|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#441
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [250] الحلقة (282) شرح سنن أبي داود [250] الطلاق حل لعقدة النكاح القائمة بين الزوجين، ولا ينبغي أن يصار إليه إلا إذا كان قد تعذر دوام العشرة بين الزوجين، ولا يجوز لامرئ أن يفسد امرأة على زوجها لتكرهه بقصد الزواج بها أو غيره، كما لا يجوز لامرأة أن تفسد رجلاً على زوجته فتطلب منه إن أراد الزواج بها طلاق أختها، وللطلاق في الشرع أحكام عظيمة غير ما ذكر، ومن ذلك ما يتعلق بطلاق السنة الجائز وطلاق البدعة الذي لا يجوز. حكم تخبيب المرأة على زوجها شرح حديث ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كتاب الطلاق. تفريع أبواب الطلاق. باب فيمن خبب امرأة على زوجها. حدثنا الحسن بن علي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا عمار بن رزيق عن عبد الله بن عيسى عن عكرمة عن يحيى بن يعمر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده) ]. لما فرغ الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى من كتاب النكاح أعقبه بكتاب الطلاق. والطلاق: اسم مصدر بمعنى التطليق، كالسلام والكلام، فالسلام اسم مصدر، والمصدر هو التسليم، والكلام اسم مصدر، والمصدر هو التكليم، والطلاق اسم مصدر، والمصدر هو التطليق. والطلاق في اللغة: حل الوثاق. وفي الشرع: حل عقدة النكاح. فهو جزء من جزئيات المعنى اللغوي؛ لأن المعنى اللغوي يكون واسعاً، والمعنى الشرعي يكون جزءاً من جزئياته، فالمعنى اللغوي له أي وثاق، وأما في الشرع فهو حل وثاق مخصوص، وهو عقدة النكاح، أي: إنهاء عقد النكاح بالطلاق. وكثيراً ما تكون المعاني الشرعية جزئيات من جزئيات المعاني اللغوية، بحيث يكون المعنى اللغوي واسعاً والمعنى الشرعي يكون جزءاً من جزئياته كما هنا، وكما في الصوم، فإن الصوم في اللغة الإمساك، فأي إمساك يقال له صوم. وأما في الشرع فهو إمساك مخصوص عن الأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. والحج في اللغة: القصد، أي قصد، وفي الشرع قصد مخصوص، وهو قصد الكعبة البيت العتيق للإتيان بأفعال مخصوصة. والعمرة في اللغة: الزيارة، أي زيارة، وفي الاصطلاح زيارة البيت للطواف به والسعي بين الصفا والمروة. وأورد أبو داود هنا [ باب فيمن خبب امرأة على زوجها ]. وقال قبله: [ تفريع أبواب الطلاق ] فأشار إلى الأبواب المختلفة التي تدخل تحت كتاب الطلاق، وبدأ بمن خبب امرأة على زوجها، يعني حكمه وأنه محرم لا يسوغ ولا يجوز. والتخبيب هو إفساد المرأة على زوجها، بأن يسعى إلى أن يفسد ما في قلبها حتى يكون الفراق، ولهذا قدمه في أول الطلاق؛ لأن من أسباب الطلاق تخبيب المرأة على زوجها حتى تتمرد عليه وتسعى إلى التخلص منه بسبب هذا الإفساد. وأورد هنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على سيده) ] وتخبيب العبد على سيده هو -كذلك- إفساده على سيده حتى يسعى للتخلص منه. وقوله: [ (ليس منا) ] يدل على تحريمه وأنه من الأمور المحرمة، وأن من يفعل ذلك فقد عرض نفسه لأن يكون من أهل هذا الوصف، لكن لا يعني ذلك أنه ليس من المسلمين، بل هو مسلم، ولكنه ليس على المنهج الصحيح وعلى الطريق الصحيح، بل هو عاص ومخالف تراجم رجال إسناد حديث ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها ) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا زيد بن الحباب ]. زيد بن الحباب صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا عمار بن رزيق ]. عمار بن رزيق لا بأس به، وهذه اللفظة تعادل كلمة (صدوق)، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ عن عبد الله بن عيسى ]. عبد الله بن عيسى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن يعمر ]. يحيى بن يعمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. حكم سؤال المرأة زوجها طلاق امرأة له شرح حديث ( لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المرأة تسأل زوجها طلاق امرأة له. حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : (لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح، فإنما لها ما قدر لها) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب في المرأة تسأل زوجها طلاق امرأة له ] أي أن ذلك لا يجوز. وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ ما في صحفتها ولتنكح، فإنها لها ما قدر لها) ]. وهذا جاء في المرأة عندما تخطب والخاطب عنده زوجة، فهي تطلب منه أن يطلقها لتستفرغ ما في صحفتها، ومعناه أن هذه المخطوبة التي يريد أن يعقد عليها تشترط عليه أن يطلق المرأة السابقة التي قبلها لتستأثر به وتكفأ ما في صحفتها، وكأن تلك المرأة عندها طعام في صحفة فأفسدت عليها واستأثرت به وأضافته إلى صحفتها واختصت به. ثم قال: [ (ولتنكح) ] يعني أنها إذا خطبت والرجل عنده زوجه سابقة فلا تشترط طلاق تلك، ولها أن تنكح فتقدم على الزواج إذا كان عندها رغبة فيه، ولكن لا تقيد ذلك بطلاق المرأة الأخرى؛ فالشيء الذي كتبه الله لها من الرزق لا بد من أن يأتيها، وأما كونها تسعى إلى التفريق بين رجل وامرأته وتشتغل بذلك فغير صحيح، بل إما أن تقبل وإما أن ترفض. ولكن إذا كان الرجل أهلاً وكان كفؤاً فالذي ينبغي أنها لا تفوته، ولهذا قال : [ (فلتنكح، فإنما لها ما قدر لها) ] ويحتمل أن يكون معنى (ولتنكح) أي: هذا الرجل، ولها ما كتب لها، أو يكون المعنى أنها لا تشترط هذا الشرط وترفضه وتنكح غيره، والذي قدر الله عز وجل أن يكون لها فإنه لا بد من أن يصلها؛ لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. تراجم رجال إسناد حديث ( لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزناد ]. هو عبد الله بن ذكوان المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و أبو الزناد لقب وليس كنية، وكنيته أبو عبد الرحمن ، فلقبه على صيغة الكنية. [ عن الأعرج ]. هو عبد الرحمن بن هرمز المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد مر ذكره. كراهية الطلاق شرح حديث ( ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في كراهية الطلاق. حدثنا أحمد بن يونس حدثنا معرف عن محارب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة [ باب في كراهية الطلاق ]. يعني أن الطلاق إنما يصار إليه عند الحاجة، فليس هو من الأمور المحبوبة المرغوبة، وإنما يحل عندما تكون هناك حاجة إلى حل تلك العقدة، فهو شيءٌ يترتب عليه فراق، وذلك الفراق قد يكون فيه مصلحة وقد يكون فيه مضرة، يكون فيه مصلحة إذا كان الوئام والوفاق لم يتم، وكان الشقاق موجوداً والمشاكل كثيرة، فالطلاق يكون في هذه الحالة مرغوباً مفيداً وتكون فيه مصلحة، وأما إذا كان الوئام موجوداً والمودة موجودة والمرأة ما حصل منها شيء يقتضي الطلاق فإنه لا يكون مرغوباً ولا يكون محبوباً، وهذا هو الذي فيه الكراهية. وأورد أبو داود هنا حديث محارب بن دثار رحمة الله عليه [ (ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق) ]. وهذا -كما هو معلوم- إنما هو فيما إذا كان من غير أمر يقتضيه، أما إذا كان لأمر يقتضيه فإنه يكون متعيناً وتكون المصلحة فيه ويكون هو المطلوب؛ لأن البقاء على مشاكل وأمور قد تضر الإنسان في دينه ودنياه لا يصلح، فالطلاق هنا يكون خيراً ويكون محبوباً، ولكنه إذا كان يترتب عليه أضرار من غير أسباب يقتضيها ذلك الطلاق فإن هذا هو الذي يوصف بأنه غير محبوب وأنه مبغوض. تراجم رجال إسناد حديث ( ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق ) قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ]. أحمد بن يونس ثقة، أخرج له، أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا معرف ]. هو معرف بن واصل ، وهو ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود . [ عن محارب ]. هو محارب بن دثار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث مرسل. شرح حديث ( أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا كثير بن عبيد حدثنا محمد بن خالد عن معرف بن واصل عن محارب بن دثار عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق) ]. أورد أبو داود الحديث عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) ] وهو بمعنى ما تقدم من أنه إذا كان من غير أمر يقتضيه ومن غير حاجة، أما إذا كان هناك حاجة إليه وهناك أمر يقتضيه فإن المصلحة فيه، وليست في غيره؛ لأن البقاء على شقاق وعلى خلاف وعلى تنافر قلوب وعلى كلام سيء من الطرفين غير صحيح، والمصلحة في التخلص منه، ويكون بذلك محبوباً وليس مبغوضاً. وقد يستشكل ما ورد في الحديث من كون الله تعالى يحل شيئاً يبغضه. والجواب أنه قد يكون الشيء محبوباً باعتبار مبغوضاً باعتبار، فالطلاق يكون محبوباً باعتبار أن فيه التخلص من المشاكل وعدم الوئام، ويكون مبغوضاَ إذا كان لغير أمر يقتضيه وترتب على ذلك الانفصال بين شخصين بينهما الوئام والمودة، ثم حصل من ذلك ضرر على الزوجة بترك زوجها لها من غير أمر يقتضي ذلك. فاجتماع البغض والمحبة في الشيء وارد باعتبارين، ومثاله كذلك صاحب الكبيرة، فهو محبوب مبغوض، محبوب باعتبار ما عنده من الإيمان، مبغوض باعتبار ما عنده من الفسوق والعصيان، ولهذا فأهل السنة والجماعة يقولون عن مرتكب الكبيرة: مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، يحب على ما عنده من الإيمان ويبغض على ما عنده من الفسوق والعصيان. فاجتمع فيه المحبة والبغض، ويدل لاجتماعهما بيت الشعر الذي يتحدث عن الشيب، فالشيب إذا نظر إلى ما قبله -وهو الشباب- صار غير مرغوب فيه وصار مبغوضاً، ولكنه إذا نظر إلى ما بعده -وهو الموت- صار محبوباً، يقول الشاعر الشيب كره وكره أن نفارقه فاعجب لشيء على البغضاء محبوب وقد يقال أيضاً: ألا يعارض هذا الحديث ما تقرر عند السلف من أن الإرادة الشرعية يحبها الله تعالى، فكيف يريد الله عز وجل الطلاق شرعاً وهو يبغضه؟! والجواب عن ذلك أنه عند وجود مقتضيه يكون مأموراً به ومرغباً فيه، بل قد يكون واجباً، وعند عدم وجود شيء يقتضيه يكون غير محبوب. وقد ذكر بعض أهل العلم أن الطلاق قد يكون حراماً، وذلك إذا كان طلاقاً بدعياً، بأن يكون في الحيض، أو يكون ثلاثاً، أو يكون في طهر جامعها فيه، فإنه هنا لا يجوز. ويكون واجباً إذا لم يتم الوئام والوفاق، ثم بعث حكمان فرأيا أن المصلحة في الطلاق وعدم البقاء، فعند ذلك يتعين الطلاق ويكون واجباً. وهذه الطريق الثانية فيها أن محارب بن دثار يضيفه إلى عبد الله بن عمر ويرفعه عبد الله بن عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الطريق الأولى قال محارب : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ] فهو من قبيل المرسل؛ لأن قول التابعي: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا) هو من قبيل المرسل، وهذا في اصطلاح المحدثين، وأما في اصطلاح الفقهاء -وكذلك أيضاً في اصطلاح المحدثين أحياناً- فالمرسل يطلق على المنقطع، ولهذا يقولون في شخص متقدم أو متأخر: يرسل كثيراً. أي: يضيف إلى من فوق شيخه. فيكون تعريف المرسل بهذا أوسع من التعريف المشهور عند المحدثين الذي يراد به ما إذا قال التابعي -سواءٌ أكان صغيراً أم كبيراً-: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا. وإنما كان المرسل غير معتمد وغير محتج به عند المحدثين لأن المحذوف يمكن أن يكون صحابياً، ويمكن أن يكون تابعياً، وعلى احتمال كونه تابعياً فإنه يحتمل أن يكون ثقة وأن يكون ضعيفاً، فمن أجل هذا اعتبروه من قبيل المردود،وليس من قبيل المقبول المحتج به للاحتمال. أما لو كان المرسل سقط فيه صحابي فقط فهذا لا يؤثر؛ لأن جهالة الصحابة لا تؤثر، وإنما الإشكال في احتمال غيرهم. ولهذا فمن عرفه بأنه ما سقط منه صحابي لم يصب في هذا التعريف، كما قال صاحب البيقونية: (ومرسل منه الصحابي سقط) فهذا التعريف غير صحيح؛ لأنه لو كان الذي سقط منه صحابياً فليس في ذلك إشكال، وإنما الإشكال في احتمال سقوط غيره من التابعين؛ لأنه يمكن أن يكون صحابياً أو تابعياً، وعلى فرض أنه تابعي فيحتمل أن يكون ثقة أو ضعيفاً، فيأتي الإشكال من جهة احتمال الضعف. والإسناد الذي أورده أبو داود هنا رجاله محتج بهم، ومن العلماء من صحح الحديث، مثل الحاكم ، ومنهم من أعله بالإرسال ورجح المرسل الأول الذي ذكره أبو داود عن محارب بن دثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيضاً ذكر أن في رواته محمد بن خالد قد اضطرب فيه، فرواه على عدة أوجه، والاضطراب يمكن أن يكون مؤثراً، أما قضية الإرسال فمن المعلوم أن من العلماء من قال: إن الوصل زيادة من ثقة، فتكون مقبولة. وعلى هذا فيكون الحديث لا بأس به. أما إذا كان الاضطراب الذي ذكر عن محمد بن خالد الذي هو أحد رواته مؤثراً يقدح فيه فإنه يكون على ذلك ضعيفاً، وقد ضعفه بعض أهل العلم، مثل الشيخ الألباني رحمه الله، فإنه ضعف هذا الحديث من أجل الإرسال، وقال: إن الذين أرسلوه أوثق من الذي وصله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. تراجم رجال إسناد حديث ( أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق ) قوله: [ حدثنا كثير بن عبيد ]. هو كثير بن عبيد الحمصي ، وهو ثقة أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا محمد بن خالد ]. محمد بن خالد صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن معرف بن واصل عن محارب بن دثار ] قد مر ذكرهما. [ عن ابن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد و أنس و جابر و أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن الجميع، وهم الذين يقول فيهم السيوطي في الألفية. والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي طلاق السنة شرح حديث طلاق ابن عمر زوجته في حيضها قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في طلاق السنة. حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله سبحانه أن تطلق لها النساء) ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب في طلاق السنة ] أي: الطلاق الذي يكون موافقاً للسنة وليس طلاق بدعة، فالمقصود بالسنة هنا مقابل البدعة؛ لأن السنة تأتي لمعانٍ، منها أنها تأتي بمعنى الشرع كله، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني) فالمراد من سنته هنا ما جاء به من الكتاب والسنة، أي أن من رغب عن الكتاب والسنة، أو عما جاء في الكتاب والسنة، أو عن شيء مما جاء في الكتاب والسنة فإنه مذموم، وهذا أوسع معنى للسنة. ويليه إطلاق السنة على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم خاصة، ومن ذلك قول العلماء من محدثين وفقهاء عندما يأتون إلى مسألة من المسائل يقررونها فيحصرون الأدلة إجمالاً أولاً فيقولون: هذه المسألة دل عليها الكتاب والسنة والإجماع والقياس، أما الكتاب فكذا، وأما السنة فكذا، وأما الإجماع فكذا، وأما القياس فكذا. فعطف السنة على الكتاب هنا يراد به خصوص الحديث. المعنى الثالث: أن السنة مقابل البدعة، وهذا الذي معنا هو من هذا القبيل، فقوله: [ باب في طلاق السنة ] أي: الذي ليس على بدعة، والذي هو موافق لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومجانب ومخالف للبدعة. وهناك إطلاق رابع للسنة في اصطلاح الفقهاء، وهو أن السنة تعني المستحب والمندوب، وهو المأمور به لا على سبيل الإيجاب، وإنما على سبيل الاستحباب، فهذا يقال له سنة. فإذا قال الفقهاء: يسن كذا فإنهم يقصدون أنه من الأمور المستحبة. وأما معنى ما جاء في هذه الترجمة فهو السنة التي هي في مقابل البدعة. وطلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته في طهر لم يجامعها فيه طلقة واحدة، فقولنا: في طهر يخرج به الحيض، فلا يطلق في الحيض؛ لأن الطلاق في الحيض طلاق بدعة، وقولنا: لم يجامعها فيه يخرج به الطهر الذي جامعها فيه، فإنه لا يطلق في الطهر الذي جامعها فيه وإنما يطلق في طهر لم يجامعها فيه؛ لأنه إذا جامعها فيه فيمكن أن يكون هناك ولد يترتب على ذلك، ولكن كونه يطلقها حاملاً أو حائلاً هذا هو طلاق السنة. وقولنا: طلقة واحدة خرج به أن يطلقها ثلاثاً أو أكثر، وإنما يطلق طلقة واحدة إذا أراد أن يطلق، فيقول: طلقت زوجتي طلقة واحدة. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمر في قصة طلاقه لزوجته، وأنه طلقها وهي حائض، وأن أباه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : [ (مره فليراجعها) ] يعني: أخبره بأن يراجعها، والمراد بالمراجعة أنه يعيدها إليه بالمراجعة، فتكون الطلقة التي حصلت في حال الحيض معتبرة، وتكون معدودة ومحسوبة عليه من طلقاته الثلاث، فيكون قد أمضى واحدة، ثم يتركها حتى تطهر من ذلك الحيض ثم تحيض مرة ثانية ثم تطهر فيطلقها في ذلك الطهر الذي جاء بعد الحيضة الثانية التي حصل فيها الطلاق البدعي. لكن ابن القيم رحمه الله في (تهذيب السنن) أطال الكلام في أنه لا تحسب التطليقة التي في الحيض، وأن الذي يحسب هو ما كان في حال الطهر، وقوى ذلك وأطال فيه الكلام في تهذيب سنن أبي داود . والقول بكون الطلاق لا يقع في الحيض قال به قليلون، وبه يفتي الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى، وقد ذهبوا إلى أن قوله: [ (مره فليراجعها) ] ليس المراد فيه بالمراجعة الرجعة المعروفة التي هي إعادة المطلقة، وإنما المراد به كونها تبقى عنده ولا يتركها. والقول المشهور عن العلماء هو أن الطلاق يقع، وأن عليه أن يراجع، على خلاف في كون المراجعة واجبة أو مستحبة. وقوله: [ (ثم إن شاء أمسك) ] يعني: إن شاء أبقاها في عصمته وبقيت زوجة له، وإن شاء طلق في ذلك الطهر الذي لم يجامعها فيه بعد الحيضة الثانية، وقد جاء في بعض الأحاديث التي سيذكرها المصنف أنه يراجعها بعد الحيضة التي حصل فيها الطلاق، ثم بعد ذلك يطلقها إذا بدا له، أي: بعد انقضاء الحيض في طهر لم يجامعها فيه، أما إذا جامعها في الطهر -أي طهر- فإنه لا يطلقها. والحكمة من منع الطلاق في طهر مسها فيه أنها قد تحمل منه في ذلك الطهر، وأما منعه في حال الحيض فلم يظهر لي وجه الحكمة فيه. وقوله: [ (وإن شاء طلق قبل أن يمس) ]. معناه أنه يطلقها في الطهر بدون مسيس، أما إذا وجد المسيس فإنه لا يطلقها، بل يبقيها حتى يأتي طهر لم يجامعها فيه، فيكون الطلاق إما في حال الحمل المتحقق أو في حال كونه متحققاً من عدم حملها بأن كانت تحيض ثم طلقها في طهر لم يجامعها فيه متحققاً عدم حملها. فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر عمر رضي الله عنه بأن يأمر عبد الله بن عمر ، ومعنى ذلك أنه يبلغه؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: [ (مره فليراجعها) ] المقصود به إبلاغه بأن يراجعها وبيان أن هذا هو الحكم الشرعي، وهو أن المطلق في حال الحيض عليه أن يراجع. واختلف في هذا الأمر هل هو للاستحباب أو للإيجاب؟ فمن العلماء من قال بوجوبه، ومنهم من قال باستحبابه، بمعنى أنه لو ترك حتى مضى بعد ذلك وقت وخرجت من العدة فليس هناك مجال للمراجعة؛ إذ المراجعة إنما تكون في حال العدة، فإذا جاء الطهر الذي يلي الحيض فإنه يمسكها فيه، ثم تأتي الحيضة الثانية، ثم يأتي الطهر الذي بعدها، ثم بعد ذلك إن شاء أمسكها وأبقاها زوجة له وتكون قد مضى من تطليقاتها طلقة واحدة، وإن شاء طلقها في طهر لم يجامعها فيه فتكون طلقة ثانية. ومن العلماء من قال: إن التطليق إنما يكون في الطهر الأول بعد الحيضة التي حصل فيها الطلاق؛ لأنه جاء في روايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها أبو داود أنه يطلقها بعد طهرها من تلك الحيضة التي حصل التطليق فيها. وبعض الروايات -كما في الرواية التي معنا- فيها أنه لا يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي حصل فيها الطلاق، وإنما يكون في الطهر الذي يكون بعد الحيضة الثانية، قالوا: وهذه زيادة من ثقة، فتكون مقبولة ويعول عليها، بمعنى أن الطلاق إنما يكون بعد الطهر من الحيضة الثانية. قالوا: وإنما شرع أن يكون الطلاق بعد حيضة ثانية لأن ذلك قد يكون فيه وقت متسع للإنسان لأن يراجع ويفكر في أمره، فقد يرى أن المصلحة له في أن تبقى الزوجية على ما كانت عليه، فيجامعها ويكون هناك رغبة في الاستمرار ورغبة في الوئام، فيكون في ذلك مصلحة، بخلاف ما إذا شرع له بأن يطلقها بعد الحيضة الأولى فإنه لا يكون هناك متسع للمراجعة ولتدارك ما قد يندم عليه. قوله: [ (فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) ] يعني: مستقبلات العدة. بمعنى أن العدة تبدأ من الطلاق، والطلاق يكون في طهر لم يجامعها فيه، فلا يكون في الحيض ولا يكون في طهر جامعها فيه، وإنما في طهر لم يجامعها فيه، وفي حال التطليق في الحيض فإنه يراجعها، ثم يكون بعده طهر، ثم يأتي بعده حيض، ثم التطليق يكون في الطهر بعد ذلك الحيض الثاني، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء، أي أنهن يطلقن مستقبلات لعدتهن، ويكون ذلك بتطليقهن في طهر لم يجامعن فيه، وأن يكون ذلك طلقة واحدة.
__________________
|
#442
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث طلاق ابن عمر زوجته في حيضها قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع ]. القعنبي مر ذكره، و مالك مر ذكره، و نافع هو مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن عمر ]. هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد مر ذكره. وهذا الإسناد من الرباعيات عند أبي داود التي هي الأسانيد العالية عنده، فأعلى ما يكون عند أبي داود من الأسانيد الرباعيات، وهذا منها، وهو القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر . شرح حديث طلاق ابن عمر زوجته في حيضها من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن نافع (أن ابن عمر رضي الله عنهما طلق امرأة له وهي حائض تطليقة) بمعنى حديث مالك ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه أنه طلقها تطليقة واحدة وهي حائض، فالتطليقة الواحدة هي طلاق سنة، ولكن تطليقها في الحيض ليس طلاق سنة. قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ]. هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الليث ]. هو الليث بن سعد المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن نافع أن ابن عمر ]. ونافع و ابن عمر قد مر ذكرهما. وهذا الإسناد -أيضاً- رباعي مثل الذي قبله. شرح حديث طلاق ابن عمر زوجته وهي حائض من طريق ثالثة قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مره فليراجعها، ثم ليطلقها إذا طهرت أو وهي حامل) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق سالم عن أبيه، وهو أنه طلقها في حال حيضها، وأن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بأن يأمره بأن يراجعها، ثم إذا طهرت يطلقها وهي طاهر أو وهي حامل. أي: يطلقها في طهر لم يجامعها فيه أو وهي حامل قد تحقق حملها، أي: إما أن تكون حاملاً تحقق فيها حمل الولد أو حائلاً تحقق فيها عدم الحمل. وهذا هو طلاق السنة، أن يطلق طلقة واحدة والمرأة حامل أو في طهر لم يجامعها فيه. تراجم رجال إسناد حديث طلاق ابن عمر زوجته من طريق ثالثة قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة. [ حدثنا وكيع ]. هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سفيان ]. هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ]. محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن سالم ]. هو سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ] هو عبد الله بن عمر ، وقد مر ذكره. شرح حديث طلاق ابن عمر زوجته من طريق رابعة وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر ذلك عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتغيض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: (مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر، ثم إن شاء طلقها طاهراً قبل أن يمس، فذلك الطلاق للعدة كما أمر الله عز وجل) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله عنه من طريق أخرى، وهي مثل الطريق الأولى التي بدأ بها المصنف، أعني كونها تطلق بعد الطهر من حيضة ثانية غير الحيضة التي حصل فيها الطلاق، قيل: وفي قوله [ تغيض رسول الله صلى الله عليه وسلم ] إشارة إلى أن الطلاق في الحيض كان معروفاً عندهم أنه لا يجوز. قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عنبسة ]. هو عنبسة بن خالد الأيلي ، وهو صدوق، أخرج له البخاري و أبو داود . [ حدثنا يونس ]. هو يونس بن يزيد الأيلي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب ]. هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سالم عن أبيه ]. سالم وأبوه قد مر ذكرهما. شرح حديث بيان ابن عمر عدد تطليقه لزوجته قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين أخبرني يونس بن جبير أنه سأل ابن عمر رضي الله عنهما فقال: كم طلقت امرأتك؟ فقال: واحدة ]. أورد حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه سئل: [ كم طلقت امرأتك؟ فقال: واحدة. ] وهذا يدل على أنه طلقها طلقة واحدة، وقد سبق أن مر في الطريق الثانية التي ذكرها أبو داود أنه طلقها تطليقة واحدة. وإنكار النبي صلى الله عليه وسلم وتغيضه -كما مر ذكره- لكونه طلق في الحيض لا لأنه طلق تطليقة، ومعلوم أن أكثر من تطليقة ليس سنة، ولو كان ابن عمر طلق ثلاثاً وفي الحيض فإنه يكون بذلك قد فعل محذورين. تراجم رجال إسناد حديث بيان ابن عمر عدد تطليقه لزوجته قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، وقد مر ذكره. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة [ عن ابن سيرين ]. هو محمد بن سيرين ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يونس بن جبير ]. يونس بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر ]. ابن عمر رضي الله عنهما قد مر ذكره. شرح حديث بيان ابن عمر اعتداده بطلقة زوجته في الحيض قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي قال حدثنا يزيد -يعني ابن إبراهيم - عن محمد بن سيرين حدثني يونس بن جبير قال: سألت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قال: قلت: رجل طلق امرأته وهي حائض؟ قال: أتعرف عبد الله بن عمر ؟ قلت: نعم. قال: فإن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، فأتى عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسأله فقال: (مره فليراجعها، ثم ليطلقها في قبل عدتها) قال: قلت: فيعتد بها؟ قال: فمه، أرأيت إن عجز واستحمق؟! ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من طريق أخرى في قصة تطليقه لامرأته وهي حائض، فقد سأله سائل عن رجل طلق امرأته وهي حائض، فقال: [ أتعرف عبد الله بن عمر ] يريد من ذلك أن الجواب عنده وأنه صاحب القصة وأن هذا قد حصل له، وأنه قد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيها، هذا هو المقصود من قوله: [ أتعرف عبد الله بن عمر؟ ] يعني: أتعرفني؟ فأخبره بأن الذي سألت عنه قد حصل لي، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أفتى بكذا وكذا وقال كذا وكذا. فهو يتحدث عن نفسه على سبيل الغيبة. وقوله: [ فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم ] فيه جواز تسمية الأب باسمه دون قول (أبي) وهذا إذا لم يكن المقصود به الاستهانة به ونحو ذلك، فإن قصد الاستهانة فذلك لا يجوز، مع أن التعبير بقول المرء (أبي) هو الأولى. قوله: [ (مره فليراجعها، ثم ليطلقها في قبل عدتها) ] يعني: مستقبلة عدتها، وذلك في طهر لم يجامعها فيه، وقد جاء تفسير ذلك في الروايات السابقة أنه يكون بعد الطهر من الحيضة الثانية بعد الحيضة التي حصل الطلاق فيها. قال: [ قلت: فيعتد بها؟ قال: فمه، أرأيت إن عجز واستحمق؟! ] قوله: [ فيعتد بها ] يعني: بالطلقة أو التطليقة. وقوله: [ أرأيت إن عجز واستحمق ] قيل: معنى هذا أن الإنسان لو عجز عن رفض فلم يأت به لا لكونه لا يقدر عليه؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولكن المقصود هنا العجز الذي هو عدم الجد وعدم الفعل للشيء المطلوب منه، أو استحمق فركب رأسه، فإنه حينئذٍ إن لم يفعل ذلك الفعل المأمور به ألا يؤاخذ؟! ويفهم من هذا أن ابن عمر حسبها تطليقة. تراجم رجال إسناد حديث بيان ابن عمر اعتداده بطلقة زوجته في الحيض قوله: [ حدثنا القعنبي ] القعنبي مر ذكره. [ حدثنا يزيد -يعني ابن إبراهيم - ] يزيد بن إبراهيم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن سيرين حدثني يونس بن جبير قال: سألت عبد الله بن عمر ]. هؤلاء قد مر ذكرهم جميعاً. شرح حديث ( كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضاً ) قال رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل ابن عمر رضي الله عنهما و أبو الزبير يسمع قال: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا؟ قال: طلق عبد الله بن عمر رضي الله عنهما امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض. قال عبد الله : فردها علي ولم يرها شيئاً. قال: وقال (إذا طهرت فليطلق أو ليمسك، قال ابن عمر : وقرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] ) ]. أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من طريق أخرى، وفيه أن ابن عمر سئل عن رجل طلق امرأته وهي حائض، فأخبر أنه طلق امرأته وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرها شيئاً، وأمره بعد ذلك بأن يطلقها في قبل عدتها، أي: مستقبلة عدتها. وهذا اللفظ يفيد أنه لم ير تلك الطلقة شيئاً، لكن يمكن أن يوفق بينه وبين ما جاء في الرواية الأخرى من كونها حسبت عليه تطليقة بأنه لم ير ذلك شيئاً باتاً كما قال بعض أهل العلم، أي أنه كان طلاقاً فيه رجعة وفيه إمكان التدارك. تراجم رجال إسناد حديث ( كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضاًَ ) قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق ] قد مرَّ ذكرهما. [ أخبرنا ابن جريج ] هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني أبو الزبير ]. هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل ابن عمر ]. عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وقد مر ذكره. بيان رواة ذكر التطليق بعد الحيض الذي وقع فيه الطلاق [ قال أبو داود : روى هذا الحديث عن ابن عمر يونس بن جبير و أنس بن سيرين و سعيد بن جبير و زيد بن أسلم و أبو الزبير و منصور عن أبي وائل ، معناهم كلهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك ]. هذه إشارة إلى الروايات التي فيها أن التطليق إنما هو بعد طهرها من الحيض الذي وقع فيه الطلاق، وأنَّه ليس هناك حيضة ثانية وطهر بعدها، وإنما يطلق في طهرها من الحيض الذي وقع فيه الطلاق، وهؤلاء هم الذين رووا عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالمراجعة بعد طهرها من الحيض الذي حصل فيه الطلاق، ثم ذكر الذين رووا أنه يكون بعد حيضة ثانية. بيان رواة ذكر التطليق في الطهر بعد الحيضة الثانية قال: [ وكذلك رواه محمد بن عبد الرحمن عن سالم عن ابن عمر . وأما رواية الزهري عن سالم و نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك]. هذه هي الرواية الثانية، وهي التي قال عنها الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): إنها زيادة من ثقة، فتكون مقبولة. بمعنى أن الطلاق يكون بعد الحيضة الثانية، وأنه يكون في ذلك متسع للمراجعة ومراجعة النفس، وقد يتبين له أن الاستمرار خير من المبادرة إلى الطلاق. بيان وهم أبي الزبير في عدم الاعتداد بطلقة الحيض قال: [ وروي عن عطاء الخراساني عن الحسن عن ابن عمر نحو رواية نافع و الزهري ، والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير ]. أي أن الأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير ، حيث قال: [فردها علي ولم يرها شيئاً] لأنها كلها على أنه أمر بالمراجعة وأنها احتسبت، وهي على خلاف ما ذكره أبو الزبير . تراجم رجال روايات حديث ابن عمر قوله: [ روى هذا الحديث عن ابن عمر يونس بن جبير ] ابن عمر و يونس بن جبير مر ذكرهما. [ وأنس بن سيرين ]. أنس بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و زيد بن أسلم ]. زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و أبو الزبير ]. أبو الزبير مر ذكره. [ ومنصور ]. هو منصور بن المعتمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي وائل ]. هو شقيق بن سلمة الكوفي ، ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي وائل . [ وكذلك رواه محمد بن عبد الرحمن عن سالم عن ابن عمر ]. محمد بن عبد الرحمن هو مولى آل طلحة الذي مر ذكره، وسالم و ابن عمر مر ذكرهما كذلك. [ وأما رواية الزهري عن سالم و نافع عن ابن عمر ]. مر ذكرهم جميعاً. [ وروي عن عطاء الخراساني ]. عطاء الخراساني صدوق يهم كثيراً، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [عن الحسن ]. هو الحسن بن أبي الحسن البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عمر نحو رواية نافع و الزهري ، والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير ]. يعني: في أنها احتسبت وأنه أمر بالمراجعة وأما أبو الزبير فروى أنه لم يرها شيئاً، ولكن بعض أهل العلم قال: يمكن أن يوفق بينها بأنه لم ير ذلك شيئاً باتاً، وأما أنه طلاق فيه مراجعة فقد أخبر به صلى الله عليه وسلم."
__________________
|
#443
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [251] الحلقة (283) شرح سنن أبي داود [251] للطلاق أحكام كثيرة فصلتها الشريعة، وهذه الأحكام مبنية على العدل والرحمة والإحسان والحكمة، ومن هذه الأحكام ما يتعلق بطلاق العبد، والطلاق قبل النكاح، والطلاق على غلط، وطلاق الهازل. الرجل يراجع ولا يشهد شرح حديث: (أشهد على طلاقها وعلى رجعتها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرجل يراجع ولا يشهد. حدثنا بشر بن هلال أن جعفر بن سليمان حدثهم عن يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله أن عمران بن حصين رضي الله عنهما سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال: (طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى [ باب الرجل يراجع ولا يشهد ] أي: ما حكم ذلك؟ حكم ذلك أنه صحيح، ولكن يشهد الإنسان فيما بعد، وليس بلازم أن يكون الإشهاد عند المراجعة؛ لأن المراجعة قد تكون بالجماع، فإذا طلق زوجته ثم جامعها في عدتها فقد حصلت الرجعة، والإشهاد يكون فيما بعد؛ إذ لا تتوقف المراجعة على الإشهاد، بل المراجعة تحصل بدون إشهاد، ولكن عليه أن يشهد. وقد سبق أن مر في حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها وما جاء فيه أنه يشهد، وقد أورد أبو داود رحمه الله في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أنه سئل عن ذلك فقال: [ (طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد) ] أي: لا تعد إلى مثل هذا العمل، فهذا يدل على أن الإشهاد يمكن أن يتدارك، وأنه لا يلزم أن يكون عند الطلاق ولا عند الرجعة، بل قد يطلق ثم يشهد، ويراجع ثم يشهد، وقد تكون المراجعة بالجماع؛ لأن جماع الرجل امرأته المطلقة وهي في حال عدتها مراجعة لها، وقد تكون باللفظ، لكن الإشهاد مطلوب؛ وذلك حتى يعلم أن الطلاق انتهى بالرجعة، وكذلك الطلاق. وقد جاء الأمر بالإشهاد في القرآن الكريم، وقد قال بوجوبه بعض أهل العلم، ولكن ليس لازماً أن يكون عند الطلاق، بل إذا طلق فطلاقه معتبر، وعليه أن يشهد بعد ذلك. تراجم رجال إسناد حديث: ( أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ) قوله: [ حدثنا بشر بن هلال ]. بشر بن هلال ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ أن جعفر بن سليمان حدثهم ]. جعفر بن سليمان صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد الرشك ]. هو يزيد بن أبي يزيد لقبه الرشك ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مطرف بن عبد الله ]. هو مطرف بن عبد الله بن الشخير ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن عمران بن حصين ]. هو عمران بن حصين أبو نجيد رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة. سنة طلاق العبد شرح حديث ابن عباس في طلاق المملوك قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في سنة طلاق العبد. حدثنا زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا علي بن المبارك حدثني يحيى بن أبي كثير أن عمر بن معتب أخبره أن أبا حسن مولى بني نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس رضي الله عنهما في مملوك كانت تحته مملوكة فطلقها تطليقتين، ثم عتق بعد ذلك هل يصلح له أن يخطبها؟ قال: (نعم. قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ باب في سنة طلاق العبد ]. أي: كيف يطلق العبد؟ وما هي السنة في حقه؟ وكم هي التطليقات التي تكون له؟ فالتطليقات التي تكون للعبد اثنتان؛ لأنه ليس كالحر، وقد جاء في القرآن فيما يتعلق بالحد أن على العبيد نصف ما على الأحرار من العقوبة، فكذلك فيما يتعلق بعدد تطليقات العبد يكون على النصف من الحر، وجبروا النصف فصارت له من التطليقات اثنتين، وكذلك الأقراء بالنسبة للأمة حيضتان مع جبر الكسر. والحديث الذي أورده أبو داود فيما يتعلق بطلاق العبد ضعيف، ولكن جاء عن بعض الصحابة -مثل عمر وابنه رضي الله تعالى عنهما- أن العبد له تطليقتان، وذلك مبني على ما جاء في العقوبة أنها على النصف. وأورد أبو داود هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه استفتاه رجل في أن عبداً طلق زوجته المملوكة تطليقتين، ثم إنهما عتقا بعد ذلك، فهل يصلح له أن يخطبها؟ فقال: [ (نعم. قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم) ] ومعناه أنه يصير له ثلاث تطليقات فيكون قد أمضى ثنتين ثم يضيف إليها الثالثة. والحديث غير ثابت؛ لأن فيه من هو ضعيف، ولكن الشيء الذي هو معتبر وعليه العلماء أن له تطليقتين وأن الأمة عدتها حيضتان. تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في طلاق المملوك قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ]. هو زهير بن حرب أبو خيثمة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد القطان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا علي بن المبارك ]. علي بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني يحيى بن أبي كثير ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أنَّ عمر بن معتب ]. عمر بن معتب ضعيف، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أن أبا حسن مولى بني نوفل ]. أبو الحسن مولى بني نوفل مقبول، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ أنه استفتى ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث فتوى ابن عباس في طلاق المملوك من طريق ثانية قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا علي بإسناده ومعناه بلا إخبار، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (بقيت لك واحدة، قضى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ]. هذه طريق أخرى فيها توضيح ما في الرواية السابقة التي فيها أن له أن يخطبها، وهذا فيه تصريح بأنه بقي له واحدة. فالإسناد هو نفس الإسناد من عند علي بن المبارك ومن بعده، إلا أنه يختلف عن الذي قبله أنه ليس فيه إخبار؛ لأن الإسناد الذي قبله يقول فيه علي بن المبارك : [ أخبرنا يحيى بن كثير ] فهنا روى بالعنعنة، وفيه هذه الزيادة التي هي [ بقيت لك واحدة ] والمقبول والضعيف موجودان في هذا الإسناد كما أنهما موجودان في الإسناد الأول؛ لأنه قال: [ بإسناده ومعناه ]. تراجم رجال إسناد حديث فتوى ابن عباس في طلاق المملوك من طريق ثانية قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الملقب بالزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عثمان بن عمر ]. عثمان بن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا علي بإسناده ومعناه ]. علي هو ابن المبارك ، ومعنى قوله: [ بإسناده ] أي: بالإسناد بعد علي [ ومعناه ] أي: معنى المتن. إلا أن الإسناد في هذه الطريق الثانية جاء بالعنعنة في رواية علي عن يحيى بن أبي كثير ، والرواية السابقة هي بالإخبار. إنكار علي بن المبارك على أبي الحسن روايته عن ابن عباس في طلاق المملوك [ قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل قال: قال عبد الرزاق : قال ابن المبارك لمعمر : من أبو الحسن هذا؟! لقد تحمل صخرة عظيمة ]. قوله: [ لقد تحمل صخرة عظيمة ] يعني أنه أتى بشيء عظيم انفرد به، وهو كون العبد إذا طلق طلقتين ثم عتق فقد بقيت له واحدة، وهذا المقصود منه الإنكار، وبيان أن هذا شيء منكر، ومعلوم أن أبا الحسن مقبول، والذي قبله ضعيف، فكل منهما يعل به الحديث. [ قال أبو داود : أبو الحسن هذا روى عنه الزهري ، قال الزهري : وكان من الفقهاء، روى الزهري عن أبي الحسن أحاديث ]. هذا فيه إشارة إلى أن أبا الحسن له رواية، وقال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، والمقبول هو الذي يعتبر حديثه عند المتابعة والاعتضاد، والحديث فيه علة أخرى، وهي الشخص الذي يروي عن أبي الحسن ، فهو ضعيف وليس بحجة. حكم العمل بفتوى ابن عباس في طلاق المملوك [ قال أبو داود : أبو الحسن معروف، وليس العمل على هذا الحديث ]. أي: ليس العمل على هذا الحديث الذي قال علي بن المبارك عن راويه: [ لقد تحمل صخرة عظيمة ] يعني أنه أتى بشيء عظيم، وأتى بشيء انفرد به، والعمل ليس عليه، وإنما على أن العبد له تطليقتان، وأنه بعد تطليقتين لا بد من أن تنكح زوجاً بعده ولا تحل له إلا بعد ذلك، وأما الحر فهو الذي له ثلاث تطليقات وتحل له بعد الثلاث إذا تزوجها زوج زواج رغبة ثم طلقها، فالعبد تعود إليه بعد تطليقتين بعد أن تنكح زوجاً غيره، والحر بعد ثلاث بعد أن تنكح زوجاً غيره. شرح حديث: ( طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن مسعود حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن مظاهر عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (طلاق الأمة تطليقتان، وقرؤها حيضتان) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (طلاق الأمة تطليقتان، وقرؤها حيضتان) ]. يعني أنها تطلق تطليقتين، والعدة حيضتان، ويجبر الكسر، وذلك أنها على النصف من طلاق الحرة وعدتها، فكان الأصل هو طلقة ونصف، وفي العدة قرء ونصف، ثم جبر الكسر في الطلاق وفي العدة فصار طلاقها طلقتين، وعدتها حيضتين. قال العلماء: إن الحكم في الطلاق مناط بالرجال، فالعبد له تطليقتان والحر له ثلاث، ولا ينظر بعد ذلك إلى النساء، والحكم في العدة مناط بالنساء، ولا ينظر إلى حق الأزواج، فالنظر بالنسبة للطلاق هو للرجال، وذلك أن الرجل إذا كان حراً فإنه يطلق ثلاث طلقات، سواءً كان عنده حرة أم أمة، والعبد يطلق تطليقتين، وفي العدة ينظر إلى المرأة ولا ينظر إلى الزوج، سواء أكان الزوج حراً أم عبداً، فالأمة تعتد بحيضتين، سواء طلقها حرٌ أم عبد، والحرة تعتد بثلاث حيض. تراجم رجال إسناد حديث: ( طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان ) قوله: [ حدثنا محمد بن مسعود ]. محمد بن مسعود ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا أبو عاصم ]. هو أبو عاصم النبيل ، وهو الضحاك بن مخلد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مظاهر ]. مظاهر ضعيف، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن القاسم بن محمد ]. هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: ( طلاق الأمة تطليقتان ) من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال أبو عاصم : حدثني مظاهر حدثني القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله، إلا أنه قال: (وعدتها حيضتان). قال أبو داود : وهو حديث مجهول ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو بمعنى الأول، إلا أنه قال: [ (وعدتها حيضتان) ]. قوله: [ قال أبو داود : وهو حديث مجهول ]. أي أنه حديث لا يصح؛ لأن فيه ذلك الرجل الضعيف. وهذا الحديث معلق؛ لقوله: [ قال أبو عاصم ]. والحديث وإن كان ضعيفاً إلا أن العمل على ما جاء عن الصحابة كعمر وابن عمر ، وهو مبني على التنصيف في الحدود. الطلاق قبل النكاح شرح حديث: ( لا طلاق إلا فيما تملك ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الطلاق قبل النكاح. حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام . ح وحدثنا ابن الصباح حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد قالا: حدثنا مطر الوراق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا طلاق إلا فيما تملك، ولا عتق إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك) زاد ابن الصباح (ولا وفاء نذر إلا فيما تملك) ]. أورد أبو داود [ باب في الطلاق قبل النكاح ] يعني: ما حكمه؟ أي أنه لا يعتبر الطلاق قبل النكاح، وإنما يعتبر الطلاق بعد النكاح، بعد أن يكون قد عقد على المرأة، فعند ذلك يتمكن من تطليقها؛ لأنه زوج، أما قبل ذلك فإن كونه يطلق أجنبية لا علاقة له بها، أو يعلق الطلاق على الزواج، بحيث يقول: إن تزوجتها فهي طالق. أو: إذا تزوجتها فهي طالق فذلك لا يعتبر؛ لأنه تطليق قبل الزواج، والله عز وجل يقول يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب:49] فالطلاق يكون بعد الزواج ولا يكون قبله، فإذا وجد بأن طلق أجنبية ثم عقد عليها، أو علق النكاح على زواج امرأة فطلقها قبل أن يعقد عليها فإن ذلك لا يعتبر، فهذا هو المقصود من هذه الترجمة. وأورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا طلاق إلا فيما تملك). يعني: لمن هي زوجة له، وقبل أن تكون زوجة لا يقع الطلاق؛ لأنه طلاق في غير محله، فوجوده مثل عدمه، فالطلاق يكون بعد النكاح ولا يكون قبله، سواء أكان منجزاً أم معلقاً، منجزاً بأن يقول: طلقت فلانة. وهي أجنبية، أو يقول: إن تزوجت فلانة فهي طالق، وإيقاع الطلاق في أجنبية إيقاع في غير محله، وإنما إيقاع الطلاق يكون بعد أن يملك عصمتها بعقد النكاح، فعند ذلك يطلق. قوله: [ (ولا عتق إلا فيما تملك) ] الإنسان لا يصح أن يعتق عبداً أو أمة إلا إذا كان في ملكه، أما إذا قال: عبد فلان حُر -وهو لا يملكه- فهذا عتق باطل، وكذلك أن يقول مثلاً: إذا اشتريتُ كذا فهو حر. لا يقع هذا العتق. قوله: [ (ولا بيع إلا فيما تملك) ] يعني: لا يبيع الإنسان إلا شيئاً يملكه، فلا يصح له أن يبيع هذه السلعة وهو لا يملكها، كأن تكون السلعة لشخص من الناس لا علاقة له به، أو له به علاقة ولكن ليس له حق في التصرف والتملك في ماله، مثل الأب يأخذ شيئاً ثم يبيعه لولده، فلا يصح هذا البيع؛ لأن البيع يصح إذا كان الإنسان مالكاً لما يبيعه، أي: بعد أن يكون الإنسان مالكاً يكون بائعاً، أما أن يكون بائعاً قبل أن يكون مالكاً فهذا لا يصح. قوله: [ زاد ابن الصباح : (ولا وفاء نذر إلا فيما تملك)]. لأن من نذر أن كذا لوجه الله، وهو ملك لشخص آخر وهو لا يملكه، فلا يُوفَّى به، ولا ينعقد أصلاً، فلا تلزمه الكفارة؛ لأنه نذر في غير محله، كأن يقول: نذرتُ أن بيت فلان وقف، أو أنه لوجه الله. لكن الفقهاء يقولون: نذر المعصية عليه كفارة يمين، لكن مثل هذا شيء لا يملكه الإنسان؛ أما كونه ينذر نذراً قد يملكه ولكن فيه معصية فيمكن أن يصير عليه كفارة يمين. تراجم رجال إسناد حديث: ( لا طلاق إلا فيما تملك ) قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ ح وحدثنا ابن الصباح ]. عبد الله بن الصباح ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ]. عبد العزيز بن عبد الصمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قالا: حدثنا مطر الوراق ]. مطر الوراق صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب ]. هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. هو شعيب بن محمد ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وفي جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن جده ]. وهو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة رضي الله عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (من حلف على معصية فلا يمين له ومن حلف على قطيعة رحم فلا يمين له) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن العلاء أخبرنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب بإسناده ومعناه: زاد: (من حلف على معصية فلا يمين له، ومن حلف على قطيعة رحم فلا يمين له) ]. أورد المصنف حديث عمرو بن شعيب من طريق أخرى مع زيادة وهي: [ (من حلف على معصية فلا يمين له، ومن حلف على قطيعة رحم فلا يمين له) ] يعني: لا يعول عليها؛ لكن بعض أهل العلم قال: فيها كفارة يمين، على أنها يمين، وكون الإنسان يحلف على شيء ويرى أن غيره خيراً منه يكفِّر عن يمينه ويأتي الذي هو خير، ومن حلف على معصية، أو على قطيعة رحم، كمن يحلف أنه لا يكلم فلاناً وما إلى ذلك، فإنه يكفِّر عن يمينه ويكلمه. تراجم رجال إسناد حديث: (من حلف على معصية فلا يمين له ومن حلف على قطيعة رحم فلا يمين له) قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ]. هو: محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أبو أسامة ]. هو: أبو أسامة حماد بن أسامة البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الوليد بن كثير ]. الوليد بن كثير ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني عبد الرحمن بن الحارث ]. عبد الرحمن بن الحارث المخزومي ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عمرو بن شعيب بإسناده ومعناه ]. أي: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وقد مر ذكرهم. بيان أنواع الحلف على فعل المعصية قال الخطابي رحمه الله: هذا يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون أراد به اليمين المطلقة من الأيمان، فيكون معنى قوله: (لا يمين له) أي: لا يبر في يمينه؛ ولكنه يحنث ويكفِّر، كما روي أنه قال: [ (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفِّر عن يمينه) ]. والوجه الآخر: أن يكون أراد به النذر الذي مخرجه مخرج اليمين، كقوله: إن فعلتُ كذا فلله علي أن أذبح ولدي، فإن هذه يمين باطلة، لا يلزم الوفاء بها، ولا يلزمه فيها كفارة ولا فدية. وأيضاً: مثل الذي نذر أن يبيع بيت فلان أو أن بيت فلان لوجه الله؛ لأنها لغو، وشيء في غير محله، ولا يملكه الإنسان. وقول الخطابي : كقوله: إن فعلتُ كذا فلله علي أن أذبح ولدي. هذه معناها: على اعتبار أنه يمين؛ ولكنه ليس بلفظ اليمين، مثل تعليق الطلاق، وعليَّ الطلاق، قالوا: إنه يكون بمعنى اليمين، وهو ليس لفظ اليمين وإنما هو بمعنى اليمين. وأيضاً لو قال: والله لأذبحن ولدي، كذلك أيضاً هذا غير منعقد، ولا كفارة فيه. وأما إذا حلف على معصية فلا يفعل؛ لكن يكفِّر، وأما كونه يحلف على أن يقتل ولده، فليس له ذلك؛ لأن منطوق الحديث: [ (من حلف على معصية فلا يمين له) ] أي: ليست يميناً معتبرة، ولا قيمة لها، وأما النذر فكفارته كفارة يمين كما في الحديث.
__________________
|
#444
|
||||
|
||||
![]() شرح حديث: (ولا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله تعالى ذكره) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في هذا الخبر، زاد: (ولا نذر إلا فيما ابتُغي به وجه الله تعالى ذكره) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه زيادة: [ (ولا نذر إلا فيما ابتُغي به وجه الله تعالى ذكره) ]، فالنذر يكون مقبولاً عند الله إذا ابتغي به وجه الله، وألا يكون في معصية. تراجم رجال إسناد حديث: (ولا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله تعالى ذكره) قوله: [حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ، ثقة، أخرج أحاديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ عن ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن عبد الله بن سالم ]. يحيى بن عبد الله بن سالم ، صدوق، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]. وقد مر ذكرهم في السند السابق. الطلاق على غلط شرح حديث: (لا طلاق ولا عتاق في غلاق) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الطلاق على غلط. حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري أن يعقوب بن إبراهيم حدثهم قال: حدثنا أبي عن ابن إسحاق عن ثور بن يزيد الحمصي عن محمد بن عبيد بن أبي صالح الذي كان يسكن إيليا، قال: خرجت مع عدي بن عدي الكندي ، حتى قدمنا مكة فبعثني إلى صفية بنت شيبة رضي الله عنها، وكانت قد حفظت من عائشة قالت: سمعت عائشة تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا طلاق ولا عتاق في غلاق) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة بقوله: [ باب الطلاق على غلط ]. وقيل: إن في بعض التراجم (على غيظ)، أي: بدل غلط يكون (الغيظ)، وأبو داود رحمه الله ذكر أن الغلاق الذي جاء في الحديث معناه: الغضب، وفُسر بأن المقصود به الإكراه؛ لأن المكرَه انغلق عليه أمره فلا يتمكن إلا من التسليم والاضطرار إلى أن يقول الشيء الذي طُلب منه أن يقوله وهو مكره، فإنه لا يقع الطلاق، وكذلك أيضاً على قول أبي داود : أظنه في الغضب يعني: أن الغضبان ينغلق عليه أمره، فقد يفقد وعيه ويصدر منه الكلام من غير شعور، فلا يقع طلاقه بهذا. والحاصل: أن الغلط فسر بأنه الإكراه، وفي بعض النسخ: الغيظ بدل الغلط، ويكون المقصود به: الغضب، كما فسره أبو داود في الحديث. فإذا كان الرجل مكرهاً على الطلاق فإنه لا يقع طلاقه حيث أكره؛ لأنه مُلجأ ومضطر إلى أن يفوه بالطلاق من غير اختيار. وكذلك على القول الثاني: قال بعض أهل العلم: طلاق الغضبان إذا كان بحيث يفقد وعيه ولا يبقى عقله معه لشدة الغضب؛ فإنه يكون بمثابة المعتوه المجنون الذي لا يقع طلاقه. [ قال أبو داود : والغلاق أظنه في الغضب ] أنه في حال غضبه، والمراد بالغضب الذي يفقد منه الشعور، ويكون بمثابة المجنون والمعتوه. فهذا فيما إذا فسر الغلاق بأنه الغضب الشديد الذي لا يكون للإنسان معه شعور، أما إذا كان الإنسان شعوره معه فإنه يقع طلاقه؛ لأنه لو كان الأمر كذلك فلن يقع طلاق أبداً؛ لأن الطلاق غالباً لا يحصل إلا في حال غضب وفي حال التنافر، فهناك غضب يكون معه فقد الشعور نهائياً، وهناك شيء يكون ما فقد شعوره، وهذا على تفسير الحديث بالغيظ والغضب، و أبو داود لم يجزم بالتفسير، بل قال: [ أظنه في الغضب ]. تراجم رجال إسناد حديث: (لا طلاق ولا عتاق في غلاق) قوله: [ حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري ]. عبيد الله بن سعد الزهري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن يعقوب بن إبراهيم ]. يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه ]. أبوه: إبراهيم بن سعد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن إسحاق ]. محمد بن إسحاق المدني ، صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثور بن يزيد الحمصي ]. وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن محمد بن عبيد بن أبي صالح ]. محمد بن عبيد بن أبي صالح ، ضعيف، أخرج له أبو داود ، وهو عند ابن ماجة بغير هذا الاسم مع أنه نفس الرجل، لكن لم يذكره باسم محمد بن عبيد إلا أبو داود فقط. [ الذي كان يسكن إيليا ]. أي: في بيت المقدس. [ قال: خرجت مع عدي بن عدي الكندي ، حتى قدمنا مكة فبعثني إلى صفية بنت شيبة ]. صفية بنت شيبة لها رؤية، أخرج لها أصحاب الكتب. [ وكانت قد حفظت عن عائشة ]. أي: عن عائشة أم المؤمنين، وقد مر ذكرها. والحديث فيه هذا الرجل الضعيف؛ لكن الألباني حسَّنه لشواهد ذكَرها. الأسئلة قياس السكر على الغضب في الطلاق السؤال: هل يقاس السكران على الغضبان في عدم الاعتداد بطلاقه؟ الجواب: هو مثله، فإن عقله ليس معه، وبعض العلماء يقولون: ما دام أن السكران جنى على عقله بنفسه، فيعاقب بنقيض فعله، ولا يرخص له كما يرخص للمغلق. الطلاق على الهزل شرح حديث: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد ...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الطلاق على الهزل. حدثنا القعنبي حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن ابن ماهك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة) ]. قوله: [ باب في الطلاق على الهزل ] يعني: كون الإنسان يطلق ثم يقول: إنه هازل يضحك، وإنه ليس جاداً في طلاقه، أو يقول: إنما أردت أن أمزح، وما إلى ذلك، فلا يعتبر مزاحه؛ لأن هذه الثلاث جدهن جد، وهزلهن جد، فيعتبر ويقع الطلاق، ولو كان لا يقع لأمكن كل أحد قد طلق زوجته أن يقول: أنا كنتُ أمزح، ولكن هذا اللفظ الذي هو صريح الطلاق إذا أتى به فإنه يعتبر معناه، ولو قال: إنه هازل؛ فإن هزله جده. قوله: [ (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد) ] فسواء كان الإنسان يقصدهن ويكون متعمداً جاداً، أو يقولها هازلاً مازحاً أو ما إلى ذلك، فإنها تكون جداً ويعتبر مقتضاها، فلا يصلح التساهل والتهاون بهذا بهزل ومزح وما إلى ذلك. قوله: [ (النكاح والطلاق والرجعة) ] وبعض العلماء يلحق العتق بهذه الثلاث، ولا يصح في ذلك حديث، قال في عون المعبود: ( قال أبو بكر المعافري : روي فيه: (والعتق) ، ولم يصح شيء منه، فإن كان أراد ليس منه شيء على شرط الصحيح فلا كلام، وإن أراد أنه ضعيف ففيه نظر، فإنه يحسَّن كما قال الترمذي )، أي: أن الترمذي قال عن هذا الحديث: حديث حسن غريب، وحسنه الألباني بشواهد ذكرها. تراجم رجال إسناد حديث: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد ...) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو: عبد الله بن مسلمة القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجة . [ حدثنا عبد العزيز يعني: ابن محمد ]. هو : عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الرحمن بن حبيب ]. عبد الرحمن بن حبيب ، لين الحديث، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن عطاء بن أبي رباح ]. هو عطاء بن أبي رباح المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن ماهك ]. هو يوسف بن ماهك ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. الأسئلة معنى الهزل في النكاح السؤال: كيف يكون الهزل في النكاح؟ الجواب: مثل أن يعقد لرجل على ابنته ويقول: إننا نلعب أو نمزح، وما نقصد النكاح! معنى كلمة (لين الحديث) عند المحدثين السؤال: ماذا تقابل كلمة (لين الحديث)؟ الجواب: (لين الحديث) هي: أقل من المقبول، والحافظ ابن حجر في التقريب إذا قال: مقبول يعني: إن اعتضد، وإلا فلين الحديث. اعتبار وقوع الطلاق البدعي السؤال: رجل طلق امرأته ثم راجعها، ثم طلقها ثم راجعها، ثم طلقها الثالثة في حيض أو في طهر جامعها فيه، فما الحكم؟ الجواب: الطلاق يقع وإن كان بدعياً، وليس بعد الثالثة مراجعة؛ لأن الطلاق في الحيض تصح الرجعة فيه إذا لم تكن الطلقة الثالثة، فإذا بقي له شيء فليراجع، وأما إذا كانت هذه هي الطلقة الثالثة فليس بعدها مراجعة. حكم استخدام إبر منع الحمل للرجال السؤال: ما حكم استخدام الإبر لمنع الحمل للرجل بدلاً من المرأة؛ حيث إن الحمل أصبح يضر بصحتها؟ الجواب: تستعمل المرأة الشيء الذي يمنع الحمل مؤقتاً، أما الرجل فإنه إذا استعمل شيئاً فقد يُلحق به ضرراً ويقطع نسله. حكم أخذ ما دون القبضة من اللحية السؤال: قال لي أحد الإخوة: إن أخذ ما زاد عن القبضة من اللحية جائز، وقال: إن دليله هو الإجماع؛ حيث ثبت أن ابن عمر فعل هذا ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فيكون إجماعاً سكوتياً! فما قولكم؟ الجواب: ليس بصحيح، والإجماع السكوتي ليس بمعتبر، ولو اعتُبر لكانت كل مسألة وجد فيها قول قائل، ولم يوجد أحد أنكر عليه؛ صارت إجماعاً سكوتياً، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ثبت عنه ولا جاء عنه شيء يدل على أنه كان يأخذ من لحيته شيئاً، وهو القدوة والأسوة عليه الصلاة والسلام، فلا يأخذ الإنسان شيئاً من لحيته اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يأتِ عنه شيء يدل على ذلك، وكونه جاء عن بعض الصحابة فليس هذا بإجماع، ولا يقال: إجماع سكوتي، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأتِ عنه شيء في هذا، فعلى الإنسان أن يقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم ولا يشتغل بمثل هذه الشبهات. حكم إمساك الطعام باليدين معاً عند الأكل السؤال: هل يجوز أن يمسَك اللحم باليدين أو لا بد باليمين فقط؟ الجواب: يمسك باليمين، وإذا كان أحد يأكل معه فإنه يستعين به على القطع بأن يمسك هذا ويمسك هذا، وإذا كان ما عنده أحد والأمر يتطلب أن يمسك باليد الثانية فلا بأس بذلك. حكم الزواج بنية الطلاق السؤال: ما حكم الزواج بنية الطلاق؟ الجواب: الزواج بنية الطلاق قال به جماعة من أهل العلم؛ ولكن الذي يظهر لي أنه لا يليق بالرجل أن يفعله؛ لأن الإنسان لا يرضاه لموليته، فلا ينبغي له أن يفعله مع غيره، وكون الإنسان لا يرضاه لبنته وأخته فعليه ألا يفعله مع بنات الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ضمن حديث طويل: (فمن أحب أن يزحزَح عن النار ويدخَل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، ولياتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) أي: يعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به. حكم إشهاد النساء على مسائل النكاح والطلاق السؤال: في الإشهاد على الرجعة أو الطلاق، إذا أشهد الرجل امرأة على ذلك هل يصح أو لا بد أن يشهد ذكراً؟ الجواب: في مسائل النكاح وما شابهها يشهد الرجال ولا يشهد النساء. رأي المحدثين في عمر بن معتب السؤال: يلاحظ في كلام الأئمة على حديث ابن عباس في طلاق العبد أن الحمل كان على أبي الحسن مع أن عمر بن معتب هو الذي رواه عنه، وهو ضعيف كما ذكرتم، فهل يُفهم من كلامهم أنهم يوثقون عمر بن معتب ؟ الجواب: لا يُفهم ذلك، وإذا نصوا على شخص أنه علة الحديث فهذا لا يدل على أنهم لا يعتبرون العلة الثانية. حكم طلاق الرجل لزوجته بسبب مطالبتها له بذلك دون رغبة منه بالطلاق السؤال: إذا طلبت المرأة من زوجها أن يطلقها وهو غير راضٍ ومكره، وفي نهاية الأمر طلقها وهو لا يزال كارهاً، فهل يقع الطلاق؟ الجواب: هذا ليس إكراهاً وإن كان كارهاً، فالكاره غير المكره، المكره هو الذي يُلجأ، مثل: أن يُسجن أو يُضرب أو يُحبس أو يُقيد أو يُهدد، هذا هو المكره، وأما الكاره فالإنسان قد يطلق وهو كاره. حكم الصلاة جماعة في المسجد الخاص بالكلية السؤال: نحن في الجامعة نخرج من المحاضرة الساعة الخامسة وقد صُلي في مسجد الجامعة، فنصلي في مصلى الكلية وهو لا يُصلى فيه الصلوات الخمس، وقد سمعتُ سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله يقول: من كان عمله يمنعه من صلاة الجماعة فليترك العمل، فما رأيكم؟ الجواب: لا حرج في هذا، وكلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله لا يدل على خلاف هذا؛ لأن المقصود أن الجماعة لا تترك، وإذا كان طلاب الكلية وأساتذتها سيصلون جماعة في مسجدهم الخاص بهم فلا يدخل في هذا، وإنما يدخل في هذا الناس الذين يشتغلون في أعمال، ثم يستمرون في أعمالهم والصلاة يُنادى لها، ثم لا يأتون للصلاة، وأما هؤلاء فهم سيصلون جماعة في مسجد خاص بهم. حكم من قال: إن تارك الصلاة لا يكفر السؤال: من قال: إن تارك الصلاة لا يكفر، فهل هذا القائل أخرج العمل من مسمى الإيمان فكان قوله موافقاً لقول المرجئة؟ الجواب: لا، ليس هذا بصحيح؛ لأن الذين يقولون بأن تارك الصلاة لا يكفر هم كثيرون من أهل العلم، وفيهم الذين يقولون: إن العمل جزء من الإيمان، فلا يعتبر من قال ذلك مُرجئاً؛ لأنهم رأوا أنه لا يكفر لأدلة رأوها ولفهم فهموه، فليس كل من قال: تارك الصلاة لا يكفر -وهو قول أكثر أهل العلم- يكون مرجئاً وعليه تنبني الدندنة الموجودة الآن برمي الشيخ الألباني رحمه الله بأنه يرى فكر الإرجاء لقوله بعدم التكفير! وهذا من الغلط، ولو كان هذا صحيحاً لكان كل الذين قالوا من المتقدمين بأن تارك الصلاة لا يكفر هم من المرجئة! وهذا لا يمكن أن يكون أبداً. اشتراط رجلين للإشهاد على الرجعة السؤال: الإشهاد على الرجعة وعلى الطلاق هل يكفي فيه رجل واحد أم لا بد من رجلين؟ الجواب: لابد من رجلين. حكم قول الرجل لامرأته (يا أختي) أو (يا أمي) السؤال: هل يجوز للرجل أن يقول لامرأته: (يا أختي) أو (يا أمي)؟ الجواب: ليس له أن يقول ذلك. حكم رواية ابن لهيعة ودرجة توثيقه السؤال: رواية العبادلة عن ابن لهيعة ، هل هي مقبولة؟ وهل ابن لهيعة حقاً سيئ الحفظ من الأصل؟ الجواب: لا، ليس سيئ الحفظ، بل هو صدوق، وساء حفظه لما احترقت كتبه، ورواية العبادلة وقتيبة عنه قبل احتراق الكتب رواية معتبرة، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى ترجمة ابن لهيعة . حكم مراجعة المرأة خلال العدة مع عدم رضاها السؤال: إذا طلق الرجل زوجته ثم راجعها وهي لا ترضى بذلك، فما الحكم؟ وهل يشترط رضاها؟ الجواب: لا يشترط رضاها؛ لأنها ما دامت في العدة فهي زوجه، فله أن يراجعها ولو لم ترضَ. كيفية الترديد مع المؤذن عند قوله: (الصلاة خير من النوم) السؤال: إذا قال المؤذن: (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر، فهل أردد معه هذه العبارة؟ الجواب: إذا قال المؤذن: (الصلاة خير من النوم) يقول السامع: (الصلاة خير من النوم)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) ويستثنى من ذلك (حي على الصلاة) و(حي على الفلاح)؛ لأنه يقال عندهما: لا حول ولا قوة إلا بالله، وما عدا ذلك فإنه على عمومه وعلى إطلاقه، وبعض أهل العلم يقول: يقول السامع: (صدقتَ وبررتَ) وهذا ما ثبت فيه شيء؛ ولكن الثابت هو عموم الحديث لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) فكل شيء يقال مثلما يقول المؤذن إلا الشيء الذي ورد أنه لا يقال مثله، وهو (حي على الصلاة) (حي على الفلاح). حكم الذهاب لتوصيل المحارم من المدارس وقت صلاة الظهر السؤال: خروج الطالبات يكون وقت إقامة الصلاة، فهل هناك حل لمن يذهب لأخذ محارمه في وقت الإقامة؟ الجواب: الذي ينبغي لمثل هذا أن يتفق معهن أنهن ينتظرن مقدار الصلاة، ولا يخرجن إلا بعدما يصلي، ما دام أن الصلاة مقامة، ومقدار الصلاة لا يبلغ وقتاً طويلاً يؤثر عليهن، فينتظرن ويأتيهن بعد الصلاة، ويكون بذلك قد جمع مصلحته ومصلحتهن. حكم الطلاق قبل النكاح السؤال: إذا طلق الرجل قبل النكاح كقوله: إذا تزوج بها فهي طالق، فهل يجوز له الزواج بعد هذا؟ الجواب: يجوز الزواج، ولا يحصل الطلاق. حكم الصلاة جماعة في السكن الجماعي وترك الجماعة في المسجد السؤال: ما حكم الذين يجلسون في السكن ولا يأتون لصلاة الجماعة في المسجد، وهم يصلون جماعة في مسكنهم؟ الجواب: نعم، هم آثمون ومستحقون للعقوبة؛ لأن صلاة الجماعة تكون في المسجد وليست في البيوت، والبيوت لا تتخذ أماكن للجماعة، إنما الجماعة في المكان الذي يقال فيه: (حي على الصلاة) (حي على الفلاح) أي: تعالوا صلوا، ولم يقل: صلوا في بيوتكم جماعة، والرسول لما قال: (لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر بحطب فيحتطب، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) ما قال: إلا إذا كانوا يصلون جماعة! كتاب مدارك النظر السؤال: يقال: إن كتاب مدارك النظر لم يُقرأ عليك كاملاً! الجواب: ما قرئ علي؛ لكني قرأته من أوله إلى آخره مرتين."
__________________
|
#445
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [252] الحلقة (284) شرح سنن أبي داود [252] لقد جعل الله تعالى لكل شيء قدراً، فجعل الطلاق بيد الرجل؛ لأنه أكمل عقلاً من المرأة، ولم يترك له الأمر هملاً، بل جعل للطلاق حداً معيناً، وهو انتهاء العلاقة الزوجية بعد الطلقة الثالثة، ورفع الإسلام عن المرأة ظلم الجاهلية، فلم يجعل الطلاق تعليقاً لها، بل جعل له مدة محدودة، ولها أن تطالب بالطلاق إن رأت ظلماً، أو لم تستطع العيش مع زوجها لسوء عشرته، وعلى المسلم أن يتقي الله في امرأته فلا يظلمها بطلاق دونما سبب معتبر، وكذلك المرأة لا يحق لها المطالبة بالطلاق دون سبب معتبر شرعاً وعقلاً. نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث شرح أثر ابن عباس في نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث. حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثني علي بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228] الآية، وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثاً، فنُسخ ذلك وقال: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229] ]. قوله: [ باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث ]. أي: بعد استيفاء الطلقات الثلاث، فإنه لا مراجعة، فإنه قد نسخ، واستقر الأمر على أن التطليقات ثلاث، وإذا وجدت الثالثة فليس هناك مراجعة، وإنما تحل له بعد أن تنكح زوجاً غيره. أورد أبو داود رحمه الله أثر ابن عباس في تفسير الآية، وأنهم كانوا يراجعون وليس هناك تحديد حتى أنزل الله عز وجل: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ) فنسخت المراجعة بعد الثلاث، وأما قبل الثلاث فإنه لا يزال الحكم مستمراً، ولهذا قال: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ [البقرة:229] أي: مرتان، يكون فيهما المراجعة والإمساك بمعروف أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]. فقوله: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ) أي: الطلاق الذي تمكن معه المراجعة: مرتان، أي: طلقتان تملك معهما المراجعة، وبعد الثالثة لا مراجعة، بل حتى تنكح زوجاً غيره. وقد اختلف العلماء في معنى كلمة (قروء) فمنهم من رجح أنه بمعنى: الأطهار، ومنهم من رجح أنه: الحيض، وهو من الأضداد، حيث يطلق على الطُهر وعلى الحيض، والذي يبدو أنه هنا بمعنى: الحيض. وعلى هذا: فالحديث واضح لما ترجم له المصنف من أنه قبل ذلك كانوا يطلقون ويراجعون وليس هناك تحديد ولا تقييد بعدد، وبعد أن نزلت الآية اقتصر الحكم على أن المراجعة تكون في طلقتين؛ إذا طلق الأولى يراجع، وإذا طلق الثانية يراجع، وإذا طلق الثالثة فليس له أن يراجع، وليس له أن يتزوجها إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره زواج رغبة وليس زواج تحليل. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد المروزي ]. هو: أحمد بن محمد بن ثابت بن شبويه ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثني علي بن حسين بن واقد ]. علي بن حسين بن واقد صدوق يهم، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم في المقدمة وأصحاب السنن. [ عن أبيه ]. وهو حسين بن واقد ، ثقة له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن. [ عن يزيد النحوي ]. وهو: يزيد بن أبي سعيد النحوي ، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، أحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث ركانة في الطلاق ثلاثاً قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني بعض بني أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: (طلق عبد يزيد -أبو ركانة وإخوته- أم ركانة، ونكح امرأة من مزينة فجاءت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة -لشعرة أخذتها من رأسها- ففرق بيني وبينه، فأخذت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمية، فدعا بركانة وإخوته، ثم قال لجلسائه: أترون فلاناً يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيد وفلاناً يشبه منه كذا وكذا؟ قالوا: نعم. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعبد يزيد : طلقها، ففعل، ثم قال: راجع امرأتك أم ركانة وإخوته، قال: إني طلقتها ثلاثاً يا رسول الله! قال: قد علمت، راجعها، وتلا: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1]) ]. في الحديث: [ أن عبد يزيد أبا ركانة طلق زوجته ثلاثاً ونكح امرأة من مزينة، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إنه ليس معه إلا مثل هذا ] تشير إلى أنه ليس له قدرة الرجال، وأنها لا تستفيد منه شيئاً؛ فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أبناءه وإخوته، وقال للحاضرين: [ (أترون هذا يشبه هذا؟ أو هذا يشبه هذا؟) ] يعني: أنهم يشبهون أباهم، وأنه رجل له القدرة على إتيان النساء وتحبيلهن، لكن هذا لا يمنع أن يكون فيما بعد أصيب بعقم أو عنة تمنعه من تحبيل النساء حسب ادعاء امرأته المزنية، وقد يكون ادعاؤها باطلاً، وأن الرجل لا زال قادراً على إتيان النساء وتحبيلهن، وأن أبناءه وإخوته من الرجال الذين عندهم القدرة على إتيان النساء وتحبيلهن، والله أعلم. [ فقالوا: نعم. فقال: (طلقها) -أي: طلق هذه الزوجة المشتكية- ثم قال: (انكح زوجتك) -يعني: أم ركانة - فقال: إني طلقتها ثلاثاً، قال: (قد علمتُ، راجعها) وتلا: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] ]. هذا الحديث يدل على أن التطليقات الثلاث إذا وقعت بلفظ واحد فإنها تعتبر واحدة، وأن له حق المراجعة، والحديث يدل على هذا؛ لأن النبي قال: [ (راجعها) ]، وقد قال: [ إني طلقتها ثلاثاً ] يعني: بلفظ واحد، فدل هذا على أن المطلق ثلاثاً إذا طلق بلفظ الثلاث فله حق المراجعة، وأكثر أهل العلم على أنه ليس له حق المراجعة؛ ولكن جاء هذا الحديث وكذلك ما جاء عن ابن عباس من الحديث الذي رواه مسلم ، وسيأتي عند المصنف: أنه كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهد أبي بكر وشيء من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، ثم إن عمر قال: إن الناس قد استعجلوا في شيء فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم؟ فأمضاه عليهم، فدل ذلك على اعتبار الطلاق الثلاث واحدة إذا كانت بلفظ واحد، ومراد الفقهاء: الطلاق الثلاث بلفظ واحد هو أن يقول: أنتِ طالق ثلاثاً، أما إذا كرر فإن كان يريد التأسيس فإن كل واحدة مستقلة، وإن كان يريد التأكيد بالذي بعد الأولى فإنها تكون طلقة واحدة، والخلاف غير واقع في الأولى، وأما الثانية فمن أهل العلم من قال: إنه إذا قال: أنت طالق طالق طالق، فإنها تكون واحدة؛ لأن المبتدأ واحد والخبر واحد والباقي تأكيد، وأما إذا قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق فمنهم من يقول: إن كل واحدة مستقلة في مبتدئها وخبرها، فتعتبر ثلاثاً ولا تعتبر واحدة. قوله: [ (فقالت: ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة، لشعرة أخذتها من رأسها) ]. فعلى احتمال أن شعرها كان مكشوفاً فإن هذا كان قبل نزول آية الحجاب وقد يكون شعرها غير مكشوفاً وإنما كانت قد أخذت هذه الشعرة من رأسها ووضعتها في يدها، والله أعلم. تراجم رجال إسناد حديث ركانة في الطلاق ثلاثاً قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ]. هو أحمد بن صالح المصري ، ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و الترمذي في الشمائل. [ حدثنا عبد الرزاق ]. هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا ابن جريج ]. هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني بعض بني أبي رافع ]. لا أدري من هو؛ لأن أبا رافع له عدد من الأولاد، وهو مبهم، وكأنه الفضل بن عبيد الله بن أبي رافع ، وهو مقبول، أخرج له النسائي ، وهنا أخرج له أبو داود بسند متصل، وهذا احتمال أن يكون الفضل، وما هو جزم؛ ولكن إذا كان هو فرواية أبي داود موجودة كالنسائي . [ عن عكرمة عن ابن عباس ]. عكرمة وابن عباس قد مر ذكرهما. شرح حديث ركانة في الطلاق ثلاثاً من طريق ثانية [ قال أبو داود : وحديث نافع بن عجير و عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده أن ركانة طلق امرأته البتة، فردها إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصح؛ لأن ولد الرجل وأهله أعلم به، إن ركانة إنما طلق امرأته البتة فجعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحدة ]. أورد المصنف الحديث من طريق أخرى، وهو معلق: أن ركانة كان قد طلق امرأته البتة. يقول: [ فردها إليه النبي صلى الله عليه وسلم ] وهنا في اللفظ الثاني: [ طلق امرأته البتة، فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم واحدة ]. أي: أتى بلفظ (البتة)، فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم واحدة، ويحتمِل أن يكون المراد بـ(البتة) أي: ثلاثاً؛ لأن (ثلاثاً) هي التي فيها نهاية الطلاق؛ ولكن اعتبرت واحدة، والنبي صلى الله عليه وسلم ردها عليه. وعلى هذا يكون الحديث الأول التطليق من أبيه، وفي الحديث الثاني أن التطليق من ركانة نفسه الذي هو أحد أولاد عبد يزيد ؛ لكن الإسناد الثاني فيه ضعفاء. تراجم رجال إسناد حديث ركانة في الطلاق ثلاثاً من طريق ثانية قوله: [ وحديث نافع بن عجير ]. نافع بن عجير : قيل: له صحبة، وذكره ابن حبان وغيره في التابعين، أخرج له أبو داود . [ و عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة ]. و عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة لين الحديث، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن أبيه ]. هو علي ، وهو مستور، بمعنى: مجهول الحال، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ عن جده ]. جده يزيد ، وهو مجهول، أخرج له أبو داود و الترمذي . وكلا الروايتين ضعيفة، حيث إن عبد الله بن علي بن يزيد لين، وأبوه مستور، وجده مجهول، لكن أبا داود ذكر أن هذا الإسناد أصح، وعلل ذلك بقوله: [ لأن ولد الرجل وأهله أعلم به ]. شرح أثر ابن عباس في اعتبار طلاق الثلاث قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن عبد الله بن كثير عن مجاهد أنه قال: كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما، فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثاً، قال: فسكت حتى ظننتُ أنه رادها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الحموقة ثم يقول: يا ابن عباس ! يا ابن عباس ! وإن الله قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجَاً [الطلاق:2]، وإنك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجاً، عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، وإن الله قال: (يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ) ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفيه: أن الرجل كان قد طلق امرأته ثلاثاً، فقال له: (.. إنك لم تتق الله، فلم أجد لك مخرجاً، عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، وإن الله قال: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] قيل: هذه قراءة لابن عباس وهي شاذة، أي: قوله: فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] ومعناها: في أول عدتهن، أو مستقبلات عدتهن، أي: في بدايتها، ثم تحصى العدة بعد الطلاق. وهذا الأثر عن ابن عباس على خلاف ما تقدم عنه وما سيأتي؛ لأنه أفتى -كما في هذه الرواية- أنها تكون ثلاثاً وأنه أمضاها على ذلك، وجاء عنه أيضاً أن الثلاث واحدة، كما مر وكما سيأتي في الحديث. إذاً: جاء عن ابن عباس قولان متعارضان: قول يوافق الحديث ويطابقه، وهو أن الثلاث تعتبر واحدة. وقول يخالف ما جاء في الحديث، وهو ما جاء في هذه الرواية أنه أمضى الثلاث وجعلها بائنة. والمعول عليه ما جاء من روايته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن (الثلاث تكون واحدة)، وعلى هذا فيكون ما جاء في هذا الأثر من رأيه، وأنه رأي رآه، وأن الحديث جاء من روايته بأن (الثلاث تكون واحدة)، و(العبرة بما رواه الراوي لا بما رآه) كما يقول المحدّثون، من أن المحدّث إذا جاء رأيه وجاءت روايته فإن المعتبر روايته وليس رأيه، بل قد جاء في بعض الروايات عنه ما يدل على أنه يرى أن الثلاث واحدة، وعلى هذا فجاء من روايته أن الثلاث واحدة وجاء من رأيه كذلك، وجاء أيضاً من رأيه ثلاثاً كما جاء هنا، فيكون المعول عليه: ما جاء عنه من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء من رأيه أيضاً ما يوافقها. وقوله: [ الحموقة ] أي: الحماقة وسرعة الغضب. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس في اعتبار طلاق الثلاث قوله: [ حدثنا حميد بن مسعدة ]. هو حميد بن مسعدة البصري ، صدوق، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا إسماعيل ]. وهو ابن علية ، واسمه إسماعيل بن إبراهيم المشهور بابن علية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن كثير ]. عبد الله بن كثير صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مجاهد ]. هو مجاهد بن جبر المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. وقد مر ذكره. إسناد ثان لأثر ابن عباس في اعتبار طلاق الثلاث وتراجم رجاله [ قال أبو داود : روى هذا الحديث حميد الأعرج وغيره عن مجاهد عن ابن عباس ]. قوله: [ روى هذا الحديث ] أي: الذي تقدم قبل هذا، وقد مر بإسناده، وهو أثر وليس حديثاً. [ حميد الأعرج وغيره ]. وحميد بن قيس الأعرج ليس به بأس، أي: صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وغيره عن مجاهد عن ابن عباس ]. مجاهد و ابن عباس مر ذكرهما. إسناد ثالث لأثر ابن عباس في اعتبار طلاق الثلاث وتراجم رجاله [ قال أبو داود : ورواه شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ]. قوله: [ ورواه شعبة ]. هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، وُصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مرة ] . هو عمرو بن مرة الهمداني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سعيد بن جبير ]. سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ] . وقد مر ذكره. إسناد رابع لأثر ابن عباس في اعتبار طلاق الثلاث وتراجم رجاله. [ قال أبو داود : و أيوب و ابن جريج جميعاً عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ]. و أيوب و ابن جريج وقد مر ذكرهما. وعكرمة بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . إسناد خامس لأثر ابن عباس في اعتبار طلاق الثلاث وتراجم رجاله. [ قال أبو داود : و ابن جريج عن عبد الحميد بن رافع عن عطاء عن ابن عباس ]. ابن جريج مر ذكره. [ عن عبد الحميد بن رافع ]. كأنه -والله أعلم- ليس له رواية متصلة عند أصحاب الكتب، ورواية أبي داود له معلقة، ويوجد تعليق لمحمد عوامة يقول فيه: ترجم له البخاري في التاريخ الكبير. [ عن عطاء ]. وهو عطاء بن أبي رباح ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. إسناد سادس لأثر ابن عباس في اعتبار طلاق الثلاث وتراجم رجاله. [ قال أبو داود : ورواه الأعمش عن مالك بن الحارث عن ابن عباس ]. [ الأعمش ] هو: سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مالك بن الحارث ]. مالك بن الحارث ، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم و أبو داود و النسائي . إسناد سابع لأثر ابن عباس في اعتبار طلاق الثلاث وتراجم رجاله. [ قال أبو داود : و ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس ]. ابن جريج : مر ذكره، و عمرو بن دينار : ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قال أبو داود : [ كلهم قالوا في الطلاق الثلاث: إنه أجازها، قال: وبانت منك، نحو حديث إسماعيل عن أيوب عن عبد الله بن كثير ]. أي: هؤلاء كلهم قالوا مثلما جاء في الرواية السابقة عن إسماعيل عن أيوب عن عبد الله بن كثير . قوله: [ إنه أجازها ] أي: أمضاها، واعتبر الثلاث ثلاثاً، وكما هو معلوم أن هذا من رأي ابن عباس . شرح أثر ابن عباس: ( إذا قال أنت طالق ثلاثاً بفم واحد فهي واحدة ) وتراجم رجاله [ قال أبو داود : وروى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس: إذا قال: أنتِ طالق ثلاثاً بفم واحد فهي واحدة ]. هذه رواية أخرى تقابل الرواية السابقة، وهي أنه إذا قال: أنت طالق بفم واحد -أي: بلفظ واحد- فهي واحدة، وهذا خلاف الرواية السابقة؛ لأن الرواية السابقة فيها: (أنه أمضاها ثلاثاً) . وهذه الرواية الأخيرة توافق ما جاء في الحديث عن ابن عباس أن (الثلاث تكون واحدة) كما في حديث عبد يزيد الأول، والثاني الذي سيأتي عن أبي الصهباء الذي رواه مسلم في صحيحه. قوله: [ وروى حماد بن زيد ]. هو حماد بن زيد بن درهم البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس ]. وقد مر ذكرهم. إسناد آخر لأثر ابن عباس: (إذا قال أنتِ طالق ثلاثاً بفمٍ واحد فهي واحدة) وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة هذا قوله لم يذكر ابن عباس وجعله قول عكرمة ]. قوله: [ ورواه إسماعيل بن إبراهيم ] أي: ابن علية الذي روى الأثر المتصل السابق. [ عن أيوب عن عكرمة هذا قوله ] أي: قول عكرمة . وهذا مقطوع؛ لأنه انتهى إلى التابعي. شرح أثر ابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص أنهم سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثاً. [ قال أبو داود : وصار قول ابن عباس رضي الله عنهما فيما حدثنا أحمد بن صالح و محمد بن يحيى وهذا حديث أحمد قالا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف و محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس أن ابن عباس و أبا هريرة و عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثاً، فكلهم قالوا: لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ]. أورد أبو داود هذا الأثر عن ابن عباس ، وهو متفق مع ما تقدم من القول بأنه أجاز الثلاث وأمضاها على من طلق ثلاثاً، فكان متفقاً مع ما تقدم من رأيه في أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد تكون ثلاثاً، مع أنه في هذه الرواية يوجد تفصيل في قضية البكر وغير البكر وأن كل ذلك يعتبر ثلاثاً، وأنها تُمضى ثلاثاً ولم تعتبر واحدة، وإذا كان هذا في البكر فإن الثيب من باب أولى. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص أنهم سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثاً. قوله: [ وصار قول ابن عباس فيما حدثنا أحمد بن صالح و محمد بن يحيى ]. أحمد بن صالح مر ذكره. و محمد بن يحيى هو: الذهلي ، ثقة، أخرج أحاديثه البخاري وأصحاب السنن. [ وهذا حديث أحمد ]. أحمد أي: الشيخ الأول. [ عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ]. عبد الرزاق و معمر مر ذكرهما. و الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ]. محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان : ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إياس ]. محمد بن إياس ثقة، أخرج أحاديثه البخاري تعليقاً و أبو داود . [ أن ابن عباس و أبا هريرة و عبد الله بن عمرو بن العاص ]. وهؤلاء الصحابة من المكثرين في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. إسناد آخر لأثر ابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص أنهم سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثاً، وتراجم رجاله [ قال أبو داود : روى مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن الأشج عن معاوية بن أبي عياش أنه شهد هذه القصة حين جاء محمد بن إياس بن البكير إلى ابن الزبير و عاصم بن عمر فسألهما عن ذلك فقالا: اذهب إلى ابن عباس و أبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة رضي الله عنها، ثم ساق هذا الخبر ]. قوله: [ روى مالك ]. هو مالك بن أنس : إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكير بن الأشج ]. بكير بن الأشج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معاوية بن أبي عياش ]. معاوية بن أبي عياش لم يُترجم له. شرح أثر ابن عباس: (أن الطلاق الثلاث تبين من زوجها مدخولاً بها وغير مدخول بها [ قال أبو داود : وقول ابن عباس هو أن الطلاق الثلاث تبين من زوجها مدخولاً بها وغير مدخول بها، لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، هذا مثل خبر الصرف، قال فيه: ثم إنه رجع عنه، يعني: ابن عباس ]. قوله: [ هذا مثل خبر الصرف ]، المقصود بالصرف، أي: الربا، وهو بيع الدراهم بالدراهم، والذهب بالذهب، وكذلك بيع التمر بالتمر، والبر بالبر، والشعير بالشعير، فهو كان يرى أن ذلك جائز مع عدم التماثل، وكان يقول: إنما الربا في النسيئة، وأما ربا الفضل فكان لا يقول به؛ ولكن لما بلغه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه رجع وقال به، وقال: أستغفر الله وأتوب إليه، يعني: مما كان يقوله قبل أن يبلغه حديث أبي سعيد ، وهو أن (التمر بالتمر والبر بالبر .. مثلاً بمثل) أي: أن الزيادة ربا، فكان آخر الأمرين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان يرى أن الربا يكون في الفضل كما يكون في النسيئة، وكان ذلك الأمر متقدماً، ولعل هذا التمثيل الذي ذكره أبو داود معناه أنه كان يقول بأن الثلاث تكون بها بائنة، وأنه بعد ذلك صار إلى ما دل عليه الحديث، وهو أن (الثلاث تكون واحدة) . شرح أثر ابن عباس: (كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن غير واحد عن طاوس أن رجلاً يقال له: أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس رضي الله عنهما قال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و أبي بكر وصدراً من إمارة عمر رضي الله عنهما؟ قال ابن عباس : بلى. كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و أبي بكر وصدراً من إمارة عمر ، فلما رأى الناسَ قد تتابعوا فيها قال: أجيزوهن عليهم ]. أورد أبو داود أثر ابن عباس أنه قال له أبو الصهباء : [ أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ]. فأضاف الحديث إلى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أن المرأة إذا كانت غير مدخول بها وقد طلقها ثلاثاً جعلوها واحدة، يعني: في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر . قوله: [ فلما رأى الناسَ قد تتابعوا ]. أي: أنهم تساهلوا في هذا. قوله: [ قال: أجيزوهن عليهم ]. يعني: أمضاه عليهم ثلاثاً، وهذا فيه تخصيص غير المدخول بها. والحديث في إسناده من هو مبهم؛ حيث إنه قال: [ عن أيوب عن غير واحد ]، وقد ضعف الألباني هذا الأثر، ولعله بسبب هذا الإبهام في السند. تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس (كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة) قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان ]. محمد بن عبد الملك بن مروان ، صدوق، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ حدثنا أبو النعمان ]. هو محمد بن الفضل السدوسي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن زيد عن أيوب ]. مر ذكرهما. [ عن غير واحد]. وهم غير معروفين حيث لم يُذكروا بأسمائهم. [ عن طاوس ]. هو طاوس بن كيسان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. وقد مر ذكره. إسناد آخر لأثر ابن عباس: (كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة) وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني ابن طاوس عن أبيه أن أبا الصهباء قال لابن عباس رضي الله عنهما: أتعلم أنما كانت الثلاث تُجعل واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم و أبي بكر وثلاثاً من إمارة عمر رضي الله عنهما؟ قال ابن عباس : نعم ]. أورد المصنف حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الثلاث كانت واحدة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر ، سأله قال: أتعلم كذا؟ قال: نعم. وفي صحيح مسلم هذا الحديث بلفظ: ( إن الطلاق الثلاث كان واحدة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر ، فلما كان عهد عمر قال: إن الناس استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم؟ فأمضاه عليهم) أي: فأمضى الثلاث عليهم، فهذا الحديث قد رواه مسلم في صحيحه، وهو واضح الدلالة على أن الثلاث بلفظ واحد تكون واحدة. قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن طاوس ]. ابن طاوس هو: عبد الله بن طاوس ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبيه عن ابن عباس ]. وقد مر ذكرهما. خلاصة مسألة الطلاق بالثلاث بلفظ واحد فيما يتعلق بمسألة التطليقات الثلاث، فإن كل ما مر في هذا الباب إنما هو حديث عن ابن عباس في قصة عبد يزيد أبي ركانة ، وفيه أن الثلاث تكون واحدة، وكذلك أيضاً أثر ابن عباس الأخير الذي فيه أن الثلاث تكون واحدة، وما بين ذلك آثار عن ابن عباس وعن غيره في أن الثلاث تُمضى أو أنها تكون واحدة. و ابن عباس رضي الله عنه جاء عنه أن رأيه أنها تُمضى، وجاء عنه من رأيه أنها تكون واحدة، وجاءت الرواية عنه أن الثلاث واحدة في الحديث الأخير الذي رواه مسلم والذي سأله أبو الصهباء وقال: (هل تعلم أنه كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم و أبي بكر وصدر من خلافة عمر الطلاق الثلاث واحدة؟ قال: نعم)، فهذا يدل على أن الذي ثبت في الحديث وبه ثبتت الروايات مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد تكون واحدة، وقد جاء عن ابن عباس الإفتاء بهذا وبهذا، ولعل الأول الذي كان إمضاؤها ثلاثاً كان أولاً، وأنه رجع عنه كما في مسألة الصرف. وأما اجتهاد عمر رضي الله عنه فإنه رأى تأديب الناس لكيلا يتهاونون في ذلك، ورأى المصلحة في ذلك رضي الله عنه وأرضاه. والعلماء مختلفون في هذا الزمان: منهم من يفتي بأن الثلاث تعتبر ثلاثاً، ومنهم من يفتي بأن الثلاث تعتبر واحدة، والذي يطابق الحديث هو: أن الثلاث تكون واحدة. ولو أن المفتي وقع في منطقة أو في بيئة وحصل فيها مثلما حصل في عهد عمر رضي الله عنه من أنهم يكثرون من الطلاق ويتساهلون فيه، فلا نقول: يمضيه عليهم ثلاثاً دون رويّة، بل ينظر فيما يراه، ويتحرى المصلحة، والأخذ بما دل عليه الدليل أولى."
__________________
|
#446
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [253] الحلقة (285) شرح سنن أبي داود [253] من أكثر المسائل التي يسألها المستفتون مسائل الطلاق، فينبغي لطالب العلم إتقانها، والاجتهاد في معرفة الراجح مما وقع الخلاف فيها، مثل مسألة الرجوع إلى نية المتلفظ بالطلاق، وطلاق البتة، وحكم قول الرجل لامرأته: أمرك بيدك، وغير ذلك. فيما عني به الطلاق والنيات شرح حديث: (إنما الأعمال بالنيات..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب فيما عُني به الطلاق والنيات. حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثني يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) ]. قوله: [ باب فيما عُني به الطلاق والنيات ] يعني: أن المعتبر هو النية، وهذا عند كنايات الطلاق، وأما صريح الطلاق فإنه يعتبر لفظه، أي: إذا طلق بلفظ الطلاق فإنه يعتبر مطلقاً، وأما إذا كان بلفظ الكناية فإن هذا ينظر إلى نيته، إن كان يريد الطلاق فإنه يكون طلاقاً وإن كان لا يريد الطلاق فإنه لا يكون طلاقاً ما دام أنه محتمِل لهذا ولهذا، فالمعتبر النية. والطلاق الصريح: مثل أن يقول الرجل لزوجته: (أنت طالق)، وأما الكناية فمثل قوله: (الحقي بأهلك) وما شابهها، وسيأتي في حديث كعب بن مالك أنه قال لامرأته: (الحقي بأهلك) وهو ليس طلاقاً؛ لأنه لم ينوِ ذلك. وهذا حديث عمر رضي الله عنه المشهور الذي هو أول حديث افتتح به البخاري صحيحه، وهو: [ (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) ] وبعض أهل العلم تابع البخاري في ذلك فافتتحوا كتبهم الحديثية بهذا الحديث؛ لأنه يدل على أن كل شيء تابع للنية، وأنه مبني على النية، وأن المعتبر النيات. قوله في الحديث: [ (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى) ] هذا هو محل الشاهد للترجمة، فإنه إذا قال لفظاً وكان محتمِلاً لأن يكون طلاقاً وأن يكون غير طلاق فالمعتبر نيته: إن كان أراد طلاقاً فيكون طلاقاً، وإن كان لم يرد ذلك فإنه لا يكون طلاقاً، والمعتبر نيته. قوله: [ (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله -يعني: نية وقصداً- فهجرته إلى الله ورسوله) ] أجراً وثواباً؛ لأنه اتحد الشرط والجزاء، والفرق بينهما: أن الأول على اعتبار والثاني على اعتبار؛ لأن الشرط متفق مع الجزاء؛ ولكن هذا له حال وهذا له حال، ولا يقال: إنه شيء متكرر لا تترتب عليه ثمرة. قوله:[ (ومن كانت هجرته لدنيا) ] أي: من أجل دنيا، والهجرة كانت من بلد الشرك من أجل الدنيا لا من أجل الله، فمن فعل ذلك لأجل الدنيا [ (فهجرته إلى ما هاجر إليه) ]. تراجم رجال إسناد حديث: (إنما الأعمال بالنيات ..) قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ]. محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا سفيان ]. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني يحيى بن سعيد ]. يحيى بن سعيد الأنصاري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إبراهيم ]. محمد بن إبراهيم التيمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن علقمة بن وقاص الليثي ]. ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: سمعت عمر بن الخطاب ] . أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه. حديث: (إنما الأعمال بالنيات) من غرائب الصحيح هذا الحديث فيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، واحد من كبارهم، والثاني من أوساطهم، والثالث من صغارهم، فعلقمة بن وقاص الليثي من كبار التابعين، و محمد بن إبراهيم التيمي من أوساط التابعين، و يحيى بن سعيد الأنصاري من صغار التابعين، فهؤلاء ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وقد جاء عن عمر من هذه الطريق إلى يحيى بن سعيد ، وهو فرد، ثم إنه كثر الآخذون عن يحيى بن سعيد حتى قيل: إنهم بلغوا سبعين شخصاً، وأما من يحيى بن سعيد فما فوق فهو فرد وهو غريب، ولهذا فهو من غرائب الصحيح، أي: عندما يأتي الحديث من طريق واحد فقط يقال له: غريب؛ لأن الغريب هو ما جاء من طريق واحد، ومعلوم أن الغريب إذا كان من طريق واحد والذين جاءوا فيه يحتمَل تفردهم وكانوا ثقات فإنه معتبر وحجة، وأما إذا جاء الحديث من طريق واحد وفيهم من لا يحتمَل تفرده فإنه لا يُحتج به، وإما إذا كانوا ثقات فإن روايتهم معتبرة، وهذا الحديث الذي هو أول حديث في صحيح البخاري هو من هذا القبيل، وكذلك آخر حديث في صحيح البخاري الذي هو: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن) هو أيضاً غريب من غرائب الصحيح، ففاتحة كتاب البخاري حديث غريب، وخاتمته حديث غريب؛ ولهذا لما روى الترمذي رحمه الله حديث: كلمتان حبيبتان .. قال: حديث حسن صحيح غريب، أي: لأنه جاء من طريق واحد. شرح حديث: (..فقلت لامرأتي الحقي بأهلك حتى يقضي الله سبحانه في هذا الأمر) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح و سليمان بن داود قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب -وكان قائد كعب من بنيه حين عمي- قال: سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه، فساق قصته في تبوك قال: (حتى إذا مضت أربعون من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، قال: فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا. بل اعتزلها فلا تقربنها، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله سبحانه في هذا الأمر) ]. أورد أبو داود حديث كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة تخلفه في غزوة تبوك وتوبة الله عليه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هجره خمسين ليلة، وأنه بعدما مضى أربعون يوماً أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أصحابه يأمره بأن يعتزل زوجته، ولما أبلغه الخبر قال: أطلقها أم ماذا؟ -يعني: هذا الاعتزال هل هو تطليق أو غير تطليق؟- فقال: لا. بل اعتزلها ولا تقربنها، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك حتى يقضي الله سبحانه في هذا الأمر. ومحل الشاهد هو قوله: (الحقي بأهلك) لأن هذا من كنايات الطلاق، والمعتبر فيه النية، فإذا قال لزوجه: (الحقي بأهلك) إن كان يريد طلاقاً وقع طلاقاً، وإن كان لا يريد فإنه لا يقع، كما حصل لكعب بن مالك رضي الله عنه فإنه قال: الحقي بأهلك حتى يقضي الله في هذا الأمر، فالمعتبر هو النية في كنايات الطلاق. تراجم رجال إسناد حديث: (..فقلت لامرأتي الحقي بأهلك حتى يقضي الله سبحانه في هذا الأمر) قوله: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ]. أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و سليمان بن داود ]. سليمان بن داود المصري ، ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي . [ أخبرنا ابن وهب ]. عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرني يونس ]. يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب ]. ابن شهاب مر ذكره، و عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . وأبوه عبد الله ثقة، ويقال: له رؤية، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . و كعب بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. الأسئلة حكم قول الرجل لامرأته: (أنت طالق أنت طالق أنت طالق) السؤال: إذا قال الرجل لامرأته: (أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق) فهل هذا يعتبر واحدة أم ثلاث؟ الجواب: والله ما أدري ما هو الراجح في هذا، لكن بعض أهل العلم يقول: إنها تكون واحدة إذا كان ما بعد الأولى تأكيداً، ومنهم من يقول: إن كل واحدة تعتبر تأسيساً فيكون الطلاق ثلاثاً، والراجح في هذه المسألة لم يتضح لي فيه شيء. حكم الإشهاد في الطلاق السؤال: قول عمران بن حصين : (طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة) فالإشهاد في الطلاق والرجعة هل هو واجب أم مستحب؟ الجواب: كون الإنسان يحرص على ألا يحصل منه هذا ولا هذا إلا بالإشهاد لا شك أن هذا هو الواضح الذي لا إشكال فيه، لكن الطلاق ينعقد بدون الإشهاد؛ لأنه لو طلق وليس عنده أحد فإنه معتبر؛ ولكنه يُشهد فيما بعد، ولو راجع وليس عنده أحد يُشهد، بل إنه قد تكون المراجعة بأن يطأها، فإنه يكون بذلك مراجعاً لها؛ ولكن عليه أن يُشهد بعد ذلك؛ لكن ما يتضح لي كونه واجباً أو مستحباً، لا أدري؛ وأما كونه يقع الطلاق بدون إشهاد فإنه يقع، والرجعة تقع بدون إشهاد أيضاً. الفرق بين قول الرجل لزوجته: (أنت طالق أنت طالق أنت طالق) وقوله: (أنت طالق طالق طالق) السؤال: هل قول الرجل: (أنت طالق أنت طالق أنت طالق) مثل: (أنت طالق طالق طالق)؟ الجواب: الثانية التي هي: (أنت طالق طالق طالق) أقرب من: (أنت طالق أنت طالق أنت طالق)؛ لأن الأولى لاحتمال التأكيد أقرب؛ لأن المبتدأ واحد (أنت) والخبر مكرر: (طالق طالق طالق)، فتكون الكلمة الأولى هي الخبر والثانية والثالثة مؤكدة، بخلاف الثلاث عندما تكون بلفظ آخر التي هي: (أنت طالق أنت طالق أنت طالق)، فإن احتمال التكرار فيها قائم. وفي قول الرجل: (أنت طالق طالق طالق) كونه يُسأل عن نيته فهذا له وجه، والاحتمال قوي، على اعتبار أن المبتدأ واحد والكلمة الأولى هي (أنت) و(طالق) هي الخبر والباقي تأكيد؛ لأنها جملة واحدة، والثنتان الأخيرتان مؤكدتان للأولى، وأما: (أنت طالق أنت طالق أنت طالق) فكل واحدة منها مبتدأ وخبر، فهي محتمِلة للتأكيد ومحتمِلة لغير التأكيد، وليست كالجملة الأولى، ولا يتضح لي شيء في كونها تنعقد ثلاث طلقات أو واحدة، أي فيما يتعلق بـ(أنت طالق أنت طالق أنت طالق). سبب تقريظ كتاب مدارك النظر السؤال: يُذكر أنه لم يُقرأ عليكم كتاب مدارك النظر فكيف قرَّظتموه؟ الجواب: مدارك النظر أنا قرأته بنفسي، ولم يُقرأ علي، بل قرأته مرتين، وعرفت ما فيه، وكتبتُ ما كتبت بعد قراءته مرتين. الخيار شرح حديث عائشة: (خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعدّ ذلك شيئاً) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الخيار. حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (خيَّرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاخترناه فلم يعد ذلك شيئاً) ]. قوله رحمه الله تعالى: [ باب في الخيار ]، المقصود بالخيار: التخيير، أي: أن الرجل يخير امرأته بين أن تبقى في عصمته أو لا تبقى وأن يفارقها، وإذا لم تختر الفراق وإنما بقيت مع زوجها واختارت البقاء فإنه لا يترتب على ذلك شيء، ولا يعتبر طلاقاً، وإنما حصل التخيير لها فاختارت البقاء، وأما إذا اختارت الفراق فهذا اختلف فيه العلماء: منهم من قال: يكون له حق المراجعة، ومنهم من يقول: يعتبر فراقاً نهائياً ولا مراجعة فيه. وفي حال اختيار البقاء مع الزوج فإنه لا يترتب على ذلك شيء، والنبي صلى الله عليه وسلم لما خير نساءه بعد أن نزلت عليه الآية: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحَاً جَمِيلَاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرَاً عَظِيمَاً [الأحزاب:28-29] واخترن البقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لم يعدّ ذلك شيئاً، أي: لم يكن طلاقاً. وقد أورد أبو داود حديث عائشة : [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم خير نساءه ولم يعد ذلك شيئاً) ] أي: أن الأمر بقي على ما هو عليه، ولم يترتب على ذلك شيء، وهذا واضح؛ لأنهن اخترن البقاء، والمرأة إذا اختارت البقاء فلا يترتب على ذلك شيء، وإنما الكلام فيما إذا اختارت الفراق هل يكون للرجل حق الرجعة في ذلك أو أنها تبين منه وليس له حق الرجعة؟ هذا هو محل الخلاف بين أهل العلم. تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعدّ ذلك شيئاً) قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا أبو عوانة ]. أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الضحى ]. مسلم بن صبيح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن مسروق ]. مسروق بن الأجدع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عُرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. أمرك بيدكِ شرح حديث أبي هريرة: (أمرك بيدك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في أمركِ بيدكِ. حدثنا الحسن بن علي حدثنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد قال: قلت لأيوب : هل تعلم أحداً قال بقول الحسن في (أمركِ بيدكِ)؟ قال: لا، إلا شيء حدثناه قتادة عن كثير مولى ابن سمرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنحوه، قال أيوب : فقدم علينا كثير فسألته فقال: ما حدثت بهذا قط، فذكرته لقتادة فقال: بلى؛ ولكنه نسي. حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن الحسن في (أمركِ بيدكِ) قال: ثلاث ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب قول الرجل لزوجته: (أمركِ بيدكِ)، أي: ما حكمه؟ فجمهور أهل العلم قالوا: يكون الطلاق ثلاثاً إذا اختارته كما جاء عن عدد من الصحابة، وجاء عن عدد من التابعين منهم الحسن . ومنهم من قال: إنه يكون واحدة. وقد أورد أبو داود رحمه الله الأثر عن الحسن ، وكذلك الحديث الذي ساقه أبو داود مرفوعاً وفيه: أنه يكون ثلاثاً، وإيراد أبي داود للأثر إنما كان متأخراً عن ذكر الحديث والسؤال الذي حول قول الحسن ، فيبدو أن الحديث فيه اختصار في الأول، أو أن الأثر متقدم عن تأخير، والاختصار قوله: هل تعلم أحداً قال بقول الحسن في (أمركِ بيدكِ)؟ قال: لا ]. يعني: أنه ثلاث، فإما أن يكون فيه اختصار أو أن الأثر المقطوع الذي جاء في الآخر متقدم؛ لأنه عقَّبه بقوله: بمعناه، ولم يُذكر الأصل حتى يُعرف المعنى، وهو إما أن يكون فيه اختصار وأنه سقط منه ذكر (أمركِ بيدكِ) ثلاث، أو أن الأثر الذي فيه أنه قال: ثلاث متقدم، فيأتي بعد ذلك الاستفهام والسؤال والجواب. قوله: [ بنحوه ] الأصل المحال عليه غير موجود، فهو إما أن يكون الأصل فيه: [ هل تعلم أحداً قال بقول الحسن في (أمركِ بيدكِ) أنه ثلاث؟ ] فيكون ساقطاً منه (أنه ثلاث)، أو أن الأثر الذي ساقه بإسناده مقطوعاً إلى الحسن [أنه ثلاث] يكون متقدماً، وعلى هذا يكون المعنى واضحاً، أي: من جهة أن اللفظ الذي أحيل إليه بقوله: [ بنحوه ] قد عُرف. والأثر عن الحسن متصل إليه وهو مقطوع، والمقطوع هو: المتن الذي انتهى إسناده إلى التابعي أو من دونه، فيقال له: مقطوع، وهو غير المنقطع؛ لأن المقطوع من صفات المتون, وأما المنقطع فهو من صفات الأسانيد، فيقال: الإسناد المنقطع، وأما هذا المتن فهو مقطوع، أي: إسناده انتهى إلى التابعي؛ لأنه إذا انتهى إلى التابعي يقال له: مقطوع، وإذا انتهى إلى الصحابي يقال له: موقوف، وإذا انتهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع. فهذا الأثر المقطوع الذي جاء عن الحسن إما أن يكون متقدماً ويكون الكلام ليس فيه حذف ولا اختصار، وإما أن يكون على ما هو عليه متأخر؛ ولكن فيه حذف وفيه اختصار؛ لأن الإحالة بقوله: [ بنحوه ] لا تستقيم إلا إذا عُرف لفظ المتن المحال إليه بقوله: [ بنحوه ]. والحديث الذي أورده فيه علتان: إحداهما: فيه رجل مقبول وهو: كثير مولى ابن سمرة . العلة الثانية: أن كثيراً قال: [ ما حدثت بهذا ]، فهو أنكر، والمعروف عند المحدثين أن الراوي إذا أضيف إليه شيء ثم أنكره فإنه يكون قدحاً فيه، أما إذا قال: لا أدري فإنه لا يؤثر في الرواية. وعلى هذا فليس ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الإسناد؛ ولكنه جاء عن عدد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم مثلما قال الحسن : إن (أمركِ بيدكِ) ثلاث. تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (أمرك بيدك) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن حماد بن زيد ]. حماد بن زيد ،ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال: قلت لأيوب ]. أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحسن ]. الحسن بن أبي الحسن البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثناه قتادة ]. قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن كثير مولى ابن سمرة ]. كثير مولى ابن سمرة ،مقبول، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة في التفسير. [ عن أبي سلمة ]. أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، رضي الله عنه وأرضاه. قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ]. مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هشام الدستوائي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن قتادة ]. قتادة مر ذكره. [ عن الحسن ]. الحسن مر ذكره. حكم قول: (أمركِ بيدكِ) إذا قال الرجل لزوجته: (أمركِ بيدكِ) فإن لها أن تطلق نفسها ثلاث طلقات، بمعنى أنها تبين؛ لأنه جعل الأمر إليها، وهذا يعني أنه طلقها ثلاث طلقات لا رجعة فيها، وعلى قول من يقول: إنها طلقة واحدة فيكون له رجعة فيها إذا اختارت نفسها وكانت طلقة واحدة، ومذهب الحسن وكثير من الصحابة أنه لا رجعة فيها إذا اختارت نفسها. وهذا الحديث مروي في سنن النسائي و الترمذي ، ولم يجزم فيهما كثير بالنفي كما جزم عند أبي داود هنا. على كل حال: العلة موجودة وهي الراوي كثير، فإنه مقبول، وهذا كافٍ ولو لم يأت بالجزم، وهذه قاعدة فيمن حدث ونسي، أنه إذا جزم وأنكر فإنه لا يعتبر الأثر مروياً عنه، وأما إن قال: لا أدري فإن الرواية صحيحة؛ لأن هذا نسي، وهذا لا يعد نوعاً من أنوع الحديث أي: من حدث ونسي. وتخرج المرأة نفسها من عصمة الرجل بجعل الأمر إليها، فإذا جعل الأمر إليها واختارت نفسها، فهذا معناه: أنها قد بانت منه. ولها أن تطلق نفسها عندما يجعل الأمر إليها بقولها: (اخترت نفسي) أو (لا سبيل له إلي) فإذا قالت مثل هذا الكلام ثلاثاً، فلا رجعة له عليها، وأكثر العلماء على هذا.
__________________
|
#447
|
||||
|
||||
![]() ألبتة شرح حديث: (.. أن ركانة طلق امرأته ألبتة..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ألبتة. [ حدثنا ابن السرح و إبراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور في آخرين قالوا: حدثنا محمد بن إدريس الشافعي حدثني عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد بن ركانة أن ركانة بن عبد يزيد رضي الله عنه طلق امرأته سهيمة ألبتة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال: والله ما أردتُ إلا واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (والله ما أردتَ إلا واحدة؟)فقال ركانة : والله ما أردتُ إلا واحدة، فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فطلقها الثانية في زمان عمر ، والثالثة في زمان عثمان رضي الله تعالى عنهما. قال أبو داود أوله: لفظ إبراهيم وآخره لفظ ابن السرح ]. قوله رحمه الله: [ باب في طلاق البتة ] أي: أن يقول: أنتِ طالق ألبتة أو بتةً، أو بتّ طلاقها، وقيل: إن معنى ألبتة: ثلاثاً، أي: أنه طلقها ثلاثاً أو أنه أبتّ طلاقها، أي قطع صلته بها نهائياً. وأورد أبو داود رحمه الله حديث ركانة وقد سبق أن مر عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها عليه، وأنه اعتبر الثلاث واحدة؛ ولكن الحديث ليس ثابتاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الذي ثبت حديث ابن عباس الذي فيه: ( كان طلاق الثلاث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر وفي صدر من خلافة عمر واحدة)، وأما حديث ركانة هذا فإنه غير ثابت. تراجم رجال إسناد حديث: (.. أن ركانة طلق امرأته ألبتة..) قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. أحمد بن عمرو بن السرح ، ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ و إبراهيم بن خالد الكلبي ]. إبراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور ،ثقة، أخرج له أبو داود و ابن ماجة . [ في آخرين ]. يعني: معهم غيرهم. [ حدثنا محمد بن إدريس الشافعي ]. محمد بن إدريس الشافعي هو الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً وأصحاب السنن. [ حدثني عمي محمد بن علي بن شافع ]. محمد بن علي بن شافع ، قال الحافظ في التقريب : وثقه الشافعي ، وحديثه أخرجه أبو داود و النسائي . [ عن عبد الله بن علي بن السائب ]. عبد الله بن علي بن السائب مستور -أي: مجهول الحال-، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [ عن نافع بن عجير ]. نافع بن عجير قيل: له صحبة، وذكره ابن حبان في التابعين، وبعض العلماء قال: مجهول؛ لأن الصحبة لم تثبت له؛ ولهذا عبر الحافظ ابن حجر بقوله: قيل: له صحبة، وذكر صاحب عون المعبود أن ابن القيم ذكر في الزاد أنه مجهول، والإسناد فيه أيضاً من هو دونه، وهو عبد الله بن علي بن السائب الذي سبق ذكره. و نافع بن عجير أخرج له أبو داود . [ أن ركانة بن عبد يزيد .. ]. ركانة سبق أن مر أنه صحابي، أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ قال أبو داود أوله لفظ إبراهيم وآخره لفظ ابن السرح ]. يعني: شيخيه؛ لأن أبا داود له فيه شيخان: أحدهما: أبو ثور . والثاني: ابن السرح . فقوله: [ أوله لفظ إبراهيم وآخره لفظ ابن السرح ] يعني: ما ساقه على لفظ واحد منهما، وإنما جعل أوله على لفظ شيخ وآخره على لفظ شيخ آخر من شيخيه. شرح حديث: (... أن ركانة طلق امرأته ألبتة...) من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يونس النسائي أن عبد الله بن الزبير حدثهم عن محمد بن إدريس حدثني عمي محمد بن علي عن ابن السائب عن نافع بن عجير عن ركانة بن عبد يزيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الحديث ]. قوله: [ حدثنا محمد بن يونس النسائي ]. محمد بن يونس النسائي ثقة، أخرج حديثه أبو داود . [ أن عبد الله بن الزبير حدثهم ]. عبد الله بن الزبير وهو عبد الله بن الزبير المكي الحميدي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم في المقدمة و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة في التفسير. [ عن محمد بن إدريس حدثني عمي محمد بن علي عن ابن السائب عن نافع بن عجير عن ركانة ]. وقد مر ذكرهم جميعاً، وفيهم الشخص الذي هو مستور -وهو ابن السائب - وقال عنه: ابن السائب ؛ نسبه إلى جده. واسم عبد يزيد لا يجوز؛ لأنه لا تضاف العبودية إلا لله عز وجل، يقول ابن حزم : أجمع العلماء على تحريم كل اسم معبَّد لغير الله حاشا عبد المطلب . شرح حديث: (... أن ركانة طلق امرأته ألبتة) من طريق ثالثة وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا جرير بن حازم عن الزبير بن سعيد عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده رضي الله عنه أنه طلق امرأته ألبتة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما أردتَ؟)قال: واحدة، قال: (آلله!)قال: آلله، قال: (هو على ما أردتَ) ]. أورد أبو داود نفس الحديث من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم. قوله: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي ]. سليمان بن داود العتكي هو أبو الربيع الزهراني ، ثقة، أخرج حديثه البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا جرير بن حازم ]. جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الزبير بن سعيد ]. الزبير بن سعيد لين الحديث، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة ]. عبد الله هذا أيضاً لين الحديث، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . وبعده أبوه: مستور، أخرج له أبو داود . و يزيد -الذي هو جد عبد الله - مجهول. [ قال أبو داود : وهذا أصح من حديث ابن جريج أن ركانة طلق امرأته ثلاثاً؛ لأنهم أهل بيته وهم أعلم به، وحديث ابن جريج رواه عن بعض بني أبي رافع عن عكرمة عن ابن عباس ]. سبق أن مر أن حديث ابن جريج هو الذي صح، وهو مطابق لحديث ابن عباس في أن الثلاث واحدة. وأما قول أبي داود هذا ففيه هؤلاء المجاهيل الضعفاء الذين في إسناده، وتصريح أبي داود بأنه أصح لا يعني أنه يكون صحيحاً؛ لأن كلمة (أصح) إذا أضيفت إلى شيء آخر تعني: أنه أمثل من غيره، فلا يعني تصحيحه، وهذا مثلما يقال للمريضين: هذا أصح من فلان، وكل منهما مريض، يعني: أن هذا أحسن حالاً من هذا، فلا يعني بهذا التصحيح وإنما يعني تقديمه على غيره، وأما من حيث الإسناد فحديث ابن جريج هو الذي سبق أن عرفنا أنه ثابت، وأن الألباني صححه وذكر له شواهد. وكلام أبي داود يفيد ترجيح هذا، لكنه ليس بصحيح، ذاك هو الصحيح، وهذا ليس بصحيح. والفرق بينهما: أن هذا الصحابي غير الصحابي -أي: صاحب القصة هذا غير صاحب القصة ذاك- لأن هنا ركانة هو الذي طلق، وفي الحديث المتقدم أن المطلق عبد يزيد . فهنا أبو داود يرجح أنه ركانة ، وقوله: [ وهذا أصح من حديث ابن جريج أن ركانة طلق امرأته ثلاثاً.. ] أي: أن الأصح أن ركانة هو الذي طلق امرأته، وليس عبد يزيد الذي جاء في رواية ابن جريج وإن كانت رواية ابن جريج هي الأصح. الفرق بين (ألبتة) و (أمرك بيدك) إذا قال رجل لامرأته: (أنت طالق ألبتة)، فهو مثل: (أمركِ بيدكِ)، إلا إذا كان المقصود بـ(ألبتة) أنها (ثلاثاً) وأنه عبر عن (ثلاثاً) بكلمة (ألبتة) فإن الحكم أن الثلاث واحدة. ولا يُحتاج إلى التحليف، مثل: أن يُستحلف الرجل، أو يُطلب منه اليمين هل أراد بـ(ألبتة) ثلاثاً أم واحدة، كما جاء في هذه الرواية؛ لأنها ضعيفة. الوسوسة بالطلاق شرح حديث: (إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به وبما حدثت به أنفسها) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوسوسة بالطلاق. حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به وبما حدثت به أنفسها) ]. أورد أبو داود هذه الترجمة وهي قوله: [ باب في الوسوسة بالطلاق ] يعني: أن الإنسان تحدثه نفسه بالطلاق، ويقع في باله أنه طلق وهو لم يحصل منه التلفظ بالطلاق فإنه لا يعتبر شيئاً؛ لأن حديث النفس لا يقال له: كلام، وقد تجاوز الله عنه، وقد يقع في ذهن الإنسان أمور سيئة وخطيرة ولا تؤثر عليه، كما جاء في الحديث: [ (إنه يجد أحدنا ما يتعاظم أن يذكره، قال: أوجدتم ذلك؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان) ] أي: عندما يجد الإنسان في ذهنه شيئاً يعظُم في نفسه ويكرهه ويصعب عليه أن يتلفظ به، فهذا الذي وقع في نفسه وفي خاطره هو حديث النفس لا يعتبر شيئاً. فإذا وقع في باله أنه طلق زوجته أو نوى أنه يطلق زوجته في قلبه فإنه لا يعتبر مطلقاً إلا إذا تكلم، كما جاء في هذا الحديث: [ (إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به وبما حدثت به أنفسها) ] ومعناه: أن حديث النفس الذي ينقدح في ذهن الإنسان وتحدثه نفسه به ولم يتلفظ به فإنه لا يترتب عليه شيء، وهذا في أمور كثيرة: في النكاح وفي الطلاق وفي العتاق وفي الهبة والعطية، وفي النذر أيضاً، فلو نذر في نفسه أنه سيفعل كذا وكذا ولم يتلفظ فليس عليه شيء، فإنه مجرد حديث نفس لا يترتب عليه شيء، وإنما العبرة بالقول أو الفعل. قوله: [ (إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به) ]. هذا مرادف للفظ الذي سيأتي، وهو قوله: [ (وبما حدثت به أنفسها) ]، والذي ورد في صحيح البخاري: [ (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل) ]، فالحديثان لهما نفس المعنى، فـ[ (ما لم تتكلم أو تعمل) ] و[ (بما حدثت به أنفسها) ] كلمتان مترادفتان. والعمل تدخل فيه الكتابة؛ فهي من جنس القول والعمل، فإذا كتب طلاق زوجته فإنها تطلق منه بالكتابة؛ لأنه عمل، وهذا قال به جمهور العلماء على أن الكتابة عمل وأنها يحصل بها الطلاق. وإذا تكلم الزوج بالطلاق ونطق وقال: (طلقت زوجتي) بينه وبين نفسه، فهو طلاق؛ لأنه قال: [ (ما لم تتكلم) ] والكلام قد حصل، وسواءً سمعت الزوجة أو لم تسمع، وإسماعُها ليس بلازم. تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله تجاوز لأمتي عما لم تتكلم به أو تعمل به وبما حدثت به أنفسها) قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن زرارة بن أوفى ]. الذين تقدموا مر ذكرهم، و زرارة بن أوفى ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه. الرجل يقول لامرأته يا أختي شرح حديث: (.. أن رجلاً قال لامرأته يا أُخية..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يقول لامرأته: يا أختي. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ح وحدثنا أبو كامل قال: حدثنا عبد الواحد و خالد الطحان المعنى كلهم عن خالد عن أبي تميمة الهجيمي أن رجلاً قال لامرأته: (يا أخية!) فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أختك هي؟!) فكره ذلك ونهى عنه ]. قوله رحمه الله: [ باب في الرجل يقول لامرأته: يا أختي ] يعني: أن ذلك لا يجوز؛ لأن هذا مظنة التحريم ومظنة الظهار، والشيء الذي فيه ريبة على المسلم أن يبتعد عنه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). قوله: [ (فكره ذلك ونهى عنه) ] يعني: كره أن يقول الرجل لزوجته: يا أختي، ونهى عن ذلك؛ لأن هذا اللفظ فيه احتمال أمر خطير وعظيم وهو الظهار، وهي أنها تكون كأخته فتكون حراماً عليه، فهو مظنة التحريم، فكرهه ونهى عنه. والحديث مرسل. تراجم رجال إسناد حديث: (.. أن رجلاً قال لامرأته يا أُخية..) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو ابن سلمة البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ ح وحدثنا أبو كامل ]. وهو: الفضيل بن حسين ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ حدثنا عبد الواحد ]. عبد الواحد بن زياد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ و خالد الطحان ]. خالد بن عبد الله الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ المعنى كلهم عن خالد ]. أي: روايتهم متفقة بالمعنى، كلهم يروون عن خالد ، وهو ابن مهران المشهور بالحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي تميمة الهجيمي ]. هو: ظريف بن مجالد ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول لامرأته: يا أخية) من طريق ثانية وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن إبراهيم البزاز حدثنا أبو نعيم حدثنا عبد السلام -يعني: ابن حرب - عن خالد الحذاء عن أبي تميمة عن رجل من قومه (أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول لامرأته: (يا أخية!) فنهاه) ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو متصل مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل من الصحابة [ (أنه سمع رجلاً يقول لزوجته: يا أخية! فنهاه) ] أي: فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وهذا مثل الذي قبله، إذ إن فيه النهي عن مثل هذا القول ومثل هذا اللفظ، ولو قالت المرأة لزوجها: يا أخي لا يكون هذا مظنة الظهار، لكن الأولى ألا تقول هذا لزوجها، ولو قال الزوج لغير زوجته: يا أخية أو يا أختي فلا بأس. قوله: [ حدثنا محمد بن إبراهيم البزاز ]. محمد بن إبراهيم البزاز ، ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا أبو نعيم ]. أبو نعيم الفضل بن دكين الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد السلام يعني ابن حرب ]. عبد السلام بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد الحذاء عن أبي تميمة ]. خالد الحذاء مر ذكره، و أبو تميمة مر ذكره. [ عن رجل من قومه ]. قيل: هو أبو جري الهجيمي ، واسمه: جابر بن سليم أو سليم بن جابر ، فهو مختَلفٌ في اسمه، وهو صحابي ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و الترمذي و النسائي . وفي هذا الإسناد ذكر الواسطة، وهناك في الإسناد السابق أرسل، والواسطة رجل من قومه، وهو من الصحابة. الاختلاف في إرسال ورفع الحديث الذي فيه: (سمع رجلاً يقول لامرأته: يا أخية) وتراجم رجال الإسناد [ قال أبو داود : ورواه عبد العزيز بن المختار عن خالد عن أبي عثمان عن أبي تميمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. وهذه طريق أخرى مرسلة: عبد العزيز بن المختار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خالد عن أبي عثمان ]. هو خالد الحذاء. [ عن أبي عثمان ]. هو: عبد الرحمن بن مُل أو مَل أو مِل النهدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. فهو هنا رواه أبو عثمان النهدي . [ ورواه شعبة عن خالد عن رجل عن أبي تميمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. وهنا يوجد إبهام، ويحتمَل أن يكون هو أبو عثمان النهدي هذا. و شعبة هو: شعبة بن الحجاج الواسطي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاثاً...) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الوهاب حدثنا هشام عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لم يكذب قط إلا ثلاثاً: ثنتان في ذات الله تعالى، قوله: إِنِّي سَقِيْمٌ [الصافات:89] وقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيْرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63]، وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة إذ نزل منزلاً فأتي الجبار فقيل له: إنه نزل ههنا رجل معه امرأة هي أحسن الناس، قال: فأرسل إليه فسأله عنها، فقال: إنها أختي، فلما رجع إليها قال: إن هذا سألني عنك فأنبأته أنك أختي وأنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك وإنك أختي في كتاب الله، فلا تكذبيني عنده) وساق الحديث ]. قوله: [ (إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يكذب إلا ثلاث كذبات)] وكل هذا الثلاث فيها تورية، وفيها مجال لمعانٍ أخرى غير أن يكون الإنسان كاذباً؛ ولكن في الظاهر حسب ما يفهم السامع هي كذب، ولكنه في الحقيقة ليس بكذب. قوله: [ (ثنتان في ذات الله عز وجل: إحداهما: قوله: إِنِّي سَقِيْمٌ [الصافات:89]) ] يعني: أنه مريض، فيه سقم، وقيل: هذا محمول على أن قلبه فيه تألم وفيه تعب من فعلهم وصنيعهم وكونهم يعبدون الأوثان، فقلبه فيه السقم، من جهة التعب والتألم، وهو حقيقة، وكونه مريض أو متعب أو لا يستطيع الذهاب، هذا احتمال، وهذا هو الذي فهموه، وفيه معنىً آخر وهو أن قلبه سقيم متألم متأثر لصنيعهم ولفعلهم وكونهم يعبدون الأوثان ويعبدون هذه الأحجار التي لا تملك شيئاً لنفسها فضلاً عن غيرها. قوله: [ (وقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيْرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:63]) ] وهذا من باب الإلزام في المناظرة، يعني: إذا كان هذا معبودكم وأنتم ترجون منه النفع فإذاً: هو الذي فعل هذا، أي إذا كان كذلك فهو الذي فعل هذا، وهو لا يفعل هذا؛ لأنه جماد، ولا يدفع الضر عن نفسه ولا عن غيره، ولا يفيد نفسه ولا يفيد غيره. قوله: [ (في ذات الله عز وجل) ] أي من أجل الله جل وعلا، وحتى الثالثة فهي من أجل الله عز وجل؛ لأنها لدفع الضرر عن زوجته، وهي في ذات الله؛ ولكن لما كانت الثنتان متمحضتين في أن ذلك لله وأما هذه ففيها شيء من حظ النفس وفيها شيء يتعلق بمصلحته وفائدته لكونها زوجته؛ قال عن الاثنتين أنهما [ (في ذات الله) ] وإن كانت الثلاث كلها في ذات الله من جهة أنه يريد بالثالثة أن يحمي زوجته وأن يحفظ زوجته وأن يدافع عن زوجته وأن يخلص زوجته من أن يقع لها شر أو بلاء، فهذه في ذات الله عز وجل، وهذه كلها تورية. قوله: [ (إن هذا سألني عنك فأنبأته أنك أختي، وإنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك، وإنك أختي في كتاب الله)]، لعل المقصود بذلك في ذلك المكان، وإلا فإنه في غير ذلك المكان يوجد مسلمون كثير، ومنهم لوط، كما قال تعالى: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ [العنكبوت:26] وكان في زمانه، فيحمل على أنه في ذلك المكان ليس هناك مسلم سواه وإياها. والمقصود أن قوله: [ (إنها أختي) ] فيه التورية للتخلص من الشر الذي قد يحصل له، والتورية عند الحاجة إليها سائغة. وهذا يأتي كثيراً في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يمزح صلى الله عليه وسلم ولا يقول في مزحه إلا حقاً، ومن ذلك قصة المرأة التي قال لها: [ (لا يدخل الجنة عجوز) ]، فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد أنها لا تدخل الجنة وهي عجوز، وإنما تدخل وقد عاد إليها شبابها، وهي فهمت أنها لا تدخل الجنة، فتألمت، ثم بعد ذلك بيَّن أنهن يدخلن وهن شابات، فهذه تورية. والجمع بين هذا الحديث والذي قبله: أن هذا للضرورة، وهو تورية وليس فيه احتمال بالمعنى الباطل، وهو ما قاله إلا للحاجة، ما قاله اختياراً وإنما قاله مضطراً، ولهذا قال لها ما أراد؛ لأنه شيء جديد وليس بشيء مألوف عنده أنه يخاطبها ويقول لها: يا أختي، أو يتكلم معها بـ(أختي)، ما قال إلا هذه المرة، ومع ذلك بيّن لها. تراجم رجال إسناد حديث: (إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاثاً...) قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بالزمن ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عبد الوهاب ]. هو عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا هشام ]. هو هشام بن حسان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد ]. هو: ابن سيرين ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه، وقد مر ذكره. طريق أخرى لحديث: (إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاثاً) وتراجم رجاله [ قال أبو داود : روى هذا الخبر شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ]. ذكر المصنف طريقاً أخرى معلقة رواها شعيب بن أبي حمزة الحمصي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي الزناد ]. وهو عبد الله بن ذكوان المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعرج ]. وهو عبد الرحمن بن هرمز المدني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي هريرة ]. رضي الله عنه، وقد مر ذكره. الأسئلة معنى قوله في ذات الله السؤال: قوله: [ (في ذات الله) ] هل الذات صفة تثبَت لله تعالى؟ الجواب: قوله: [ (في ذات الله) ] يعني: من أجل الله، والذات يقولون عنها: هي ذات كذا وذات كذا، أي: أن الذات هي التي توصف بالصفات، ويقولون في قواعد أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات: الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات فكما أن لله ذاتاً لا تشبه الذوات فله صفات تتصف بها ذاته لا تشبه الصفات. فقوله: [ (في ذات الله) ] يعني: من أجل الله. حكم إطلاق كلمة الذات على الله السؤال: إطلاق كلمة الذات على الله هل هي سائغة أو أنها تخصص في الرد فقط على أهل البدع؟ الجواب: هي سائغة؛ لأن الصفات توصف بها الذات؛ ولكن أصلها أنهم يقولون: ذات كذا وذات كذا، فقيل: الذات، (الألف واللام) عوض عن المضاف إليه. وليس معنى ذات الله: الذات، وإنما تضاف إليها الصفات مثل أن نقول: ذات علم.. ذات سمع.. ذات بصر.. ذات كذا. وقول الصحابي خبيب: (وذلك في ذات الإله) من جنس ( في ذات الله) الذي في الحديث، أي: من أجل الله، وإطلاقها سائغ بهذا المعنى، والمقصود بها الذات التي توصف بالصفات دون الصفات التي هي مضافة إليها؛ لأن وجود ذات مجردة من جميع الصفات غير ممكن إطلاقاً. سبب قول إبراهيم: (إنها أختي) السؤال: لماذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يقل: (إنها زوجتي)؟ الجواب: لعل السبب في هذا أن الجبار يغار من إبراهيم لأن عنده زوجة أحسن من زوجته. مشروعية الصلاة والسلام على جميع الأنبياء السؤال: هل يجوز الصلاة والسلام على الأنبياء، مثلما هنا: (عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم)؟ الجواب: أي نعم، يُصلى ويُسلم على الأنبياء، لكن كونه يلزم ذلك مثلما يكون للنبي صلى الله عليه وسلم، فهذا ما نعلم شيئاً يدل عليه؛ لكن يُصلى ويُسلم على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. الفرق بين التورية والمعاريض السؤال: ما الفرق بين التورية والمعاريض؟ الجواب: التورية: هي نفس المعاريض، وفي الأثر: ( إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب) والمعاريض هي نفس التورية. الفرق بين التورية والتقية السؤال: هل التورية هي نفس التقية؟ الجواب: لا، التقية قد تكون تورية من أجل التقية، ومن أجل أن يتقي شراً. الإكثار من التورية دون حاجة السؤال: يلاحظ الإكثار من التورية حيث أصبح كثير من طلبة العلم يستخدمونها في كثير من الأحايين فما نصيحتكم؟ الجواب: لا يصلح، بل تستعمل للحاجة، أما بدون حاجة فلا يصلح استعمالها. حكم قول الرجل لزوجته: (أم المؤمنين) السؤال: ما حكم قول الرجل لزوجته: أم المؤمنين؟ الجواب: هذا لا يصلح، فأمهات المؤمنين هُن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم. حكم قول الرجل لزوجته: (يا أختي) أو (يا أمي) على سبيل التوقير والاحترام السؤال: ينقل عن ابن القيم في حاشية عون المعبود أنه قال: وفيه دليل على أن من قال لامرأته: إنها أختي أو أمي على سبيل الكرامة والتوقير لا يكون مظاهراً، فكيف ذلك؟ الجواب: لا يكون مظاهراً؛ ولكن الأولى أن اللفظ المحتمِل يُترك، وإلا هو لا يكون مظاهراً بمجرد أنه يقول هذا الكلام؛ لكن لأنهم قالوا: هذا مظنة التعريض، واللفظ الذي فيه احتمال يُبتعد عنه؛ لكن مجرد قوله هذا لا يصيره مظاهراً وهو يريد التوقير. ومن التورية التي لا تحتمل معنى خاطئاً ما جاء في الصحيح في قصة أم سليم مع أبي طلحة في الولد الذي مات، وجاء أبوه وسأل عنه فقالت: إنه أسكن ما كان، وتقصد أنه مات، ولكنها أظهرت له كلاماً فهم منه أنه مستريح وأن حالته أحسن، وهي مورِّية بهذا، فما قالت له كذباً، وإنما قالت كلاماً يفهم منه المخاطب شيئاً وهي تريد شيئاً آخر، أي: كان ثائر النفَس فسكن، ففهم منها أنه هدأ، وهي تقصد أنه انقطع نفَسُه بالموت، فهذه هي التورية. وفيما يتعلق بالألفاظ المحتمِلة جاء في القرآن النهي عن ذلك كقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا [البقرة:104]؛ لأن لفظ (راعنا) فيه إشكال وفيه احتمال أمر آخر ليس طيباً، فالأولى أن يُترك ويُعدل إلى لفظ لا يحتمِل. حكم نفي المحدث عن نفسه أنه حدث بالحديث السؤال: مسألة من حدث ونسي، إذا كان مقبولاً ثم يأتي من هو أوثق منه فيؤكد أنه حدث به ولكنه نسي ذلك، ألا يعتبر قولُ مَن هو أوثق؟ الجواب: ما دام الشخص الذي يضاف إليه الكلام هو حدث، ثم نفى ذلك عن نفسه، فإن الطريق واحد والنتيجة واحدة؛ لكن العلة التي ليس فيها إشكال كونه مقبولاً. حكم اشتراط العصمة للمرأة في عقد النكاح السؤال: هل يصح اشتراط المرأة في العقد أن تكون العصمة لها؟ الجواب: لا يجوز اشتراط هذا، فهو شرط باطل، أما قوله: (أمرك بيدكِ) فهذا يكون بنية طلاق، وليس معناه أن العصمة تكون بيد المرأة. حكم قول الرجل لامرأته: (أمركِ بيدكِ) أو (لكِ الخيار) السؤال: قول الرجل لامرأته: (لك الخيار) أو (أمركِ بيدكِ) هل هذا من صريح الطلاق أو من الكنايات؟ الجواب: هذا ليس فيه تصريح بشيء من كلامه، وإنما تفويضها وإعطاؤها هذا الحق لتختار نفسها عند التخيير أو (أمركِ بيدكِ) أنها تختار الخلاص منه، فهذا كما هو معلوم من التفويض وجعل الأمر إلى الغير. حكم استمرار تخيير الزوج لامرأته بقوله: (أمركِ بيدكِ) السؤال: إذا خير الزوج امرأته هل يبطل خيارها إذا قامت من المجلس قياساً على البيع؟ الجواب: كثير من العلماء قال هذا كما ذكره صاحب عون المعبود، وبعضهم قال: إن لها الخيار إلى أن يطأها أو يحصل طلاق أو فسخ، دون أن يحصل منها تنفيذ ما جُعل إليها؛ ولكن قال في عون المعبود: أكثر العلماء على أن هذا الحق لها في المجلس، وليس شيئاً مستمراً دائماً وأبداً. حكم التسمية بعبد المطلب، ورأي ابن حزم في ذلك السؤال: ما وجه استثناء ابن حزم اسم عبد المطلب من الأسماء التي فيها العبودية لغير الله؟ الجواب: لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه من اسمه عبد المطلب ولم يغير اسمه، كما هو الحال في بعض قرابته، فإن فيهم من اسمه عبد المطلب فلم يغيره اسمه وغير الأسماء التي كانت معبدة لغير الله."
__________________
|
#448
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [254] الحلقة (286) شرح سنن أبي داود [254] كان الظهار من ألفاظ الطلاق في الجاهلية، فجاء الشرع بتحريمه وإبطاله، وجعل الكفارة المغلظة على من تلفظ به، وأحكامه كثيرة قد بينها الله في كتابه ورسوله عليه الصلاة والسلام في سنته، وفصل ذلك الفقهاء رحمهم الله تعالى. الظهار شرح حديث: (خفت أن أصيب من امرأتي شيئاً يتايع بي حتى أصبح، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الظهار. حدثنا عثمان بن أبي شيبة و محمد بن العلاء المعنى قالا: حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء -قال ابن العلاء: ابن علقمة بن عياش- عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر رضي الله عنه -قال ابن العلاء : البياضي - أنه قال: (كنت امرأً أصيب من النساء ما لا يصيب غيري، فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئاً يتايع بي حتى أصبح، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء، فلم ألبث أن نزوت عليها، فلما أصبحت خرجت إلى قومي، فأخبرتهم الخبر، وقلت: امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قالوا: لا والله، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأخبرته، فقال: أنت بذاك يا سلمة ؟! قلت: أنا بذاك يا رسول الله، مرتين، وأنا صابر لأمر الله، فاحكم في ما أراك الله، قال: حرر رقبة، قلت: والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها، وضربت صفحة رقبتي، قال: فصُم شهرين متتابعين، قال: وهل أصبتُ الذي أصبتُ إلا من الصيام! قال: فأطعم وسقاً من تمر بين ستين مسكيناً، قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين ما لنا طعام، قال: فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك، فأطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر، وكل أنت وعيالك بقيتها، فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، ووجدت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم السعة وحسن الرأي، وقد أمرني أو أمر لي بصدقتكم). زاد ابن العلاء : قال ابن إدريس : (بياضة): بطن من بني زريق ]. قوله رحمه الله تعالى: [ باب في الظهار ]، الظهار: هو أن يقول الرجل لزوجته: (أنتِ عليّ كظهر أمي) أي: كما أن أمه حرام عليه فإن زوجته تكون كذلك، وقيل: إن الظهار أخذٌ من الظهر وإضافته إلى الظهر، فقد كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية، يظاهرون من نسائهم ويعبرون بالظهر ويقولون: أنت علي كظهر أمي، وكان يعتبر في الجاهلية طلاقاً، فجاء الإسلام فحرم ذلك، ووصفه بأنه منكر من القول وزور، وأن على من فعله كفارة، وأنه لا يعتبر طلاقاً، وهو لا يقيد بلفظ: (أنت علي كظهر أمي)، بل أي لفظ يؤدي هذا المعنى فإنه يكون ظهاراً، ولكنه أطلق عليه (ظهار) إضافة إلى الظهر، فكان ذلك من أجل بعض أحواله، وإلا فإنه لا يكون مقتصراً على تعليق ذلك بالظهر، وأن يقول: (أنتِ علي كظهر أمي). وأورد أبو داود حديث سلمة بن صخر البياضي رضي الله عنه، وأنه كان شديد الرغبة في النساء، وأنه لما دخل رمضان ظاهر من امرأته مدة شهر رمضان، وهو يريد من ذلك أن يلزم نفسه بعدم قربانها وعدم الاتصال بها في الليل، لئلا يؤدي ذلك إلى أن يتصل بالنهار فيكون فعل ذلك في النهار، وكان منه أن حصل منه الجماع، فكان بذلك قد حصل منه الوقاع قبل أن تمضي المدة التي حددها، وهي مضي شهر رمضان، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي حصل له، فكرر عليه بقوله: [ (أنت بذاك؟!] يعني: أنت الذي وقعت بذاك؟! -مُنكراً عليه- فقال: [ (أنا بذاك يا رسول الله مرتين، وأنا صابر لأمر الله عز وجل..) ] فقال له: [ (اعتق رقبة) ] فقال: إنه لا يجد ولا يملك شيئاً إلا رقبته، وضرب بيده على صفحة عنقه،... إلخ الحديث. وفي هذا الحديث دليل على أن الظهار تجب فيه الكفارة على هذا الترتيب المذكور في الحديث، وقد جاء ذلك في أول سورة المجادلة. وفيه دليل أيضاً على أن التأقيت في الظهار وتحديد زمن معين له بأن يقول: أنت علي كظهر أمي إلى نهاية شهر رمضان أو إلى الليل أو إلى بعد يومين أو أكثر؛ أن ذلك يقع، وأنه يكون ظهاراً، وأن عليه أن يمتنع في تلك المدة التي حددها، والظهار قد يكون مطلقاً وليس مقيداً، كأن يقول: أنتِ علي كظهر أمي، ويطلق، كل ذلك يكون ظهاراً؛ ولكنه إذا كان مؤقتاً وصبر إلى نهاية المدة ولم يحصل منه جماع فيها فإن جمهور العلماء على أنه لا يكون عليه شيء؛ لأن التحريم حصل منه في مدة محددة وفي مدة معينة ولم يحصل منه شيء فيها، وأما إن حصل منه الوقاع فيها فإنه تكون عليه الكفارة كهذا الذي حصل لسلمة بن صخر رضي الله عنه؛ لأنه وقع منه الجماع في تلك المدة التي حددها، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب عليه الكفارة. قوله: [ (يتايع بي حتى أصبح) ] يعني: أنه يحصل منه في الليل ثم يواصل حتى يدخل عليه النهار، فيكون مجامعاً في النهار، وإلا فإن المجامعة في الليل جاء القرآن بجوازها، قال الله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187]، وهو يخشى أنه يحصل منه الوصال والاستمرار في تلك المدة التي قد أبيحت له حتى يفعل ذلك بالنهار. والذي يظهر لي أن هذه القصة بعد أن أحل الله الجماع في ليل رمضان؛ لأن سلمة كان يخشى فقط أن يستمر جماعه من الليل حتى يدخل النهار. قوله: [ (فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذ تكشف لي منها شيء، فلم ألبث أن نزوت عليها) ]. نزا عليها أي: جامعها. وقوله: [ (فبينا هي تخدمني ذات ليلة) ]. من المعلوم أن المرأة هي التي تتولى شئون البيت، والرجل لا يقوم بشئون البيت، وإنما عليه السعي لتحصيل الرزق والإنفاق عليها، وهي التي تقوم بالطبخ، وهي التي تقوم بما يلزم للزوج، فالخدمة لازمة لها. قوله: [ (فلما أصبحت خرجت إلى قومي فأخبرتهم الخبر، وقلت: امشوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قالوا: لا والله، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فقال: أنت بذاك يا سلمة ؟! قلت: أنا بذاك يا رسول الله، مرتين) ]. (أنت بذاك؟!) يعني: أنت الذي وقعت بهذا؟! وأنت الذي تلبست بهذا؟! فكرر ذلك عليه، وفي كل ذلك يجيب بأنه وقع بهذا وأنه تلبس به. قوله: [ (قال: حرر رقبة) ] هذا يدل على الإطلاق في الرقبة، وأن أي رقبة يكون بها الكفارة، سواءً كانت صغيرة أو كبيرة أو على أي صفة كانت، ولو كان فيها عيب، إلا أن يكون زمِناً، أي: لا يستطيع الحراك، أو فيه مرض دائم لا يستطيع معه الحراك؛ فإن هذا لا يحصل به الكفارة؛ لأنه لا يستفيد من وراء تلك الحرية شيئاً، بل هو بحاجة إلى غيره، وبحاجة إلى من يعوله، وهو لا يعول أحداً، وأيضاً فيه إطلاق الكفارة كما جاء أيضاً مطلقاً في القرآن، وأنها ليست موصوفة بالمؤمنة، وقد جاء وصف الرقبة بأنها مؤمنة في كفارة القتل، فيكون المقصود بالرقبة هي المؤمنة التي يكون التكفير بها، ولا تكون مطلقة بحيث يكون الإعتاق لكافر أو لرقبة كافرة وإنما يكون لرقبة مؤمنة. قوله: [ (قلت: والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها، وضربت صفحة رقبتي، قال: فصم شهرين متتابعين، قال: وهل أصبتُ الذي أصبتُ إلا من الصيام!) ]. لعل هذه القصة كانت بعد قصة خولة بنت ثعلبة التي نزلت بشأنها سورة المجادلة، والتي جاءت أحكام الظهار في أول السورة، فتكون هذه القصة بعدها؛ لأن هذه ليس فيها ذكر سبب نزول، وإنما سبب النزول جاء في قصة خولة التي هي المجادِلة، فيكون الحكم موجوداً، والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن له ما جاء في القرآن، وليس فيه اجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما فيه إخبار بما جاء في القرآن. قوله: [ (قال: فأطعم وسقاً من تمر بين ستين مسكيناً، قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشين ما لنا طعام) ]. يعني: جائعين ما لنا طعام، ولم نأكل شيئاً، فليس عندنا شيء ندفعه كفارة لإطعام ستين مسكيناً. والوسق: ستون صاعاً كما مر في الزكاة: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)والخمسة أوسق: ثلاثمائة صاع، التي هي النصاب في الزكاة، وعلى هذا فيكون لكل مسكين صاع، ولكن كفارة الجماع في نهار رمضان جاء أنها خمسة عشر صاعاً، لكل مسكين مُد؛ لأن الصاع: أربعة أمداد، فيكون لكل مسكين مُد، وبعض أهل العلم قال: يكون لكل مسكين صاع أخذاً بهذا الحديث، وبعضهم قال: يخرج ثلاثين صاعاً، لكل مسكين نصف صاع، وبعضهم قال: يخرج خمسة عشر صاعاً لكل مسكين مُد. والحديث الذي معنا حسن من جهة بعض الأحاديث الأخرى، وإلا فإن في سنده محمد بن إسحاق ، وهو مدلس، وقد روى بالعنعنة، وفيه أيضاً سليمان بن يسار وهو لم يدرك سلمة بن صخر . والذي يبدو أن الإطعام لا يكون صاعاً؛ لأن هذا شيء كثير، وإنما يبدو أنه مد؛ لأن هذا هو الذي ثبت في كفارة الظهار في رمضان، وهو الذي جاء من طريق صحيح عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن فيه خمسة عشر صاعاً، لكن أكثر الكفارات نصف صاع؛ لأنه جاء فيها تنصيص، وهذه أيضاً جاء فيها: خمسة عشر صاعاً في كفارة الظهار في رمضان، أي: لكل مسكين مُد. [ (قال: فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك، فأطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر، وكل أنت وعيالك بقيتها، فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، ووجدت عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم السعة وحسن الرأي، وقد أمرني أو أمر لي بصدقتكم). قال ابن العلاء : قال ابن إدريس : (بياضة): بطن من بني زريق ]. ومعنى أنه قال: هو البياضي في أول السند، أي: محمد بن العلاء أبو كريب قال في روايته: البياضي زيادة على رواية عثمان بن أبي شيبة ، حيث ذكر فيها: سلمة بن صخر فقط، و محمد بن العلاء زاد: البياضي ، ثم بعد ذلك بيّن أن (بياضة) بطن من بني زريق، وقد ذهب إليهم سلمة وهم قومه، والرسول صلى الله عليه وسلم أحاله عليهم ليعطوه زكاتهم. تراجم رجال إسناد حديث: (خفت أن أصيب من امرأتي شيئاً يتايع بي حتى أصبح، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان) قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فإنه أخرج له في (عمل اليوم والليلة). [ و محمد بن العلاء ]. هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ المعنى ] يعني: الرواية متفقة بالمعنى مع الاختلاف في الألفاظ. [ عن ابن إدريس ]. هو عبد الله بن إدريس الأودي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن محمد بن إسحاق ]. هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق يدلس، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن محمد بن عمرو بن عطاء ]. محمد بن عمرو بن عطاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وقال ابن العلاء : ابن علقمة بن عياش ]. يعني: محمد بن العلاء زاد في نسبه وقال: محمد بن عمرو بن عطاء بن علقمة بن عياش ، هكذا قال محمد بن العلاء ، وأما عثمان بن أبي شيبة فإنه قال: محمد بن عمرو بن عطاء فقط. [ عن سليمان بن يسار ]. سليمان بن يسار ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن سلمة بن صخر ]. سلمة بن صخر صحابي، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [ قال محمد بن العلاء : البياضي ]. الإضافة: إلى سلمة بن صخر . شرح حديث: (ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن معمر بن عبد الله بن حنظلة عن يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة رضي الله عنها أنها قالت: (ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت رضي الله عنه فجئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشكو إليه، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجادلني فيه ويقول: اتقي الله فإنه ابن عمك، فما برحت حتى نزل القرآن: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1] إلى الفرض، فقال: يُعتق رقبة، قالت: لا يجد، قال: فيصوم شهرين متتابعين، قالت: يا رسول الله! إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكيناً، قالت: ما عنده من شيء يتصدق به، قالت: فأُتي ساعتئذٍ بعرق من تمر، قلت: يا رسول الله! فإني أعينه بعرق آخر، قال: قد أحسنتِ، اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكيناً وارجعي إلى ابن عمك) قال: والعرق ستون صاعاً. قال أبو داود في هذا: إنها كفّرت عنه من غير أن تستأمره. قال أبو داود : وهذا أخو عبادة بن الصامت رضي الله عنه ]. أورد المصنف حديث خويلة بنت مالك بن ثعلبة وهي التي نزلت في قصتها سورة المجادلة، وآيات الظهار، وبيان الفرض الذي فيها، وهو الكفارة: يُفرض عتق رقبة، ثم إذا لم يجد فيصوم شهرين متتابعين، وإذا لم يستطع يطعم ستين مسكيناً. فامرأة أوس بن الصامت -وهو أخو عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنهما- جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته أنه ظاهر منها، فنزلت عند ذلك أول سورة المجادلة، فأخبرته أنه لا يستطيع أن يعتق رقبة، وأنه أيضاً لا يستطيع الصوم؛ لأنه شيخ كبير، وأنه كذلك لا يستطيع أن يطعم ستين مسكيناً؛ لأنه لا يملك شيئاً. فجيء النبي صلى الله عليه وسلم بعرق أو مكتل فأعطاه إياها فقالت: إنها أيضاً تعينه بعرق آخر فقال: أحسنتِ؛ لأنها ستُخرج ذلك عنه، وبعد ذلك تذهب إليه ويعودان على ما كانا عليه، وأنه لا يجوز لهما الالتقاء وأن يحصل منهما التماسُّ إلا بعد أن تحصل الكفارة، وأن تنفذ الكفارة كما جاء في القرآن: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة:3] يعني: أنه لا يتم الرجوع إلى النكاح وإلى الاستمتاع فيما بينهما إلا بعد أن توجد الكفارة. قوله: [ عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة ]. هي: خولة ، ويقال: خويلة ، ويأتي ذكرها خولة أو خويلة تصغير خولة ، أي: تأتي بالتكبير وبالتصغير. قوله: [ قالت: (ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشكو إليه ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجادلني فيه) ]. أي: تشكو الذي حصل منه، وأن بينهما العشرة طويلة ومع ذلك حصل منه هذا الشيء، وكان الظهار موجوداً عندهم في الجاهلية، وكانوا يعدونه طلاقاً كما ذكرتُ آنفاً، والإسلام لم يعتبره طلاقاً، وإنما أوجب فيه كفارة، ثم يعودان إلى ما كانا عليه قبل الظهار. أما في الجاهلية فقد كانوا يطلقون ثم يراجعون، وهكذا يستمرون إلى غير نهاية، فكأنها فهمت أنه مثلما كان في الجاهلية قد حصل الطلاق، ولذلك جاءت تشتكي. قالت: [ (ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجادلني فيه ويقول: اتقي الله فإنه ابن عمك، فما برحت حتى نزل القرآن: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1] إلى الفرض) ] قولها: (إلى الفرض) أي: الذي فرضه الله عز وجل، وهي الكفارة: عتق رقبة، فإن لم يجد فيصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فيطعم ستين مسكيناً. قوله: [ (فقال: يُعتق رقبة، قالت: لا يجد، قال: فيصوم شهرين متتابعين، قالت: يا رسول الله! إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكيناً، قالت: ما عنده من شيء يتصدق به، قالت: فأُتي ساعتئذٍ بعرق من تمر) ]. العرق هو: المكتل. قوله: [ (قلت: يا رسول الله! فإني أعينه بعرق آخر) ]. الظاهر أن ذاك العرق ما يكفي الستين مسكيناً؛ لأنها قالت: ستعينه بمثله. قوله: [ (قال: قد أحسنتِ، اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكيناً، وارجعي إلى ابن عمك) قال: والعرق ستون صاعاً ]. قوله: [ والعرق ستون صاعاً ]: هذه جملة تفسيرية خارجة عن الحديث، ولذلك فإن الشيخ الألباني رحمه الله ذكر أن الحديث حسن إلا هذه الجملة. قوله: [ قال أبو داود في هذا أنها كفّرت عنه من غير أن تستأمره ]. أي: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاها هذا المقدار وهي أضافت مثله، لكن كونها لم تستأمره لا يُجزم به؛ لأنه يجوز أنها تكون أخبرته وأنها أعلمته، لأنها قالت: تعينه بعرق آخر، فهذا معناه أن الكفارة لازمة له، ويحتمِل -كما قال أبو داود - أنها فعلت هذا من غير أن تستأمره، ويحتمل أيضاً أنها قد أبلغته ولكنها هي التي تولت المهمة وراجعت وحصلت من النبي صلى الله عليه وسلم ما حصلت، وأضافت إليه ما أضافت. [ قال أبو داود : وهذا أخو عبادة بن الصامت ]. هذا توضيح لهذا الرجل الذي هو أوس بن الصامت ، فهو أخو عبادة بن الصامت الصحابي المشهور صاحب الأحاديث الكثيرة الذي يأتي ذكره كثيراً في الأحاديث. تراجم رجال إسناد حديث: (ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت) قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. هو الحسن بن علي الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي . [ حدثنا يحيى بن آدم ]. هو يحيى بن آدم الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن معمر بن عبد الله بن حنظلة ]. الاثنان عبد الله بن إدريس و محمد بن إسحاق مرّ ذكرهما، و معمر بن عبد الله بن حنظلة مقبول، أخرج حديثه أبو داود . [ عن يوسف بن عبد الله بن سلام ]. يوسف بن عبد الله بن سلام صحابي صغير، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن، وأبوه عبد الله بن سلام هو الصحابي المشهور. [ عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة ]. خويلة بنت مالك بن ثعلبة صحابية، خرَّج حديثها أبو داود . الفرق بين كفارة الظهار المؤقت وغير المؤقت وحكم من لم يستطع الإتيان بالكفارة جاءت المرأة تشتكي ولم يأت زوجها أوس بن الصامت رضي الله عنه على اعتبار أنها هي التي شعرت بأنه يلحقها الضرر بهذا الفراق، وأيضاً يمكن أن يكون هو استحيا؛ لأنه هو الذي حصل منه الأمر الذي ترتب عليه الكفارة. والكفارة تلزم بحصول الظهار ولو لم يحصل جماع في تلك المدة، فالجماع لا يكون إلا بعد الكفارة، وفي قصة سلمة بن صخر حصل منه الجماع قبل مضي المدة التي حددها لنفسه فلزمته الكفارة، والتماسُّ بينهما -الذي هو الجماع والاستمتاع- لا يكون إلا بعد أداء الكفارة؛ ولكن إذا كانت المدة محددة بأن يقول: (أنت علي كظهر أمي) إلى الليل، ثم لم يقربها حتى جاء الليل فهذا لا يلزمه شيء، ولكن لو جامع قبل انتهاء المدة المحددة لزمته الكفارة، مثلما حصل لسلمة بن صخر ، فإنه لزمه؛ لأنه حصل منه الجماع قبل انتهاء المدة، لكن إذا كان الظهار مطلقاً فإنه لا جماع ولا التقاء بينهما بالاستمتاع إلا بعد التكفير، كما قال الله عز وجل: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة:3]. وإن جامع المظاهر قبل أن يكفر فلا تلزمه كفارة أخرى؛ لأن سلمة بن صخر الذي مرت قصته جامع قبل انتهاء المدة ولم تلزمه كفارة ثانية فوق كفارة الظهار، وهذه الكفارة مثل كفارة من جامع في نهار رمضان. ومن لم يجد هذه الثلاث الكفارات فلا تسقط عنه الكفارة، وإنما تبقى ديناً في ذمته كسائر الحقوق التي تلزم الناس، وآخر شيء الإطعام، فيلزمه على الترتيب حيث كان قادراً، وإذا كان وقت اللزوم لا يستطيع هذا ولا هذا ولا هذا فإن الكفارة لازمة في ذمته. إسناد آخر لحديث خويلة: (ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت) وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني حدثنا محمد بن سلمة عن ابن إسحاق بهذا الإسناد نحوه، إلا أنه قال: والعَرَق: مكتل يسع ثلاثين صاعاً. قال أبو داود : وهذا أصح من حديث يحيى بن آدم ]. أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه تفسير العَرَق بأنه مكتل يسع ثلاثين صاعاً، أي: بخلاف الحديث الذي قبله، فإن فيه ستين صاعاً، ويظهر أن أبا داود يرجح هذه الرواية على التي قبلها. قوله: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني ]. عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني صدوق ربما وهم، أخرج له أبو داود و النسائي . [ حدثنا محمد بن سلمة ]. وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ابن إسحاق بهذا الإسناد ]. ابن إسحاق مر ذكره وذكر من فوقه. شرح أثر أبي سلمة بن عبد الرحمن: (العرق زنبيل يأخذ خمسة عشر صاعاً) وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان حدثنا يحيى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: يعني بالعرق: زنبيلاً يأخذ خمسة عشر صاعاً ]. أورد المصنف هذا الأثر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وهو أن العرق زنبيل يسع خمسة عشر صاعاً، وهذا موقوف أو مقطوع ينتهي إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وإسناده صحيح. قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبان ]. أبان هو: ابن يزيد العطار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ حدثنا يحيى ]. هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. شرح حديث: (كله أنت وأهلك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة و عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار بهذا الخبر قال: (فأُتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتمر فأعطاه إياه، وهو قريب من خمسة عشر صاعاً، قال: تصدق بهذا، قال: يا رسول الله! على أفقر مني ومن أهلي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كله أنت وأهلك) ]. أورد أبو داود الحديث، وفيه: أنه أعطاه فرقاً يسع قريباً من خمسة عشر صاعاً، وقال: (تصدق به، قال: يا رسول الله! على أفقر مني ومن أهلي؟ قال: كله أنت وأهلك)، وهذا لا يدل على سقوط الكفارة، وإنما يدل على أنه فقير محتاج وأنه أعطي هذا المقدار لا لأنه أخذه كفارة يتصدق به على نفسه؛ لأن كفارة الإنسان لا تكون عليه وإنما تكون لغيره، وهو أعطاه لفقره، ومعلوم أن الكفارة بقيت في ذمته إلى أن يحصل له اليسار والجدَة، فهذا الذي أعطاه إياه لا يعتبر كفارة، وإنما لما أخبر بأنه محتاج فبدلاً من أن يعطيه لغيره وهو أحوج ما يكون إليه أعطاه إياه ليستفيد منه لا لأنه كفارة؛ لأن الكفارة تكون منه لغيره، والكفارة باقية في ذمته.
__________________
|
#449
|
||||
|
||||
![]() تراجم رجال إسناد حديث: (كله أنت وأهلك) قوله: [ حدثنا ابن السرح ]. هو أحمد بن عمرو بن السرح ، ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا ابن وهب ]. هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن لهيعة و عمرو بن الحارث ]. هو: عبد الله بن لهيعة المصري ، وهو صدوق ساء حفظه لما احترقت كتبه، ورواية العبادلة عنه كانت قبل اختلاطه بعد احتراق كتبه، وهذه الرواية هي من هذا القبيل؛ لأن الراوي عنه هو أحد العبادلة الأربعة عبد الله بن وهب ، ثم أيضاً لم ينفرد بهذه الرواية بل معه عمرو بن الحارث المصري فيها، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن بكير بن الأشج ]. هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن سليمان بن يسار ]. هو سليمان بن يسار ، وقد مر ذكره. شرح حديث أوس أن النبي أعطاه خمسة عشر صاعاً [ قال أبو داود : قرأت على محمد بن وزير المصري قلت له: حدثكم بشر بن بكر حدثنا الأوزاعي حدثنا عطاء عن أوس أخي عبادة بن الصامت رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه خمسة عشر صاعاً من شعير إطعامَ ستين مسكيناً. قال أبو داود : و عطاء لم يدرك أوساً وهو من أهل بدر قديم الموت، والحديث مرسل، وإنما رووه عن الأوزاعي عن عطاء أن أوساً ]. أوس بن الصامت هو زوج خولة بنت ثعلبة التي مر ذكرها، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه خمسة عشر صاعاً لإطعام ستين مسكيناً، فيكون لكل مسكين مُد، وهذا المقدار هو الذي يتفق مع كفارة المجامعة في نهار رمضان. وقوله: [ قرأت على محمد بن وزير المصري قلت: حدثكم فلان ]، هذه الصيغة قليلة الوجود في سنن أبي داود ، أي: أن يقول: حدثكم فلان عن فلان عن فلان عن فلان كذا، وهي تأتي في صحيح مسلم كثيراً، وتأتي عند النسائي أيضاً كثيراً، ولها حالتان عند المحدثين: إحداهما: في آخر الحديث يقول: حدثكم فلان عن فلان عن فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، فأقر به. أي: جواب الاستفهام في قوله: حدثكم. وأحياناً لا يأتي ذكر (أقر به) ولكنه يكون مقراً به، ويتركون ذلك على سبيل الاختصار، وهذا ليس فيه: (قال: نعم) أو (فأقر به) أي: في آخر الإسناد، وهذا -كما سبق- قليل عند أبي داود . تراجم رجال إسناد حديث أوس أن النبي أعطاه خمسة عشر صاعاً [ قال أبو داود : قرأت على محمد بن وزير المصري ]. محمد بن وزير المصري مقبول، أخرج له أبو داود . [ حدثكم بشر بن بكر ]. بشر بن بكر ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا الأوزاعي ]. هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا عطاء ]. هو ابن أبي رباح ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أوس ]. هو أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت ، صحابي، أخرج حديثه أبو داود . الفرق بين الحديث المرسل في اصطلاح الفقهاء والحديث المرسل عند المحدثين [ قال أبو داود : و عطاء لم يدرك أوساً وهو من أهل بدر قديم الموت، والحديث مرسل، وإنما رووه عن الأوزاعي عن عطاء أن أوساً ]. المرسل هنا هو بالمعنى العام الذي هو مشهور باصطلاح الفقهاء، حيث إن الحديث المرسل في اصطلاح الفقهاء: أن يروي شخص عن آخر لم يدركه في أي مكان من السند، فيقال له: عند الفقهاء إرسال. وأما المرسل في اصطلاح المحدثين: هو: قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فيكون الانقطاع هو سقوط الراوي الذي فوق التابعي، فالمرسل عند الفقهاء أوسع من الاصطلاح المشهور عند المحدثين. والمصنف ذكر المرسل هنا بالمعنى العام عند الفقهاء الذي هو كون الراوي يروي عمن لم يدركه فيقال له: مرسل، ولذا يقال: فلان يرسل. شرح حديث: (أن جميلة كانت تحت أوس بن الصامت.. فكان إذا اشتد لممه ظاهر من امرأته..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن هشام بن عروة (أن جميلة كانت تحت أوس بن الصامت رضي الله عنهما، وكان رجلاً به لمم، فكان إذا اشتد لممه ظاهر من امرأته، فأنزل الله تعالى فيه كفارة الظهار) ]. أورد المصنف قصة أوس بن الصامت ، وذكر هنا أن زوجته جميلة ، وقد مر أن زوجته خولة أو خويلة ، ولعلها ذُكرت هنا بوصف من أوصافها، وهناك ذكرت باسمها، وإلا فإن القصة واحدة. قوله: [ (وكان رجلاً به لمم) ]. قيل: إن المقصود باللمم: الحاجة إلى النساء، وقيل: اللمم: الغضب والانفعال، وأنه إذا أصابه ذلك ظاهر منها، والذي يظهر أن هذا هو المعنى الصحيح أي: أنه يغضب وأنه يظاهر منها؛ لأنها قد أخبرت أنه شيخ كبير، فهو لم يحصل له مثلما حصل لسلمة بن صخر الذي يقول: إن عنده ما ليس عند غيره من الحاجة إلى النساء، فالذي يظهر أن اللمم هنا: أنه إذا حصل له غضب أو انفعال ظاهر من زوجته. تراجم رجال إسناد حديث: (أن جميلة كانت تحت أوس بن الصامت.. فكان إذا اشتد لممه ظاهر من امرأته..) قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد عن هشام بن عروة ]. هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه انقطاع، فهو مرسل. إسناد آخر لحديث: (أن جميلة كانت تحت أوس بن الصامت.. فكان إذا اشتد لممه ظاهر من امرأته..) وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا محمد بن الفضل حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها مثله ]. قوله: [ حدثنا هارون بن عبد الله ]. هو هارون بن عبد الله الحمال البغدادي ، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن. [ حدثنا محمد بن الفضل ]. هو: أبو النعمان عارم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة ]. هو عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن عائشة ]. أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عُرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح أثر عكرمة: (أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يُكفّر..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني حدثنا سفيان حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة (أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يكفر، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: رأيت بياض ساقها في القمر، قال: فاعتزلها حتى تكفر عنك) ]. هذا الأثر مرسل عن عكرمة ، ويبدو أنه يتعلق بقصة سلمة بن صخر الذي واقع امرأته قبل أن يكفر، وكان سبب ذلك أنه رأى بياض ساقها في القمر فواقعها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره باعتزالها حتى يكفر، وهذا دليل على أنه لا تلزمه كفارة أخرى بسبب الوطء قبل انتهاء مدة الظهار، والواجب على من ظاهر أن يعتزل امرأته حتى يكفر، حتى ولو كان معدماً لا يستطيع أن يكفر فإنه يصبر حتى يجد الكفارة؛ لأن الله قال: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا [المجادلة:3]. تراجم رجال إسناد أثر عكرمة: (أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يُكفّر..) قوله: [ حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ]. إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ثقة، أخرج له أبو داود . [ حدثنا سفيان ]. هو ابن عيينة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الحكم بن أبان ]. الحكم بن أبان صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن. [ عن عكرمة ]. هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. إسناد آخر لأثر عكرمة: (أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يُكفّر..) وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الزعفراني قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن الحكم بن أبان عن عكرمة (أن رجلاً ظاهر من امرأته فرأى بريق ساقها في القمر، فوقع عليها فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأمره أن يكفر) ]. هذا مثل الذي قبله. قوله: [ حدثنا الزعفراني ]. هو الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن. [ عن سفيان بن عيينة عن الحكم بن أبان عن عكرمة ]. قد مر ذكرهم. إسناد ثالث لأثر عكرمة: (أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يُكفّر..) وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا زياد بن أيوب حدثنا إسماعيل حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه، ولم يذكر الساق ]. أورد المصنف الحديث متصلاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ ولم يُذكر الساق ]، ويقصد بالساق أي: أن الذي دفعه إلى ذلك أنه رأى ساقها فأعجبه فوقع عليها. قوله: [ حدثنا زياد بن أيوب ]. زياد بن أيوب ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا إسماعيل ]. إسماعيل بن علية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس ]. مر ذكرهم إلا ابن عباس ، وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وواحد من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. إسناد رابع لأثر عكرمة: (أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يُكفّر..) وتراجم رجاله قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو كامل أن عبد العزيز بن المختار حدثهم حدثنا خالد حدثني محدث عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنحو حديث سفيان ]. أورد المصنف الحديث هنا من طريق أخرى، وأحال إلى حديث سفيان بن عيينة المتقدم. قوله: [ حدثنا أبو كامل ]. هو أبو كامل الجحدري الفضيل بن حسين ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ أن عبد العزيز بن المختار حدثهم ]. عبد العزيز بن المختار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا خالد ]. هو: ابن مهران الحذاء ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثني محدث ]. هو مبهم، حيث لم يُسمّه. [ عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]. أي: أنه مرسل. إسناد خامس لأثر عكرمة: (أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يُكفّر..) وتراجم رجاله [ قال أبو داود : وسمعت محمد بن عيسى يحدث به حدثنا المعتمر قال: سمعت الحكم بن أبان يحدث بهذا الحديث، ولم يذكر ابن عباس ، قال: عن عكرمة ]. أورد المصنف الحديث هنا من طريق أخرى، وهو كذلك منتهٍ إلى عكرمة ، فهو من قبيل المرسل. [ قال أبو داود : وسمعت محمد بن عيسى ]. محمد بن عيسى هو: الطباع ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي و ابن ماجة . [ حدثنا المعتمر ]. هو المعتمر بن سليمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. إسناد سادس لأثر عكرمة: (أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يُكفّر..) وتراجم رجاله [ قال أبو داود : كتب إلي الحسين بن حريث قال: أخبرنا الفضل بن موسى عن معمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما بمعناه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]. أورد المصنف الحديث هنا من طريق أخرى مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بمعنى ما تقدم. [ قال أبو داود : كتب إلي الحسين بن حريث ]. هو الحسين بن حريث المروزي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ أخبرنا الفضل بن موسى ]. هو الفضل بن موسى المروزي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس ]. قد مر ذكرهم. الأسئلة ألفاظ الظهار السؤال: ما هي ألفاظ الظهار؟ الجواب: ألفاظ الظهار: كأن يقول: (أنتِ علي كظهر أمي) أو (كبطن أمي) أو (كأمي) أو أي لفظ يدل على هذا المعنى، ومثل ذلك محارمه، مثل: (كظهر أختي) أو (حرام علي كأختي) أو كأي امرأة من محارمه فإنه كذلك ظهار، ولا يختص الحكم بالأم، ولا يختص بعضو معين لمحارمه كالظهر أو نحوه، فلو ذكر أي شيء من جسم المرأة مثل: ظهرها أو بطنها أو ما إلى ذلك فإنه يقع الظهار. حكم مظاهرة المرأة لزوجها السؤال: هل يجوز للمرأة أن تظاهِر من زوجها؟ الجواب: المرأة لا تطلِّق ولا تظاهِر، فليس لها طلاق ولا مظاهرة. حكم الظهار السؤال: هل يُفهم من هذه الأحاديث أن الظهار جائز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على سلمة ولا على أوس ؟ الجواب: كيف لم ينكر؟! أما قال: (أنت بهذا؟! أنت بهذا؟!) يكرر عليه؟! وهذا إنكار، وقد جاء في القرآن أنه منكر من القول وزور، وهو محرم، فكيف يقال: إنه جائز؟! كيفية إطعام ستين مسكيناً السؤال: بالنسبة للإطعام هل يجوز أن نجمع ستين مسكيناً ونطبخ لهم طعاماً ونعطيهم؟ الجواب: يجوز، لكن كونه يعطيهم شيئاً من الطعام يستفيدون منه أولى، وإن جمعهم وأطعمهم فإنه يجزئه. حكم إعطاء ستين صاعاً لستة مساكين أو نحوهم السؤال: ما الحكم إذا أعطى ستة مساكين كل مسكين عشرة آصُع؟ الجواب: هذه المسألة اختلف فيها العلماء: منهم من قال: يتعين أن يستوعب ستين مسكيناً، بمعنى: أنه لا بد أن تكون هذه الصدقة توزَّع على ستين شخصاً. ومنهم من قال: إنه يجوز أن يطعم عشرة مساكين ست مرات، فيكون كأنه أطعم ستين مسكيناً. والقول الأول عزاه في عون المعبود إلى مالك و الشافعي ، والقول الثاني عزاه إلى أبي حنيفة ، وبلا شك أنه إذا أطعم ستين مسكيناً بدون أن تكون الكفارة متكررة مع بعض المساكين فهو أولى، لكن إذا لم يتيسر تحصيل ستين مسكيناً فإنه لا بأس أن يطعم جماعة من المساكين بعدد ما يكون به استيعاب الكفارة. مقدار المدّ بالكيلو السؤال: ذكرتم أنه يخرج مُدَّاً لكل مسكين، فما مقدار المُدّ بالكيلو؟ الجواب: الصاع هو: ثلاثة كيلوات، والصاع أربعة أمداد، فالمدّ ربع الصاع، إذاً: المد أقل من كيلو. حكم من مات وعليه كفارة السؤال: إذا مات الإنسان وعليه كفارة فهل يمكن أن يكفر عنه غيره؟ الجواب: نعم، يمكن أن يتولاها غيره في الحياة وبعد الموت، وبعد الموت لا تعتبر لازمة على الورثة، ولكنها مجزئة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) ولا يلزمه، ولكنه إذا صام عنه فإنه يكون أدى ما عليه. حكم من مات وعليه مخالفات مرورية السؤال: ما حكم من مات وعليه مخالفات مرورية، هل تعتبر ديناً؟ الجواب: يُرجع في هذا إلى المرور. حكم من جعل ديدنه غيبة ولي الأمر السؤال: هل يصدق على من جعل ديدنه غيبة ولي الأمر في المجالس أنه خالع للبيعة؟ الجواب: لا شك أن هذا العمل من الأعمال السيئة التي فيها تنفير القلوب وإيجاد الوحشة، وهذا لا يسوغ، ولكن لا يقال: إن هذا فيه خلع للبيعة، وإنما هذا عمل منكر وعمل لا يسوغ، ويمكن أن يؤدي إلى الخلع للبيعة من ناحية تنفير القلوب وحصول التشويش وتأليب الناس؛ فتحصل الفتن بسبب ذلك. حكم استمتاع المظاهر من زوجته بدون جماع السؤال: ما حكم استمتاع المظاهر من زوجته بغير الجماع؟ الجواب: اختلف العلماء في هذا: منهم من قال: إن التماسَّ إنما يكون بالجماع. ومنهم من قال: إنه يكون بكل استمتاع. والذي يظهر أنه ليس له أن يستمتع منها أي استمتاع حتى يكفِّر. الضابط في عدم القدرة على الصيام السؤال: ما هو الضابط في عدم قدرة الرجل على الصيام بحيث ينتقل إلى الكفارة التي هي الإطعام؟ وهل هو كبر السن؟ الجواب: لا شك أن كبر السن من الأسباب، كما قالت المجادلة عن زوجها: إنه كبير السن كما في حديث خولة ، ومنها: أن يكون فيه مرض لا يستطيع معه الصيام. حكم اتخاذ وليمة العرس بمقام إطعام ستين مسكيناً السؤال: هل يستطيع إنسان في وليمة عرسه أن ينوي بها أنها كفارة لستين مسكيناً؟ الجواب: ليس له ذلك، والذين حضروا كثير منهم ليسوا مساكين، بل حتى ولو كانوا مساكين فما يصح أن تكون الوليمة هي الكفارة؛ لأن الوليمة سبب للعرس، وأما الكفارة فهذه جزاء عن الخلل الذي حصل منه. حكم من لم يصبر عن الجماع فعدل عن صيام شهرين متتابعين إلى إطعام ستين مسكيناً السؤال: هل تعتبر قلة الصبر عن الجماع عذر في الانتقال إلى الإطعام بدل صيام شهرين؟ الجواب: نعم يعتبر، إذا كان لا يستطيع وليس له قدره على كبح شهوته، مثلما جاء في قصة سلمة . حكم نظر الخاطب إلى صورة المخطوبة السؤال: هل يجوز نظر الخاطب إلى صورة المخطوبة إذا تعذر عليه أن ينظر إليها بعينه؟ الجواب: ليس للمخطوبة أن تصور نفسها، وليس لها أن تدفع الصورة إلى من يخطبها، بل إن تيسر له أن يراها سواء كان عن طريق المشاهدة -مع التستر ولا يبدو إلا وجهها ويداها- أو عن طريق النظر إليها من شباك أو من فتحة باب أو ما إلى ذلك، وأما قضية التصوير ودفع الصور فهذا لا يصلح ولا يليق، بل يُخشى أن يحتفظ الخاطب بالصورة ويخرج منها نسخاً وتُنشر، وهذا لا يصلح ولا يجوز. حكم التحديث بما يقع بين الزوجين السؤال: هل في حديث سلمة دلالة على جواز التحدث بما يقع بين الزوجين؟ الجواب: الذي حصل أنه أخبر وهو يبحث عن الحكم لأنه مستفتٍ؛ لكن ليس فيه ذكر كيفية الجماع وكيفية الاستمتاع وما إلى ذلك، وإنما ذكر الذي حصل له، وليس فيه التحدث بما حصل بين الزوجين، والحديث ليس فيه شيء من هذا، وإنما فيه أنه رآها وأعجبته ووقع عليها، وقد كان ظاهر منها مدة شهر. وأما قوله: إنه لا يصبر على ما يصبر غيره، وإن عنده قوة، فهذا فيه بيان السبب الذي جعله يقدم على ما أقدم عليه، وهذا من باب الاعتذار بأنه شديد الشهوة، وليس فيه التحدث عن كيفية جماعه، وإنما هو يخبر عن حاله مستفتياً وأنه لم يصبر هذه المدة التي ظاهر منها، وهي مدة شهر رمضان. موقف أهل السنة من الأشاعرة السؤال: هل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة؟ الجواب: ليسوا من أهل السنة والجماعة؛ ولكنهم أقرب من غيرهم إلى أهل السنة والجماعة، وإلا فأهل السنة والجماعة هم الذين كانوا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومعلوم أن عقيدة الأشاعرة لا يعرفها الصحابة، ولم تكن وجدت في زمن الصحابة، وإنما نبتت بعد الصحابة، فهل يعقل أن يكون هذا خيراً فات الصحابة وادُّخر لمن جاء بعدهم؟! لا يعقل، فالصحابة هم أولى الناس بكل خير، وهم أسرع الناس إلى كل خير، وهم أحرص الناس على كل خير. فعقيدة الأشاعرة عقيدة نابتة، وخير هذه الأمة لا يعرفونها، والعقيدة التي فيها الفلاح: هي التي كان عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال مالك : لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها، وقال: ما لم يكن ديناً في زمن محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإنه لا يكون ديناً إلى قيام الساعة. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) وعقيدتهم لم تأتِ عن الرسول ولا عن الخلفاء الراشدين، وقال: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي)."
__________________
|
#450
|
||||
|
||||
![]() شرح سنن أبي داود (عبد المحسن العباد) كتاب النكاح شرح سنن أبي داود [255] الحلقة (287) شرح سنن أبي داود [255] كما جعل الله للزوج مخرجاً بالطلاق إن أبغض زوجته فقد جعل للمرأة مخرجاً بالخلع إن أبغضت زوجها، فتعطيه مالاً تفتدي نفسها به، وتخرج من عصمته، وعليها العدة بحيضة، ثم لها أن تتزوج من شاءت، وهذا الحكم من محاسن الشريعة، وفيه تظهر رحمة الشريعة بالمرأة. الخُلع شرح حديث: (أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً في غير ما بأس..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الخلع. حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) ]. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الخلع ]، الخلع هو: إنهاء عقد الزواج على عوض تدفعه المرأة للزوج لتتخلص منه بهذا المال الذي تدفعه إليه. وقد أورد المصنف حديث ثوبان رضي الله عنه: [ (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) ]، وهذا يدل على أنه لا يجوز للمرأة أن تسأل الطلاق إلا لأمر يقتضيه ويُحتاج إليه، أما أن تسأله من غير بأس ومن غير أمر يقتضيه ففيه هذا الوعيد الشديد الذي يدلنا على تحريمه وأنه لا يسوغ، وهو يدل على أن الطلاق ليس بمحبوب ولا مرغوب، وقد سبق حديث: (إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، وهذا يبين أن الطلاق إنما يُصار إليه للحاجة، وأن المرأة إذا سألت الطلاق من غير الحاجة فهي متوعَّدة بهذا الوعيد الشديد. وذكره هنا في باب الخلع؛ لأن الخلع هو من قبل المرأة التي ترغب الخلاص من زوجها، وتدفع له شيئاً مقابل تخلصها منه، إما أن تدفع له مثل الذي دفعه أو أقل أو أكثر حسب ما يتفقان عليه، إلا أنه لا ينبغي ولا يليق للزوج أن يأخذ من زوجته أكثر من المهر الذي أعطاها إياه. ولا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها إلا إذا كان لسبب من الأسباب المعتبرة، ككونها تبغضه أو أنه يعاملها معاملة سيئة فهذا من الأسباب التي تجعل المرأة تطلب الطلاق، أما مع الوئام والاتفاق وليس هناك شيء يقتضيه ففيه هذا الوعيد الشديد الذي جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: [ (حرام عليها رائحة الجنة) ] قيل: إن المقصود بذلك أن هذا من أحاديث الوعيد التي يجب أن يخافها الناس وأن يرهبوا مما جاء فيها من الوعيد. ومن العلماء من قال: إن المقصود بذلك أنه في وقت دون وقت، بمعنى: أنه ليس حرام عليها الجنة دائماً وأبداً، وإنما لا يحصل لها ذلك كما يحصل لمن يدخل الجنة من أول وهلة، فإنها وإن دخلت النار إذا شاء الله أن تدخل النار فلا بد أن تخرج من النار وتدخل الجنة، ولا يبقى في النار إلا الكفار الذين هم أهلها، والذين لا سبيل لهم إلى الخروج منها، ولا سبيل لهم إلى دخول الجنة. وليس هناك دليل يدل على أن الزوج يدخل في هذا الوعيد إذا طلق زوجته من غير حاجة، لكنه لا ينبغي ولا يليق وعليه أن يتقي الله عز وجل. تراجم رجال إسناد حديث: (أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً في غير ما بأس..) قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ]. سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا حماد ]. هو ابن زيد بن درهم البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وإذا جاء حماد غير منسوب يروي عنه سليمان بن حرب فالمراد به حماد بن زيد ، كما أن موسى بن إسماعيل إذا جاء عن حماد غير منسوب فالمراد به حماد بن سلمة ، ويُعرف تعيين أحدهما عند إهماله بمعرفة التلاميذ؛ لأن كلاً منهم اختص بتلاميذ، فعند إهماله وعدم تسمية نسبته يُعرف بتلميذه أنه فلان بن فلان. و المزي رحمه الله تعالى في تهذيب الكمال عقب ترجمة حماد بن سلمة -التي هي بعد ترجمة حماد بن زيد مباشرة- ذكر فصلاً بين فيه من يكون عند الإبهام وأنه يُعرف بالتلاميذ، إذا روى فلان أو فلان أو فلان عن حماد فهو فلان، وإذا روى فلان أو فلان أو فلان عن حماد فهو فلان، فذكر أشياء فيها تعيين أحد الحمَّادين. [ عن أيوب ]. هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي قلابة ]. هو عبد الله بن زيد الجرمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي أسماء ]. هو عمرو بن مرفد الرحبي ، ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. [ عن ثوبان ]. ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. شرح حديث: (لا أنا ولا ثابت بن قيس) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصارية (أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماسرضي الله عنهما، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى وسلم: من هذه؟ فقالت: أنا حبيبة بنت سهل ، قال: ما شأنك؟ قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس -لزوجها-، فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: هذه حبيبة بنت سهل ، وذكرَتْ ما شاء الله أن تذكر، وقالت حبيبة : يا رسول الله! كل ما أعطاني عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لثابت بن قيس : خذ منها، فأخذ منها وجلست هي في أهلها) ]. أورد المصنف حديث حبيبة بنت سهل رضي الله تعالى عنها، وكانت تحت ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه، و ثابت بن قيس بن شماسهو صاحب القصة في سبب نزول قول الله عز وجل: لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2] فقد وكان جهوري الصوت، فخشي أن يكون ممن نزلت فيه هذه الآية، فجلس في بيته يبكي، وفقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأل عنه، سعد بن معاذ، فقال: أنا آتيك بخبره، فذهب إليه، فأخبره ثابت بالسبب الذي جعله ينعزل في بيته، فجاء سعد بن معاذ وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: (إنه من أهل الجنة) فهو ممن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه. قوله: [ (قال: ما شأنك؟ قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس) ] تعني: لا نجتمع، لا أنا ولا هو ولا نبقى على ما كنا عليه، أي: تريد الخلاص منه وتريد فراقه. فلما جاء زوجها ثابت بن قيس بن شماس قالت ما شاء الله أن تقول مما في نفسها، ومما قالته: كل الذي أعطاني عندي، أي: الذي أعطاها من المهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ (خذ منها، وجلست هي في أهلها) وهذا يدل على أن المختلعة ليس لها نفقة؛ لأنها جلست في بيت أهلها، فلا نفقة لها ولا سكن بعد أن انتهى عقد الزواج الذي بينهما بالفسخ الذي قد حصل على خلاف بين أهل العلم: هل الخلع يكون فسخاً أو يكون طلاقاً؟ ولكن الأدلة واضحة في أنه فسخ وليس بطلاق، والفسخ بينونة، وإن أرادوا الرجعة فيكون بينهما زواج جديد؛ لأن العقد الأول قد انتهى بالفسخ. والطلاق -كما هو معلوم- له عدة، والفسخ تستبرأ بحيضة فقط حتى يُعلم براءة رحمها، مثل المسبية التي تُستبرأ بحيضة، وأما إذا كان طلقها طلاقاً فهذه يكون عليها عدة وهي ثلاث حيض إذا كانت تحيض. قوله: [ (وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى الصبح، فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس) ]. أي: في صلاة الفجر، والغلس أي: الظلام. وإذا كان الخلع بدون عوض فلا يسمى خلعاً؛ لأنه لا يوجد خلع بدون عوض، بل لا بد من العوض. وإذا أراد الزوج أن يراجع زوجته المختلعة فليس له مراجعة، وإنما يحتاج إلى عقد للزواج. وللزوج أن يرفض طلب زوجته في الخلع، إلا إذا كانت لا تستطيع العيش معه لسوء عشرة، ورأوا الأمر ما استقام، فكما قال الله عز وجل: فَابْعَثُوا حَكَمَاً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمَاً مِنْ أَهْلِهَا [النساء:35]. فإن كانت المختلعة حاملاً فعدتها وضع الحمل. تراجم رجال إسناد حديث: (.. لا أنا ولا ثابت بن قيس..) قوله: [ حدثنا القعنبي ]. هو عبد الله من مسلمة بن قعنب ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة . [ عن مالك ]. هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهور من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى بن سعيد ]. هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرة بنت عبد الرحمن ]. عمرة بنت عبد الرحمن ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة. [ عن حبيبة بنت سهل ]. حبيبة بنت سهل رضي الله عنها، أخرج حديثها أبو داود و النسائي . شرح حديث: (.. خذ بعض مالها وفارقها..) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن معمر حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو حدثنا أبو عمرو السدوسي المديني عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها (أن حبيبة بنت سهل رضي الله عنها كانت عند ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه، فضربها فكسر بعضها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد الصبح فاشتكته إليه، فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثابتاً ، فقال: خذ بعض مالها وفارقها، فقال: ويصلح ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم، قال: فإني أصدقتُها حديقتين وهما بيدها، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: خذهما وفارقها، ففعل) ]. أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها في قصة حبيبة بنت سهل وزوجها ثابت بن قيس بن شماس رضي الله تعالى عنهما، وفيه: أنها جاءت بعد صلاة الصبح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه بيان السبب الذي جعلها تأتي وتشتكي، وهو أنه ضربها وكسر بعضها، وجاء في بعض الروايات (أنه كسر يدها)، فهذا هو السبب، ولعله حصل في الليل فبادرت بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم من منزله إلى الصلاة، وجاءت إليه تشتكي زوجها ثابت بن قيس بن شماس ، ففي هذا بيان السبب الذي جعلها تأتي في هذا الوقت في الغلس وفي الظلام، حيث أرادت أن تبادر بالشكوى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أقرب وقت ممكن، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذ بعض مالها، فقال: وَيصلح ذلك؟ -يعني: هل يصلح أن آخذ منها شيئاً؟- فقال: نعم، فقال: إني أصدقتها حديقتين وهما عندها، قال: خذهما وفارقها)، فهذا فيه تعيين المهر الذي أصدقها إياه وأنه حديقتان، ويدل على أنه أخذ الحديقتين، وقوله: (خذ بعض مالها) يعني بذلك بعض ما بيدها؛ لأن الحديقتين هما بعض ما بيدها؛ ولكن الشيء الذي دفعه وسلمه إياها هو الحديقتان، فأخذهما. وقد جاءت في بعض الروايات أن زوجة ثابت كانت تريد مفارقته لدمامته، لكن هذا الحديث فيه أن السبب هو معاملته، حيث إنه ضربها وكسر يدها، وإن كانت أسباب اجتمع بعضها إلى بعض؛ لكن لا أدري عن ثبوت كونه كان دميماً. والحديث لا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر ضرب ثابت لزوجته، فعدم الذكر لا يدل على عدم الإنكار. تراجم رجال إسناد حديث: (.. خذ بعض مالها وفارقها..) قوله: [ حدثنا محمد بن معمر ]. هو محمد بن معمر البحراني ، وهو صدوق ، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب. [ حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو ]. هو أبو عامر عبد الملك بن عمرو ، وهو العقدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا أبو عمرو السدوسي المديني ]. هو سعيد بن سلمة بن أبي حسام ، وإلا فهو مجهول، و سعيد بن سلمة صدوق صحيح الكتاب، يخطئ من حفظه، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم و أبو داود و النسائي . [ عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرة عن عائشة ]. عمرة قد مر ذكرها، و عائشة هي: أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من السبعة الذين عُرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. شرح حديث: (أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم البزاز حدثنا علي بن بحر القطان حدثنا هشام بن يوسف عن معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة عن ابن عباس (أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدتها حيضة). قال أبو داود : وهذا الحديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلاً ]. أورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن حبيبة بنت سهل اختلعت من زوجها فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة واحدة، ولم يجعل عدتها ثلاثة قروء، فهذا يدل على أنه فسخ وليس بطلاق؛ لأن الطلاق تكون فيه العدة ثلاثة أقراء. تراجم رجال إسناد حديث: (أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة) قوله: [ حدثنا محمد بن عبد الرحيم البزاز ]. محمد بن عبد الرحيم البزاز هو الملقب بصاعقة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ حدثنا علي بن بحر القطان ]. علي بن بحر القطان ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و أبو داود و الترمذي . [ حدثنا هشام بن يوسف ]. هشام بن يوسف ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن. [ عن معمر ]. هو ابن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عمرو بن مسلم ]. عمرو بن مسلم صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في (خلق أفعال العباد) و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي . [ عن عكرمة عن ابن عباس ]. عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. الاختلاف في رفع الحديث السابق وإرساله [ قال أبو داود : وهذا الحديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ]. أورد المصنف إشارة إلى طريق أخرى فيها إرسال عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر ابن عباس . و عبد الرزاق هو ابن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. شرح أثر ابن عمر: (عدة المختلعة حيضة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: عدة المختلعة حيضة ]. أورد المصنف الأثر عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: عدة المختلعة حيضة، وهو مطابق لما جاء في حديث ابن عباس المتقدم من أن عدتها حيضة واحدة. تراجم رجال إسناد أثر ابن عمر (عدة المختلعة حيضة) قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر ]. نافع هو مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. و عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم."
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 7 ( الأعضاء 0 والزوار 7) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |