْ (ب) (3) م: زَيْغٌ (4) ن، س، ب: لَوْ تَجَرَّدَتْ (5) ن، س، ب: النَّفْسِيَّ مِنَ النَّفْيِ فَعَادَتِ السَّفْسَطَةُ إِلَى جَحْدِ الْحَقِّ [1] الْمَعْلُومِ، أَوْ جَحْدِ الْعِلْمِ بِهِ. الثَّالِثُ: قَوْلُ مَنْ يَجْعَلُ الْحَقَائِقَ تَبَعًا لِلْعَقَائِدِ، فَيَقُولُ: مَنِ اعْتَقَدَ الْعَالَمَ قَدِيمًا فَهُوَ قَدِيمٌ، وَمَنِ اعْتَقَدَهُ مُحْدَثًا فَهُوَ مُحْدَثٌ، وَإِذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ [2] أَنَّهُ قَدِيمٌ عِنْدَهُ وَمُحْدَثٌ عِنْدَهُ [3] فَهَذَا صَحِيحٌ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ اعْتِقَادُهُ. لَكِنَّ السَّفْسَطَةَ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ كَذَلِكَ [4] فِي الْخَارِجِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْقَدْحُ فِيمَا عُلِمَ مِنْ أَحْوَالِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَمَا عُلِمَ مِنْ سِيرَتِهِمْ بَعْدَهُ بِأَخْبَارٍ يَرْوِيهَا الرَّافِضَةُ يُكَذِّبُهُمْ فِيهَا جَمَاهِيرُ الْأُمَّةِ [5] مِنْ أَعْظَمِ السَّفْسَطَةِ، وَمَنْ رَوَى لِمُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ تَقْدِيمَهُ عَلَى عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ كَانَ كَاذِبًا مُبْطِلًا مُسَفْسِطًا. وَمَعَ هَذَا فَكَذِبُ الرَّافِضَةِ الَّذِينَ [6] يَرْوُونَ [7] مَا يَقْدَحُ فِي إِيمَانِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَيُوجِبُ عِصْمَةَ عَلِيٍّ، أَعْظَمُ مِنْ كَذِبِ مَنْ يَرْوِي مَا يُفَضِّلُ بِهِ مُعَاوِيَةَ عَلَى عَلِيٍّ، وَسَفْسَطَتُهُمْ أَكْثَرُ، فَإِنَّ ظُهُورَ إِيمَانِ الثَّلَاثَةِ أَعْظَمُ مِنْ ظُهُورِ فَضْلِ عَلِيٍّ عَلَى مُعَاوِيَةَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَإِثْبَاتَ عِصْمَةِ عَلِيٍّ أَبْعَدُ عَنِ الْحَقِّ مِنْ إِثْبَاتِ فَضْلِ مُعَاوِيَةَ. (1) ن، س: النَّفْيِ ; ب: نَفْيِ (2) م: وَإِذَا يُرِيدُهُ بِذَلِكَ، وَهُوَ خَطَأٌ (3) عِبَارَةُ "وَمُحْدَثٌ عِنْدَهُ" : سَاقِطَةٌ مِنْ (م) ، وَفِي (ن) ، (س) : وَمُحْدَثٌ عَنْهُ (4) كَذَلِكَ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (5) ن، س، ب: الْأَئِمَّةِ (6) م: وَالَّذِينَ (7) ن، م: يُرِيدُونَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ثُمَّ خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ هِيَ مِنْ كَمَالِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِسَالَتِهِ، وَمِمَّا يُظْهِرُ أَنَّهُ رَسُولٌ حَقٌّ، لَيْسَ مَلِكًا مِنَ الْمُلُوكِ، فَإِنَّ عَادَةَ الْمُلُوكِ إِيثَارُ أَقَارِبِهِمْ * بِالْوِلَايَاتِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: مَحَبَّتُهُمْ لِأَقَارِبِهِمْ أَكْثَرُ مِنَ الْأَجَانِبِ، لِمَا فِي الطِّبَاعِ مِنْ مَيْلِ الْإِنْسَانِ إِلَى قَرَابَتِهِ، وَالثَّانِي: لِأَنَّ أَقَارِبَهُمْ يُرِيدُونَ إِقَامَةَ مُلْكِهِمْ مَا لَا يُرِيدُهُ الْأَجْنَبِيُّ ; لِأَنَّ فِي عِزِّ قَرِيبِ الْإِنْسَانِ عِزًّا لِنَفْسِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ مِنَ الْمُلُوكِ اسْتَعَانَ بِمَمَالِكِهِ وَمَوَالِيهِ فَقَرَّبَهُمْ وَاسْتَعَانَ بِهِمْ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي مُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ. وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ (مُلُوكُ) [1] بَنُو أُمَيَّةَ، وَبَنُو الْعَبَّاسِ مُلُوكًا، كَانُوا يُرِيدُونَ أَقَارِبَهُمْ * [2] ، وَمَوَالِيَهُمْ [3] بِالْوِلَايَاتِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُقِيمُونَ بِهِ مُلْكَهُمْ. وَكَذَلِكَ مُلُوكُ الطَّوَائِفِ كَبَنِي بُوَيْهٍ، وَبَنِي سَلْجَقَ، وَسَائِرِ الْمُلُوكِ بِالشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَالشَّامِ وَالْيَمَنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَكَذَا مُلُوكُ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ، كَمَا يُوجَدُ فِي مُلُوكِ الْفِرِنْجِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَمَا يُوجَدُ فِي آلِ جَنْكِشْخَانَ بِأَنَّ الْمُلُوكَ تَبْقَى فِي أَقَارِبِ الْمَلِكِ، وَيَقُولُونَ: هَذَا مِنَ الْعِظَمِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنَ الْعِظَمِ، أَيْ: مِنْ أَقَارِبِ الْمَلِكِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَوْلِيَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ، وَبَنِي عَمِّهِ: عَلِيٍّ، وَعَقِيلٍ، وَرَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، (1) مُلُوكُ: زِيَادَةٌ فِي (م) (2) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (3) س، ب: وَالْمُوَالَاةُ
__________________
|
#447
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (447) صـ 467 إلى صـ 476 وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَدُونَ سَائِرِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ كَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَخَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَأَبَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ الَّذِينَ كَانُوا أَجَلَّ قُرَيْشٍ قَدْرًا، وَأَقْرَبَ نَسَبًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مَلِكًا حَيْثُ لَمْ يُقَدِّمْ فِي خِلَافَتِهِ أَحَدًا لَا بِقُرْبِ نَسَبٍ مِنْهُ وَلَا بِشَرَفِ بَيْتِهِ، بَلْ إِنَّمَا قَدَّمَ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى. وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُمَّتَهُ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّمَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، وَيُطِيعُونَ أَمْرَهُ، لَا يُرِيدُونَ مَا يُرِيدُهُ غَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ، وَلَا يُرِيدُونَ أَيْضًا مَا أُبِيحَ لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْمُلْكِ، فَإِنَّ [1] اللَّهَ خَيَّرَ مُحَمَّدًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا نَبِيًّا [2] فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا. وَتَوْلِيَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعْدَهُ مِنْ تَمَامِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ قَدَّمَ [3] أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ لَكَانَتْ شُبْهَةً لِمَنْ يَظُنُّ * أَنَّهُ كَانَ مَلِكًا، كَمَا أَنَّهُ لَوْ وَرَّثَ مَالًا لِوَرَثَتِهِ لَكَانَتْ شُبْهَةً لِمَنْ يَظُنُّ * [4] أَنَّهُ جَمَعَ الْمَالَ لِوَرَثَتِهِ، فَلَمَّا [5] لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَا خَلَّفَ لَهُمْ مَالًا، كَانَ هَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ طَلَبِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُلُوكِ الْأَنْبِيَاءِ، بَلْ كَانَ عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ، (1) م: وَأَنَّ (2) ن، م، س: عَبْدًا نَبِيًّا. وَفِي هَامِشِ (س) مَا يَلِي: "لَعَلَّهُ: مَلِكًا رَسُولًا أَوْ: مَلِكًا نَبِيًّا، لَكِنْ فِي الْأَصْلِ: عَبْدًا نَبِيًّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. كَاتِبُهُ يُوسُف حُسَيْن" (3) س، ب: أَقَامَ (4) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (5) ن: فَكَمَا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "«إِنِّي وَاللَّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ [1] أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ»" [2] . وَقَالَ: "«إِنَّ رَبِّي خَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا أَوْ نَبِيًّا مَلِكًا، فَقُلْتُ: بَلْ عَبْدًا رَسُولًا»" [3] . وَإِذَا كَانَ هَذَا مِمَّا دَلَّ عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ مُلُوكِ الْأَنْبِيَاءِ، فَدَلَالَةُ ذَلِكَ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَنَزَاهَتِهِ عَنِ الْكَذِبِ وَالظُّلْمِ أَعْظَمُ وَأَعْظَمُ، وَلَوْ تَوَلَّى بَعْدَهُ عَلِيٌّ أَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ لَمْ تَحْصُلْ هَذِهِ الْمَصَالِحُ، وَالْإِلْطَافَاتُ [4] الْعَظِيمَةُ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْإِسْلَامَ فِي زَمَنِ عَلِيٍّ كَانَ أَظْهَرَ وَأَكْثَرَ [5] مِمَّا كَانَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَكَانَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ أَبْعَدَ عَنِ الْكُفْرِ مِنَ (1) م: وَإِنَّمَا أُقَاسِمُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (2) سَبَقَ الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 2/206 (3) الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي: الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 12/142 143 (رَقْمُ 7160) وَنَصُّهُ. . . عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ قَبْلَ السَّاعَةِ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ، قَالَ: أَفَمَلِكًا نَبِيًّا يَجْعَلُكَ أَوْ عَبْدًا رَسُولًا؟ قَالَ جِبْرِيلُ: تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ. قَالَ: "بَلْ عَبْدًا رَسُولًا" . قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَعْلِيقِهِ: "إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ" ، وَذَكَرَهُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ "الزَّوَائِدِ (9: 18/19) وَقَالَ:" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَرِجَالُ الْأَوَّلِينَ رِجَالُ الصَّحِيحِ ". وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَوْلَ أَبِي زُرْعَةَ:" وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "، مِمَّا يُظَنُّ مَعَهُ أَنَّهُ شَكَّ فِي وَصْلِهِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ حَكَى ظَنَّهُ الرَّاجِحَ الْقَرِيبَ إِلَى الْيَقِينِ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ فِي مِثْلِ هَذَا كَافِيَةٌ، فَإِعْرَاضُ الْهَيْثَمِيِّ عَنْ ذِكْرِ هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَرْوِيٌّ بِالْجَزْمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَأَبِي يَعْلَى أَوْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا" . وَانْظُرْ مَجْمَعَ الزَّوَائِدِ 9/18 \ 20 (4) م: الْمَصْلَحَةُ وَلَا الطَّاعَاتُ. . (5) س، ب: أَكْثَرَ وَأَظْهَرَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَاتَلَ الْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ، مَعَ مَا حَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الضَّعْفِ الْعَظِيمِ، وَمَا حَصَلَ مِنَ الِارْتِدَادِ لِأَكْثَرِ الْبَوَادِي، وَضَعْفِ قُلُوبِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَشَكَّ كَثِيرُهُمْ [1] فِي جِهَادِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمْ. ثُمَّ عُمَرُ تَوَلَّى قِتَالَ أُمَّتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ، لَمْ يَكُنْ فِي الْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ وَالْيَمَنِ يَقْهَرُونَهُمْ، وَهُمَا فَارِسُ وَالرُّومُ، فَقَهَرَهُمْ، وَفَتَحَ بِلَادَهُمْ، وَتَمَّمَ عُثْمَانُ مَا تَمَّمَ مِنْ فَتْحِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، ثُمَّ فُتِحَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ بَنِي أُمَيَّةَ مَا فُتِحَ بِالْمَشْرِقِ [2] وَالْمَغْرِبِ، كَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَالْأَنْدَلُسِ وَغَيْرِهِمَا، مِمَّا فُتِحَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ. فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ تَوَلَّى غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلُ عَلِيٍّ أَوْ عُثْمَانَ، لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا فَعَلَا، فَإِنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَفْعَلْ مَا فَعَلَا مَعَ قُوَّةِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَانِهِ، وَعَلِيٌّ كَانَ أَعْجَزَ مِنْ عُثْمَانَ، وَكَانَ أَعْوَانُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَعْوَانِهِمَا، وَعَدُوُّهُ أَقَلَّ وَأَقْرَبَ إِلَى الْإِسْلَامِ مِنْ عَدُوِّهِمَا، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَقْهَرْ عَدُوَّهُ، فَكَيْفَ كَانَ يُمْكِنُهُ قَهْرُ الْمُرْتَدِّينَ، وَقَهْرُ فَارِسَ وَالرُّومَ مَعَ قِلَّةِ الْأَعْوَانِ، وَقُوَّةِ الْعَدُوِّ. وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ فَضْلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَتَمَامَ نِعْمَةِ اللَّهِ بِهِمَا عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى النَّاسِ بَعْدَهُ [3] ، وَأَنَّ [4] مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ [5] اللَّهِ تَوْلِيَةَ (1) س، ب: كَثِيرٌ (2) ن، س: بِمَا فَتَحَ الْمَشْرِقَ ; ب: بِمَا فُتِحَ فِي الْمَشْرِقِ ; م: بِمَا فُتِحَ بِالْمَشْرِقِ. وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ (3) بَعْدَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (4) م: وَأَنَّهُ (5) ن، م: نِعْمَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ لَوْ تَوَلَّى غَيْرُهُمَا كَانَ لَمْ يَفْعَلْ مَا فَعَلَا، إِمَّا لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ، وَإِمَّا لِعَدَمِ الْإِرَادَةِ. فَإِنَّهُ إِذَا قِيلَ: لِمَ لَمْ يَغْلِبْ عَلِيٌّ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابَهُ؟ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ ذَلِكَ: إِمَّا عَدَمُ كَمَالِ الْقُدْرَةِ، وَإِمَّا عَدَمُ كَمَالِ الْإِرَادَةِ، وَإِلَّا فَمَعَ كَمَالِ الْقُدْرَةِ وَكَمَالِ الْإِرَادَةِ يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ، وَمِنْ تَمَامِ الْقُدْرَةِ طَاعَةُ الْأَتْبَاعِ لَهُ، وَمِنْ تَمَامِ الْإِرَادَةِ إِرَادَةُ [1] مَا هُوَ الْأَصْلَحُ الْأَنْفَعُ الْأَرْضَى لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ كَانَتْ قُدْرَتُهُمَا أَكْمَلَ وَإِرَادَتُهُمَا أَفْضَلَ، فَبِهَذَا نَصَرَ اللَّهُ بِهِمَا الْإِسْلَامَ، وَأَذَلَّ بِهِمَا الْكُفْرَ وَالنِّفَاقَ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُؤْتَ مِنْ كَمَالِ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ مَا أُوتِيَا. وَاللَّهُ تَعَالَى كَمَا فَضَّلَ بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ، فَضَّلَ بَعْضَ الْخُلَفَاءِ عَلَى بَعْضٍ، فَلَمَّا لَمْ يُؤْتَ مَا أُوتِيَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَفْعَلَ فِي خِلَافَتِهِ مَا فَعَلَا، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ [2] عَنْ ذَلِكَ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْجَزَ وَأَعْجَزَ، فَإِنَّهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ قُدِّرَ ذَلِكَ، فَإِنَّ غَايَةَ مَا يَقُولُ الْمُتَشَيِّعُ: إِنَّ أَتْبَاعَهُ لَمْ يَكُونُوا يُطِيعُونَهُ. فَيُقَالُ: إِذَا [3] كَانَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ [4] لَمْ يُطِيعُوهُ، فَكَيْفَ يُطِيعُهُ مَنْ لَمْ يُبَايِعْهُ [5] ؟ وَإِذَا قِيلَ: لَوْ بَايَعُوهُ [6] بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفَعَلَ بِهِمْ أَعْظَمَ مِمَّا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. (1) إِرَادَةُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (2) بَعْدَ كَلِمَةِ "وَحِينَئِذٍ" يُوجَدُ بَيَاضٌ فِي (س) ، (ب) بِمِقْدَارِ كَلِمَتَيْنِ، وَكُتِبَ فِي هَامِشِ (س) مَا يَلِي: "وَكَذَا بَيَاضٌ فِي الْأَصْلِ، وَلَعَلَّهُ لَفْظُهُ" فَهُوَ "وَاللَّهُ أَعْلَمُ، يُوسُف حُسَيْن" وَكَتَبَ مُحَقِّقُ (ب) فِي تَعْلِيقِهِ: "بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ بِمِقْدَارِ كَلِمَتَيْنِ" . وَفِي (ن) كُتِبَتْ كَلِمَةُ "فَكَانَ" وَلَكِنْ عَلَيْهَا شَطْبٌ. وَلَا يُوجَدُ بَيَاضٌ فِي (م) (3) س، ب: إِنْ (4) م: تَابَعُوهُ (5) م: يُتَابِعْهُ (6) م: تَابَعُوهُ فَيُقَالُ: قَدْ بَايَعَهُ أَكْثَرُ مِمَّنْ بَايَعَ [1] أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَنَحْوَهُمَا [2] ، وَعَدُوُّهُ أَضْعَفُ وَأَقْرَبُ إِلَى الْإِسْلَامِ مِنْ عَدُوِّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا يُشْبِهُ فِعْلَهُمَا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَفْعَلَ أَفْضَلَ مِنْهُ. وَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: إِنَّ أَتْبَاعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَعْظَمُ إِيمَانًا وَتَقْوًى، فَنَصَرَهُمُ اللَّهُ لِذَلِكَ. قِيلَ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الرَّافِضَةِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ أَتْبَاعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا مُرْتَدِّينَ أَوْ فَاسِقِينَ، وَإِذَا كَانَ نَصْرُهُمْ وَتَأْيِيدُهُمْ لِإِيمَانِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ بَايَعُوهُمَا [3] أَفْضَلُ مِنَ الشِّيعَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا [4] عَلِيًّا. وَإِذَا [5] كَانَ الْمُقِرُّونَ بِإِمَامَتِهِمَا أَفْضَلَ مِنَ الْمُقِرِّينَ بِإِمَامَةِ عَلِيٍّ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا أَفْضَلُ مِنْهُ. وَإِنْ قَالُوا: إِنَّ عَلِيًّا إِنَّمَا لَمْ يَنْتَصِرْ ; لِأَنَّ أَتْبَاعَهُ كَانُوا يُبْغِضُونَهُ وَيَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ. قِيلَ: هَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ الشِّيعَةِ: (إِنَّ) [6] الَّذِينَ بَايَعُوا عَلِيًّا وَأَقَرُّوا بِإِمَامَتِهِ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَايَعَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَقَرَّ بِإِمَامَتِهِمَا، فَإِذَا كَانَ أُولَئِكَ الشِّيعَةُ الَّذِينَ بَايَعُوا (عَلِيًّا) [7] عُصَاةً لِلْإِمَامِ الْمَعْصُومِ كَانُوا مِنْ أَشَرِّ [8] (1) م: تَابَعَهُ أَكْثَرُ مِمَّنْ تَابَعَهُ. وَفِي (ب) : بَايَعَهُ أَكْثَرُ مَنْ بَايَعَ. (2) ن: أَوْ نَحْوَهُمْ س، ب: وَنَحْوَهُمْ (3) م: تَابَعُوهُمَا (4) م: تَابَعُوا. وَسَأَكْتَفِي بِالْإِشَارَةِ إِلَى هَذَا الْخِلَافِ الَّذِي سَيَتَكَرَّرُ فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ (5) وَإِذَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (م) (6) إِنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (7) عَلِيًّا: زِيَادَةٌ فِي (م) (8) ن، شَرِّ النَّاسِ، فَلَا يَكُونُ فِي الشِّيعَةِ طَائِفَةٌ مَحْمُودَةٌ أَصْلًا، وَلَا طَائِفَةٌ يَنْتَصِرُ بِهَا عَلَى الْعَدُوِّ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ مَعَ الشِّيعَةِ قَادِرًا عَلَى قَهْرِ الْكُفَّارِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ [1] كَمَالِ حَالِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَتْبَاعِهِمَا، فَالنَّقْصُ [2] الَّذِي حَصَلَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ [3] مِنْ إِضَافَةِ ذَلِكَ إِمَّا إِلَى الْإِمَامِ، وَإِمَّا إِلَى أَتْبَاعِهِ، وَإِمَّا إِلَى الْمَجْمُوعِ. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَتْبَاعُهُمَا أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ وَأَتْبَاعِهِ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ سَبَبُ الْكَمَالِ وَالنَّقْصِ مِنَ الْإِمَامِ ظَهَرَ فَضْلُهُمَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَتْبَاعِهِ كَانَ الْمُقِرُّونَ بِإِمَامَتِهِمَا [4] أَفْضَلَ مِنَ الْمُقَرِّينَ بِإِمَامَتِهِ، فَتَكُونُ أَهْلُ السُّنَّةِ أَفْضَلَ مِنَ الشِّيعَةِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُمَا أَفْضَلَ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ مَا امْتَازَ بِهِ الْأَفْضَلُ أَفْضَلُ مِمَّا امْتَازَ بِهِ الْمَفْضُولُ. وَهَذَا بَيِّنٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ، فَإِنَّ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَقَاتَلُوا مَعَهُمْ هُمْ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِينَ بَايَعُوا عَلِيًّا وَقَاتَلُوا مَعَهُ، فَإِنَّ أُولَئِكَ فِيهِمْ مَنْ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ * رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ * [5] . (1) ن: مَعَ (2) س، ب: وَالنَّقْصُ ; وَفِي (م) كُتِبَتِ الْكَلِمَةُ بِنُقْطَةٍ وَاحِدَةٍ فَوْقَ الصَّادِ (3) فِي (س) يُوجَدُ بَيَاضٌ بِمِقْدَارِ كَلِمَةٍ، وَكُتِبَ فِي الْهَامِشِ مَا يَلِي: "لَعَلَّ هُنَا سَقَطَ لَفْظُ: فَلَا بُدَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. يُوسُف حُسَيْن" وَيُوجَدُ الْبَيَاضُ فِي (ب) وَكَتَبَ الْمُحَقِّقُ: "بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ بِمِقْدَارِ كَلِمَةٍ" (4) ن، م: بِأَمْثَالِهِمَا، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (5) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) وَعَامَّةُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ عَاشُوا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا تُوُفِّيَ مِنْهُمْ أَوْ قُتِلَ فِي حَيَاتِهِ قَلِيلٌ مِنْهُمْ. وَالَّذِينَ بَايَعُوا عَلِيًّا كَانَ فِيهِمْ مِنَ السَّابِقِينَ وَالتَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ بَعْضُ مَنْ بَايَعَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ * وَعُثْمَانَ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُبَايِعْهُ، وَلَمْ يُقَاتِلْ مَعَهُ كَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَابْنِ عُمَرَ * [1] ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ مِنَ السَّابِقِينَ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَاتَلَهُ، كَالَّذِينَ كَانُوا مَعَ طَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَعَائِشَةَ، وَمُعَاوِيَةَ مِنَ السَّابِقِينَ وَالتَّابِعِينَ. وَإِذَا كَانَ الَّذِينَ بَايَعُوا الثَّلَاثَةَ وَقَاتَلُوا مَعَهُمْ أَفْضَلَ مِنَ الَّذِينَ بَايَعُوا عَلِيًّا وَقَاتَلُوا مَعَهُ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الثَّلَاثَةِ أَفْضَلَ ; لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ مَوْجُودًا عَلَى عَهْدِ الثَّلَاثَةِ، فَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْإِمَامَةِ دُونَ غَيْرِهِ - كَمَا تَقُولُهُ الرَّافِضَةُ - أَوْ كَانَ أَفْضَلَ وَأَحَقَّ بِهَا - كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الشِّيعَةِ - لَكَانَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ قَدْ عَدَلُوا عَمَّا أَمَرَهُمْ [2] اللَّهُ بِهِ، وَرَسُولُهُ بِهِ [3] إِلَى مَا لَمْ يُؤْمَرُوا بِهِ، بَلْ مَا [4] نُهُوا عَنْهُ، وَكَانَ الَّذِينَ بَايَعُوا عَلِيًّا، وَقَاتَلُوا مَعَهُ فَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ تَرَكَهُ، وَفَعَلَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ، فَلَزِمَ لَوْ كَانَ قَوْلُ الشِّيعَةِ حَقًّا أَنْ يَكُونَ أَتْبَاعُ عَلِيٍّ (1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (2) ن، م: أَمَرَ (3) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (4) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) (ب) أَفْضَلَ، وَإِذَا [1] كَانُوا هُمْ أَفْضَلَ وَإِمَامُهُمْ أَفْضَلَ مِنَ الثَّلَاثَةِ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَا فَعَلُوهُ مِنَ الْخَيْرِ [2] أَفْضَلَ مِمَّا فَعَلَهُ الثَّلَاثَةُ. وَهَذَا خِلَافُ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ الَّذِي تَوَاتَرَتْ بِهِ [3] الْأَخْبَارُ، وَعَلِمَتْهُ الْبَوَادِي وَالْحُضَّارِ، فَإِنَّهُ فِي عَهْدِ الثَّلَاثَةِ جَرَى مِنْ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَعُلُوِّهِ، وَانْتِشَارِهِ، وَنُمُوِّهِ [4] ، وَانْتِصَارِهِ، وَعِزِّهِ، وَقَمْعِ الْمُرْتَدِّينَ، وَقَهْرِ الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ وَغَيْرِهِمْ مَا لَمْ يَجْرِ [5] بُعْدَهُمْ مِثْلُهُ. وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَضَّلَهُ اللَّهُ وَشَرَّفَهُ بِسَوَابِقِهِ الْحَمِيدَةِ، وَفَضَائِلِهِ الْعَدِيدَةِ، لَا بِمَا جَرَى فِي * زَمَنِ خِلَافَتِهِ مِنَ الْحَوَادِثِ، بِخِلَافِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَإِنَّهُمْ فُضِّلُوا مَعَ السَّوَابِقِ الْحَمِيدَةِ وَالْفَضَائِلِ الْعَدِيدَةِ بِمَا جَرَى فِي * [6] خِلَافَتِهِمْ مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْفَاقِ كُنُوزِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحَوَادِثِ الْمَشْكُورَةِ، وَالْأَعْمَالِ الْمَبْرُورَةِ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَفْضَلَ سِيرَةً وَأَشْرَفَ سَرِيرَةً مِنْ (عُثْمَانَ) وَعَلِيٍّ [7] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فَلِهَذَا كَانَا أَبْعَدَ عَنِ الْمَلَامِ، وَأَوْلَى بِالثَّنَاءِ الْعَامِّ حَتَّى لَمْ يَقَعْ [8] فِي زَمَنِهِمَا شَيْءٌ مِنَ الْفِتَنِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْخَوَارِجِ فِي زَمَنِهِمَا لَا قَوْلٌ مَأْثُورٌ، وَلَا سَيْفٌ مَشْهُورٌ، بَلْ كَانَ كُلُّ سُيُوفِ الْمُسْلِمِينَ مَسْلُولَةً عَلَى الْكُفَّارِ، وَأَهْلُ الْإِيمَانِ فِي إِقْبَالٍ، وَأَهْلُ الْكُفْرِ فِي إِدْبَارٍ. (1) م: فَإِذَا (2) س، ب: مِنَ الْخَيْرَاتِ (3) ن: لَوْ تَوَاتَرَتِ (4) : وَبِكْرِهِ (5) ن: يَجُزْ (6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (7) وَعَلِيٍّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (8) م: يُسْمَعْ ثُمَّ إِنَّ الرَّافِضَةَ - أَوْ أَكْثَرَهُمْ - لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ، وَضَلَالِهِمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ كَانُوا كُفَّارًا مُرْتَدِّينَ، وَإِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى كَانُوا خَيْرًا مِنْهُمْ ; لِأَنَّ الْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ خَيْرٌ مِنَ الْمُرْتَدِّ، وَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا فِي عِدَّةٍ مِنْ كُتُبِهِمْ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَقْوَالِ افْتِرَاءً عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ، وَحِزْبِ اللَّهِ الْمُفْلِحِينَ، وَجُنْدِ اللَّهِ الْغَالِبِينَ. وَمِنَ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى فَسَادِهِ أَنْ يُقَالَ: مِنَ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ، وَالْمُتَوَاتِرِ مِنَ الْأَخْبَارِ، أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ هَاجَرُوا مِنْ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهَاجَرَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ كَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ هِجْرَتَيْنِ: هِجْرَةً إِلَى الْحَبَشَةِ، وَهِجْرَةً إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ إِذْ ذَاكَ قَلِيلًا، وَالْكُفَّارُ مُسْتَوْلُونَ عَلَى عَامَّةِ الْأَرْضِ، وَكَانُوا يُؤْذَوْنَ بِمَكَّةَ، وَيَلْقَوْنَ مِنْ أَقَارِبِهِمْ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْأَذَى مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، وَهُمْ صَابِرُونَ عَلَى الْأَذَى، مُتَجَرِّعُونَ لِمَرَارَةِ الْبَلْوَى، وَفَارَقُوا الْأَوْطَانَ، وَهَجَرُوا الْخِلَّانَ لِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (سُورَةِ الْحَشْرِ: 8) . وَهَذَا كُلُّهُ فَعَلُوهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ لَمْ يُكْرِهْهُمْ عَلَيْهِ مُكْرِهٌ، * وَلَا أَلْجَأَهُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْإِسْلَامِ إِذْ ذَاكَ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يُكْرَهُ * [1] بِهِ أَحَدٌ عَلَى الْإِسْلَامِ [2] ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ ذَاكَ - هُوَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ - مَنْهِيِّينَ عَنِ الْقِتَالِ، مَأْمُورِينَ بِالصَّفْحِ وَالصَّبْرِ فَلَمْ يُسْلِمْ (1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) (2) ن، س، ب: بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْإِسْلَامِ: وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) أَحَدٌ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ، وَلَا هَاجَرَ أَحَدٌ إِلَّا بِاخْتِيَارِهِ. وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ نَافَقَ، وَإِنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ فِي قَبَائِلِ الْأَنْصَارِ لَمَّا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ بِالْمَدِينَةِ، وَدَخَلَ فِيهِ مِنْ قَبَائِلِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَ (لَمَّا) صَارَ [1] لِلْمُسْلِمِينَ دَارٌ يَمْتَنِعُونَ بِهَا وَيُقَاتِلُونَ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَمِمَّنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ دَخَلَ خَوْفًا وَتَقِيَّةً، وَكَانُوا مُنَافِقِينَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} (سُورَةِ التَّوْبَةِ: 101) . وَلِهَذَا إِنَّمَا ذُكِرَ النِّفَاقُ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ، وَأَمَّا السُّوَرُ الْمَكِّيَّةُ فَلَا ذِكْرَ فِيهَا لِلْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّ مَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِمَكَّةَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُنَافِقٌ، وَالَّذِينَ هَاجَرُوا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُنَافِقٌ، بَلْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحِبِّينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَكَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَوْلَادِهِمْ، وَأَهْلِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ رَمْيَهُمْ - أَوْ رَمْيَ أَكْثَرِهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ - بِالنِّفَاقِ، كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الرَّافِضَةِ مِنْ أَعْظَمِ الْبُهْتَانِ الَّذِي هُوَ نَعْتُ الرَّافِضَةِ وَإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْيَهُودِ، فَإِنَّ النِّفَاقَ كَثِيرٌ ظَاهِرٌ فِي الرَّافِضَةِ إِخْوَانِ الْيَهُودِ، وَلَا يُوجَدُ فِي الطَّوَائِفِ أَكْثَرُ وَأَظْهَرُ نِفَاقًا مِنْهُمْ حَتَّى يُوجَدَ فِيهِمُ النُّصَيْرِيَّةُ، وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةُ، وَأَمْثَالُهُمْ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الطَّوَائِفِ نِفَاقًا، وَزَنْدَقَةً، وَعَدَاوَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ [2] . (1) ن، م، س: وَصَارَ (2) ن، س، ب: وَرَسُولِهِ
__________________
|
#448
|
||||
|
||||
![]() وَكَذَلِكَ دَعْوَاهُمْ عَلَيْهِمُ الرِّدَّةُ مِنْ أَعْظَمِ [1] الْأَقْوَالِ بُهْتَانًا، فَإِنَّ الْمُرْتَدَّ إِنَّمَا يَرْتَدُّ لِشُبْهَةٍ أَوْ شَهْوَةٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ فِي أَوَائِلِ الْإِسْلَامِ كَانَتْ أَقْوَى، فَمَنْ كَانَ إِيمَانُهُمْ مِثْلَ الْجِبَالِ فِي حَالِ ضَعْفِ الْإِسْلَامِ كَيْفَ يَكُونُ إِيمَانُهُمْ بَعْدَ ظُهُورِ آيَاتِهِ وَانْتِشَارِ أَعْلَامِهِ؟ ! وَأَمَّا الشَّهْوَةُ: فَسَوَاءٌ كَانَتْ شَهْوَةَ رِيَاسَةٍ، أَوْ مَالٍ، أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ فَمَنْ [2] خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَتَرَكُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ وَالْعِزِّ حُبًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ طَوْعًا غَيْرَ إِكْرَاهٍ كَيْفَ يُعَادُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ طَلَبًا لِلشَّرَفِ وَالْمَالِ؟ ! ثُمَّ هُمْ فِي حَالِ قُدْرَتِهِمْ عَلَى الْمُعَادَاةِ، وَقِيَامِ الْمُقْتَضِي لِلْمُعَادَاةِ لَمْ يَكُونُوا مُعَادِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، بَلْ مُوَالِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مُعَادِينَ لِمَنْ عَادَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَحِينَ قَوِيَ الْمُقْتَضِي لِلْمُوَالَاةِ، وَضَعُفَتِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُعَادَاةِ، يَفْعَلُونَ نَقِيضَ هَذَا؟ ! هَلْ يَظُنُّ هَذَا إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ ضَلَالًا؟ وَذَلِكَ أَنَّ الْفِعْلَ إِذَا حَصَلَ مَعَهُ كَمَالُ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَكَمَالُ الْإِرَادَةِ لَهُ، وَجَبَ وُجُودُهُ، وَهُمْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَانَ الْمُقْتَضِي لِإِرَادَةِ مُعَادَاةِ الرَّسُولِ أَقْوَى؛ لِكَثْرَةِ أَعْدَائِهِ، وَقِلَّةِ أَوْلِيَائِهِ، وَعَدَمِ ظُهُورِ دِينِهِ [3] وَكَانَتْ قُدْرَةُ مَنْ يُعَادِيهِ [4] بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ حِينَئِذٍ [5] أَقْوَى حَتَّى كَانَ يُعَادِيهِ آحَادُ النَّاسِ، (1) ن، م: أَظْهَرِ (2) ن، م، س: مِمَّنْ. وَالتَّصْوِيبُ مِنْ (ب) (3) ن، م، س: وَعَدَمِ ظُهُورِ دِينِهِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ. وَالْعِبَارَةُ الْأَخِيرَةُ جَاءَتْ فِي هَذِهِ النُّسَخِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا الصَّحِيحِ، وَأَثْبَتَهَا مُحَقِّقُ (ب) فِي مَكَانِهَا الصَّحِيحِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ قَلِيلٍ (4) م: وَكَانَتْ قُدْرَةُ مُعَادِيهِ (5) ن: مَنْ يُعَادِيهِ حِينَئِذٍ ; م: مُعَادِيهِ حِينَئِذٍ وَيُبَاشِرُونَ أَذَاهُ بِالْأَيْدِي وَالْأَلْسُنِ، وَلَمَّا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ وَانْتَشَرَ، كَانَ الْمُقْتَضِي لِلْمُعَادَاةِ أَضْعَفَ، وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهَا أَضْعَفَ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْمُعَادَاةَ أَوَّلًا، ثُمَّ عَادَاهُ ثَانِيًا لَمْ يَكُنْ إِلَّا لِتَغَيُّرِ [1] إِرَادَتِهِ أَوْ قُدْرَتِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمُعَادَاةِ كَانَتْ أَوَّلًا أَقْوَى، وَالْمُوجِبُ لِإِرَادَةِ الْمُعَادَاةِ كَانَ أَوَّلًا أَوْلَى، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ عِنْدَهُمْ مَا يُوجِبُ تَغَيُّرَ إِرَادَتِهِمْ، وَلَا قُدْرَتِهِمْ، فَعُلِمَ يَقِينًا أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَتَجَدَّدْ (عِنْدَهُمْ) [2] مَا يُوجِبُ الرِّدَّةَ عَنْ دِينِهِمُ الْبَتَّةَ، وَالَّذِينَ ارْتَدُّوا بَعْدَ مَوْتِهِ إِنَّمَا كَانُوا مِمَّنْ أَسْلَمَ بِالسَّيْفِ كَأَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ وَأَهْلِ نَجْدٍ، فَأَمَّا الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا طَوْعًا فَلَمْ يَرْتَدَّ مِنْهُمْ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - أَحَدٌ، وَأَهْلُ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا بَعْدَ فَتْحِهَا هَمَّ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِالرِّدَّةِ، ثُمَّ ثَبَّتَهُمُ اللَّهُ بِسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو. وَأَهْلُ الطَّائِفِ لَمَّا حَاصَرَهُمْ [3] النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، ثُمَّ رَأَوْا ظُهُورَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا مَغْلُوبِينَ فَهَمُّوا بِالرِّدَّةِ فَثَبَّتَهُمُ [4] اللَّهُ بِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ. فَأَمَّا أَهْلُ مَدِينَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّمَا أَسْلَمُوا طَوْعًا، وَالْمُهَاجِرُونَ مِنْهُمْ، وَالْأَنْصَارُ، وَهُمْ قَاتَلُوا النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلِهَذَا لَمْ يَرْتَدَّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ، بَلْ ضَعُفَ غَالِبُهُمْ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلَّتْ أَنْفُسُهُمْ عَنِ الْجِهَادِ عَلَى دِينِهِ حَتَّى ثَبَّتَهُمُ اللَّهُ، وَقَوَّاهُمْ بِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ قُوَّةِ الْيَقِينِ، (1) م: لِتَعَيُّنِ: وَهُوَ تَحْرِيفٌ (2) عِنْدَهُمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) (3) م، س، ب: حَصَرَهُمْ (4) م: وَثَّبَهُمْ وَجِهَادِ الْكَافِرِينَ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ بِصِدِّيقِ الْأُمَّةِ، الَّذِي أَيَّدَ اللَّهُ بِهِ دِينَهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِهِ، وَحَفِظَهُ بِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَاللَّهُ يَجْزِيهِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ خَيْرَ الْجَزَاءِ. [المنهج الرابع في الأدلة الدالة على إمامة علي المستنبطة من أحواله] [الأول أنه كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "الْمَنْهَجُ الرَّابِعُ فِي الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى إِمَامَتِهِ (الْمُسْتَنْبَطَةِ) [2] مِنْ أَحْوَالِهِ [3] وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ" . ثُمَّ ذَكَرَ: كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ، وَأَعْبَدَهُمْ، وَأَعْلَمَهُمْ، وَأَشْجَعَهُمْ، وَذَكَرَ أَنْوَاعًا مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ لَهُ، وَاجْتِمَاعِ الْفَضَائِلِ عَلَى أَوْجُهٍ [4] تَقَدَّمَ بِهَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ [5] : "الْأَوَّلُ: أَنَّهُ كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" [6] . وَالْجَوَابُ: الْمَنْعُ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِحَالِهِمَا يَقُولُونَ: أَزْهَدُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّهْدَ الشَّرْعِيَّ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ لَهُ مَالٌ يَكْتَسِبُهُ [7] فَأَنْفَقَهُ كُلَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَتَوَلَّى الْخِلَافَةَ، (1) فِي (ك) 174 (م) (2) الْمُسْتَنْبَطَةِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) ، (س) ، (ب) ، وَأَثْبَتَهَا مِنْ (ك) (3) ك: مِنْ أَحْوَالِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (4) ن، م: وَجْهٍ (5) بَعْدَ كَلَامِ ابْنِ الْمُطَهَّرِ السَّابِقِ مُبَاشَرَةً (6) ك: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أَزْهَدَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ (7) م: مُكْتَسِبُهُ ; س، ب: يَكْسِبُهُ فَذَهَبَ إِلَى السُّوقِ يَبِيعُ وَيَتَكَسَّبُ [1] ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ وَعَلَى يَدِهِ أَبْرَادٌ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ فَقَالَ: أَظَنَنْتَ أَنِّي تَارِكٌ [2] طَلَبَ الْمَعِيشَةِ لِعِيَالِي، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَبَا عُبَيْدَةَ وَالْمُهَاجِرِينَ، فَفَرَضُوا لَهُ شَيْئًا فَاسْتَحْلَفَ عُمَرَ وَأَبَا عُبَيْدَةَ، فَحَلَفَا لَهُ أَنَّهُ يُبَاحُ [3] لَهُ أَخْذُ دِرْهَمَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ، ثُمَّ تَرَكَ مَالَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تَرُدَّ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ مَا كَانَ قَدْ دَخَلَ فِي مَالِهِ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَوَجَدَتْ جَرْدَ قَطِيفَةٍ لَا يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَحَبَشِيَّةً تُرْضِعُ ابْنَهُ، أَوْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، وَبَعِيرًا نَاضِحًا، فَأَرْسَلَتْ بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لَهُ: أَتَسْلُبُ هَذَا عِيَالَ أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ: كَلَّا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، لَا يَتَأَثَّمُ [4] مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فِي حَيَاتِهِ، وَأَتَحَمَّلُهُ أَنَا بَعْدَ مَوْتِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: عَلِيٌّ كَانَ زَاهِدًا، وَلَكِنَّ الصِّدِّيقَ أَزْهَدُ مِنْهُ ; لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ لَهُ الْمَالُ الْكَثِيرُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَالتِّجَارَةُ الْوَاسِعَةُ، فَأَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَانَ حَالُهُ فِي الْخِلَافَةِ مَا ذُكِرَ، ثُمَّ رَدَّ مَا تَرَكَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ. قَالَ ابْنُ زَنْجَوَيْهِ [5] : "وَأَمَّا عَلِيٌّ فَإِنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَقِيرًا يُعَالُ وَلَا يَعُولُ، ثُمَّ اسْتَفَادَ الْمَالَ: الرِّبَاعَ، وَالْمَزَارِعَ، وَالنَّخِيلَ، وَالْأَوْقَافَ، وَاسْتُشْهِدَ وَعِنْدَهُ تِسْعَ عَشْرَةَ سُرِّيَّةً، وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ - وَلِلَّهِ" (1) ن، س، ب: وَيَكْتَسِبُ (2) ن، س، ب: تَرَكْتُ (3) م: مُبَاحٌ (4) م: لَا يَتَأَلَّمُ (5) هُوَ حُمَيْدُ بْنُ مَخْلَدٍ، أَوْ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، بْنِ قُتَيْبَةَ الْأَزْدِيُّ النَّسَائِيُّ، أَبُو أَحْمَدَ، مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ، مُصَنِّفُ كِتَابِ "الْأَمْوَالِ" وَكِتَابِ "التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ" ، حَدَّثَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ 251. انْظُرْ تَرْجَمَتَهُ فِي: تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ 2/550 551 ; الْأَعْلَامِ 2/319 الْحَمْدُ - وَلَمْ يَأْمُرْ [1] بِرَدِّ مَا تَرَكَهُ [2] لِبَيْتِ الْمَالِ، وَخَطَبَ الْحَسَنُ النَّاسَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَقَالَ: مَا تَرَكَ [3] صَفْرَاءَ وَلَا بَيْضَاءَ، إِلَّا سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ بَقِيَتْ مِنْ عَطَائِهِ "." وَرَوَى الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ النَّخَعِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: (قَالَ) [4] عَلِيٌّ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبُطُ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنْ شِدَّةِ الْجُوعِ، وَإِنَّ صَدَقَةَ مَالِي لَتَبْلُغُ الْيَوْمَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا [5] . رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ شَرِيكٍ [6] ، وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، وَفِيهِ: لَتَبْلُغُ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِينَارٍ. فَأَيْنَ هَذَا مِنْ زُهْدِ أَبِي بَكْرٍ؟ ! وَإِنْ كَانَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا زَاهِدَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ [7] : "وَقَالَ قَائِلُونَ: عَلِيٌّ كَانَ أَزْهَدَهُمْ" قَالَ: "وَكَذَبَ هَذَا" (1) ن، س: وَلَمْ يُؤْمَرْ (2) ن، س، ب: مَا تَرَكَ (3) س: مَا تُرِكَتْ، وَهُوَ خَطَأٌ (4) قَالَ: فِي (ب) فَقَطْ (5) الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ "فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ" بِهَذَا الْإِسْنَادِ 2/712 (رَقْمُ 1218) (6) فِي "فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ" الرَّقْمُ السَّابِقُ وَالْأَرْقَامُ 899، 927، 1217. وَضَعَّفَ الْمُحَقِّقُ الْحَدِيثَ فِي كُلِّ أَسَانِيدِهِ السَّابِقَةِ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ 1/539 وَقَالَ عَنْ شَرِيكٍ 2/712: "شَرِيكٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ سَيِّئُ الْحِفْظِ" . وَانْظُرْ كَلَامَهُ عَلَى الْحَدِيثِ 1/539 وَفِيهِ قَوْلُهُ: "وَأَخْرَجَهُ الدُّولَابِيُّ فِي الْكُنَى (2: 163) مِنْ شَرِيكٍ بِدُونِ قَوْلِهِ: وَإِنَّ صَدَقَتِي. . . إِلَخْ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا كَانَ يَرْبُطُ الْحَجَرَ، لَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . . . ." (7) فِي كِتَابِهِ "الْفِصَلِ فِي الْمِلَلِ وَالْأَهْوَاءِ وَالنِّحَلِ" 4/216 218. وَهُنَاكَ فُرُوقٌ بَيْنَ نَصِّ كِتَابِنَا وَبَيْنَ "الْفِصَلِ" سَأُشِيرُ إِلَى أَهَمِّهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْجَاهِلُ، وَبُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الزُّهْدَ إِنَّمَا هُوَ عُزُوفُ [1] النَّفْسِ عَنْ حُبِّ الصَّوْتِ، وَعَنِ الْمَالِ، وَعَنِ اللَّذَّاتِ، وَعَنِ الْمَيْلِ إِلَى الْوَلَدِ وَالْحَاشِيَةِ، لَيْسَ لِلزُّهْدِ [2] مَعْنًى يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الزُّهْدِ إِلَّا هَذَا الْمَعْنَى، فَأَمَّا عُزُوفُ النَّفْسِ عَنِ الْمَالِ فَقَدْ عَلِمَ كُلُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى بَصَرٍ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ الْخَالِيَةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَسْلَمَ وَلَهُ مَالٌ عَظِيمٌ، قِيلَ: أَرْبَعِينَ أَلْفًا [3] أَنْفَقَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُلَّهَا، وَأَعْتَقَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْعَبِيدِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُعَذَّبِينَ فِي ذَاتِ اللَّهِ، وَلَمْ يُعْتِقْ عَبِيدًا أَجْلَادًا [4] يَمْنَعُونَهُ، لَكِنْ كُلَّ مُعَذَّبٍ وَمُعَذَّبَةٍ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى هَاجَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَبْقَ لِأَبِي بَكْرٍ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ إِلَّا سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ حَمَلَهَا كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُبْقِ لِبَنِيهِ مِنْهَا دِرْهَمًا، ثُمَّ أَنْفَقَهَا كُلَّهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَبَقِيَ فِي عَبَاءَةٍ لَهُ قَدْ خَلَّلَهَا بِعُودٍ، إِذَا نَزَلَ فَرَشَهَا، وَإِذَا رَكِبَ لَبِسَهَا، إِذْ تَمَوَّلَ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَاقْتَنَى الرِّبَاعَ الْوَاسِعَةَ، وَالضِّيَاعَ الْعَظِيمَةَ مِنْ حِلِّهَا وَحَقِّهَا، إِلَّا أَنَّ مَنْ آثَرَ بِذَلِكَ (اللَّهَ) [5] فِي سَبِيلِ اللَّهِ [6] أَزْهَدُ مِمَّنْ أَنْفَقَ وَأَمْسَكَ، ثُمَّ وَلِيَ الْخِلَافَةَ فَمَا اتَّخَذَ جَارِيَةً، وَلَا تَوَسَّعَ فِي مَالٍ. وَعَدَّ عِنْدَ مَوْتِهِ [7] مَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَوَلَدِهِ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي لَمْ يَسْتَوْفِ مِنْهُ (1) الْفِصَلِ: غُرُوبُ (2) الْفِصَلِ: الزُّهْدُ (3) الْفِصَلِ: أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ (4) الْفِصَلِ: جَلْدًا (5) اللَّهَ: لَيْسَتْ فِي (ن) ، (م) (6) الْفِصَلِ: إِلَّا أَنَّ مَنْ آثَرَ بِذَلِكَ سَبِيلَ اللَّهِ (7) س، ب: وَعِنْدَ مَوْتِهِ إِلَّا بَعْضَ حَقِّهِ، وَأَمَرَ [1] بِصَرْفِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ مِنْ سِهَامِهِ فِي الْمَغَازِي وَالْمَقَاسِمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَهَذَا هُوَ الزُّهْدُ فِي اللَّذَّاتِ وَالْمَالِ الَّذِي لَا يُدَانِيهِ [2] فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ: لَا عَلِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَبَا ذَرٍّ [3] وَأَبَا عُبَيْدَةَ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، فَإِنَّهُمَا جَرَيَا عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي فَارَقَا عَلَيْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَقَدْ تَلَا [4] أَبَا بَكْرٍ عُمَرُ [5] فِي هَذَا الزُّهْدِ، وَكَانَ فَوْقَ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ، يَعْنِي فِي إِعْرَاضِهِ عَنِ الْمَالِ وَاللَّذَّاتِ. وَأَمَّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتَوَسَّعَ فِي هَذَا الْمَالِ مِنْ حِلِّهُ، وَمَاتَ عَنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ، وَتِسْعَ عَشْرَةَ أُمِّ وَلَدٍ، سِوَى الْخَدَمِ وَالْعَبِيدِ، وَتُوُفِّيَ عَنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَلَدًا مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَتَرَكَ لَهُمْ مِنَ الْعَقَارِ وَالضِّيَاعِ مَا كَانُوا بِهِ مِنْ أَغْنِيَاءِ قَوْمِهِمْ وَمَيَاسِيرِهِمْ. هَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِنْكَارِهِ مَنْ لَهُ أَقَلُّ عِلْمٍ بِالْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ، وَمِنْ جُمْلَةِ عَقَارِهِ يَنْبُعُ [6] الَّتِي تَصَدَّقَ بِهَا كَانَتْ تَغُلُّ أَلْفَ وَسْقِ تَمْرٍ سِوَى زَرْعِهَا، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا؟ ! وَأَمَّا حُبُّ الْوَلَدِ [7] وَالْمِيلُ إِلَيْهِمْ وَإِلَى الْحَاشِيَةِ فَالْأَمْرُ فِي هَذَا أَبْيَنُ مِنْ أَنْ (1) ب: أَمَرَ (2) ن، س: لَا يُبَايِنُهُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ. وُفِي (ب) : لَا يُضَاهِيهِ (3) ب: أَبَانَ: وَهُوَ تَحْرِيفٌ (4) تَرَكَ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا يَقْرُبُ مِنْ سَطْرَيْنِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَزْمٍ (5) ن، م، وَعُمَرَ، وَهُوَ خَطَأٌ (6) كَلِمَةُ "يَنْبُعُ" : سَاقِطَةٌ مِنَ "الْفِصَلِ" (7) س: الْوَلِيدِ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ لَهُ أَقَلُّ عِلْمٍ بِالْأَخْبَارِ، فَقَدْ كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْقَرَابَةِ وَالْوَلَدِ مِثْلُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ [1] ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، وَالسَّابِقِينَ مِنْ ذَوِي الْفَضَائِلِ الْعَظِيمَةِ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفَضَائِلِ فِي الْإِسْلَامِ، وَمِثْلُ ابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُحْبَةٌ قَدِيمَةٌ، وَهِجْرَةٌ سَابِقَةٌ، وَفَضْلٌ ظَاهِرٌ، فَمَا اسْتَعْمَلَ أَبُو بَكْرٍ أَحَدًا مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْجِهَاتِ، وَهِيَ بِلَادُ الْيَمَنِ كُلُّهَا عَلَى سَعَتِهَا وَكَثْرَةِ أَعْمَالِهَا، وَعُمَانَ، وَحَضْرَمَوْتَ، وَالْبَحْرَيْنِ، وَالْيَمَامَةِ، وَالطَّائِفِ، وَمَكَّةَ، وَخَيْبَرَ، وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْحِجَازِ، وَلَوِ اسْتَعْمَلَهُمْ لَكَانُوا لِذَلِكَ أَهْلًا، وَلَكِنْ خَشِيَ الْمُحَابَاةَ، وَتَوَقَّعَ أَنْ يُمِيلَهُ إِلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنَ الْهَوَى. ثُمَّ جَرَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَجْرَاهُ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَسْتَعْمِلْ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ أَحَدًا عَلَى سَعَةِ الْبِلَادِ وَكِبَرِهَا [2] ، وَقَدْ فَتَحَ الشَّامَ [3] ، وَمِصْرَ، وَجَمِيعَ مَمْلَكَةِ الْفُرْسِ [4] إِلَى خُرَاسَانَ، إِلَّا النُّعْمَانَ بْنَ عَدِيٍّ وَحْدَهُ عَلَى مَيْسَانَ، ثُمَّ أَسْرَعَ عَزَلَهُ. وَفِيهِمْ مِنَ الْهِجْرَةِ مَا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَفْخَاذِ قُرَيْشٍ ; لِأَنَّ بَنِي عَدِيٍّ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ بِمَكَّةَ إِلَّا هَاجَرَ، وَكَانَ فِيهِمْ مِثْلُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدِ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ ذِي السَّوَابِقِ، وَأَبِي الْجَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ، وَخَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ، وَمَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، (وَابْنِهِ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ [5] . (1) ن، م، س، ب: طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالتَّصْوِيبُ مِنَ "الْفِصَلِ" 4/217 (2) م: وَكُثْرِهَا ; الْفِصَلِ: وَكَثْرَتِهَا (3) م: وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ الشَّامَ (4) س، ب: فُرْسٍ (5) ن، م، س: وَمَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ; ب: وَمَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَالْمُثْبَتُ مِنَ "الْفِصَلِ" 4/217 ثُمَّ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَبُو بَكْرٍ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ أَحَدُ الصَّحَابَةِ، وَلَا اسْتَعْمَلَ عُمَرُ ابْنَهُ [1] فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ [2] ، وَهُوَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَخِيَارِهِمْ، وَقَدْ رَضِيَ بِخِلَافَتِهِ بَعْضُ النَّاسِ [3] ، وَكَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَلَوِ اسْتَخْلَفَهُ لَمَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَمَا [4] فَعَلَ. وَوَجَدْنَا عَلِيًّا إِذْ وَلِيَ قَدِ اسْتَعْمَلَ أَقَارِبَهُ: ابْنَ عَبَّاسٍ [5] عَلَى الْبَصْرَةِ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَلَى الْيَمَنِ، وَقُثَمًا وَمَعْبَدًا ابْنَيِ الْعَبَّاسِ [6] عَلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَجَعْدَةَ بْنَ هُبَيْرَةَ [7] ، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهِ أَمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ عَلَى خُرَاسَانَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ ابْنُ امْرَأَتِهِ وَأَخُو وَلَدِهِ، عَلَى مِصْرَ. وَرَضِيَ بِبَيْعَةِ النَّاسِ الْحَسَنَ ابْنَهُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَهُ، وَلَسْنَا نُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ الْحَسَنِ لِلْخِلَافَةِ، وَلَا اسْتِحْقَاقَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ لِلْخِلَافَةِ، فَكَيْفَ بِإِمَارَةِ الْبَصْرَةِ، لَكِنَّا نَقُولُ: إِنَّ مَنْ زَهِدَ فِي الْخِلَافَةِ لِوَلَدٍ مِثْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَوْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَالنَّاسُ مُتَّفِقُونَ [8] عَلَيْهِ، وَفِي تَأْمِيرِ مِثْلِ طَلْحَةَ بْنِ (1) ن، س، ب: وَلَا اسْتَعْمَلَ ابْنَهُ عُمَرُ (2) الْفِصَلِ: وَلَا اسْتَعْمَلَ عُمَرُ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ عَلَى الْخِلَافَةِ (3) الْفِصَلِ: وَقَدْ رَضِيَ بِهِ النَّاسُ (4) ب: فِيمَا (5) الْفِصَلِ: عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ عَبَّاسٍ: وَهُوَ خَطَأٌ. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي "الْإِصَابَةِ" 2/325 فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "فَلَمْ يَزَلِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى الْبَصْرَةِ حَتَّى قُتِلَ عَلِيٌّ" (6) الْفِصَلِ: وَخَثْعَمَ وَمَعْبَدًا بَنِي الْعَبَّاسِ، وَهُوَ خَطَأٌ. وَانْظُرِ: الْأَعْلَامَ 6/29 وَفِيهِ: "وَوَلَّاهُ عَمُّهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَاسْتَمَرَّ فِيهَا إِلَى أَنْ قُتِلَ عَلِيٌّ" وَانْظُرْ أَيْضًا: تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 8/361 362 (7) الْفِصَلِ: وَجَعْدَةَ بْنَ نُمَيْرَةَ، وَهُوَ خَطَأٌ. انْظُرْ: تَهْذِيبَ التَّهْذِيبِ 2/81 (8) م: يَتَّفِقُونَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَتَمُّ زُهْدًا وَأَعْزَفُ [1] عَنْ جَمِيعِ مَعَانِي الدُّنْيَا نَفْسًا [2] مِمَّنْ يَأْخُذُ مَا أُبِيحَ لَهُ أَخْذُهُ [3] . فَصَحَّ بِالْبُرْهَانِ الضَّرُورِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَزْهَدُ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [4] "." فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [5] : عَلِيٌّ قَدْ [6] طَلَّقَ الدُّنْيَا ثَلَاثًا، وَكَانَ قُوتُهُ جَرِيشَ الشَّعِيرِ، وَكَانَ يَخْتِمُهُ لِئَلَّا يَضَعَ الْإِمَامَانِ فِيهِ أُدْمًا [7] ، وَكَانَ يَلْبَسُ خَشِنَ الثِّيَابِ وَقَصِيرَهَا، وَرَقَّعَ مِدْرَعَتَهُ حَتَّى اسْتَحَى [8] مِنْ رَقْعِهَا [9] ، وَكَانَ حَمَائِلُ سَيْفِهِ لِيفًا [10] ، وَكَذَا نَعْلُهُ. وَرَوَى أَخْطَبُ خُوَارَزْمَ، «عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا عَلِيُّ إِنَّ اللَّهَ زَيَّنَكَ بِزِينَةٍ لَمْ يُزَيِّنِ الْعِبَادَ بِزِينَةٍ أَحَبَّ [11] إِلَى اللَّهِ مِنْهَا: زُهْدُكَ فِي الدُّنْيَا، وَبُغْضُهَا إِلَيْكَ، (1) الْفِصَلِ 4/218: أَوْ أَعْزَبُ: وَهُوَ خَطَأٌ (2) الْفِصَلِ: يَقِينًا (3) الْفَصْلِ: مِمَّنْ أَخَذَ مِنْهَا (مِمَّا) أُبِيحَ لَهُ أَخْذُهُ (4) س، ب: عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (5) فِي (ك) ص 174 (م) 176 (م) (6) عِبَارَةُ: "عَلِيٌّ قَدْ. ." لَيْسَتْ فِي (ك) (7) ك: الْإِمَامَانِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فِيهِ إِدَامًا (8) ن: اسْتَحْيَى ; ك: اسْتَحْيَا (9) ك: مِنْ رَاقِعِهَا (10) م: لِيفٌ ; ل: اللِّيفَ (11) 11) ك: وَهِيَ أَحَبُّ
__________________
|
#449
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (449) صـ 487 إلى صـ 496 وَحَبَّبَ إِلَيْكَ الْفُقَرَاءَ، فَرَضِيتَ بِهِمْ أَتْبَاعًا، وَرَضُوا بِكَ إِمَامًا. يَا عَلِيُّ، طُوبَى لِمَنْ أَحَبَّكَ وَصَدَّقَ عَلَيْكَ، وَالْوَيْلُ لِمَنْ أَبْغَضَكَ، وَكَذَبَ عَلَيْكَ. * أَمَّا مَنْ أَحَبَّكَ وَصَدَّقَ عَلَيْكَ فَإِخْوَانُكَ فِي دِينِكَ، وَشُرَكَاؤُكَ فِي جَنَّتِكَ، وَأَمَّا مَنْ أَبْغَضَكَ وَكَذَبَ عَلَيْكَ * [1] فَحَقِيقٌ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُقِيمَهُمْ [2] مَقَامَ الْكَذَّابِينَ» . قَالَ [3] سُوَيْدُ بْنُ غَفْلَةَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ الْعَصْرَ، فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا بَيْنَ يَدَيْهِ صَفْحَةٌ فِيهَا لَبَنٌ حَارٌّ، وَأَجِدُ رِيحَهُ مِنْ شِدَّةِ حُمُوضَتِهِ، وَفِي يَدِهِ رَغِيفٌ أَرَى قُشَارَ الشَّعِيرِ فِي وَجْهِهِ، وَهُوَ [4] يَكْسِرُ بِيَدِهِ أَحْيَانًا، فَإِذَا غَلَبَهُ كَسَرَهُ بِرُكْبَتِهِ [5] ، فَطَرَحَهُ فِيهِ [6] ، فَقَالَ: ادْنُ فَأَصِبْ مِنْ طَعَامِنَا هَذَا، فَقُلْتُ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ مَنَعَهُ الصِّيَامُ عَنْ [7] طَعَامٍ يَشْتَهِيهِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُطْعِمَهُ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ، وَيَسْقِيَهُ مِنْ شَرَابِهَا» . قَالَ: قُلْتُ لِجَارِيَتِهِ وَهِيَ قَائِمَةٌ [8] : وَيْحَكِ يَا فِضَّةُ! أَلَا تَتَّقِينَ اللَّهَ فِي هَذَا الشَّيْخِ؟ أَلَا تَنْخُلِينَ طَعَامَهُ مِمَّا أَرَى فِيهِ مِنَ النُّخَالِ [9] ؟ فَقَالَتْ: (1) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) (2) ك: عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يُقِيمَهُ (3) : وَقَالَ. . (4) وَهُوَ: لَيْسَتْ فِي (ك) ص 175 (م) (5) ك: بِرُكَبِهِ (6) فِيهِ: لَيْسَتْ فِي (ك) (7) ك: مِنْ (8) ك: وَهِيَ قَائِمَةٌ بِقُرْبٍ مِنْهُ (9) ك: لَهُ طَعَامَهُ مِمَّا أَرَى فِيهِ مِنَ النُّخَالَةِ لَقَدْ عَهِدَ [1] إِلَيْنَا أَنْ لَا نَنْخُلَ لَهُ طَعَامًا، قَالَ: مَا قُلْتَ لَهَا؟ فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ [2] : بِأَبِي وَأُمِّي مَنْ لَمْ يُنْخَلْ لَهُ طَعَامٌ، وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الْبُرِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَاشْتَرَى يَوْمًا ثَوْبَيْنِ غَلِيظَيْنِ، فَخَيَّرَ قَنْبَرًا فِيهِمَا فَأَخَذَ وَاحِدًا وَلَبِسَ هُوَ الْآخَرَ، وَرَأَى فِي كُمِّهِ طُولًا عَنْ أَصَابِعِهِ فَقَطَعَهُ. قَالَ ضِرَارُ بْنُ ضَمْرَةَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ بَعْدَ قَتْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ [3] ، فَقَالَ: صِفْ لِي عَلِيًّا، فَقُلْتُ: أَعْفِنِي، فَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ [4] ، فَقُلْتُ [5] : أَمَّا إِذْ لَا بُدَّ، فَإِنَّهُ كَانَ وَاللَّهِ بَعِيدَ الْمَدَى، شَدِيدَ الْقُوَى، يَقُولُ فَصْلًا، وَيَحْكُمُ عَدْلًا، يَتَفَجَّرُ الْعِلْمُ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَتَنْطِقُ الْحِكْمَةُ مِنْ نَوَاحِيهِ، يَسْتَوْحِشُ مِنَ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا، وَيَسْتَأْنِسُ [6] بِاللَّيْلِ وَوَحْشَتِهِ، وَكَانَ وَاللَّهِ [7] غَزِيرَ الْعَبْرَةِ، طَوِيلَ الْفِكْرَةِ، يُعْجِبُهُ [8] مِنَ اللِّبَاسِ مَا خَشُنَ، وَمِنَ الطَّعَامِ مَا قَشُبَ، وَكَانَ فِينَا كَأَحَدِنَا: يُجِيبُنَا إِذَا سَأَلْنَاهُ، وَيَأْتِينَا [9] إِذَا دَعَوْنَاهُ، وَنَحْنُ - (1) ك: لَقَدْ تَقَدَّمَ (2) الْقَائِلُ هُنَا سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ، وَقَوْلُهُ التَّالِي عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (3) ك: بَعْدَ قَتْلِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ (4) ك: لَا بُدَّ أَنْ تَصِفَهُ (5) ن، م: فَقَالَ، وَهُوَ خَطَأٌ (6) ك: وَيَأْنَسُ (7) عِبَارَةُ: "وَكَانَ وَاللَّهِ" لَيْسَتْ فِي (ك) (8) ك:. . الْفِكْرَةِ، يَقْلِبُ كَفَّهُ، وَيُعَاتِبُ نَفْسَهُ، يُعْجِبُهُ (9) ن، س، ب: وَيُلَبِّينَا وَاللَّهِ - مَعَ تَقْرِيبِهِ لَنَا، وَقُرْبِهِ مِنَّا لَا نُكَلِّمُهُ [1] هَيْبَةً لَهُ، يُعَظِّمُ أَهْلَ الدِّينِ، وَيُقَرِّبُ الْمَسَاكِينَ، لَا يَطْمَعُ الْقَوِيُّ فِي بَاطِلِهِ، وَلَا يَيْئَسُ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِهِ، فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا دُنْيَا [2] غُرِّي غَيْرِي. أَلِي تَعَرَّضْتِ؟ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّفْتِ [3] ؟ هَيْهَاتَ! قَدْ بِنْتُكِ [4] ثَلَاثًا، لَا رَجْعَةَ فِيكِ [5] ، عُمْرُكِ قَصِيرٌ [6] ، وَخَطَرُكِ [7] كَثِيرٌ، وَعَيْشُكِ حَقِيرٌ. آهٍ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ، وَبُعْدِ السَّفَرِ، وَوَحْشَةِ الطَّرِيقِ! فَبَكَى مُعَاوِيَةُ، وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا الْحَسَنِ كَانَ [8] وَاللَّهِ كَذَلِكَ، فَمَا حُزْنُكَ [9] عَلَيْهِ يَا ضِرَارُ؟ قَالَ: حُزْنُ مَنْ ذُبِحَ وَلَدُهَا فِي حِجْرِهَا، فَلَا تَرْقَأُ عَبْرَتُهَا وَلَا يَسْكُنُ حُزْنُهَا "." وَالْجَوَابُ: أَمَّا زُهْدُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَالِ فَلَا رَيْبَ فِيهِ، لَكِنَّ الشَّأْنَ أَنَّهُ كَانَ أَزْهَدَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ (وَعُمَرَ) [10] ، وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى (1) (ص 176 م) : لَا نَكَادُ نُكَلِّمُهُ. . (2) ك: لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ، وَقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سُدُولَهُ، وَغَارَبَ نُجُومَهُ، قَابِضًا عَلَى لِحْيَتِهِ، يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ، وَيَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ، وَيَقُولُ: يَا دُنْيَا. . (3) ن، س، ب: تَشَوَّقْتِ: وَالْمُثْبَتُ مِنْ (م) ، (ك) ، وَتَشَوَّفَتِ الْجَارِيَةُ: أَيْ تَزَيَّنَتْ (4) ك: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، غُرِّي غَيْرِي، قَدْ أَبَنْتُكِ. . . وَالْبَتُّ: الْقَطْعُ (5) ك: فِيهَا ; ب: لِي فِيكِ (6) ك: فَعُمْرُكِ قَصِيرٌ (7) ن، س، ب: وَبَطَرُكِ (8) ن، س، ب: فَكَانَ ; ك: قَدْ كَانَ (9) ك:. . كَذَلِكَ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: كَيْفَ كَانَ حُبُّكَ لَهُ؟ قَالَ: كَحُبِّ أُمِّ مُوسَى لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَ: فَمَا حُزْنُكَ. . . (10) وَعُمَرَ: زِيَادَةٌ فِي (م ذَلِكَ، بَلْ مَا كَانَ فِيهِ حَقًّا فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْبَاقِي: إِمَّا كَذِبٌ، وَإِمَّا مَا لَا مَدْحَ فِيهِ. (أَمَّا كَوْنُهُ طَلَّقَ الدُّنْيَا ثَلَاثًا) [1] فَمِنَ الْمَشْهُورِ عَنْهُ [2] أَنَّهُ قَالَ: "يَا صَفْرَاءُ، يَا بَيْضَاءُ، قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثًا غُرِّي غَيْرِي، لَا رَجْعَةَ لِي فِيكِ" ، لَكِنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَزْهَدُ مِمَّنْ لَمْ يَقُلْ هَذَا، فَإِنَّ نَبِيَّنَا وَعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، وَغَيْرَهُمَا كَانُوا أَزْهَدَ مِنْهُ وَلَمْ يَقُولُوا هَذَا، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا زَهِدَ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ [3] : قَدْ زَهِدْتُ، [4] وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ قَالَ: زَهِدْتُ [5] ، يَكُونُ قَدْ زَهِدَ، فَلَا عَدَمُ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الزُّهْدِ، وَلَا وُجُودُهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّهُ كَانَ دَائِمًا يَقْتَاتُ جَرِيشَ الشَّعِيرِ بِلَا أُدْمٍ [6] . فَلَا دَلَالَةَ فِي هَذَا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ كَذِبٌ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا مَدْحَ فِيهِ، فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَامُ الزُّهْدِ كَانَ [7] لَا يَرُدُّ مَوْجُودًا وَلَا يَتَكَلَّفُ مَفْقُودًا [8] ، بَلْ إِنْ حَضَرَ لَحْمُ دَجَاجٍ أَكَلَهُ، أَوْ لَحْمُ غَنَمٍ أَكَلَهُ، أَوْ حَلْوَاءُ أَوْ عَسَلٌ أَوْ فَاكِهَةٌ أَكَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا لَمْ يَتَكَلَّفْهُ، وَكَانَ إِذَا حَضَرَ طَعَامًا [9] ، فَإِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ، وَلَا يَتَكَلَّفُ مَا لَا يَحْضُرُ، (1) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ فِي (م) فَقَطْ (2) عَنْهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (3) ن، س، ب: لَمْ يَجِبْ بِلِسَانِهِ أَنْ يَقُولَ (4) : سَاقِطٌ مِنْ (م) (5) : سَاقِطٌ مِنْ (م) (6) م: إِدَامٍ (7) س، ب:. . وَسَلَّمَ كَانَ إِمَامَ الزُّهَّادِ وَكَانَ (8) س: مَقْصُودًا (9) م: طَعَامٌ. وَرُبَّمَا رَبَطَ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ [1] مِنَ الْجُوعِ، وَقَدْ كَانَ [2] يُقِيمُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ لَا يُوقَدُ فِي بَيْتِهِ نَارٌ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رِجَالًا قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ وَلَا أَنَامُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ اللَّحْمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَقُومُ وَأَنَامُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَآكُلُ اللَّحْمَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» . [3] فَكَيْفَ يُظَنُّ بِعَلِيٍّ أَنَّهُ رَغِبَ عَنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُجْعَلُ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِ؟ ! وَأَيُّ مَدْحٍ لِمَنْ رَغِبَ عَنْهَا، ثُمَّ كَيْفَ يُقَالُ: إِنَّ عَلِيًّا كَانَ بِالْعِرَاقِ، وَلَا يَقْتَاتُ إِلَّا شَعِيرًا مَجْرُوشًا لَا أُدْمَ لَهُ، وَلَا يَأْكُلُ خُبْزَ بُرٍّ وَلَا لَحْمًا، وَالنَّقْلُ الْمُتَوَاتِرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَهَلْ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؟ أَوْ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إِنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُ: "كَانَ حَمَائِلُ سَيْفِهِ لِيفًا، وَنَعْلُهُ لِيفًا" . فَهَذَا أَيْضًا كَذِبٌ وَلَا مَدْحَ فِيهِ ; فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ نَعْلَ (رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنَ الْجُلُودِ، وَحَمَائِلَ) [4] سَيْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ [5] ذَهَبًا وَفِضَّةً، وَاللَّهَ قَدْ يَسَّرَ الرِّزْقَ عَلَيْهِمْ، فَأَيُّ مَدْحٍ فِي أَنْ يَعْدِلُوا عَنِ الْجُلُودِ مَعَ تَيَسُّرِهَا؟ وَإِنَّمَا يُمْدَحُ هَذَا عِنْدَ الْعَدَمِ. (1) م: بِالْحَجَرِ (2) س، ب: وَكَانَ (3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/29 - 30 (4) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) (5) ن، م، س: كَانَ كَمَا قَالَ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ: "لَقَدْ فَتَحَ الْبِلَادَ أَقْوَامٌ كَانَتْ خُطُمُ خَيْلِهِمْ لِيفًا، وَرَكْبِهِمُ الْعَلَابِيَّ" [1] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [2] . وَحَدِيثُ عَمَّارٍ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ لَيْسَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا حَدِيثُ الثَّوْبِ الَّذِي اشْتَرَاهُ فَهُوَ مَعْرُوفٌ، وَحَدِيثُ ضِرَارِ بْنِ ضَمْرَةَ قَدْ رُوِيَ، وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَزْهَدُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، بَلْ مَنْ عَرَفَ الْمَنْقُولَ مِنْ سِيرَةِ عُمَرَ وَعَدْلِهِ وَزُهْدِهِ، وَصَرْفِهِ الْوِلَايَاتِ عَنْ أَقَارِبِهِ، وَنَقْصِهِ لِابْنِهِ فِي الْعَطَاءِ عَنْ نَظِيرِهِ، وَلِابْنَتِهِ فِي الْعَطَاءِ عَنْ نَظِيرَتِهَا، وَأَكْلِهِ الْخَشِنَ مَعَ كَوْنِهِ هُوَ الَّذِي قَسَّمَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي يُقَسِّمُهُ عَلِيٌّ [3] جُزْءًا مِنْ فُتُوحِ عُمَرَ، وَأَنَّهُ مَاتَ وَعَلَيْهِ ثَمَانُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ دَيْنًا - تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ أَزْهَدَ مِنْ عَلِيٍّ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَزْهَدُ مِنْ عُمَرَ [4] . فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [5] : "وَبِالْجُمْلَةِ زُهْدُهُ لَمْ يَلْحَقْهُ أَحَدٌ فِيهِ، وَلَا سَبَقَهُ" (1) ن، م، س: الْعَلَايَّ. وَفِي "النِّهَايَةِ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ" 3/121: "الْعَلَابِيُّ جَمْعُ عِلْبَاءَ، وَهُوَ عَصَبٌ فِي الْعُنُقِ كَانَتِ الْعَرَبُ تَشُدُّهُ عَلَى أَجْفَانِ سُيُوفِهِمْ" (2) الْأَثَرُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِلَفْظٍ مُخْتَلِفٍ فِي: الْبُخَارِيِّ 4/39: (كِتَابُ الْجِهَادِ، بَابُ حِلْيَةِ السُّيُوفِ) وَنَصُّهُ:. . سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: "لَقَدْ فَتَحَ الْفُتُوحَ قَوْمٌ مَا كَانَتْ حِلْيَةُ سُيُوفِهِمُ الذَّهَبَ وَلَا الْفِضَّةَ، إِنَّمَا كَانَتْ حِلْيَتُهُمُ الْعَلَابِيَّ وَالْآنُكَ وَالْحَدِيدَ" (3) م: الْفَيْءَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (4) س، ب: مِنْ عُمَرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (5) فِي (ك) ص 176 (م) (أَحَدٌ) [1] إِلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ أَزْهَدَ [2] كَانَ هُوَ الْإِمَامَ لِامْتِنَاعِ تَقَدُّمِ الْمَفْضُولِ عَلَيْهِ [3] . وَالْجَوَابُ: أَنَّ كِلْتَا الْقَضِيَّتَيْنِ بَاطِلَةٌ: لَمْ يَكُنْ أَزْهَدَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَا كُلُّ مَنْ كَانَ أَزْهَدَ كَانَ أَحَقَّ بِالْإِمَامَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ وَالسَّرَارِيِّ وَلِأَهْلِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنِّي لَأَرْبُطُ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ، وَإِنَّ صَدَقَتِي الْيَوْمَ لَتَبْلُغُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا [4] . وَهَذَا - وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا - فَهُوَ يُقَابِلُ لِمَنْ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ لَا يَأْكُلُ فِي الْعِرَاقِ إِلَّا خُبْزَ الشَّعِيرِ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ النَّقْلَ لَا إِسْنَادَ لَهُ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ لَهُ مَالٌ أَعْظَمُ مِنْ مَالِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مَا كَانَ عُمَرُ يُعْطِيهِ وَأَوْلَادَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُعْطِيهِمْ مِنَ الْمَالِ أَعْظَمَ مِمَّا يُعْطِي سَائِرَ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ يُعْطِي أَحَدًا مِنْ بَنِي عَدِيٍّ، وَلَا تَيْمٍ، وَلَا غَيْرِهِمْ مِنَ الْقَبَائِلِ، مِثْلَ مَا كَانَ يُعْطِي أَقَارِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَذَا [5] وَحْدَهُ يُوجِبُ سَعَةَ أَمْوَالِهِمْ. (1) أَحَدٌ: زِيَادَةٌ مِنْ (ك) (2) ك: أَزْهَدَ النَّاسِ (3) ك: تَقْدِيمِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ (4) سَبَقَ هَذَا الْأَثَرُ قَبْلَ صَفَحَاتٍ، ص 481 (5) ن، م، س: وَهَذَا وَعَلِيٌّ لَهُ وَقْفٌ مَعْرُوفٌ، فَهَلْ يُوقِفُ الْوُقُوفَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ؟ وَعُمَرُ إِنَّمَا وَقَفَ نَصِيبَهُ مِنْ خَيْبَرَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقَارٌ غَيْرَ ذَلِكَ، وَعَلِيٌّ كَانَ لَهُ عَقَارٌ بِالْيَنْبُعِ [1] وَغَيْرِهَا. [قال الرافضي الثاني أن عليا رضي الله عنه كان أعبد الناس والرد عليه] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [2] : "الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ: يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ، وَمِنْهُ تَعَلَّمَ النَّاسُ صَلَاةَ اللَّيْلِ، وَنَوَافِلَ النَّهَارِ، وَأَكْثَرُ الْعِبَادَاتِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُ تَسْتَوْعِبُ الْوَقْتَ، وَكَانَ يُصَلِّي فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ [3] أَلْفَ رَكْعَةٍ، وَلَمْ يُخِلَّ فِي صَلَاةِ [4] اللَّيْلِ - حَتَّى فِي لَيْلَةِ الْهَرِيرِ - وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَأَيْتُهُ فِي حَرْبِهِ وَهُوَ يَرْقُبُ الشَّمْسَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَاذَا تَصْنَعُ؟ قَالَ: أَنْظُرُ إِلَى الزَّوَالِ لِأُصَلِّيَ، فَقُلْتُ: فِي هَذَا الْوَقْتِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ [5] . فَلَمْ يَغْفُلْ عَنْ فِعْلِ الْعِبَادَاتِ [6] فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فِي أَصْعَبِ الْأَوْقَاتِ." وَكَانَ إِذَا أُرِيدَ إِخْرَاجُ الْحَدِيدِ [7] مِنْ جَسَدِهِ يُتْرَكُ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ (1) م: بِالْبَقِيعِ (2) فِي (ك) ص 176 (م) 177 (م) (3) ك: فِي نَهَارِهِ وَلَيْلَتِهِ (4) ك: بِصَلَاةِ (5) س، ب: الصَّلَوَاتِ (6) ك: الْعِبَادَةِ (7) ك: شَيْءٌ مِنَ الْحَدِيدِ فِي الصَّلَاةِ فَيَبْقَى مُتَوَجِّهًا إِلَى اللَّهِ غَافِلًا عَمَّا سِوَاهُ غَيْرَ مُدْرِكٍ لِلْآلَامِ الَّتِي تُفْعَلُ بِهِ. وَجَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَتَصَدَّقَ [1] وَهُوَ رَاكِعٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ [2] قُرْآنًا يُتْلَى، وَتَصَدَّقَ بِقُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ [3] : {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} (سُورَةِ الْإِنْسَانِ: 1) ، وَتَصَدَّقَ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَسِرًّا وَعَلَانِيَةً [4] ، وَنَاجَى الرَّسُولَ فَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاهُ صَدَقَةً [5] ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ قُرْآنًا، وَأَعْتَقَ أَلْفَ عَبْدٍ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ، وَكَانَ يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ وَيُنْفِقُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْبِ، وَإِذَا كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ كَانَ أَفْضَلَ، فَيَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ "." وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ الْمُخْتَلِفَةِ مَا لَا يَخْفَى إِلَّا عَلَى أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَحْوَالِ الْقَوْمِ، وَمَعَ أَنَّهُ كَذِبٌ وَلَا [6] مَدْحَ فِيهِ وَلَا فِي عَامَّةِ الْأَكَاذِيبِ، فَقَوْلُهُ: "إِنَّهُ كَانَ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ كَذِبٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" «لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَقُومُ وَأَنَامُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» "." (1) ك: فَتَصَدَّقَ (2) فِيهِ: لَيْسَتْ فِي (ك) (3) ن، س، ب: حَتَّى أُنْزِلَ فِيهِمْ ; ك: أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَفِيهِمْ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ (4) ك: وَجَهْرًا (5) ك: صَدَقَاتٍ (6) ب: لَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُولُ: لَأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ؟" قَالَ: بَلَى. قَالَ: "فَلَا تَفْعَلْ» . وَفِي رِوَايَةٍ [1] :" «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ، وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ؟ "فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلَّا الْخَيْرَ. قَالَ:" فَإِنَّ حَسْبَكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ "، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ:" فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا "." قَالَ: "فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ نَبِيِّ اللَّهِ، فَإِنَّهُ كَانَ أَعْبَدَ النَّاسِ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَاقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ" قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "اقْرَأْهُ فِي عِشْرِينَ" إِلَى أَنْ قَالَ: "فِي سَبْعٍ، وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ»" وَقَالَ فِي الصَّوْمِ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ "[2] ." وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: طَرَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَاطِمَةَ، فَقَالَ: "أَلَا تَقُومَانِ فَتُصَلِّيَانِ؟" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ: إِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، قَالَ: "فَوَلَّى وَهُوَ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} » (سُورَةِ الْكَهْفِ: 54) [3] فَهَذَا" (1) م: وَفِي رِوَايَةٍ إِلَى غَيْرِهِ (2) جَاءَتْ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَضَمَّنَتْ مَعَانِيَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ تَيْمِيَةَ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ فِي الْبُخَارِيِّ 3/39 \ 41 (كِتَابُ الصَّوْمِ، بَابُ حَقِّ الْجِسْمِ فِي الصَّوْمِ، بَابُ صَوْمِ الدَّهْرِ، بَابُ حَقِّ الْأَهْلِ فِي الصَّوْمِ، بَابُ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ، بَابُ صَوْمِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ) ; مُسْلِمٍ 2/812 818 (كِتَابُ الصِّيَامِ، بَابُ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ. . .) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) الْأَرْقَامُ 6534، 6477، 6761، 6762، 6766 (3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 3/85
__________________
|
#450
|
||||
|
||||
![]() منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية أبو العباس أحمد ابن تيمية الحنبلي الدمشقي المجلد السابع الحلقة (450) صـ 497 إلى صـ 506 الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى نَوْمِهِ فِي اللَّيْلِ [1] مَعَ إِيقَاظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُجَادَلَتِهِ حَتَّى وَلَّى وَهُوَ يَقُولُ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} (سُورَةِ الْكَهْفِ: 54) . وَقَوْلُ الْقَائِلِ: "وَمِنْهُ تَعَلَّمَ النَّاسُ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَنَوَافِلَ النَّهَارِ" . إِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ: أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ تَعَلَّمَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَهَكَذَا كُلٌّ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَّمَ بَعْضَ النَّاسِ. وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ تَعَلَّمُوا ذَلِكَ مِنْهُ، فَهَذَا مِنَ الْكَذِبِ الْبَارِدِ [2] ، فَأَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ مَا رَأَوْهُ، وَقَدْ كَانُوا يَقُومُونَ اللَّيْلَ وَيَتَطَوَّعُونَ بِالنَّهَارِ، فَأَكْثَرُ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي فُتِحَتْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ وَخُرَاسَانَ، مَا رَأَوْهُ، فَكَيْفَ يَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ؟ وَالصَّحَابَةُ كَانُوا كَذَلِكَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُ تَعَلَّمُوا ذَلِكَ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُدَّعَى ذَلِكَ إِلَّا فِي أَهْلِ [3] الْكُوفَةِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ كَانُوا تَعَلَّمُوا [4] ذَلِكَ مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ إِلَيْهِمْ *، وَكَانُوا مِنْ أَكْمَلِ النَّاسِ عَلِمَا [5] وَدِينًا قَبْلَ قُدُومِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَيْهِمْ، وَالصَّحَابَةُ كَانُوا كَذَلِكَ، وَأَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانُوا كَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ إِلَيْهِمُ * [6] الْعِرَاقَ. (1) ن، م: بِاللَّيْلِ (2) م: النَّادِرِ (3) ن، س: ذَلِكَ لَا فِي أَهْلِ. .، وَهُوَ خَطَأٌ ; م: فِي أَهْلِ، وَهُوَ خَطَأٌ (4) م: يَتَعَلَّمُونَ (5) م: وَكَانُوا مِنَ النَّاسِ تَعَلُّمًا. . (6) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (س) ، (ب) وَأَمَّا قَوْلُهُ: "الْأَدْعِيَةُ الْمَأْثُورَةُ عَنْهُ تَسْتَوْعِبُ الْوَقْتَ" . فَعَامَّتُهَا كَذِبٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَانَ أَجَلَّ قَدْرًا مِنْ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذِهِ الْأَدْعِيَةِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ وَحَالِ الصَّحَابَةِ، وَلَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ إِسْنَادٌ، وَالْأَدْعِيَةُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ أَفْضَلُ مَا دَعَا بِهِ أَحَدٌ، وَبِهَا يَدْعُو خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: "إِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَلْفَ رَكْعَةٍ" . مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا مَدْحَ فِيهِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَجْمُوعُ صَلَاتِهِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَرْبَعِينَ رَكْعَةً: فَرْضًا وَنَفْلًا، وَالزَّمَانُ لَا يَتَّسِعُ لِأَلْفِ رَكْعَةٍ لِمَنْ وَلِيَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ سِيَاسَةِ النَّاسِ وَأَهْلِهِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ نَقْرًا كَنَقْرِ الْغُرَابِ، وَهِيَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ الَّتِي نَزَّهَ اللَّهُ عَنْهَا عَلِيًّا. وَأَمَّا لَيَالِي صِفِّينَ، فَالَّذِي ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ الذِّكْرَ الَّذِي عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ: قَالَ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: وَلَا لَيْلَةَ [1] صِفِّينَ؟ قَالَ: وَلَا لَيْلَةَ صِفِّينَ، ذَكَرْتُهُ مِنَ السِّحْرِ فَقُلْتُهُ [2] . وَمَا ذَكَرَ مِنْ إِخْرَاجِ الْحَدِيدِ مِنْ جَسَدِهِ فَكَذِبٌ، فَإِنَّ عَلِيًّا لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ (1) س: لَيَالِيَ (2) س: فَقُلْتُ، وَالْحَدِيثُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا الْأَرْقَامُ 838، 1228، 1249 وَالدُّعَاءُ الَّذِي عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ هُوَ تَسْبِيحُ اللَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمْدُ اللَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَكْبِيرُهُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ عِنْدَمَا يَأْوِيَانِ إِلَى فِرَاشِهِمَا. وَجَاءَ الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) رَقْمُ 6554 دَخَلَ فِيهِ حَدِيدٌ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَمْعِهِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَهَذَا كَذِبٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا مَدْحَ فِيهِ، فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَشُرِّعَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَصَدَّقُوا وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ لَتَصَدَّقُوا، فَلَمَّا لَمْ يَسْتَحِبَّ هَذَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ عِبَادَةً بَلْ مَكْرُوهًا. وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَمْرِ النَّذْرِ وَالدَّرَاهِمِ الْأَرْبَعَةِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ كَذِبٌ، وَلَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ [1] مَدْحٍ. وَقَوْلُهُ: "أَعْتَقَ أَلْفَ عَبْدٍ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ" . مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي لَا يَرُوجُ إِلَّا عَلَى أَجْهَلِ النَّاسِ، فَإِنَّ عَلِيًّا لَمْ يُعْتِقْ أَلْفَ عَبْدٍ، بَلْ [2] وَلَا مِائَةً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ بِيَدِهِ يَقُومُ بِعُشْرِ هَذَا، فَإِنَّهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ صِنَاعَةٌ يَعْمَلُهَا، وَكَانَ مَشْغُولًا: إِمَّا بِجِهَادٍ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: "كَانَ يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ وَيُنْفِقُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشِّعْبِ" . كَذِبٌ بَيِّنٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَخْرُجُونَ مِنَ الشِّعْبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الشِّعْبِ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ أَبَاهُ أَبَا طَالِبٍ كَانَ مَعَهُمْ فِي الشِّعْبِ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ خَدِيجَةَ كَانَتْ مُوسِرَةً تُنْفِقُ مِنْ مَالِهَا. وَالرَّابِعُ: أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُؤَجِّرْ نَفْسَهُ بِمَكَّةَ قَطُّ، وَكَانَ صَغِيرًا حِينَ كَانَ فِي الشِّعْبِ: إِمَّا مُرَاهِقًا، وَإِمَّا [3] مُحْتَلِمًا، فَكَانَ عَلِيٌّ فِي الشِّعْبِ مِمَّنْ يُنْفِقُ (1) م: كَثِيرُ (2) بَلْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب) (3) م: أَوْ عَلَيْهِ: إِمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا أَبُوهُ، لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَيْفَ يُنْفِقُ عَلَى غَيْرِهِ؟ فَإِنَّ دُخُولَهُ فِي الشِّعْبِ كَانَ فِي حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، وَأَبُو طَالِبٍ مَاتَ قَبْلَ ذَهَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَكَانَ مَوْتُهُ وَمَوْتُ خَدِيجَةَ مُتَقَارِبَيْنِ، فَدُخُولُهُ فِي الشِّعْبِ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ. فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وُلِدَ وَهُمْ فِي الشِّعْبِ، وَمَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ عَبَّاسٍ مُرَاهِقٌ، وَعَلِيٌّ عَاشَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً بِاتِّفَاقِ النَّاسِ، وَالْمَبْعَثُ قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَقْصَى مَا قِيلَ فِي مَوْتِهِ: إِنَّهُ كَانَ ابْنَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ حِينَ الْإِسْلَامِ كَانَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ. [قال الرافضي الثالث أنه كان أعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم] فَصْلٌ قَالَ الرَّافِضِيُّ [1] : "الثَّالِثُ أَنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" [2] . وَالْجَوَابُ: أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ يَمْنَعُونَ ذَلِكَ، وَيَقُولُونَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُهُمْ: إِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ، وَدَلَائِلُ (1) فِي (ك) ص 177 (م) (2) لِابْنِ الْمُطَهَّرِ كَلَامٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ تَيْمِيَةَ هُنَا، وَسَيَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوْضِعِهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْضِي وَيَخْطُبُ وَيُفْتِي بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَشْتَبِهْ عَلَى النَّاسِ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ إِلَّا فَصَّلَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَإِنَّهُمْ شَكُّوا فِي مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيَّنَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ شَكُّوا فِي مَدْفَنِهِ فَبَيَّنَهُ، ثُمَّ شَكُّوا فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، فَبَيَّنَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَبَيَّنَ لَهُمُ النَّصَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} (سُورَةِ الْفَتْحِ: 27) ، وَبَيَّنَ لَهُمْ «أَنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَفَسَّرَ الْكَلَالَةَ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ. وَكَانَ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ يَرْوُونَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، كَمَا فِي السُّنَنِ «عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا نَفَعَنِي اللَّهُ بِمَا شَاءَ أَنْ يَنْفَعَنِي مِنْهُ، فَإِذَا حَدَّثَنِي غَيْرُهُ اسْتَحْلَفْتُهُ [1] ، فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ - وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى إِلَّا غَفَرَ لَهُ» [2] ." (1) س، ب: أَسْتَحْلِفُهُ (2) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 2/114 115 (كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابٌ فِي الِاسْتِغْفَارِ) وَأَوَّلُهُ عَنْ عَلِيٍّ: كُنْتُ رَجُلًا إِذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . . وَفِيهِ: وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا فَيُحْسِنُ الطَّهُورَ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي. . . . الْحَدِيثَ. وَهُوَ فِي سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ 4/296 (كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، تَفْسِيرُ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ) ; سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ 1/446 (كِتَابُ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ كَفَّارَةٌ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 1/153 154، 178، وَقَالَ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر فِي تَعْلِيقِهِ: "إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. . . وَقَالَ: أَطَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي التَّهْذِيبِ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ 1: 267 268. . . وَقَالَ:" هَذَا الْحَدِيثُ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ "وَأَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الْكَبِيرِ 2/1 \ 55" وَلَمْ يُحْفَظْ لِأَبِي بَكْرٍ فُتْيَا تُخَالِفُ نَصًّا، وَقَدْ وُجِدَ لِعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا فَتَاوَى كَثِيرَةٌ تُخَالِفُ النُّصُوصَ، حَتَّى جَمَعَ الشَّافِعِيُّ مُجَلَّدًا فِي خِلَافِ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَمَعَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ كِتَابًا كَبِيرًا فِي ذَلِكَ، وَقَدْ خَالَفُوا الصِّدِّيقَ فِي الْجَدِّ، وَالصَّوَابُ فِي الْجَدِّ قَوْلُ الصِّدِّيقِ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ، وَذَكَرْنَا فِيهِ عَشَرَةَ وُجُوهٍ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ [1] ، وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ مَعَهُ فِي الْجَدِّ: نَحْوُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ، وَالَّذِينَ [2] نُقِلَ عَنْهُمْ خِلَافُهُ: كَزَيْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ اضْطَرَبَتْ أَقْوَالُهُمُ اضْطِرَابًا يُبَيِّنُ أَنَّ قَوْلَهُ هُوَ الصَّوَابُ دُونَ قَوْلِهِمْ. وَقَدْ نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ مِنْ عَلِيٍّ، مِنْهُمُ الْإِمَامُ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ السَّمْعَانِيُّ الْمَرْوَزِيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِهِ "تَقْوِيمِ الْأَدِلَّةِ" الْإِجْمَاعَ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ مِنْ عَلِيٍّ، كَيْفَ وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْتِي وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى وَيَخْطُبُ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَإِيَّاهُ - يَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَلَمَّا هَاجَرَا، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَشَاهِدِ، وَهُوَ سَاكِتٌ يُقِرُّهُ، وَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ لِغَيْرِهِ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُشَاوَرَتِهِ لِأَهْلِ الْفِقْهِ وَالرَّأْيِ يُقَدِّمُ فِي الشُّورَى أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَهُمَا اللَّذَانِ يَتَكَلَّمَانِ فِي الْعِلْمِ، وَيَتَقَدَّمَانِ (1) ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي كِتَابِهِ "الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ" ص 59 مِنْ مُؤَلَّفَاتِ ابْنِ تَيْمِيَةَ: "وَلَهُ مَسْأَلَةٌ فِي أَنَّ الْجَدَّ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ" (2) س، ب: وَالَّذِي بِحَضْرَتِهِ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ، مِثْلَ مُشَاوَرَتِهِ فِي أُسَارَى بَدْرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ [1] : "إِذَا اتَّفَقْتُمَا عَلَى أَمْرٍ لَمْ أُخَالِفْكُمَا [2]" . وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "«اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ»" [3] . وَلَمْ يَحْصُلْ هَذَا لِغَيْرِهِمَا، بَلْ قَالَ: "«عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ»" [4] . فَأَمَرَ بِاتِّبَاعِ سُنَّةِ [5] الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَخَصَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ، وَمَرْتَبَةُ الْمُقْتَدَى بِهِ فِي أَفْعَالِهِ وَفِيمَا سَنَّهُ [6] لِلْمُسْلِمِينَ فَوْقَ مَرْتَبَةِ الْمُتَّبَعِ فِيمَا سَنَّهُ فَقَطْ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا مَعَهُ فِي سَفَرِهِ» ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: "«إِنْ يُطِعِ الْقَوْمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا»" . [7] وَثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَفْتَى بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِعُثْمَانَ وَلَا بِعَلِيٍّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ حَبْرُ [8] الْأُمَّةِ، وَأَعْلَمُ الصَّحَابَةِ فِي زَمَانِهِ، وَهُوَ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُقَدِّمًا لَهُمَا عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِمَا، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "«اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ»" [9] . (1) س:. . . ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: ب: ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ (2) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/129 (3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/489 (4) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 4/164 (5) س، ب: فَأَمَرَ بِسُنَّةِ (6) م: يَسُنُّهُ (7) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 6/129 (8) ن، م: خَيْرُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ (9) جَاءَ الشَّطْرُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 1/41 (كِتَابُ الْوُضُوءِ، بَابُ وَضْعِ الْمَاءِ عِنْدَ الْخَلَاءِ) ; مُسْلِمٍ 4/1927 (كِتَابُ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ، بَابُ فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ. . . .) وَجَاءَ الْحَدِيثُ كَامِلًا فِي الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 4/127 (رَقْمُ 2397) وَبِمَعْنَاهُ (رَقْمُ 2422) ثُمَّ جَاءَ كَامِلًا (رَقْمُ 2881، 3033، 3102) وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَكْثَرُ اخْتِصَاصًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَكْثَرُ اخْتِصَاصًا بِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَسْمُرُ عِنْدَهُ عَامَّةَ اللَّيْلِ يُحَدِّثُهُ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ [1] : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا عَلْقَمَةُ [2] ، «عَنْ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ فِي الْأَمْرِ [3] مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُ» [4] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا نَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَرَّةً: "«مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ وَسَادِسٍ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، وَانْطَلَقَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشَرَةٍ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صُلِّيَتِ الْعِشَاءُ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى نَعَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَنَا [5] بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ. قَالَتِ امْرَأَتُهُ: مَا" (1) فِي "الْكِتَابِ الْمُصَنَّفِ فِي الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ" 2/280، تَحْقِيقُ الْأُسْتَاذِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْأَفْغَانِيِّ، ط. الثَّانِيَةِ، ط. الدَّارِ السَّلَفِيَّةِ، بُمْبَى، الْهِنْدِ، 1399، 1979 (2) الْمُصَنِّفُ: عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ (3) س، ب: يُسْمِرُ فِي الْأَمْرِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ (4) الْمُصَنِّفُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْمِرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ اللَّيْلَةَ كَذَلِكَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُ، وَإِنَّهُ سَمَرَ عِنْدَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَأَنَا مَعَهُ (5) ن، م، س: فَجَاءَ حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ؟ قَالَ: أَوَمَا عَشَّيْتَهُمْ [1] ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ: عَرَضُوا عَلَيْهِمُ الْعَشَاءَ فَغَلَبُوهُمْ» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [2] . وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: "«كَانَ أَبِي يَتَحَدَّثُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ، وَفِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ لَمْ يَصْحَبْ غَيْرَ أَبِي [3] ، وَيَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ فِي الْعَرِيشِ غَيْرُهُ»" [4] . وَقَالَ: "«إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيْنَا [5] فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا»" . وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ فِي الصِّحَاحِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ [6] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "«كُنْتُ جَالِسًا" (1) ن، م، س: وَمَا وَفِي (ب) : أَوَمَا عَشَّيْتِيهِمْ. وَالتَّصْوِيبُ مِنْ "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" (2) الْحَدِيثُ مَعَ اخْتِلَافٍ فِي الْأَلْفَاظِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ 1/134 (كِتَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، بَابُ السَّمَرِ مَعَ الضَّيْفِ وَالْأَهْلِ) \ 4/194 195 (كِتَابُ الْمَنَاقِبِ، بَابُ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الْإِسْلَامِ) ، 8/33 (كِتَابُ الْأَدَبِ، بَابُ قَوْلِ الضَّيْفِ لِصَاحِبِهِ: لَا آكُلُ حَتَّى تَأْكُلَ) ; مُسْلِمٍ 3/1628 (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابُ إِكْرَامِ الضَّيْفِ وَفَضْلِ إِيثَارِهِ) ; سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 3/308 309 (كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ، بَابٌ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى طَعَامٍ لَا يَأْكُلُهُ) ; الْمُسْنَدِ (ط. الْمَعَارِفِ) 3/159 161 (رَقْمُ 1712) وَانْظُرْ رَقْمَ 1702، 1704، 1713 (3) ن، م: غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ (4) لَمْ أَجِدْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ مَعَ مُرَاجَعَتِي لِلْمَوَاضِعِ السَّابِقَةِ كُلِّهَا. وَفِي مُسْلِمٍ فِي الْحَدِيثِ رَقْمِ 177 (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ، بَابُ إِكْرَامِ الضَّيْفِ) قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "نَزَلَ عَلَيْنَا أَضْيَافٌ. قَالَ: وَكَانَ أَبِي يَتَحَدَّثُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ. ." (5) س، ب: عَلَيَّ (6) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/512 513 عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى مِنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ فَسَلِمَ»" . وَقَالَ: "«إِنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ، ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي، فَأَبَى عَلَيَّ، وَإِنِّي أَتَيْتُكَ، فَقَالَ:" يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ "ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَعَّرُ، وَغَضِبَ حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ [1] ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ "فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا» . قَالَ الْبُخَارِيُّ: سَبَقَ بِالْخَيْرِ [2] ." وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ يَسْأَلْ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ [3] ; لِعِلْمِهِ وَعِلْمِ سَائِرِ النَّاسِ أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ رُءُوسُ الْإِسْلَامِ، وَأَنَّ قِيَامَهُ بِهِمْ. وَلِهَذَا لَمَّا سَأَلَ الرَّشِيدُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ مَنْزِلَتِهِمَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَنْزِلَتُهُمَا مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ كَمَنْزِلَتِهِمَا مِنْهُ فِي مَمَاتِهِ" . فَقَالَ: "شَفَيْتَنِي يَا مَالِكُ شَفَيْتَنِي يَا مَالِكُ" . (1) س، ب: صَدَقَ (2) جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْجُزْءِ مُخْتَصَرًا، (ص 26) ثُمَّ جَاءَ مُطَوَّلًا، (ص 164 165) وَتَكَلَّمْتُ عَلَيْهِ هُنَاكَ، وَذَكَرْتُ مَكَانَهُ فِي الْبُخَارِيِّ (3) سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا مَضَى 1/523
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 15 ( الأعضاء 0 والزوار 15) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |